26-01-2007
أنا رجل أعمال, عمري45 عاما, لدي شركة تجارية كونتها بعد عناء شديد, فقد كنت موظفا لسنوات طويلة, إلي أن تمكنت من تحويل مسار حياتي.. وعشت سنوات هنيئة إلي أن حدث ما عكر صفو أيامي, وجعلني لا أشعر بالراحة, علي الرغم من أني أمتلك كل مبررات السعادة, وأريد أن أريح ضميري وأتأكد أن ما أفعله ليس خطأ أو حراما.
تزوجت ـ يا سيدي ـ منذ سنوات قليلة, بعد قصة حب مع فتاة متدينة, ومن أسرة طيبة, ورغما عن أنها تصغرني بأكثر من عشر سنوات, ووضع عائلتها المادي أفضل من عائلتي, إلا أنها وقفت بجابني في وجه معارضة أهلها وأصرت علي الزواج بي, ومشاركتي رحلة الكفاح. وهذه حقائق لا استطيع انكارها أو تجاهلها, فأنا أعرف الله وأخشاه وأراعيه في كل تصرفاتي.
بعد زواجنا بقليل, وبعد حوار طويل بيني وبين زوجتي, قررت أن استقيل من وظيفتي الحكومية, وببعض المال الذي كان معي وبمساعدة زوجتي, افتتحت مشروعا صغيرا بدأ يكبر مع الأيام, فكنت أسجد لربي الذي وهبني زوجة متدينة, رائعة الجمال, وأفاض علي من رزقه, ولم يكن يؤلمنا أو يهدد سعادتنا سوي تأخر الانجاب, وبعد تردد طويل علي الأطباء لم يكن أمامنا إلا اللجوء إلي الحقن المجهري, اختصارا للوقت, لأن الطبيب كشف لي أن لدي مشكلة تجعل احتمالات الحمل الطبيعي محدودة,. وشاء الله العلي القدير أن تنجب زوجتي ثلاثة توائم.
طرنا من السعادة, واعتبرت أن هؤلاء الأطفال رسالة من الله سبحانه وتعالي تؤكد رضاءه عني, واصلت عملي ليلا ونهارا, وانشغلت زوجتي بأطفالنا, وكنت أشفق عليها من العناء الذي تلاقيه,فتربية ثلاثة توائم شيء مؤلم ومرهق, لاتنام إلا نادرا, أهملت في نفسها حتي زاد وزنها, وتواري جمالها, وانقطع الحوار بيننا لمدة تقترب من العامين, كما انقطعت هي الأخري عن العالم, وأوقفت دراستها العليا, وأصبحت أكثر عصبية, ولكني تفهمت كل ذلك, وتحملت انقطاعها عني, لأني كنت أعذرها, فلم أكن أتحمل بكاء الأطفال الثلاثة في وقت واحد, بل كنت أفر من البيت, وأقضي أغلب الوقت في شركتي, تخفيفا عنها ولإراحة أعصابي.
حدث في هذا الوقت أن توفي أحد أصدقائي, وترك أرملة وطفلين, صدمني الفراق, وعاهدت الله أن أرعي أسرته, وطلبت من زوجتي أن تهتم بأرملة صديقي, ففعلت بكل الحب, بل صارتا صديقتين, وأصبحت تلك الأرملة واحدة من العائلة, تقضي أغلب يومها معنا في البيت, بل كانت أحيانا تمر علي في الشركة وتجلس معي, إلي أن فاجأتني ذات يوم, وطلبت مني أن تشاركني بما ورثته من زوجها الراحل, حتي تؤمن مستقبل ابنيها, فعرضت الأمر علي زوجتي, فرحبت علي الفور, بل بادرت بالاتصال بها وأخبرتها بموافقتنا علي اقتراحها.
سيدي.. كان كل شيء يسير طبيعيا إلي أن حدث ما لم أكن أتوقعه أو مستعدا له.. لقد شعرت بميل تجاه تلك المرأة, نعم كنت أفكر فيها, وأفتقدها, بل كنت أتمناها, والحقيقة كنت أحس نفس الشيء من نظرات عينيها, خاصة أن شراكتنا جعلتها تتردد علي في الشركة كثيرا, مما سمح بحوار مختلف افتقدته كثيرا مع زوجتي التي تختفي خلف نقاب فرضته عليها منذ بداية زواجنا حتي أخفي جمالها عن العيون.
وحتي لا أطيل عليك في التفاصيل, تزوجت هذه المرأة عرفيا, ولا أقصد بالزواج العرفي هو الاكتفاء بشاهدين, بل عرف أهل زوجتي الثانية بالأمر, ولكني أثرت اخفاء الأمر علي زوجتي الأولي وأهلها حتي لا أوذي مشاعرها أو أهدم البيت.
كنت عادلا بين الاثنتين قدر استطاعتي, خاصة بعد أن استعادت أم أولادي رشاقتها, وبدأت تهتم بمظهرها وبي مرة أخري, وإن كان اهتمامها بالأولاد أكثر.
لم أشعر أني ارتكبت جريمة, فقد تزوجت وحصنت نفسي وحميت امرأة أخري, وكان كل شيء في حياتنا يسير طبيعيا, إلي أن زارتني أم أولادي في مكتبي فجأة, وشاهدتني أنا وزوجتي في وضع لا تسمح به العلاقة كما تعرفها, فثارت وغضبت وانفجرت في وجهي, وسبت صديقتها واتهمتها بالخيانة وانصرفت.
في المساء عدت إلي البيت, وتحدثت إليها برفق ولين, وقلت لها إني أخشي الله وأريد أن أتزوج هذه المرأة لأني أميل إليها, فانفعلت واتهمتني بالخيانة, وبأني خدعتها, ونسيت معاناتها, واستغللت انشغالها بالأبناء, وأقمت علاقة مع أرملة صديقي, التي دخلت بيتها, ولم تراع الصداقة.
ثم قالت لي في حسم: عليك الاختيار, إما أنا والأطفال الثلاثة, وإما هذه المرأة.. بدون تفكير قلت لها: طبعا انتم, فطلبت مني أن أنهي الشركة مع هذه المرأة وأن نقطع علاقتنا بها.
نفذت ـ يا سيدي ـ ما طلبته زوجتي, حتي لا أهدم البيت, فأنا لا استطيع الاستغناء عن أطفالي, كما لا أنسي لها مواقفها معي, وقلت لنفسي, لقد استمرت حياتي مع زوجتي الثانية ثلاث سنوات بدون أن تعرف الأولي, فلماذا لا أحافظ علي هذه الصياغة, أبقي علي الاثنتين, وتسير حياتنا كما كانت.
انهيت شراكتي مع زوجتي الثانية بعد أن أفهمتها ما حدث, وفتحت لها شركة منفصلة بنفس اسمها, وقررنا ألا نلتقي في أماكن قد يرانا فيها أحد من أهل أم أولادي.
أحس بغضب شديد من أم أولادي لأنها حرمتني مما حلله الله, ولم تأتمر بأمري, ولم تستجب لقول الرسول عليه الصلاة والسلام بأنه لو أمر أحدا بالسجود لغير الله لأمر المرأة بالسجود لزوجها.
عافتها نفسي, فلم أقربها منذ هذا اليوم, ما يقرب من عامين لا توجد بيننا أي علاقة, قلت إن هذا تأديب لها, ربما ترتدع وتواقفني علي إعلان زواجي ـ الذي لا تعرفه ـ ولكنها صامدة صمودا يستفزني.
فكرت في تطليقها, ولكني لن أقبل أن تدخل علي أبنائي رجلا آخر, كما إني باق علي ذكريات جميلة بيننا.
سيدي.. أناشدك أن تخاطب كل امرأة, لا تعرف مصلحتها مثل زوجتي, ألا تحرم ما أحله الله, ولا تمنع زوجها من الزواج بأخري, إذا وجد في نفسه هوي, فما شاع في مجتمعاتنا من خيانات وخطايا سببه ثقافة مستوردة تجعل الزواج الثاني وكأنه رجس من عمل الشيطان, وبدلا من أن يساهمن في إقامة شرع الله, يساهمن بجهلهن في هدم بيوت قائمة مستقرة.
{ سيدي.. لتسمح لي أن أناشدك أنت, وأناشد كل رجل يفكر بنفس طريقة تفكيرك, ألا يمتهن الشرع ويطوعه وفق أهوائه, فيختار منه ما يبرر به أخطاءه, ويتجاهل ما يلزمه بحقوق تجاه الآخر.
لقد أبحت لنفسك كل شئ, ولم تمنح أم أولادك أي حق إنساني, وتذكرت فقط حقوقك المشروعة, أما هي, فامرأة ضعيفة, عليها أن تحمد الله لأنه رزقها زوجا مثلك, بل لو كان جائزا لطالبتها بالسجود لك, ولكن لأنها خيرتك بين البقاء معها أو الذهاب لأخري. وافقت ظاهريا علي شروطها وأمعنت في إيذائها بالتمنع عليها وكأنك تحرمها من منحة وليس من فرض عليك مادمت قادرا.
قرأت رسالتك مرتين, لعلي أجد في سطورها ما يدين زوجتك, فوجدتها امرأة صغيرة السن, جميلة, متدينة, متعلمة, تحدت أهلها لتتزوج بك, متحملة فقرك, وفارق العمر الكبير بينكما, بل شاركتك أيضا بمالها لتقيم مشروعك الخاص. ارتدت النقاب بناء علي رغبتك, عاملتك بما يرضي الله, وحملت بالحقن المجهري, وفقدت بعض جمالها وأهملت نفسها, وزاد وزنها, لأنها تفرغت لرعاية ثلاثة أطفال في عمر واحد, ولو تعرف معاناة المرأة في رعاية طفل واحد, خاصة عندما المولود الأول, لجلست تحت قدميها, ولكنك اكتفيت بالتأسي علي حالها, دون أي محاولة لمساعدتها أو التخفيف عنها.
سيدي.. بدلا من مكافأة زوجتك علي أنها تفرغت لأبنائك, وتركتك تواصل نجاحك, كنت تحوم حول أرملة صديقك, أدخلتها بيتك, وجعلتها صديقة لزوجتك الطيبة, بينما تركت نوافذ الاشتهاء مشرعة في قلبك وعينيك, لم تفكر للحظة لماذا تظلم زوجتك, كل ما فكرت فيه هو أن تتزوج هذه المرأة عرفيا, ولن أتحدث معك في مشروعية هذا النوع من الزواج, ولكني سأستعين بما وقر في قلب زوجتك, عندما شاهدتها معك في المكتب, ألم تكونا معرضين لمثل هذا الظن ممن لايعرف أنكما متزوجان؟!
وبدلا من مراجعة نفسك ومحاولة إرضاء زوجتك, وصل بك التجبر إلي الامتناع عنها. عامان يارجل لاتقرب زوجتك, أي ظلم هذا:
وظلم ذوي القربي أشد مضاضة
علي النفس من وقع الحسام المهند
هكذا تحدث الشاعر طرفة بن العبد وكأنه يصف احساس زوجتك, تتحدث عن العدل وأنت غارق في الظلم. لاتعاني أي حرمان, تستمتع بحقوقك مع زوجتك الثانية, أما تلك المرأة, الأم, الحبيبة فليس لها أي حقوق.
سيدي, ليس من حقك أن تتزوج بأخري, فتعدد الزوجات ليس حقا وإنما مباح ــ كما شرح لي العالم الأزهري الدكتور مبروك عطية ــ والإباحة لاتقتضي الوجوب. أيضا ليس من حقك أن تصادر حق زوجتك في الاستمرار معك أو الانفصال, فلو أحست بضرر نفسي أو بدني لها أن تطلب الطلاق, وإقرأ معي تلك الآيات القرآنية: ولاتمسكوهن ضرارا لتعتدوا, ولاتضيقوا عليهن, وعاشروهن بالمعروف.
ثم أنت تستشهد بالرسول الكريم صلي الله عليه وسلم في وجوب طاعة المرأة لزوجها, ألم تقرأ وصاياه الأخري: استوصوا بالنساء خيرا, رفقا بالقوارير اللهم إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة أي يلحق الحرج والإثم بمن ضيع حقهما, وأحذر من ذلك وأزجر عنه.
سيدي.. لن تستطيع أن ترد علي زوجتك إذا سألتك عما لايعجبك فيها, عن تقصيرها في حقك, فهي تعرف واجباتها ومصلحتها, لذلك لن أستطيع مناشدتها بالسماح لك بالزواج بأخري, لأن في نفسك هوي, فالزواج الصحيح لايقوم فقط علي الهوي, وهدم البيوت لايكون استسلاما لأوامر الهوي.
لن أناشد زوجتك, بل أناشدك أنت أن تتخلص من تلك النظرة الذكورية السائدة, وأن تكون رجلا في المواجهة, اذهب إلي أم أولادك واحك لها كل ما حدث, وأكد لها حرصك علي وجودها في حياتك فإذا قبلت فهذا فضل وكرم منها, أما إذا رفضت وأصرت علي موقفها فعليك أن تختار قرارك بحسم, وكن عادلا في قرارك لأن من طلب عزا بباطل أورثه الله ذلا بحق.. وقاك الله ووقانا شر الذل, وإلي لقاء بإذن الله.
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
الأربعاء، ١ أغسطس ٢٠١٢
نوافذ الاستشهاد
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق