02-03-2007
{ أنا فتاة جامعية عمري19 عاما.. أعيش في وضع مادي جيد, لدي أبوان رائعان, وشقيقة أصغر مني بخمس سنوات, ولاينقصني أي شيء إلا الشعور بمعني الأسرة.قرأت ياسيدي كل مانشر عن الغربة وسفر الآباء للخارج, لم يفزعني ما ألم بالشاب صاحب قصة قصور وقبور. وتفهمت جيدا آلام صاحب رسالة طريق الغربة. أعرف جيدا معاناة الزوجة عندما يغيب عنها زوجها, وتصبح وحيدة في تفاصيل الحياة, بارد ليلها وهي وحيدة في الفراش, مضطرب صباحها وهي تقوم بكل الأدوار, تواجه تعنت ورغبات الآخرين.
{ أنا فتاة جامعية عمري19 عاما.. أعيش في وضع مادي جيد, لدي أبوان رائعان, وشقيقة أصغر مني بخمس سنوات, ولاينقصني أي شيء إلا الشعور بمعني الأسرة.
قرأت ياسيدي كل مانشر عن الغربة وسفر الآباء للخارج, لم يفزعني ما ألم بالشاب صاحب قصة قصور وقبور. وتفهمت جيدا آلام صاحب رسالة طريق الغربة. أعرف جيدا معاناة الزوجة عندما يغيب عنها زوجها, وتصبح وحيدة في تفاصيل الحياة, بارد ليلها وهي وحيدة في الفراش, مضطرب صباحها وهي تقوم بكل الأدوار, تواجه تعنت ورغبات الآخرين.
لكن ما لم أجده فيما نشرته من رسائل, هوما اسميته أنت الطرف الثالث, والذي غالبا مايكون سبب الأزمة, من بدايتها إلي نهايتها.
أقصد الأبناء, فالآباء يفكرون في السفر من أجلنا, يضحون بسعادتهم وباستقرارهم وبمستقبلهم من أجل توفير حياة أفضل, وتأمين مستقبلنا بشقة أو سيارة أو رصيد في البنك, قليل منهم ينجح في ذلك, وكثير منهم لايوفر إلا ما يكفي حياة أسرته.
نحن الطرف الثالث ــ ياسيدي ــ الجاني والمجني عليه, أتذكر جيدا حوارا دار بين أبي وأمي منذ عشر سنوات, عندما أتاه عرض مغري للسفر إلي إحدي دول الخليج, وقالت له أمي وقتها: أنت مهندس ناجح ومستقبلك في مصر, ومستوانا جيد.. ليه السفر والبهدلة.
لا أنسي صوته وهو ينظر إلي ويقول لها: يا أم البنات, بناتك هتكبر, عاوزين نعلمهن كويس ونجهزهن, وجايز واحدة منهن تحب ولدا فقيرا, علي الأقل نوفر لهن الشقة.
حوار لم أستوعبه وقتها, ولكن الآن أجد أن تفكيرهما كان محصورا في النواحي المادية, واكتشفت بعد ذلك اني فقدت أشياء كثيرة أهم من السيارة التي اشتراها لي أبي, أو الأموال التي أودعها لي في البنك.
سافر أبي, وكنت أراه في العام مرة أو مرتين, مشاعري تجاهه دائما قلقة ومسافرة, فهو إما أن يأتي أسابيع, ويكون خلالها مشغولا, بانهاء متعلقاته, أو البحث عن شراء أراض أو بيعها. ضيوف وأقارب قادمون مرة للترحيب بمجيئه وأخري لتوديعه قبل سفره.
لم أهنأ أبدا بالنوم في حضنه, أو اللعب معه. نعم كنا نخرج سويا, يصطحبنا في مطاعم فاخرة, نذهب للسينما, لكني لم أر تلك الأشياء, حياة طبيعية, كنت أراها تمثيلا, أو بمعني آخر محاولة مصطنعة لإسعادنا, ولم أرها أبدا حياة لعائلة تقليدية.
كنت أنام قلقة, أخشي أن أصحو في الصباح فلا أجد أبي. حتي عندما كنا نسافر إليه, لم أكن أشعر بأي سعادة, أفرح قليلا بالمشتريات الكثيرة, ولكني لم أجد أبي أبدا.
أعترف لك بأني كنت أخجل من والدي في إجازاته, لا أستطيع أن أرتدي ملابسي الطبيعية في البيت, أشعر أني اثنتين, واحدة متحفظة وقورة في وجوده, والثانية مرحة منطلقة في غيابه.
لاتتوقع مني أن أخبرك بأني فشلت في دراستي أو انحرفت أو تعرفت علي أصدقاء سوء, فهذا وجه واحد لغياب الأب, ولكني والحمد لله, وبفضل أمي, متفوقة دراسيا وملتزمة أخلاقيا أنا وشقيقتي. وإن كنت أفتقد الأب, أحسد البنات وهن يسرن متعلقات بأيدي أبائهن, أحلم بأن نجتمع أمام التليفزيون أو خلفه, المهم أن نجتمع.
نعم أبي معنا دائما, عبر الهاتف, عبر النت, وإن كانت صورته تأتينا كما هو في حياتنا ــ مهتزة ــ غيرواضحة الملامح.
صورة تقول إنه في حياتنا, موجود بشكل ما, ولكنه غير متكامل. أتعاطف مع أمي وهي تصرخ فينا, تحاصرنا وتخشي علينا من كل شئ, أضبطها تبكي وحيدة, احتضنها وأبكي دون حوار.
سيدي.. ألتمس العذر لأبي ألف مرة, وأقدر تضحيته من أجل سعادتنا, ولكن هل نحن سعداء؟.. في وقت يجب أن أحلم بالحبيب, أحلم بالأب, كل أحلامي الآن رجل كبير السن يحتويني ويهتم بي.
لا تشغلني كثيرا فكرة الزواج, فلم أر صورة لهذه العلاقة, غير تلك الصورة الكاذبة التي تقدمها السينما, ولم أعد ألح كثيرا علي أبي ليعود, فقد زادت مشاجراته مع أمي في كل إجازة, لايعجبه كثيرا من قراراتها, ونحن اعتدنا غيابه ونظمنا حياتنا بدونه.
لا أسألك رأيا, فأنا أعرف أين الأزمة, ولكني فقط أردت أن أتحدث, أن أعرض صوتا لطرف دائما غائب, ودائما يدعي الآباء أنهم يفعلون كل شئ من أجله؟
{ عزيزتي.. نعم أنت لست في حاجة إلي رأي.. فقد أنضجتك الغربة.. فهي ليست فقط للذين يركبون الطائرات ويرحلون, ولكنها أيضا في الفقد والاحتياج. أنت في حاجة إلي أب, إلي ذلك الهارب بحثا عن سراب, عن سعاة كانت بين أصابعه وفي قلبه فاستبدلها بالدولارات. وحتي لا يسئ أحد فهمي, نعم قد تضطرنا الظروف للسفر بحثا عن رزق أو عن حياة أفضل, ولكن هذا السفر يجب ألا يطول, وإن طال فعلينا أن نصطحب أبناءنا معنا. وإلا ما معني غياب هذا الأب, بعد أن اشتري سيارة لابنته ووضع لها أموالا في البنك, بينما هي تشعر بالوحدة وتحلم بصورة الأب.
إنها الوحدة التي ألفها وألفتها زوجته وأولاده, ولن يقضي عليها البعد أو الأموال. إن الأبوة والمسئولية تقتضيان من كل من يشابه هذا الأب أن يحزم حقائبه ومشاعره ويعود فورا, ليحتوي أبناءه, يحتضنهم, يذيب الثلج المتراكم علي أرواحهم, فالحياة تعاش مرة واحدة, واستثمار الحب في نفوس الأبناء أجدي من الاستثمار بالمال. الحياة الانسانية لاتستقيم عبر الهاتف والنت, إنها وجود حقيقي, نفس ورائحة عرق وحضن دافئ ملموس, لا كلمات ووعود وهدايا, وإلي لقاء بإذن الله.
baridelgomaa@ahram.org.eg
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق