الثلاثاء، ٣١ يوليو ٢٠١٢

سيناريوهات الفشل

11-09-2009
أرجو أن يتسع وقتك وصدرك لقراءة رسالتي هذه التي أوجهها الي كتاب الدراما المصرية التي اعتدنا انا وزوجي علي مشاهدتها خلال سنوات الغربة‏,‏ التي لم نكن نشعر بها‏,‏ لأننا كنا في احب البلاد الي الله والمسلمين‏,‏ فأبناؤنا ولدوا وتعلموا هناك وربيناهم علي التربية الاسلامية الصحيحة كما ينبغي أن تكون‏..‏

عشنا في المملكة العربية السعودية سعداء ومستقرين‏,‏ لما كنا نلاقيه من حسن معاملة اهلها واحترامهم لنا فكنا نعتبر انفسنا في بلدنا الثاني‏.‏

وتدرج زوجي في عمله الي أن شغل منصبا مرموقا ونال حب واحترام جميع اصحاب الاعمال الذين عمل معهم‏,‏ وجميع من تعامل معهم‏,‏ وبعد أن حصل الابناء علي الثانوية العامة ترك زوجي عمله وفضل أن يكون بجوارهم نظرا لما يشاهده من مصائب وكوارث تحدث لابناء المغتربين‏,‏ وعدنا الي مصر بعد أن تملكه الرعب علي أبنائه بعد ماشاهده من مسلسلات

وبدأ رحلة أخري وهي رحلة البحث عن مشروع لاستثمار امواله‏,‏ ولانه كان غريبا عن البلاد بما يقارب العشرين عاما فهو لايعرف ما هي المشاريع التي تحتاجها البلاد‏,‏ فهذا ينصحه بهذا المشروع وذاك ينصحه بمشروع اخر‏,‏ وظل بهذا الحال بما يزيد علي العام الي ان انفق نصف مدخراته وهو يفكر في مشروع‏,‏ الي أن هداه الله الي مشروع فأقامه وظل عاما اخر لم يربح منه أي شيء وينفق عليه فقط الي ان ضاع النصف الآخر من المدخرات‏,‏ ولانه كان دائما كريما معي ومع الابناء ومع كل من يعرفه قريبا كان او غريبا فاعطيته صندوق المجوهرات لكي يقف من اول وجديد‏

ولكن لم يكتب لمشروعه النجاح لأنه كان بعيدا كل البعد عن مجال تخصصه الذي ظل أكثر من خمسة وعشرين عاما يعمل فيه‏,‏ ورفضنا معا ان يعمل في مجال تخصصه هنا لأنه يوجد به بعض المحرمات‏,‏ ونحن نرفض هذا لأننا نريد أن نربي ابناءنا من مال ليس فيه اي شبهة لأننا نؤمن بحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم‏(‏ ان من نبت جسده من حرام فالنار اولي به‏)‏ وكان هذا التخصص في المملكة لايوجد به هذه المحرمات‏.‏

هذا وباختصار شديد ما جنته علينا المسلسلات‏,‏ وكأن الاب الذي يترك أبناءه في بلادهم مع والدتهم ويظل هو يعمل ليوفر لهم العيشة الكريمة قد أجرم‏,‏ وكأنه لن يربي هؤلاء الابناء ولم يزرع فيهم طوال حياتهم الشرف والفضيلة والاخلاق‏,‏ وكأن الابناء منتظرون رجوعهم الي بلادهم لكي ينحرفوا وكأنهم لم يتربوا علي اي قيم او مبادئ او دين‏,,‏ كم أسر كثيرة نعرفها ظل الوالد في الخارج ليعمل ويؤدي رسالته نحو ابنائه من تعليم وخلافه‏,‏ فتخرجوا في اعلي الجامعات واحسن التخصصات التي تحتاجها بلادهم‏,‏ وحدث عكس ذلك تماما مع احد ابنائنا الذي جاء تنسيقه في احدي المحافظات البعيدة وهو المتفوق في دراسته الحاصل علي مجموع‏98%‏ في الثانوية العامة‏

ولكنه تمسك بهذه الكلية لأنه يريدها منذ طفولته ويريد أن يتخرج فيها‏,‏ وتخيل انت شابا صغيرا لم يتجاوز عامه السابع عشر تغرب في بلاده لأول مرة عن ابويه واخوته الي بلد لم يعرف فيها أحدا لاصديقا ولاقريبا هذه كانت الغربة الحقيقية بالنسبة له‏,‏ وهو في هذه السن الصغيرة وبالطبع الحاله النفسية والاقتصادية اثرت عليه تماما‏,‏ فلم يوفق في السنة الاولي لمدة عامين متتاليتين وتحطمت كل اماله ولم نكن نعلم بتطوير التعليم في مصر أنه يستطيع أن يدرس في هذه الكلية في محافظته بنظام الساعات المعتمدة وضاعت فرصته في التعليم بهذا النظام‏.‏

هذه هي النتائج المترتبة علي السيناريوهات القوية التي يكتبها الكتاب المخضرمون من اجل حبك القصة وإشعال القضية لزيادة البيع وكثرة الشهرة‏,‏ ولايهمهم ماذا تؤثر هذه المسلسلات في نفوس الناس ونفوس الابناء الصغار الذين يشاهدون مثل هذه التصرفات من ابطال المسلسل‏,‏ ويزرعون في نفوس الابناء أن الاب تخلي عنهم وعن رسالته نحوهم لكي يجمع الاموال‏,‏ وكأن هذا الاب يجمع الاموال لنفسه فقط لا لكي يحمي ابناءه من شبح الفقر وشبح الزواج الفاشل اذا لم يتزوجوا في الوقت المناسب من الفتاة التي يختارونها

ان الاب ايها الكتاب الذي يسعي علي رزقه ورزق أبنائه في بلاد الله الواسعة ليس بمجرم ولا هو تخلي عن مسؤليته‏,‏ إنه يحمي ابناءه ويحمي المجتمع ايضا من الزواج الفاشل وتشتيت اطفال بين اب وام متنازعين‏,‏ فهذا الاب يؤدي رسالته تجاه ابنائه لكي يؤدي هؤلاء الابناء رسالتهم تجاه ابنائهم ايضا‏,‏ واعلموا ايها السادة ان الذي يريد ان ينحرف لا أحد يمنعه من الانحراف‏,‏ وهو حتي في وسط ابويه وعائلته كلها‏,‏ ان الاب لايراقب أبناءه في مدراسهم او في جامعاتهم لأنه اذا كان داخل مصر او خارجها فهو يسعي علي رزقهم ولا يوجد لديه الوقت للمراقبة او حتي للاستماع إلا بضع ساعات في نهاية الاسبوع ليتحدث كل ابن عن حياته ومغامراته‏,‏ فالرقيب هنا هو الضمير والتربية والاخلاق التي رباها لأبنائه‏,‏ اما الاب الغائب بالجسد فقط فيكون حريصا كل الحرص علي المواصلة مع الابناء يوميا لوجود الوقت الكافي لذلك مع تطور وسائل الاتصالات‏.‏

أما الآن عندما اقتنع زوحي بضرورة العودة مرة أخري الي العمل في السعودية‏,‏ فلم يعد هذا ممكنا وإن كنا قد تعرضنا إلي ضياع الاموال والاصابة بالامراض فكل هذا يستطيع الله بعزته وجلاله ان يعوضنا عنه خيرا ويعيده الينا مرة أخري‏,‏ ولكن الاهم من ذلك كله هو مستقبل ابني الذي لايستطيع أن نعوضه ابدا وانا من خلال بابكم الموقر أتوجه إلي معالي وزير التعليم العالي د‏.‏هاني هلال بصفته أبا اولا ولايرضي لاحد ابنائه الطلبة المتفوقين بالفشل‏,‏ وان ينظر لابني بروح القانون وبعين الاب وان يسمح له بفرصة اخيرة في الكلية التي كانت حلم حياته‏,‏ ولكن في محافظته حتي لو بنظام الساعات المعتمدة حتي يكون تحت رعايتنا‏,‏ وحتي لايضيع مستقبله فهو بذلك ينقذ طالبا من الفشل‏.‏

*‏ سيدتي‏..‏ تعالي نبدأ من حيث يمكننا الاتفاق قبل أن نصل الي مانختلف فيه‏.‏

نتفق أولا علي أنه إذا كانت هناك أسرة مستقرة في الخارج ولا تعاني من أي مشكلات‏,‏ والصلة قائمة بين الأب وزوجته والأبناء وعبر السفر والاتصال الدائم ولا يؤثر غياب الأب‏,‏ وليس له عمل أو فرصة عمل في مصر‏,‏ فلا ضير أن تسير هكذا الحياة حتي يتفق كل أطراف العائلة علي قرار العودة ولم الشمل‏.‏

ودعينا نتفق أيضا أن الأفضل للأسرة أن يلتئم شملها ويعيش الأبناء حياة طبيعية مع آبائهم خاصة في سني المراهقة الحرجة‏,‏ وخاصة أنهم قضوا سنوات طفولتهم وصباهم في بيئة مختلفة كل الاختلاف عن بيئتهم الأصلية التي عادوا إليها‏,‏ فإذا لم يجدوا مرجعا أو حاميا أو ناصحا فإنهم سيكونون في خطر أكبر في حالة غياب الأب وتحمل الأم وحدها المسئولية‏,‏ ومما لا يحتمل الشك أو الاختلاف أن كثيرا مما تشاهدينه في المسلسلات من أعمال درامية يكشف تأثير غياب الأب هو صورة لما يحدث في الواقع‏,‏ وبريدي مليء بحكايات أتردد كثيرا في نشرها حتي لا أثير الفزع والخوف في نفوس الآباء الغائبين‏,‏ المضطرين في أحوال عديدة الي الاستمرار بحثا عن توفير حياه كريمة لأبنائهم‏,‏ بعد أن ضنت بها عليهم أوطانهم‏,‏ وواقعية هذه القصص لا يعني أبدا عدم وجود استثناءات لأسر نجحت في إنجاح هذه المعادلة والعبور بأبنائهم الي بر الأمان‏.‏

ودعينا سيدتي أخيرا نتفق علي أننا في مصر نعاني من عدم وجود نظام يساعد أبناء مصر العائدين من الخارج علي اختيار الاستثمار المناسب وتوفير بيئة النجاح له‏,‏ وإن حدث ذلك فيكون في نطاق ضيق ويحتاج الي اتصالات وعلاقات‏.‏

فإذا انتهينا من هذا دعينا سيدتي نذهب لما قد نختلف فيه‏,‏ وهو مدي مسئوليتكم عما وصلتم إليه‏,‏ فغيابكم الطويل عن مصر جعل معرفتكم بها وبدهاليزها وبأسرار الحياة فيها محدودا‏,‏ فتوالت أخطاؤكم‏,‏ فما بالكم بأبنائكم الصغار ؟‏.‏

أخطأ الزوج في اختيار المشروع وابتعد بمبرر غير مفهوم عن تخصصه‏,‏ ولا أعرف ماهذا التخصص الذي يمكن أن يكون حلالا في بلد وحراما في بلد مثل مصر‏,‏ وإذا لم يذهب الزوج الي تخصصه فلماذا لم يذهب لمشاركة متخصص في مجال آخر ؟ ولماذا ياسيدتي سارعت بالتقديم لابنك في كلية بمحافظة أخري بدون أن تسألي أو تبحثي إمكانية دراسته بمحافظتك بنظام التعليم المتطور الذي لم تكتشفه الا بعد رسوبه عامين متتاليين ؟‏..‏ أليس واردا أن ابنك غير مؤهل لهذه الكلية ؟ وكيف ترين وجوده في محافظة أخري داخل مصر غربة حقيقية‏,‏ في حين لم تري في وجود الابن بعيدا عن والده بمسافة بحار وأميال ليس غربة ؟‏..‏ سيناريوهات الفشل متعددة كما هي سيناريوهات النجاح وانت تختارين السيناريو الذي يريحك بعد إعلان نهاية المشهد وليست القصة‏.‏

سيدتي‏..‏ أقدر مشاعرك وأحترمها‏,‏ وعرضت رسالتك علي أمل أن يكون هناك رأي أو حل لمشكلة ابنك في وزارة التعليم العالي‏,‏ وإن كنت أري أن الحل هو مواجهتك انت وزوجك للمشكلة‏,‏ فهي ليست في المسلسلات ولا كتابها ولكن جزء كبير منها في تعاملكما مع الواقع في مصر‏,‏ وعلاقتكما بابنك ومتابعتكما له‏,‏ فأغلب أبناء مصر يدرسون في محافظات مختلفة ويحققون نجاحات كبيرة‏.‏ فلا تبحثي عن مبررات قد تغيب عنك الحقيقة ولا تساعدك علي إنقاذ مستقبل ابنك الذي قد يكون في كلية أخري ومستقبل أبنائك الآخرين الذين يسيرون علي نفس الدرب‏.‏ أعانكم الله وإلي لقاء بإذنه تعالي‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق