19-10-2007
كم من سنوات أمضيتها في الطفولة البريئة تداعبني أحلام وأمنيات بأن يزورني( ولو لمرة) ذلك الجد الطيب المسمي بابا نويل بلحيته البيضاء وطرطوره وزيه الأحمر وابتسامته الودود, والأهم من ذلك كله بهداياه الجميلة.. لكنه للأسف لم يختصني أبدا بتلك الزيارة... فتصورت.. ثم أيقنت أني( لسبب أو آخر) غير جدير بها, إلي أن أدركت مع تعاقب السنين أنه شخصية وهمية مصطنعة ارتبطت باحتفالات الكريسماس بالخارج.. ومع ذلك فقد بقي شخصية محببة وجميلة( في المعني) لنا وللأطفال من بعدنا, وإن كنا لم نعد ننتظره كخيال بعد.
إلي أن فوجئت ـ وبعد عقود طوال تجاوزت فيها سن المعاش ـ بواقع يتجاوز هذا الخيال بمراحل وأشواط.., فإذا بطيف رائع يطرق خلوتي ويتصل بي ليستفسر مني وبإلحاح عن أحلام الطفولة البريئة وحرمانها المرير ـ والتي لا تخص كهلا مثلي بالقطع ـ بل من هم أفضل وأروع مني بكل تأكيد: أحباب الله.. الأيتام والمعاقون الفقراء.
وكانت المناسبة هي ليلة الرؤية لهلال رمضان.. ومع نسماتها الروحانية العطرة الجميلة.. وعلي مشارف الفجر منها..!!
وكأنما أردت أن أعوض حرمان زيارة الطفولة.. فأخذت أسرد وأسرد ما يحتاجه هؤلاء الأطفال من كساء وغذاء ومصروفات دراسية.. بل وهدايا وعيديات أيضا.. فإذا بصاحب الطيف الجميل( والذي نتوقع أنك تعلمه) ـ ولنطلق عليه بابا الخير ـ يستأذنني في مهلة بضع دقائق.. انهمرت بعدها أنهار الخير علي هؤلاء الأطفال المحرومين والأبرياء من شتي الاتجاهات.. فهذا محاسب يتبرع بعشرين ألفا.. وصاحب مصنع يتبرع بخمسين.. و.. و.. وأمكن مع أول أيام ونسمات الشهر الجميل تدبير احتياجات نحو ألف من هؤلاء الأطفال.
وإذا بزيارة أخري من ذات الطيف الجميل بعد يومين لا أكثر ليستفسر عن أحلام وأحوال أسر وأطفال آخرين.. فبلغ بنا الطمع مداه.. وطلبنا منه مضاعفة عدد الأطفال.. بل وشباب الأيتام غير القادر علي سداد مصروفات الجامعة.. وصولا لتجهيز بعض عرائس الأيتام المتعثرات في الزواج.. فإذا به يتقبل طمعي بكرم زائد ويحيلني لملاك آخر يتولي عنه كل هذه المهام دون تأخير.. والذي أفاض بدوره في العطاء فعرض علينا أيضا تجهيز مستشفي سرطان أطفال جامعة الزقازيق ببعض ما ينقصها من أجهزة حيوية.. بل وأدوية غالية تكفيها لمدة ثلاثة أشهر..!!
والأغرب يا سيدي أن هذا الملاك بات هو الذي يطاردنا ويلاحقنا(!!) لإتمام مشروعات الخير التي وعدنا بها والتي تتجاوز ربع المليون جنيه... والتي يسعي شباب القافلة بالكلية معنا جاهدين لإنجازها علي أفضل وجه يرضي الخالق عز وجل.
وليتك كاتبنا شاركتنا تلك الليلة الرائعة التي ازدان فيها استاد جامعتنا الحبيبة( الزقازيق) بأطفال الجنة من الأيتام الفقراء.. وشاهدت فرحتهم الغامرة باحتفالات وهدايا العيد.
وليتك شاهدت أيضا شباب قافلتنا الجميلة ومسئولي الجامعة والكلية والأستاد وهم يحلقون كالملائكة حول هؤلاء الأطفال عناية ورعاية وتدليلا.
أولئك الشباب المفلس تماما ماليا. والثري جدا عطاء وحبا وإنسانية... والذي كان يجوب المصانع والأسواق صائما لتدبير كساء الأيتام.. وهم لا يملكون غالبا لأنفسهم ثمن حذاء جديد..!!
فهل من روعة وعطاء ونقاء أعظم..!!
وليتك أيضا كنت معنا بتلك الليلة الرمضانية الرائعة التي أمضيناها مع وبين قلوب وضحكات يتيماتنا الجميلات من أبناء الكنيسة القبطية عندما توجهنا لهم للتهنئة بزواج إحدي زهراتهن البريئة.
تلك الزيارة التي سبقها ـ وبما يشبه الافلام الهندية ـ مفارقة غاية في الروعة والدلالة والتدبير الإلهي المعجز.. إذ ونحن نتناقش حول أفضل هدية لتلك العروس الجميلة.. فإذا بزميل قبطي بالكلية يتصل بنا ـ وفي هذه اللحظة بالذات!! ـ طالبا أن يشاركنا في كساء الأيتام المسلمين.. فطلبت منه بدوري أن يتولي هو هدية تلك العروس( وبأغلي ثمن).. فوافق بعد إلحاح وفوضنا نحن في تقديمها.
ليتأكد لنا وللجميع ـ وللمرة المليون ـ أن الله دوما في الانتظار بكل الأديان.. واللغات.. بل والأجناس.. مادام الحب والتراحم والتواد هو السائد.. وليس البغض والكراهية والتربص والأحقاد.
وليكتمل هذا الفيلم الجميل بجارنا ضابط الشرطة القبطي الذي جدد شقته ويصر علي أن يختصنا نحن بأن نأخذ ما قد يصلح لديه من فائض أثاث لتزويج اليتيمات المسلمات..!!
فيا سبحان الله.. فما هذه الطاقة الكامنة والهانئة للخير بين ابناء مصر الأصيلة والجميلة.. وما سر تلك الأيام( بل واللحظات) الرائعة التي تجلي النفوس.. وتظهر أجمل وأروع مافي معدن البشر مسلمين ومسيحيين علي حد سواء..؟!
وما تفسير تلك اللقطات الرائعة التي نجد فيها تسابقا بين الثري الذي ينصب موائد الرحمن... وبين الشاب العاطل والمفلس الذي يقف متحمسا وسعيدا بالإشارات والطرقات ليوزع تمرا وعصيرا علي من هم اغني منه من راكبي السيارات الفاخرة والفارهة..!!
انتهاء( بل وابتداء) باشقائنا وأبناء عمومتنا الاقباط ـ جارا أو زميلا أو تاجرا وسائقا للتاكسي ـ والذين يمتنعون تماما عن الأكل والسجائر( وما أدراك ما هي) مراعاة ومشاركة للصائمين. والذين( وبقدرة قادر) تختفي أي مشاحنات معهم بذلك الشهر الكريم.. ليحل محلها ـ ولو علي سبيل المجاملة ـ تلك الموائد والمودة والزيارات المشتركة.
فما هذه اللوحة الإنسانية الرائعة.. وهل هؤلاء حقا هم أبناء مصر( والذين باتوا يخانقون ذباب وجوههم).. أم انه شعب مستعار.. أم ان شخصيتنا الحقيقية والتي تكاد تطمسها أوضاعنا القهرية.. تبزغ بأزهي صورها بتلك الأيام الروحانية الرائعة..!!
فما هو إذن سر هذا الشهر الرائع الجميل..؟
وهل نترك سلوكياته الإنسانية الراقية التي تظهر المعدن الحقيقي لشعبنا تفلت من بين أيدينا كالمعتاد كل عام..؟!
والاجابة بالقطع: لا.. وألف لا..
أم أن إله رمضان ليس بإله سواه..!!
من هنا فاسمح لنا كاتبنا أن نطالبكم عبر صفحتكم الإنسانية والاجتماعية الثرية ببدء حوار حول المبادرات الذاتية الممكنة للتخفيف عن ذوي الحاجات من أهلنا وأبناء وطننا( مسلمين واقباطا) علي مدي العام.
ذلك انه اذا كان مشروعكم الجميل والنبيل لمساندة الشباب الذي كنا نستبشر به خيرا قد تعثر لأسباب معتادة جدا بمصر..!! فيجب ألا نقف كثيرا في الانتظار.. فآلام البشر وصراخهم بلغ عنان السماء.. والخالق عز وجل لن يتهاون معنا في الحساب.
من هنا اسمح لي أن أبدأ معكم ببعض افكار متواضعة يستطيع كل منا أن يطورها ويبدأها بالدائرة المحيطة به.. والتي يمكن أن تتراوح مابين:
مشروعات عاجلة لا تحتمل تأجيلا:
وتتمثل مبدئيا في بطانية وبلوفر وحذاء( ولو مستعملا) لكل يتيم وفقير قبل دخول الشتاء. وصدقني كم من بيوت دخلناها لا يوجد بها أي غطاء ـ أو حتي سرير ـ سوي بعض هلاهيل يفترشون بها التراب.
وصولا إن أمكن لتدبير بعض احتياجات العيد القادم لهم.. ولتكن تحت شعار كيلو لحم( ولو مجمدا) لكل يتيم أو فقير..
مشروعات متوسطة الأجل:
وتختص مثلا بالمعاونة في إتمام زواج أكبر عدد ممكن من الفتيات غير القادرات بابسط أجهزة وأثاث... ولتكن( مبدئيا) من الفائض غير المستخدم بمنازلنا.. فضلا عن تلك التي تذخر بها الجرائد الإعلانية الأسبوعية بأرخص الأسعار.
إضافة لتوفير بعض تجهيزات بسيطة( ولو مستعملة) ـ كمعونة أو كقرض حسن ـ لمن يرغب في بدء مشروع صغير يكفيه وأسرته السؤال.
مشروعات ممتدة( من رمضان للذي يليه):
ولتشمل تطوير جزء من حي عشوائي أو مدرسة أو مستشفي أو.. وصولا للمساهمة مثلا ـ وبالأولوية عن كل شيء ـ في إنجاز مشروعات تنقية المياه بقري وأحياء الفقراء.. ـ ولو من منظور توفير جرعة ماء نظيف لكل صائم.. خاصة أن رمضان المقبل وما بعده سيمكث معنا طويلا بأشهر الصيف والقيلولة.
فهل من دعوة منكم لأحبائنا الذين تهفو أرواحهم كثيرا لزيارة الرحمن ورسوله اليتيم.. بأن يخصصوا قيمة عمرة واحدة لتزويج بعض أقاربهم أو جيرانهم غير القادرين. ونفس الشيء بالنسبة لأشقائنا الأقباط الراغبين في زيارة القدس لولا الاحتلال..!!
وهل.. وهل.. وهل.. ؟؟
سيدي.. ندرك تماما أننا لن نستطيع ـ بمثل هذه المحاولات والأفكار ـ أن نقضي علي الفقر والبؤس والمرض بمصر لارتباطه بأوضاع هيكلية جائرة.. لكننا نوقن في الوقت ذاته أن البطون الخاوية والأجساد الهزيلة والعارية لم تعد تحتمل المزيد.. وأن السرطان والفشل الكلوي والكبدي بات ينهش أجساد صغارنا بلا رحمة أو علاج..!!
فهل من مشارك أو مجيب للتخفيف عن أولئك الضائعين..؟!
كاتبنا الحبيب مصرنا الغالية تئن وعليلة.. لكنها ـ بأبنائها ـ ثرية وأصيلة.. وطاقات الخير بها كامنة وغير محدودة.. وكل المطلوب هو ترشيد تلك الطاقة كي تمثل نهرا مستمرا ومتجددا ومتدفقا طول العام..
فهل هذا مستحيل..؟!
د. عادل حسن قاسم
قافلة شعاع الخير
* في مثل هذا الوقت من كل عام, تأتيني هذه الرسالة من الصديق الأستاذ عادل قاسم مؤسس قافلة شعاع الخير التي تضم زهورا من أرض مصر الطيبة, لتمنحني أوكسجين نقيا, يفتح مسام المحبة في القلب, ويكشف عن أهل مصر الأصليين, الذين يغيثون المحتاج, ويمسحون دموع المتألمين, ويرسمون الضحكة علي وجوه الأيتام المحرومين.
في مصر ـ ياسيدي ـ ملايين بابا نويل ونحن لا نشعر بهم, وقد لا نراهم, ولكنهم حولك وأمامك من حيث لا تحتسب.. قد يغلق أمامنا باب, فيفتحون لنا أبوابا للأمل والفرح.. وقد يتعطل مشروع أو حلم, فيفاجئوننا بمشاريع وأحلام لم نكن نتوقعها.
سيدي.. الطيف الجميل ليس هو بريد الجمعة أو من يحرره, ولكنه ذلك الإنسان الذي يخجلك وهو يمد يده إليك, خجلا وتواريا, وكأنك أنت المحسن إليه. هم أولئك الذين تحدثت عنهم في رسالتك.. صاحب المصنع الذي يفاجئني كل يوم بجملته أرجوك اطلب ما تشاء فهذه ليست أموالي, إنها أموال الله التي أئتمنني عليها.. هو ذلك الملاك. رجل الأعمال القادم من الصعيد, الباحث عن الأيتام والفقراء في كل مكان, صاحب القلب الأبيض, والذي يشعرك ـ بكل ما يفعله ـ بأنه عاجز ومقصر.
هو زميلك القبطي, وجارك الضابط القبطي, اللذان يؤكدان لك ولي ولنا جميعا أن الله دوما في الانتظار بكل الأديان.
هؤلاء هم أهل مصر ياسيدي, بعيدا عن اللصوص والفاسدين التي تملأ صورهم الصحف كل صباح, متعتهم الأخذ بكل السبل, فيما تبقي السعادة الحقيقية التي وصل إليها أصدقاؤنا في أن يعطوا من أنفسهم حبا وعطفا قبل أن يمنحونا أموالهم.
سيدي.. اقتراحاتك رائعة, وستسمع قريبا أخبارا تسرك وتسر أحبابك وأيتامك وشبابك وكل مصري يحب الخير من خلال مبادرات ذاتية لبشر يحبون هذا الوطن, يخافون الله, ويعطفون علي عباده الفقراء. وإذا كنت تري أن مصر تئن وعليلة فاسمح لي أن أختلف معك ـ وليكن الآن فقط ـ وأري أن مصر عفية وسعيدة بأبنائها الخيرين من أمثالك وأمثال أبنائك وطلابك في الجامعة وزهورك في قوافل شعاع الخير.. مصر سعيدة بملائكتها الذين لم يخذلونا دوما ولم يردوا سؤالا أو سائلا.. وكما زارك الطيف الجميل الذي يجمع هؤلاء, طيف الخير والمحبة المزهر في قلوب أصحاب الأيادي البيضاء, سيظل دوما بإذن الله ومشيئته عند حسن ظن عباد الله, فإن تكن مسئولا فهذا تكريم من الله سبحانه وتعالي, أما من لم يفهم مغزي تكليفه بالمسئولية وإجابته للسائل, خسف به الله الأرض وأذله بعد عز وأذاقه مرارة السؤال. وإلي لقاء بإذن الله.
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
الخميس، ٢ أغسطس ٢٠١٢
الطـيف الجمــيل
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق