الثلاثاء، ٣١ يوليو ٢٠١٢

ورود لاتذبل

26-12-2008
سيدي‏..‏ قال الكاتب الكبير أندريه مالرو في مذكراته‏:‏ سألت القس الذي أمضي حياته يتلقي الاعترافات‏.‏ ماذا تعلمت من اعترافات البشر فأجاب‏:‏ تعلمت أن الناس أتعس كثيرا مما نظن‏..‏ وأنه ليس هناك اشخاص كبار‏.‏

نعم ياسيدي‏..‏ ليس هناك اشخاص كبار لأننا جميعا صغار أمام همومنا وأحزاننا‏,‏ ولا يري أنفسهم كبارا سوي الحمقي والمغروروين‏.‏

تأملت كثيرا في رسالة السيدة التي تسرب إليها شعور بالفتور والجمود تجاه زوجها الذي لاتعيب عليه شيئا سوي انسحابه وانخراطه دون أن يدري إلي روتينية الحياة والطاحونة اليومية التي تطحننا جميعا رغما عنا وقدرت شكواها‏,‏ لكن أود أن تتأمل هي وكل قرائك الاعزاء قصة أخري قصتي عسي أن تنظر إلي الأمور نظرةأخري‏.‏ وان تري نصف الكوب المملوء‏.‏

تزوجت منذ أكثر من خمسة عشر عاما‏.‏ بإنسان رائع أقل ما يوصف به أنه رجل كريم الخلق عزيز النفس‏,‏ راقي المعاملة‏,‏ وأعتبر نفسي محظوظة بفوزي بقلب هذا الرجل‏,‏ الذي هو حبيبي وصديقي وزوجي وأحب الناس إلي قلبي‏.‏

وكانت بدايتنا بسيطة عادية تميل أكثر إلي أن تكون متواضعة من الناحية المادية‏,‏ لكنها كانت راقية جدا من حيث المشاعر والتفاهم بيننا‏,‏ وكان هذا كفيلا وحده بأن يذلل ويهون كل العقبات‏,‏ أتذكر جيدا اننا يوما فاجأنا أهله بالزيارة علي موعد غداء‏,‏ ولم يكن لدينا ما نقدمه‏,‏ ولم يكن معنا سوي جنيهات قليلة لكن استطعت ببركة الله أن أعد عزومة فاخرة بتلك الجنيهات‏,‏ فكنت أشعر دائما بأن الله معنا يسترنا ويهدينا وأصبح بيتنا الصغير هذا قبلة لكل من أهله وأهلي يلتمس فيه الجميع الود والراحة والهدوء والحل لجميع المشكلات التي كانت ولاتزال تواجه العائلتين‏.‏ فأنا الإبنة الكبري لعائلتي‏,‏ وهو كذلك الإبن الأكبر لعائلته‏.‏ واستقبلت طفلتي الأولي وشعرت بعدها ان نعمة كبيرة من الله حلت علي وتفرغت تماما لتربيتها والاهتمام بزوجي راضية قانعة‏,‏ وضحيت بطموحي الشخصي في ان أكون يوما ما صحفية أو كاتبة يشار إليها بالبنان‏,‏ وجاءتني فرص كبيرة للعمل‏,‏ وكنت لا أتصور أن أبتعد عن ابنتي أو اعهد بذلك إلي حضانة أو خادمة‏,‏ ففضلت التفرغ لها تماما وسط ترحاب كبير من زوجي‏,‏

ولا استطيع أن اصف لك كم المشكلات التي واجهتها انا وهو في البداية من مشكلات عائلية إلي مادية‏,‏ لكن كنت أعلم دائما ان التوكل علي الله مع السعي‏,‏ والأخذ بالأسباب هو المعين الوحيد‏,‏ فشجعت زوجي علي اتمام دراسته العليا‏.‏ برغم طبيعة عمله المرهقة وانشغاله الدائم بأمورنا وأمور عائلته الكبري وعائلتي ايضا‏,‏ وبعد سنوات كبرت ابنتي الجميلة‏,‏ وحصل زوجي علي أكبر الشهادات العلمية بتفوق نادر في تخصصه‏,‏ وقد أهداني نجاحه هذا‏,‏ وقال لي إني صاحبة الفضل الأولي فيه ولا أخفي عليك أن مظاهر الحب قد تغيرت من فترة الخطوبة إلي السنوات الأولي من الزواج إلي الآن‏.‏ فليس معني تغير مظاهر الحب انه اختفي أو جفت جذوته‏,‏ فهذا مفهوم خاطئ جدا لدي كثير من النساء‏,‏ فالحب في نظري يولد كالطفل الصغير البريء يولد علي سجيته وعفويته‏,‏ فتكون البداية دائما قوية الافصاح‏,‏ واضحة تماما كالطفل الصغير حين يضحك بعفوية‏,‏ ويبكي بعفوية حين يسعد أو يغضب فيلفت الانظار إليه في الحالتين بالهدايا والورود والمكالمات المتلهفة‏,‏ والرسائل الحارة‏,‏

ثم ما يلبث ان يكبر الطفل أو الحب شيئا فشيئا مع الأيام وزيادة المسئولية علي كاهله فيبدأ يعبر عن نفسه بمظاهر أخري أكثر رشدا من ذي قبل‏,‏ وان كانت لا تخلو من رقة وعذوبة فأنا اعتبر تشطيب المطبخ من قبل زوجي في أيام تعبي أو ارهاقي هي كلمة أحبك لكن دون البوح‏,‏ واعتبر لهفته علي حين يضايقني أمر ما أو مشكلة ولايهدأ له بال إلا بعد أن يأتيني كعادته بحل عبقري من حلوله‏,‏ خاصة انني تحملت عبء رعاية اخواتي البنات بعد وفاة والدتي ـ رحمها الله ـ وكان ذلك بعد زواجنا مباشرة ـ فكان نعم المعين لي في مشكلاتي هذه حتي إنه وافق أن تأتي أختي الصغري للعيش معنا بصفة دائمة للالتحاق بالجامعة هنا بالقاهرة من مدينتنا الإقليمية‏,‏ حتي تخرجت وتزوجت برعايتنا هي وكل اخواتي اللاتي كنت معهن في كل مشكلاتهن الشخصية والمادية بصفتي أنا الكبيرة‏,‏ والكل يلجأ إلي في ساعة الضيق والشدة‏,‏ وسارت بنا الحياة هكذا‏,‏ وكل يوم أكتشف في زوجي خصلة حميدة جديدة‏,‏ وأحمد الله علي هذا برغم اختفاء الورود‏..‏ وإذا جاءت مناسبة عيد ميلادي فهو يفعل كما يفعل زوج السيدة صاحبة الرسالة‏..‏ يكتب لي كلمات رقيقة داخل كارت وبداخله المبلغ الذي سوف انتقي به هديتي لأنه لا يعلم حقيقة ما أحتاج إليه فعلا‏..‏أما انا بصفتي مديرة البيت وأعلم كل صغيرة وكبيرة فيه وبحكم علمي بكل ما يحتاجه هو والطفلة أبحث عما ينقصه وأشتريه‏,‏ سواء أكان ذلك في عيد ميلاده أو بدون مناسبة‏,‏ ولم أشعر يوما أن هذا انتقاص لمقدار الحب بيننا بل حبنا يكبر ويكبر بمرور الأيام ودوام العشرة الجميلة بيننا‏.‏

وجاءت طفلتي الثانية وملأت حياتي بهجة ومرحا واصبحت أكثر لحظات عمري سعادة هي الساعات التي أقضيها مع طفلتي الجميلتين وزوجي الغالي وأنا في المطبخ أعد لهما الطعام وهم حولي كل يأتي بما عنده من أحداث اليوم‏,‏ واصبح بيتنا المتواضع الصغير هو محط الاحتفال بكل المناسبات‏,‏ وبما أني طباخة ماهرة‏,‏ فدائما ماكان يلتئم شمل العائلتين عندنا‏,‏ ونقضي الأمسيات في المرح والضحك وتحسنت أحوالنا المادية بعد حصول زوجي علي عمل اضافي خاص‏..‏ ودائما ما كنت أدعو الله ان يرزقنا ويوسع علينا‏.‏

حتي جاءت صاعقة من السماء أو هو ابتلاء من الله ـ فقد علمت انا وزوجي بطريق المصادفة أنني أحمل الجين الوراثي المسبب للمرض الذي ماتت به أمي‏,‏ وهو مرض مزمن ليس له علاج ولا يرجي منه شفاء وأنه آت لا محالة‏,‏ ولكن الأطباء لا يستطيعون الجزم بموعد مهاجمته لي فقد يكون بعد سنة أو أكثر قد يكون بعد عشر سنوات أو أكثر لا يعرفون‏,‏ وكتمنا الخبر عن الجميع‏:‏ أهله وأهلي ولا أستطيع أن اصف لك كيف نزل علي هذا الخبر الصاعق‏.‏ فقد كنت أرفل في سعادة ورضا ونعيم مقيم‏.‏

قضيت أياما وليالي وشهورا طويلة ارتعش في فراشي وفي حضن زوجي في عز الحر خائفة مرعوبة لقد كنت انا ياسيدي الشاهدة القريبة من تجربة أمي المريرة مع هذا المرض الذي استمر لست سنوات أو أكثر‏,‏ حتي أسلمت الروح بين يدي‏,‏ وتغيرت حياتي ونظرتي للأشياء والناس‏..‏ ودخلت دائرة اكتئاب وبكيت شهورا طويلة‏,‏ وقل نومي وفقدت تركيزي‏,‏ وأصبحت في وسط التجمعات والناس أري نفسي وحيدة وحدة قاتلة‏,‏ وأنا انظر وأستمع إلي مشكلاتهم الصغيرة التي هي في أعينهم كبيرة وليس لها حل‏,‏ واكثر ما أفكر فيه انني سوف اعيش هذه التجربة المريرة وأذيق ويلاتها لزوجي الحبيب وإبنتي اللتين مازالتا في طور المراهقة الأولي مازالتا طفلتين يحتاجانني ويحتاجان لعطائي وجهدي‏..‏ وهنا نظرت إلي حياتي وما مررت به‏,‏ وأعدت حساباتي ووجدت نقطة نور تشع وسط هذه السحابات القاتمة‏,‏ لقد عشت حياة مليئة بالحب‏,‏ سواء مع أهلي أو أخواتي أو زوجي وبنتي‏,‏ حتي صديقاتي وجيراني وأهل زوجي لقد كسبت حب واحترام الجميع‏,‏ وكسبت قلب زوجي واحترامه لسنوات عشرتي به‏,‏ وأديت واجبي نحوهم جميعا لم أقصر في حق احد يوما‏,‏ ولم أقم بإيذاء أحد يوما حتي بكلمة‏,‏ ودائما ما كنت أحاسب نفسي علي كل أفعالي وتصرفاتي‏,‏ ولا أذكر انني اشتكيت من زوجي لأحد‏,‏ ولا هو اشتكي مني لأحد ودائما ماكانت خلافاتنا بيننا لايعرف عنها أحد شيئا تبدأ وتنتهي بيني وبينه فقط‏,‏ حتي ان اهلنا يتندرون علينا أننا لا نتشاجر ابدا‏!‏

والآن أري ذلك البنيان الذي بنيته بكل الحب والتفاني والاخلاص ينهار امام عيني‏,‏ وتتلاحق الاسئلة امامي ماذا لو مرضت الآن؟ ومن أين سأنفق علي علاجي ونحن امكاناتنا لا تسمح وهو علاج مكلف وأكثر ما أفكر فيه هو تأثير هذه التجربة علي نفسية بنتي بعد ذلك‏,‏ ولا أريد لهما أن يعانيا مثلما عانيت أثناء مرض أمي وبعد وفاتها ثم زواج أبي من اخري وتوالت مشكلاتي ومشكلات أخواتي‏.‏

وأقول هنا لكل امرأة تفتقد في زوجها بعض الأشياء اللافتة كالورود والكلمات الطنانة ان هناك كثيرا من النساء تأتيهن الورود والهدايا الثمينة ولكنهن يعلمن من داخلهن انهاورود بلا رائحة ومجاملات قد تفتقد إلي الصدق والعمق العاطفي‏,‏ العبرة في ذلك بالصدق وقد قال الشاعر الهندي طاغور ابحث في الناس عن مزاياهم وابحث في نفسك عن عيوبك تكن احكم الناس‏,‏ وانظر دائما إلي الجانب المبهج من الحياة وتعامي عن الجانب المؤلم منها تكن أسعد الناس‏.‏

سيدي‏..‏ مرت فترة طويلة وانا بخير والحمد لله وتحاليلي وفحوصاتي الطبية تنبئ بالخير الي الآن‏,‏ وليس لي أمل الا في رحمة الله التي وسعت كل شئ ان يدرأ عني هذا الشبح أو أن يؤخره الي آخر العمر حتي أكون اشتممت ورودي الصغيرة وحصدت مازرعت علي مدي سنوات واطمأننت عليهما‏,‏ وأكون قد اديت رسالتي نحو زوجي وبنتي واهلي الي آخررمق في‏.‏

فأرجو ان تدعو لي بذلك انت وقراؤك الأعزاء‏.‏ واخيرا اقول ان الحياة علمتنا أن أسرع طريق للأخذ هو العطاء المتفاني‏,‏ فانتبهوا للسعادة التي بين أيديكم وانتم لاتشعرون بها ولاتقدرونها حق التقدير ولاتشكروا لها حق الشكر‏,‏ وابحثوا عن الورود التي لاتذبل ابدا بفعل الزمن‏,‏ الورود التي يظل أريجها يتهاوي في عبق الايام وفي نفوس من نحب‏..‏ حتي لو فارقناهم الي الابد‏..‏

سيدتي‏..‏ كلما قررت اغلاق الحوار حول أزمة العلاقات الزوجية مؤقتا لإفساح المساحة لقضايا اجتماعية وانسانية أخري اجدني امام فيض انساني برسائل القراء رجالا ونساء محبة او ناقدة فأجدني مضطرا وراضيا الي الدخول الي هذا العالم‏..‏ علاقة الرجل والمرأة‏,‏ الزوج والزوجة‏,‏ لأن منه تبدأ السعادة وتنتهي‏..‏ منه يستقر المجتمع السعيد فتسود الأخلاق الحميدة‏,‏ ويزيد الأمن كما يزيد الانتاج والعطاء‏,‏ ومنه ايضا يبدأ الألم والحزن بالتفكك الأسري وانتشار العنف والمخدرات والخيانة والفشل الدراسي وانحراف الأبناء‏.‏

من البيت يبدأ المجتمع نموه وازدهاره أو انتكاسه وفساده‏.‏
لذا فعندما نتحدث عن زوجين عن علاقتهما عن حبهما لانتحدث عن حالات فردية بل نتحدث عن مجتمعنا الذي نعيش فيه‏.‏

سيدتي‏..‏ كم كنت رائعة عندما فتحت تلك النافذة المضيئة التي أطللت منها علي علاقتك بزوجك وفهمك العميق لمعاني الحب بين الزوجين ورصدك لتغير مظاهر الحب‏,‏ والتي لاتعني بأي حال ضياع الحب أو خفوته‏,‏ فالحب له الف ذراع للتعبير عن نفسه غير الكلمات الجميلة او تقديم الورود وان كانت هي وغيرها من هذه الاذرع التي ترقق القلوب وترطب المشاعر الجافة فتصبح مثل الندي الذي يبلل الزهور التي يمكنها الحياة بدونه ولكنها تمنحها حيوية وجمالا‏.‏

قليلون هم الذين يعرفون ان الأعمار مهما طالت قصيرة‏,‏ وان الحياة مهما ابتسمت قاسية وان العمر سيمر بك سواء كنت سعيدا أو حزينا‏,‏ والبشر الطيبعيين هم الذين يختارون السعادة‏,‏ ويعرفون ان السعادة الحقيقية في العطاء وفي ان تجعل غيرك سعيدا بك‏.‏

يستعصي علي الفهم أحيانا كيف يري الرجل أو المرأة سعادة الطرف الآخر في بعض الاهتمام وبعض اللمسات الحانية البسيطة وفي كلمة طيبة ولايفعل؟

سيدتي‏..‏ ان أسلوب تعاملك وزوجك هو الطريق السحري السهل للسعادة الزوجية فقد اتسع بيتكما الصغير لأسرتيكما الصغيرة والكبيرة‏,‏ تعاونتما علي مواجهة الصعاب بكثير من الإيمان والحب فلانت لكما الايام وقدمت لكما حلوها‏..‏ ولانه لامعني للحياة بدون مراراتها وابتلاءات الله سبحانه وتعالي اطل عليكم الجين الوراثي المفزع فجسد لك صورة أمك الراحلة ـ رحمها الله وغفرلها ـ بآلامها ومعاناتها فاستسلمت لحزنك ومخاوفك علي الرغم من ايمانك الكبير بالله وبرحمته الواسعة‏,‏ وهذا ما اعاتبك عليه لأن اصعب من الالم انتظاره والعيش في احزانه‏,‏ لماذا ياسيدتي تريدين ان تعيشي الحزن مرتين قبل مجيئه واذا ـ لاقدر الله ـ اتاك؟‏.‏

مشاعرك الرقيقة المرهفة معذبة خوفا علي زوجك وأبنائك من مصير اخواتك اللاتي عانين بعد رحيل والدتك متناسية أو غافلة ان الخالق الرحمن الرحيم اللطيف هيأ لهن اما اخري رحيمة‏,‏ وابا كريما انت وزوجك الفاضل‏.‏

ياسيدتي لاتستكيني الي مخاوفك وثقي في لطف الله وفي قدره‏,‏ وكوني مطمئنة ان الخير الذي بذرته سيثمر حتما في حياتك وبعد رحيلك ـ اطال الله في عمرك وبارك فيه ـ المحدد والمعلوم والذي لاينتظر مرضا او عرضا‏,‏ فلكل أجل كتاب‏,‏ فلا تفسدي سعادتك وسعادة أسرتك ولاتضعفي مناعتك بحزنك وواصلي رسالتك وابذري حكمتك ومحبتك في نفوس من حولك‏,‏ ودعينا نستفيد جميعا من تجربتك الإنسانية الرائعة ونسترشد بروشتتك السهلة حتي تزدهر الورود ولاتذبل أبدا في حياتك وحياة كل الأزواج‏..‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏
المزيد ....

الغرفة المظلمة

19-12-2008
أكتب لك يا سيدي وقد تكون قصتي مكررة‏,‏ وآسفة علي الإطالة‏,‏ ولكن أرجو منك يا سيدي أن تقرأها حتي النهاية‏,‏ وأتوسل إليك أن تنشرها حتي تكون عبرة وعظة لكل الزوجات‏.‏

أكتب لك يا سيدي بعد أن تراجعت عدة مرات عن الكتابة‏,‏ ولكن هناك ضيقا شديدا في صدري بسبب ما مر بي من أحداث كثيرة مؤلمة‏,‏ فأنا امرأة جميلة‏,‏ تعليمي جامعي‏,‏ كنت أعمل لفترة بإحدي الشركات الأجنبية‏,‏ تزوجت منذ عشرين عاما من شاب يعمل في وظيفة مرموقة‏,‏ بنينا حياتنا معا‏,‏ حتي أصبح لدينا كل شئ‏(‏ شقة كبيرة ـ سيارة حديثة ـ حساب في البنك‏)‏ ورزقنا الله ببنت وولد ربيتهما أنا ووالدهما أحسن تربية‏,‏ وأنا امرأة عيبي الوحيد أنني عنيدة جدا مع أنني كنت أظهر دائما عكس ذلك‏,‏ لأنني كنت أكره هذه الصفة في‏,‏ ويعتبر زوجي مثاليا‏,‏ فهو رجل يعيش لبيته وأولاده وعمله‏,‏ ولكن للأسف يا سيدي مر زوجي بأزمة منتصف العمر كما يقولون‏,‏ وإن كنت سابقا من أشد المعارضين لاستخدام هذا المصطلح‏,‏ ولكن يا سيدي هي فعلا أزمة يجب علي المرأة الحكيمة الذكية الواعية أن تتعامل مع هذه الأزمة بمنتهي الحكمة والعقل‏,‏ وعدم تحكيم العواطف مهما تعرضت لآلام أو إهانات‏,‏ فكرامة الزوجة من كرامة زوجها‏.‏

تعرف زوجي علي فتاة جامعية تصغره بكثير‏,‏ وعلي مدي عدة سنوات حاولت جاهدة إبعاده عنها‏,‏ ولم أفلح‏,‏ وبالرغم من وعوده الكثيرة بالابتعاد كان يخلف وعده دائما‏,‏ وأخيرا قررت رفع الراية البيضاء والاستسلام والانسحاب والانفصال عنه مهما كانت العواقب‏,‏ وبالرغم من أن زوجي هذه المرة كان صادقا جدا في وعده وأنا أعلم ذلك من داخلي‏,‏ وبالرغم من قيامه بتوسط الكثير‏(‏ والده ـ والدته ـ إخوته ـ أقربائه ـ بعض رجال الدين‏),‏ ولكن يا سيدي هذه المرة تملكني العند ووجدت لنفسي جميع الأعذار لتنفيذ قراري بطلب الطلاق والانفصال‏,‏ ولم أرحم توسلات زوجي ودموعه عندما بكي أكثر من مرة أمامي وأمام أولاده‏,‏ وهو الذي كان يقول دائما عبارة دموع الرجالة غالية‏

وكنت أشعر بالنشوة وأنا أراه يبكي وبداخلي شئ يقول كم بكيت ولم يشعر بك‏,‏ وأصررت علي الطلاق بحجة أنني فقدت الثقة به‏,‏ والإحساس بالأمان والإهانة عندما قام بسبي وضربي مرات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة‏,‏ والذي اعتبرته شيئا لا يغتفر بالرغم من استفزازي له خلال هذه المرات‏,‏ لكل هذه الأسباب قلت له أنت رجل لا تطاق ولا تستحق أن أعيش معك‏,‏ وطلقني زوجي وهو يبكي أمام المأذون ويتوسل لي للمرة الأخيرة ألا أهدم البيت حتي ولو من أجل الأولاد‏,‏ وليس من أجله خصوصا أن بنتنا كبرت وعلي وش جواز‏.‏

وبعد أن حصلت علي الطلاق كنت أبحث عن رجل يطبطب علي وأشعر معه بالأمان وأثق به‏,‏ وأدي ذلك الي تعرضي الي كثير من المضايقات من الرجال‏,‏ متزوجين ومطلقين وأرامل وللأسف الشديد يا سيدي منهم من كان من داخل العائلة‏,‏ الكل يتعامل معي علي انني امرأة لقيطة بلا هوية مستباحة‏,‏ وإن أرادوا الزواج ليس إلا الزواج العرفي‏,‏ وأخيرا يا سيدي جاءتني هدية السماء ــ كما اعتقدت خطأ ــ عندما تعرفت عن طريق ابنة عمتي المطلقة ايضا علي رجل طبطب علي كما تمنيت‏,‏ وشعرت معه بالأمان والثقة اللذين ابحث عنهما‏,‏ وهو ايضا يحتاج لي لأنه لم يسبق له الزواج بالرغم من كبر سنه بسبب انشغاله بعمله‏

فهو رجل اعمال ناجح وهو علي استعداد لتقديم أي شئ حتي أوافق علي الزواج منه زواجا شرعيا‏,‏ وفعلا تزوجنا‏,‏ وبسبب زواجي تركني ابناي وعادا للعيش مع والدهما الذي تركهما لي تحقيقا لرغبتي ورغبتهما بعد حصولي علي الطلاق‏,‏ وتزوجت يا سيدي من الرجل الذي توهمت انه سيعوضني عن كل ما تعرضت له من آلام وإهانات مع زوجي السابق‏,‏ وبعد ثلاثة أشهر فقط من زواجي عشت خلالها كملكة متوجة علي عرش كل شئ يملكه هذا الرجل بدأ مسلسل الصدمات بعد ان علمت وللأسف عن طريق ابنة عمتي التي كنت اعتقد انها تحب لي الخير ان هذا الرجل لايملك شيئا مما عرفته عنه سوي مظهره الخارجي‏,‏ فكل شئ يا سيدي مزيف فهو رجل فاشل في كل شئ ونصاب تزوج اكثر من مرة وطلقهم جميعا بعد ان نصب عليهن وسرق اموالهن‏

وبدأ مسلسل الإهانات‏..‏ سب بأفظع الشتائم‏,‏ ضربني بشكل جنوني حتي انه كان يقذفني بأي شئ أمامه حتي انني جرحت جروحا عميقة أدت إلي التدخل الجراحي في بعض الأحيان وقمت بطلب الطلاق ولكنه قال لي لا يا هانم أنا مش زي جوزك السابق يطلق بسهولة وفعلا حبسني في غرفة بإحدي الشقق المهجورة بمكان ناء‏,‏ كما قام بتوثيقي بالحبال لمدة طويلة كان خلالها يرسل لي رجلا لا أعرفه لتوصيل الطعام‏,‏ وهنا كانت الطامة الكبري فقد قام الرجل باغتصابي وأخذ صورا لي وأنا عارية تماما‏

وللأسف يا سيدي كل هذا كان بعلم زوجي‏,‏ وأخيرا شعرت ابنة عمتي بالندم علي ما فعلته بي وحصلت علي مفتاح الشقة خلسة وقامت بتهريبي‏,‏ وفعلا ذهبت إلي أمي وأخوتي‏(‏ منهم لله‏)‏ الذين كانوا جميعا ضد زوجي السابق وشجعوني علي طلب الطلاق‏,‏ لأني تحملت منه الكثير والكثير‏,‏ وأنا الآن يا سيدي أعيش كامرأة محطمة في إحدي الغرف المظلمة‏(‏ لأني لا أطيق النور‏)‏ بمنزل أحد أفراد أسرتي مصابة بحالة من الاكتئاب الشديد مذعورة من ان يصل زوجي الحالي إلي مكاني فيفتك بي كما توعدني كثيرا‏,‏ ولقد علمت يا سيدي ان زوجي السابق تزوج من تلك الفتاة الذي تعرف عليها وهي التي تقوم بتربية ابني اللذين حاولت الاتصال بهما ولم يستجيبا وعندما استجابا قالا لي منك لله يا ماما هدمت البيت وأقسم لك يا سيدي أنني شعرت بمرارة فظيعة لم أشعر بها مع كل ما مر بي من عذابات

حتي مرارة الاغتصاب كانت أهون علي من ان يرفض ابناي رؤيتي أو حتي سماع صوتي‏,‏ والآن يا سيدي أنا أحيا بقايا امرأة بداخلي خليط من الأحاسيس المفزعة‏(‏ ندم‏,‏ خوف‏,‏ ولوم‏)‏ وأصبحت ثقيلة علي الكل ولا أشتاق لرؤية أي شئ حتي الطعام‏,‏ والشئ الوحيد الذي اشتاق لرؤيته هو والدي رحمة الله عليه الذي توفي بعد زواجي بعدة سنوات والذي كان سندا لي‏,‏ ولو أطال الله في عمره ما كان يوافقني علي الانفصال عن زوجي السابق وأبو أولادي‏,‏ وأخيرا ياسيدي أرجو المشورة‏,‏ وقل لي ماذا أفعل لأني أثق دائما في رأيك وسوف استرشد به حتي لا أكره الحياة وأتمني الموت‏.‏

*‏ سيدتي‏..‏ مأ أحلي الحكمة عندما تأتينا في وقتها المناسب‏,‏ فتواجه بقوة وصلابة شياطين العناد‏,‏ وتنير لنا طرق التصالح والتسامح‏,‏ وما أقساها عندما تأتي متأخرة‏,‏ فتنغرس في ماضينا‏,‏ كالخنجر المسموم‏,‏ وبدلا من مداواتها لواقعنا المؤلم‏,‏ تبكينا علي ما فعلناه بأنفسنا‏.‏

تعترفين بخطئك عندما سيطر عليك عنادك‏,‏ ولم تلتفتي إلي دموع زوجك وتوسلاته وأنت تعلمين من داخلك صدق ندمه وتوبته وحرصه علي عدم هدم البيت‏,‏ ولكنك كنت تثأرين لنفسك‏,‏ ودائما نخطئ ـ سيدتي ـ عندما نغضب لأنفسنا ونثأر لها‏,‏ فيما تقتضي الحكمة في هذه الأحوال أن نغضب لله ولمصلحة الآخرين الذين نحبهم‏,‏ حتي لو كان معنا الحق‏,‏ فالتسامح والعفو وردة تتفتح في القلب‏,‏ بينما يتحول الغضب والانتقام إلي نار تحرقنا‏,‏ وهي تحرق الآخرين‏,‏ ما فعلته لم يكن فيه رابح‏,‏ فكلكم خاسرون‏.‏

كلماتي لا تعني تبرئة والد ابنتك وابنك‏,‏ فهو يتحمل قدرا كبيرا من المسئولية فيما وصلت إليه‏,‏ فهو الآخر لم تسعفه حكمته في تجاوز أزمة منتصف العمر‏,‏ فاندفع في علاقة حب‏,‏ ولم يف بوعده بقطع علاقته بتلك الفتاة‏,‏ فطعنك في أنوثتك وتركك فريسة لعنادك‏,‏ واعتذر في وقت لا يجدي فيه الاعتذار‏,‏ فما أصعب المرأة وأقساها ـ ومغفرة للتعبير ـ وأحمقها عندما تنتقم ممن أهان أنوثتها‏.‏

أنت الآن تلتمسين له الأعذار وتبررين قبولك لضربه وإهاناته لك بسبب استفزازك المستمر له‏,‏ وبعد أن ذقت الهوان والذل والعذاب مع هذ النصاب ـ وما أكثر النصابين الآن ـ الذي كان ينتظر واحدة مثلك‏,‏ من الهاربات من نزف أنوثتهن‏,‏ ممن يبحثن عن اهتمام أو كلمات حب أو طبطبة حتي لو كان كل هذا زائفا‏.‏ كان عليك أن تتمهلي‏,‏ وتمنحي نفسك فرصة لالتقاط الأنفاس ومداواة أنوثتك‏,‏ وإعطاء فرصة للم شمل الأسرة التي انهارت‏,‏ ولكنك أسرعت للارتماء في أحضان هذا النصاب المحترف‏,‏ وللأسف لم تجدي أحدا من أفراد أسرتك ليردك عن تعنتك‏,‏ فتلقفتك ابنة عمتك لتسلمك إلي مجرم يجب محاكمته‏.‏

سيدتي‏..‏ لن يجدي الآن إغلاق نوافذ غرفتك المظلمة‏,‏ فالأسوأ حدث‏,‏ وعليك الآن أن تخرجي للحياة‏,‏ اطلبي لقاء والد ابنيك‏,‏ أحكي له ما حدث معك‏,‏ اطلبي مساعدته في استعادة حقك‏,‏ ذكريه بأنه عليه واجب تجاهك‏,‏ وأنا بدوري أذكره بمسئوليته الكاملة فيما وصلت إليه‏,‏ وبأنك قبل وبعد كل شئ أم ابنيه‏,‏ ولا اعتقد أن رجولته ستقبل أن يتركك فريسة لمثل هذا النصاب‏,‏ وعليه أيضا أن يصل ما انقطع بينك وبين ابنيك‏,‏ فليس من العدل أن تدفعي ثمن خطئك طوال عمرك‏,‏ فإذا لم يستجب زوجك السابق ولم يؤلمه ضميره‏,‏ فأرجو أن تتصلي بي أو تتفضلي بزيارتي لمساعدتك في اتخاذ الإجراءات القانونية في مواجهة زوجك النصاب‏,‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏
المزيد ....

اكتب فراشة السماء

12-12-2008
إليك ودموعي تنهمر بغزارة فتبلل ملابسي‏,‏ ولا ادري متي ستتوقف‏,‏ فأنا سيدة في الثلاثين من عمري ولدت بإحدي الدول العربية ورجعنا إلي أرض الوطن لنصطدم بأصحاب النفوس الضعيفة‏,‏ فنصبوا علي والدي وسرقوا شقي عمره فأصيب بأزمة قلبية توفي علي أثرها وأنا في أولي جامعة‏,‏ وضاق بنا الحال وحمدنا الله وإن عانيت طويلا من وفاة والدي‏,‏ فقد كان الأمان لنا في بلدنا الذي عشنا فيه بعد رحيله كالغرباء‏,‏ واضطرت والدتي إلي الخروج للعمل لكي تتمكن من الإنفاق علي البيت الذي خلا برحيل راعيه‏.‏

تخرجت من الجامعة وعملت بإحدي الشركات كي أساعد في شيء من المصروف بالبيت‏,‏ وكان لي حينها زميل بالجامعة جاء ليطلب يدي‏.‏ وكان يعمل بإحدي الوظائف الحكومية براتب‏160‏ جنيها فوقفت بجانبه وشجعته علي ارتباطنا وكافحت معه ثلاث سنوات ـ فترة الخطبة ـ كنت أعمل واجهز معه عش زواجنا‏,‏ تزوجنا وحدثت خلافات كثيرة فتحملت حتي لا يأتي أحد ويقول لي هذا هو اختيارك‏,‏ وتأخر حملي فتابعت مع الدكتور بالمنشطات حتي حملت بعد عام من زواجي‏,‏ وجاءتني البشارة من الدكتور بأنها بنت وكم كنت أتمني أن انجب ابنة تكون لي الحنان في الكبر‏,‏ وفرحت بها كثيرا‏,‏ كانت ولادة صعبة جدا‏,‏ فقد لبثت ما يقرب من ست ساعات في غرفة العمليات لوضع المولودة‏,‏ الكل متوقع وفاتي لأني اصبت بهبوط حاد بالدورة الدموية ووفاة طفلتي لضعف نبضها‏,‏ لكن شاء القدر أن تأتي إلي الدنيا ولكن بعيب في ذراعها اليسري نتيجة ملخ‏,‏ فكان عبارة عن أربع قطع كل قطعة بوضع مختلف‏,‏ ولكني حمدت الله علي أنها بخير وبدأت معها رحلة العلاج حتي شفيت بنسبة‏80‏ بالمائة وبقي أثر بذراعها‏,‏ ولكني كنت اسجد لله شكرا عندما كنت أذهب معها للعلاج الطبيعي وأري عيوبا خلقية صعبة المنظر‏..

‏ أحمد الله كثيرا واقول نه أهون الأقدار‏,‏ وبعد عام من ولادتها رزقني الله بحمل آخر وولدت أخا لها وحمدت الله عليهما‏,‏ وكان الجميع يشجعونني علي الإنجاب مرة أخري لكني كنت أحمد الله وأقول لي ابن وابنة الحمد الله عليهما وعلي أن الله رزقني بتلك النعمة‏,‏ وفي تلك الأثناء ترك زوجي عمله وعرضت عليه أن نقوم بعمل مشروع تجاري‏,‏ فقررنا أن نقوم بعمل محل مأكولات فقمنا ببيع سيارتنا وقمت أنا ببيع ذهبي ودخل معنا شريك صديق لزوجي‏,‏ ولكن مشيئة الله أرادت الفشل لذلك المشروع‏,‏ وكنت أحمد الله أيضا وأقول لزوجي رصيدنا هم ابناؤنا وليس المال‏,‏ وستر الله لنا‏,‏ وأنك بيننا وأنت من يأتي بالمال وأن الله لا يفعل بعبده شيئا إلا الخير‏..‏ وفي تلك الأثناء جاء لزوجي عقد عمل بالخارج بإحدي الدول العربية فقلت ان الله أراد لنا رزقا وتعويضا بمكان آخر‏,‏ وسافر زوجي برغم فقر المرتب بالنسبة لتلك الدولة الخليجية وبرغم سوء الوظيفة‏,‏ ولكنه كان مضطرا وقلت له إنها مدخل وباب وسبب لكي تحصل علي فرصة عمل أفضل‏,‏ ذهب وتركني بمفردي مع ابني فذهبت لأقيم مع أمي فضاقت بي وذهبت إلي حماتي فضاقت بي اخته‏,‏ فقررت أن أجلس ببيتي وأربي ابني بمفردي‏,‏

وكانت معظم مشاكلي ع زوجي انه متخيل اني اريد الجلوس بمفردي‏,‏ لأني لم استطع أن أشرح له حقيقة الأمر‏,‏ فحدثت بيننا خلافات كثيرة حتي طلبت الطلاق ولم يقف أحد بجانبي‏,‏ الكل كان ينتظر من سيصرف علي ابني وانهما مسئولية لن استطيع تحملها بمفردي‏,‏ وقالت امي انت قوية لتواجهي أي موقف‏,‏ وقالت من في مثل ظروفي يجلسن في منازلهن ويرسل ازواجهن اليهن الأموال‏,‏ كان ذلك منذ شهر تقريبا‏,‏ فحمدت الله في نفسي أن لي بيتا ليلم شملي أنا وابني وعدلت عن فكرة الطلاق من أجل ابنتي وابني وقلت في نفسي الحمد لله علي الأقل أب حنون ويحب ابنيه ولا يحرمهما من شيء بصرف النظر عما يفعله معي‏.‏

وفي تلك الأثناء جاء زوجي وقامت الخلافات بيننا مرة أخري بسبب تهوره وأفكاره المريضة التي لا داعي لذكرها الآن‏,‏ وصبرت ودعيت الله أن يحتسبني من الصابرين علي هول الدنيا‏,‏ وأن يعوضني خيرا في ابني لأنهما كانا كل شيء لي وسافر زوجي‏,‏ وجلست بمفردي بمنزلي وكنت أعاني حينها من انزلاق غضروفي‏,‏ ورغم ذلك لم اقصر في حق ابني لا في المأكل ولا المشرب ولا أي شيء آخر يحتاجانه‏,‏ حتي جاء اليوم المشئوم كنت أجلس علي النت في ليلة أكلم زوجي وهو يشكي سوء الحال لديه وأنه حتي الآن لم يعثر علي أي فرصة عمل‏,‏ وكان ينعي حظة فقلت له استغفر الله واحمده علي الستر‏,‏والصبر هو مفتاح الفرج وقم بما عليك والباقي علي الله‏,‏ وكان يحسدني علي إيماني وصبري وقلت له إن لدينا ابنين يتمني غيرنا ظفرا منهما‏,‏ انها نعمة من نعم الله لنا‏,‏ فقال الحمد لله انت وإبناي أفضل شيء لدي وانشغلت بعدها في موقع إسلامي وجدته أمامي‏,‏ موقع اعجبني ودخلت عليه لأجد قصصا لأمهات مع الصبر‏.‏

لماذا هذا الموقع في تلك الليلة؟ لا ادري‏!‏ كان لقصص أمهات تحكين عن صبرهن علي ابتلاء الله لهن في مرض أو وفاة أحد من أبنائهن وكنت اقرأ وانخرط في البكاء وأذهب لابني لاحتضنهما بشدة وأحمد الله وأقول يارب لا اري فيهما مكروها ولا يجعل أحدا يري ذلك في أبنائه وكانت في تلك الأثناء ابنتي تشتكي لي من جنبها وبطنها فهدهدتها وقلت لها ان شاء الله في الصباح سنذهب إلي الدكتور‏,‏ وعزمت علي ذلك بعد أن كنت ذاهبة لأدفع لها مصاريف المدرسة وأنا طائرة من الفرحة بابنتي لأنها كانت ـ قبل أن انسي ـ كتلة من العبقرية تذهل من حولنا‏,‏ فقد كانت تجلس علي النت منذ سن االثانية والنصف‏,‏ وتفتح المواقع وكانت متفوقة بالحضانة لدرجة اذهلت مدرسيها وكانوا يحبونها بشدة‏,‏ وبعد تصفحي علي النت وجدت ابنتي نائمة علي الأرض فقمت بنقلها علي السرير فنامت‏,‏ واقمت الليل وقرأت القرآن ثم صليت الفجر ونمت‏,‏ وبعد ساعة صحوت علي بكاء ابنتي بشدة‏,‏ وهي ممسكة بجنبها الأيمن من الألم لمدة ساعة‏,‏ فقمت ونهرتها بشدة وقلت لها لماذا كل هذا البكاء‏,‏ قلت لك نامي وفي الصباح سنذهب للدكتور‏,‏ فواصلت البكاء فتركتها‏,‏ وخرجت لأنام بالحجرة الأخري‏,‏ فإذا بها تئن من الألم‏,

فأخذتها بحضني وقلت لها تعالي سأعمل لك ساندويتشا لتأكلي وكانت حينها تشرب الكثير من الماء فحملتها معي للمطبخ وقمت بتقبيلها وقلت سأعمل لك الطعام وأجلستها أمامي علي منضدة المطبخ‏,‏ فإذا بها تتشنج فجأة وترجع الماء الذي بجوفها وأري منظرا لأول مرة بحياتي‏,‏ أجد روحا وهي تطلع لبارئها ومن ؟ ابنتي زهرة عمري وأجد لونها أصبح أزرق وقد أبيضت شفتاها وخدل جسدها وفتحت فمها وعينيها‏,‏ حملتها وأنا بقميص نومي وأصرخ واستغيث وأجري بها بالمنزل هل من مغيث‏,‏ حتي جاء جاري واخذها إلي أقرب مستشفي ولحقته بابني الآخر الذي كان نائما وقام مفزوعا‏,‏ وذهبت وظل منظرها علي هذا الحال فادخلوها العناية المركزة وخارت قواي ولم انطق سوي باللهم اجرني في مصيبتي واخلفني خيرا منها‏,‏ ولا ادري بمن حولي ولا أفعل شيئا سوي الدعاء لابنتي بالرغم من إنني واثقة بموتها وفي يد من؟ في يدي أنا‏,‏ فسجدت لله أمام الجميع بالمستشفي اطلب منه أن يتكرم علي ويمن علي بشفاء ابنتي حتي بكي كل من كان بالمستشفي‏,‏

وجاء أصدقاء زوجي بعد علمهم بتعبها حتي وافتها المنية بسبب المرض اللعين فقد اكتشفوا ان لديها ورما خبيثا علي الكلي متشعبا كالعنكبوت وانها آجلا أوعاجلا كانت لا محالة ماقية ربها‏.‏

منذ تلك اللحظة تهت عن الوعي ولم افق إلا بعد أسبوع من الوفاة بعد أن احضروا لي العديد من الأطباء لعلاجي وحضر زوجي واحضر لي أكبر دكتور نفسي‏,‏ وحين دخل علي وكلمني فقت وأنا أردد سورة الكهف بسم الله الرحمن الرحيم أما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا‏,‏ صدق الله العظيم‏,‏ وكنت لا اتحرك وتيبست رجلي من الصدمة فقمت وصليت ودعوت الله أني لا أريد شيئا سوي رضاه علي وأن يمن لي بالصبر ويعوضني خيرا في ابنتي‏,‏ وان يمن علي بشرف الصبر وأن يحتسبني من الصابرين‏,‏ ولكني لم استطع أن امنع عيني من البكاء علي ابنتي صاحبة الأربع سنوات ونصف السنة لا لأني لا أومن بقضاء الله‏,‏ بل بالعكس أؤمن بقضائه وبرحمته بي وبها لأنه لم يرد لنا العذاب‏,‏ لكن قلبي ينخلع من ضلوعي كلما تذكرتها تخرج أمامي فقلبي يتمزق في اليوم مائة مرة‏,‏ فقد كانت فراشة المنزل وهي فراشة لدي خالقها‏,‏ اللهم لا اعتراض ولكنها قطعة مني لا أستطيع نسيانها‏,‏ فالبيت كله ينتظرها‏,‏ وأخوها حتي الآن لديه الأمل في قدومها وهو الآن يبلغ من العمر ثلاث سنوات‏,‏ فقد كان لا يأكل إلا معها ولا يلعب إلا معها‏.‏ كانت حياتنا مقتصرة علينا ثلاثتنا‏,‏

لكن لا أقول سوي الحمدالله‏.‏

ابعث إليك لأن الشيطان يوسوس لي أني كنت في بعض الأحيان اقوم بعقابها وضربها بغرض تربيتها‏,‏ لأني كنت اخاف من المسئولية لأنها كانت علي كاهلي بأكملها‏.‏

ولكني أقسم بالله أني لم اقصر في حقهما في أي شيء وأنهما من كانا لي بالدنيا كلها

أرسل لك لكي تدعو لي أنت وقراؤك الأعزاء بالصبر علي هذا الابتلاء وأن تدعو لي بصلاح أمر زوجي وأن يعوضه الله خيرا بعمل بالدولة التي يعمل بها حتي يستطيع لم شملنا أنا وهو وابننا الذي احمد الله علي تركه لي ويهون علينا ما بنا‏:‏ فأنا أموت في كل لحظة‏,‏ تحاصرني صورتها وصوتها‏,‏ فما حدث أكبر من قدرتي بكثير‏.‏

*‏ سيدتي‏..‏ أعانك الله علي ابتلائك وزادك صبرا وإيمانا ونورا‏,‏ وبارك الله في ابنك وجمعكما مع زوجك فيما وأينما تحبين‏.‏

ما أنت فيه هو أصعب وأقسي المواقف‏,‏ التي تصبح فيها الكلمات ثكلي وعاجزة عن التعبير‏,‏ فعلي الرغم من اننا جميعا نعرف هذه الحقيقة منذ مولدنا‏,‏ أن الموت قادم لا محالة‏,‏ وفي أي لحظة‏,‏ وأن الحياة رحلة مؤقتة شاقة‏,‏ كلها كبد وعناء‏,‏ وأن الآخرة هي الأبقي وهي المقر‏,‏ إلا أننا نغفل ونتغافل عن هذه الحقيقة‏,‏ ونفاجأ ـ وكأنها المرة الأولي ـ يوم رحيل أحد الأحباب‏.‏

الموت يا سيدتي يسكننا في نفس اللحظة التي تدب في أجسادنا الروح‏,‏ ووحده سبحانه وتعالي يعلم متي يقبض أرواح البشر والمخلوقات‏,‏ فإذا حانت اللحظة فليس لنا إلا القبول والرضا صاغرين‏..‏ فإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون صدق الله العظيم‏.‏

فإذا آمنا بأن الساعة قد حانت‏,‏ وأن الله جل وعلا‏,‏ لا يغفل ولا يخطئ‏,‏ فإن ما حدث لابد أن يحدث‏,‏ وأن موعد رحيل ابنتك مقدر ومحدد منذ بث الله فيها الروح‏,‏ فهل تملكين ـ كما فعلت ـ إلا الصبر والدعاء والرضا بالابتلاء‏.‏

سيدتي‏..‏ لقد عانيت كثيرا في حياتك وتعذبت بعد رحيل والدك‏,‏ وعشت صدودا وقسوة من أهلك وأهل زوجك‏,‏ وكنت في كل هذه الشدائد صابرة حامدة شاكرة‏..‏ وعلي الرغم من المشكلات التي واجهتك مع زوجك‏,‏ إلا أنني أتلمس من كلماتك أنه زوج طيب محب‏,‏ فاجعلي من هذه المحنة التي ألمت بكما‏,‏ حبلا وثيقا للمحبة والتماسك‏,‏ وثقي في كرم الله وعدله ورحمته‏,‏ فادعيه أن يجمع بينكم في غربته أو يعود إليكم غانما محبا‏,‏ وسلمي بالأمر الواقع‏,‏ لأن هذا التسليم هو ذخيرتنا الحقيقية في مواجهة نوائب الأيام‏,‏ ولا تفتحي بابا للشيطان‏,‏ فما كنت تفعلينه مع ابنتك الراحلة‏,‏ نفعله جميعا مع أبنائنا من أجل تربيتهم‏,‏ فلا تلومي نفسك‏,‏ بل هنئيها لأن الله جعل فراشتك الجميلة شفيعة لك ولزوجك يوم القيامة‏.‏

وافرحي من أجلها‏,‏ فهي في مكان أفضل بكثير مما كانت فيه‏,‏ ذهبت طاهرة الروح والنفس والجسد‏,‏ تنعم بملائكيتها بين يدي خالقها‏,‏ فهل هناك مكان أأمن وأجمل من هذا؟

فراشتك رحلت من الدنيا‏,‏ لأنها كانت حتميا أن ترحل‏,‏ وما كان سيمنعها أو يؤجل رحيلها أحد‏,‏ فافرحي لما ذهبت إليه‏,‏ واصبري وأنت واثقة في رحمة الله وعطائه وهو سبحانه القائل في كتابه الكريم‏:‏سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبي الدار‏.‏

اصبري سيدتي فالصبر شجرة جذورها مرة وثمارها شهية‏,‏ أعانك الله ورزقك ثمار صبرك الجميل‏..‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏
المزيد ....

أنيـن النســــاء

05-12-2008
ليست قضية تافهة‏,‏ أو فرعية‏,‏ أو شكلية كما قد يراها البعض‏,‏ فإحساس الزوجات بغياب الرومانسية من حياتهن‏,‏ وافتقاد مشاعر الحب الحقيقي من الأزواج نتيجة سيئة تنعكس حتما علي العلاقة الزوجية‏,‏ علي الدفء العائلي‏,‏ وعلي الأبناء نفسيا ووجدانيا‏.‏

السعادة تبدأ من البيت‏,‏ فإذا هربت منه لايستطيع الإنسان أن يجدها في أي مكان آخر‏,‏ حتي لو سعي إليها‏..‏ قد يعتقد مؤقتا أنها في بشر آخرين غير الذين يعيشون معنا ولنا‏..‏ الذين شاركونا الأحلام والآلام والفرح‏.‏

يهرب الرجل بحثا عن إمرأة اخري‏,‏ تلتقيه قليلا‏,‏ تخدعه كثيرا‏,‏ حتي تمتلكه أو تدمر حياته المستقرة‏,‏ وعندما يعود يجد الشرخ قد حدث في جدار القلب‏.‏

ليس دائما الهروب من أجل امرأة أخري‏,‏ بل يحدث مللا أو ثقة أو تملك فيغفل حق شريكته في كلمة طيبة‏,‏ وردة‏,‏ إطراء‏,‏ أو حضن إنساني كان يحلم به معها قبل الزواج‏.‏

النساء تئن‏,‏ تشكين وتقترحن الحلول‏,‏ فهن أحرص علي البيت‏,‏ يتلمسن كلمة حب صادقة لن تكلف الرجل شيئا‏,‏ كلمة واحدة‏,‏ حتي لو قالها من وراء قلبه ـ فهي صدقة ـ ستلين القلوب التي أوشكت علي الجفاف‏.‏

لم يكن غريبا أن تنهال علي رسائل الزوجات‏,‏ والتي اخترت منها بعضها للنشر‏,‏ ولكن الأغرب انه لم تصلني رسالة واحدة من رجل رفضا أو تأييدا‏,‏ فهل هو اعتراف بالتقصير‏,‏ أم نظرة متعالية لهذه المشاعر والتعامل معها علي أنها أمور تافهة‏,‏ وكلام ستات فاضية؟ اتمني أن يكون السبب الأول‏!‏

‏المحرر
المزيد ....

وردة واحدة

28-11-2008
اكتب إليك ليس من أجل نشر ما أكتبه‏,‏ ولكن لأنني أرغب في أن اتحدث إلي شخص يفهم ما أقول ويعفيني من الشعور بالحرج‏,‏ لأن الإنسان في بعض الأحيان يشعر برغبة في التحدث عما يجول في خاطره‏,‏ ولكنه لايجد من يتحدث إليه‏.‏ أعلم أنني لن اتحدث في موضوع جديد وسبق أن قتل بحثا وتحدث فيه كثير من علماء الاجتماع‏.‏

ولكنني أود التحدث إليك اليوم عن أمر يشغل بالي كثيرا وأفكر فيه احيانا كثيرة‏.‏ أنا متزوجة‏,‏ والحمد لله استطيع أن أدعي أنني سعيدة إلي حد كبير‏.‏ ولكن مع الزواج والانشغال بالحياة اليومية والاعتياد علي الطرف الثاني أشعر بأنني افتقد جذوة الحب والاشتياق‏,‏ أو يمكن ان تقول الشعور بالألم عند ابتعاد الحبيب حتي لو برهة‏,‏ أفتقد الإبهار والمفاجأة‏,‏ فكم تمنيت لو أن زوجي فاجأني وهو عائد من العمل بوردة واحدة‏,‏ أنا لا أنكر انه يساعدني في أعمال المنزل لأنني أعمل‏,‏ وبالطبع أساعد في المصروفات ولا أنكر انه يتركني أخرج مع صديقاتي وقتما شئت‏,‏ وأنه لا يقيم الدنيا ويقعدها لأنني اتصلت به وقلت إنني لم اعد طعام غداء اليوم‏(‏ وهو أمر نادر الحدوث لأنني أحب الطهو ويساعدني علي تجاوز أفكاري‏),‏ كل هذا رائع وقد تتوق سيدة أخري لنصف هذا وتري أنني‏(‏ نمرودة‏)‏ ولايعجبني العجب‏,‏ ولكنني أبحث عن القليل من الإبهار والمفاجأة‏,‏ أتوق لأن يفاجئني زوجي مثلا عندما أعود متأخرة من العمل بأي شيء حتي لو كان بسيطا‏,‏ أوتعلم أمرا‏,‏ أن زوجي يعطيني مالا عندما تحل مناسبة مثل عيد ميلادي أو عيد زواجنا لأشتري بها ما أشاء‏,‏

بينما أرجوه أن يشتري هو لي هدية ليفاجئني بها‏,‏ فيصر هو علي أن آخذ المال لأنه لايعرف كيف يشتري لي شيئا‏,‏ في حين أنني أجهد نفسي في شراء هدية جميلة له أهديها إليه بمناسبة ودون مناسبة‏,‏ وكم من مرة طلبت من زملائي في العمل الذين يسافرون إلي الدول الأوروبية أن يشتروا لي أشياء مثل ساعة أو عطر أو قلم غالي الثمن لأقدمه له‏.‏ عندما كنا في فترة الخطبة كان يوصلني إلي العمل ويأتي لأخذي وكان في بعض الأحيان يأخذ إجازة ليقوم بهذا‏,‏ أما الآن فإنني أطلب منه ذلك‏,‏ وتكون الإجابة أنه لايستطيع أخذ إجازة‏,‏ أو إن أخذ إجازة‏,‏ تكون لديه مشاوير كثيرة‏,‏ لذا لن يتمكن من توصيلي إلي العمل أو اصطحابي‏,‏ وفي بعض الأحيان يعود من مشواره ليتجه إلي والدته لأنها زعلت علشان هو مابيجيش أما رغبتي في استعادة ماكان فإنها تذهب أدراج الرياح‏.‏ لذا أسال نفسي أحيانا هل خبت جذوة الحب أم أن الأمر أننا ننبهر بفكرة الزواج نفسها؟ وبعد فترة‏,‏ قصرت أو طالت يزول الانبهار ونبدأ في التساؤل هل هذا الشخص هو الذي سأمضي معه مابقي من حياتي؟ ألن أعيش قصة الحب مرة أخري ويكفي أن نربي الأطفال؟

هل ستصبح العلاقة الحميمة اكثر روتينية وتغدو مجرد خمس دقائق وينتهي كل شيء دون أن اشعر بالاستمتاع ولا هو أيضا؟ كيف أغذي إحساسي بالرغبة في الحب؟ هل يكفي بعض كلمات الإعجاب الذي قد اسمعها أو نظرات الإعجاب الذي أراه في العيون؟ كلا فصدق أو لاتصدق أنني أشعر بالخجل ويتحول إلي ضيق من نفسي إذا فكرت مجرد تفكير في التجاوب بنظرة أو ابتسامة‏,‏ علما بأنني لا أسعي إلي المبالغة في مظهري فهو عادي جدا بلاتبرج‏.‏ لذا احيانا ارغب في ان يبتكر هو أشياء جديدة تساعد في تجديد حياتنا وتكسر الملل لنستعيد شغفنا ببعض‏,‏ مثل أن يفكر في قضاء ليلة بأحد الفنادق وكأننا تزوجنا حديثا‏.‏ سمعتك ذات مرة في أحد البرامج التليفزيونية التي عرضت في رمضان الفائت تقول إن الحب يجب أن يقترن بالألم من غياب الحبيب ولو للحظة‏,‏ والرغبة في الانضمام إليه سريعا‏,‏ فأنا لست من النوع الذي قد يخون‏,‏ ليس فقط لأنه حرام وللحفاظ علي شرف زوجي وما إلي ذلك‏,‏ ولكنني أعتبر المرأة التي تخون زوجها تحتقر نفسها لأنها سمحت لنفسها أن تكون مشاعا‏,‏ وابتذلت كرامتها وأهدرتها‏,‏ وهو أمر لايليق بامرأة حرة‏,‏ ونفس الأمر ينطبق علي الرجل‏.‏

وفي نفس الوقت تتوق هي إلي رجل يعاملها وكأنها سيدة راقية ويغدق عليها بكلمات جميلة عندما يري تغييرا في مظهرها‏,‏ ربما للإيقاع بها لأن بعض الرجال يعتقدون أن المرأة المتزوجة صيدا سهلا لأنها لن تخسر شيئا‏(‏ أقصد عذريتها‏)‏ بينما لم يعلق زوجها علي ثوب جديد أو قصة شعر جديدة‏,‏ لقد اعترض الكثيرون علي المشهد الذي عرض في فيلم سهرالليالي للزوج الذي يعاشر زوجته عادي جدا دون أي روح‏,‏ بينما تتوق هي للحب والإبهار‏,‏ والإعجاب‏,‏ وهو ما وجدته في الخارج وكادت تنزلق‏.‏ هل تعتقد أن مثل هذه السيدة قد تكون مخطئة إذا قررت الطلاق من زوجها والزواج بشخص آخر يحبها‏,‏ أعتقد ان المجتمع سينظر إليها وكأنها ارتكبت احدي الكبائر‏,‏ وحتي هذا الرجل الآخر لن ينسي لها أنها تركت زوجها لتتزوجه وستظل هذه الفكرة تطارده لتنغص حياتهما حتي إنه قد يعيرها بذلك‏,‏ كل الأمور صعبة لذلك تجد نفسك راضيا وقانعا بما معك‏.‏ الأمر بالنسبة لي أنني أرغب في التجديد والشعور بالألم الذي تحدثت أنت عنه‏,‏ وأود من وقت لآخر أن أشعر بأنني مازلت مرغوبة من زوجي ليس لأنني زوجته بل لانني حبيبته‏,‏ وأن نعود إلي ممارسات فترة الخطبة‏,‏

ودعك من أمر الحديث المباشر لأنني لو طلبت ذلك فلن استمتع به‏.‏ أريده هو أن يفعل لأنك لاتستمتع بما طلبت بل بما حصلت عليه دون انتظار‏.‏ اعتذر عن إطالتي وعن كلماتي المبعثرة وأفكاري الأكثر بعثرة‏..‏ سأنتظر الرد‏,‏ ولن أمل من الانتظار لأنني أريد تغيير حياتي وأعلم أنك لن تهمل رسالتي إذا وصلتك وأرجو ألا تخيب ظني بك‏.‏

سيدتي‏..‏ أرجو ألا تفهمي مما سأطرحه معك للحوار أني لا أقدر مشاعرك وأفهمها وأحترمها‏,‏ ولكني فقط أريدك أن تنظري معي إلي الصورة كاملة‏,‏ لأنك لو أتيح لك الاطلاع علي بعض مما يصلني في بريدي من زوجات يحلمن بقدر يسير مما أنت فيه‏,‏ لأعدت النظر مرة أخري في مفهومك للحب‏.‏

فأحيانا نعيش حياة ونمارسها بكل الحب‏,‏ ولكن لانراه‏,‏ مستندين إلي مشاعرنا المضطربة القلقة في سني الحب الأولي‏,‏ تلك التي كانت تشعرك بهذا الألم اللذيذ الذي لايدوم‏,‏ والذي يشبه خفقان القلب عند الهبوط من ارتفاع‏,‏ لكننا لانستطيع أن نعيش معه أبدا‏.‏

سيدتي‏..‏ إلي ماذا يسعي الانسان عندما يحب آخر؟ إن كل حلم أن يبقي مع هذا الانسان طوال الوقت‏,‏ يشاركه تفكيره وأفراحه وأحزانه‏,‏ يحصي أنفاسه‏,‏ يخفف عنه ألمه‏,‏ يدفعه للنجاح وللأمام‏,‏ وينجب له الولد‏,‏ الذرية والامتداد وزينة الحياة الدنيا‏,‏ وهل هناك وسيلة لتحقيق كل ذلك بأمان واستقرار غير الزواج؟

فإذا تحدثنا عن مشاعر ماقبل الزواج وشكل الحب الذي يأخذ صورا متعددة منها اللهفة علي اللقاء والاستعداد له‏,‏ بالمظهر والاحساس‏,‏ والحرص من كل طرف علي إرضاء الآخر في الوقت المحدود الذي يراه فيه والذي سينتهي حتما مهما امتد وقته‏,‏ فلاينسي المناسبات السعيدة ليشاركه فيها‏,‏ ينتظره عند العمل‏,‏ يضحي بالآخرين وبالتزاماته لارضائه‏,‏ وغيرها من وسائل التعبير‏,‏ والتي تهدف في النهاية إلي تأكيد مشاعر كل طرف تجاه الآخر حتي تستقر في النهاية عند إطارها الشرعي والأخلاقي والإنساني‏:‏ الزواج‏.‏

هل يعد هذا انبهارا بفكرة الزواج كما تسألينني؟‏..‏ نحن لانتزوج سعيا نحو هذا الانبهار‏,‏ ولكن تتويجا لمشاعر إنسانية جميلة‏,‏ تشتعل في مرحلة وتصبح مجهدة مع استمرارها‏..‏ فلايمكن تخيل الحياة مع شخص نحبه‏,‏ نلتقيه دقائق أو سويعات‏,‏ فيخفق القلب‏,‏ ثم يتألم لغياب الحبيب فنظل نفكر فيه ونحلم به حتي نلتقيه مرة أخري‏..‏ لايستطيع أحد أن يعيش هكذا‏,‏ ولن يشعر بالسعادة‏,‏ بل ستصبح هذه العلاقة عبئا وألما مستمرا‏,‏ كما ان الإنسان له ادوار اخري في الحياة عليه إنجازها‏,‏ ولم يخلق ليعيش في ألم الحب‏.‏

هل معني هذا أن الزواج سيكون مقبرة لهذا الحب الذي تنطفئ جذوته مع الأيام؟ رأيي لا ـ ياسيدتـيـ فالحب هنا يأخذ شكلا أعمق وأقوي‏,‏ الحب هنا‏,‏ كما قال الله سبحانه وتعالي في أكثر من موضع في كتابه الكريم‏,‏ هو المودة والرحمة والسكن‏..‏ هو التواصل والاستقرار والحياة الآمنة‏.‏

مع الزواج تبدأ رحلة البناء‏,‏ والتعبير عن الحب بصور مختلفة‏,‏ ليس منها الرتابة ولاتجاهل مشاعر الآخر‏,‏ ولا التعبير اللفظي عن الحب والاشتياق والإعجاب‏.‏

أنت تحبين زوجك وتعبرين عن هذا الحب بشراء الهدايا والاهتمام بتفاصيل قد لايلتفت إليها بحكم الانشغال أو لطبيعة شخصيته‏,‏ ولكنه يعبرلك عن حبه هو الآخر بطرق عديدة‏,‏ نعم ليست هي التي تبغينها ولكنها في النهاية تعبر عن حب حقيقي‏,‏ عن ثقة واحترام لشخصك‏..‏ لايهينك ولايتجاهل عيد ميلادك‏,‏ ودعيني أعترف لك بأن كثيرا منا ـ نحن الرجال ـ نشعر احيانا بأن ما نشتريه لزوجاتنا لايناسبهن‏,‏ فنفضل أن نمنحهن حرية الاختيار‏.‏

نعم اسلوب جاف‏,‏ قد لايناسب كل الزوجات‏,‏ وقد يكون مبرره عدم الإلمام بكل احتياجات الزوجة‏,‏ والتي بحكم مسئوليتها في البيت تكون أكثر إلماما باحتياجات الزوج‏.‏

ألن أعيش قصة الحب مرة أخري مكتفية بتربية الأطفال؟‏..‏ لايا سيدتي أنت تعيشين الحب ولكنك تفتقدين التعبير عنه‏,‏ ولن يكون الحل أيضا هو البحث عن حب آخر من طرف يرمي بشباكه علي المرأة مسمعا إياها ما تفتقده‏,‏ لأنها بمجرد أن تهدم بيتها‏,‏ حتي لو تزوجته‏,‏ ستري أن الحب يتحول كما سابقه ـ إن لم يكن أسوأ ـ وتكتشف المرأة أنها ضحت بحب حقيقي واستقرار عائلي مع زوج محب وأبناء يكبرون في بيئة طبيعية من اجل مغامرة‏,‏ خفق القلب فيها أياما‏,‏ ثم سكنه الحزن والهم إلي الأبد‏..‏ وبين يدي تجارب عديدة لنساء فعلن ذلك ودفعن الثمن غاليا‏.‏

سيدتي‏..‏ انظري وتأملي الجانب السعيد المستقر في حياتك وهو كبير‏,‏ ولا تفسحي للشيطان مكانا بتركيزك علي ما تشعرين بالحرمان‏,‏ وإن كنت تبذلين جهدك لإعادة إشعال جذوة الحب في سلوك زوجك‏,‏ فإنه أيضا عليه دور كبير ـ وعلي كل الأزواج وأنا منهم ـ أن نفهم أن أذني المرأة هما مفتاح سعادتها‏,‏ فلماذا البخل بكلمة طيبة؟‏..‏ ما الذي سيضيرك لو أحضرت لها وردة كل أسبوع‏,‏ طالما ستسعدها‏,‏ وتجعلها متفانية في حبك؟‏..‏ هل من الصعب عليك ـ إذا توافرت القدرة المالية ـ حجز حجرة في فندق مرة كل شهر أو شهرين أو حتي مرتين في العام لتجديد المشاعر وتصفية القلوب‏,‏ مما علق بها من شقاء الأيام؟‏.‏

الكلمة الطيبة حسنة‏,‏ فقلها وارفق بشريكة العمر‏,‏ وأغلق نوافذ الشياطين‏..‏ فالزوجة الصالحة المحبة هي حسنة الدنيا والآخرة فاغنم بها ولا تظلمها ولا تطفئ المحبة في قلبها‏,‏ ما أتعس من يفرط في سعادته وهي تئن بين يديه مستجدية الرعاية والإنقاذ‏,‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏
المزيد ....

دائرة اللهب

21-11-2008
لم أكن أتخيل يوما أن أكتب إليك‏,‏ لكن عندما تقرأ قصتي ستعرف أنني في حيرة من أمري‏,‏ وفي أشد الحاجة لمن يأخذ بيدي إلي الاتجاه الصحيح‏,‏ قبل أن أتفوه بكلمة واحدة أقسم بأن كل ما سوف أحكيه صدق وليس من وحي الخيال‏,‏ ولعلك تستعجب من هذا القسم المبكر‏,‏ لكن مع قراءة سطور هذه الرسالة سوف تعلم أنه كان لابد من هذا القسم حتي تستطيع أن تكمل الرسالة ولا تظن أنها من قبيل الخيال العلمي أو من خيال المؤلف‏,‏ وإن لم تصدقها فلك كل الحق‏,‏ فأنا أيضا لا أصدق وأشعر بأنني في كابوس‏.‏

بداية أنا شاب في أواخر العشرينيات من عمري‏,‏ أعمل في وظيفة مرموقة وأحسب نفسي من الذين تمت تربيتهم دينيا وخلقيا بطريقة جيدة‏.‏

في مقتبل عمري كانت لي بعض العلاقات العاطفية العابرة‏,‏ مثل أي شاب في فترة المراهقة‏,‏ لكنها مرت كلها بسلام والحمد لله‏,‏ ونسيت كل شيء والتفت إلي حياتي وعملي وانشغلت كليا عن فكرة الارتباط والزواج حتي كان هذا اليوم‏,‏ وهذه كانت بداية حكايتي‏.‏

في يوم عطلة شعرت بالملل ففتحت موقعا للدردشة علي النت لعلي أصادف من أتحدث معه أو معها‏,‏ دخلت وتحدثت مع بعض الأشخاص حتي صادفت فتاة أعجبتني صفاتها وعمرها مناسب‏,‏ في البداية تعاملت معها علي أنها معرفة سطحية لن تستمر أكثر من دقائق‏,‏ لكن الأمر تجاوز هذا الحد وتحول إلي انجذاب لا مثيل له‏,‏ وبدأت تطول أوقات حديثنا من خلال النت حتي تحول إلي إدمان‏,‏ وأصبحنا نقضي الليالي نتحدث‏.‏ أعجبني فيها‏,‏ حسب كلامها‏,‏ خلقها وعلمها وتمسكها بدينها‏,‏ وبدأت أفكر لأول مرة في الزواج‏,‏ وصارحتها مباشرة بالأمر‏,‏ وطلبت منها اللقاء كي نتفق فوعدتني باللقاء‏.‏

لكن قبل موعد اللقاء بقليل كانت تختفي ثم تظهر بعد فترة من جديد‏,‏ وعند السؤال تتعلل بأسباب قوية تمنعها فعلا من الاتصال بي كعملية جراحية مثلا‏,‏ ويتكرر الأمر كثيرا وتتوالي الحجج‏,‏ لكننا كنا نتحدث هاتفيا‏,‏ وفي كل مرة نتفق علي لقاء تخرج بحجة مقنعة جدا‏,‏ ويتوالي غيابها المفاجئ مما يؤجج نار الشوق بداخلي‏,‏ وفي كل مرة تلجمني بحججها‏,‏ مرة وفاة جدتها‏,‏ ثم وفاة والدها‏,‏ وكانت أمها قد توفيت منذ فترة‏,‏ ثم موت أختيها مع ابن خالتها في حادث‏,‏ ثم تعرضها هي لحادث سير‏,‏ وهكذا سلسلة من الحجج التي لا تنتهي استمرت ستة أشهر منذ بداية تعرفنا علي النت‏,‏ لكننا كنا نتحدث في الفترات التي لم تكن تختفي فيها كل يوم قرابة الإثنتي عشر ساعة‏,‏ ولا نمل من الكلام أبدا‏.‏

كانت تحكي لي الكثير عن نفسها ووالدها ووالدتها المتوفيين‏,‏ وعن أختيها اللتين توفيتا بالحادث‏,‏ وعن كل أقاربها‏,‏ لكن كنت تكثر من الحديث عن خطيبها السابق الذي أضر بها كثيرا‏,‏ وكانت تبكي كلما تذكرت ما فعله بها‏.‏

في هذه الفترة كنت أشعر أني أحبها بدرجة لم أكن أتخيل أنني سأصل إليها أبدا‏,‏ ولا أدري ماذا حدث لي‏,‏ أقسم لك أنني أحببتها ولم أتمن علي الله أمنية كما تمنيت أن يجمعني بهذه الفتاة‏.‏

كما كانت تقول لي من كلام الحب أشكالا وألوانا تئن لها قلوب العاشقين‏,‏ وهكذا مرت الأشهر دون أن نلتقي‏,‏ واختفت فجأة كالعادة‏,‏ لكن هذه المرة ليست ككل مرة‏,‏ ففي أوج مشاعرنا رجعت من عملي ليلا لأجد رسالة تقول فيها إنها لن تستطيع أن تكمل معي‏,‏ وإن أحد الذين كانت تعرفهم في الماضي تقدم لخطبتها وهي وافقت‏(‏ جوازة والسلام ـ علي حد قولها‏),‏ ولك أن تتخيل ما حدث لي‏,‏ وفعلت المستحيل حتي تحدثت إليها فاعتذرت لي بأنها في مشكلات وأنها اضطرت لذلك وأنها تحبني جدا و‏..‏ و‏..‏ وهي الآن لي وحدي‏

لكنها اختفت من جديد لمدة ثلاثة أسابيع وكدت أجن وخفت كثيرا من أن يكون حدث لها مكروه‏,‏ وبعد محاولات كثيرة مستميتة توصلت إليها وكانت حجتها أنها أجرت عملية جراحية كبيرة جدا‏,‏ وأنها لم تخرج من المستشفي سوي من يومين فقط‏,‏ وكانت تنوي أن تتصل بي في أقرب فرصة بعد أن تقل الزيارات من بيتها‏,‏ وطبعا صدقت ككل مرة واستأنفنا علاقتنا وحجج عدم اللقاء لا تنتهي أبدا‏,‏ وأنا أنتظر هذا اللقاء علي أحر من الجمر كي أراها ولو مرة لنتفق قبل أن ألتقي بأسرتها‏,‏ أخيرا كان اللقاء بعد أن عرفتها لشهور طويلة‏,‏ كان لقاء‏!!‏ لا أستطيع أن أصفه‏,‏ أغرب ما فيه هو استعجالها العودة إلي البيت الذي من المفترض أنه خال‏,‏ فما الداعي للعجلة؟‏!‏ كما استوقفتني ملابسها التي تخيلت أنها أفضل من ذلك‏(‏ نعم كانت ترتدي حجابا ولكن‏!!!),‏ وتوالت اللقاءات والأحاديث‏,‏ وتطورت العلاقة وأنا ألح عليها في مقابلة أسرتها‏.‏

وخلال أحاديثنا ومقابلاتنا كانت تحدثني عن كم هائل من الأحداث المتشابكة‏,‏ وأشخاص يقومون بدور في حياتها‏,‏ وفجأة ظهر طفل عمره نحو‏5‏ أشهر‏,‏ نسبته لبنت خالتها التي أنجبته ولأنها مريضة أوكلت إليها مسئوليته بشكل مؤقت لأنها الوحيدة في العائلة التي لم تتزوج بعد‏,‏ ولا يوجد ما يشغلها‏.‏

وكثيرا ما حدثتني عن خلافات والدي الطفل‏,‏ والكثير من الأحداث التي لا تنتهي‏.‏

وأصبح هذا الطفل وبالا علينا‏,‏ وتنغيصا لحياتنا‏,‏ فأصبحت مكالماتنا قليلة‏,‏ ولقاءاتنا أقل‏,‏ خصوصا أنها كانت تتحجج بوجود أخيها‏,‏ وكنا لا نلتقي إلا بعد سفره حيث إنه يعمل خارج البلاد‏,‏ وكنت كلما فاتحتها في موضوع الزواج تتحجج بآلاف الحجج‏,‏ منها أنه لم يمر الوقت الكافي علي وفاة والدها وأختيها‏,‏ أو أن أخاها يعاني مشكلات ولن تستطيع الكلام معه في الوقت الحالي‏,‏ وادعت أن أخا زوجة أخيها يرغب في الزواج منها إلي آخر الحجج والحكايات التي لا تنتهي‏,‏ وأنا صابر علي أمل أن ينتهي كل هذا‏,‏ وبدأت المشكلات وتوالت وكثرت‏,‏ وكلها كانت بسبب أشياء تفعلها معي‏,‏ وعند المناقشة لا تسمع غير نفسها وعقلها فقط‏.‏

ويعلم الله أنني ما تمنيت أحدا غيرها‏,‏ لكنها كانت تتعمد المشكلات معي‏,‏ وإذا تناقشت معها تحتد علي وتهددني بالابتعاد‏,‏ كنت أشعر في كثير من الأحيان أن هناك سرا ما‏,‏ لكنني فضلت السكوت والشك يملأني خشية أن أفقدها‏.‏

وبدأت أتعامل معها علي أنها مريضة نفسية بسبب ما حدث لها من خطيبها السابق‏,‏ وأنه بمرور الوقت وبعد الزواج ستنسي‏.‏

نعم كانت مشكلاتنا طفيفة وسطحية‏,‏ لكنها كانت كثيرة‏,‏ لكننا كنا نتغلب عليها‏,‏ ومرت الحياة هكذا وتعمقت طبيعة العلاقة وتأصلت كثيرا‏,‏ ومر عام كامل علي بداية علاقتنا‏,‏ ثم يريد الله أن تكون هذه هي اللحظات الحاسمة‏,‏ وبدون الخوض في تفاصيل مؤلمة اكتشفت حقائق مثيرة‏.‏

لكن عندما اتصلت بها أنكرت وزيفت كل الحقائق‏,‏ الحقائق التي أقسمت عليها في أول حديثي ولن يصدقها عقل أبدا‏.‏

هذه الفتاة هي أم ذلك الطفل‏,‏ والشخص الذي تدعي أنه أخوها هو زوجها‏,‏ ولا وجود لشخصيتها الخيالية‏,‏ ولا حقيقة في كلمة واحدة مما قالته‏,‏ فلم يمت والدها ولا والدتها‏,‏ وليس لها أختان أصلا كي تموتا في حادث‏,‏ فليس لديها سوي أخ‏,‏ ولم يحدث لها أي حوادث‏,‏ ولم تقم بأي عمليات جراحية‏,‏ والفترة التي غابت فيها طويلا‏(‏ نحو ثلاثة أسابيع‏)‏ كانت الفترة التي انجبت فيها طفلها‏,‏ والفترات التي كانت تختفي فيها هي فترات وجود زوجها في البيت‏.‏

وكل ما حدثتني به عن أقاربها وعن نفسها وعن عائلتها وكل شيء‏,‏ كل شيء كان كذبا خالصا‏.‏

في بداية الأمر فكرت أنها ربما شعرت تجاهي بأحاسيس قوية‏,‏ وهذا وارد أن يحدث حتي من امرأة متزوجة‏,‏ وإن كان خطأ‏,‏ لكنني اكتشفت أنها كانت علي علاقة بالكثيرين غيري‏,‏ وكانت تفعل معهم مثلما تفعل معي الضبط‏,‏ كل هذا وزوجها مخدوع وبعض أقربائها يعرفون‏..‏ كل هذا ولم يؤنبها ضميرها في يوم‏,‏ ومازالت تتحجج وتتعلل وتكذب دون أن تطرف لها عين‏.‏

لن أقول لك ما بداخلي‏,‏ ولن أحكي لك عما أشعر به‏,‏ لأني لو ملأت صفحات العالم ما انتهيت من كتابة أول حرف من أوجاعي‏.‏

لكن الغريب في الأمر كله أنني مازلت أحبها ولم أستطع أن أكرهها‏.‏

لا أنام الليل إلا بأدوية منومة‏,‏ ولا أمارس عملي إلا بأدوية مضادة للاكتئاب دمرت حياتي كلها‏,‏ وأكثر ما يؤلمني هي التفاصيل التي لا أستطيع البوح بها‏!‏ لكنني أبدا لن أفضحها‏,‏ فمازلت متيما بها‏!‏

*‏ سيدي‏...‏ كان يمكنني عدم الاهتمام برسالتك‏,‏ وعدم إفساح كل هذه المساحة لها‏,‏ مكتفيا برد خاص‏,‏ لأن حكايتك تشبه حكايات المراهقين الذين يطاردون سرابا ليشبعوا أحلامهم وتخيلاتهم الساذجة عن الحب‏,‏ فتجرفهم المشاعر الصغيرة غير الناضجة‏,‏ معتقدين أن الحياة لن تستمر‏,‏ إلا مع هذا الحبيب‏,‏ ويصفون حبهم بأنه غير مسبوق ولم يحدث مثله أبدا‏.‏

مشاعر المراهقين وتصوراتهم القاصرة عن الحب‏,‏ مفهومة ومقبولة‏,‏ ولكن المستغرب أن يعيش هذه المشاعر رجل في نهاية العشرينيات ويعمل في وظيفة مرموقة‏,‏ ويتحدث عن خلقه وتربيته الرفيعة‏.‏

هذا المفهوم المغلوط والمشوش عن التربية الدينية والأخلاق الحميدة‏,‏ بأن يبيح شاب مثلك لنفسه ان يدخل الي الشات يبحث عن رجل أو امرأة وهو يعرف أن الأسماء وهمية‏,‏ والحكايات أغلبها كاذب وليس لها هدف إلا العبث والتسلية‏,‏ ثم يشعر من أول تواصل أنه منجذب ومحب‏,‏ وخلال أيام تصبح المكالمات بالساعات كل ليلة‏,‏ ويعجبه بعد ذلك خلقها وتمسكها بدينها‏...‏

فماذا كنت تتصور أو تقبل بأن تفعله فتاة ليست علي خلق أو غير متمسكة بدينها؟‏..‏ أي فتاة تلك التي تتعرف علي شاب لاتعرفه‏,‏ ولا تعرف عائلته أو خلقه‏,‏ ولا إذا كان صادقا أو كاذبا فيما يقول‏,‏ ثم تري انها علي خلق ودين؟‏!‏

إن هذه المفاهيم الجديدة عن التدين والأخلاق‏,‏ والتي يتبناها من هم مثلك ومثل تلك المرأة‏,‏ هي التي تهز القيمة الحقيقية للأخلاق والتدين عند الفتيات الملتزمات‏,‏ فيشعرن بأنهن علي خطأ‏,‏ بعد أن أصبح الخطأ هو القاعدة‏,‏ والصواب هو الاستثناء المشكوك فيه‏.‏

قصتك ـ ياسيدي ـ ليست خيالا علميا‏,‏ ولكنها خيال عيالي‏,‏ لا يتناسب مع وظيفتك ولا عمرك‏..‏ خيال دفعك للدخول في قصة وهمية كانت نهايتها سيئة ومحبطة‏,‏ ولا يمكن توقع نجاح مثل هذه العلاقات القائمة علي الكذب والخداع‏..‏ الحب يحتاج إلي بيئة طبيعية محترمة‏,‏ يتعارف فيه الطرفان وجها لوجه‏,‏ يتآلفان‏,‏ يتفاهمان‏,‏ تتوافر لهما ولأسرتيهما فرص التعارف والتكافؤ‏,‏ بعدها يمكن للحب أن ينمو بصورة صحية قادرة علي الاستمرار‏.‏

سيدي‏..‏ لا أريد أن أخوض في تفاصيل رسالتك‏,‏ لأنها لا تهم أحدا‏,‏ لقد أخطأت وعليك تحمل النتيجة والتعلم مما وقعت فيه‏,‏ وعليك ان تحذر‏,‏ فقد حمت هذه المرة حول دائرة اللهب مستمتعا بدفئه وانت بدون ان تدري تنتهك عرض رجل آخر‏,‏ فإذا لم تكن احترقت هذه المرة‏,‏ فإن النار في انتظار المغامرين والمندفعين والغافلين مثلك ومثل تلك الزوجة التي سمحت لنفسها بهذا العبث‏

وهي تحمل في أحشائها جنينا‏,‏ غاب عنه أبوه مضطرا ليوفر له ولأمه حياة كريمة‏,‏ وبدلا من أن تحفظه وتقدر له معاناته‏,‏ استغلت ثقته فيها‏,‏ وخانته بما وفره لها‏,‏ عبر جهاز الكمبيوتر لتلهو وتكذب وتخدع بدون ان يهتز لها جفن‏,‏ فإذا كان الله حليما ستارا هذه المرة‏,‏ فلا تدري كيف سيكون احتراقها في دائرة اللهب في المرة القادمة‏.‏

ادعو لك الله باستعادة نفسك والاعتراف بخطئك‏,‏ ولها بأن يلهمها الصواب‏,‏ وتكفر عن أخطائها بالتقرب أكثر إلي زوجها والاخلاص في محبته ورعاية إبنها‏,‏ والابتعاد عن هذا الجهاز الملعون‏,‏ فهو لم يخترع لهذا أبدا‏..‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏
المزيد ....

عرفت الله

14-11-2008
كان من الطبيعي أن تصلك رسالتي هذه منذ ما يقرب من خمسة شهور‏,‏ وبالتحديد منذ نشر رسالة ستر الله والتي حكي فيها رجل أنه كان قناص نساء‏,‏ وانه التقي بفريسته في إحدي المناسبات‏,‏ وتبادلا الهواتف وبعد معاناة ووقت طويل أقنعها بالذهاب اليه في شقته‏,‏ وبينما هي في الطريق اليه بسيارتها وقع لها حادث وأصيبت إصابات جسيمة ونقلت إلي المستشفي‏,‏ وعندما ذهب اليها‏,‏ اكتشف من الأطباء بعد أخذ عينة دم انها مصابة بالإيدز‏,‏ وأحس أنها رسالة من الله‏,‏ فتاب اليه وأعرض عما كان يفعل‏,‏ وحاول التكفير عن خطاياه في حقوق الآخرين‏.‏

وجاء ردك عليه مطمئنا لكل من تاب إلي الله‏,‏ ومحذرا لكل من غرته الدنيا فأوغل في المعصية متجاهلا أو غافلا ان عين الله لاتنام‏,‏ ولأنه كاتب الرسالة فقد اهتممت به‏,‏ وتجاهلت أو أغفلت تلك السيدة الأخري‏,‏ الضحية‏,‏ أو الجاني‏,‏ فلم تقل لها أو عنها شيئا‏,‏ وجاءت بعد ذلك تعليقات السادة القراء‏,‏ لتؤكد أن الجميع قد نام واستراح‏,‏ لأنها لاقت جزاءها ودفعت ثمن انجرافها نحو الخطيئة‏,‏ وكأنه من المستبعد ان تكون هي الأخري ضحية له ولغيره من الرجال‏,‏ وانها قد تكون تابت الي الله راجية أن يتوب عليها ويغفر لها‏.‏

سيدي‏...‏ تتساءل‏:‏ لماذا أكتب إليك هذا‏,‏ ولماذا كان يجب أن تصلك رسالتي منذ شهور بعيدة‏,‏ ولماذا تأخرت في الكتابة إليك؟

من المحتمل ياسيدي أن أكون أنا تلك المرأة الملعونة التي انتقم منها الله بحادث سيارة مفزع‏,‏ وقبل ان تفيق من مصيبتها اكتشفت انها مصابة بالإيدز‏...‏ فالقصة التي حكاها هذا الرجل تتشابه كثيرا مع ما حدث لي‏,‏ مع بعض الاختلافات والتي قد تكون مقصودة منه أو منك لإخفاء ملامح الشخصية‏,‏ خاصة أنك أخفيت وظيفته وما قد يشير إلي محل إقامته‏.‏

ليس مهما اذا كنت أنا هي تلك المرأة أم لا‏..‏ ولكني وجه آخر للحقيقة‏..‏ وجه آخر للمأساة‏,‏ للحلم والضياع‏,‏ للانحراف والتوبة‏.‏

دعني أبدأ لك من البداية‏,‏ لعلك وقراءك تجدون في قصتي ما يستحق التأمل والتماس الأعذار للآخرين حتي لو كانوا من الخطائين‏.‏

نشأت مثل كثير من الفتيات في أسرة طيبة‏,‏ فتاة واحدة مع ولدين‏..‏ والداي كانا يعملان في مجال التدريس‏..‏ عشنا معا سنوات في الخليج‏,‏ كانت من أحلي سنوات العمر‏,‏ وأن كان بها ما عكر صفو حياتي وحياة أسرتي لعدة شهور‏,‏ عندما تعرضت لحادث أدخلني غرفة العمليات لأجري جراحة خطيرة وكان الله لطيفا بي‏,‏ فشفيت وأكملت أيامي حتي حصلت علي الثانوية العامة‏,‏ فعدت الي مصر وحدي لأعيش مع جدتي والتحق بالجامعة‏.‏

لك أن تتخيل فتاة صغيرة عمرها‏18‏ عاما‏,‏ عاشت سنوات عمرها في مدينة هادئة‏,‏ في أحضان أسرتها‏,‏ لاتري من الحياة إلا ما يسر ويبهج‏,‏ تجد نفسها وحيدة في مدينة صاخبة مليئة بالمتناقضات‏..‏ حياة أخري غير التي عشتها‏..‏ لا أحد يقول لي ما الصواب وما الخطأ‏..‏ نعم معي نقود ليست مع زميلاتي‏,‏ لي سيارتي الخاصة‏,‏ لا أحد يقول لي‏:‏ افعلي ولا تفعلي‏..‏ صدقني كنت أعود الي جدتي باكية‏,‏ مفزوعة مما أراه‏..‏ أشكو لأمي وأطالبها بالعودة‏,‏ فتقول لي‏:‏ انت كبيرة‏,‏ بكرة تتعودي‏,‏ احنا واثقين فيك‏,‏ وبعدين اخواتك لازم ياخدو الثانوية من هنا‏...‏ هنيجي في اجازة نصف السنة‏.‏

تقوقعت داخل نفسي‏,‏ وانعزلت عن زملائي وزميلاتي‏,‏ وتحملت طويلا غمزاتهم وسخريتهم مني‏,‏ حتي بدأت أندمج تدريجيا معهم في عامي الدراسي الثاني‏..‏ وبدأت أري ما لم أكن أراه أو أعرفه‏...‏ تعلمت السهر وشرب السجائر‏,‏ ودخل قاموسي كلمات لم أكن أعرفها أو أقبلها‏,‏ مثل صديقي‏,‏ وتظبيط وغيرهما من الكلمات التي تعكس ثقافة انفلات وفوضي وشباب لم يجد من يربيه‏.‏

تسألني‏:‏ أين جدتي؟ أجيبك أنها زهقت مني وتعبت من الكلام معي‏,‏ واستعانت بوالدي‏,‏ فكنت أصم أذني عن صراخهما في الهاتف وتهديدهما المتكرر‏,‏ سحبوا موبايلي‏,‏ ومنعتني جدتي من الخروج ليلا‏,‏ فكنت أغافلها حتي تنام ثم أسرق مفتاح الشقة وأهرب‏.‏

لم أكن سعيدة بما أفعل‏,‏ ولم أكن أراه صوابا‏,‏ ولكن شيئا ما بداخلي كان يحركني ويدفعني لتبرير ما أفعله بأنه عقاب لوالدي لأنهما اختارا الفلوس علي حساب الاهتمام بي‏.‏

سيدي‏...‏ أرجو ألا يجنح تفكيرك بي‏,‏ فعلي الرغم من كل ما فعلته‏,‏ إلا أن هناك حدودا كنت أقف عندها‏...‏ مغامرات محدودة وتصرفات وتجمعات شبابية حول الرقص وتدخين المخدرات ـ أحيانا ـ والسفر خارج حدود العاصمة في أي وقت ـ كل واحد له حكاية ومأساة‏,‏ ما بين سفر الآباء‏,‏ طلاقهم‏,‏ شجارهم‏,‏ أو انشغالهم بعملهم علي حساب الأبناء‏..‏ كل واحد منهم يعتقد أنه وفر لابنه كل شيء‏,‏ لمجرد انه يغدق عليه بالمال‏.‏

لو سألتنا جميعا لقلنا بعلو صوتنا‏,‏ نحن لسنا سعداء‏...‏ كنا في حاجة إلي حنان أهالينا وتفهمهم ورقابتهم وحتي قسوتهم ولكننا لم نجد‏.‏

تفاصيل كثيرة‏,‏ لا أريد أن أبعد بها عن القصة الرئيسية‏,‏ عن ذلك اليوم الذي اكتشفت فيه اني مريضة بالإيدز وأنا في طريقي لارتكاب المعصية الكبري‏.‏

في صيف عام‏2003‏ عادت أسرتي من الخارج وكنت وقتها قد أنهيت عامي الدراسي الأخير بالجامعة‏,‏ عادوا ومعهم عريس‏,‏ ابن أحد أصدقائهم‏,‏ جاوز الثلاثين بقليل‏,‏ وجمع ثروة لا بأس بها‏,‏ وعاد الي مصر ليفتتح شركة في مجال التصدير والاستيراد‏,‏ رأي فيه والداي عريسا مناسبا يستر عارهما قبل أن يشيع بين الناس‏,‏ لم يستمعا الي رفضي‏,‏ أو رغبتي في منحنا فرصة للتعارف أو التفاهم‏..‏ فهما مرتبطان بموعد للعودة‏,‏ والعريس جاهز‏,‏ شقته معدة حسب مزاجه وذوقه‏,‏ ولا ينقصها إلا الدبيحة‏,‏ أقصد العروس التي هي أنا‏.‏

هو كان مثلهما جافا‏,‏ سعيدا بجمالي‏,‏ ولم ينظر قط الي تفكيري أو احتياجي‏..‏ وخلال أسابيع قليلة انتهي كل شيء‏,‏ أصبحت زوجته وسجينته‏.‏

عشت أسوأ أيام عمري مع رجل قاس‏,‏ لم يفكر يوما في احتياجاتي النفسية قبل الجسدية‏...‏ يسخر من كل شيء أقوله أو أفعله‏,‏ ليس علي سوي تنفيذ رغباته لإرضاء رجولته المزعومة‏..‏ حرمني من كل الأصدقاء‏,‏ حتي تليفوني كان مستباحا منه‏.‏

ذات يوم تجرأت ونحن في لحظة خاصة‏,‏ وقلت له لماذا لا تفكر في إسعادي‏,‏ فاستدرجني في الكلام‏,‏ حتي قلت له اني غير مستمتعة معه وانه يظلمني ويحرمني حقوقي‏,‏ فقال لي انت امرأة ساقطة وباردة وسأعيد تربيتك من جديد‏,‏ وانهال علي ضربا وسبا‏,‏ حتي تورم وجهي وجسدي‏..‏ وكانت هذه هي بداية انتهاء آدميتي‏..‏ فقد تفرغ زوجي لتدميري‏,‏ لسحق أي إحساس بأنوثتي‏..‏ كان اليوم الذي يمر بدون ضرب لا يحسب من عمري‏..‏ كنت أسلمه جسدا ميتا‏,‏ أذهب بروحي الي عالم آخر‏,‏ أدعو فيه ربي أن يعفو عني من هذا السجن وأعاتب والدي بل ألومهما علي ما فعلا بي‏,‏ سامحهما الله‏.‏

لن يغيب عن خيالك‏,‏ اني هربت مرات الي بيت جدتي‏,‏ والي الشارع‏,‏ بل الي قسم الشرطة‏,‏ ولكنه كان يعيدني‏,‏ لاني وحيدة بلا سند‏,‏ وأبي كان يلومني ويسمع له ولا يستمع لي‏,‏ بل يحملني كل المسئولية عن هذه العلاقة الفاشلة البائسة‏.‏

عامان من هذا العذاب حتي انفصلنا‏,‏ حصلت علي الطلاق بعد ان حررت له محضرا في قسم الشرطة بعد ان شج رأسي في إحدي غزواته‏,‏ فاستجاب لي بعد ان تنازلت له عن كل شيء‏,‏ ولم يستطع ابي ان يشارك في طلاقي لأنه كان مشغولا شويتين‏!‏

سيدي‏..‏ كان لابد أن أحكي لك هذا التاريخ لتفهم ـ فقط تفهم ولا تلتمس الأعذار ـ ما الذي جعلني أذهب يوما وراء كلام رجل التقيته في احدي المناسبات وأنا أعرف أنه قناص ومخادع‏.‏ لقد خرجت من هذه التجربة بقايا امرأة‏,‏ وبقايا إنسان‏..‏ ذهبت إلي طبيب نفسي‏,‏ نجح في تهريبي من نفسي إلي النوم بالمهدئات‏,‏ ومن اكتئاب مزمن إلي اكتئاب متقطع‏..‏ نصحني بالخروج إلي الحياة‏,‏ فخرجت‏,‏ وعدت إلي السهر وإلي تجمعات البشر‏,‏ ألملم صورة الأنثي المحطمة من أفواه الذئاب‏,‏ فأرضي قليلا‏.‏

إلي أن جاء هذا اليوم الذي التقيت فيه صاحب رسالة ستر الله أو من شابهه‏..‏ فعل مثلما فعل غيره‏,‏ اهتم بي وطاردني بالكلمات‏,‏ ولكنه كان خبيرا أكثر من غيره‏,‏ فلم يهرب من سخريتي‏,‏ ولم ييأس من نفوري‏..‏ فرض نفسه علي تفاصيل حياتي‏,‏ اهتم بأنفاسي وأوجاعي‏,‏ بدأ في ترميم روحي‏,‏ ثم بدأ يشكل إحساسي بأنوثتي مرة أخري‏..‏ أشعرني بأنه غير منجذب إلي أنوثتي‏,‏ بقدر انجذابه إلي تفكيري واحترامي‏.‏

امرأة وحيدة‏,‏ تعرضت لكل أنواع العذاب وهي في أحلي سنوات عمرها‏,‏ كل شئ فيها مهدر ومهان‏,‏ بلا ناصح أو أمين عليها‏,‏ ماذا يمكنها أن تفعل مع رجل يعدها بما لم تر؟

أنا وغضبي والشيطان معا كل ليلة‏,‏ كان من السهل عليه أن يقنعني بالذهاب إليه مبررا ذلك لي‏,‏ بأن ما فعله زوجي معي هو الحرام والاغتصاب بعينه‏,‏ فأغمضت عيني وقررت الذهاب إليه‏..‏ وأنا في طريقي إليه كان صوتا ما بداخلي يهتف بي‏:‏ عودي‏,‏ لاترتكبي هذا الإثم‏..‏ إذا كان يريدك فليتزوجك‏..‏ لم أدر بنفسي بعد ذلك إلا في المستشفي‏,‏ مصابة بكسور مضاعفة في العمود الفقري والحوض‏..‏ واكتشافي المفزع لإصابتي بفيروس الإيدز‏.‏

من أين أتاني هذا الفيروس اللعين؟ سؤال طرحته علي نفسي وأنا أصرخ أمام والدي اللذين تكرما علي وآتيا فورا من الخارج‏..‏ أقسم بالله انه لم يمسسني بشر غير زوجي‏..‏

لا أريد أن أستعيد تلك التفاصيل‏,‏ لقد مررت بتجربة لايمكن وصفها وكم كانت أليمة لروحي قبل جسدي؟

سيدي‏..‏ لم أكتب إليك لأدافع عن نفسي‏,‏ فقد نلت ما كتبه الله لي‏,‏ وأنا راضية بقدره وابتلائه وقد أعانني عليه‏..‏ ولكن هذه هي الحقيقة التي وصلنا إليها بعد سفري إلي الخارج‏,‏ فأنا حاملة لفيروس الإيدز بنقل الدم منذ إجرائي الجراحة في تلك الدولة الخليجية‏..‏ أحمله منذ سنوات ولم أشعر به‏,‏ واتخذ والداي إجراءات قانونية تجاه المستشفي ولم يحسم الأمر حتي الآن‏,‏ وإن كان هذا لايهمني‏.‏

سيدي‏..‏ قضيت عاما كاملا خارج مصر‏,‏ وهو عام يعادل كل أعوام عمري‏..‏ لقد عرفت الله أخيرا‏,‏ عرفت جمالا وتذوقت لذة لايعرفها إلا من ذاقها‏..‏ تعلمت كيف أناجيه وأطلب وصله بعد أن طلبت عفوه ومغفرته‏..‏ سامحت كل من آذاني‏..‏ عرف أبي وأمي كم كان خطؤهما فادحا‏,‏ فليس هناك أبقي من حماية الأبناء ورعايتهم‏,‏ وقد يكون ماحدث لي منجاة لشقيقي‏..‏ لا يؤلمني الآن إلا بكاء والدي الذي لاينقطع‏.‏

عدت منذ عامين‏,‏ وأكرمني الله بالحج بتأشيرة من البلد الأوروبي‏,‏ وأنا الآن سالمة لا أعاني إلا من آثار بسيطة في الحركة‏..‏ أواصل دراستي في الشريعة الإسلامية‏..‏ لايفزعني الموت‏,‏ بل أنتظره كل يوم أملا في رؤية من أحب‏.‏

سيدي‏..‏ نادمة أنا علي سنوات عمري التي قضيتها في ظلام‏,‏ ولكني سعيدة اني استعدت بصيرتي في شدة البلاء‏.‏ فاغفرلي إطالتي‏,‏ وربما أردت شيئا بالكتابة إليك‏,‏ فانتهيت إلي شئ آخر‏..‏ بدأت راغبة في رفع ظلم ألم بي‏,‏ وانتهيت إلي حالة من الرضا أدعو الله أن يديمها علي‏.‏ فادعو لي‏..‏ وليغفر لنا الله جميعا‏.‏

**‏ سيدتي‏..‏ فكرت طويلا ألا أعلق علي رسالتك‏..‏ ففيها مايكفي‏,‏ في ألمها نورها‏,‏ في عتابها محبة‏,‏ وفي حواري جملها تجسيد لوجع يسكن واقعنا نراه كل يوم ونغمض عيوننا‏,‏ وكأن الخنجر ليس في قلوبنا‏,‏ والدم النازف ليس دمنا‏.‏

لايهم كثيرا‏,‏ إذا كنت تلك المرأة الغائبة في قصة ستر الله‏,‏ فستر الله ممتد إلي كل القصص والحكايات‏,‏ المنشور منها والمختبئ في النفوس‏.‏

ستر الله أوسع من خطايانا واعترافاتنا‏,‏ لذا فليس مهما إذا كنت هي أم امرأة أخري سترها الله وأنار بصيرتها وطهرها بوجعها‏.‏

أي ألم هذا الذي عايشته وواجهته ــ ياصغيرة ــ وهل يكون درسا للذين ينهزمون في أول مواجهة‏,‏ أو ييأسون من رحمة الله مع أول ابتلاء‏!‏

صغيرة كنت في مواجهة الحياة‏,‏ في مواجهة قسوة القاهرة التي كثيرا ما تفقد قلبها وتقسو علي الفقراء والغرباء والصبايا والحالمين‏.‏ تلك القسوة التي واجهتك بعودك الأخضر وتجربتك المحدودة‏..‏ لا أعرف كيف يأمن أب أو تنام أم بعيدة عن ابنتها الصغيرة أو ابنها الشاب في مثل هذا الزمان الصعب‏,‏ هذا الزمان الذي تكاثرت فيه الذئاب علي الحملان؟

تأمين مستقبلهم شعار يرفعه الآباء مبررين غيابهم بعيدا‏,‏ وكأن السعادة في المال‏,‏ لايعرفون أن الاستثمار الحقيقي في الأبناء‏,‏ بغرس الأخلاق‏,‏ بحضن دافئ‏,‏ بهذا الأمان الذي يحتاجه الابن في سني عمره الصعبة ولايستطيع شراء بعض منه بأموال الدنيا‏.‏

أي منطق هذا الذي يدفع بأبوين إلي تزويج ابنتهما بمن لاترغب ولاتعرف‏,‏ حتي يهنأ بالهما‏,‏ ملقيان بالعبء والمسئولية علي رجل لم تختبر رجولته ولا إنسانيته؟

أهكذا يفعل المؤتمن؟ نعم نحن مؤتمنون علي أبنائنا‏,‏ وسنساءل أمام الله علي تلك الأمانة وماذا فعلنا بها ولها؟‏.‏

سيدتي‏..‏ لا أريد أن أخوض ــ مثلك ــ في الحادث الكاشف‏,‏ ولا في الذئب التائب‏,‏ ولا في انتقام الله الواضح وحكمته‏,‏ فمع شدة الإيلام تبدو الرحمة والمغفرة‏,‏ فمن يلحق بالتوبة قبل فوات الأوان؟

أعرف جيدا ما حدث لك في تلك الدولة الخليجية‏,‏ فما أصابك‏,‏ أصاب زميلا لي وزوجته منذ سنوات بعيدة ــ رحمهما الله وغفر لهما ولنا ــ وأصيبا بالفيروس ولم يكونا حاملين له فقط مثلك‏,‏ ومن المؤكد انك تعرفين الآن أن هناك بعض العلاجات الناجحة لمثل حالتك‏,‏ وانك قد تعيشين طويلا ــ أمد الله في عمرك وبارك لك فيه ــ فواصلي سيرك نحو العلم والحقيقة‏,‏ نفعك الله به ونفعنا‏,‏ ولا أملك أمامك إلا طلب الدعاء منك لي ولأصدقاء بريد الجمعة وإلي لقاء بإذن الله‏.‏
المزيد ....

وجع المستقبل

07-11-2008
هل هناك علاقة بين إدمان الشباب للمخدرات‏,‏ وأزمة الزواج التي طالت ملايين الشباب من الجنسين؟

سؤال طرحته علي نفسي‏,‏ بعد أن تكاثرت في بريدي رسائل الأصدقاء تعليقا وأنينا علي رسالتي الأسبوع الماضي من بريد الجمعة‏:‏ رائحة الحياة وبعد الثلاثين‏.‏
المحرر


شباب وقع في دائرة إدمان المخدرات لأسباب مختلفة‏,‏ جهل‏,‏ اندفاع‏,‏ مراهقة‏,‏ غياب الرقابة الأسرية‏,‏ أمراض نفسية‏,‏ أصدقاء سوء‏,‏ وبراعة تجار المخدرات ومقدرتهم علي التهريب وترويج سمومهم لأسباب سياسية ومادية‏,‏ ومواجهة قاصرة‏,‏ تجعل فرص العلاج محدودة بإمكانيات متواضعة بعد القصور في منع المخدرات ويبقي السبيل جهود طيبة من جمعيات أهلية ومبادرات شخصية‏.‏

وشباب حائر يحلم بإكمال نصف دينه‏,‏ يبحث عن زوجة أو عن زوج‏,‏ فيصطدم بصعوبة تكاليف الزواج‏,‏ تطل البطالة بوجهها الكريه‏,‏ فيعجز خريجو الجامعات عن ايجاد فرصة عمل مناسبة للمؤهل فيضطر لقبول وظيفة غير مناسبة لمؤهله أو لمن تكافئه في المؤهل والمستوي الاجتماعي‏,‏ أو يصطدم العريس بشروط وطلبات من أهل العروس لايقدر عليها‏

فإذا أضفنا الي هذا شيوع الانحلال وسهولته‏,‏ وانتشار الزواج العرفي والسري وغيره من ألعاب الزواج‏,‏ سنجد أنفسنا أمام الوجه الآخر لفتيات شريفات تعلمن وطال انتظارهن لابن الحلال‏

فمكثن في بيوتهن في احباطات نظرات الأهل والجيران وكلماتهم الجارحة‏,‏ أو خرجن إلي الحياة يرتقين في أعمالهن أو دراساتهن لتبتعد المسافة بينهن وبين من يقاربهن في العمر‏,‏ من حيث المستوي المادي والثقافي‏,‏ فلا يبقي لهن الا لقب عانس وحسرة في القلوب قبل البيوت‏.‏

ما يربط بين أزمة وظاهرة إدمان الشباب‏,‏ وعنوسة الرجال والبنات‏,‏ هو أنهم شباب‏,‏ ضحايا‏,‏ وأحيانا جناة‏..‏ هم مستقبل مصر‏,‏ هم الأمل الذي يجب ان يتفرغ في أحلي سنوات عمرهم للعطاء والبناء‏,‏ ولكنهم للأسف يتحولون الي وجع في قلب مصر‏,‏ وجع يحتاج الي دواء‏,‏ إلي اهتمام‏,‏ إلي مشروع حاسم وعاجل‏,‏ إن لم يكن من أجلهم‏,‏ فليكن من أجل مستقبل مصر‏!‏

بين عيونكم شهادات للحلم والأنين‏,‏ تأملوها لنفكر معا في طريقة للنجاة‏.‏
المزيد ....

رائحة الحياة

31-10-2008
هذه هي ثاني مرة أكتب إلي بريد الجمعة‏,‏ وقد حالفني الحظ في المرة السابقة بأن نشرت رسالتي بعنوان رائحة الموت وذلك في شهر مايو عام‏2006..‏ باختصار شديد كنت مدمنا للمخدرات واحتوت رسالتي في ذلك الوقت علي تفاصيل دقيقة عن تعاطي المخدرات وأماكن بيعها ومشكلتي معها‏,‏ وكنت أريد أن يساعدني أحد حتي ولو بالكلام فقط‏,‏ وهذا ماحدث معي عندما قدمت لي النصيحة وعرضت المساعدة في علاجي‏,‏ وتجاوب معي بعض القراء في الأسبوع التالي وعرضوا المساعدة في العلاج أيضا‏..‏ وبالفعل حدثت معي المعجزة وأقلعت عن المخدرات تماما بجميع أنواعها‏,‏ لقد شفاني الله سبحانه وتعالي وبدأت حياتي تأخذ شكلا جديدا مليئا بالأمل والاحترام والتدين والقرب من الله‏.‏

تعرفت علي فتاة بعدما تجاوزت فترة العلاج وتخلصت تماما من أعراض الانسحاب والآلام التي تعقب ترك المخدرات‏,‏ لم أكذب عليها تماما ولكنني حاولت أن أتجمل فاعترفت لها بأنني كنت اتعاطي المخدرات ولكن بشكل بسيط وانني ليس عندي مشكلة مع المخدرات ولن اعود إليها ابدا‏...‏ وهذا ما كنت انويه‏..‏ ومضت الأيام واصبح حبي لها يزداد كل يوم‏,‏ بل كل ساعة ودقيقة وثانية‏..‏ اصبحت هي كل شئ احبه في هذه الدنيا‏..‏

لم تكن ظروفها في البيت مستقرة ما بين أب بخيل جدا وزوجة أب مهملة وأخوات كل واحد في حاله‏,‏ لذلك كان حبها لي يزداد أيضا بشدة مع الايام‏,‏ لانها وجدت معي الحنان والحب‏..‏ كنت أريد أن اضعها في قلبي‏..‏ في صدري حتي احميها من كل شئ‏..‏ خطبتها في وقت كنت فيه غير مستعد ماديا ولكن كان عندي يقين بأن الله سوف يساعدني مادمت أريد أن ابدأ حياة هادئة نظيفة مع المرأة التي اختارها قلبي‏..‏ وبالفعل تمت خطبتنا وكنا في ذلك اليوم اسعد اثنين علي وجه الأرض‏..‏ وبدأ الله يكافئني علي توبتي وترك المعاصي‏,‏ فكنت ارزق رزقا واسعا وقمت باستئجار شقة وإعدادها‏,‏ في وقت قصير جدا عقدنا القران وبدأنا الاستعداد للزفاف بعد شهر‏..‏ اقسم بالله اني كنت احس في بعض الاوقات ان قلبي سوف يتوقف عندما افكر ان الوقت الذي سوف اضمها الي صدري في بيتنا قد اقترب‏..‏ كنت ابكي من الفرح عندما كنت افكر بأنني سوف استيقظ لأري هذا الملاك نائما‏..‏ بجواري‏..‏ احبها‏..‏ ولكن حدثت لي مشكلة في يوم ما‏..‏ كثرت علي الديون وتركت عملي وكنت قلقا جدا علي مستقبلنا‏..‏ وقعت مرة أخري في فخ المخدرات ولكن سرعان ما اكتشف من حولي الأمر حتي زوجتي‏..‏ فطلبت الطلاق‏..

وهنا شعرت بأن هذا الطلب يعني القضاء علي كل أمل في حياتي‏..‏ بل القضاء علي انا‏..‏ اصبحت تطلب الطلاق في كل مرة تشك في انني تحت تأثير المخدر‏,..‏ سيدي‏..‏ في الماضي كنت مدمنا ولا استطيع العيش بدون المخدر ولكني عندما عدت لتناول المخدرات هذه المرة كانت مجرد بعض الأدوية والعقاقير المهدئة وكان الامر يحدث علي فترات بعيدة‏..‏ ولكن تطور الأمر مع زوجتي فأخبرت اهلها الذين كان ردهم علي الأمر ان الطلاق هو الحل وانني كنت اختيارا خاطئا من البداية واصبحت تلومهم علي أنهم وافقوا علي‏,‏ ويقومون بالرد عليها انها هي التي اختارت‏..‏ ولكنني لكي احسم الموقف تعهدت إلي اخيها انني لن أكرر موضوع التعاطي وانني سوف ألتزم في العمل ولن اكذب أو أخدعها ابدا واتفقنا علي ان أعمل تحليل مخدرات من وقت إلي آخر حتي تطمئن انني لن أعود إلي هذا الطريق أبدا ما حييت‏..‏ منذ ذلك الوقت وأنا اعيش كل يوم في مشكلات‏,‏ بعض الأوقات تريد الطلاق فهي خائفة من ان نعيش حياة المدمنين التي نعرفها جميعا‏,‏ وبعض الأوقات تقول انها تحبني ولن تتركني مهما حدث‏..‏

وعدتها انني لن افعل اي شئ تكرهه‏..‏ لن أعود إلي طريق المخدرات ولن أكذب عليها مهما حدث‏..‏ بدأت اغير حياتي مرة أخري إلي الافضل‏..‏ تركت المخدرات مرة أخري واستعنت بالله ورزقني الله بالعمل في شركة كبيرة وبدأت المشاكل تذوب مع الايام وبدأت الأمور تهدأ بيننا‏..‏ ولكن هنا حدثت المصيبة الكبري‏..‏ سبب كتابتي هذه الرسالة‏..‏ كنا نجلس أول ايام العيد وكنت امسك يدها وانظر في عينيها وقلت لها هل انت خائفة مني حتي الآن؟ قالت نعم‏..‏ اخاف أن تعود للمخدرات ونعيش في جحيم أنا وأنت‏..‏ وكنت قد عرفت أن هناك ما يسمي بزمالة المدمنين المجهولين‏,‏ وهو عبارة عن برنامج من‏12‏ خطوة يتبعها المدمن حتي يتخلص من مشكلة المخدرات‏,‏ قمت بإخبارها عن هذه الخطوات واحضرت لها الكتاب الخاص بهذه الزمالة‏,‏ وكانت أولي العبارات في الكتاب أن الادمان مرض مزمن لا شفاء منه ولكن يمكن محاصرته وذلك عن طريق الاثنتي عشر خطوة التي يقوم المدمن بعملها طوال حياته واذا توقف عن فعل هذه الاشياء فلا شك في أنه سوف يعود للتعاطي مرة أخري‏..‏ ورغبة مني في بداية صحيحة لمواجهة مرضي‏,‏

ذهبت الي وحدة إخراج المخدرات من الجسم وتعد هذه الخطوة الأولي التي يتخذها المدمن ويقوم بعدها بالذهاب الي مكان علاجي يساعده فيه المشرفون علي تطبيق الـ‏12‏ خطوة ومحاصرة مرضه‏.‏

اتفقنا أنا وهي علي أنني سوف أذهب واقضي الأيام الخمسة في هذا المكان وبعدها أقوم بتطبيق البرنامج وبذلك ينتهي خوفها من عودتي الي المخدرات الي الأبد‏..‏ ولكني فوجئت بأنها تريد الطلاق مرة أخري‏,‏ ولكن هذه المرة بإصرار شديد وهي تقول‏..‏ أنت مدمن وأنا لا استحق أن أعيش مع مدمن‏..‏ أنه مرض لا شفاء منه‏..‏ أنا أخاف اجيب منك أولاد‏..‏ أنت ممكن تتحول في أي وقت‏.‏

سيدي‏..‏ أنا أحب هذه الفتاة‏..‏ أحبها أكثر من كل شيء في حياتي‏..‏ اقسم لك بأنني مستعد أن أفعل أي شيء حتي يتم زواجنا‏..‏ أحبها فهي كل ما بقي لي في الدنيا‏..‏ أعلم جيدا أنني لو فقدتها فسوف أضيع‏..‏ أنا أريد أن أعيش معها وأنجب أطفالا وأصبح أبا محترما‏..‏ أريد أن اعوضها واعوض اهلي عما سببته لهم‏..‏ أريد أن أعيش في سلام‏..‏ إنني أكتب هذه الرسالة حتي اسأل هل أنا مكتوب علي أن أدفع ثمن تعاطي المخدرات طوال حياتي؟‏..‏ ألا يوجد شيء اسمه توبة؟‏..‏ هل استطيع أن أحتفظ بزوجتي وأكون الإنسان المحترم الذي اتمني أن أكون‏..‏؟ هل تقف زوجتي الي جانبي أم تتركني؟؟ سوف تكون ورقة طلاقنا هي نفس ورقة شهادة وفاتي‏..‏ هل استحقها‏..‏؟ كيف اثبت لكل من حولي أنني جاد في رغبتي في العلاج وانني لن أعود بإذن الله ابدا الي التعاطي‏..‏؟‏!‏ أعلم أنني اطلت عليك سيدي‏,‏ اليوم أنا في انتظار اخيها حتي ينهي الموضوع‏..‏ أتوسل اليك أكتب لها بعض الكلمات التي تجعلها تعطيني فرصة‏,‏ والله أنا جاد في طلب المساعدة‏,‏ جاد في كرهي الشديد للمخدرات‏,‏ جاد في حبي لزوجتي‏..‏ ساعدني أرجوك فهي من محبي بريد الجمعة وتتأثر به وبآرائك‏.‏

ساعدوني في الاحتفاظ بزوجتي‏..‏ وأنا علي أتم استعداد للقيام بالإبلاغ عن بعض تجار المخدرات الذين اعرفهم بل واساعد في القبض عليهم‏.‏

سيدي‏:‏ لقد خسرت كثيرا في الطريق الذي كنت اسير فيه‏..‏ ولكنني أفقت‏..‏ وأريد النجاة‏..‏ ساعدني‏.‏

أرجوك حاول مساعدتي بنشر رسالتي وإقناع زوجتي بأنه يوجد أمل وأنه ليس من الضرورة أن أنتكس وأعود للتعاطي‏..‏ إن قربي من الله سوف يحميني‏..‏ وأنا عندي يقين بذلك‏.‏

وبالمناسبة أرجو كتابة موقع زمالة المدمنين المجهولين‏,‏ وأرجو من أي شخص عنده مشكلة مع المخدرات الدخول الي الموقع‏www.na.org..‏ و معرفة البرنامج لأنه اثبت أنه الطريقة الوحيدة التي تجعل ترك المخدرات والعيش بدونها شيئا ممكنا‏.‏

*‏ سيدي‏..‏ جاءتني رسالتك في الوقت الذي تتجمع أمامي معلومات مفزعة عن انتشار المخدرات بين الشباب‏,‏ فالهيروين أصبح رخيص الثمن‏,‏ والإقبال زاد علي الكوكايين‏,‏ والعقاقير الطبية المدرجة علي جداول المخدرات‏..‏ شباب يبحث عن متعة لحظية‏,‏ معتقدا أنه يستطيع النجاة في أي وقت يشاء‏,‏ وفجأة يكتشف أنه يفقد رجولته‏,‏ كما يفقد إنسانيته واحترام الآخرين وثقتهم به‏,‏ فيصبح الخروج صعبا وشاقا‏,‏ فإما أن ينجو إذا كانت لديه النية والعزيمة‏,‏ وإما أن يصبح عبئا علي الجميع ـ أهله ومحبيه وأصحابه ـ مطاردا من الشرطة‏,‏ محروما من كل متع الحياة‏,‏ من زوجة صالحة‏,‏ من عمل ينجح فيه وبه‏,‏ من ابن يحمل اسمه ويتباهي به‏.‏

كنت يا عزيزي‏,‏ تسير في طريق الهلاك حتي أرسلت لي ومددت لك وأصدقاء بريد الجمعة يدنا‏,‏ ونجحت في اجتياز الصعب‏,‏ وفي موسم الحصاد‏,‏ ومع أول عاصفة واجهتك‏,‏ انهزمت‏,‏ انتكست‏,‏ خذلت شريكة الحياة التي تعلقت بك وبنت آمالا عليك لتعويضها عما عانته في حياتها‏,‏ وعدت إلي عالم المخدرات‏,‏ عدت لتستنشق مرة أخري رائحة الموت بعد أن تنسمت رائحة الحياة‏.‏

تسأل ـ يا عزيزي ـ ألا يوجد شيء اسمه توبة؟ هل استطيع أن احتفظ بزوجتي وأكون الإنسان المحترم الذي أتمني أن أكون؟‏..‏ نعم‏,‏ من حقك‏,‏ ولكن من منعك هذا الحق؟ ألست أنت الجاني؟ ألست أنت الذي أخللت بواجباتك‏!‏

إذا كان لك حق‏,‏ فعليك واجب‏,‏ وأنت الذي رفض الحصول علي الأول وفرطت فيه‏,‏ ولم تقم بالثاني‏,‏ فمن يطلب ممن؟‏!.‏

من حق زوجتك ألا تأمن لك‏,‏ بعد أن وثقت فيك ووقفت بجوارك‏,‏ ومن حقها ألا تنجب منك الآن‏,‏ فلن يشرف أولادك أن يكون أبوهم مدمنا‏..‏

سيدي‏..‏ تطلب مني أن أقنع زوجتك بوجود الأمل في شفائك‏,‏ وسأفعل وأدعوها لتمنحك الفرصة الأخيرة‏,‏ تساندك حتي تبرأ تماما مما أنت فيه‏,‏ خاصة أنك تعرف طريق العلاج‏,‏ فمحبتك لها تستحق هذه الفرصة‏,‏ علي أن تثبت لها ولنفسك ولنا أنك صادق هذه المرة‏,‏ وأنك بدون وضع شروط ستتوجه إلي إدارة مكافحة المخدرات للإبلاغ عن تجار المخدرات‏,‏ الذين يقتلون الشباب مستقبل الوطن‏.‏

عليك أن تثبت لزوجتك أنك رجلها الذي لا تهزمه المشكلات‏,‏ ليس عيبا أن تخسر مواجهة‏,‏ أن تتعثر‏,‏ أن تفشل‏,‏ العيب هو أن تهرب من المواجهة‏,‏ أن تختبئ خلف المخدر‏,‏ فهو لا يحل مشكلة ولكنه يغيبك مؤقتا عنها‏,‏ وعندما تفيق تكتشف أنك مازلت في موقعك‏,‏ وحيدا في أرض الغرفة‏,‏ أو ضائعا في الطريق‏..‏ اشركها معك في كل أزمة‏,‏ وتأكد أنك معها وبحبكما تستطيعان تجاوز أي محنة‏,‏ أتمني لكما السعادة‏,‏ وفي انتظار أخباركما الطيبة وإلي لقاء بإذن الله‏.‏
المزيد ....

لاتسألني‏..‏ لماذا

24-10-2008
‏‏{‏ قد لا تهتم بقراءة رسالتي لكني وجدت نفسي أكتبها علها تخفف ما بي من ألم‏,‏ فدعني أقدم نفسي إليك أولا‏:‏ أنا شيخ في الأربعين من عمري وأعني هذه الكلمة فقد هزمتني همومي وأحزاني حتي تقدم بي العمر عشرات السنين‏,‏ نشأت في أسرة متفاهمة ومتحابة يسودها الاحترام والمودة والتدين لأبوين يشغلان منصب عضوي هيئة تدريس في كليتين مرموقتين وأخ وأخت كانا ومازالا اعز صديقين لي‏.‏

حصلت علي مجموع يؤهلني للالتحاق بكليات القمة في الثانوية العامة‏,‏ لكني اخترت الالتحاق بإحدي الكليات العسكرية رغبة مني في التغيير من نمط الحياة الروتينية التي نحياها اسريا‏,‏ وعارضني والداي في البداية إلا أنهما وافقا عقب ذلك‏,‏ وتخرجت وتم تعييني في المكان الذي كنت أرغبه‏,‏ وعقب تخرجي بعام واحد كنت في حفلة عيد ميلاد شقيقة أحد اصدقائي فتعرفت إلي فتاة أسرتني منذ اللحظة الأولي فوقعت في حبها وتوسمت فيها أن تكون نعم الزوجة لي‏,‏ وتوطدت علاقتنا بعد ذلك وفاتحت أهلي في زواجها فعارضني أهلي في البداية نظرا لوجود فارق اجتماعي بسيط بين اسرتينا‏,‏ إلا أنها من أسرة محترمة جدا وتمت خطبتنا وساعدني والدي

فاشتريت شقة في حي راق في ذلك الوقت وحدثت بعض المشكلات بيني وبين اسرتها إلا أننا تجاوزنا كل تلك العقبات وتزوجنا‏,‏ وكنت لأسرتها نعم الابن‏,‏ حتي ان والدها ووالدتها كانا يعاملاني افضل من معاملتهما لابنهما الوحيد‏,‏ لما وجدا مني‏,‏ من حب وحنان واحترام لهما قبل ابنتهما وبالمثل احتضنتها اسرتي وعاملتها افضل مني‏,‏ بل لا أخفي عليك انني احيانا كنت اتعجب من حبهم لها‏,‏ لكني اعرف السبب فهي خدومة ومرحة ومنطلقة إلا أن الوازع الديني عندها غير قوي وهو ما كنت أحاول تجنبه‏,‏ فهي لا تصلي ولا تعوض أيام الصيام التي تفوتها في رمضان لعذر شرعي وترفض فكرة الحجاب تماما وكنت أحاول إقناعها بذلك دون جدوي‏.‏

احبها برغم انها لا تطهو الطعام‏,‏ فاما أن نتناول الطعام بالخارج أو لدي احد أو نطلبه في المنزل‏.‏

احبها برغم انها كانت تحرمني من نفسها طوال الشهر‏,‏ تمنحني حقي مرة أو مرتين فقط لانها دائما تشعر بتوتر أو لا ترغب‏..‏ احبها برغم وبرغم وبرغم‏...‏

انعم الله علينا بطفلتين آية في الجمال وبعد ذلك بعامين ولد كان نعم الفرحة والبهجة‏,‏ وتوفي والدي فكانت بجواري نعم الزوجة والصديقة‏,‏ نقلت من عملي إلي احدي مدن القناة فكانت سندي وعوني نفسيا‏,‏ ولم تشعرني بشئ‏,‏ فكانت رجل المنزل وأما وابنة وصديقة‏.‏

حتي الآن اظنك لا تجد سببا لمعاناتي فلا تتعجل فهي قادمة‏..‏ منذ نحو احد عشر عاما وجدتها ترغب في العمل لانني دائما علي سفر وفي نفس الوقت ظروفنا المادية لا تسمح بالاستمرار في نفس مستوي المعيشة التي نعيشها في ظل وجود‏3‏ أطفال‏,‏ فوافقتها علي رغبتها ونجحت من خلال معارفي في الحصول علي فرصة عمل مميزة‏,‏ وبعد عام ونصف العام من عملها حدث لها حمل وأصرت علي أن تجهض نفسها بدعوي انها لا تستطيع بدنيا‏,‏ وحاولت معها بشتي الطرق وعارضتها امها وامي وصديقاتها الا انها اصرت ونفذت ما رغبت فيه بعلمي‏,‏ سامحني الله وغفر لي موافقتي لها‏

ومرت بنا الحياة بحلوها ومرها إلي أن قبلت العمل باحدي الشركات المعروفة وأصبحت تتقاضي آلاف الجنيهات شهريا واصبحت هي المتولية معظم نفقات المنزل وتعليم الابناء‏,‏ أما أنا فقد انفقت ميراثي من والدي خلال تلك السنوات ولم يعد لي مصدر رزق غير دخلي من عملي‏,‏ فكنت اشاهد ما تنفقه وأتألم لكني لا اجد سبيلا آخر‏,‏ ولما لا فهي نصفي الثاني وهي حياتنا معا‏,‏ كانت تغير سيارتها بسيارة أحدث كل عام ونصف العام‏,‏ وانا استخدم سيارتي القديمة المتهالكة واحيانا كنت استعير سيارتها‏,‏ وانا سعيد بما تحققه من نجاح وسعيد بها بل صادقت زملاءها وزميلاتها حبا فيها‏

وتمر بنا الحياة لم اسألها يوما فيما انفقت أوكم تقاضت‏,‏ بل كانت تسعدني سعادتها وانا اتقدم بخطي ثابتة في عملي‏,‏ لكني لاحظت تغيرا في شخصيتها وكل من حولنا لاحظوا ذلك‏,‏ فقد اصبحت منطوية لا تتحدث كثيرا لا تضحك وكلما سألتها عن السبب؟ تجيبني بأنها ضغوط العمل‏,‏ حاولت جاهدا ان اخرجها مما هي فيه ولاتستجيب استشرت طبيبا نفسيا وشرحت له حالتها واصطحبتها‏,‏ له فأكد لنا انها تعاني من اكتئاب نفسي ولابد من علاجها‏,‏ فرفضت وعندما خرجنا من عند الطبيب انفجرت في وجهي واتهمتني بأنني سبب مرضها‏,‏ فانا مهملها تماما لا اشتري لها الهدايا ولا أفسحها في الاماكن الراقية ولا أهتم بما تعانيه‏

واخذت تذكرني بما فعلته معي طوال السنين من وقوف بجانبي وتحمل شظف العيش وانها لم تعد في حاجة إلي تماما‏,‏ فلديها كل شئ وهي تحيا معي لأجل اولادنا وطلبت الطلاق بلارجعة‏.‏

تركتها واقمت في احد الفنادق وأخبرت أبنائي انني مسافر إلي عمل‏,‏ وطوال شهر كامل احاول معها وتدخل اهلها واقنعوني بالصبر والتحمل لأجل أولادي‏,‏ وقال لي والدها بالحرف الواحد اصبر واحتسب عند الله تعالي يثيبك في الدنيا والآخرة‏,‏ وقد كان‏,‏ عدت إلي منزلي برغم قسوة كلامها الجارح المهين وفعلت كل ما كانت تطلبه مني فاستدنت واغدقت عليها بالهدايا وكنت اقول لها ان هذه الاموال مكافآت احصل عليها‏,‏ إلي ان من الله علي وتمكنت من بيع قطعة ارض كنت املكها فسددت ديوني وتحسنت احوالي المادية واستمررت في حبها و هي في جفائها‏,‏ فكنت احدثها بالساعات وهي ترد بكلمة أو كلمتين‏..‏ ادعوها للخروج فترفض بزعم أنها متعبة‏,‏ ويدعوها زملاؤها للخروج تكون في احسن حال

تفضل ان يحتفل زملاؤها بعيد ميلادها في العمل فتحضر لهم التورتات والجاتوهات‏,‏ عن احتفالها معي وانا صامت وراض لاجل زهوري الثلاث‏,‏ تتعطف علي احيانا وتمنحني حقوقي الشرعية‏,‏ جسدا بلا روح‏,‏ حتي بدأت امل لقاءها وانا احتسب ذلك عند الله تعالي‏,‏ لم تشعرني مرة واحدة طوال‏9‏ اعوام انها ترغبني كما كانت من قبل‏,‏ بل هو هم ثقيل عليها وحمل تريد ان تتخلص منه سريعا‏,‏ تنفعل علي وفي وجهي‏,‏ وتثور لأتفه الأسباب وأنا اتحملها واكتم مشاعري بداخلي‏.‏ تتظاهر بالسعادة امام الناس وانا ايضا‏,‏ اما في داخلي فاحتضر كل يوم وأسال نفسي لماذا أتحمل‏,‏ واكاد انهار إلا انني اتماسك‏,‏ تقتضي طبيعة عملي ان اترك المنزل‏24‏ يوما تقريبا واعود‏6‏ ايام فتكون في احسن احوالها وانا غائب‏,‏ وفي اسوأ الاحوال حين عودتي‏.‏

يعلم الله تعالي ويشهد علي انني لم اهنها يوما ولم اضربها ولم اسبها ولم يرتفع صوتي عليها لمدة‏16‏ عاما سوي مرة واحدة ثرت في وجهها‏,‏ وبرغم انها كانت المخطئة الا انني من اعتذر وليست هي‏.‏

هل انا مخطئ لانني احب زوجتي هذا الحب؟ هل انا مخطئ لاتباعي وصية رسول الله عليه و سلم رفقا بالقوارير؟

هل انا مخطئ لانني اردت ان اعيش معها كما كان اهلي يعيشون في مودة ورحمة وحب وتفهم؟ هل لانني اشفقت عليها من كل شئ فجعلت حبي لها يجبرني علي التنازل عن كل حقوقي ويجعلني اغض طرفي عما لايرضيني؟

كل ما استطيع قوله هو حسبي الله ونعم الوكيل فيما انا فيه من ظلم‏,‏ كل يوم كان يمر علي كنت افقد فيه عاما من عمري ولم اعترض‏,‏ هل تعرف لماذا؟ ثلاثة اسباب‏:‏ الاول انني مازلت احبها برغم كل ذلك ولاتسألني لماذا‏.‏ الثاني لاجل اولادي‏.‏ والثالث لانني اعرف ان هذا عقاب الله لي في الدنيا لسماحي لها بإجهاض نفسها‏,‏ انا متأكد اننا سوف ننفصل في يوم من الايام وانها لن تستمر معي في الحياة‏,‏ فانا لم اعد اناسبها ماديا ولااجتماعيا‏,‏ لكني ادعو الله ان يطيل ما بيننا من ايام لأجل اولادنا‏,‏ انني لااطلب منك المشورة لكني افضفض بما في داخلي‏,‏ فاذا كان لك رأي في قصتي فأخبرني به‏,‏ واتوسل اليك ان تنشرها لعلها تكون عبرة لكل زوج يحب زوجته اكثر من نفسه ومن الدنيا وما فيها‏,‏ ولكل زوجة تعصي الله في زوجها وحسبي الله ونعم الوكيل‏.‏

**‏ سيدي‏..‏ لن أسألك ـ كما طلبت مني ـ لماذا تحب زوجتك وأم أطفالك علي الرغم من العذاب الذي أذاقتك إياه علي مدي‏11‏ عاما متصلة؟ فالحب لا يحتاج الي مبررات وقد نحسه أونعيشه ونحن نرفضه ونتمني ان يذهب بلا رجعة‏,‏ وكم أذل الحب أعناق الرجال والنساء أيضا‏.‏

لن أسألك لماذا تحبها‏,‏ ولكن أسألك ما الذي تغير؟ ما الذي حدث وجعل تلك الزوجة الرائعة المثالية التي يحبها اهلك أكثر منك‏,‏ الخدومة‏,‏ المرحة‏,‏ والمنطلقة‏,‏ تنقلب عليك وتصاب بالاكتئاب وتتهمك بأنك السبب في ذلك لإهمالك لها وعدم اهتمامك بها؟

لن نستطيع القول إن تغيرها يرجع لضعف الوازع الديني لديها‏,‏ أو لأنها لاتجيد الطهو أو لأن علاقتها الخاصة بك متوترة منذ البداية إذن ما الذي حدث؟

قبل ان تقول لي أن السبب هو خروجها إلي العمل‏,‏ وزيادة مواردها المالية‏,‏ وإنفاقها علي البيت ــ وهو بالتأكيد أحد الأسباب ــ سأقول لك انك تتحمل القدر الأكبر من المسئولية عما آلت إليه حياتكما‏,‏ فمن الواضح من كلماتك ومن إصابة زوجتك بالاكتئاب‏,‏ أنك أهملتها طويلا‏,‏ احببتها بدون تعبيرعن هذا الحب‏,‏ وساهم غيابك الطويل عن البيت في تضخيم احساسها بالفراغ‏,‏ فسعت الي تعويض غيابك بالآخرين‏,‏ استبدلتك بالأصدقاء وزملاء العمل‏,‏ ومع استقرارها واطمئنانها المادي كان من السهل عليها الاستغناء عنك والتصريح الفج والمباشر لك برغبتها في الطلاق‏,‏ ما أعنيه ان تغير الإنسان تجاه من يحب لا يأتي فجأة وانما يتراكم عبر سنوات‏,‏ وانت اعتدت ان تسير المركب بكل ثقوبها آمنا مطمئنا‏,‏ حتي فوجئت بأن المركب تغرق فقررت ان تلقي بكل المسئولية علي شريكة الرحلة‏.‏

سيدي أنا لا أدافع عن زوجتك ولا ألتمس لها المبررات فيما تفعل‏,‏ ولكني أريد ان ارسم معك صورة كاملة لحياتك‏,‏ تلك الحياة التي تذكرت فيها فقط قول الرسول الكريم رفقا بالقوارير لتبرر سلبيتك وانسحابك وتفريطك في حقوقك وواجباتك‏,‏ الواحد تلو الآخر‏,‏ لا تطهو‏,‏ الحل شراء طعام من الخارج‏,‏ تمتنع عن منحك حقوقك الشرعية فتقبل راضيا بتفسير التوتر وعدم الرغبة‏,‏ تعمل هي وتنفق علي البيت‏,‏ فتقبل غير ملتفت إلي أنك تضحي بواحد من أهم شروط قوامة الرجل كما قال سبحانه وتعالي‏:‏ الرجال قوامون علي النساء بما فضل الله بعضهم علي بعض وبما أنفقوا من أموالهم‏.‏

كل حياتك ـ سيدي ـ تفريط في حقوقك‏,‏ لم تثر في وجهها ويرتفع صوتك ـ مع كل ما تفعله معك وبك ـ إلا مرة واحدة علي مدي‏16‏ عاما من الزواج الصعب‏,‏ حتي وأنت تشكو منها مر الشكوي‏,‏ وفي نهاية الرسالة لا تقول أعرف أني لن استمر معها‏,‏ ولكن تري أنها هي التي ستفعل لن تستمر معي في الحياة وأنت ماذا ستفعل ومتي ستغضب وتثور؟ متي ـ سيدي ـ ستعبر عن رفضك وستمارس قوامتك؟ أليس هذا هو الوقت المناسب لمواجهتها‏,‏ لمناقشة فشل علاقتكما الزوجية‏.‏ لماذا تتوتر عندما تقترب منها؟ هل وصل الأمر بها إلي كراهيتك والنفور منك‏,‏ إذا كان الحال هكذا فلتسرحها بإحسان‏,‏ وإذا كان الأمر عكس ذلك فلتتصارحا ولتذهبا معا إلي استشاري في العلاقات الزوجية لعله ينجح فيما فشلتما فيه من أجل الحفاظ علي هذا البيت بمن فيه من أبناء‏,‏ لم تأت بذكرهم ولا بانعكاسات علاقتكما المتوترة عليهم وعلي سلوكهم‏.‏

ما أقوله لك‏,‏ أكرر بعضا منه لزوجتك المتمردة التي تضحي بزوج محب‏,‏ مسالم من أجل ماذا؟ تقول حكمة حبشية وطن المرأة زوجها فماذا عنك بعد أن تهجرين وطنك الآمن‏,‏ وهل تعتقدين أنك بعد‏16‏ عاما من الزواج وثلاثة من الأبناء ستجدين وطنا آخر يمنحك هذا الأمان‏,‏ قد يكون لزوجك أخطاء‏,‏ ولكنك تشاركينه أغلبها‏,‏ فلم تواجهيه مرة واحدة باحتياجاتك إلا بعد اصابتك بالاكتئاب‏,‏ لم تحاولي الاقتراب منه واحتواءه‏,‏ تعاملت مع حبه علي أنه ضعف وانهزام‏,‏ قارنت بينه وبين آخرين‏,‏ نظرت فقط بأنانية إلي عيوبه ولم تتجهي إلي مزاياه وهي عديدة‏,‏ فما تحمله منك وما منحك إياه من حرية ساعدك علي النجاح والترقي والحصول علي أعلي الرواتب‏,‏ تحلم بجزء ضئيل منه نساء كثيرات‏,‏ فهل تفيقا وتتفقا من أجل أسرتكما التي كانت سعيدة‏,‏ أم ستغرقا في أنانيتكما وتنتظران دفع الثمن القاسي عندما يتمزق أبناؤكما أمام عيونكما ويحاسبونكما علي ما فعلتماه بهم‏,‏ أتمني لكما الاختيار الصائب‏,‏ وفقكما الله لما فيه الخير‏..‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏
المزيد ....

أضعف الإيمان

17-10-2008
أنا أرملة شابة عمري‏35‏ عاما‏,‏ أم لثلاثة أطفال‏,‏ ضحيت بنفسي وبشبابي من أجلهم مرغمة‏,‏ بعد أن حرمت من الحلال بسبب القوانين الظالمة‏,‏ التي أدعوك لمناقشتها‏,‏ ليس من أجلي ـ فقد اخترت طريقي ـ ولكن من أجل نساء كثيرات يقتربن من الأمور المشتبهات لأن القوانين تعاقبهن علي الحلال‏.‏

أكتب إليك بعد أن قرأت رسالة نصف ساعة زواج وردك علي صاحبة الرسالة‏,‏ ووجدتك تلومها وتعاتبها علي ما فعلت ـ وأنت محق في ذلك ـ ولكن استوقفني تحريمك القاطع للزواج العرفي‏,‏ وكنت إلي وقت قريب أؤمن بذلك ومقتنعة به كل الاقتناع‏,‏ وأسأل نفسي ما الذي يجعل مطلقة أو أرملة تلجأ إلي هذا الحل الذي يثير الشبهات ويعرضها لمشكلات جمة‏,‏ وأمامها الحلال سهل وهين‏.‏ وكنت أفسر ذلك بأنه حيل من الرجال للهروب من المسئولية‏,‏ أو خوف من زوجاتهم‏,‏ أو استهتار بالمرأة التي يشتهونها حتي يسهل لهم التخلص منها بمجرد تمزيق الورقة‏.‏

أقول لك‏,‏ كنت مؤمنة بكل هذا إلي أن حدث لي ما جعلني ممزقة حائرة‏,‏ ووجدتني متعاطفة مع المرأة التي تلجأ إلي هذا الحل‏,‏ ودعني أحكي لك سبب هذا التغير في تفكيري‏.‏

سيدي‏..‏ تزوجت منذ سنوات من إنسان رائع‏,‏ عشت معه أحلي أيام حياتي‏,‏ كان حنونا‏,‏ كريما‏,‏ وصديقا لرحلة أيامي‏,‏ تلك الرحلة التي أنجبناخلالها ثلاثة من الأبناء‏.‏ لم أكن أعرف أن السعادة عمرها قصير‏,‏ وأن الحزن مختبيء بأنيابه خلف كل ضحكة ضحكناها‏.‏

فجأة انقلبت حياتنا إلي بؤس وعذاب‏,‏ عندما اكتشفنا مرض زوجي الشاب بالمرض اللعين السرطان‏..‏ هكذا فجأة طارت السعادة‏,‏ وأصبح الألم سادسنا في البيت‏..‏ جاء المرض شرسا‏,‏ نطارده ويطاردنا في المستشفيات الحكومية والخاصة‏,‏ في داخل مصر وخارجها‏.‏

شهور قضيناها‏,‏ أري زوجي الحبيب ينهار أمامي‏,‏ تخور قواه‏,‏ يؤلمه عجزه وضعفه‏,‏ ينظر إلي بعينين تملؤهما الشفقة والعطف‏,‏ يعتذر لي عما سببه من ألم وإرهاق‏,‏ وأعتذر له لعجزي وعدم مقاسمته آلامه‏,‏ كما اعتدنا في كل شيء‏.‏

كنت أنظر له وأنظر لأطفالي الصغار‏,‏ وأنا لا أصدق أن شريك حياتي سيتركنا سريعا‏,‏ لنواجه الحياة بمفردنا‏..‏ استحلفته أن يقاوم‏,‏ أن يبقي لنا ومعنا‏,‏ كان ـ كما كنا ـ يتمني ولكن إرادة الله وقدره كانا أقوي من أي رغبة لنا‏.‏

تخيل ـ يا سيدي ـ امرأة تجد نفسها وحيدة بلا رجل عمرها‏,‏ بلا خبرة في الحياة‏,‏ خارجة من تجربة قاسية مع مرض لا يعرف الرحمة‏,‏ يستنزف الانسان نفسيا وماديا‏,‏ مسئولة عن ثلاثة أطفال صغار‏,‏ وتعيش في محافظة أخري غير التي تعيش فيها أسرتها‏.‏

لا يمكن لانسان أن يحس بما تعانيه امرأة وحيدة مع أطفالها غريبة في بلد لا تعرف فيه أحدا‏,‏ تصاب بالفزع إذا انقطعت الكهرباء في ليل الشتاء‏..‏ تكاد قلوبنا تقف من مواء قطة أو طرقة علي الباب‏.‏

هل الزواج ـ سيدي ـ لامرأة مثلي حرام؟‏.

القانون في بلادنا يقول ذلك‏,‏ فإذا تزوجت علي سنة الله ورسوله وعلي الملأ‏,‏ سيسارع أشقاء زوجي لسحب الوصاية مني والاستيلاء علي أموال أطفالي القصر‏,‏ ومساومتي علي الحضانة‏,‏ لأن أمي متوفاة وليس لي إخوة‏.‏ هل تصدق أن القانون ينص في حالة زواج الأم الحاضنة‏,‏ تسحب منها الحضانة إلي أمها ـ إن وجدت ـ ثم إلي أم زوجها ثم الخالة والعمة وهكذا‏,‏ يعني أي واحد في العائلة إلا الأم الآثمة‏,‏ التي أرادت أن تعف نفسها وتجد من يشاركها شقاء الأيام وتربية الصغار‏.‏


هل هذا معقول؟ زواج الأم يؤكد عدم أهليتها لتربية أبنائها؟

دون إثبات عدم مقدرتها هي أو زوجها الذي اختارته لهذه المهمة؟

ماذا يمكن أن تفعل المرأة ـ الأم ـ في هذه الحالة؟


إما أن ترضي بهذا الظلم‏,‏ وتعيش محرومة ومقهورة‏,‏ أو تستسلم لغواية الشيطان‏,‏ وإما أن تلجأ إلي أضعف الإيمان بالزواج العرفي بمعرفة أهلها‏,‏ لتعف نفسها وتحتفظ بحضانة أطفالها‏.‏


سيدي‏.. ‏ هل هناك حل ثالث‏,‏ وهل من تفعل ذلك تكون آثمة؟

بالنسبة لي‏,‏ استعوضت الله في شبابي وعمري‏,‏ قبرتهما بيدي‏,‏ وسوف أعيش ما حييت من أجل أبنائي‏,‏ ولكن ماذا عن غيري من النسوة اللائي لا يقدرن علي اتخاذ هذا القرار؟‏!‏

*‏ سيدتي‏..‏ نكأت جرحا غائرا في حياتنا‏,‏ نراه ونعايشه ولا نواجهه‏..‏ نعم فمثل هذا القانون ظالم‏,‏ ويحتاج إلي تعديل وإعادة صياغة‏,‏ وليت المجلس القومي للأمومة والطفولة يتبني تغييره ـ كما غير قوانين أخري ـ فليس من العدل ولا الدين أن تستبعد الأم من الوصاية أو حضانة أطفالها لمجرد أنها تزوجت‏.‏

أما عن الزواج العرفي‏,‏ فلست أنا الذي حرمته‏,‏ ولكن دار الإفتاء المصرية وعلماء الأزهر الشريف هم الذين قطعوا بحرمانيته‏,‏ ولا يجوز التعميم في الأحكام الدينية علي كل الحالات‏.‏ وحسب معلوماتي أن المحرم هو الزواج السري‏,‏ الذي يشترط فيه الكتمان والإخفاء عن الناس‏,‏ أو غياب الولي ـ في حالة البكر ـ وهذا ما يفعله الشباب الصغار‏,‏ وتقع فيه البنات معتقدة أنه زواج صحيح‏,‏ ولا تفيق إلا بعد وقوع كارثة تهدم حياتها وحياة أسرتها‏.‏

وبعيدا عن مسميات الزواج ـ التي أصبحت متعددة ـ فإن الزواج الصحيح هو الذي يتوافر له شرط الإشهار والعلانية‏,‏ وليت كل من يريد الزواج بطريق مختلف عن المحدد قانونا وشرعا‏,‏ أن يستفتي أهل العلم في دار الإفتاء أو الأزهر الشريف‏,‏ حتي يطمئن قلبه‏,‏ ويتأكد من أن زواجه ليس فاسدا أو باطلا‏.‏ ودعيني أسألك‏,‏ لماذا يكون الزواج عرفيا‏,‏ إذا كان الأهل والجيران والأصدقاء سيعرفون؟ أليس الهدف من ذلك هو عدم معرفة أهل الزوج المطلق أو الراحل‏,‏ فلماذا لا يكون الزواج رسميا‏,‏ مكتمل الأركان‏,‏ وأمام نفس الاشخاص‏,‏ مع الحرص علي كتمان الخبر عمن تريدون إخفاءه عنهم؟ وإن كانت التجارب تؤكد أن لا شيء خاصة مثل الزواج ـ عرفيا أو رسميا ـ يمكن إخفاؤه طويلا‏,‏ وإن كان الزواج الرسمي أكثر حفاظا علي سمعة المرأة وكرامتها وكرامة أبنائها‏.‏

سيدتي‏..‏
أقدر مشاعرك النبيلة تجاه زوجك الراحل ومعاناتك معه‏,‏ وعلي الرغم من إعلانك تفرغك لتربية أبنائك‏,‏ وأن هذا الاختيار بما فيه تضحية ـ لمن يقدر ـ عظيمة‏,‏ إلا أني أستشعر من كلماتك في الرسالة وتوقيعك الأخير أرملة حزينة علي عمرها الذي ضاع أنك تعانين من الوحدة ولديك رغبة داخلية في الزواج‏,‏ لذا فإني أطالبك بعدم إغلاق هذا الباب‏,‏ إذا وجدت رجلا صالحا‏,‏ يعفك ويراعي الله فيك وفي أولادك‏,‏

وحتي يحدث هذا‏,‏ مدي حبال الود إلي أهل زوجك الراحل‏,‏ حتي إذا حدث ذلك يمكنك مفاتحتهم في الأمر‏,‏ مع التعهد لهم بأنك لن تستمري مع إنسان قد يسيء يوما إلي أولادك‏.‏ أعرف أن الأمر صعب لكنه ليس مستحيلا‏,‏ فالأبواب الموصدة تلين بالطرق‏,‏ فما بالنا بالقلوب‏.‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏
المزيد ....

شهقة واحدة

10-10-2008
اكتب اليك بدون تردد ولاتفكير لأن بريد الجمعة هو صديقي عند الشدة وكتف حنون استند إليها في الأزمات‏..‏

اكتب اليك مصيبتي وإن لن تنشرها يكفيني انني اخرجت ما في صدري وفضفضت حتي لا أجن‏.‏

هي ليست مشكلة بقدر ما هي حالة انتابتني‏.‏
انها صديقتي‏..‏ اختي الحبيبة‏..‏ توءم روحي إن صح القول‏..‏

كانت أميرة متوجة علي عرش قلوب كل من عرفها‏,‏ خيرة‏,‏ معطاءة‏,‏ تراعي الله في كل فعل وكل قول‏..‏ عرفتها منذ يومنا الأول في الجامعة‏,‏ وسبحان مؤلف القلوب تآلفت قلوبنا وتحاببنا في الله اختين‏18‏ عاما من العشرة الطيبة‏.‏

عاصرنا مصاعب الحياة ودواماتها وقد كانت هي دائما الكتف الحنون والصدر الدافيء الذي ما إن ارمي همومي بين يديها تتحول بقدرة قادر الي لاشيء‏!!‏

انهي كلامي معها وتبدأ هي في التحدث‏.‏ تأخذني إلي عالم بعيد‏,‏ ولكنه حقيقي من الكلمات المهدئة والجمل المنظمة المدروسة المؤثرة‏.‏

تتحول من فتاة عادية في الجامعة الي جدتي الحكيمة الصابرة ذات الاعوام الثمانين في حكمة القول وأمثال زمان ونصوص القرآن واقوال الرسول ـ صلي الله عليه وسلم‏-‏ وكلمات الحكماء‏,‏ فتعطيني النصيحة الصحيحة بدون مجاملة وبدون خوف من غضبي وتقول كما تقول امي يابخت من بكاني وبكي الناس علي ولاضحكني وضحك الناس علي‏.‏

عاصرت يوم خطوبتها وفرحها‏,‏ ولادتها‏,‏ ألمها‏,‏ وتعبها‏...‏ وهي كذلك كانت معي في كل اوقاتي‏..‏

هي حقا أختي‏..‏
ذهبت‏...‏ فجأة بدون سابق انذار‏..‏ بدون ان آخذ فرصتي الأخيرة في أن أراها‏,‏ اتكلم معها وجها لوجه كما كانت عادتنا‏..‏ تحدثنا في الهاتف لأطمئن عليها وعلي عزومتها التي تقوم بإعدادها لأهل زوجها هذا اليوم واتفقنا علي ان تعاود الحديث بعد الإفطار‏..‏ ولكن الله كان له تقديرات اخري ـ سبحانه وتعالي‏.‏

سقطت وسط الحاضرين في وليمة الإفطار‏..‏ شهقت شهقة واحدة‏,‏ فاضت روحها إلي خالقها‏..‏ تركتنا وتركت دنيانا المليئة بالغش والمشاعر الكاذبة والكلمات الملونة البراقة الخادعة‏.‏

رحلت في سن الأربعة والثلاثين‏,‏ وتركت أربع زهور أكبرهم في العاشرة واصغرهم ما زال رضيعا في الشهر السابع‏.‏

صلينا عليها بعد صلاة الجمعة اليتيمة‏..‏ وزفت الي مثواها في مسيرة غريبة‏..‏ طويلة حضرها ناس كثيرون وكأنه زفافها‏...‏ دعونا لها وتركناها وعاد كل منا الي بيته ذاهلا غير مصدق‏..‏ عدت من المدافن علي عجل ومددت يدي نحو الهاتف في حركة تلقائية اتصلت برقمها حتي أشكو لها‏..‏ حتي افضفض معها عن حزني وعن ألمي‏..‏ وأفقت انني اتصل بها وانا عائدة لتوي من وداعها‏!!‏

حزينة عيوني لفراقها‏..‏ لم تجف دموعي‏..‏ حزينة أذني لافتقادي صوتها الهاديء وضحكاتها البريئة‏..‏ حزينة نفسي فقدت نصفها‏..‏

لم اكن اعلم ان لها كل هذه المكانة‏..‏ لم أتخيل أصلا ان أحيا هذا اليوم ونحن من كنا نخطط لغد فيه اولادنا معا ونمرح ونضحك علي بعضنا بعضا‏,‏ من منا ستصبح عجوزا قبل الأخري؟‏..‏ أولادي يرونني أنهار امامهم ولاحيلة لي فيما انا فيه‏..‏ فيبكون وينتحبون‏..‏ حزنا عليها فقد كانت هي الأخري امهم وبدون مبالغة‏.‏

سيدي الفاضل‏..‏ اعلم ان اهلها يفتقدونها اكثر مني‏,‏ فقد كانت الابنة البارة بأمها وابويها وأخويها وجدتها وكل اسرتها‏..‏ وكانت الزوجة الصالحة والأم الطيبة والأخت الحنون لكل اقارب زوجها‏..‏

ولكن أنا اجد صعوبة بالغة في ان أتقبل هذا الخبر‏..‏ أستعيذ بالله من الشيطان ومن نفسي ومن عقلي ولكني لااستطيع ان أصدق‏..‏

لا استطيع الأكل ولم اضع في فمي منذ ذلك اليوم إلا رشفات الماء وقليلا من التمرات‏,‏ فحتي معدتي حزينة لاتقبل الطعام‏..‏ أنام وأنام ساعات طوالا لا أريد أن أستيقظ ولو استيقظت فجأة اعتقد انني في كابوس وأحمد الله انني استيقظت منه‏,‏ ولكن انه الواقع الأليم‏..‏ جرح غائر في قلبي‏..‏ صدقت معني كلمة أن تشعر بأن قلبك يعتصره الالم‏,‏ فأنا احسستها حقيقة‏..‏ زهدت في الدنيا‏..‏ لا اريد التحدث مع أحد‏..‏ لا اريد ان اري احدا‏,‏ لا أجد في نفسي اي تقبل لطعام ولاشراب ولا ملبس ولازينة ولافرحة ولايوجد لدي طاقة لفعل أي شيء‏..‏ أشعر أني سأجن‏..‏ ولا اريد أن أغضب ربي في ان اظل أرددها أني لا اصدق فهي أمانة واستردها مالكها‏,‏ ولكن لا يد لي في حزني الذي يسيطر علي بشكل هستيري‏..‏ هل هذا قلة ايمان مني؟ ضعف في النفس؟ هشاشة في التقوي؟‏.‏

يقتلني التفكير الذي لايهدأ وشريط الصور الذي يجري أمام عيني وصوتها الذي لم يفارق اذني‏..‏ أولادها الذين يعتبرونني خالتهم‏..‏ يتقطع قلبي عليهم وعلي يتمهم وحالهم بعدها‏..‏ كنا اربع صديقات وكم كانت تتمني لو تجمعنا كما كنا أيام الجامعة‏..‏ وبالفعل تجمعنا‏..‏ ولكنها لم تكن معنا‏..‏ تجمعنا حولها وبسببها كما كانت دائما تجمعنا عندها في بيتها ولكن لنتقبل العزاء فيها‏,‏ لنودع اخلص من فينا لنا‏..‏ واحن من فينا علينا‏..‏ وأرفق من فينا بنا‏..‏

كيف سيمر علينا العيد؟ أين بهجته وفرحته؟ وأين صوتها المهنيء لي قبل الجميع؟ كانت من اكثر كلماتها الراحمون يرحمهم الله‏.‏

رحمة الله عليك ياحبيبتي الغالية‏,‏ صبرني اللهم علي فراقك وقدرني علي ان ارد لك خيرك معي في اولادك‏..‏

*‏ سيدتي‏..‏ من حقك أن نشاركك ألمك وحزنك‏,‏ فنحن هنا في بريد الجمعة شركاء في الألم والفرح‏.‏ وحقك علينا أن نكون الآن معا‏,‏ نواسيك‏,‏ نحيط بك‏,‏ ونمد أيادينا لمسح دموعك علي صديقتك الرائعة‏,‏ غفر الله لها وأدخلها الفردوس الأعلي لحسن خلقها ورعايتها الطيبة لكل من حولها‏.‏

سيدتي‏..‏ ألم الفراق قاس‏,‏ ولايخفف منه إلا الإيمان بالله‏,‏ فهذا الإيمان هو الذي يجعلنا نقبل فكرة الموت‏,‏ فكلنا يعلم أنه راحل‏,‏ ولكل أجل كتاب‏,‏ ومع ذلك تغرنا الدنيا‏,‏ وتنسينا أن النفس قد يخرج ولايعود‏,‏ في الوقت المحدد له‏,‏ أليس هو القائل ـ سبحانه وتعالي ـ في كتابه الحكيم فإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولايستقدمون‏.‏

إن حياتنا ـ طالت أو قصرت ـ رحلة بين بابين‏,‏ واحد للدخول والآخر للخروج‏,‏ وياحسن طالعه من كانت أعماله الطيبة تسبقه‏,‏ فهو في نعيم مقيم‏,‏ وأحسب صاحبتك من هؤلاء‏,‏ ومن يحبها يفرح لها ويسعد بما ستلقاه وهي في المقر الأخير الذي سنذهب إليه جميعا‏.‏

موت الصالح راحة لنفسه كما قال الإمام علي بن أبي طالب‏,‏ فصديقتك ذهبت في موعدها‏,‏ ارتاحت‏,‏ عادت إلي ربها راضية مرضية‏,‏ أما أنتم‏,‏ أهلها وأصدقاؤها فليس عليكم إلا القول إنا لله وإنا إليه راجعون‏,‏ فالرجوع ـ ياعزيزتي ـ لايكون إلا حيث الاستقرار والهدوء‏.‏ نعم الفراق مؤلم‏,‏ ولكنا لانملك إلا الرضا بقضاء الله وقدره‏..‏ قد يقلقك التفكير في أبنائها الصغار‏,‏ ولكن إذا آمنت بحكمة الله وعدله ورحمته‏,‏ لسلمت بأنهم سيكونون في مأمن‏,‏ وماغرسته أمهم في حياتها‏,‏ سيجنيه أبناؤها محبة ورحمة وعطفا ورعاية ممن أحبوا أمهم مثلك‏.‏

سيدتي‏..‏ اخرجي من حزنك‏,‏ وحولي هذا الحزن إلي طاقة محبة تحيط بأبناء صديقتك الراحلة‏,‏ فهم في حاجة إليك‏,‏ ادعي لها وتصدقي علي روحها‏,‏ مطمئنة النفس أنها في مكان أفضل بأكثر مما يصل إليه خيالنا‏,‏ ليجمعنا الله بها في جنته بإذنه ورحمته‏..‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏
المزيد ....

لعنة الخطيئة

03-10-2008
أنا شاب أبلغ من العمر‏32‏ عاما حاصل علي بكالوريوس من إحدي كليات القمة في جامعة القاهرة‏,‏ بعون الله حصلت علي العديد من الدراسات العليا في مجال تخصصي وعملت ببعض الشركات العالمية في مصر مما اكسبني خبرة لا بأس بها في مجال الصناعة‏.‏

بجانب هذا لي العديد من الهوايات الحميدة مثل القراءة وخصوصا العلمية والتاريخ ولي من الهوايات الرياضية كثير فكنت لاعب كرة قدم في اكبر ناد في الجيزة ولكن لم أستطع التوفيق بين دراستي والكرة‏,‏ والكرة بالنسبة لي كانت هواية اصبحت الآن احترافا من حيث التحليل والتدريب متطوعا في قطاع ناشئي النادي الذي تربيت به‏.‏

تربيت في اسرة كريمة ميسورة الحال‏,‏ اب وام مثاليان‏,‏ اطال لي الله في عمرها‏,‏ انا الابن الثاني بعد أختي الكبري‏(‏ توفاها الله منذ‏3‏ سنوات‏)‏ وبعدي ولد وبنت توءم‏.‏

تعرفت بعد تخرجي بعامين علي فتاه‏,‏ انجذبت لها بشده لعقلها الراجح وطموحها الواضح وشكلها المقبول‏,‏ تمت الخطبة ومن ثم الزواج‏.‏

ولكن وجدت ما لم اكن للحظة اتخيله‏,‏ انسانة عكس كل مارأيته منها هي وأهلها‏,‏ فوجئت في شهر العسل‏(‏ سافرنا الي أحد المنتجعات المصرية‏)‏ بانسانة أخري اقل ما يقال عنها انها قبيحة الوجه‏(‏ كانت دائما في منتهي الجمال بالمساحيق ايام الخطوبة‏)‏ ولحسن نيتي وعقليتي العملية لم أشك انها تواري عيوبا‏,‏ ستقول لي‏:‏ الجمال ليس كل شيء‏,‏ انا معك تماما ولكنها ايضا كانت قبيحة المعشر‏,‏ المهم حاولت مرارا وتكرارا اصلاح ما بها من عيوب شخصية ولكن هيهات‏,‏ حاولت الاستعانة بأمها وأبيها ولكن امها أصعب منها بمراحل‏,‏ أما الاب فحدث ولاحرج ليس له ادني كلمة في بيته فهو اضعف شخص في العائلة بسبب جذري لا اريد الخوص فيه‏.‏

رزقني الله بطفلة عمرها الآن‏4‏ سنوات ثم بطفل عمره نحو عامين لم يمر يومان متتاليان في الحياة الزوجية بلا مشاكل‏,‏ أرهقت اعصابي فكان القرار بالطلاق بعد وفاة اختي الكبري ــ رحمها الله ــ هي واولادها الاثنان وزوجها ـ في حادث سير خارج البلاد‏,‏ كانت طليقتي تكره اختي الكبري بلا سبب واضح لي مما عجل بي باتخاذ قرار الطلاق‏(‏ انا بشر‏)‏ وذهبت طليقتي لحال سبيلها وإلي الآن لاتعاملني في اولادي بما يرضي الله‏,‏ والادهي عندما تزوجتها كنت اعرف ان عمرها اقل مني بعام واحد ولكني بعد الطلاق اكتشف من جواز سفرها انها اكبر مني بـ‏4‏ سنوات‏!!‏ سألت عن الموقف القانوني قالوا انني استطيع وبسهولة حبسها عن طريق النيابة العامة‏,‏ ولكني لم استطع فعل ذلك فهي ام اولادي‏.‏

قلت الكثير السيئ عنها ولكن لها من الجيد كثيرا بالنسبة لأولادي فهي مربية ماهرة أطمئن كثيرا وأبني معها‏.‏ الي هذا انتهت قصة طليقتي حتي وقتنا هذا وبيننا المحاكم‏.‏

ـ بعد الطلاق مباشرة تعرفت علي فتاة تصغرني بـ‏8‏ اعوام وكانت وقتها تدرس بنفس كليتي ولكن في تخصص آخر وجامعة أخري‏,‏ اقل ما توصف بانها ملاك‏,‏ حسنة العشرة لها من الادب مالا نتخيله والثقافة والعلم والتدين‏.‏

مرت بنا الايام وكل يوم يقربنا اكثر واكثر وكان لنا من المشاركات كثير في عمل الخير معا العلاقة وصلت الي حد اقتناعي التام بها كزوجة بعد تخرجها‏,‏ واحساسها بي‏,‏ كنت الحبيب والصديق والأب علي حد قولها لي‏..‏ تقاربنا وتقاربنا الي ان حدث مالم نخطط له ابدا‏,‏ تقاربنا جسديا ـ في حدود وبدون تجاوز ـ لي شقة خاصة كانت تأتي لي بين الحين والآخر‏,‏ أحلف بالله شعوري كان اني مع زوجتي فهي روحي وعقلي فهي بالنسبة لي مشروع المستقبل‏..‏ مع مرور الايام وفي صيف العام الماضي كنت اعاني مشاكل جسيمة في عملي فقررت أن أسافر في اجازة سلبية لإحدي المدن الساحلية وكنت اطلعها بكل شيء‏,‏ عرضت هي علي مشاركتي الرحلة فوافقت علي الفور وذهبنا‏,‏ وبالطبع هي كذبت علي اهلها بأنها ستسافر مع اصدقاء من الجامعة المهم‏,‏ بطريقة او بأخري والدها عرف انها كانت معي وعند الرجوع الي القاهرة طلب مقابلتي‏(‏ تخيل موقفه وتخيل موقفي‏)‏ ولانها حبي الوحيد واملي واقتناعي التام قررت المواجهة مع والدها لانني لايمكن ان اتخلي عمن اعطتني الحب بلا حدود كانت مقابلة والدها اسوأ مايكون‏,

‏ بالطبع هو كان ثائرا ولكني للاسف لم أستطع احتواءه بسبب معاملته الفظة لي رغم كامل اعترافي بخطئي وكذلك هي‏,‏ كنت آمل النظر الي الامام‏,‏ فانا اريدها وهي كذلك‏,‏ ولكنه حملني المسئولية انني الذي أغويتها وهي كالقطة العمياء‏,‏ ورفض تماما مسألة الزواج وأنهي المقابلة بمنتهي القسوة ولانها احساس عمري كله ولانني لا أيأس بسهولة‏.‏ اتفقت وحبيبتي علي ابقاء العلاقة كما هي لعل أن يجد في الأمور أمور‏.‏

مع العهد بالتمسك ببعضنا البعض ومع الوقت تغير حال حبيبتي‏,‏ تارة جميلة معي كعادتها وتارة غير طبيعية وتصطنع المشاكل وتقول لا أمل‏,‏ أنا اعرف والدي وفي نفس الوقت لاتتخيل نفسها زوجة لرجل غيري فجأة وبدون مقدمات قررت هي الانفصال عبر اتصال هاتفي رغم وجود عهد بيننا احسست بالخيانة‏,‏ خيانة العهد‏,‏ ثارت داخلي ثورة عارمة وقررت الرد بعنف وبدون اي حسابات‏,‏ وهنا فعلت مالم اكن اتوقع ان يأتي مني‏.‏ بعثت رسالة كتابية لوالدها أقول له كل ما حدث بيننا وذلك لأعرفه انها كانت مشاركة لي ولماذا يحملني الوزر وحدي‏..‏ نحن اثنان كنا حالة غير طبيعية من الحب والثقة‏,‏ الآن اشعر بندم صارخ‏,‏ لا أنام لاحساسي انني أذيت مشاعر أب فأنا مثله لي ابن‏,‏ احيانا اضع نفسي مكانه‏,‏ فرغم كل ما قلته حقيقي ولكن اشعر بصدمته‏.‏

ـ اريدك ان تكون وسيط خير بيني وبينهم‏.‏

ـ تبت الي الله الغفور واستغفرته واشعر انه غفر لي وأريدهما ان يغفرا لي

وقل له انني اريدها علي سنة الله ورسوله‏,‏ كما قلت لك سابقا انا والحمد لله ميسور الحال عندي بإذن الله من امكانيات الزواج مايكفي لاتمامه‏.‏

ـ آسف لك لسوء الاخلاق الذي لمسته في تعاملي مع حبيبتي ولكني بشر واخطأت تحت تأثير الحب وللعلم انا مشهود لي في محيط الاسرة والحي بحسن الخلق‏.‏

سيدي‏..‏ لاأعرف من أين أبدأ معك‏..‏ فلا أريد التوقف طويلا امام خطاياك ومعاصيك‏,‏ فقد استشعرت خطأك وتبت الي الله وتشعر انه سبحانه وتعالي قبل توتبك‏,‏ وان كنت اتوقف امام علاقتك الخاطئة مع تلك الفتاة التي تسعي الان للزواج بها‏,‏ وسبب توقفي انك تبرر الخطأ ولاتستعظمه‏,‏ تصف نفسك وإياها بالتدين وأنتما غارقان في الوحل‏,‏ فأي تدين هذا الذي لايعصم صاحبه من الخطيئة؟

وأي مبرر هذا الذي يسمح لرجل ولفتاة بمثل هذه العلاقة مستندا الي مجرد احساس بانها زوجتك؟‏...‏ لماذا لم يكن الدخول من الباب هو الأكثر يسرا وحلالا؟

سيدي‏..‏ أخطأت منذ زواجك‏,‏ بقبولك زوجة لاتستبين ملامح وجهها بسبب المساحيق‏,‏ كما لم تستبين اخلاقها واخلاق اسرتها‏,‏ اي زواج هذا الذي يدفع ثمنه ابناء بلاذنب لانك متعجل ومندفع؟

هذا التعجل والاندفاع الذي يحكم شخصيتك هو الذي جعلك ترتكب حماقة كبري‏,‏ بإرسال تفصيل علاقتك بتلك الفتاة الي ابيها‏,‏ سترك الله ولكنك آبيت الا الفضيحة‏,‏ فأهنت اب وصدمته في ابنته‏,‏ وحطمت جدار الثقة بينك وبين تلك الفتاة واسرتها‏,‏ وكأنك تبتزهم وتهددهم للزواج بابنتهم‏.‏

انها لعنة الخطيئة ياسيدي ـ فمابني علي خطأ ومعصيته لن يؤدي ابدا الي صواب وحلال‏,‏ لان ظلال ماحدث ستكسو تلك العلاقة وستهددها دوما‏.‏

تقول انك تبت الي الله وتستشعر مغفرته‏,‏ وما لله لله‏,‏ اما ماارتكبته في حق هذا الاب وتلك العائلة يستوجب منك جهدا كبيرا وسعيا حثيثا ليغروا لك ويتجاوزوا عما ارتكبته في حقهم‏,‏ بعدها يكون لهم القرار في قبولك او رفضك‏,‏ وان كنت استشعر ان تلك الفتاة زالت الغشاوة من علي عينيها بعدما تعرضت له واكتشفت انك لست السخصي الذي يمكن ان تثق به وتكمل معه حياتها‏.‏

ما اقوله لايعني اني ألتمس لها الاعذار فيما ارتكبت‏,‏ فقد اخطأت هي الاخري في حق ربها ونفسها واسرتها‏,‏ عندما اندفعت في مشاعرها ولم تعرف حدودا للمشاعر‏,‏ وان ماقد يرضيها الان ويسعدها ـ مؤقتا ـ سينقلب لعنة وفشلا‏.‏ ايضا يتحمل الاب والام المسئولية‏,‏ كما يتحملها‏,‏ كل اب وام يترك ابنته في هذه الحياة القاسية بدون متابعة‏,‏ لتخرج كما تشاء وتسافر مع رجل مدعية انها مع صديقتها‏..‏ فهذا التفريط والتاهل يقود في النهاية الي مآس وخطايا مثلما فعلت هذه الفتاة‏.‏

سيدي‏..‏ ها انا قد نشرت اعتذارك لتلك الاسرة‏,‏ وقدمت عرضك نادما علي مافعلت‏,‏ وان كنت اطالبك بالمزيد من الاعتذار لهذه الاسرة‏,‏ اسأل الاب والفتاة‏,‏ اذا كان الصفح وحده كفيل بقبول بمثل هذا الزواج فإني ادعوهما الي مزيد من التفكير قبل اصدارهما قرارهما النهائي‏..‏ ولكم ولنا جميعا التوفيق والهداية‏,‏ وكل عام وأنتم بخير‏..‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏
المزيد ....

الرياح السوداء

15-08-2008
أكتب إليك سيدي‏,‏ وأنا علي وشك الانهيار النفسي والجنون فأنا فتاة في الثلاثين من عمري‏,‏ أكبر إخوتي‏,‏ كنت لفترة قريبة أظن نفسي فتاة متدينة بحق فكلما ضاقت الدنيا في وجهي لجأت إلي الله ـ عز وجل‏.‏

ولكن في هذه الأيام أمر بأزمة نفسية عارمة تزلزل كياني وجعلتني أتشكك في نفسي وفي كل شيء‏,‏ وسأحكي لك قصتي من البداية حتي تصل معي إلي ما أنا عليه الآن‏.‏

نشأت في أسرة ريفية بسيطة جاء أبي للقاهرة للعمل في شركة كبري عن طريق أحد أقاربه‏,‏ وأحضرنا معه للقاهرة‏.‏

أكتب إليك سيدي‏,‏ وأنا علي وشك الانهيار النفسي والجنون فأنا فتاة في الثلاثين من عمري‏,‏ أكبر إخوتي‏,‏ كنت لفترة قريبة أظن نفسي فتاة متدينة بحق فكلما ضاقت الدنيا في وجهي لجأت إلي الله ـ عز وجل‏.‏

ولكن في هذه الأيام أمر بأزمة نفسية عارمة تزلزل كياني وجعلتني أتشكك في نفسي وفي كل شيء‏,‏ وسأحكي لك قصتي من البداية حتي تصل معي إلي ما أنا عليه الآن‏.‏

نشأت في أسرة ريفية بسيطة جاء أبي للقاهرة للعمل في شركة كبري عن طريق أحد أقاربه‏,‏ وأحضرنا معه للقاهرة‏.‏

لي ثلاث أخوات أصغر مني‏,‏ كان أبي يفتقد الطموح وتحسين أحواله المادية فهو يعيش اليوم بيومه ولا يفكر في المستقبل أبدا‏,‏ فعلي الرغم من أن عمله هيأ له فرصة تملك شقة في منطقة راقية إلا أنه رفض حتي مجرد تقديم استمارة الشقة رغم إلحاح والدتي عليه‏,‏ وتذكيرها له باستمرار بأن لديه أربع بنات يجب أن يؤمن لهن مستقبلهن خاصة أنه لا يمتلك في الحياة سوي مرتبه‏,‏ ولكن هيهات أن يستمع لأحد ولم يفكر يوما في عمل إضافي يحسن به أحوالنا المادية‏,‏ بل فضل راحته علي تعبنا في المستقبل‏,‏ كنا نسكن في حي شعبي في شقة غرفة واحدة‏,‏ أول دور حيث المجاري‏,‏ وعدم توافر المنشر‏,‏ وعدم دخول الشمس‏,‏ فكنا لكي ننشر غسلينا ندور علي البيوت‏.‏

ولأنني البنت الكبري كنت أول من يدفع ثمن ذلك فعندما كنت طالبة في الكلية تقدم لي شاب طيب فيه كل ما أحلم به من صفات وفر له أبوه شقة منذ صغره‏,‏ وفي الاتفاقات طولب أبي بالمتطلبات العادية في كل زواج‏,‏ ولكنه قال لهم بصراحة إنه لا يستطيع أن يوفر أي شئ من هذه المتطلبات لأنه لا يملك سوي مرتبه الذي بالكاد يكفي مصاريف البيت‏,‏ وإن كنتم تريدون إتمام الزواج عليكم بتحمل كل النفقات وبالطبع لم يرض أهل ذلك الشاب‏,‏ وخرج بلا عودة‏.‏

تأزمت بعض الوقت‏,‏ ولكني قررت أن أتعامل مع الموقف بإيجابية وواقعية فلن يجدي البكاء علي اللبن المسكوب‏,‏ وقررت أن أعمل حتي أوفر لنفسي نفقات الزواج‏,‏ التي لا يستطيع أبي توفيرها لي‏.‏

ولأن تربيتي ريفية تأصلت في نفسي قيمة الشرف والعفة فلم أستغل جمالي في طريق الخطأ‏,‏ فقد بحثت عن عمل شريف حتي ولو كان مكسبه قليلا‏.‏

فعملت بأحد مصانع الملابس وأنا طالبة حتي أوفر لنفسي مصاريف الدبلومة‏,‏ وبعدها عملت معلمة بمدرسة خاصة براتب‏120‏ جنيها‏,‏ بالإضافة إلي المجاميع‏,‏ بالإضافة إلي عملي بالمراكز التعليمية المسائية‏,‏ ودخولي معترك الحياة جعلني أكثر واقعية فلم أحلم بأن أكون سندريلا التي يتزوجها الأمير‏,‏ فكان ولا يزال كل حلمي بالحياة أن أتزوج إنسانا صالحا متدينا يعاملني باحترام‏,‏ وحنان‏,‏ لديه طموح ومستعدة لأن أكافح معه من الصفر‏.‏

وتقدم لي أحد الجيران كنت أظنه كذلك‏,‏ وكان قد اتفق مع والدي علي أن فترة الخطوبة عامان‏,‏ ولكن بعد العام الاول لم يفعل شيئا مما كان متفقا عليه مع والدي بحجة عدم كفاية المال الذي معه‏,‏ فاقترحت عليه أن يعمل معي في أحد المراكز المسائية ليزيد دخله‏,‏ خاصة أنه كان موظف حكومة‏,‏ ولكنه رفض بحجة أن هذا سيجعله لا يستريح في اليوم إلا‏3‏ ساعات‏,‏ وأنه لم يتعود علي ذلك فظننت أنه مريض‏,‏ ولكنه أكد لي أنه صحته سليمة‏100%‏ فقلت له إن اعتماده علي راتبه فقط سيطيل فترة الخطوبة‏,‏ ولكن كان رده علي‏:‏ وأي شيء في هذا؟ ولماذا لاأنتظره أكثر؟ فغاظتني ردوده خاصة وهو يراني أنا البنت أعمل صباحا ومساء متحملة أي تعب‏,‏ وهو الرجل لا يريد أن يتعب نفسه‏,‏ فلمحت في تصرفاته صورة أبي‏,‏ صورة الرجل الذي ليس لديه استعداد لأن يتعب ليريح من يحبهم‏,‏ ولكن يتعب من يحبهم ليريح نفسه‏,‏ وهذا ما جعلني أفسخ الخطوبة‏.‏

وبعد‏3‏ سنوات باعت امي ميراثها واشترت لنا شقة اكبر وأوسع في مكان افضل وانتقلت للعمل بمدرسة اسلامية فعرضت علي ام تلميذة لدي الزواج من احد اقاربها وقالت لي ان عمره‏40‏ سنة وميسور الحال ولكن عيبه الوحيد انه ذو اعاقة في قدمه وتقدم لي وفي فترة التعارف المبدئي ظهر بشخصية طيبة فلم أعبأ بهذا العيب وقلت انه خلقة ربنا وكان من الممكن ان اكون مثله وبعد الخطوبة ظهرت حقيقته فهو انسان مغرور لأبعد الحدود نتيجة تدليل اسرته له تعويضا له عن اعاقته‏,‏ وكثرة المال في يده زادته كبرا فهو يري انه انسان كامل بلا عيوب رغم انه مليء بها وكان يعاملني بفوقية واستعلاء وكثيرا ما يجرح مشاعري فإن سكت تمادي وإن اخذت موقفا لم يرتدع ويخاصمني وينتظر ان أصالحه انا وإن فعلت ذلك ما استجاب بسهولة ولكن بعد ان يطلع روحي‏

فضقت ذرعا به خاصة بعد ان وصل الأمر لحد الاهانة فصارحت اهلي بذلك ولكنهم قالوا لي انه عريس جاهز خسارة ان اضيعه من يدي فحاولت ان اتفاهم معه وان اكسبه وان استرضيه ولكن دون جدوي حتي انه جعلني اقول لهم فليذهب بفلوسه وكان عمري وقتها‏28‏ عاما وقريباتي في البلد اللاتي في مثل سني أولادهن في المدارس فجعلني هذا اشعر بالخجل امامهن وأخاف من شبح العنوسة‏.‏

وعندما سافرنا للبلد عرفت ان احد اقاربنا وعمره‏48‏ عاما انفصل عن زوجته ولديه ولد وبنت في الثانوي‏,‏ طليقته تزوجت ويبحث عن عروسة اصغر واحلي من طليقته حتي يغيظها ولم أكن أتوقع أنه سيتقدم لي ولكنه فعل وبكل ثقة بل وأغري والدي بأنه سيكتب لي الشقة باسمي إن وافقت ولكني رفضت ليس لأنه مطلق او عمره‏48‏ سنة ولكن لأن كل ما يهمه هو ان يغيظ طليقته اما أنا فلا افرق شيئا وبعدها تقدم لفتاة عمرها‏21‏ عاما ووافقت وتزوجها فورا وكتب لها الشقة فعلا‏

وهذا ما جعل اهلي وأقاربي ينقلبون ضدي ويلومونني علي رفضه ومما زاد الطين بلة أنه بعد شهر تقدم لي احد زملائي في العمل وكان عمره‏30‏ عاما ففرحت جدا وظننت انه طوق النجاة ولكن والدته رفضت بشدة لأنني قاربت الثلاثين وانها تريد له زوجة صغيرة ولم يستطع ان يقنع والدته فانسحب فازدادت حدة اللوم والتقريع والمعايرة لي واتهامي بالعند والتفكير الخاطئ وانني بعد ان كنت رافضة اصبحت مرفوضة ونسوا كل الاسباب التي دفعتني لذلك‏,‏ هذه الأسباب التي كانوا مقتنعين بها في وقتها ولكن بعد ان دخلت في الثلاثين اصبحت انا السبب في كل شيء انا الملامة الوحيدة وان حلمي بالزواج من شخص ارضي به علي الاقل خيال لأنني فقيرة ولست بنت‏(‏ بارم ديله‏)‏ يجب ان ارضي بما تلقي لي الحياة من فضلات الرجال ولا يحق لي ان أعترض‏,‏ فالمهم ان اتزوج فقط لأجد عند كبر سني من يعولني ويسأل عني وان الزواج بأي شخص مهما يكن افضل من البقاء بلا زواج وهذا ما لم يقتنع به عقلي ويرفضه قلبي‏.‏

وزادت في هذه الأيام جرعة العتاب نظرا للاجازة الصيفية وجلوسي في المنزل معظم الوقت وكثرة الافراح في العائلة وعندما افضفض مع صديقاتي اسمع اقتراحات عديدة اولها الذهاب لأحد السحرة وثانيها ان اخلع الحجاب واللبس الشرعي وأضع المساحيق وألبس علي الموضة لكي ألفت انظار الشباب وامكث في المولات والنوادي طوال اليوم محاولة الإيقاع بأي شاب‏.‏

وهذا ايضا ما لم يقتنع به عقلي وضميري ولكن الزن علي الودان امر من السحر كما يقولون فقد كنت في الماضي اكثرا ثباتا وقوة من الآن واكثر املا في المستقبل ولكن مع مرور الوقت دون تحقيق ابسط احلامي يزداد شعوري بخيبة الأمل واصبحت اشعر بأنني مثل الشجرة التي تهب عليها رياح عاتية من كل جهة من اهلي واقاربي وصديقاتي ومن نظرة المجتمع لي‏,‏ وكل هؤلاء يجمعون علي أني خطأ وهم الصواب وان عبارة‏[‏ في النهاية لايصح إلا الصحيح‏]‏ تغيرت وأصبحت‏[‏ في النهاية لايصح إلا الخطأ‏]‏ وان علي أن أغير نفس للأحسن في نظرهم وللأسوأ في نظري مما جعلني أقف امام المرآة بعد ان خارت قواي علي احتمال الكلام المسموم وأسأل نفسي‏:‏ هل كل هؤلاء خطأ وأنا الوحيدة الصواب؟ هل أنا حقا عنيدة؟ هل يجب أن أتغير وألين؟

هل هؤلاء هم أهلي حقا أم ناس آخرون لا أعرفهم؟‏.‏
كيف استطاعوا ان يصلوا بي إلي هذه الحالة‏,‏ وأنا الفتاة المؤمنة الملتزمة القوية التي لم تتنازل عن اخلاقها ومبادئها في يوم من الأيام‏,‏ والتي وقفت ثابتة امام إغراءات شياطين الانس والجن كيف لا أصعب عليهم وأنا أظل باكية العينين لماذا لا تأخذهم بي الرحمة؟ لماذا لاتأخذني أمي في حضنها وتطبطب علي؟ ما الجرم الذي ارتكبته؟

هل أخطأت عندما أنهيت الخطوبتين ورفضت قريبي هذا؟
ولو كنت علي حق لماذا لايقتنعون بذلك؟

أعرف ماستقوله لي‏:‏ ان هذا لايحدث لي وحدي بل لبنات كثيرات في مصر‏,‏ وأنك أفضل من غيرك‏,‏ أعرف ذلك‏,‏ وفي قرارة نفسي متيقنة ان كل شيء قضاء وقدر‏,‏ وأن الدنيا مجرد بوابة للآخرة والآخرة خير وأبقي‏.‏

ولكن ما أطلبه منك سيدي الفاضل ألا تتعاطف معي‏,‏ ولكن ان تري مشكلتي بوجهة نظر محايدة كما تفعل دائما مع القراء‏,‏ وتجيبني‏:‏ فيم أخطأت؟ وفيم أصبت؟ وتناشد المجتمع الرحمة والكلمة الطيبة‏.‏

وتقول لي‏:‏ كيف أعود كما كنت ثابتة قوية مقتنعة بما افعل؟
وكيف أواجه هذه العاصفة من الكلام المسموم والتجريح المستمر؟

وكيف أغير حالي ونفسي للأحسن؟
وماهو هذا الأحسن؟

سيدتي‏:‏ أجد في نفسي ضعفا امام رسالتك التي تعكس أزمة حقيقية ومؤلمة أستشعرها في بريدي‏,‏ فخطابات البنات تنهمر علي‏,‏ فأجدني مدفوعا مرات كثيرة إلي نشر صرخاتهن من قسوة الواقع‏,‏ مفسحا تلك المساحة المحدودة‏,‏ لعل من بيده الأمر يلتفت إلي خطورة أزمة الزواج في مصر‏,‏ علي تماسك المجتمع وسلامته‏.‏

رسالتك ـ ياعزيزتي ـ علي الرغم من تفاصيلها الفرعية‏,‏ تكشف وجوها عدة للأزمة‏,‏ بداية من تكاسل والدك ـ إذا كان فعل ذلك عن قصد وإهمال وليس لضعف أو مرض ـ فلم يسع إلي توفير حياة كريمة لكم مع أنه كان يستطيع‏,‏ وهذا ما أدي إلي انسحاب العريس الأول‏,‏ وفشل خطبتك بعد أن رأيت صورة والدك في هذا الخطيب‏.‏ ودعيني أتوقف معك هنا‏,‏ لأن هذه الخطبة تعكس حالة العجلة في قبول العريس بدون بحث كاف للتأكد في اخلاقه وطباعه ومدي تواؤمها معك‏,‏ وبدون استفادة من تجربة الفشل الأولي‏,‏ ارتكبت وأسرتك نفس الخطأ مع الخطيب الثاني‏,‏ وقبلته لإمكاناته المادية و رغبة في الزواج وخلاص ومع ذلك أري قرارك بالانفصال مبكرا في الخطبتين صائبا‏,‏ لأنه إذ لم تتوافر الاشتراطات المعروفة من حيث الدين والامانة وبالتالي الخلق الكريم‏,‏ فلن ينجح هذا الزواج وكنت ستحملين لقب مطلقة مبكرا أو تعيشين حياة بائسة حتي تهربي من نظرة المجتمع الظالمة للمرأة المطلقة‏.‏

ما بين الخوف من العنوسة وبين الفزع من الفشل وحمل لقب مطلقة‏,‏ تقفين مع غيرك من ملايين البنات‏,‏ تحلمين بحياة زوجية مستقرة‏,‏ لكن ظروف المجتمع الاقتصادية والثقافية تحرمكن من هذا الحق الطبيعي لأسباب تبتعد عن القدر والنصيب‏.‏ فلابد من توفير شقق صغيرة تشجع الشباب علي الزواج‏,‏ ولابد من التوعية بأن هذه الظروف رفعت سن الزواج عند الطرفين‏,‏ لذا فليس من العدل أن يفكر كل شاب اقترب من الاربعين في الزواج بفتاة صغيرة في بداية العشرينيات‏,‏ لأن هذا سيخلف جيلا كاملا من البنات بلا زواج‏.‏

لست وحدك ـ ياعزيزتي ـ فمثلك ملايين لم يتزوجن ليس لعيب فيهن‏,‏ فلا تستسلمي للعذاب والوحدة‏,‏ وثقي بأنك لم تخطئي برفضك لأزواج غير مناسبين‏,‏ فقرارك يعكس نضجك وثقتك بنفسك‏,‏ ولا تصدقي أن الأمر له علاقة بزيك ولا بالتزامك الديني‏,‏ فقد توحي الصورة من الخارج‏,‏ بأن المتبرجات‏,‏ ومن يسعين لإيقاع الشباب في المولات والنوادي‏,‏ يتزوجن أسرع‏,‏ لكن هل تعرفين مدي نجاح مثل هذا الزواج‏,‏ وهل يستمر أم ينتهي بالطلاق والفضائح بعد أن يخلف ابناء يدفعون أثمان أخطاء لم يرتكبوها؟

ايتها الشجرة الصامدة‏,‏ لا تسمحي للرياح السوداء بأن تهزك أو تنال من إيمانك فلن يصح إلا الصحيح‏,‏ حتي لو ساد الخطأ‏..‏ لاتغيري من نفسك فمن هم حولك أحق بالتغيير‏.‏ علي كل أم أن تتوقف عن الاشارات المؤلمة أو اظهار عذابها لتأخر ابنتها في الزواج‏,‏ فلا تدفعها إلي ما لا ترضي عنه‏,‏ عليها أن تحتويها‏,‏ تحتضنها وتنتظر قدرها الذي سيأتي حتما في الوقت الذي حدده الله سبحانه وتعالي‏.‏

مشكلتك ياآنستي هي مشكلة وطن يجب علي عقلائه ومثقفيه ومسئوليه ان يضعوا أزمة الزواج في مقدمة الأولويات‏,‏ فادع للوطن ومن فيه‏,‏ وأحمدي الله علي حمايته لك بعقلك الناضج وأخلاقك الرفيعة‏..‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏
المزيد ....