الأربعاء، ١ أغسطس ٢٠١٢

نوافذ الاستشهاد

26-01-2007
أنا رجل أعمال‏,‏ عمري‏45‏ عاما‏,‏ لدي شركة تجارية كونتها بعد عناء شديد‏,‏ فقد كنت موظفا لسنوات طويلة‏,‏ إلي أن تمكنت من تحويل مسار حياتي‏..‏ وعشت سنوات هنيئة إلي أن حدث ما عكر صفو أيامي‏,‏ وجعلني لا أشعر بالراحة‏,‏ علي الرغم من أني أمتلك كل مبررات السعادة‏,‏ وأريد أن أريح ضميري وأتأكد أن ما أفعله ليس خطأ أو حراما‏.‏

تزوجت ـ يا سيدي ـ منذ سنوات قليلة‏,‏ بعد قصة حب مع فتاة متدينة‏,‏ ومن أسرة طيبة‏,‏ ورغما عن أنها تصغرني بأكثر من عشر سنوات‏,‏ ووضع عائلتها المادي أفضل من عائلتي‏,‏ إلا أنها وقفت بجابني في وجه معارضة أهلها وأصرت علي الزواج بي‏,‏ ومشاركتي رحلة الكفاح‏.‏ وهذه حقائق لا استطيع انكارها أو تجاهلها‏,‏ فأنا أعرف الله وأخشاه وأراعيه في كل تصرفاتي‏.‏

بعد زواجنا بقليل‏,‏ وبعد حوار طويل بيني وبين زوجتي‏,‏ قررت أن استقيل من وظيفتي الحكومية‏,‏ وببعض المال الذي كان معي وبمساعدة زوجتي‏,‏ افتتحت مشروعا صغيرا بدأ يكبر مع الأيام‏,‏ فكنت أسجد لربي الذي وهبني زوجة متدينة‏,‏ رائعة الجمال‏,‏ وأفاض علي من رزقه‏,‏ ولم يكن يؤلمنا أو يهدد سعادتنا سوي تأخر الانجاب‏,‏ وبعد تردد طويل علي الأطباء لم يكن أمامنا إلا اللجوء إلي الحقن المجهري‏,‏ اختصارا للوقت‏,‏ لأن الطبيب كشف لي أن لدي مشكلة تجعل احتمالات الحمل الطبيعي محدودة‏,.‏ وشاء الله العلي القدير أن تنجب زوجتي ثلاثة توائم‏.‏

طرنا من السعادة‏,‏ واعتبرت أن هؤلاء الأطفال رسالة من الله سبحانه وتعالي تؤكد رضاءه عني‏,‏ واصلت عملي ليلا ونهارا‏,‏ وانشغلت زوجتي بأطفالنا‏,‏ وكنت أشفق عليها من العناء الذي تلاقيه‏,‏فتربية ثلاثة توائم شيء مؤلم ومرهق‏,‏ لاتنام إلا نادرا‏,‏ أهملت في نفسها حتي زاد وزنها‏,‏ وتواري جمالها‏,‏ وانقطع الحوار بيننا لمدة تقترب من العامين‏,‏ كما انقطعت هي الأخري عن العالم‏,‏ وأوقفت دراستها العليا‏,‏ وأصبحت أكثر عصبية‏,‏ ولكني تفهمت كل ذلك‏,‏ وتحملت انقطاعها عني‏,‏ لأني كنت أعذرها‏,‏ فلم أكن أتحمل بكاء الأطفال الثلاثة في وقت واحد‏,‏ بل كنت أفر من البيت‏,‏ وأقضي أغلب الوقت في شركتي‏,‏ تخفيفا عنها ولإراحة أعصابي‏.‏

حدث في هذا الوقت أن توفي أحد أصدقائي‏,‏ وترك أرملة وطفلين‏,‏ صدمني الفراق‏,‏ وعاهدت الله أن أرعي أسرته‏,‏ وطلبت من زوجتي أن تهتم بأرملة صديقي‏,‏ ففعلت بكل الحب‏,‏ بل صارتا صديقتين‏,‏ وأصبحت تلك الأرملة واحدة من العائلة‏,‏ تقضي أغلب يومها معنا في البيت‏,‏ بل كانت أحيانا تمر علي في الشركة وتجلس معي‏,‏ إلي أن فاجأتني ذات يوم‏,‏ وطلبت مني أن تشاركني بما ورثته من زوجها الراحل‏,‏ حتي تؤمن مستقبل ابنيها‏,‏ فعرضت الأمر علي زوجتي‏,‏ فرحبت علي الفور‏,‏ بل بادرت بالاتصال بها وأخبرتها بموافقتنا علي اقتراحها‏.‏

سيدي‏..‏ كان كل شيء يسير طبيعيا إلي أن حدث ما لم أكن أتوقعه أو مستعدا له‏..‏ لقد شعرت بميل تجاه تلك المرأة‏,‏ نعم كنت أفكر فيها‏,‏ وأفتقدها‏,‏ بل كنت أتمناها‏,‏ والحقيقة كنت أحس نفس الشيء من نظرات عينيها‏,‏ خاصة أن شراكتنا جعلتها تتردد علي في الشركة كثيرا‏,‏ مما سمح بحوار مختلف افتقدته كثيرا مع زوجتي التي تختفي خلف نقاب فرضته عليها منذ بداية زواجنا حتي أخفي جمالها عن العيون‏.‏

وحتي لا أطيل عليك في التفاصيل‏,‏ تزوجت هذه المرأة عرفيا‏,‏ ولا أقصد بالزواج العرفي هو الاكتفاء بشاهدين‏,‏ بل عرف أهل زوجتي الثانية بالأمر‏,‏ ولكني أثرت اخفاء الأمر علي زوجتي الأولي وأهلها حتي لا أوذي مشاعرها أو أهدم البيت‏.‏

كنت عادلا بين الاثنتين قدر استطاعتي‏,‏ خاصة بعد أن استعادت أم أولادي رشاقتها‏,‏ وبدأت تهتم بمظهرها وبي مرة أخري‏,‏ وإن كان اهتمامها بالأولاد أكثر‏.‏

لم أشعر أني ارتكبت جريمة‏,‏ فقد تزوجت وحصنت نفسي وحميت امرأة أخري‏,‏ وكان كل شيء في حياتنا يسير طبيعيا‏,‏ إلي أن زارتني أم أولادي في مكتبي فجأة‏,‏ وشاهدتني أنا وزوجتي في وضع لا تسمح به العلاقة كما تعرفها‏,‏ فثارت وغضبت وانفجرت في وجهي‏,‏ وسبت صديقتها واتهمتها بالخيانة وانصرفت‏.‏

في المساء عدت إلي البيت‏,‏ وتحدثت إليها برفق ولين‏,‏ وقلت لها إني أخشي الله وأريد أن أتزوج هذه المرأة لأني أميل إليها‏,‏ فانفعلت واتهمتني بالخيانة‏,‏ وبأني خدعتها‏,‏ ونسيت معاناتها‏,‏ واستغللت انشغالها بالأبناء‏,‏ وأقمت علاقة مع أرملة صديقي‏,‏ التي دخلت بيتها‏,‏ ولم تراع الصداقة‏.‏

ثم قالت لي في حسم‏:‏ عليك الاختيار‏,‏ إما أنا والأطفال الثلاثة‏,‏ وإما هذه المرأة‏..‏ بدون تفكير قلت لها‏:‏ طبعا انتم‏,‏ فطلبت مني أن أنهي الشركة مع هذه المرأة وأن نقطع علاقتنا بها‏.‏

نفذت ـ يا سيدي ـ ما طلبته زوجتي‏,‏ حتي لا أهدم البيت‏,‏ فأنا لا استطيع الاستغناء عن أطفالي‏,‏ كما لا أنسي لها مواقفها معي‏,‏ وقلت لنفسي‏,‏ لقد استمرت حياتي مع زوجتي الثانية ثلاث سنوات بدون أن تعرف الأولي‏,‏ فلماذا لا أحافظ علي هذه الصياغة‏,‏ أبقي علي الاثنتين‏,‏ وتسير حياتنا كما كانت‏.‏

انهيت شراكتي مع زوجتي الثانية بعد أن أفهمتها ما حدث‏,‏ وفتحت لها شركة منفصلة بنفس اسمها‏,‏ وقررنا ألا نلتقي في أماكن قد يرانا فيها أحد من أهل أم أولادي‏.‏

أحس بغضب شديد من أم أولادي لأنها حرمتني مما حلله الله‏,‏ ولم تأتمر بأمري‏,‏ ولم تستجب لقول الرسول عليه الصلاة والسلام بأنه لو أمر أحدا بالسجود لغير الله لأمر المرأة بالسجود لزوجها‏.‏

عافتها نفسي‏,‏ فلم أقربها منذ هذا اليوم‏,‏ ما يقرب من عامين لا توجد بيننا أي علاقة‏,‏ قلت إن هذا تأديب لها‏,‏ ربما ترتدع وتواقفني علي إعلان زواجي ـ الذي لا تعرفه ـ ولكنها صامدة صمودا يستفزني‏.‏

فكرت في تطليقها‏,‏ ولكني لن أقبل أن تدخل علي أبنائي رجلا آخر‏,‏ كما إني باق علي ذكريات جميلة بيننا‏.‏

سيدي‏..‏ أناشدك أن تخاطب كل امرأة‏,‏ لا تعرف مصلحتها مثل زوجتي‏,‏ ألا تحرم ما أحله الله‏,‏ ولا تمنع زوجها من الزواج بأخري‏,‏ إذا وجد في نفسه هوي‏,‏ فما شاع في مجتمعاتنا من خيانات وخطايا سببه ثقافة مستوردة تجعل الزواج الثاني وكأنه رجس من عمل الشيطان‏,‏ وبدلا من أن يساهمن في إقامة شرع الله‏,‏ يساهمن بجهلهن في هدم بيوت قائمة مستقرة‏.‏

{‏ سيدي‏..‏ لتسمح لي أن أناشدك أنت‏,‏ وأناشد كل رجل يفكر بنفس طريقة تفكيرك‏,‏ ألا يمتهن الشرع ويطوعه وفق أهوائه‏,‏ فيختار منه ما يبرر به أخطاءه‏,‏ ويتجاهل ما يلزمه بحقوق تجاه الآخر‏.‏

لقد أبحت لنفسك كل شئ‏,‏ ولم تمنح أم أولادك أي حق إنساني‏,‏ وتذكرت فقط حقوقك المشروعة‏,‏ أما هي‏,‏ فامرأة ضعيفة‏,‏ عليها أن تحمد الله لأنه رزقها زوجا مثلك‏,‏ بل لو كان جائزا لطالبتها بالسجود لك‏,‏ ولكن لأنها خيرتك بين البقاء معها أو الذهاب لأخري‏.‏ وافقت ظاهريا علي شروطها وأمعنت في إيذائها بالتمنع عليها وكأنك تحرمها من منحة وليس من فرض عليك مادمت قادرا‏.‏

قرأت رسالتك مرتين‏,‏ لعلي أجد في سطورها ما يدين زوجتك‏,‏ فوجدتها امرأة صغيرة السن‏,‏ جميلة‏,‏ متدينة‏,‏ متعلمة‏,‏ تحدت أهلها لتتزوج بك‏,‏ متحملة فقرك‏,‏ وفارق العمر الكبير بينكما‏,‏ بل شاركتك أيضا بمالها لتقيم مشروعك الخاص‏.‏ ارتدت النقاب بناء علي رغبتك‏,‏ عاملتك بما يرضي الله‏,‏ وحملت بالحقن المجهري‏,‏ وفقدت بعض جمالها وأهملت نفسها‏,‏ وزاد وزنها‏,‏ لأنها تفرغت لرعاية ثلاثة أطفال في عمر واحد‏,‏ ولو تعرف معاناة المرأة في رعاية طفل واحد‏,‏ خاصة عندما المولود الأول‏,‏ لجلست تحت قدميها‏,‏ ولكنك اكتفيت بالتأسي علي حالها‏,‏ دون أي محاولة لمساعدتها أو التخفيف عنها‏.‏

سيدي‏..‏ بدلا من مكافأة زوجتك علي أنها تفرغت لأبنائك‏,‏ وتركتك تواصل نجاحك‏,‏ كنت تحوم حول أرملة صديقك‏,‏ أدخلتها بيتك‏,‏ وجعلتها صديقة لزوجتك الطيبة‏,‏ بينما تركت نوافذ الاشتهاء مشرعة في قلبك وعينيك‏,‏ لم تفكر للحظة لماذا تظلم زوجتك‏,‏ كل ما فكرت فيه هو أن تتزوج هذه المرأة عرفيا‏,‏ ولن أتحدث معك في مشروعية هذا النوع من الزواج‏,‏ ولكني سأستعين بما وقر في قلب زوجتك‏,‏ عندما شاهدتها معك في المكتب‏,‏ ألم تكونا معرضين لمثل هذا الظن ممن لايعرف أنكما متزوجان؟‏!‏

وبدلا من مراجعة نفسك ومحاولة إرضاء زوجتك‏,‏ وصل بك التجبر إلي الامتناع عنها‏.‏ عامان يارجل لاتقرب زوجتك‏,‏ أي ظلم هذا‏:‏

وظلم ذوي القربي أشد مضاضة
علي النفس من وقع الحسام المهند
هكذا تحدث الشاعر طرفة بن العبد وكأنه يصف احساس زوجتك‏,‏ تتحدث عن العدل وأنت غارق في الظلم‏.‏ لاتعاني أي حرمان‏,‏ تستمتع بحقوقك مع زوجتك الثانية‏,‏ أما تلك المرأة‏,‏ الأم‏,‏ الحبيبة فليس لها أي حقوق‏.‏

سيدي‏,‏ ليس من حقك أن تتزوج بأخري‏,‏ فتعدد الزوجات ليس حقا وإنما مباح ــ كما شرح لي العالم الأزهري الدكتور مبروك عطية ــ والإباحة لاتقتضي الوجوب‏.‏ أيضا ليس من حقك أن تصادر حق زوجتك في الاستمرار معك أو الانفصال‏,‏ فلو أحست بضرر نفسي أو بدني لها أن تطلب الطلاق‏,‏ وإقرأ معي تلك الآيات القرآنية‏:‏ ولاتمسكوهن ضرارا لتعتدوا‏,‏ ولاتضيقوا عليهن‏,‏ وعاشروهن بالمعروف‏.‏

ثم أنت تستشهد بالرسول الكريم صلي الله عليه وسلم في وجوب طاعة المرأة لزوجها‏,‏ ألم تقرأ وصاياه الأخري‏:‏ استوصوا بالنساء خيرا‏,‏ رفقا بالقوارير اللهم إني أحرج حق الضعيفين‏:‏ اليتيم والمرأة أي يلحق الحرج والإثم بمن ضيع حقهما‏,‏ وأحذر من ذلك وأزجر عنه‏.‏

سيدي‏..‏ لن تستطيع أن ترد علي زوجتك إذا سألتك عما لايعجبك فيها‏,‏ عن تقصيرها في حقك‏,‏ فهي تعرف واجباتها ومصلحتها‏,‏ لذلك لن أستطيع مناشدتها بالسماح لك بالزواج بأخري‏,‏ لأن في نفسك هوي‏,‏ فالزواج الصحيح لايقوم فقط علي الهوي‏,‏ وهدم البيوت لايكون استسلاما لأوامر الهوي‏.‏

لن أناشد زوجتك‏,‏ بل أناشدك أنت أن تتخلص من تلك النظرة الذكورية السائدة‏,‏ وأن تكون رجلا في المواجهة‏,‏ اذهب إلي أم أولادك واحك لها كل ما حدث‏,‏ وأكد لها حرصك علي وجودها في حياتك فإذا قبلت فهذا فضل وكرم منها‏,‏ أما إذا رفضت وأصرت علي موقفها فعليك أن تختار قرارك بحسم‏,‏ وكن عادلا في قرارك لأن من طلب عزا بباطل أورثه الله ذلا بحق‏..‏ وقاك الله ووقانا شر الذل‏,‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق