الخميس، ٢ أغسطس ٢٠١٢

الطـيف الجمــيل

19-10-2007
كم من سنوات أمضيتها في الطفولة البريئة تداعبني أحلام وأمنيات بأن يزورني‏(‏ ولو لمرة‏)‏ ذلك الجد الطيب المسمي بابا نويل بلحيته البيضاء وطرطوره وزيه الأحمر وابتسامته الودود‏,‏ والأهم من ذلك كله بهداياه الجميلة‏..‏ لكنه للأسف لم يختصني أبدا بتلك الزيارة‏...‏ فتصورت‏..‏ ثم أيقنت أني‏(‏ لسبب أو آخر‏)‏ غير جدير بها‏,‏ إلي أن أدركت مع تعاقب السنين أنه شخصية وهمية مصطنعة ارتبطت باحتفالات الكريسماس بالخارج‏..‏ ومع ذلك فقد بقي شخصية محببة وجميلة‏(‏ في المعني‏)‏ لنا وللأطفال من بعدنا‏,‏ وإن كنا لم نعد ننتظره كخيال بعد‏.‏

إلي أن فوجئت ـ وبعد عقود طوال تجاوزت فيها سن المعاش ـ بواقع يتجاوز هذا الخيال بمراحل وأشواط‏..,‏ فإذا بطيف رائع يطرق خلوتي ويتصل بي ليستفسر مني وبإلحاح عن أحلام الطفولة البريئة وحرمانها المرير ـ والتي لا تخص كهلا مثلي بالقطع ـ بل من هم أفضل وأروع مني بكل تأكيد‏:‏ أحباب الله‏..‏ الأيتام والمعاقون الفقراء‏.‏

وكانت المناسبة هي ليلة الرؤية لهلال رمضان‏..‏ ومع نسماتها الروحانية العطرة الجميلة‏..‏ وعلي مشارف الفجر منها‏..!!‏

وكأنما أردت أن أعوض حرمان زيارة الطفولة‏..‏ فأخذت أسرد وأسرد ما يحتاجه هؤلاء الأطفال من كساء وغذاء ومصروفات دراسية‏..‏ بل وهدايا وعيديات أيضا‏..‏ فإذا بصاحب الطيف الجميل‏(‏ والذي نتوقع أنك تعلمه‏)‏ ـ ولنطلق عليه بابا الخير ـ يستأذنني في مهلة بضع دقائق‏..‏ انهمرت بعدها أنهار الخير علي هؤلاء الأطفال المحرومين والأبرياء من شتي الاتجاهات‏..‏ فهذا محاسب يتبرع بعشرين ألفا‏..‏ وصاحب مصنع يتبرع بخمسين‏..‏ و‏..‏ و‏..‏ وأمكن مع أول أيام ونسمات الشهر الجميل تدبير احتياجات نحو ألف من هؤلاء الأطفال‏.‏

وإذا بزيارة أخري من ذات الطيف الجميل بعد يومين لا أكثر ليستفسر عن أحلام وأحوال أسر وأطفال آخرين‏..‏ فبلغ بنا الطمع مداه‏..‏ وطلبنا منه مضاعفة عدد الأطفال‏..‏ بل وشباب الأيتام غير القادر علي سداد مصروفات الجامعة‏..‏ وصولا لتجهيز بعض عرائس الأيتام المتعثرات في الزواج‏..‏ فإذا به يتقبل طمعي بكرم زائد ويحيلني لملاك آخر يتولي عنه كل هذه المهام دون تأخير‏..‏ والذي أفاض بدوره في العطاء فعرض علينا أيضا تجهيز مستشفي سرطان أطفال جامعة الزقازيق ببعض ما ينقصها من أجهزة حيوية‏..‏ بل وأدوية غالية تكفيها لمدة ثلاثة أشهر‏..!!‏

والأغرب يا سيدي أن هذا الملاك بات هو الذي يطاردنا ويلاحقنا‏(!!)‏ لإتمام مشروعات الخير التي وعدنا بها والتي تتجاوز ربع المليون جنيه‏...‏ والتي يسعي شباب القافلة بالكلية معنا جاهدين لإنجازها علي أفضل وجه يرضي الخالق عز وجل‏.‏

وليتك كاتبنا شاركتنا تلك الليلة الرائعة التي ازدان فيها استاد جامعتنا الحبيبة‏(‏ الزقازيق‏)‏ بأطفال الجنة من الأيتام الفقراء‏..‏ وشاهدت فرحتهم الغامرة باحتفالات وهدايا العيد‏.‏

وليتك شاهدت أيضا شباب قافلتنا الجميلة ومسئولي الجامعة والكلية والأستاد وهم يحلقون كالملائكة حول هؤلاء الأطفال عناية ورعاية وتدليلا‏.‏

أولئك الشباب المفلس تماما ماليا‏.‏ والثري جدا عطاء وحبا وإنسانية‏...‏ والذي كان يجوب المصانع والأسواق صائما لتدبير كساء الأيتام‏..‏ وهم لا يملكون غالبا لأنفسهم ثمن حذاء جديد‏..!!‏

فهل من روعة وعطاء ونقاء أعظم‏..!!‏
وليتك أيضا كنت معنا بتلك الليلة الرمضانية الرائعة التي أمضيناها مع وبين قلوب وضحكات يتيماتنا الجميلات من أبناء الكنيسة القبطية عندما توجهنا لهم للتهنئة بزواج إحدي زهراتهن البريئة‏.‏

تلك الزيارة التي سبقها ـ وبما يشبه الافلام الهندية ـ مفارقة غاية في الروعة والدلالة والتدبير الإلهي المعجز‏..‏ إذ ونحن نتناقش حول أفضل هدية لتلك العروس الجميلة‏..‏ فإذا بزميل قبطي بالكلية يتصل بنا ـ وفي هذه اللحظة بالذات‏!!‏ ـ طالبا أن يشاركنا في كساء الأيتام المسلمين‏..‏ فطلبت منه بدوري أن يتولي هو هدية تلك العروس‏(‏ وبأغلي ثمن‏)..‏ فوافق بعد إلحاح وفوضنا نحن في تقديمها‏.‏

ليتأكد لنا وللجميع ـ وللمرة المليون ـ أن الله دوما في الانتظار بكل الأديان‏..‏ واللغات‏..‏ بل والأجناس‏..‏ مادام الحب والتراحم والتواد هو السائد‏..‏ وليس البغض والكراهية والتربص والأحقاد‏.‏

وليكتمل هذا الفيلم الجميل بجارنا ضابط الشرطة القبطي الذي جدد شقته ويصر علي أن يختصنا نحن بأن نأخذ ما قد يصلح لديه من فائض أثاث لتزويج اليتيمات المسلمات‏..!!‏

فيا سبحان الله‏..‏ فما هذه الطاقة الكامنة والهانئة للخير بين ابناء مصر الأصيلة والجميلة‏..‏ وما سر تلك الأيام‏(‏ بل واللحظات‏)‏ الرائعة التي تجلي النفوس‏..‏ وتظهر أجمل وأروع مافي معدن البشر مسلمين ومسيحيين علي حد سواء‏..‏؟‏!‏

وما تفسير تلك اللقطات الرائعة التي نجد فيها تسابقا بين الثري الذي ينصب موائد الرحمن‏...‏ وبين الشاب العاطل والمفلس الذي يقف متحمسا وسعيدا بالإشارات والطرقات ليوزع تمرا وعصيرا علي من هم اغني منه من راكبي السيارات الفاخرة والفارهة‏..!!‏

انتهاء‏(‏ بل وابتداء‏)‏ باشقائنا وأبناء عمومتنا الاقباط ـ جارا أو زميلا أو تاجرا وسائقا للتاكسي ـ والذين يمتنعون تماما عن الأكل والسجائر‏(‏ وما أدراك ما هي‏)‏ مراعاة ومشاركة للصائمين‏.‏ والذين‏(‏ وبقدرة قادر‏)‏ تختفي أي مشاحنات معهم بذلك الشهر الكريم‏..‏ ليحل محلها ـ ولو علي سبيل المجاملة ـ تلك الموائد والمودة والزيارات المشتركة‏.‏

فما هذه اللوحة الإنسانية الرائعة‏..‏ وهل هؤلاء حقا هم أبناء مصر‏(‏ والذين باتوا يخانقون ذباب وجوههم‏)..‏ أم انه شعب مستعار‏..‏ أم ان شخصيتنا الحقيقية والتي تكاد تطمسها أوضاعنا القهرية‏..‏ تبزغ بأزهي صورها بتلك الأيام الروحانية الرائعة‏..!!‏

فما هو إذن سر هذا الشهر الرائع الجميل‏..‏؟
وهل نترك سلوكياته الإنسانية الراقية التي تظهر المعدن الحقيقي لشعبنا تفلت من بين أيدينا كالمعتاد كل عام‏..‏؟‏!‏

والاجابة بالقطع‏:‏ لا‏..‏ وألف لا‏..‏
أم أن إله رمضان ليس بإله سواه‏..!!‏

من هنا فاسمح لنا كاتبنا أن نطالبكم عبر صفحتكم الإنسانية والاجتماعية الثرية ببدء حوار حول المبادرات الذاتية الممكنة للتخفيف عن ذوي الحاجات من أهلنا وأبناء وطننا‏(‏ مسلمين واقباطا‏)‏ علي مدي العام‏.‏

ذلك انه اذا كان مشروعكم الجميل والنبيل لمساندة الشباب الذي كنا نستبشر به خيرا قد تعثر لأسباب معتادة جدا بمصر‏..!!‏ فيجب ألا نقف كثيرا في الانتظار‏..‏ فآلام البشر وصراخهم بلغ عنان السماء‏..‏ والخالق عز وجل لن يتهاون معنا في الحساب‏.‏

من هنا اسمح لي أن أبدأ معكم ببعض افكار متواضعة يستطيع كل منا أن يطورها ويبدأها بالدائرة المحيطة به‏..‏ والتي يمكن أن تتراوح مابين‏:‏

مشروعات عاجلة لا تحتمل تأجيلا‏:‏
وتتمثل مبدئيا في بطانية وبلوفر وحذاء‏(‏ ولو مستعملا‏)‏ لكل يتيم وفقير قبل دخول الشتاء‏.‏ وصدقني كم من بيوت دخلناها لا يوجد بها أي غطاء ـ أو حتي سرير ـ سوي بعض هلاهيل يفترشون بها التراب‏.‏

وصولا إن أمكن لتدبير بعض احتياجات العيد القادم لهم‏..‏ ولتكن تحت شعار كيلو لحم‏(‏ ولو مجمدا‏)‏ لكل يتيم أو فقير‏..‏

مشروعات متوسطة الأجل‏:‏
وتختص مثلا بالمعاونة في إتمام زواج أكبر عدد ممكن من الفتيات غير القادرات بابسط أجهزة وأثاث‏...‏ ولتكن‏(‏ مبدئيا‏)‏ من الفائض غير المستخدم بمنازلنا‏..‏ فضلا عن تلك التي تذخر بها الجرائد الإعلانية الأسبوعية بأرخص الأسعار‏.‏

إضافة لتوفير بعض تجهيزات بسيطة‏(‏ ولو مستعملة‏)‏ ـ كمعونة أو كقرض حسن ـ لمن يرغب في بدء مشروع صغير يكفيه وأسرته السؤال‏.‏

مشروعات ممتدة‏(‏ من رمضان للذي يليه‏):‏
ولتشمل تطوير جزء من حي عشوائي أو مدرسة أو مستشفي أو‏..‏ وصولا للمساهمة مثلا ـ وبالأولوية عن كل شيء ـ في إنجاز مشروعات تنقية المياه بقري وأحياء الفقراء‏..‏ ـ ولو من منظور توفير جرعة ماء نظيف لكل صائم‏..‏ خاصة أن رمضان المقبل وما بعده سيمكث معنا طويلا بأشهر الصيف والقيلولة‏.‏

فهل من دعوة منكم لأحبائنا الذين تهفو أرواحهم كثيرا لزيارة الرحمن ورسوله اليتيم‏..‏ بأن يخصصوا قيمة عمرة واحدة لتزويج بعض أقاربهم أو جيرانهم غير القادرين‏.‏ ونفس الشيء بالنسبة لأشقائنا الأقباط الراغبين في زيارة القدس لولا الاحتلال‏..!!‏

وهل‏..‏ وهل‏..‏ وهل‏..‏ ؟؟
سيدي‏..‏ ندرك تماما أننا لن نستطيع ـ بمثل هذه المحاولات والأفكار ـ أن نقضي علي الفقر والبؤس والمرض بمصر لارتباطه بأوضاع هيكلية جائرة‏..‏ لكننا نوقن في الوقت ذاته أن البطون الخاوية والأجساد الهزيلة والعارية لم تعد تحتمل المزيد‏..‏ وأن السرطان والفشل الكلوي والكبدي بات ينهش أجساد صغارنا بلا رحمة أو علاج‏..!!‏

فهل من مشارك أو مجيب للتخفيف عن أولئك الضائعين‏..‏؟‏!‏
كاتبنا الحبيب مصرنا الغالية تئن وعليلة‏..‏ لكنها ـ بأبنائها ـ ثرية وأصيلة‏..‏ وطاقات الخير بها كامنة وغير محدودة‏..‏ وكل المطلوب هو ترشيد تلك الطاقة كي تمثل نهرا مستمرا ومتجددا ومتدفقا طول العام‏..‏

فهل هذا مستحيل‏..‏؟‏!‏
د‏.‏ عادل حسن قاسم
قافلة شعاع الخير

‏*‏ في مثل هذا الوقت من كل عام‏,‏ تأتيني هذه الرسالة من الصديق الأستاذ عادل قاسم مؤسس قافلة شعاع الخير التي تضم زهورا من أرض مصر الطيبة‏,‏ لتمنحني أوكسجين نقيا‏,‏ يفتح مسام المحبة في القلب‏,‏ ويكشف عن أهل مصر الأصليين‏,‏ الذين يغيثون المحتاج‏,‏ ويمسحون دموع المتألمين‏,‏ ويرسمون الضحكة علي وجوه الأيتام المحرومين‏.‏

في مصر ـ ياسيدي ـ ملايين بابا نويل ونحن لا نشعر بهم‏,‏ وقد لا نراهم‏,‏ ولكنهم حولك وأمامك من حيث لا تحتسب‏..‏ قد يغلق أمامنا باب‏,‏ فيفتحون لنا أبوابا للأمل والفرح‏..‏ وقد يتعطل مشروع أو حلم‏,‏ فيفاجئوننا بمشاريع وأحلام لم نكن نتوقعها‏.‏

سيدي‏..‏ الطيف الجميل ليس هو بريد الجمعة أو من يحرره‏,‏ ولكنه ذلك الإنسان الذي يخجلك وهو يمد يده إليك‏,‏ خجلا وتواريا‏,‏ وكأنك أنت المحسن إليه‏.‏ هم أولئك الذين تحدثت عنهم في رسالتك‏..‏ صاحب المصنع الذي يفاجئني كل يوم بجملته أرجوك اطلب ما تشاء فهذه ليست أموالي‏,‏ إنها أموال الله التي أئتمنني عليها‏..‏ هو ذلك الملاك‏.‏ رجل الأعمال القادم من الصعيد‏,‏ الباحث عن الأيتام والفقراء في كل مكان‏,‏ صاحب القلب الأبيض‏,‏ والذي يشعرك ـ بكل ما يفعله ـ بأنه عاجز ومقصر‏.‏

هو زميلك القبطي‏,‏ وجارك الضابط القبطي‏,‏ اللذان يؤكدان لك ولي ولنا جميعا أن الله دوما في الانتظار بكل الأديان‏.‏

هؤلاء هم أهل مصر ياسيدي‏,‏ بعيدا عن اللصوص والفاسدين التي تملأ صورهم الصحف كل صباح‏,‏ متعتهم الأخذ بكل السبل‏,‏ فيما تبقي السعادة الحقيقية التي وصل إليها أصدقاؤنا في أن يعطوا من أنفسهم حبا وعطفا قبل أن يمنحونا أموالهم‏.‏

سيدي‏..‏ اقتراحاتك رائعة‏,‏ وستسمع قريبا أخبارا تسرك وتسر أحبابك وأيتامك وشبابك وكل مصري يحب الخير من خلال مبادرات ذاتية لبشر يحبون هذا الوطن‏,‏ يخافون الله‏,‏ ويعطفون علي عباده الفقراء‏.‏ وإذا كنت تري أن مصر تئن وعليلة فاسمح لي أن أختلف معك ـ وليكن الآن فقط ـ وأري أن مصر عفية وسعيدة بأبنائها الخيرين من أمثالك وأمثال أبنائك وطلابك في الجامعة وزهورك في قوافل شعاع الخير‏..‏ مصر سعيدة بملائكتها الذين لم يخذلونا دوما ولم يردوا سؤالا أو سائلا‏..‏ وكما زارك الطيف الجميل الذي يجمع هؤلاء‏,‏ طيف الخير والمحبة المزهر في قلوب أصحاب الأيادي البيضاء‏,‏ سيظل دوما بإذن الله ومشيئته عند حسن ظن عباد الله‏,‏ فإن تكن مسئولا فهذا تكريم من الله سبحانه وتعالي‏,‏ أما من لم يفهم مغزي تكليفه بالمسئولية وإجابته للسائل‏,‏ خسف به الله الأرض وأذله بعد عز وأذاقه مرارة السؤال‏.‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق