السبت، ٤ أغسطس ٢٠١٢

امرأة أخري سواها

30-12-2005
‏{‏ سـيدي‏..‏ أنا رجل لامست عامي الخمسين منذ أيام قليلة‏..‏ أعمل في وظيفة مرموقة‏,‏ يلجأ إلي الكثيرون لمساعدتهم أو حل مشكلاتهم‏,‏ ولم أتخيل يوما أن أمسك بقلم لأكتب وأستشير أحدا‏..‏ ولولا اندفاعي إلي الكتابة عندما تحسست بكامل وعي ما أنا فيه من أزمة‏,‏ وإسراعي بإرسال تلك الرسالة‏,‏ لمزقتها‏,‏ ومارست غروري المعتاد بأني قادر علي تجاوز أي أزمة‏.‏

لم أكتب لك بحثا عن حل‏,‏ ولكني ــ بالدرجة الأولي ــ أردت إخراج الصراع الذي يدور بداخلي علي الورق‏,‏ لعله يريحني من عذابي‏..‏ فلأول مرة أواجه ذاتي بهذه الحدة‏,‏ وأكتشف سر مأساتي‏,‏ وربما يكون في اعترافي بخطاياي اعتذار كاف لتلك المرأة النبيلة‏,‏ التي لم تشك يوما أني بهذا السوء‏.‏

أنا متزوج للمرة الثانية منذ‏4‏ سنوات‏..‏ بعد رحيل أم أولادي‏,‏ التي تركت لي ولدين يعيشان معي في شقة أمهما‏,‏ بينما أذهب إلي زوجتي الجديدة في شقتها مرتين أسبوعيا‏.‏

زوجتي‏,‏ كانت مطلقة ولديها ابنة من زواجها السابق‏..‏ جميلة‏,‏ مثقفة‏,‏ عندما التقيتها‏,‏ انبهرت بشخصيتي‏,‏ بوعيي‏,‏ بمساحات السماح والعفو‏,‏ التي أتحدث عنها دائما‏..‏ عرفتها وتمنيت أن أقيم معها علاقة دون أي ارتباط شرعي‏,‏ ولكنها رفضت بشدة‏,‏ وكادت تنهي العلاقة‏,‏ ولكني سارعت بالاعتذار‏,‏ وألقيت عليها بكل شباكي حتي استعدت ثقتها بي مرة أخري‏.‏ تلك الثقة التي دفعتها للاعتراف لي بأنها أحبت شخصا بعد طلاقها حبا كبيرا‏,‏

ولكن الظروف حالت دون زواجهما‏..‏ هذا الاعتراف دفعني لإظهار عدم غضبي منها‏,‏ وقلت لها إنني ليس لي أي علاقة بماضيها‏,‏ وإنها مسئولة أمامي منذ لحظة تعارفنا‏..‏ لم أكن صادقا فيما قلت‏,‏ كنت أحاول استدراجها لأعرف حدود تلك العلاقة‏,‏ ولكني لم أصل معها إلي شئ‏,‏ فتجاوزت الحكاية التي سرقت فرحتي بجمالها‏,‏ وتزوجنا‏.‏ ومنذ اليوم الأول لزواجنا‏,‏ وأنا أبحث عن هذا الرجل في مشاعر وعقل زوجتي‏..‏ هل كان وسيما‏,‏ حنونا‏,‏ يحبك بشدة‏,‏ أحببته أكثر مني‏..‏ لماذا لم تتزوجا؟ هل حاول الاتصال بك بعد الانفصال؟‏..‏ هل تتذكرينه وأنت معي؟‏..‏ أسئلة كنت أوجهها إليها كل يوم‏,‏ وإجاباتها كانت مثل الخنجر في صدري‏:‏ نعم أحببته بصدق‏,‏ كان رجلا محترما‏,‏ اتصل بي علي فترات متباعدة ليطمئن علي‏..‏ وهكذا تأتي كلماتها‏,‏ وكم تمنيت أن تكذب‏,‏ أن تقول لي إنها لم تحبه وإنه سيئ‏,‏ مخادع‏..‏ غضبت منها وعليها‏,‏ هجرت البيت كثيرا‏,‏ امتنعت كثيرا عن الاتصال بها‏,‏ ثم أعود مرة أخري‏..‏ إذا طلبت مني الذهاب إلي مكان أسألها هل ذهبت إليه معه‏..‏ وإذا نظر إليها رجل في الطريق‏,‏ أباغتها هل هو هذا الرجل؟

المسألة لم تكن شكا ياسيدي كما سيتبادر إلي ذهنك‏,‏ ولكني كنت أستمتع بإهانة تلك المرأة‏,‏ أقارن بينها وبين زوجتي الراحلة‏,‏ زوجتي التي لم تعرف رجلا قبلي‏,‏ ترفض أن تشاهد قبلة في التليفزيون وتري أن هذا خدش للحياء‏,‏ زوجتي التي لم يعل صوتها يوما في مواجهتي‏,‏ والتي كانت تصلي لتشكر الله علي نعمته عليها بزواجي منها‏,‏ ولم أكن نعمة ولم أكن أستحق الشكر‏!!‏

لقد عاشت زوجتي ورحلت ولم تعرف اني كنت خائنا لها‏..‏ نعم لقد خنتها مع أخريات‏,‏ مرات ومرات‏,‏ حتي عندما أصابها مرض خطير‏,‏ أقعدها شهورا حتي رحلت‏,‏ لم أتوقف‏,‏ لم أتردد في سقوطي‏,‏ كانت تبكي لأنها عاجزة عن خدمتي وإسعادي‏,‏ وكنت أبرر مبيتي عند أخري بانه عمل‏,‏ فتدعو لي الله بالستر والعافية‏.‏

حاولت أن أفهم لماذا أخون مثل تلك المرأة‏,‏ وكانت جميلة ومثالية‏,‏ ولكني خدعتها منذ بداية زواجنا‏,‏ كنت أري نفسي كثيرا علي امرأة واحدة‏,‏ فلم أشعر يوما بالندم علي ما أفعل‏..‏ وأقنع نفسي بأنها لم تشعر لأني أغدق عليها بالسعادة‏,‏ وأني لا أستطيع إسعادها إلاإذا أرضيت نفسي‏,..‏ رحلت عن الدنيا وفي عينيها نظرات الرضا والامتنان‏,‏ وليس في قلبي أي إحساس بالندم أو الخطيئة‏..‏

لم يتجسد لدي هذا الإحساس‏,‏ إلا مع زوجتي الحالية‏,‏ ربما لأنها واثقة من نفسها‏,‏ ناجحة في عملها؟‏..‏ ربما لأنها متحررة تعترف لي بأنها أحبت رجلا ولم تتزوجه‏..‏ لقد طلقتها مرتين‏,‏ وفي كل مرة أعود وأنا أعاهدها بأن أتغير وأتوقف عن السؤال عن هذا الرجل‏,‏ والحديث الرائع عن زوجتي الراحلة‏..‏ ولكني أتراجع وأواصل نفس أسلوبي‏,‏ حتي قررت أن أبتعد عنها بالشهور‏,‏ ليس بيننا إلا التليفون‏..‏

أكاد أضع يدي علي موطن الداء‏,‏ ولكني أهرب مسرعا‏,‏ بحثا عن امرأة أخري تثبت لي أنه لايوجد بين النساء امرأة فاضلة سوي زوجتي الراحلة‏.‏

أفكر الآن في تطليق زوجتي‏..‏ أفكر في أن أتركها هكذا‏..‏ أفكر حتي تمنيت أن أتوقف للأبد عن التفكير‏!‏

‏{‏ سـيدي‏..‏ فلتسمح لي بأن أستعير بعض قسوتك ــ المدعاة ــ علي نفسك‏,‏ حتي تصل إلي مواجهة حقيقية مع ذاتك‏,‏ فحتي وأنت تكتب تريد أن تخرج من الحكاية وأنت راضي الضمير لتواصل سعيك نحو الخطيئة‏,‏ فأنت لاتريد ولاتسعي لإرضاء أي شخص في الحياة سواك‏,‏ الأزمة ليست في أنانيتك فقط‏,‏ وإنما في تجسيد كل عيوب الرجل الشرقي في شخصك‏,‏ واغفر لي مرة أخري عنف كلماتي‏.‏

أنت ياسيدي طوال الوقت تبحث عن صورة والدتك في زوجتك‏..‏ تحمل شخصين في جوفك‏..‏ واحدا يحمل كل الصور التقليدية عن المرأة‏,‏ والثاني يدعي التحضر والتسامح والوعي‏..‏ وفشلت في أن تجمعهما في شخص واحد‏,‏ تخرج أحدهما عندما تريد‏,‏ تزوجت الفاضلة التي تشبه والدتك‏,‏ وأسرعت بالشخص الآخر المدعي‏,‏ غير الحقيقي لتصطاد النساء‏,‏ بزعم أنك كثير علي امرأة واحدة ــ وهذه حالة مرضية معروفة عند الأطباء النفسيين ــ ثم تعود في المساء إلي المرأة المستكينة التي تنتظرك في البيت لتصالحك علي نفسك دون أي مجهود منك‏,‏ وتدعو لك بالستر والعافية‏,‏ لتواصل زحفك في الصباح‏.‏

رحلت زوجتك‏,‏ وأنت لاتشعر بأي ندم‏,‏ لم تتذكر يوما أن سبحانه وتعالي قال في كتابه الحكيم إن الله لايحب الخائنين‏..‏ فأنت مستمتع بذاتك‏,‏ مواصل زحفك نحو حصد أكبر عدد من النساء‏.‏

وعندما أردت أن تواصل زحفك‏,‏ واعترضتك امرأة فاضلة‏,‏ تزوجتها‏,‏ بعقلية الشخص مدعي التحضر‏,‏ وحين أصبحت ملك يمينك قررت أن تدينها وتحاكمها وتقارنها بزوجتك الراحلة‏,‏ فأنت الخائن تسعي إلي خنق الآخرين‏,‏ بدلا من أن تزيح الحبل من حول رقبتك‏.‏

تحاول ياسيدي أن توهم نفسك قبل أن توهمني‏,‏ بأنك تفعل ذلك تكفيرا عما ارتكبته في حق زوجتك الراحلة‏,‏ ولكن الحقيقة هي انك تحاول إرضاء الذئب في داخلك علي الرغم من أن الراعي الذي يفتخر بالذئب لايحب الخراف‏,‏ وأنت لم تحب إلا ذئبك الشارد‏.‏

سيدي‏..‏ إذا اعترفت بالحقيقة‏,‏ فستنجو من الغرق أنت ومن معك‏,‏ فلا تلق بنفسك في الماء قبل أن تغرق السفينة‏..‏ دعك من غرورك الذكوري‏,‏ وإذا كان الله لايحب الخائنين‏,‏ فهو القائل أيضا‏:‏ وقل رب اغفر وارحم‏,‏ وأنت خير الراحمين‏.‏

ابدأ بنفسك‏,‏ واحفظ زوجتك التي لم ترتكب جرما لأنها أحبت يوما ولم تخف عنك‏,‏ توقف عن تدميرها‏,‏ اقبل جمالها ونجاحها‏,‏ اقبل امرأة أخري سوي زوجتك الراحلة‏,‏ واغرس السعادة كي تجنيها‏,‏ فالسعادة بين يديك ولكنك تفتش عن الشقاء‏..‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏
المزيد ....

يــد اللــــــــــــه

23-12-2005
*‏ سيدي‏..‏ أنا شاب عمري‏32‏ عاما‏,‏ أعمل بفرع شركة أجنبية في مصر‏..‏ دخلي والحمد لله كبير‏,‏ وأنتمي إلي أسرة طيبة ومعروفة‏..‏ نشأت في أجواء دينية‏,‏ لذا لم أنجرف يوما مثل زملائي نحو المغامرة أو الخطأ‏,‏ فكنت أراعي الله في كل تصرفاتي‏,‏ إن لم أكن أراه فهو يراني‏..‏ أخذتني دراستي وحياتي العملية من الدخول في أي علاقة عاطفية‏,‏ فالفتاة التي أحبها هي التي سأتزوجها‏..‏ فاختزنت مشاعري لتلك المجهولة حتي أطلت علي‏!.‏
فاظفر بذات الدين تربت يداك
كان هذا هو منهجي في البحث عن شريكة حياتي‏..‏ لذلك لم أصدق نفسي حين التقيتها‏,‏ فتاة محترمة جميلة من أسرة ثرية طيبة‏,‏ وقبل وبعد كل ذلك علي خلق ودين‏..‏ تلاقت العيون والأحلام‏,‏ فسألت عنها واطمأن قلبي‏,‏ فلم أتردد لحظة‏..‏ اصطحبت والدي وذهبنا لزيارة أسرتها‏.‏

لقد أحسست يا سيدي بأن الله قد رضي عني‏,‏ لم أكن أحلم بكل هذه المزايا‏,‏ لقد فتح الله قلوبهم لي‏,‏ والدها يعرض علي شقة في عمارته‏,‏ فأشكره علي كرمه‏,‏ مؤكدا له أن كل طلباتهم مجابة بإذن الله‏,‏ أو مثل هذا النسب لا يستحق كل التكريم‏.‏

لن أطيل عليك‏,‏ تمت الخطبة بأسرع ما يمكن‏..‏ عام كامل من السعادة يؤكد لي حسن اختياري‏,‏ كل ما ظننته وجدته‏..‏ أصبح لي والدان وأمان وحبيبة‏..‏ أعددنا شقة الزوجية ونحن نرسم أيامنا في كل ركن بها‏,‏ وكنا نحطم الزمن حتي نعجل بالزفاف‏.‏

حجزنا يا سيدي في أحد فنادق مدينتي‏,‏ ولم يبق علي السعادة إلا أسبوع واحد‏..‏ وبيما أنا غارق في سعادتي استيقظت علي الكابوس الذي حطم روحي وسرق ثقتي في نفسي وفي كل ما آمنت به‏.‏

كنت عائدا من عملي لموعد مع خطيبتي‏,‏ وكان اتفاقنا أن أحادثها هاتفيا‏,‏ ولكني اكتشفت أن هاتفي المحمول مغلق بعد أن نفد شحنه‏.‏

بجوار كابينة تليفون في الطريق‏,‏ ركنت سيارتي‏,‏ وفي يدي كارت للاتصال‏..‏ آلو يا حبيبتي‏,‏ هكذا قلت‏,‏ ففوجئت بصوت خطيبتي يسأل‏:‏ من يتحدث‏..‏ ضحكت داخل نفسي‏,‏ لم تتعرف علي صوتي واصلت اللعبة أنا‏...‏ وقلت لها أول اسم طرأ علي ذاكرتي‏,‏ ففوجئت بها تصرخ في الهاتف‏:‏معقولة انت جئت من السفر امتي‏..‏ هنا بدأت أتوقف وقلبي يرتجف وأحسست بأني مقدم علي شيء مخيف‏..‏ حرصت علي تغيير نبرة صوتي حتي لا تكتشفني‏..‏ تعتقد ماذا اكتشفت يا سيدي؟

خطيبتي‏,‏ حبيبتي‏,‏ كانت علي علاقة مع شاب يحمل هذا الاسم‏,‏ تركها غاضبا وسافر إلي الخارج‏,‏ في المكالمة أخبرتني أنا ـ ويالسخرية القدر ـ أنها لم ترتبط حتي الآن لأنها لم تنسه يوما‏..‏ وليت الأمر وقف عند قصة حب سابقة أو كامنة‏,‏ لا‏,‏ خطيبتي وحبيبتي كانت علي علاقة كاملة مع هذا الشاب‏,‏ قالت لي بكل الحب في الهاتف معتقدة أني حبيبها القديم‏:‏ هل تذكركم مرة التقينا في شقتك؟ وبالطبع تعللت بالنسيان‏,‏ فأجابتني‏,‏ سبع مرات أتذكرها كل يوم‏,‏ وأتذكر لمساتك وهمساتك و‏..‏

لم ينته الموقف بعد يا سيدي‏,‏ كدت أفقد وعي وسيطرتي علي نفسي‏,‏ قلت لها بصوت حزين‏:‏ لقد خدعتني‏.‏

خمن معي يا سيدي ماذا كان ردها وهي مازالت معتقدة أني حبيبها القديم‏.‏
قالت بكل ثقة‏:‏ لماذا؟ لقد اعترفت لك بعلاقتي السابقة وقلت لك انه خدعني باسم الحب وسلمت له نفسي بعد اتفاقنا علي الزواج ولكنه كان نذلا‏..‏ حكيت لك التفاصيل أكثر من مرة‏.‏

إلي هنا لم يعد في مقدرتي أن أواصل‏..‏ أنهيت المكالمة‏,‏ وأنا غير مصدق لما حدث‏..‏ هل أنا ساذج إلي هذا الحد؟‏..‏ لماذا قبلت خطبتي وهي تحب آخر؟‏..‏ هل تصدق أنها لم تسمح لي حتي الآن بتقبيلها؟ كل هذا تمثيل؟‏..‏ كل الناس مخدوعة فيها؟‏!‏ كل الناس لاتفهم؟‏!.‏

عجزت عن التفكير‏,‏ وهمت علي وجهي لا أعرف ماذا أفعل وإلي أين أسير؟‏..‏ لن أحكي لك كيف فكرت‏,‏ ولكني اتخذت قراري‏,‏ لم أخبر أحدا من أهلي بماحدث هربا من كلمات الشفقة أو المواساة‏,‏ ولم أخبرها‏,‏ وأشفقت علي أهلها الطيبين من معرفة حقيقة ابنتهم‏,‏ تحملت اتهامي بالخسة والنذالة‏,‏ وأبلغت الجميع دون إبداء الأسباب قراري بعدم إتمام الزواج‏.‏

لم يهمني كثيرا ما دار ويدور حولي وحول سر قراري‏,‏ ولكن الذي همني ويهمني ولا أجد له إجابة‏:‏ لماذا فعل الله بي ذلك؟ اتبعت ما أمر به‏,‏ ورضحت لحديث رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم‏,‏ وبحثت عن ذات الدين‏,‏ وكانت هذه هي النتيجة‏..‏ هل تعتقد يا سيدي أنني يمكنني الثقة في فتاة أخري‏,‏ وأنني سأفكر في الزواج مرة أخري؟‏..‏ لا أعتقد‏.‏

*‏ سيدي‏..‏ لن أقول إنك تسرعت في الحكم علي هذه الفتاة‏,‏ وكان عليك التأكد من حسن أخلاقها‏..‏ ولن أقول لك‏:‏ ليس كل ما يلمع ذهبا‏,‏ ولن أطالبك بتذكر قول الشاعر لأؤكد لك أن الحب وحده أحيانا لا يكون كافيا‏:‏
وما شرف الإنسان إلا بنفسه
أكان ذووه سادة أم مواليا‏.‏
لن استبعد أبدا أن سلوك هذه الفتاة المعلن قد يضللك ويضلل غيرك‏,‏ فما أكثر الرجال أصحاب الصولات والجولات في عالم النساء الذين وقعوا في نوائب اختياراتهم‏,‏ فالزواج مثل ورقة اليانصيب مكلفة وغير مضمونة‏.‏

سأقول لك يا سيدي إن حكمة ما أنت فيه ماثلة أمام عينيك وأنت عاجز عن رؤيتها‏,‏ ولو أبصرت قليلا لنمت قرير العين ومارست حياتك بكل سعادة ورضا‏,‏ وما اهتزت ثقتك في عدل الله ورحمته بعباده الصالحين‏,‏ فافتح يا عزيزي باب حياتك للداخل ولا تدفعه مغلقا في الاتجاه الخطأ‏.‏

لقد راعيت الله في اختيارك‏,‏ حفظت نفسك وتجنبت المعاصي واخترت ذات المال والحسب والجمال وتمنيت أن تترب يداك بالظفر بذات الدين‏..‏ ولأنها ليست كذلك‏,‏ ولأن الله لا يخذل عبده الطائع‏,‏ ربت عليك بيده الرحيمة‏,‏ أنقذك وأنت مقدم علي ابتلاع الخديعة‏,‏ فجعل الأشياء التي قد نراها مجرد مصادفة ـ تنصاع لأمرك‏,‏ ينتهي شحن هاتفك‏,‏ وتتحدث من هاتف في الشارع‏,‏ ويصم سبحانه وتعالي أذن تلك الفتاة‏,‏ فلا تتعرف علي صوتك‏,‏ وتختار أنت اسما‏,‏ يكون هو المراد‏,‏ فتتدفق اعترافاتها علي مسامعك‏..‏ يا الله ماذا تريد يا رجل بعد كل هذه الإشارات؟‏!‏

عاهدت الله علي الطاعة‏,‏ فسترك‏,‏ وأطل عليك بنوره الكريم لينير بصيرتك‏,‏ لينقذك مما لا يليق بك‏..‏ ألا يستحق كل هذا أن تخر ساجدا شاكرا‏,‏ مستغفرا لكل أسئلتك الغاضبة المستنكرة؟‏.‏

إن إشارات الله إليك هي التي جعلتك ـ وأنت المطعون في شرفك وكبريائك ـ تتصرف بشهامة تتناسب مع حسن خلقك‏..‏ وهي نفس الإشارات التي تفرض عليك بكل ثقة أن تبحث عن زوجة صالحة من جديد‏,‏ تبحث عن نفس الاشتراطات التي قالها الله في كتابه الحكيم وعلي لسان نبيه الكريم محمد صلي الله عليه وسلم‏,‏ وفي كل الكتب السماوية‏,‏ كما فعلت في المرة الأولي‏,‏ وأنت مطمئن القلب‏,‏ مادمت حريصا علي أن تظفر بذات الدين‏..‏ وإلي لقاء بإذن الله
المزيد ....

عـــائد إلي الحـــياة

16-12-2005
من يكتب إليك ياسيدي الآن رجل علي أعتاب الأربعين‏,‏ قضيت نصف عمري خلف الأسوار لجريمة ارتكبتها في لحظة ضعف تحت تأثير تعاطي المخدرات‏..‏ وقضيت النصف الثاني أشحن نفسي بالأمل‏,‏ أعرف أني أخطأت وأجرمت في حق نفسي والآخرين‏,‏ أعرف وأبيت كل ليلة باكيا داعيا الله أن يقبل توبتي ويعينني علي الصبر والثبات‏.‏

لعلك تتساءل‏..‏ وما الذي دفعك إلي الكتابة إلي بريد الجمعة بعد‏20‏ عاما‏,‏ فأقول لك‏,‏ إني كنت متابعا لكل ما ينشره مبتدع البريد الانساني المرحوم عبدالوهاب مطاوع وظننت أنه توقف بعد رحيله ثم بالمصادفة وقعت عيني علي عدد رأيت فيه رسائل مملوءة بالهموم وردودا مملوءة بالأمل‏..‏ فصممت علي أن أبوح لك بقصتي‏:‏

لقد دخلت السجن عام‏1984‏ وكان عمري يومئذ‏19‏ عاما‏..‏ كنت منساقا لأصدقاء السوء‏.‏ في غيبوبة الشباب والطيش وعدم حساب لأي شئ ارتكبنا جريمتنا ونالت منا عدالة القضاء وربما لأني لم أستطع توكيل محام مشهور وذي خبرة حكم علي بالأشغال الشاقة المؤبدة بينما حكم علي زملائي‏,‏ الذين استطاعوا الدفاع عن أنفسهم بواسطة مجموعة محامين أقوياء بمدد تتراوح بين خمس وسبع سنوات فقط‏.‏

لست متذمرا ـ أقسم لك ـ بل وراض بقضاء الله وحكمه‏,‏ ولعله يكون مكفرا عما اقترفته يداي‏..‏ ومع ذلك فقد عانيت ساعة الحكم وظللت في شبه غيبوبة لعدة سنوات‏..‏ أشعر بالضياع في عالم ضيق أتيته طوعا من عالم فسيح لم أعرف قيمته إلا بعد أن فقدته‏..‏ بعد هذه السنوات التي ترنحت فيها هداني الله إلي التفكير السليم لقضاء الوقت فيما يحب‏..‏ لاح لي الأمل من خلال استكمال الدراسة وتحصيل العلم‏.‏

كرست وقتي وجهدي للدراسة والعبادة حتي حصلت أولا علي دبلوم صنايع قسم كهرباء من المدرسة الصناعية الملحقة بسجن القناطر عام‏1994‏ بمجموع‏83%.‏

وكم كانت فرحتي بنجاحي هذه المرة واعتبرتها بشارة من الله بإكمال الطريق السوي‏..‏ قمت عندئذ بتغيير مسار دراستي وحصلت علي الثانوية العامة ـ أدبي من لجنة ليمان طرة منازل عام‏1998‏ بمجموع‏87%‏ وشجعتني إدارة السجن أيما تشجيع فانتسبت إلي كلية الآداب جامعة الزقازيق وحصلت علي ليسانس الأداب قسم التاريخ عام‏2003‏ بتقدير عام جيد‏,‏ ثم انتسبت للمعهد الآسيوي للدراسات العليا بالزقازيق للحصول علي دبلومة الماجستير وحاليا أعد نفسي لنيلها‏.‏

لن أصف لك مدي فرحتي لأني انتصرت علي الظلمة بداخلي والسجن المحيط بي‏..‏ ولن أصف لك شعوري وأنا أتخيل اليوم الذي يأتي لأعانق فيه الحرية خارج أسوار السجن وأبدأ من جديد وعمري‏40‏ عاما رجلا ناضجا قد كفر عما ارتكبه‏,‏ وأعطاه المجتمع فرصة أخري لإثبات كونه رجلا صالحا‏.‏

لقد قضيت ياسيدي‏21‏ عاما في السجن وكلي أمل في الإفراج الشرطي عني كأحد المستحقين له بعد قضاء أكثر من‏20‏ عاما طبقا للمادة‏52‏ من قانون السجون‏,‏ لكن الأمر لله من قبل ومن بعد‏,‏ لعل للجان الأمنية التي تمر علي السجون مرة كل شهر لتفعيل الإفراج الشرطي رأيا آخر‏..‏ ولا ألوم في النهاية إلا نفسي‏.‏

لقد تم عرضي علي إحدي هذه اللجان بسجن قنا بتاريخ‏22‏ أغسطس السابق وأبدت إعجابها بالشهادات التي نلتها ومع ذلك لا أعرف السبب في رفض الإفراج عني‏..‏ لقد تظلمت ورفع ملفي للعرض علي لجنة أمنية عليا بالأمن العام بالقاهرة ولكنها للأسف أيدت رفض اللجنة الأولي مع عبارة يتم عرضه مرة أخري بعد عام من تاريخه‏.‏

إن الله سبحانه وتعالي يقول وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون وأنا أعترف بأنني أنا من ظلمت نفسي وعلي الرضاء بحكم الله في لكن هذا لا يمنع أن أطمح في مناشدة السيد اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية الرجل الانسان كي يمنحني الإفراج الشرطي بعد مضي كل هذه السنوات بالسجن فأعود للحياة من جديد لأكمل دراساتي وأعمل عملا شريفا أرد للمجتمع به دينه في عنقي حين أخطأت قبل‏20‏ عاما‏..‏
النزيل محمد أشرف حمدي طه العطار

سجن قنا العمومي

ســـــيدي‏..‏ نشرت رسالتك ليس من أجل مناشدة وزير الداخلية فقط‏,‏ وهذا من حقك‏,‏ ولكن لأني رأيت فيها دروسا عديدة‏...‏ فكثيرون ممن يتعاطون المخدرات من شبابنا لايرون ما قد يؤول إليهم مستقبلهم‏,‏ تغريهم المتع المؤقتة‏,‏ ويتشبثون بسعادة زائلة‏,‏ ثم ينجرفون دون وعي‏,‏ وتحت تأثير المخدر‏,‏ بخطي مسرعة نحو الجريمة‏,‏ ليقضوا أجمل سنوات عمرهم خلف القضبان‏..‏ وعلي الرغم من إحساسك بأنك لم تحصل علي دفاع كاف مثل زملائك‏,‏ وقضي عليك بالسجن المؤبد في جريمة لم تذكرها‏,‏ إلا أنك ندمت علي جريمتك ولم تقف عاجزا مثل كثيرين يتمتعون بحريتهم ولا يستطيعون النجاح‏,‏ أو تحدي الصعاب التي تواجههم فيلعنون الظروف التي لاتمنحهم ما يستحقون‏.‏
وها أنا يا سيدي أضع رسالتك بين يدي السيد حبيب العادلي وزير الداخلية‏,‏ الذي لايبخل بإدخال السعادة علي قلب أسرة بالسماح لسجينها بزيارتها للإطمئنان علي أم مريضة أو المشاركة في وداع أب راحل‏,‏ ولا أعتقد أنه سيضن عليك بقرار الإفراج إذا لم يكن مخالفا للقانون‏,‏ ليمنحك فرصة جديدة للتصالح مع الحياة‏,‏ ساعيا للتكفير عن جريمتك‏,‏ بالبحث عن عمل يلائم مادرست‏,‏ مواصلا بإذن الله دراستك‏,‏ حتي تكون قدوة لمن يعيشون خلف الأسوار‏,‏ التي دخلوا إليها بجرائمهم‏,‏ أولأولئك سجنوا أنفسهم في زنازين العجز وهم لايعرفون ولا يقدرون قيمة الحرية التي ينعمون بها‏.‏
المزيد ....

آمــــــال صـــــــــالح

09-12-2005
أرسل إليك ياسيدي هذه الرسالة كنداء استغاثة لعل صوتي يصل إلي السيدة الفاضلة سوزان مبارك عن طريق بريدكم أو أجد من بين قرائك من يعرف السبيل لحل هذه المشكلة‏.‏

أعرفك ياسيدي بنفسي أولا‏,‏ فأنا سيدة أبلغ من العمر واحدا وثلاثين عاما‏,‏ ولن أقول إنني نشأت في أسرة كما تسمع دائما‏,‏ فقد نشأت في ملجأ للأيتام‏,‏ ومن اليوم الذي ذهبت فيه إلي الملجأ إلي أن أتممت عامي الحادي عشر‏,‏ وأنا لم أشعر يوما بحنان الأم الذي كثيرا ما سمعت عنه‏,‏

وكان هذا حالي أنا وأخوتي في نفس المكان الذي جمعتنا فيه نفس ظروف اليتم‏,‏ ولا أخفيك علما عما لاقيناه أنا وأخوتي من المهانة والقهر والإذلال علي يد كل من كانت تحضر إلينا مع المشرفة الاجتماعية للملجأ‏,‏ لتخبرنا المشرفة أن هذه السيدة هي أمنا الجديدة‏,‏

وعددهن بلا حسد إثنتان وعشرون علي مدي ثماني سنوات‏,‏ لاتلبث الواحدة منهن أن تمكث عدة أشهر‏,‏ ومنهن من تمكث السنة أو السنتين حتي تأتي المشرفة بأخري لتخبرنا نفس القصة بأن هذه السيدة هي أمنا الجديدة حتي بات الأمر بالنسبة لنا أمرا مملا من كثرة ما تكرر أمامنا ولم يعد لدينا نحن الأطفال الصغار سوي الخضوع لكل من تأتي علي مسمعي أنها أمنا لنلقي منها نصيبنا من العذاب‏.‏

ولعلك تسأل عن سبب تركهن لنا الواحدة تلو الأخري‏,‏ وقد تعددت الأسباب فمنهن من تركتنا لتتزوج‏,‏ ومنهن من طردت لسوء معاملتها لنا‏,‏ ومنهن من وجدت وظيفة أكثر ملاءمة لظروفها‏,‏ ولم تفكر إحداهن في مصير هؤلاء الأطفال ولم يعد لدينا أي شعور بالانتماء تجاه أي شخص أو أي شئ وتولد لدينا حقد علي المجتمع الذي نعيش فيه والذي لم يتركنا نتجرع مرارة اليتم مرة واحدة بل أصر علي أن يذيقها لنا عدة مرات فقد سبق أن أخبرتك أن كل هذا حدث معي إلي أن أتممت عامي الحادي عشر وجاءت المشرفة‏,‏

ومعها سيدة اعتقدنا لأول وهلة أنها من سيدات الخير حضرت لتتبرع لنا ببعض الألعاب أو الملابس‏,‏ كما كان يحدث وقتها‏,‏ ولكننا فوجئنا بالمشرفة تخبرنا نفس المقولة التي سئمنا منها وهي أن هذه السيدة هي أمنا الجديدة‏,‏ وقابلنا هذه السيدة بفتور لأن الأمر لم يكن جديدا بالنسبة لنا وفي الأيام الأولي التي مرت بنا معها بدأ شئ جديد في حياتنا‏,‏ في البداية اعتقدنا أنها تريد أن تجذبنا إليها ومع استمرار الوضع الجديد بدأنا نشعر أن هناك خيطا من حرير يربطنا بهذه السيدة وبدأنا نشعر لأول مرة بالحنان الذي طالما افتقدناه فيمن حولنا‏,‏ واتفقنا أنا وإخوتي أن نناديها بكلمة ماما والتي حرمنا منها زمنا طويلا‏,‏ وبدأت في حياتنا مرحلة جديدة يسودها الحب والرعاية والحنان

وكانت أما بحق نعم الأم بحنانها‏,‏ ونعم الصديقة ونعم الابنة‏,‏ وقد تتعجب لذلك فأمي كانت أمنا بالفعل حين نحتاج لصدرها وحنانها في لحظات الحزن والشدة التي نمر بها‏,‏ وكانت صديقة حين كنا نلعب سويا أنا وهي وأخوتي وكانت أسعد لحظات حياتنا حين كانت تسقي الحديقة ونفاجأ بها ترشنا بالمياه ونجري منها وتجري خلفنا ولاينقطع صوت ضحكاتنا أبدا ونلعب ألعابا كثيرة متعددة‏,‏ وكانت نعم الإبنة حيث كنا نقوم بتمشيط شعرها ووضع الزينة لها وندللها كما تفعل معنا برغم سنوات عمرها التي كانت وقتها ستة وأربعين‏,‏ إلا أنها كانت تمنحنا من الحنان ماننسي معه تلك السنين التي تفرق بيننا‏

ومع ذلك كنا نحترمها جدا جدا ونخشاها جدا جدا جدا لأن من كان يخطئ فينا فإنه ينال نصيبه من العقاب الذي كان شديدا بعض الشئ‏,‏ فكانت تمثل الحكمة التي تقول الشدة بلاقسوة والحنان بلاضعف حتي بتنا ياسيدي أشخاصا أسوياء ليس بداخلنا حقد علي المجتمع أو علي أحد وباتت بداخلنا مساحة خضراء جعلتنا نسامح كل من أخطأ في حقنا من قبل لدرجة أننا لم نعد نحكي ماكنا نلاقيه في السابق بوجوم وغضب بل أصبح ذلك مدعاة لنوادرنا وأصبح الأمر مضحكا أكثر منه مبكيا‏,‏ لأننا كنا نحكي رد فعلنا نحن تجاه هذه المواقف‏.‏

ولقد تخرجنا نحن جميعا بشهادات مختلفة والحمد لله تزوجت أنا واخوتي البنات الست وتزوج ثلاثة من البنين وكل منا رزقه الله بالذرية التي ندعو الله أن يجعلها صالحة بإذنه‏,‏ وعندما أري أبنائي وأبناء أخوتي أجد أننا جميعا نتفق في أسلوب التربية‏,‏ حيث نتبع أسلوب أمي التي لولا جهودها معنا لما أصبحنا كما نحن الآن ومازالت أمي في نفس الملجأ تكمل رسالتها مع باقي أخوتي وعددهم تسعة بأعمار مختلفة من عمر سنة ونصف إلي عشرين عاما في مراحل تعليم مختلفة‏.‏ ومن هنا تبدأ المشكلة الحقيقية‏,‏ فلقد أصدرت إدارة الملجأ قرارا بإحالة أمي علي المعاش نظرا لبلوغها السن القانونية‏

ولقد حزنت أمي كثيرا لهذا القرار وأبدت رغبتها في أن تظل ترعي باقي أخوتي الصغار دون مقابل مادي فهي لاترغب سوي أن تكمل رسالتها معهم‏,‏ ولكن قوبل طلبها بالرفض‏,‏ والذي دفعني للكتابة إليكم هو أنني حين علمت بهذا القرار مر أمامي شريط من الذكريات وأري أن هناك مشهدا ومأساة تتكرر حين يخبرني أخوتي بأن هناك سيدة هي أمهم الجديدة الفرق بين هذا وذاك كبير‏,‏ أننا لم نكن نحزن بشدة لأننا لم نتعلق بأحد‏,‏ أما بالنسبة لأمي فهي لأخوتي الماء والهواء‏

فكيف تتخلي عنهم‏,‏ وكيف تتركهم ولا يفهم أطفال صغار معني القوانين؟ أو ماذا يفعلون بدونهما؟ إن أمي إلي الآن مازالت تجمعنا تحت جناحيها ولانجد غيرها لنلجأ إليه‏,‏ نحن نلتقي سويا كل أسبوع أنا وأخوتي وأمي‏,‏ وتجمعنا الأعياد والمواسم‏..‏ نحن نتفهم القوانين ولكن ألايوجد رحمة فوق القانون؟ وهل هذا مطلب صعب المنال أن تبقي أمي ترعي أخوتي دون مقابل؟ من يعقل هذا وأي صعوبة فيه‏.‏ إنني أحزن بشدة حين يذكر لي أخوتي كيف تبكي أمي طوال الليل بعد أن يأووا جميعا إلي أسرتهم‏,‏ وكيف ساءت حالتها النفسية لهذا القرار الظالم بعد كل ما قدمته أمي لنا ومازالت تقدمه

ولذلك أسعي هذا السعي الأخير لعلي بذلك أكون قد أديت جزءا ضئيلا جدا جدا مقارنة بما فعلته معي وأن أمنع دمعة واحدة تنساب علي خديها لأنها ستفارق أخوتي‏,‏ إنني أرجوكم باسم أخوتي جميعا أن ترحموا أمي وترحموا أخوتي من أن يتذوقوا مرارة اليتم مرة أخري‏,‏ وأوجه ندائي هذا لمن يصدرون القوانين دون الاعتبار لأشياء أخري فليس هذا جزاء من أفنت عمرها وصحتها لترعانا وتصلح من شأننا‏,‏ فكيف بعد أن ظلت علي مدي عشرين عاما منشغلة بأمورنا ومشاكلنا تجد نفسها وحيدة يحاصرها الصمت من كل جانب‏.‏

إن الوحدة قاتلة فكيف نقتل من ضحوا بسعادتهم وراحتهم في سبيل إسعادنا؟؟ وأخوتي أين سيجدون قلبا مثل قلب أمي مع العلم أن مسئوليتهم سوف تئول لفتاة لايتعدي عمرها الخامسة والعشرين ومازالت بانتظار قطار الزواج أي أن مأساة أخوتي ستتكرر مرة أخري‏.‏

إلي أصحاب القرار ومن يمكنه أن يصل إليهم أو يؤثر فيهم‏,‏ أوجه لكم ندائي هذا من أفواه أطفال أيتام سيفقدون أمهم بقرار إداري أن يرحموهم ويرحموا أمنا التي سيسلبون منها أبناءها لا لشئ سوي أنها بلغت سن المعاش‏.‏ أدعوا الله العلي القدير أن تجد رسالتي تلك صداها عند من بيدهم الأمر ولله الأمر من قبل ومن بعد‏.‏

س‏.‏ح‏.‏ع
إحدي بنات الأم الغالية
آمال صالح محمد الغول


قرية الأطفال‏(‏ إس‏.‏أو‏.‏إس‏)‏ ـ القاهرة ـ مدينة نصر

‏*‏ سيدتي‏..‏ لم أجد ما أكتبه عنوانا لرسالتك الصادقة‏,‏ سوي اسم هذه السيدة العظيمة آمال صالح‏,‏ هذا الاسم الذي يجب أن يكون عنوانا لكل ما هو جميل في حياتنا‏...‏ اعتدنا أن نقرأ أسماء بلا قيمة أو معني في عناوين الصحف‏,‏ وتجاهلنا من يغرس المحبة في القلوب‏,‏ ويحنو برفق ووعي علي أيتام وجدوا أنفسهم في الحياة اشقياء بلا ذنب اقترفوه‏,‏ هذه السيدة التي فهمت معني حديث رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم الخلق كلهم عيال الله‏,‏ وأحبهم اليه أنفعهم لعياله‏,‏ فهي حبيبة الي الله بما فعلته معك وأخواتك‏,‏ وأصرت علي مواصلة رحلتها في العطاء والحب‏..‏ هل مثل هذه السيدة يجب أن تحال الي المعاش؟‏..‏ إن القانون ليس أعمي دائما‏,‏ بل نجد قلبه خافقا في حالات لا تقوم بمثل دور هذه السيدة في بناء بنات وأمهات صالحات مثلكن‏,‏ فلماذا يغمض عينيه أمامها‏,‏ مع أنه لو فعل وأدخل السرور والبهجة علي قلوب صغيرة‏,‏ وعلي قلب تلك المرأة‏,‏ ما خسر شيئا بل علي العكس سيربح الكثير‏.‏

سيدتي‏..‏ كلي أمل في أن تقرأ السيدة الفاضلة سوزان مبارك رسالتك‏,‏ وهي المشهود لها بالاهتمام بالمرأة والطفل‏,‏ ويدها بيضاء في رعاية الأيتام‏,‏ فثقي بأنها لن تدخر وسعها في التدخل لتعيد البسمة اليكن والي تلك السيدة الرائعة‏,‏ والتي يبدو أن الفيلسوف سقراط كان يتحدث عنها عندما قال‏:‏ أعظم إمرأة هي التي تعلمنا كيف نحب ونحن نكره‏,‏ وكيف نضحك ونحن نبكي‏,‏ وكيف نصبر ونحن نتعذب‏.‏

لقد وضعت رسالتك ونقلت صوتك وصوت أخواتك اليتيمات‏,‏ أمام عيون أمينة‏,‏ لن تقبل أن تحال المشاعر النبيلة الصادقة الي المعاش‏.‏

والي لقاء بإذن الله
المزيد ....

خــــريف الحـــرمان

02-12-2005
سيدي‏..‏ قرأت رسالة الزواج الحرام التي نشرت في بريد الجمعة الأسبوع الماضي‏,‏ والغريب أني لم أغضب من هذه السيدة‏,‏ ولم أدنها‏,‏ والأغرب أني رأيت مشكلتها بسيطة‏,‏ بدءا من اختيار الانفصال عن زوجها مضحية بحياة مستقرة‏,‏ بحثا عن الحب لدي شاب أصغر منها بعشر سنوات‏,‏ وانتهاء باكتشافها سوء خلقه‏.‏ تفهمت ضعفها وتعاطفت مع عدم مقدرتها علي تجاوز أزمة هذا العمر عند المرأة الأربعينية‏.‏

لا أقصد من مقدمتي هذه التعليق علي ماجاء في الرسالة‏,‏ ولكني وجدتها صورة أخري لمأساة نعيشها كأسرة منذ شهور‏,‏ تجسد وجها أصعب لمثل هذه المشكلة‏,‏ ولانعرف طريقا للخروج‏.‏

فأنا سيدة عمري‏36‏ عاما من أسرة عريقة‏,‏ كنت الوسطي بين شاب وفتاة‏..‏ والدي كان يشغل مركزا مرموقا‏,‏ ووالدتي كانت موظفة حتي وصلت إلي سن المعاش‏.‏

كنا أسرة نموذجية‏:‏ أب وأم متفاهمان‏,‏ كلاهما له شخصيته القوية مع احترام كامل لدور الآخر في الحياة‏..‏ كانت أمي تعشق أبي‏,‏ لا تستطيع إغضابه‏,‏ حتي لا تغضب الله‏,‏ فالله سبحانه وتعالي كان حاضرا بقوة في بيتنا‏,‏ نصلي جماعة في البيت‏,‏ لا نشاهد في التليفزيون‏,‏ إلا ماهو مفيد وأخلاقي‏..‏ نجتمع نهاية كل أسبوع في النادي‏.‏

سارت حياتنا هانئة حتي تخرجنا نحن الثلاثة من أفضل الكليات‏,‏ وتزوجنا من مستويات تقاربنا‏,‏ تصادفنا العواصف التقليدية‏,‏ حتي هبت رياح القدر ورحل والدي عن دنيانا منذ‏11‏ عاما‏,‏ وهو يوصينا بأمنا خيرا‏,‏ ويوصيها بنا طويلا‏,‏ لأنه كان يلمس مقدار رغبتها في السيطرة الدائمة علينا‏.‏

مات أبي تاركا أمي علي عتبات الخمسين من عمرها‏,‏ وكان هذا الرحيل هو بداية التغيير‏..‏ أصبحت أمي أكثر استبدادا‏,‏ فرضت علينا مجموعة من القوانين‏,‏ لانخرج بدون أن تعرف إلي أين نذهب‏,‏ لانشتري‏,‏ لا نبيع‏,‏ لا نحلم إلا بعد عرض الأمر عليها‏,‏ فإذا وافقت فعلنا‏,‏ وإذا اعترضت لانملك إلا الرضوخ‏,‏ ومن يخرج علي هذا القانون‏,‏ يجد صدا وموقفا عنيفا منها‏..‏ كنا نقبل هذا راضين‏,‏ مبررين كل هذه التصرفات بحبها الشديد لنا‏,‏ وإن كان الأمر لايخلو من تذمر صامت غالبا ومعلن أحيانا‏.‏

تعمقت أمي في الدين أكثر‏,‏ هجرت التليفزيون نهائيا‏,‏ وبدأت في حضور الدروس الدينية في منازل صديقاتها‏,‏ ثم أصبحت تقيم ندوة دينية كل أسبوع في بيتها‏..‏ أصبحت لاترتدي إلا الملابس المسدلة‏,‏ لا تضع الماكياج‏,‏ لاتصافح الرجال‏,‏ ثم تتابع كل واحد فينا هل أدي فروضه في أوقاتها أم لا‏.‏

خلال هذه السنوات ياسيدي‏,‏ زادت المشكلات بيني وبين زوجي‏,‏ الذي بدأ يضيق بتدخل أمي‏,‏ بالإضافة إلي إساءته معاملتي‏,‏ حتي فاض بي الكيل‏,‏ فأخبرت والدتي برغبتي في الطلاق بعد أن أيدني شقيقي وشقيقتي‏,‏ ولكن والدتي ثارت في وجهي‏,‏ وهددتني إن انفصلت عن زوجي‏,‏ وقالت لي إن المرأة وجدت لخدمة أولادها‏,‏ وعليها أن تضحي بسعادتها وحياتها من أجلهم‏,‏ وعلي الرغم من عدم مقدرتي علي الاستمرار إلا أني رضخت مؤقتا لقرارها‏.‏

لا أذكر تحديدا منذ متي بدأ التغير في علاقتنا بأمي‏,‏ انشغلنا بحياتنا‏,‏ أو ابتعدنا عمدا بحثا عن راحة أو استقلال‏,‏ تباعدت اللقاءات‏,‏ والاتصالات‏,‏ مرة في اليوم‏,‏ كل يومين‏,‏ لقاء وحيد يوم الجمعة‏,‏ حوارات مبتورة‏,‏ ودفء قديم هارب خلف نظرات العيون‏,‏ حتي حدث ما جمعنا من جديد‏..‏ مصيبة‏,‏ فاجعة‏,‏ صدمة لم يكن أحد فينا يتخيلها‏..‏

أمي ياسيدي‏,‏ الجدة لثمانية أحفاد‏,‏ بعد أن بلغت الخامسة والستين من عمرها‏..‏ فجأة ودون مقدمات‏,‏ غيرت من طريقة ملابسها‏,‏ بدأت تهتم بمكياجها‏,‏ لا تعاتبنا علي عدم الاتصال‏,‏ وإذا سألنا عن سر غيابها‏,‏ أخبرتنا باقتضاب بأنها كانت مع صديقاتها في النادي‏.‏

شك ما تسلل إلينا‏,‏ خصلة الشعر التي بدأت تسقط من أسفل حجابها‏,‏ المبالغة في الأناقة‏,‏ ثم هذا التورد الذي تسلل إلي وجهها‏,‏ وتلك القوة التي دبت في جسدها الذي كان يشكو من آلام الشيخوخة‏..‏ هل يمكن أن يكون هو‏...‏ الحب؟‏..‏ سؤال طرحناه علي أنفسنا‏,‏ لا‏,‏ مستحيل‏,‏ صعب‏..‏ لماذا لا؟‏..‏ هكذا قلت لشقيقي وشقيقتي‏,‏ حقها‏,‏ ربما تكون قد تعرفت علي رجل قريب لها في العمر‏,‏ ونس‏,‏ ولكن لماذا لاتخبرنا؟‏..‏ طلب أخي أن ننتظر علي أن يأتي لنا بالخبر اليقين‏,‏ ولم تمر أيام طويلة حتي جاءنا بالخبر الفاجعة‏,‏ أمنا‏,‏ تلك السيدة العظيمة‏,‏ علي علاقة بسائق تاكسي‏,‏ شاب يقترب من نصف عمرها‏,‏ تلتقي به يوميا‏,‏ منظرهما مخز‏,‏ يتصرفان كأنهما عروسان في شهر العسل‏.‏

كارثة حلت بالعائلة‏,‏ ماذا لو عرف الناس‏,‏ أزواجنا‏,‏ الأقارب‏,‏ الأحفاد‏..‏ هل جنت؟ لابد من إيقافها عند حدها‏.‏

ذهبنا إليها‏,‏ واجهناها بما لدينا من معلومات‏,‏ ثارت في وجوهنا‏,‏ فتراجعنا‏,‏ قالت لنا‏:‏ الآن فقط تذكرتموني‏,‏ ليس لكم شأن بي وبحياتي‏,‏ لم تؤكد ولم تنف‏,‏ وتركتنا في حيرتنا وأزمتنا‏,‏ وكادت تطردنا من بيتها‏.‏

الحل‏,‏ اقترحته أنا سيدي‏,‏ وليتني مافعلت‏,‏ لقد انفجر في وجوهنا بركان‏,‏ ليتنا ما فجرناه‏...‏ أحضرت جهاز تسجيل لمراقبة هاتفها الذي كان ينشغل طوال الليل‏,‏ وجلسنا نستمع للمكالمات‏,‏ كارثة حقيقية‏,‏ أمي علي علاقة بهذا الشاب‏,‏ السائق‏,‏ النصاب‏,‏ متزوجة منه سرا‏,‏ يقول لها كلاما معسولا لايليق بفتاة صغيرة‏,‏ يعترف لها بأنه متيم بها‏,‏ وأنه لايري إمرأة سواها‏,‏ وبعدأن يغرقها في بحر من الكلام‏,‏ يطلب منها مايشاء من نقود وأشياء أخري‏,‏ وهي تعده بالتنفيذ في الحال‏.‏

وصلنا جميعا إلي طريق مسدود‏,‏ تحولت حياتنا إلي جحيم دائم‏,‏ نخشي من مواجهتها بما عرفناه‏,‏ ونخشي أن تطردنا تماما من حياتها‏,‏ ونخشي أن نتركها فريسة لهذا النصاب‏,‏ ونخشي الفضيحة‏,‏ ونخشي أن نتركها حتي تفيق علي الوهم الذي عاشته‏.‏
أعيانا التفكير‏,‏ فلجأنا إليك‏..‏ فهل من رأي تنصحنا به؟‏..‏

سـيدتي‏..‏ قبل أن أشاركك في إدانة السيدة والدتك‏,‏ أسألك هل انشغلت مع شقيقيك وأنتم تواجهون الأزمة بتفسير‏:‏ ما الذي دفع تلك المرأة المحترمة إلي هذا الطريق؟ ولماذا تغيرت هكذا فجأة من امرأة ملتزمة جدا‏,‏ إلي امرأة تمارس المراهقة في هذا العمر؟‏!‏
إنها الوحدة ياعزيزتي‏,‏ هي التي دفعت أمك في البداية إلي التشدد دينيا‏,‏ فوصلت في هذا العمر إلي عدم مصافحة الرجال‏,‏ لجأت أكثر إلي الله بحثا عن أمان لم تجده في وجودكم حولها‏,‏ فقد انشغلتم عنها بحثا عن راحة أو استقلال دون أن تلتفتوا إلي أن الإنسان بعد أن يضحي بعمره من أجل أولاده‏,‏ يحتاجهم معه في خريف العمر‏,‏ ولكن كلا منكم انشغل بحياته تاركا إمرأة وحيدة‏,‏ غاضبة‏,‏ وهي التي إعتادت أن تأمر وتنهي‏,‏ فتجيبوا‏,‏ ويبدو أن ابتعادكم طال‏,‏ ابتعاد سمح لها بالخروج إلي النادي‏,‏ ثم إلي الشارع لينقض عليها قناص‏,‏ يشغل وحدتها‏,‏ ويمنحها الفرصة للانتقام منكم‏,‏ تلاقت الأهداف‏,‏ فهو يبحث عن ممول‏,‏ عن صيد دائم‏,‏ وهي تريد أن تؤكد لنفسها أنها مازالت تعيش‏,‏ ويجب عليها ألا تجلس في بيتها وحيدة تنتظر الموت‏...‏ فرصة جديدة ــ من وجهة نظرها ــ للحياة‏,‏ قد تكون في قرارة نفسها توقن أنه مخادع ونصاب‏,‏ ولكنه يمنحها السعادة في الحلال‏,‏ يعطيها الوقت والكلام الجميل‏..‏ الأمان لها في الليل عبر الهاتف‏,‏ والثمن له في الصباح‏,‏ تراه مثلكم‏,‏ بل ربما أفضل منكم‏,‏ لقد أخذتم منها الكثير‏,‏ فأين أنتم الآن‏,‏ أما هو فيعطي ثم يحصل علي المقابل‏,‏ صفقة مغلوطة وخادعة ولكنها تمتلك تبريرا كافيا لتقبل بها‏.‏

ماذا فعلتم أنتم لاستعادة أمكم التي ضلت الطريق‏,‏ لقد انشغلتم بالفضيحة‏,‏ والأهل والأصدقاء‏.‏ ماذا لو عرف الناس؟‏..‏ وكان السؤال الأهم كيف ننقذ تلك الأم المسكينة؟

إنها الأنانية التي مارستموها طويلا‏,‏ وعليكم أن تعيدوا النظر فيما ارتكبتموه‏,‏ فالخطأ ليس مقصورا عليها‏,‏ بل هي التي في أشد الحاجة إلي مساعدتكم‏,‏ فالله سبحانه وتعالي أمرنا أن نقول لهما قولا كريما حتي لو جاهدانا للشرك به‏,‏ فما بالكم والخطأ ليس في حق الخالق ولكن في حقكم‏,‏ هل هذا يمنحكم حق التجاوز في حديثكم معها؟‏!‏

سيدتي‏..‏ عليكم التوقف عن الحديث معها في هذا الموضوع‏,‏ أحيطوها أولا بحبكم ورعايتكم‏,‏ صاحبوها في يومكم وهمومكم وسعادتكم‏..‏ اجعلوها تصدق أنكم تحبونها وتحتاجون إليها ولن تتركوها أبدا وحيدة‏,‏ وقتها فقط ستعترف لنفسها بخطئها وتعود إلي حياتها وحياتكم‏..‏ وسامحيني إذ لم أقس علي تصرفها‏,‏ فأنا لا أستطيع القسوة علي أم في مثل هذا العمر‏,‏ حتي لو أخطأت الطريق‏..‏ ومن منا لا يخطئ يا عزيزتي‏..‏ المهم أن يجد من يأخذ يده إلي شاطئ الأمان‏.‏
وفي النهاية أقول لوالدتك ليس عارا علي الإنسان أن يسقط أمام الألم ولكن العار أن ينهار أمام اللذة وإلي لقاء إنشاء الله‏..‏
المزيد ....

الزواج الحرام

25-11-2005
سيدي ها أنا ذا مثلت بين أيديكم لا لمحاكمتي كمتهمة‏..‏ بل لتنفيذ الحكم مباشرة‏..‏ فهذا أقل الإيمان كي تبرد نار صدري بعض الشيء‏..‏ ولكن أرجو منكم جميعا تغليظ الحكم بالتنفيذ لا لرغبة مني في الانتقام من نفسي‏..‏ ولكن للتكفير عن بعض الجرم الذي أعانيه في خلجات نفسي الأمارة بالسوء‏.‏

فأنا سيدة قد قاربت علي الأربعين خريفا‏..‏ أعمل بإحدي الشركات السياحية الكبري‏,‏ متزوجة ولدي طفلان‏..‏ عشت حياة مستقرة نوعا ما‏...‏ حتي جاء ذلك اليوم المشئوم الذي ألحت علي فيه صديقة حميمة بأن نكمل المشوار الدراسي ـ الذي لم نكن قد اكملناه حين أكتفينا بالمرحلة فوق المتوسطة ـ من خلال الجامعات المفتوحة‏..‏ وما أدراك ياسيدي ماهي حياة الجامعات‏..‏ ساعتها فكرت جيدا في الاستجابة لإغراءاتها لا رغبة مني في تحسين دخلي المادي فحسب‏..‏ بل لوضع حد للنظرة الدونية التي كنت ألقاها من زوجي مرارا كل يوم لفارق المستوي التعليمي الشاسع بيننا‏..‏

ولا أخفيك سرا سيدي بأن هذه الفكرة قابلها زوجي بالرفض الشديد‏..‏ ربما لما قد يتكلفه من نفقات إضافية‏..‏ وربما ليظل متربعا علي عرش الزعامة الأسرية التعليمية وربما للاثنين معا‏...‏ وبذلت جهدا كبيرا للضغط عليه حتي تمت الموافقة‏..‏ إلي هنا لا توجد المشكلة‏..‏ المشكلة بدأت عندما قابلته‏..‏ شاب وسيم يلفت اليه أنظار كل من يراه‏..‏ طلبت مساعدته في الدراسة‏..‏ قابل طلبي ـ برغم خجله ـ بالموافقة‏,‏ وأصبحنا نتعاون فيما يخص الدراسة في ذلك الوقت‏..‏ مرت الأيام التي ليست بالقليلة وتوطدت العلاقة حتي صرنا تحت مسمي المساعدة نتقابل مرتين أسبوعيا‏..‏ شعرت بالأمان والحنان معه برغم فارق السن بيننا فهو يصغرني بعشر سنوات‏..‏ وربما بهره جمالي الأخاذ الذي لم تغيره الأيام إلا يسيرا ـ هكذا سولت لي نفسي ـ ربما‏,‏ المهم زادت الفجوة بيني وبين زوجي الذي لا يزال ينظر نفس نظراته الجارحة‏..‏ وقلت معها الفوارق بيني وبين ذلك الشاب‏..‏ حتي صارحني في يوم مشرق بحبه وبحاجته لي حيث كان يعاني من تجربة عاطفية فاشلة خرج للتو منها أفقدته اتزانه وصوابه في اتخاذ القرار‏...‏ لم أتردد في توثيق العلاقة شيئا فشيئا حتي استجاب زوجي بعد إلحاح لطلب الطلاق وترك لنا
المنزل وسافر متعاقدا لإحدي دول الخليج‏,‏ ساعتها أحسست بأن طوقا حديديا تحطم من حول عنقي قفزت فرحة منتصرة‏..‏ فبعد سنوات أكمل دراستي الجامعية وتنتهي بذلك المصيبتان‏...‏

شعرت بأنني في فراغ عاطفي جارف وبتيار غريب يملؤه ذلك الشاب الذي وعدني بإتمام عزمه علي الزواج مني‏..‏ صدقته فورا‏,‏ وبالفعل قبلت الزواج منه عرفيا علي أن نتزوج رسميا بعد فترة يكون هو قد استعد ماديا لها وأنا لمواجهة أهلي وأطفالي‏.‏

وافقت علي أن يظل زواجنا عرفيا مؤقتا وليس إلي الأبد بالطبع‏..‏ ووجدته يغمرني بحبه وحنانه وعطفه مما عوضني عن كل ما أصابني مع زوجي السابق‏.‏

حتي جاء اليوم الذي طلب مني أن أترك شقتي وأنتقل للإقامة معه في بيته المتواضع الذي يقيم فيه وحده‏..‏ بحجة أن أقاربه سيزورونه قريبا ليمكثوا أسبوعا علي الأكثر معنا وبرغم أن أولادي الذين كان أكبرهم في عمر خمسة عشر عاما لم يتقبلوا أمر سفري المفاجيء لمأمورية عمل إلا أنهم رضخوا في النهاية ليستقر بهم الحال عند والدتي التي لم تعد هي الأخري تجد مبررا لكل ما يجري لي منذ فراقي عن زوجي بحجة انشغالي بعملي وبدراستي‏...‏

مرت الأيام حتي منتصف الزيارة بسلام وأنا معه في شقته الخاصة لأفاجأ أثناء تقليبي دون قصد في أوراقه بعشرات من صور شهادات زواج عرفي وجميعها لزملائنا في الجامعة‏..‏ صرخت في وجهه بمجرد عودته منهكا طالبة الاستفسار‏...‏ وبرغم هروبه من الإجابة مرة بأن هذه أمور لا تخصني ومرة بأنه وجد هذه الأوراق في أرشيف المكتبة بالجامعة‏..‏ إلا أنه في نهاية المطاف صارحني بأن الذين يزورنه في شقته ليسوا أقاربه كما ادعي‏..‏ بل هي سلسلة طويلة وحلقة في مسلسل دنيء كان يقوم ببطولته فيؤجر شقته مفروشة لطالبي المتعة الحرام المسماة بالزواج العرفي لا لرغبة منهم في تشويه الحقائق بتغير الاسم‏..‏ بل للفرار من عذاب ووخز ضمائرهم بعد تحريم أهل العلم لهذا النوع من الزواج‏.‏

صدمت‏..‏ صعقت من نذالة زوجي‏..‏ أبعد كل هذه التضحية أكون حلقة أنا الأخري في تلك الشبكة‏.‏ لقد صرخ في وجهي قائلا إنه لا يملك مصدر دخل غيرها لأن معظم رواده من شباب الجامعات يأتون ليوفر لهم مكانا مناسبا مرة أو مرتين في الأسبوع لممارسة العلاقة المحرمة المسماة بالزوجية وقال إن هذا ليس عيبا وأن عددهم زاد علي الألف بقليل حتي الآن فهل يترك هذه الفرصة من أجل غضبي‏..‏ طلبت منه الطلاق الفوري غير أنه رفض متعللا بأنه يحبني ولا يستطيع الاستغناء عني‏..‏ وأقسم لك سيدي أنه برغم أفعاله هذه إلا أنني مازلت أحبه ولا أستطيع أيضا البعد عنه‏..‏

فهل أجد حلا لهذه المأساة التي أعيشها حتي أهدأ ويرتاح ضميري؟

*‏ سيدتي‏..‏ أي حب هذا الذي تتحدثين عنه في نهاية رسالتك؟ أتعرفين الصفة التي يجب أن تقال علي زوجك الذي لا تستطيعين البعد عنه؟‏..‏ لا تستطيعين البعد عن مثل هذا الرجل‏,‏ واستطعت بكل سهولة وأنت أم لطفلين أن تطلبي الطلاق من زوجك لأسباب واهية وتافهة اختلقتها حتي تبرري قراراتك التي تصل إلي حد الجرائم‏.‏
لقد ترددت كثيرا في نشر رسالتك‏,‏ ولكني توقفت أمام حكاية الزواج العرفي هذا المسمي الكاذب لعلاقة محرمة‏,‏ مسمي تعاملنا معه باستهانة ولم نجرمه‏,‏ فسمحنا لمثل هذا الشاب باستثماره دون خوف من عقاب‏.‏ نشرت رسالتك حتي تلتفت طالبات الجامعة لإغواءات الشباب‏,‏ وليرين الصورة الحقيقية التي يكون عليها‏.‏

أما أنت فليس أمامك إلا الانسحاب السريع من هذه الحياة‏,‏ حماية لطفليك أولا ثم لنفسك‏,‏ تجرعي الندم‏,‏ لأن من يتزوج علي عجل يندم علي مهل‏,‏ وندمك سيطول‏,‏ أما إذا استمرت علاقتك بهذا الشاب فإن ندمك لن ينتهي‏.‏

الحب هو أن يتنفس الإنسان هواء نقيا في أمان مع من يطمئن إليه قلبه‏,‏ الحب يكون لرجل يعرف معني الشرف ولا يقبل أن ينفق علي أسرته من مال حرام‏.‏ أفيقي‏..‏ وتعاملي مع ما عشته علي أنه انتقام إلهي عما اقترفته تجاه زوجك السابق وطفليك وكل من سهلت لهم ارتكاب المعاصي في شقتك‏,‏ وتوبي إلي الله الذي لا يغلق باب رحمته في وجه عبده متي صدقت توبته‏.‏
المزيد ....

العـــــــــــــــار

18-11-2005
سيدي‏..‏ لم أكن أفهم منذ طفولتي المعني المتكرر في الأفلام والقصص فقدت أعز ما تملكه الفتاة‏,‏ وشاءت الأقدار أن أفهمه مبكرا‏,‏ فيما أودع طفولتي البريئة‏..‏ فهمت المعني وفهمت أيضا أشياء كثيرة‏,‏ لم أتمن يوما أن أفهمها‏!‏

فقدت أعز ما تملكه الفتاة بعد اتمام عامي السادس عشر بأيام معدودة‏..‏ لقد كنت ضحية اعتداء من سائق تاكسي واثنين من أصدقائه‏..‏ لن أذكر ماحدث ليس بحجة نسيانه‏,‏ فإنه يحيا بداخلي لأني مازلت أتذكر كل لحظة‏..‏ كان يغشي علي من كثرة الألم ثم أفيق أتألم وأبكي حتي أقع مغشيا علي ثانية‏..‏ كانت أربعة أيام‏..‏ عدت بعدها إلي أمي التي كادت تموت من كثرة البكاء علي‏..‏ عدت لأبي الذي لم يترك مكانا إلا وسأل عني فيه‏..‏

لم أبدأ أشعر بما حولي إلا بعد ثلاثة أيام‏..‏ كنت حامدة لله وشاكرة له لعودتي لأني لم أتصور أني سوف أعود أبدا‏..‏ لكن عندما نظرت حولي لم أجد أحدا سعيدا بعودتي‏.‏ لقد صدمت لهذا‏,‏ فأنا بالنسبة لهم سودت وجوههم وجلبت لهم العار‏,‏ كانت المرة الأولي التي بدأت أنظر لما حدث وأستوعبه‏,‏ لم يسألني أحد أين كنت؟ بل قالوا لي إنهم لا يريدون أن يعرفوا‏.‏ المهم أني بينهم الآن‏..‏ كانوا يقولونها‏.‏ وهم يوارون عيونهم عني‏,‏ أردت أن يربت أبي علي كتفي‏,‏ أن تقول لي والدتي إن كل شئ سيكون بخير‏,‏ أن أروي ما حدث وأبكي وأصرخ‏..‏ أردت من أختي أن تبتسم في وجهي وأن تأخذني في حضنها بحنان‏..‏ أردت أن تثور عائلتي وأن يأخذوا الثأر لشرفي‏..‏

لقد كنت خائفة‏,‏ ضعيفة‏,‏ هشة‏,‏ لكن أحدا لم يرد أن يسمع‏..‏ فقط سألني أبي إن كان حدث شئ؟ هززت رأسي له باكية‏..‏ أي نعم ــ وأخذت أبحث عن كتفه لأستند عليها وأروي له‏,‏ لكنه استوقفني وقال لي انه لا يريد أن يعرف كيف حدث هذا وأمارات الألم علي وجهه‏,‏ ولمح لي ألا أقول شيئا لأحد خوفا من الفضيحة‏...‏ هذا أفضل لي ولمستقبلي‏.‏

ولقد كنت قوية والحمد لله‏..‏ ووقفت ثانية لأواجه حياتي‏..‏ لكن لم أكن نفس الفتاة التي كنتها‏,‏ فهذا المعتدي لم يأخذ مجرد غشاء‏,‏ ولكنه أخذ معه شيئا آخر‏..‏ أخذ معه الإحساس بالأمان وكسر معه شيئا بداخلي‏.‏ ورجعت لحياتي بعد معافاة آلام جسدي‏,‏ لكن لم أجد أصدقاء يهنئونني بعودتي‏..‏ لم أجد زميلا أو زميلة يساعدانني علي اجتياز هذه المرحلة‏,‏ بل وجدت زملائي هم أعدائي الذين وجدوني مادة ملائمة للشائعات‏..‏ أبواب البيوت تغلق في وجهي‏..‏ لم يعد أحد يتصل بي‏,‏ ولا أجد أحدا عندما اتصل أنا‏..‏ وإذا وجدت إنسانة تدافع عني يمنعها والدها من صحبتي فتقاطعني نهائيا‏..‏ في المدرسة الكل ينظرون ويتهامسون‏,‏ حتي مدرسي لم تعد معاملتهم محبة لتلميذتهم النجيبة‏..‏ بل كانت جافة مشمئزة‏..‏ مستهزئة‏.‏

كنت أتألم كثيرا عندما لا أجد أحدا يريد أن يجلس بجانبي في المدرسة أو في الدروس الخصوصية‏..‏ كنت أجلس وحيدة في مكان يتسع لأربع طالبات‏..‏ لم أشتك أو أشرك أهلي مرة ثانية‏..‏ فكفاهم مامروا به‏..‏ لقد عوملت كأني أنا المذنبة‏,‏ حتي صرت أشعر فعلا بأني مخطئة‏..‏ لقد كنت أدخل للاستحمام في اليوم الواحد أكثر من خمس مرات لإحساسي بأني لست طاهرة‏.‏

سيدي إنني أواجه الكثير من العروض لحياة الرذيلة والوقوع فيها‏,‏ إنني أقاوم شياطين الانس هنا‏...‏ أحاول صابرة ألا أضعف وأن أكون من عباد الله الصابرين‏..‏ فبماذا ترد علي‏..‏ بماذا تنصحني؟

في نفس الوقت أتمني أن تقرأ أمي هذه الرسالة الآن أو والدة أي فتاة أخري تعرضت لمثل هذه الظروف‏..‏ أمي‏..‏ أعرف أن سنين مرت علي هذه الحادثة‏..‏ لكني أراها في عينيك وبين كلماتك‏..‏ أريدك فقط أن تعلمي أنني أحبك كثيرا يا أماه‏..‏ لم أقصد في أي يوم أن أجرحك أو أن أشعرك بالعار‏..‏ هل تعتقدين أن طفلتك الصغيرة تريد لك هذا‏..‏ هل تعرفين كم أحتاج إلي حضنك الذي تحرمينني منه‏..‏ أماه أنا في أمس الحاجة إليك‏..‏ أرجوك كفي جفاء ويا أبي أنا لم أفقد الأمل بعد‏....‏ ومازلت أعمل علي إكمال حلمي القديم بحياة مستقرة وناجحة لأجعلكما يوما ــ تنظران لي وتقولان بكل فخر‏..‏ هذه ابنتنا‏.‏

{‏ لا تستحمي يا عزيزتي كي تتطهري‏,‏ فروحك وجسدك طاهران‏,‏ أما كل من حولك فهم الذين في أشد الحاجة إلي التطهر‏,‏ لأنهم بدلا من مطاردة القتلة‏,‏ سلخوا الذبيحة وراحوا يتوضأون بدمائها‏,‏ مستمتعين بالعيش في ظلال الفضيحة‏.‏

لم تذكري ياصغيرتي شيئا عن الجناة‏,‏ وإن كنت أشك في أن أبا وأما يفكران بهذه الطريقة سيحرصان علي اعادة حقك المغتصب‏.‏ انكسر والدك وكأنه يستعيد صوتا من الجاهلية بتمني وأدك‏,‏ لأنك جلبت له العار‏,‏ واسود وجه والدتك لأنها فكرت في مجتمعها ولم تفتح صدرها لتحتويك في حنان وتعيد إليك الأمان الذي سرقه منك الذئاب‏.‏

الذئاب ليسوا هم فقط من اغتصبوك ولكنهم الذين يحيطون بك من زملاء ومدرسين وجيران‏,‏ يقتاتون علي شرفك‏,‏ دون أن يتحسس كل منهم رأسه‏,‏ راضيا بالذئب الذي يستعير حكمة الحمل في العلن مدينا الطرف الأضعف‏,‏ المجني عليه‏,‏ الذي تخلي عنه الجميع‏.‏

عودي إلي سابق عهدك ياصغيرتي‏,‏ إرفعي رأسك‏,‏ لأنك اخترت الشرف‏,‏ إن مجتمعك هو الذي فقد أعز ما يملكه‏,‏ الأعز دائما هو دفع الظلم والقبض علي الظالم وحماية المظلوم لا اغتياله‏.‏

استعيدي روحك الطاهرة‏,‏ وواجهي الجميع‏,‏ وانجحي‏..‏ ليس من أجلهم ولكن من أجل نفسك‏,‏ فالمهم أن يرضي عنك ربك وترضين عن نفسك‏,‏ والأيام ستصفو حتما‏,‏ لا أعتقد أن شياطين الإنس سينجحون معك‏,‏ لأنك بعون الله أقوي‏.‏

الشئ الأخير الذي أعرضه عليك‏,‏ إذا كان الجناة قد فلتوا بجريمتهم فإني علي استعداد لتحريك عمليات البحث عنهم من جديد ومطاردتهم‏,‏ لأن الساكت عن هؤلاء المجرمين شريك معهم في جرمهم‏..‏ لاتفرطي في حقك وسأكون بعون الله معك‏..‏ فقط اتصلي بي‏.‏
المزيد ....

رحيق الذكريات

11-11-2005
قرأت رسالة حرائق الذكريات لتلك السيدة التي تعتقد أن والدها رحمه الله قد قضي علي مستقبلها عندما اختار لها شريك حياتها المناسب من وجهة نظره‏,‏ لأنه كان عريسا مبسوطا علي حد قوله مما حرمها من الارتباط بمن اختاره قلبها‏..‏ وبدلا من أن ترضي بنصيبها وتحاول أن تسعد بنعمة الله عليها وتفرح بأسرتها الصغيرة راحت تبحث عما في يد غيرها‏,‏ وتقارن بين زوجها الذي اختاره لها والدها وحبيب القلب الذي أصبح أكثر ثراء وسعادة مع زوجة أخري‏,‏ ولا تزال حتي الآن تعيش في قصة والدها الذي جانبه الصواب وحرمها من حياة رغدة وسعيدة كانت في متناول يدها‏!!‏ وجاء ردك عليها بردا وسلاما علي قلبها المتأجج بنيران الحقد علي تلك التي فازت بحبيب القلب‏,‏ وبالغضب من الوالد الذي أخطأ في حقها‏..‏ وحسنا ما فعلت عندما نصحتها بأن تحاول إسعاد نفسها وأسرتها وأن ترضي بما قسم الله لها حتي تفوز بجوائز السماء‏.‏
ولقد رأيت أن أشارك بالرأي والنصيحة لصاحبة تلك الرسالة بقصة لسيدة تتشابه في بدايتها مع قصة حرائق الذكريات ولكنها تختلف عنها تماما في النهاية‏,‏ لعلنا نتأمل ونتعلم من حكمة المولي عز وجل في توزيع الأرزاق وقد كان لي شرف متابعة صاحبة تلك القصة علي مدي خمسة وعشرين عاما‏,‏ واستأذنتها في الحديث باسمها فوافقت بعد تردد مادام فيها ما قد يفيد الآخرين‏!!.‏
نشأت هذه السيدة وترعرعت في إحدي محافظات الوجه البحري في أسرة ريفية كبيرة العدد قوامها دستة من الأبناء والبنات بقي منهم علي قيد الحياة تسعة‏,‏ خمسة ذكور وأربع اناث‏,‏ وكانت هي تحتل المرتبة الرابعة في الترتيب وكان والدها من رجال الدين الذين يعملون في مجال التعليم تسانده في الحياة سيدة فاضلة تزوجها وهي في الثالثة عشرة من عمرها دون أن تنال أي قسط من التعليم وعاشت حياتها تكافح إلي جواره برجاحة عقل وحكمة فطرية ساعدتها علي تربية الأبناء التسعة علي الدين والعلم والأخلاق‏..‏ وكان الوالد يؤمن بأن العلم هو رأس المال الحقيقي في الحياة ولا زواج للأبناء الذكور قبل الانتهاء من مشوار الدراسة‏,‏ أما البنت فمكانها هو البيت ويكفيها أن تقرأ وتكتب أو تتعلم ما يفيدها في تنشئة أبنائها تنشئة صالحة حتي ما إذا ما جاء قطار الزواج ودق بابها صاحب النصيب فلابد أن تفتح له مادام إنسانا طيبا ومن أسرة طيبة‏.‏
وكانت هي تتمتع بجمال هادئ وعقل راجح يؤهلها إلي استكمال دراستها‏,‏ ولكن لسوء حظها وقفت ظروف الحياة ضدها‏,‏ فلم يكن هناك في قريتها سوي مدرسة ابتدائية واحدة‏,‏ ولم يكن أحد يجرؤ في ذلك الوقت علي قبول فكرة أن تسافر الفتاة الي البندر يوميا للالتحاق بالمدرسة الاعدادية‏,‏ فقرر الوالد أن تترك المدرسة بعد أن انتهت من مرحلتها الابتدائية لتساعد والدتها في تربية الأبناء خاصة بعد زواج شقيقتها الكبري‏..‏ وثارت تلك الفتاة ثورة صامتة لم تتعد حدودها الشخصية ولكنها رضخت في النهاية مؤثرة مصلحة الأسرة علي مصلحتها الشخصية‏,‏ ولكنها لم تمنع نفسها من التفكير في أن والدها قد ظلمها وحرمها من حقها في حياة أفضل‏.‏
إلي أن جاء يوم طرق بابها مدرس طيب ينحدر من أسرة بسيطة طيبة ويكبرها بنحو ستة عشر عاما‏,‏ وحاولت أن ترفض أو تسوف في قبول هذا العريس أملا في أن يتغير الحال وتستطيع اللحاق بأشقائها الكبار الذين انخرطوا في التعليم الجامعي أو حتي انتظار من تكون سنه مناسبة لها‏,‏ ولكن يبدو أن والدها كان قد حزم أمره للمرة الثانية بعد إخراجها من المدرسة وأصدر قراره لتتزوج هذا القادم الذي لم تتحمس له كثيرا‏,‏ ولكن من يملك أن يعترض علي قرار الوالد الذي لم تتعود الأسرة علي أن ترفض له طلبا خاصة أنه ظل يلح عليها بطلبه لأنه وجد فيه فرصة العريس المتعلم الذي سيوفر لها حياة سعيدة‏!!.‏
وللمرة الثانية رضخت لرأي والدها برغم إرادتها‏,‏ وتم الزواج بسرعة في حفل تقليدي ريفي بسيط خال من مظاهر الأبهة أو البهرجة وانتقلت إلي بيت زوج لم تختره‏,‏ ولكنها لم تكن ترفضه مسلمة أمرها إلي الله‏,‏ وهي تأمل في حياة أفضل من تلك التي تعيشها وسط تسعة أفواه وأرانب يصارعون الحياة بإمكانات الوالد المحدودة التي كانت لا تكاد تكفي لتلبية الاحتياجات الضرورية للأسرة ولكنها البركة التي كانت تستعين بها والدتها الطيبة علي تدبير أمور حياة أسرتها‏..‏
وبعد شهور قليلة وجدت نفسها مضطرة إلي السفر مع زوجها بعد إعارته مدرسا بإحدي الدول العربية الشقيقة‏,‏ وهي التي لم تخرج عن محيط قريتها من قبل‏,‏ وهكذا انفصلت عن أسرتها وانتقلت من سجنها في مصر إلي سجن آخر في تلك الدولة العربية‏,‏ فلم تكن تري الشارع إلا نادرا‏,‏ فتعلمت حياكة الملابس واشترت ماكينة متطورة‏,‏ وأصبحت تعتمد علي نفسها في تفصيل وحياكة ملابسها‏..‏ وظلت تدور في نفس طاحونة العمل مع زوجها فلم يؤنس وحدتها ويخفف عنها سوي أن رزقهما الله بزهرتين جميلتين توءم‏,‏ ثم زهرة ثالثة في العالم التالي بناء علي طلب زوجها الذي كان يسابق الزمن ويأمل في أن يرزقه الله سريعا بمولود ذكر يحمل اسمه‏!!‏ وكانت تلك هي نقطة الخلاف المحورية بين سميحة وزوجها فهي مؤمنة بأن لله حكمة في أن يهب البعض ذكورا والبعض إناثا وفي كل خير‏..‏ واستمرت الخلافات بينهما حتي زادت من همومها وأعبائها النفسية في الغربة ولكنها صبرت صبرا جميلا حتي شاءت إرادة الله وحملت للمرة الثالثة وجاء الولد الذي كان ينتظره زوجها ولكن الله الذي لا راد لقضائه استرد وديعته بعد تسعة أيام فقط من مولده وسبحان الله تعالي جلت قدرته وحكمته‏..‏
وازدادت حدة الخلاف بينها وبين زوجها بعد أن ثقل العبء ولم يعد دخل زوجها يكفي لإعاشتهم في الغربة فعادت إلي مصر مع زهراتها الثلاث لتعيش في القاهرة بجوار والدها الذي أحيل إلي المعاش ووالدتها التي تستمد منها الحكمة ولتكون في رعاية أشقائها الذكور الذين تخرجوا في الجامعات وبدأوا حياتهم العملية‏,‏ وبقي زوجها وحيدا يعمل في الدولة العربية علي أمل العودة بعد انتهاء مدة الإعارة‏,‏ ولم تمض سوي شهور قليلة حتي هاجمه فيروس الكبد الوبائي وعاد هو الآخر إلي مصر للعلاج حتي لقي ربه في يناير‏1980,‏ وهنا وجدت نفسها علي أعتاب مرحلة جديدة من حياتها وهي لاتزال في الثلاثين من عمرها‏..‏
ومرت أيام الحداد ثقيلة واجتمعت الأسرة لتري ماذا ستفعل الأرملة بحياتها الجديدة ووسط دهشة الجميع فوجئت الأسرة بإنسانة قوية تتحدث بعزيمة وإصرار عن مستقبل أفضل ورفضت أن تلقي اللوم علي والدها الذي سبق أن حال بينها وبين قطار التعليم ثم عاد واختار لها حياتها مع زوج لم تختره لنفسها‏,‏ ولكنها قبلت بنصيبها في الحياة وقررت التعامل مع الواقع بموضوعية برغم فداحة الكارثة‏..‏ وأحس الجميع بأن بركان الحزن الذي بداخلها بدأ يتحرك نحو تحقيق أمل قديم كان يراودها منذ زمن بعيد وهو أن تستكمل دراستها وتختار حياتها بطريقتها‏..‏ ووافقها الجميع دون تردد برغم أنهم كانوا متشككين من نجاحها في الدراسة بعد توقف دام أكثر من عشر سنوات‏,‏ ولكنهم كانوا يأملون فقط في أن تشغل نفسها بأي شيء يخرجها بسلام من آثار الكارثة التي حلت بها‏..‏
وقررت دخول امتحان إتمام الدراسة الابتدائية الذي سيعقد في مايو‏1980‏ أي بعد شهور قليلة من وفاة زوجها واجتازته بنجاح مما أثار دهشة الجميع وإعجابهم‏!!‏ وفور ظهور النتيجة بدأت في البحث عن كتب المرحلة الاعدادية دون انتظار لبداية العام الدراسي الجديد وعاشت حياتها الجديدة مقسمة بين تربية بناتها الثلاث وبين دراستها‏..‏ فكانت ترعي بناتها نهارا حتي يعدن من مدارسهن لتبدأ دراستها في المدرسة الاعدادية المسائية التي التحقت بها والتي لم تكن تبعد كثيرا عن مقر سكنها ثم تعود لتذاكر لنفسها ومع بناتها حتي ينام الجميع في سلام‏..‏ وراحت أسرتها تراقبها وهي تتقدم في دراستها دون أي تقصير في حق زهراتها الثلاث فكانت تحاول دائما تعويضهن عن فقد والدهن بمزيد من الحب والحنان والرعاية الكاملة‏.‏
وحصلت علي شهادة الإعدادية ووجدت نفسها في خيار صعب أمام استكمال دراستها وبين بناتها اللاتي كبرن ويحتجن إلي رعاية أكبر من قدرتها‏,‏ ولكن تصميمها علي تحقيق حلمها القديم كان يداعبها بشدة‏,‏ ولايزال يسكن هناك في عقلها الباطن‏,‏ فقررت بناء علي نصيحة من أشقائها الالتحاق بمدرسة ثانوية تجارية قريبة من سكنها سرعان ما حصلت منها علي دبلوم المدارس الثانوية التجارية وسط إعجاب وتشجيع من الجميع خاصة من بناتها اللاتي كبرن الآن وأصبحن علي دراية كافية بما تفعله أمهن من أجلهن‏,‏ فكن يساعدنها في بعض الأعمال المنزلية لتخفيف العبء عنها ومشاركتها في مشوار الحياة‏..‏
وتوقع الجميع‏,‏ أنها ستستريح بعد هذا الماراثون‏,‏ وقد تفكر في الزواج أو العمل‏,‏ خاصة أن بناتها كبرن وأصبحن مستقلات إلي حد كبير‏!!‏ فالتحقت البنتان التوءم بكلية التجارة جامعة القاهرة‏,‏ ولحقت بهما شقيقتهما والتحقت بكلية الخدمة الاجتماعية بالقاهرة وهو بكل المقاييس إنجاز ضخم يحسب لها وإن لم تفعل غيره‏..‏ ولكنها أعلنت أنها لم تحقق حلمها بعد ورفضت كل عروض الزواج من أجل بناتها والتحقت بكلية التجارة بالجامعة المفتوحة وبدأت الحياة تبتسم وشمس السعادة تشرق علي هذا المنزل التي تقيم فيه أسرة صغيرة يجمعهم الإصرار علي النجاح‏..‏ أم في الأربعينيات من عمرها وتدرس في الجامعة المفتوحة جنبا إلي جنب مع بناتها الثلاث طالبات الجامعة‏..‏ وكأنهن أربع صديقات يقمن تحت سقف واحد يتبادلن الأدوار في العمل بالمنزل والدراسة في الجامعة‏..‏
وبعد أربع سنوات بالتمام والكمال كانت قد حصلت علي بكالوريوس التجارة وسط فرحة غامرة وإعجاب من أسرتها وكل من حولها وانهمرت دموع الفرح والسعادة من عينيها بعد أن حققت حلمها القديم في استكمال مشوار تعليمها حتي النهاية‏.‏ وكان من دواعي سرورها أيضا أن ابنتيها التوءم حصلتا أيضا علي بكالوريوس التجارة بتقدير جيد جدا فالتحقت احداهن بكلية التجارة كمعيدة‏,‏ بينما اتجهت الأخري إلي مجال العمل كمحاسبة في شركة مقاولات كبري بالقاهرة‏,‏ وفي العام التالي تبعتهما شقيقتهما الثالثة التي حصلت علي بكالوريوس الخدمة الاجتماعية واستطاعت بتوفيق من الله وبفضل دعاء والدتها أن تلتحق بالعمل في نفس الشركة التي تعمل بها شقيقتها‏.‏
ومال أشقاؤها الكبار علي شقيقتهم يسألونها‏:‏ ألم يحن الوقت بعد للزواج بعد أن أتممتي رسالتك في الحياة نحو زهراتك الثلاث فتزوجت ابنتك الكبري وحصلت الثانية المعيدة بالجامعة علي درجة الماجستير‏,‏ وتستعد الآن لدرجة الدكتوراه‏,‏ واستقرت الثالثة في عملها‏,‏ وبعد كل الذي قمت به علي المستوي الشخصي‏,‏ والذي يعد انجازا بل إعجازا‏,‏ يستحق أن ينحني له الجميع؟ فتضحك وهي تهمس في أذن شقيقها الذي يكبرها مباشرة والذي حصل منذ سنوات قليلة علي درجتي الماجستير والدكتوراه في الإدارة برغم أنه في الخمسينيات من عمره‏:‏ صدقني يا أخي ان قلت لك إنني أشعر وكأنني أحلم وغير مصدقة لما حدث من حولي‏..‏ إنني أنظر خلفي واستمتع برحيق ذكريات أيام وسنوات طويلة مضت بحلوها ومرها‏..‏ ولم أكن يوما واثقة من استطاعتي علي تحقيق أحلامي بعد أن بعدني والدي ـ رحمه الله وغفر له ـ عن الدراسة وزوجني بمن يكبرني بأكثر من خمسة عشر عاما‏.‏ ولكني كنت دائما راضية بقضاء الله وقدره وأشعر دائما بأنه معي يساندني ويشد من أزري ويترفق بضعفي‏..‏ لقد كان الله كريما معي فأعطاني ما أردت وكل ما أريد أن أفعله الآن هو أن أسجد لله عز وجل شاكرة فضله ونعمته‏,‏ وأسأله أن يغفر لي يوما اعتقدت فيه أن والدي قد ظلمني أو أساء إلي‏..‏ فقد كان لنا نعم الأب الذي يختار الأفضل من وجهة نظره‏..‏ ولقد كان اختياره هذا سببا في كل ما أنا فيه الآن من خير وراحة بال‏..‏ وهذه نعمة لا تعادلها كل كنوز الدنيا‏..‏ وربما ـ إذا ما كان في العمر بقية ـ يعطيني الله القوة والرشاد واستطيع أن أحصل مثلك علي درجتي الماجستير والدكتوراه‏.‏
ويضحك شقيقها وهو ينظر إليها بمزيد من الإعجاب والتقدير والاحترام‏,‏ وهو لا يستبعد ان تفاجئه شقيقته في القريب العاجل بدعوة لحضور مناقشة رسالة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة القاهرة وهي نفس الجامعة التي حصلت منها ابنتها علي درجة الماجستير في العام الماضي‏..‏ من يدري؟
دكتور هاني عبدالخالق
أستاذ إدارة الأعمال

*‏ سيدي‏..‏ أشكرك علي تلك الرسالة‏,‏ التي انتظرتها طويلا‏,‏ فبريدي متخم بالأحزان والإحباطات واليأس‏,‏ وكنت أتمني أن يطل علينا من أصدقاء البريدمن يقتلع الحكمة من قلب الوجع‏,‏ ويقدم لنا سعادة مختبئة في ألم آن لا نفهم في أحيان كثيرة لماذا خصنا به الله سبحانه وتعالي‏.‏ وإذا كان من الصعب علي الكثيرين أن يتعاملوا مع عذاباتهم ومحنهم علي أنها محطة من محطات الحياة‏,‏ لن يطول وقوفهم عليها‏,‏ ويرون أنها المحطة الأخيرة‏,‏ فيستسلمون ليأسهم ويلومون الأقدار والبشر‏,‏ متغافلين أو جاهلين حكمة قد تكون مستكينة في ركن ما من التجربة تنتظر من يزيح عنها غبار الغضب واليأس‏.‏
هناك قليلون ـ مثل صاحبة تلك الحكاية ـ يؤكدون أن الإنسان وحده القادر علي مواجهة عثرات الأيام واختباراتها‏,‏ بالإصرار علي عدم الركون إلي اتهام الآخرين ولوم الأقدار علي ما أصابهم‏,‏ ومواصلة الزحف نحو تجاوز المحنة‏,‏ وبناء الحياة التي يرون أنهم يستحقونها‏,‏ فليس من الطبيعي أن يكون فشلنا أو ألمنا من صنع الآخرين‏,‏ سواء وضعونا فيه حبا أو جهلا‏,‏ متجاهلين إرادتنا واختياراتنا لأنفسنا ولمن نحب‏.‏ ما أسهل سيدي البكاء علي العسل المسكوب‏,‏ فقد يبكي حولنا الكثيرون ويتجمع علي رؤوسنا الذباب‏,‏ أما الصعب والأحلي‏,‏ فهو بناء المنحل وجني العسل من جديد بأيدينا‏,‏ عسل الحياة يا سيدي الذي جنته تلك السيدة العظيمة‏,‏ التي لم تهن يوما‏,‏ إنثنت أمام رياح الأيام ولم تنكسر‏,‏ وعندما هدأ صفير الرياح‏,‏ استجمعت قواها واختارت بنفسها ولنفسها ولمن أحبتهم‏,‏ الحياة التي كانت تتمني والتي كان تستحقها‏.‏
وإلي لقاء بإذن الله
المزيد ....

الحـلم الأخيـر

04-11-2005
‏*‏ انا امرأة تجاوزت الستين من عمري وقد كنت أعمل موجهة تربية فنية للمرحلة الابتدائية‏..‏

رسالتي هذه اوجهها لكل أم وأب ولابني ولحفيدي الذي لم أره حتي الآن‏..‏ منذ زمن طويل بعد تخرجي مباشرة من مدرسة المعلمات مرضت أمي مرضا شديدا ثم توفيت ثم لحق بها أبي بعد ثلاثة أشهر‏.‏

وكان نتيجة ذلك أن أجبرني زوج أختي علي بيع البيت أنا وأختي وأن انتقل للإقامة معهما ومنذ ذلك اليوم‏,‏ بدأت قصتي مع الذل والهوان والإهانة‏..‏ كنت أذهب للعمل منذ الصباح الباكر فاشتري ساندويتشات من محل فول وأنا في طريقي للمدرسة كيلا أفطر في البيت وبعد انتهائي من العمل آكل في أي مطعم شعبي في الخارج كيلا آكل بالمنزل وأدخل من باب البيت فامسح واكنس وأطبخ ما لا أذوقه‏,‏ وفي نهاية كل يوم لابد أن اسمع إهانات صريحة ومباشرة ولابد ان اسكت وإلا أصبح في الشارع‏.‏

ساءت صحتي من الأكل السييء وتدهورت بشدة أثناء اقامتي عند اختي فكانت تتهمني هي وزوجها بادعاء المرض حتي عاد بي زميلاتي يوما من المدرسة يحملنني بعد أن اغمي علي‏.‏ كرهت اختي وزوجها وعشت عامين علي أمل ان أتزوج من رجل طيب القلب يعوضني عن كل الأيام السيئة التي رأيتها في بيت أختي وبالتالي وافقت علي أول عريس تقدم لي وانبهرت بوجاهته ولأن أبي مات فلم يقم أحد بالسؤال عن العريس أو حتي بتأميني بمهر مناسب أو مؤخر أو شبكة‏.‏

كان كل هم زوج أختي هو الاستيلاء علي أكبر قدر من المال اثناء تجهيزي من نصيبي من بيع منزل أبي وتزوجت ياسيدي ومات كل أمل لي في الدنيا فمنذ الايام الأولي ظهر لي زوجي علي حقيقته بخستة وبخله‏,‏ أما امه واخته فحدث ولا حرج‏.‏

ولأنه كان انسانا غير كريم كان يقول لي مؤخرك عشرة جنيهات أرميها لك علي الجزمة فتصبحين في الشارع وتحملت السب والضرب المبرح والإهانة المستمرة والسخرية مني ومن أهلي حتي من والدي رحمهما الله وتحملت أيضا ألا يدخل لي البيت قريب أو زميلة في الشغل بسبب وقاحته في استقبال أي شخص يمت لي بصلة من قريب أو بعيد وعشت وحيدة مع الإهانة والضرب والسب وكأن الدنيا لم يعد بها خير ولا تضم انسانا ينقذني مما أنا فيه وكنت أصلي بعد كل فرض ركعتين

رجاء الله كي يخلصني مما أنا فيه ولكن لم تقبل دعواتي وظللت علي هذا الحال

حتي جاء يوم أذكره جيدا فقد خرجت يوما مع زوجي المحترم لنقدم فروض الولاء والطاعة لحماتي فقابلنا مدير المدرسة

التي أعمل بها وأخذ يشكر لزوجي في اخلاقي وأنه لا يوجد في المدرسة من هو مثلي وغيره من كلام المجاملة هذا ووصلنا إلي بيت حماتي وقبل أن أدخل وجدتني أجر من شعري وسحبت داخل الشقة لينهال علي ضربا وسبا امامها وهو يقول لي فرحانة بنفسك ياست الأبلة تكونيش حاسبة نفسك ست وظل يضرب في امام امه دون أن تمنعه عني ولم يكن يهمها أي شئ سوي أن تعرف سبب الخناقة وظل يضرب في لمدة ساعة وهو يسبني بالفاظ نابية تشير لانني امرأة ساقطة واني لا أذهب للعمل إلا كي ينظر لي الرجال‏..‏

وفقدت من شدة الآلم السيطرة علي نفسي حتي فقدت التحكم في مثانتي وبللت نفسي‏.‏

ومنذ ذلك اليوم توقفت عن الدعاء نهائيا وصرت كالصنم لا اتكلم ولا أفعل أي شئ‏,‏ صامتة واجمة حتي التفكير توقفت عنه ولم أعد اشعر بشئ حتي حين أنجبت ابني الأول لم افرح به ولم اشعر ناحيته بأي مشاعر وقام زوجي بتربية ابني علي مبادئ اسرته العجيبة من وحشية وانتهازية وحقد علي الآخرين بل وايضا علي الاستهزاء بي وبأصلي واهلي ثم جاء الفرج بأن قرر زوجي السفر للخارج

وكنت وقتها حاملا بعد توقف عن الانجاب لمدة ثماني سنوات فسافر زوجي وانا حامل ثم توفيت حماتي بعد سفره فشكرت الله علي رحمته الواسعة بأن ازال اكثر اثنين يؤذيانني‏.‏

ولأول مرة في حياتي أنام حتي ارتاح في السرير وأنام بعد عودتي من العمل وآكل براحتي وأشاهد التليفزيون ويمر اليوم دون سب وضرب‏,‏ ولكن زوجي كان لابد وأن يترك اثره الطيب فبعد ان سافر لم يرسل لي نقودا بل كان يرسلها إلي اخته لتعطيها الي ابني الاكبر فاذا اردت مبلغا اطلبه من ابني حيث كان يدربه علي البخل‏,‏ والفشل منذ صغره ولكنني لم اهتم بل فرحت بسفر السجان وموت السجانة كما كنت القبهما‏.‏

وأنجبت ابني الاصغر ولأول مرة افرح بالولادة فلم يأخذه زوجي من حضني ليلقنه اسلوبه الشاذ في الحياة وظل زوجي في الخارج سنوات طويلة وانا سعيدة لأول مرة في حياتي وتوطدت العلاقة بيني وبين ابني الأصغر بينما لم يحمل قلبي أي حب للابن الأكبر الذي تحول مع مرور الوقت إلي صورة ألعن من ابيه‏..‏ فكان يقطر علي في مصروف البيت لي ولأخيه بينما كان يأكل في أغلي المطاعم ويرتدي أغلي الملابس ولأني لم أكن أريد وقوع مشاكل ربيت ابني الأصغر علي طاعة أخيه الأكبر‏,‏ وتخرج ابني الاكبر في كلية التجارة‏,‏ واقترح زوجي عليه أن يسافر معه ليجد فرصة عمل له في الخارج فسافر

وهو يظن أنه سيعمل مديرا وذلك بواسطة نفوذ ابيه ذي المؤهل المتوسط‏,‏ وحين سافر واستلم عملا لم يكن يتخيل ضآلة راتبه لم يتحمل اكثر من شهر وأصيب بما يشبه الانهيار فهو ليس رئيسا يأمر ويحكم كما كان يحلم طوال حياته وكما اعتاد بل هو مرءوس وله من يحاسبه ويؤنبه وترك العمل وظل في المنزل وقام والده باستدعائي انا واخيه لانه لم يعد يتحمله بسبب طلباته الكثيرة ولسوء طباعه حيت لم يكن يغسل الكوب الذي يشرب فيه هذا وقد بدأت الأمراض تتراكم علي زوجي‏,‏ سافرت انا وابني الاصغر بالرغم من انها كانت سنة الثانوية العامة واستطاع ان يأخذها من هناك بمجموع معقول اتاح له ان يدخل كلية العلاج الطبيعي

وكان ابني غير موافق علي الكلية في البداية ولكنه أطاع والده حينما قال له العلاج الطبيعي تخصص نادر ومطلوب في الدول العربية بكثرة وعدنا جميعا الي مصر بعد رفض ابني الأكبر لأي عمل وتدهورت صحة زوجي ودخل الابن الاصغر كلية العلاج الطبيعي وقرر الابن الأكبر ان يقوم بالدراسات العليا دون ان يعرف كم ستتكلف أو ما فائدتها أو يعمل اي عمل ليصرف علي نفسه‏.‏

ولأول مرة بعد سنوات طويلة من الزواج بدأ زوجي يشكوا لي في البداية كان يشكو من أخته وابنائها الذين لايتذكرون افضاله السابقة عليهم‏,‏ ثم بدأ يشكو من الابن الاكبر الذي ظهرت صورته أمامه بعد الغربة من غرور بلا مبرر وتطلعات لأشياء خارج قدرتنا المالية وعدم سعي للعمل‏,‏ ثم قرر زوجي أن يستثمر الأموال التي عاد بها من الخارج في بناء عمارة يكون لكل ابن شقة ويؤجر باقي الشقق كنوع من الاستثمار‏,‏ ولأول مرة يتحمس ابني الاكبر للعمل وأعلن حماسه الشديد لهذه الفكرة انه سيتولي امر كل شئ ليريح أباه المريض هذا في حين أنه كان يرفض شراء لوازم البيت نفسه‏.‏

واتضحت الرؤية فيما بعد حيث علم زوجي انه قد سرق ما يزيد علي خمسين ألف جنيه اثناء بناء العمارة وانه لم يشرف علي أي شئ بل سلم المشروع كاملا لمكتب هندسي لينفذه‏,‏ وبدأ يحدث احتكاك بين زوجي وابني الاكبر لأول مرة كما بدأ زوجي يدرك أن له ابنا آخر لم يعطه شيئا مما أعطاه للأول‏.‏

ويبدو أن زوجي شعر بنهايته ففي يوم سألني ان كنت سأسامحه علي ما فعله بي في الماضي فلم ارد عليه كما استدعي ابني الاصغر وطلب منه ان يسامحه لأن الاكبر قد اخذ اكثر من حقوقه فرد عليه انه لايريد أي اموال بل يريد سلامته‏.‏

توفي زوجي وبعدها بثلاثة اشهر قرر ابني ان يخطب وحينما اعترضت علي التوقيت بعد وفاة ابيه قرر ان هذا كلام فاضي واعتراض علي ارادة الله ولآني مازلت في فترة الحداد علي زوجي وليس مسموحا لي بالخروج فسيذهب هو واخوه وعمه وحدث ان استولي علي نصيبي في ميراث ابيه وحتي نصيب اخيه ليفرش احسن فرش ويشتري اغلي شبكة ويعمل أحسن فرح وسافر ابني الاصغر للخارج ليستطيع أن يجهز نفسه للزواج بنفسه وعشت مع ابني الاكثر وزوجته التي كانت تشبه حماتي‏.‏

ولانه هو وزوجته لايعملان فرض علي ابني الاصغر ان يموله كل شهر بمبلغ مالي ليصرفا منه وعاد عهد الظلم من جديد وعدت مرة أخري للصمت والخرس‏.‏

بعد ست سنوات من سفر ابني الاصغر قرر ان يتزوج في احدي الاجازات وتمت الخطبة والزواج بسرعة من طبيبة من بيت طيب واشتعلت النار في قلب إبني الاكبر وزوجته فسيفقدان الممول الاكبر كما أن الزوجة الجديدة بأصلها واهلها ووضعها الاجتماعي تقلل من شأنهما‏.‏ وبدون ان اطيل عليك استطاع ابني الاكبر في اقل من سنة بتدبير شيطاني ان يدمر زيجة اخيه لتتركنا زوجته وهي حامل ووضعت طفلها ونحن لانعلم حتي اسمه‏.‏

وظل في وسوسته حتي اقنع اخاه بان يتزوج اخت زوجته ذات المؤهل المتوسط حتي وافق وجاء اليوم المشئوم يوم عقد القران وكانت زوجة ابني قد سبقتنا بأبنائهما الثلاثة الي قرية ابيها بعدة ايام وقاد ابني الاكبر السيارة ولكن لم نصل الي حفل كتب الكتاب بل وصلنا إلي مستشفي الطوارئ حيث توفي ابني الاصغر وبترت قدمي واصيب ابني الاكبر بكسر مضاعف في الحوض‏.‏

وانكسر قلبي كسرا لم يمحه الزمن حتي الآن وظللت في السرير لما يزيد علي عام وتزوجت اخت زوجة ابني‏(‏ العروسة المشئومة‏)‏ بعد هذا الحادث بستة أشهر مرتدية الشبكة التي اشتراها ابني لها علي انها هدية والدها واستطاع ابني الاكبر أن يستولي علي كل نقود اخيه وسألت نفسي بعد أن افقت من موت ابني أليس ذلك أكلا لمال اليتيم وظللت اسأل نفسي تري ما اسم ابنه الذي لم أره وكيف يكون شكله وتصورت انه ربما يكون شكل أبيه فاري ابني فيه‏..‏ وذهبت الي منزل طليقة ابني الراحل لأري حفيدي دون أن يعرف ابني الأكبر مستعينة بالخادمة واستقبلتني والدتها ببرود ولها حق في ذلك وقلت لها أحمد مات انتوا ماعرفتوش فقالت ببرود البقاء لله‏,‏

وحين سألت عن حفيدي قالت لي انه سافر مع امه للخارج حيث تعمل ومرت السنون وقام ابني بفتح مشروع بنقود اخيه او ابن اخيه علي الاصح وعاش حياة مرفهة هو وزوجته اما انا فانخرطت في العبادة وفي يوم بعد صلاة الفجر نمت فرأيت ابني الاصغر وهو طفل يبكي فسألته مالك ياحبيبي فقال لي‏:‏ سايباني اتضرب ياماما وكانت تلك كلمته وهو صغير حينما كان يضربه اخوه‏.‏ ذهبت الي احد مشايخ الأزهر وكان يوما طالبا عندي وسألته

وعرفت الاجابة من قبل ان يقول لي وعلمت أنه يجب علي ان اترك الصمت فطلبت من ابني ان يسمعني لأول مرة في حياته وذكرته بانه استولي علي مال ابن اخيه اليتيم وان اخاه يتعذب في قبره وانه لابد سيدفع الثمن‏.‏

فاذا به يستهزئ بي ويقول لي اني كبرت وخرفت وبعدها بايام رماني في أحد دور المسنين مدعيا اني لا أستطيع دخول الحمام بنفسي وحتي الآن لم أر حفيدي ويأتينا هنا في الدار طلبة جامعيون ليزورونا وكنت اتوقع أن أجده بينهم ولا اعرف ان كان في مصر ام مازال في الخارج‏.‏ والآن يكتب لي هذه الرسالة حفيدي بالتبني كما يقول وهو أحد الشباب الذين يزوروننا في الدار وهو الذي شجعني علي كتابتها لعل حفيدي أو أمه يقرآنها فاراه مرة واحدة قبل الموت‏,‏ أما ابني الاكبر فقد بدأ في دفع حسابه الثقيل مع الله حيث اخبرتني خادمتهم التي تزورني باستمرار ان ابنته الكبري تركت المنزل وهربت بعد أن سرقت مبلغا ضخما من المال ولايعرفون أين ذهبت حتي الآن أما ابنه الأصغر فقد زادت حالة الصرع لديه بشكل كبير‏..‏ ولا أقول ياسيدي اني شمتانة فيه ولكني ايضا لست متعاطفة معه‏..‏ وفي النهاية لا أملك سوي أن ادعو الله أن يغفر لنا جميعا‏.‏

‏{{‏ سيدتي‏..‏ لقد آلمتني رسالتك وأحزنتني علي ما عانيته طوال حياتك‏,‏ وإن كنت واثقا في عدل الله سبحانه وتعالي‏,‏ تأكيدي أن ما تكبدته في رحلة الأيام القصيرة‏,‏ ستجنينه خيرا وسعادة مع من تحبين وتشتاقين إليهم في الدار الآخرة‏,‏ حيث المستقر‏.‏

لم أعرف إلي من أتحدث‏,‏ إلي شقيقتك وزوجها‏,‏ اللذين استباحاك بعد وفاة والديك‏,‏ ورسما عذابات حياتك‏,‏ أم إلي إبنك العاق‏,‏ الظالم‏..‏ أم أوجه ندائي إلي طليقة ابنك الراحل وحفيدك لعلهما يقرآن ويرق قلباهما‏,‏ ويحققان رغبتك الأخيرة‏.‏

إن الذين ظلموك يا أمي العزيزة‏,‏ قلوبهم غلف‏,‏ نسوا الله فأنساهم أنفسهم‏,‏ ولو كان في نفوسهم بصيص من الإيمان لتدبروا آيات القرآن الكريم الملأي بصور الظلم وعقاب الله الصارم‏:‏ إنما السبيل علي الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق‏,‏ أولئك لهم عذاب أليم‏..‏ لقد أعمي حب المال أبصارهم‏,‏ وزادهم الشيطان حقدا‏,‏ فأوعز اليهم بأن العز فيما لديك‏,‏ ونسوا أن من طلب عزا بباطل أورثه الله ذلا بحق‏..‏ وبدون أن تذكري ما آلت إليه أحوال شقيقتك وزوجها‏,‏ فإني أوقن بأن عدالة السماء لن تجعلهما يهنآن‏.‏

أما ابنك الذي لم يعرف جزاء قوله أف في وجهك‏,‏ لا أفهم كيف لم يستيقظ ضميره وهو يري ما ألم ببيته وهذا قليل مما سيحصد ولو تدبر قوله سبحانه وتعالي‏:‏ فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا‏,‏ لأتي إليك زاحفا‏,‏ مقبلا قدميك طالبا العفو‏,‏ الذي سيجده حتما لأنك أم تدعين علي إبنك وتكرهين من يؤمن علي دعاك‏.‏

أيها الابن العاق إن رجالا يتخوضون في مال بغير حق فلهم النار يوم القيامة‏.‏ هكذا وعد الله‏,‏ وأنت الآن في عذاب صغير‏,‏ فهل يستيقظ ضميرك وتنحو بنفسك‏,‏ لأنك طمعت في كل شئ فخسرت كل شئ‏,‏ فهل هذا ما كنت ترجوه أو تتمناه‏.‏

ولمطلقة الابن الراحل وأم الحفيد الذي تحلم الجدة برؤياه‏,‏ أقول لها‏,‏ أن تلك الأم التي تعاني الوحدة والعذاب في دار المسنين لم ترتكب في حقك إثما‏,‏ وأنت أم وتقدرين عذابات الغياب والحرمان‏,‏ فهل لك أن تمدي يد المحبة والحنان‏,‏ وتصطحبي ابنك إلي جدته فنحن نعيش أياما طيبة‏,‏ أدعو الله أن تكوني هنا بالقاهرة وتقرئي تلك الكلمات فتغرسي الفرح في قلب تلك الأم المسكينة وتحولي حزن العيد إلي فرح‏..‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏
المزيد ....

حرائق الذكريات

28-10-2005
سـيدي‏..‏ كنت طالبة متفوقة في الثانوية العامة‏,‏ وحصلت علي مجموع كبير أهلني للالتحاق بإحدي كليات القمة‏.‏ وكان هناك زميل في نفس المدرسة الاعدادية والثانوية دائما مايحصل علي المركز الأول‏,‏ وكان هناك نوع من التنافس الشريف بيننا‏,‏ كان مرحا ونشيطا وذكيا‏.‏ وقد أعجبت به كثيرا آنذاك‏,‏ ورأيت منه نفس الإعجاب والاحترام‏.‏ ولكننا كنا نعيش في احدي القري والتي لاتسمح بمثل هذا الاعجاب بين شاب وفتاة‏,‏ وحافظ كل منا علي سره دون البوح به للآخر‏.‏
وكان يوم ظهور نتيجة الثانوية العامة ولم تكن النتيجة مفاجأة لأحد‏,‏ فقد كان الأول كما تعودنا منه بمجموع كبير أهله للالتحاق بإحدي كليات القمة‏,‏ كما نطلق عليها‏,‏ والتحقت أنا أيضا بنفس الكلية ولكن في تخصص آخر‏.‏ وفي يوم تقديم الأوراق إلي مكتب التنسيق بعاصمة المحافظة التي كنا نعيش فيها التقينا معا وجاء وسلم علي بأدب وهنأني بحصولي علي مجموع كبير‏.‏ وهنأته أنا أيضا‏,‏ وشارك كل منا الآخر في كتابة الرغبات‏.‏ وركبنا سيارة الأجرة التي تقلنا إلي قريتنا‏,‏ وأثناء الطريق أخبرني علي استحياء أنه يكن لي مشاعر الود والاحترام فأخبرته أن ذلك قد يسبب لي وله مشاكل كبيرة‏,‏ ولكنه قال إنه أراد فقط أن أعلم ذلك‏,‏ وكدت أقول له إنني أيضا أبادله نفس الشعور‏,‏ لكنني خجلت وسكت‏,‏ وأنا أدرك أنه يفهم ما أشعر به‏.‏
ومرت الأيام وانخرط كل منا في دراسته في كليته‏,‏ وكان كل منا يسافر يوم السبت في الصباح إلي الجامعة ونعود يوم الخميس‏,‏ وكنا أحيانا ما نلتقي بالمصادفة أثناء ذهابنا للجامعة أو عودتنا منها‏,‏ ويعلم الله أننا لم نرتب أي موعد للقاء‏.‏ وشعرت بحبه الشديد لي‏,‏ وكنت أخشي عليه من هذا الحب والتعلق بي‏,‏ فأنا أعلم أن أسرتي لن ترضي إن تزوجني بشاب في مقتبل حياته‏,‏ فهم لاينظرون للعريس إلا من زاوية القدرة المادية والمستوي الاجتماعي وهو من أسرة متوسطة الحال مثل أسرتي وليس جاهزا ولامبسوطا كما يحلو لأسرتي أن تصف من يتقدم لبنت من بناتها‏.‏ ولكنني وجدت نفسي رغما عني أبادله نفس الشعور العفيف‏,‏ وفي احدي المرات تجرأت وطلبت منه أن يبتعد عني‏,‏ لأنني لن أكون له ولكنني أثناء ذلك بكيت فما زاده ذلك إلا تعلقا بي وأخبرني أنه سيحاول‏,‏ وأن الله لن يخيب رجاوه فهو لايقصد إلا الخير‏,‏ وأنه سوف يجتهد في دراسته أكثر وأكثر حتي يرضي عنه أهلي‏.‏وأقسم لي بالله أن يحقق لي كل مايريده أهلي وأكثر وأنه سوف يتفوق أكثر وأكثر من أجلي‏,‏ وبالفعل فقد كان الأول علي دفعته باستمرار في الكلية التي يدرس بها‏.‏ وكلما اقترب موعد تخرجنا شعرت بالخوف من ذلك اليوم‏.‏
وجاء اليوم الذي كنت أخشاه فقد تخرجت وهو أيضا‏,‏ وبعد النتيجة ببضعة أيام ذهبت لاستخراج شهادة من الكلية وتقابلنا بالمصادفة وأخبرني أنه كان الأول علي دفعته وأنه من المتوقع أن يعين معيدا بالكلية‏,‏ وعدنا إلي قريتنا وكل منا تغمره السعادة وهو يري حلمه قد أوشك علي التحقق‏,‏ ودعوت الله أن يرق قلب أهلي لي وله ويباركون زواجنا‏.‏ وبعد شهر تقدم عريس يكبرني بثمانية عشر عاما ووافق أهلي عليه حتي دون مشورتي‏.‏ وعلم هذا الشاب بما حدث فما كان منه إلا أن أرسل والده لأسرتي وحاول والده كثيرا مع والدي ولكن والدي رفض وقارن بين العريس الذي تقدم لي ويملك شقة من غرفتين بأحد الأحياء الشعبية في القاهرة‏,‏ وبين هذا الشاب الذي تخرج حديثا ولايملك شيئا في الوقت الحالي‏.‏ وعاد الشاب وتحدث مع والدي وأخبره أنه سوف يفعل كل مايريده حتي لو اضطر لبيع جزء من جسده‏,‏ ولكن والدي ثار في وجهه وأخبره أن أمامه عشرين عاما حتي يكون نفسه مثل هذا العريس وأنه لا حاجة له بجزء من جسمه ولاجسم غيره‏.‏
وتحدثت مع أمي وأخوتي لكنهم أصروا علي أن هذا العريس لديه شقة وسوف أغادر القرية لأهنأ بالعيش في أم الدنيا وأبتعد عن عيشة الفلاحين والفقر‏,‏ وأنه لاداعي لاختيار هذا الشاب الذي مازال في بداية حياته وأهله فقراء وأمامه مشوار طويل‏,‏ خاصة أن العريس المتقدم لن يكلفهم قليلا ولاكثيرا‏.‏ ورفض الجميع سماعي وحاول الشاب مرة أخري ومرات‏,‏ ولكي ينهي والدي هذا الموضوع زوجني في خلال خمسة أشهر رفض خلالها خروجي من المنزل واشترت أمي لي بعض الملابس والأجهزة البسيطة‏.‏ وانتهي الأمر ووجدت نفسي زوجة أعيش في أحد الأحياء الشعبية بالقاهرة ورضيت بقضاء الله‏.‏ ومرت الأيام وكل يوم اكتشف فروقا كبيرة بيني وبين زوجي ربما يكون سببها الفارق في السن والتفكير‏,‏ وتبخرت الأحلام التي وعدتني بها أمي‏,‏ فزوجي موظف حكومي ومرتبه لايكاد يكفينا ونعيش في شقة ضيقة بحي شعبي لاتكاد تفتح الشباك حتي يطل عليك الجيران كالسجن وربما يكون السجن أهون منه‏,‏ وإذا حاولت مكالمة أسرتي في التليفون تحدث خناقة علي فاتورة التليفون‏,‏ ووجدتني منعزلة عن الناس‏.‏ ومرت الأيام ثقيلة ووجدتني أما لثلاثة أطفال ومحملة بهموم لاحصر لها‏.‏ ومنذ فترة زرت قريتي وأثناء دخولي لإحدي الصيدليات لشراء دواء لأمي إذا بي أقابل هذا الشاب ونظر كل منا للآخر دون أن ينطق بكلمة واحدة‏,‏ وخرج مسرعا ليركب سيارته وينطلق‏.‏ وعلمت بعد ذلك من صديقة قديمة في القرية أنه أصبح مدرسا بالجامعة وأنه حصل علي الدكتوراه من الخارج وتزوج من احدي زميلاتي بالكلية والتي كانت من نفس القرية وتصغرني بعام واحد وأنجب أيضا ثلاثة أطفال‏,‏ ونظرا لتفوقه فقد سافر للعمل في الخارج وكل عام في مثل هذا الوقت يأتي ليقضي الاجازة مع أسرته هو وأولاده في القرية‏.‏ وحينما مررت ببيتهم القديم إذا به قد تحول إلي بيت جميل صغير‏,‏ وكأنه نفس البيت الذي حلمنا به معا‏.‏ وعلمت أيضا أنه اشتري شقة واسعة وجميلة في احد الأحياء الراقية بالقاهرة‏.‏ ووجدت الحلم الذي حلمت به معه يوما قد حققه ولكنه مع غيري‏.‏ ورحت أتجرع آلامي وحدي فوالدي الذي أخذ قرار زواجي بمباركة أخوتي دون أن يسمع لي أحد توفاه الله‏,‏ وأخوتي انشغل كل منهم بحياته وأسرته‏,‏ ولم يعد أحد منهم يزورني إلا كل عام مرة‏,‏ وأمي التي وعدتني بحلم الحياة في مصر المحروسة بعيدا عن الفقر لاترد علي ولاتملك من أمر نفسها شيئا‏,‏ وهكذا ياسيدي ضاع عمري وحلمي وأملي‏.‏ وكلما حاولت نسيان الموضوع وعدم التفكير فيه خوفا من ربي‏,‏ أجد ذلك الهجر والجفاء من زوج تعدي الخمسين من العمر‏,‏ وأتذكر لهفة الآخر واحترامه لي‏,‏ وأتذكر نجاحه وهو الذي تجاوز الثلاثين بقليل وأراه يبدأ حياته بخطي واثقة وأنا أكاد أنهي حياتي وطموحي‏,‏ فتغلبني نفسي البشرية علي التفكير فيما أنا فيه وأدخل في دوامة من الأسي والحزن‏,‏ وأنزوي علي نفسي لا أجد حتي من أشكو إليه همي وحزني سوي ربي‏.‏
ورحت أسأل نفسي لماذا يفعل بنا الآباء هذا؟ ولماذا يؤكدون أنهم يرون ما لانراه؟ وماذا تفعل الفتاة إذا أجبرها أهلها علي الزواج بمن لا ترغب؟ هل تخرج عن طاعة أهلها فتصبح في نظر المجتمع مجرمة وتسبب لأهلها حرجا كبيرا وتعتبر عاصية لله تعالي في نظر المجتمع؟ أم تطيعهم فتخسر حياتها وحلمها ولن يحمل أحد معها همومها أبدا بعد ذلك وسوف يتنكر لها الجميع ولا يصبح هناك حل يرضيها ولا يرضي المجتمع؟ ولماذا يتريث الآباء اذا أرادوا أن يقرضوا شخصا ما مبلغا من المال ولا يتريثون حيث يهبون حياة بناتهم لمن يطرق بابهم متعللين بأنه عريس مبسوط ومستريح؟ وماذا أفعل وأنا لم أعد أستطيع تحمل حياتي ومشاكلي مع هذا الزوج‏,‏ خصوصا بعد رؤيتي لما آل اليه حال هذا الشاب‏,‏ فقد زادت الأمور سوءا وأصبحت أكره حياتي كلها‏.‏ ولأول مرة أشعر بالحقد علي أحد‏,‏ فلقد تمنيت لو أن هذا الشاب كان قد فشل في حياته ولم يحقق شيئا حتي تتحقق نبوءة والدي وحتي يصبح عندي سبب احتمل به حياتي‏,‏ لكنه نجح وحقق كل ما كان يتمناه‏.‏ وأصبحت أحقد علي زوجته التي أخذت حلمي وحصدت كل هذا‏,‏ ولماذا حلمت معه طوال سنوات بهذا الحلم الجميل ثم تقطف ثمرة هذا الحلم فتاة أخري لم تعرف عنه شيئا؟ المجني عليه أنا أم الأهل أم المجتمع وبماذا تنصحني؟

*‏ سـيدتي‏..‏ كثير من الآباء يدفعون أبناءهم إلي الجحيم معتقدين أنه الجنة‏,‏ استنادا الي أفكار قديمة‏,‏ لا تري المستقبل في شاب ناجح طموح اختار أن يطرق الأبواب الصحيحة‏,‏ متجاهلين أن في هذا الاختيار صحيح الدين‏,‏ مفضلين الزوج الجاهز الذي لن يكلفهم شيئا دون الالتفات إلي رغبة الابنة ورفضها‏.‏ هذا الاستبداد في الرأي المستند الي طاعة الوالدين‏,‏ والثقة في حكمة الكبار ـ التي لا تكون صائبة دائما ـ يدفع ثمنها الابناء مثلك‏,‏ ولن أطيل في هذا الحديث لأنه لم يعد يجدي الآن‏.‏
الأزمةحاليا فيك‏,‏ تشتعل حرائق الذكريات داخلك‏,‏ لأنك لا ترين الا ما هو ليس حقك‏,‏ ولا تعرفين اذا كان الماضي هو السعادة التي توقعتيها أم أنه الشقاء الذي لم يكتب لك؟‏.‏
سيدتي‏..‏ إننا نعيش الحياة التي كتبت لنا‏,‏ سواء رسمناها بأيدينا أم بأيادي الآخرين‏..‏ وفي حالة مثل حالتك ليس أمامك الا الرضا بما أنت فيه‏,‏ فأنت أم لثلاثة أبناء‏,‏ وزوجك لم يرتكب جرما عندما اختارك زوجة له‏,‏ ولم يخدع أهلك بما ليس لديه‏,‏ فلماذا تستدعين كل طاقات الغضب والحقد لتسقطيها عليه الآن؟ إن الحياة ـ يا عزيزتي ـ شعلة اما أن نحترق بنارها‏,‏ وإما أن نطفئها ونعيش في ظلام‏..‏ تلك النيران التي نحياها جميعا بأقدار مختلفة أفضل بكثير من الظلام الذي يحاصر روحك الآن‏,‏ ظلام سيحرمك حتي من سعادة زائرة تطل عليك متمثلة في أبنائك‏,‏ وهم يكبرون بين يديك‏,‏ والحكمة التي تختزنينها وتدفعين ثمنها من سعادتك ستعود عليهم حتما عندما تتلافين أخطاء والديك في اختياراتهم في المستقبل ان شاء الله‏.‏ وأذكرك بالحديث الشريف لرسولنا الكريم ـ صلي الله عليه وسلم ـ‏:‏ إن الله بقسطه وعدله جعل الروح والفرج في الرضا واليقين‏,‏ وجعل الهم والحزن في السخط فلماذا كل هذا السخط‏,‏ إنك تنظرين الي ما في يد حبيبك السابق وزوجته‏,‏ وكأن السعادة كانت تنتظرك في شقة واسعة أو في دخل مادي كبير‏,‏ ويمكنك تلمس الشقاء لدي كثيرين ممن يمتلكون مثل هذه الأشياء‏.‏ تخلصي مما أسميته حقدا لأن الحقد لا يسكن قلب المؤمن‏,‏ وأرضي بعدل الله وقسمته وتجاهلي قسوة سريرك لتنامي جيدا‏,‏ فما أصعب علي الانسان أن يظل شاخصا في موطن الألم‏.‏
اغفري لوالدك حسن ظنه وسوء تقديره‏,‏ وانظري بحب وتسامح الي حياتك‏,‏ ولا تشغلي نفسك بما فات لأنه لن يعود‏,‏ تمني لهذا الشاب الناجح السعادة مع أسرته‏,‏ لأنه لم يخطيء في حقك‏,‏ وتذكري دائما تلك الحكمة التي تعلمنا فن التعامل مع ما نحن فيه حتي لو كان قاسيا ليس الشقاء أن تكون أعمي بل الشقاء أن تعجز عن احتمال العمي‏..‏ أنار الله بصيرتك وطهر روحك وأسعد أيامك مع أسرتك الصغيرة التي تحتاج الي صفاء نفسك ومحبتك‏..‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏
المزيد ....

أشــباح الحــب

21-10-2005
سيدي ‏:‏ أنا مهندسة في منتصف الثلاثينيات من عمري‏,‏ أعمل بإحدي الشركات الاستثمارية المرموقة‏,‏ تزوجت منذ ما يقرب من سبعة عشر عاما وأنا ماأزال في بداية دراستي الجامعية من نجل أحد معارف والدي وبدا لي حينها انه شاب متدين حريص علي الصلاة في أوقاتها وكنت قد نشأت في أسرة متدينة محافظة فلم يكن لي علاقات بشباب في مثل سني ولم أعرف ماهو الحب من قبل ولاخبرة لي أبدا بعالم الرجال فوافقت علي الزواج من هذا الشاب طمعا في تدينه رغم بساطة إمكانياته مقارنة بإمكانات عائلتي وكانت هناك بوادر في فترة الخطوبة تنبئ عن عدم تفاهم بيني وبينه بجانب ما تكشف لي عن بخله الذي فسرته انا بضيق ذات يده وما أحسسته من طمع منه في مساندة زائدة من عائلتي له في الزواج ولكن استمررت في الخطبة علي أي حال حيث قدرت وقتها انه من الصعب ان اجد انسانا يحوز علي كامل اعجابي ورضائي حيث ان لكل انسان عيوبه ومزاياه‏..‏ وهكذا تزوجت وبدأت حياتي معه فصدق حدسي وتأكدت منذ الأيام الأولي للزواج ان الحب والانسجام مفقود بيننا‏,‏ ومرت سنتان أنجبت فيهما ابنتين وسافر بعدها زوجي للعمل في احدي الدول العربية وحرص علي عدم اصطحابي مبررا لي ان مدة عمله لن تزيد علي أربع سنوات يرجع بعدها بصفة نهائية لمصر ولكن مرت سنوات وراء سنوات حتي بلغت مدة سفره أربعة عشر عاما كان يأتي خلالها لرؤيتي والبنتين في الاجازات فقط وعانيت طيلة هذه السنوات من الوحدة والحرمان العاطفي والتعرض للفتن التي نجوت منها بستر الله‏,‏ كما عانيت من تحملي لمسئولية تربية البنتين وحدي حتي بلغتا سن مشارف الشباب ورفض زوجي بإصرار طوال هذه السنوات اقامتي معه في مقر عمله وحجته الأزلية في ذلك أنه لاداعي لتشتت بنتينا في المدارس ومع مرور السنين وزيادة مشكلات صحية طرأت علي زوجي رغم انه في سن الشباب‏,‏ تباعدت وضعفت ثم تلاشت العلاقة الزوجية بيني وبينه وكان هذا أمر الله فاستسلمت لاقداري وكنت أحاول التغلب علي حرماني العاطفي بانشغالي بعملي ورعاية بناتي حتي حدث في أواخر شهر مايو الماضي مالم أحسب حسبانه‏,‏ كنت مع إحدي صديقاتي في النادي الرياضي الكبير نتسامر علي مائدة بين الأعضاء فاذا بي فجأة أشعر بظل انسان يقف بجانبي تسارعت معه دقات قلبي وأنفاسي وسرت رجفة في جسدي لاأعرف مصدرها وسمعت صديقتي تهمس ان هناك رجلا يحوم حولي فرفعت عيني اليه لأول مرة لأجد رجلا في منتصف الخمسينيات من العمر‏,‏ ممتلئ الجسد‏,‏ به صلع خفيف وتبدو عليه امارات الاضطراب وتطل من عينيه نظرة نادرة هي مزيج من الحب والعطف والرغبة في آن واحد وأقسم بالله تعالي ان ما من أحد في حياتي كان له مثل هذا التأثير علي ولم أتخيل ان أعيش مثل هذه المشاعر من قبل بعدما وصلت الي سن النضوج‏,‏ وانصرف هذا الانسان من جانبي سريعا بعدما رأي دبلة الزواج في اصبعي وهو يلتفت وراءه ويشيعني بنظرات الحب والحسرة في آن واحد وتمالكت أنا رباطة جأشي بعد فترة وسط تعجب صديقتي مما حدث ورجعت الي بيتي وأنا عازمة علي نسيان ما كان ولكن كيف‏,‏ فأنا لم أقدر علي مقاومة مشاعري وسعيت لرؤيته مرة ثانية رغم أني لا أعرف أي شيء عنه حتي ولو مجرد اسمه وأصبحت أتردد علي النادي ليل نهار واختار أحد المواقع القريبة من البوابة وأراقب الداخلين لعلي أراه مصادفة وأظل علي حالي بالساعات وتكرر الأمر طوال شهر كامل وفي النهاية كانت مكافأتي علي صبري هي رؤيتي لمن أحب بالمصادفة صباح احد ايام الاجازات في حديقة النادي وكانت بالمصادفة خالية إلا مني ومنه فقط وأصيب هو بفرحة غامرة لرؤيتي وجلست الي مائدة قريبة وهو يصوب نظراته النادرة لي وانتظر هو ان ابتسم له أو أبدي أي بادرة اهتمام فلم أفعل رغم شوقي البالغ اليه وفرحتي المماثلة لفرحته برؤيته ذلك انني تربيت في بيت يحتل الدين فيه أهمية بالغة وعلمني أهلي أن الحفاظ علي اسم الزوج وعرضه أمر مقدس ولم أكن لأسعي أبدا لأتعرف علي رجل ما وأنا علي ذمة آخر مهما تكن الأسباب فتصنعت التجاهل وأنا أحترق شوقا واختفت نظراتي وراء نظارتي السوداء حتي لا تفضحني عيوني وبعد فترة طويلة من الترقب غادر هو المكان وهو يشيعني بنفس نظرات الحب والحسرة وانخرطت انا في بكاء مرير وحيدة في الحديقة وساءت حالتي النفسية حين رجعت الي بيتي واستمررت في التردد علي النادي حتي رأيته مرتين متتاليتين في الشهرين التاليين في الصالون الخاص بالنادي وكالعادة اكتفيت بمجرد وجودي بجانبه ورؤيتي السريعة له من خلف نظارتي السوداء وكان الحال ليستمر هكذا الي الأبد حيث ان أملي في علاقة شرعية بهذا الانسان الذي أحبه قلبي كان أملا مقطوعا‏,‏ ولست أنا بمن ترضي ان تقيم علاقة غير شرعية ايا كانت المسوغات وحدث بعدها في حياتي أمر مهم حيث اختلفت مع زوجي علي احد الأمور المادية فاذا بي لأول مرة أثور علي البخل والتجاهل والعجز والفشل الزوجي وقررت انني لن أحتمل الوضع هكذا في علاقة زوجية هي معاناة وحرمان أكثر من أي شيء أخر ورغبت بشدة في تغيير حياتي التعيسة التي كنت قد تعودت عليها ولكن ظهور هذا الشخص المحب الرائع في حياتي جعلني أتمرد علي تعاستي ونبهني الي أن مقاومتي قد انهارت ورأيت ان استمراري علي وضعي الحالي في هذا الزواج قد يرشحني للسقوط في بئر الخيانة‏,‏ فطلبت الطلاق من زوجي وأصررت عليه رغم تدخل الأهل الذين نصحوني بمراعاة مستقبل وسعادة البنتين ولكني قررت لأن ارتكابي لأي خطيئة محتملة سينتج عنه فقداني لديني واحترامي لذاتي للأبد وعندئذ لن ينفعني الأبناء في شيء إذا ما غضب علي ربي‏,‏ وحصلت بالفعل علي الطلاق وأصبحت حرة وتجدد الأمل في قلبي في الارتباط بمن أحب وواظبت علي الذهاب للنادي‏,‏ لعلي أراه وأكلمه هذه المرة بضمير مستريح‏,‏ فلم يحدث للأسف ما أتمني ورأيت انه قد يكون علي سفر أو يكون قد يأس من موقفي السابق معه أو ارتبط بأخري‏,‏ حيث انني أعرف انه مطلق وله ابنة في نحو الخامسة عشرة من عمرها‏,‏ وقد مر علي وضعي هذا من الانتظار المرير ثلاثة إشهر‏,‏ ومشكلتي التي اطلب منك مساعدتي في حلها هي كيفية معرفة أثر من احب حيث لا أعرف عنه أي معلومة ولا حتي مجرد الاسم‏,‏ ولم أعد أراه رغم انتظاري له في ميعاده صباح يوم الاجازة الذي صادف ان رأيته فيه المرات القليلة الماضية‏,‏ وهداني تفكيري انه لو نشرت مشكلتني تلك في بابكم الكريم فربما يقرأها وهو يعرف نفسه‏,‏ وقراء هذا الباب كثيرون قد يكون من اتمني منهم‏,‏ وحينئذ قد يدرك سبب تجاهلي المصطنع له ولربما يكون مازال كما كان ويأتي في الموعد والمكان الذي يعرفه ويكون بذلك بابكم سببا في انتهاء عذاب قلبي الذي لايعلمه الا الله‏.‏
سيدتي‏..‏ الحقيقة إنني لم انشر رسالتك املا في ان يقرأها هذا الرجل الغامض‏,‏ فيأتيك هرولة لتحقيق حلمك الرومانسي‏.‏
لأني ومع تسليمي ـ احيانا ـ بقدرية الحب التي تجعله يهبط علي القلب دون مقدمات أو مبررات‏,‏ إلا ان من في مثل ظروفك ووضعك العائلي تجعلني أتردد في قبول فكرة اصابع القدر التي تقلب القلوب ولانملك امامها من أمرنا رشدا‏..‏
فعندما رأيت هذا الرجل الذي لفتت انتباهك اليه صديقتك‏,‏ كنت راضية قانعة بما انت فيه‏,‏ وان كانت أشباح الحب تطاردك منذ بدايات الزواج‏..‏ هذه الأشباح جعلتك مهيأة تماما لأي اقتحام‏,‏ وجاءت أجواء ظهور هذا الرجل‏,‏ ومعرفتك بأنه يلاحقك ويحوم حولك‏,‏ فتفجرت بداخلك كل ينابيع الشوق والاحتياج‏,‏ وتذكرت كل معاناتك وصبرك علي الحياة التي لم تتحقق خلالها‏,‏ فتشبثت بهذا المجهول ووصلت الي نهاية الخيال وانت علي أرض الواقع‏,‏ اخترت الطلاق من أجل الزواج بشبح لاتعرفين عنه شيئا‏,‏ هل هو رومانسي ياسيدتي؟ هل هو حنون؟ هل هو سليم صحيا؟ هل هو كريم؟
ماذا تعرفين عن هذا الرجل حتي تقرري ان يكون شريك حياتك المقبلة؟
قد يحدث ويظهر هذا الرجل مرة أخري ـ سواء قرأ رسالتك أو بالمصادفة ـ ووقتها لاتنظري اليه من خلف نظارتك السوداء‏,‏ اعيدي النظر مرة أخري الي من يمكن ان يواصل معك رحلة عمرك‏,‏ اعرفي لماذا طلق زوجته الأولي‏,‏ ربما ضاقت به هي الأخري وفعلت ما فعلته‏,‏ حتي لاتهربي من عذاب الي عذاب‏,‏ وهذه المرة سيكون الندم أكبر‏.‏
قلت لك في البداية أنني نشرت رسالتك لهدف آخر غير ما أردته مني‏..‏ فرسالتك تكشف مأساتين متكررتين في رسائل عديدة تصل الي من بريد الجمعة الأولي هي غياب الرجل‏,‏ الزوج والأب‏,‏ غافلا الفجوة التي يتركها في بيته‏,‏ امرأة وحيدة معذبة‏,‏ وأبناء لا يعرفون معني لمفهوم الاسرة والبيت‏,‏ رجل يضع نفسه موضع البنك‏,‏ مصدر دائم فقط لضخ الأموال‏,‏ دون ان يعي انه يفقد من رصيده الانساني لدي زوجته وأبنائه‏,‏ ثم يعود معتلا ان لم يكن جسديا فنفسيا‏...‏ وقتها تبدأ المأساة الثانية‏,‏ فالزوجة تري وتلمس الفشل جاثما علي انفاس بيتها راضية ـ مؤقتا ـ بما هي عليه من عذابات ووحدة‏,‏ مرددة دون اقتناع ان ذلك حفاظا علي البيت والأبناء‏,‏ الي ان يحين الوقت متأخرا‏,‏ فتعلن العصيان والفرار‏,‏ ولكن بعد ان يصيب الشرخ كل جدران البيت‏,‏ لو كنت ياسيدتي قد وقفت منذ البداية وقفة معه‏,‏ لو كنت أصررت علي السفر معه‏,‏ أو عودته الي أسرته‏,‏ وإما الانفصال‏,‏ لتغير الحال سواء بالطلاق وضمان سلامتك النفسية انت وابنتيك اللتين تجاهلت أي كلام عن حالهما أو تفكيرهما ـ واما بالرضا بما هو متاح وممكن لحياة أسرية مقبولة‏.‏ وفي النهاية أتمني ان يكون ما هو ات افضل لك مما فات‏,‏ لاننا نضيع كثيرا من العمر بحثا عن السعادة‏,‏ حتي نكتشف ان العمر قد فات دون ان تعرف طريقها الينا بسبب سوء اختياراتنا أو تأخرنا في اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب‏.‏
وإلي لقاء بإذن الله
المزيد ....

فارس الظلام

14-10-2005
أنا سيدة في الأربعين من عمري‏..‏ لدي أربعة أبناء‏,‏ كلهم في الجامعة الآن‏.‏
كان زوجي رجلا طيبا بمعني الكلمة‏,‏ تزوجته بعد قصة حب وعشت معه في البداية أجمل أيام عمري‏,‏ لكنه انشغل عني بعمله وطموحاته التي لاتنتهي‏,‏ فلم يكن هناك وقت للحب بعد الزواج‏.‏

لكن لابد أن أعترف لك أنه كان يحاول إسعادي بشتي الطرق فهو لم يحملني مسئولية شيء وبرغم إنشغاله الشديد في عمله إلا انه كان يوفر لي وللأولاد كل أسباب الراحة والهناء ماعدا ماكنت افتقده كثيرا وهو الحب الرومانسي‏.‏

لم يكن لدي زوجي وقت لهذا الحب فكنت أشغل نفسي بكتابة الشعر والقصص وأفرغ الكبت الذي أعاني منه في الكتابة‏,‏ فأنا امرأة رومانسية جدا‏,‏ يمتليء قلبي بالحب بما يكفي الدنيا كلها‏..‏ لكني كنت أشعر بأن الحب الذي أخنقه بداخلي يكاد يقتلني وكنت أعرف جيدا أن زوجي يحبني وأنا أحبه‏,‏ لكنه لايمنحني هذا الشعور إلا بمقدار بسيط جدا‏..‏

كنت لزوجي الزوجة والحبيبة والأم والصديقة وهو أيضا لم يكن يعرف غيري في حياته ولم تدخل أي امرأة أخري قلبه‏,‏ كان يقول لي أنت زوجة بكل الزوجات‏,‏ المثني والثلاث والرباع‏,‏ ويصف لي كيف يرتاح معي‏,‏ وكيف أني ذات أنوثة غير عادية ولكنه فقط لايجد وقتا ليسمعني الكلام الحلو الذي أحتاج إلي سماعه‏.‏

ومرت السنوات‏..‏ الأولاد يكبرون وزوجي يزداد انشغالا علي انشغاله وبدأت الكوابيس تطاردني‏..‏ كنت أحلم بأنه مات ودخل رجل آخر حياتي يشبع حاجتي إلي الحب‏,‏ وكنت أصحو من نومي فزعة‏,‏ فيصمم زوجي علي أن يعرف مابي وبماذا حلمت‏..‏ وفي مرة حكيت له هذا الكابوس المتكرر‏,‏ فقال لي إنه يحلم هو أيضا بأنه سيموت دون أن يفرح بأولادنا ولذلك يضاعف عمله حتي يؤمن لنا مستقبلا كريما من بعده‏..‏ والغريبة أنه مرض بعد فترة قصيرة بمرض خطير أودي بحياته‏.‏

اسودت الدنيا في وجهي‏..‏ كنت في السابعة والثلاثين من عمري فترملت مبكرا وأصبحت أحمل مسئولية البيت‏..‏ افتقدت الراحة والارتكان إلي رجل قوي حمل عني كل المسئولية طوال حياتنا معا‏.‏ أصبحت أشعر بالوحدة وبأن برد الدنيا في جسدي‏..‏ إلي أن أصبت بمرض جعلني أتردد علي الأطباء المختصين بدون فائدة حتي قابلت طبيبا طيب القلب وحنونا أخذ بيدي وكأنه ملاك نزل من السماء‏,‏ كان يداوم علي السؤال عني والاهتمام بحالتي فكنت كلما رأيته أحسست أن قلبي يرتجف وكنت ياسيدي أراه بحكم الجيرة كل يوم فهو يسكن في نفس الشارع الذي أسكن فيه‏.‏

لا أدري ماذا حدث ولكني وجدت نفسي مشدودة إليه‏..‏ أنتظر اللحظة التي يهل فيها علي ويركن سيارته وينزل منها إلي بيته بفارغ الصبر‏..‏ ينتفض قلبي وتطفو البهجة علي ذاتي ثم سرعان ما أفيق علي الحقيقة‏,‏ سيذهب هو إلي زوجته وأولاده وأظل أنا وحيدة في الشرفة أتجرع حزني ووحدتي بدونه‏!‏

مرت الشهور‏..‏ مر أكثر من عام وأنا أتعذب بحبي له‏,‏ حتي ذهبت مرة إليه في عيادته للكشف علي فوجدته ينظر إلي بحنان ويتحدث معي بتودد لم أعهده فيه فأحسست انه عرف كم أحبه وانه يبادلني نفس الشعور‏,‏ في اليوم التالي اتصلت به وقلت له‏:‏ أريد أن أراك لأني منهارة‏.‏ وفي عيادته لاحظ كم أنا منكسره فطلب مني ألا أنكسر هكذا أبدا لأي سبب من الأسباب وأخذ يدي واحتضنها فارتميت في صدره أبكي‏..‏ اعترفت له أنني أحبه وأتعذب بحبه فقال لي انه هو أيضا يحبني منذ زرته أول مرة‏.‏

وتواعدنا علي الحب طول العمر ووعدني ألا يتركني أبدا فهو لايستطيع أن يبتعد عني‏..‏ وتكررت لقاءاتنا وكلما التقيت به أغيب من السعادة علي صدره وأقول له‏:‏ أنا لا أريد من الدنيا شيئا أكثر من هذا يكفيني حنانك وحبك‏.‏

أما هو فقد أقسم لي علي انه سيعوضني عما عانيته في حياتي‏..‏ عشنا علي حلم أن يكبر أولادنا ونتزوج‏,‏ وكنت أتساءل هل أنا أنانية لأنني لم أفكر في زوجته وشعورها إذا عرفت بقصة حبنا‏,‏ ثم أعود وأتغافل عن السؤال وأقول أنا لم أقصد أن أضرها ولم أعرف انه متزوج قبل أن أهبه قلبي وكل كياني‏.‏

المشكلة ياسيدي انه يطلب مني الآن أن يخرج من حياتي لأنه اكتشف ان زواجنا مستحيل طالما بقيت زوجته معه‏..‏ لكنها لو توفيت ـ لاقدر الله ـ سيرتبط بي فورا‏..‏ أحيانا يكون صلبا في موقفه هذا وأحيانا يضعف ويحتضنني ويقول لي انه يحتاجني في حياته بشدة وفي كل الأحوال أري حبي في عينيه‏..‏

لا أعرف لماذا بعد كل هذا الحب يأتي الفراق؟ لماذا يحرمني القدر من الحب بهذه القسوة‏..‏ لماذا يظلمني حبيبي ويظلم نفسه؟ ماذا أفعل ياسيدي‏,‏ لقد أصبحت أعاني من ارتفاع شديد في ضغط الدم لشدة حزني عليه‏..‏ أرجوك أن تخفف عني ولاتجرح مشاعري ساعدني علي تخطي حزني ولاتظلمني أو تظلمه‏,‏ لعلي أجد في رأيك شفاء ودواء‏..‏ خاصة وأنا أشعر أنني سأموت قريبا‏.‏

*‏ غريب أمر الإنسان منا‏,‏ لايرضي أبدا‏,‏ كثيرون يحلمون بدخول القلعة المحاصرة‏,‏ والبعض يحلم بالخروج من هذه القلعة ـ أما الصنف الثالث فهو مثلك‏,‏ كان يعيش في قلعة بها عوامل كثيرة للسعادة‏,‏ ولكنه لم يكتف بها فظل يحلم بقلعة أخري‏,‏ وعندما شاءت الأقدار أن تفتح الأبواب هام علي وجهه بحثا عن حلم خادع‏,‏ فإذا ما فشل اتهم الأقدار بأنها تحرمه من السعادة‏!‏

هكذا أنت ياسيدتي‏,‏ كنت تعيشين مع رجل أفني عمره سعيا لإسعادكم‏,‏ وكان يغدق عليك بكلمات الحب‏,‏ معتذرا برقة عن ضيق الوقت الذي لايسعفه كي يعبر لك عن عظيم حبه‏.‏

لم يرضك هذا الواقع الجميل‏,‏ فهربت إلي الأحلام بحثا عن سعادة كاملة في خيالك فقط‏,‏ جاهلة أن السعادة في حياتنا دائما منقوصة‏,‏ وأننا نخطيء كثيرا عندما لانستمتع بالسعادة التي نحياها‏,‏ معتقدين أنها تختبيء في مكان آخر تنتظر أن نختطفها‏.‏

لقد كنت مهيأة ياسيدتي للوقوع في الحب مع أول طارق‏,‏ فحلمك يسكنك‏,‏ نداهة في داخلك تجذبك نحو مجهول يطاردك في الحلم‏,‏ صورة رومانسية سينمائية‏,‏ قد تخيب إذا قررنا عمدا تحقيقها‏.‏ مشاعرك التي أطلقتها إصطدمت بالطبيب بعد مرواغات إستمرت عاما كاملا‏..‏ وجدك في صدره منهارة‏,‏ فأطل الحب الذي صنعته باللاوعي‏,‏ إنها السعادة المجانية المؤقتة التي قدمتها له راضية‏,‏ فلم يرفضها وعندما تحول الأمر إلي حديث عن الزواج‏,‏ تحول الحب إلي تسويف ووعود بالزواج بعد تخرج الأبناء‏..‏ وتحول الحب إلي قيد‏,‏ فقدت المغامرة كثيرا من فورتها وثورتها‏,‏ واصطدمت بألم قادم‏,‏ بمواجهة مع واقع في قلعة مستقرة مثل قلعتك السابقة‏,‏ وهو لايريد الخروج منها‏,‏ هو الآخر كان يريد استكمال سعادته دون أن يدفع أي ثمن‏,‏ وعندما طالبته بالثمن‏,‏ إختار الهرب‏.‏

ليس حبا ياسيدتي‏,‏ فالحب لايعرف الظلام‏,‏ وإذا أوجد مبررات لهذا الظلام‏,‏ فإنه يصبح خداعا وزيفا‏.‏

لا أريد أن أصدمك في أحلام انقضت‏,‏ ولكن عليك أن تستيقظي وتتنازلي عن أنانيتك‏,‏ وتتذكري أن لك أبناء في حاجة إليك بعد رحيل والدهم الحنون‏.‏ لا أقصد بذلك أنه لم يعد لك حق في الحياة والزواج‏,‏ ولكن إفعلي ذلك فاتحة عينيك‏,‏ لأن إغماضهما لن يأتي بذلك الفارس الذي لا يأتي إلا في الأحلام‏,‏ فكل فارس يتحقق في الواقع‏,‏ سيجعلك تبحثين عن آخر لايأتي أبدا إلا في الظلام‏.‏
المزيد ....

القلــب الحــرير

07-10-2005
بكيت كثيرا بعدما قرأت بريد الجمعة‏(‏ القلعة المحاصرة‏)‏ بكيت لأنني كنت يوما مثلها‏,‏ أفكر مثلما تفكر‏.‏

بكيت لأنني الآن احتاج منك كلمات تخفف عني وأنا بداخل هذه القلعة التي كنت أظنها كما قالت أختي صاحبة الرسالة‏,‏ سأشعر فيها بالأنوثة والرغبة في الحياة‏.‏

أستاذي الفاضل‏,‏ أنا سيدة عمري‏30‏ عاما تزوجت منذ‏8‏ سنوات وأنا من عائلة متدينة والحمد لله أعطاني الله كثيرا من مقومات الزواج وكان المستوي المادي والاجتماعي عاليا والحمد لله‏,‏ والدتي كانت طبيبة غير عاملة‏,‏ وكنت أدرس في كلية الطب وكان والدي استاذا في هذه الكلية وكان يري أن الناحية المادية ليس لها أهمية فيمن يتقدم لخطبتي لذا كان يتوسم الدين والخلق فقط‏,‏ وكنت مقتنعة بذلك لذا قبلت بزوجي بالرغم من أن ظروفه كانت صعبة للغاية ولأنني لم يكن لي أخ يكبرني احسست أن زوجي هو الأخ الذي افتقدته‏,‏ ولأن والدي بحكم ظروفه كان دائم البعد عني أردت أن يكون زوجي الأخ والوالد‏,‏ ولأنني كنت ملتزمة في الجامعة فلم أصادق في حياتي أي شاب أو أحدثهم فإنني احتجت إلي أن يكون زوجي الأب والأخ والحبيب‏,‏ فكان أول انسان أحدثه وأتعامل معه من الجنس الآخر‏,‏ أحببته جدا جدا جدا ورأيت أنه أعظم نعم الله علي واندفعت اليه بكل كياني ومكوناتي أملا في أن أجد عنده الهدوء والاطمئنان والحب والحنان والسكينة والاستقرار‏,‏ كنت في شدة الحاجة اليه وتزوجني وكنت سعيدة مع أنه رفض مساعدة أهلي له بشدة‏,‏ لأنه يريد الاعتماد علي نفسه ولا يحب أن يأخذ شيئا من أحد‏,‏ تزو
جنا في شقة صغيرة ليس بها أي قطعة أثاث غير غرفة النوم فقط وكانت حياتي في البداية قاسية جدا وتحملتها بصدر رحب حتي بعدما فتح الله عليه وتجاهل جميع مطالبي ولم يحضر لي أثاثا لمنزلي أو تلفازا أو كمبيوتر أو أي وسيلة ترفيه ومنعني من العمل‏,‏ صبرت وتحملت ومازلت أتحمل أشياء كثيرة يطول شرحها‏.‏ ولكن شيئا ما انكسر بداخلي منذ أن بدأ زوجي وأنا أم لثلاثة أطفال ينظر إلي نظرات إهانة ويلقي علي كلمات بذيئة وتشبيهات صارخة علي جسدي الذي أصبح وزنه غير مثالي‏,‏ وينظر إلي الفتيات في الشارع أو الفيديو كليب ويقارن أجسادهن الممشوقة بي‏,‏ ليس ذلك فقط بل أخبرني أنه سيتزوج من أخري وأن من حقه ذلك إذا وجد الفرصة‏,‏ وعندما أبكي وأخبره أنني أنثي لا أتحمل من جانبه هذا يخبرني أن الأنثي صارت تحمل مقاييس أخري غيري أنا‏,‏ بدأت من كثرة تعليقاته القبيحة أمام أولادي واخوتي‏,‏ أشعر بالمرض‏,‏ نعم شعرت أنني مريضة‏,‏ والله أشعر بذلك وأري في احلامي أنني أقطع من جسدي بالسكينة‏,‏ ولا أستطيع أن أفعل كما تقول صاحبة الرسالة أن ألبس كما أشاء أمامه فإذا لبست شيئا قصيرا أمامه أظهر اشمئزازه ويأمرني أن أغطي ذلك المكان السييء كما يقول‏:‏ ولأنني أحب أن ألبس بداخل منز
لي أحدث وأجمل الصيحات فألبسها حين يكون خارج المنزل لأنني فعلا أجد راحتي في لبس ماأريد‏,‏ وكم أطير من السعادة عندما أسأل ابنتي عن رأيها في فستاني فتجيبني أنه رائع‏,‏ وأتمني أن أسمعها منه‏,‏ لماذا أفقد ثقتي بنفسي الآن‏,‏ أفقدها وأظل صامتة عندما يثني علي الأخريات أمامي ويقبحني ويعقد المقارنات وإذا نزلت مني دموعي متأثرة بذلك لا يتأثر ولا يخفف عني مع أنني أنيقة في ملبسي جدا‏,‏ نظيفة ومتناسقة المظهر والحمد لله‏,‏ ومع ذلك يشعرني دائما بأنه كم سيصبح سعيدا إذا تزوج بأخري من الوجوه اللامعة التي لا هم لهن إلا عرض المفاتن‏,‏ سيدي هل هذه الوجوه ستحبه مثلما كنت أحبه وهل ستضحي بجميع ما لها مثلما فعلت أنا عندما تعرض لظرف قاس في حياته‏,‏ هل ستترك عملها ومستقبلها من أجل أن تتفرغ له وللأولاد‏,‏ لا أعرف ياسيدي لماذا تغمض عيناه عني؟

أنا الآن أشعر أن حبه قد مات بداخلي وأنه سحب كل رصيده من عندي وأنا الآن الحمد لله أستعيد لياقة جسدي بحرمان شديد من الطعام ولا أستطيع أن أنسي هذه الأيام بل هذه السنين ولو لم يكن عندي أطفال أبرياء لكنت خرجت من تلك القلعة بدون عودة أبدا وما استسلمت لما أشعر به الآن من الوحدة واليأس وعدم رغبة في الحياة‏..‏

أتمني من الله أن تصلك رسالتي وتكتب لي علني أجد في كلماتك شمعة تنير طريقي إلي الأبد‏.‏

*‏ سـيدتي‏:‏ لم أفهم سر هذا التغير في نظرة زوجك إليك وأسلوب تعامله معك‏,‏ لذا سأستبعد احتمالات أن تكون هناك أسباب أخري خاصة بك لم تذكريها في رسالتك قد تكون سببا في هذا التحول الغريب‏.‏

فأنت فعلت كل شيء من أجل هذا الزوج‏,‏ اخترته وهو فقير لخلقه ودينه‏,‏ تحملت مصاعب البدايات‏,‏ وشاركته في رحلة كفاحه حتي فتح الله عليه‏.‏ وفجأة حدث هذا التحول بعد انجاب ثلاثة من الأبناء‏,‏ هل كان زوجك كاذبا‏,‏ مخادعا‏,‏ ولم يكن علي دين وخلق كما اعتقدت‏,‏ فانقلب عليك‏,‏ منتقما منك لأنك المرأة التي تذكره بمعاناته وبفقره؟

أم أنك كنت تعايرينه وتذكرينه بتلك الأيام؟‏!‏
الاحتمال الثاني أن يكون زوجك من هذا الصنف من الرجال الذي يري بعينه أكثر مما يفكر بعقله‏,‏ وبعد أن استراح ماديا‏,‏ واستنزف النجاح سنوات عمره الشابة‏,‏ بدأ يتلفت حوله ليجدك مشغولة بأطفالكما‏,‏ مهملة في نفسك‏,‏ فاستسلم لأهواء عينيه معتقدا أن نموذج فتيات الفيديو كليب ومطربات هذه الأيام اللائي يظهرن علي الشاشات في أحلي صور كاذبة وخادعة ـ هن الصورة الطبيعية للمرأة التي تليق به‏,‏ فاختار أن يعيش في الأوهام‏,‏ مسقطا عليك كل إحباطاته وعجزه‏,‏ متجاهلا أن ما وصلت إليه نتيجة لمسئولياتك الثقيلة في رعاية وتربية ثلاثة من الأبناء‏.‏

نعم‏,‏ علي الزوجة ألا تهمل في نفسها‏,‏ وألا يشغلها الأبناء عن الحفاظ علي أنوثتها أو الاهتمام بزوجها‏,‏ ولكن علي الزوج أيضا مسئولية الاهتمام بشريكة حياته ومساعدتها في تحمل المسئوليات‏,‏ ولفت انتباهها إلي أهمية الحفاظ علي جمالها وأناقتها‏.‏ ولكن الرجل الشرقي ـ في بعض الأحيان يفضل أن يترك الزوجة تستدرج إلي مغارة الاهمال والانشغال‏,‏ حتي يكون لديه المبرر للتجول بعينيه بين الحسناوات ليكمل بهن الصورة التي يتمناها أو يقنع نفسه‏,‏ إذا كانت شخصيته مهزوزة‏,‏ بأنه جدير بامرأة في مثل هذا الجمال‏.‏
سيدتي‏..‏ لقد بدأت في معرفة الطريق الصحيح‏,‏ إهتمي بنفسك‏,‏ استعيدي رشاقتك‏,‏ اهتمي بمظهرك‏,‏ وتجاهلي تماما رأي زوجك‏,‏ اهمليه مؤقتا‏,‏ حتي تستعيدي ثقتك بنفسك‏,‏ فالثقة لا يمنحها لنا الآخرون‏,‏ إذا لم تنبت من داخلنا‏,‏ وقتها قد يفيق هذا الزوج الظالم ويعلم أن الكلام الخشن يخشن القلوب التي هي أنعم من الحرير مثل قلبك‏,‏ ويتوقف عن الحديث عن الزواج بأخري‏,‏ لأن الذي يريد أن يفعل لا يقول‏,‏ وربما فعل ذلك لاستفزازك‏.‏ أما إذا استمر في أسلوبه المستفز الجارح‏,‏ وثبت لك يقينا أن هذا القبح جزء من نفسه‏,‏ فليس أمامك إلا خيارين‏,‏ أنت وحدك التي ستقرر أحدهما‏,‏ إما أن تختاري الانفصال حفاظا علي سلامتك النفسية والجسدية‏,‏ وإما أن يكون هذا القرار صعبا عليك‏,‏ ووقتها سيكون عليك أن تقبلي بوجوده كأب لأطفالك‏,‏ راضية باختيارك‏,‏ متجاهلة كل استفزازاته‏,‏ وإن كنت أري أن هذا الاختيار صعب وظالم لك وأنت في أحلي سنوات عمرك‏.‏
المزيد ....

القلعة المحاصرة

30-09-2005
أنا فتاة كبيرة في السن ولن اذكر سني لأن ليس هذا هو المهم‏,‏ ان المهم هو أن أفضفض لك عن مدي معاناة فتاة مثلي وحيدة لا ونيس ولا جليس‏,‏ وأنا متأكدة أن كل بنت في مثل ظروفي سوف تشعر بكل كلمة أكتبها‏,‏ ولا أريد منك سوي ان تخفف عني ببعض الكلمات التي قد تريحني‏.‏

ان الوحدة والفراغ‏(‏ العاطفي‏)‏ الكبير الذي اعيشه يجعل ايامي تمر كالسنين بلا هدف‏,‏ نعم بلا هدف‏,‏ لان الهدف الاسمي لكل فتاة هو ان تعيش من أجل رجل تشعر معه بالأنوثة والرغبة في الحياة‏..‏ ان تكون سعادتها من سعادته‏,‏ تفضفض له‏,‏ يشعر بها‏,‏ يلبي رغباتها العاطفية والاجتماعية‏,‏ أن تعيش لطفل يقول لها احلي كلمة‏(‏ ماما‏),‏ صدقني ياسيدي‏..‏ من الممكن طبعا ان تقول لي ليس هذه هي السعادة الحقيقية وليس هذا هو كل هدف الفتاة‏..‏ واقول لك نعم ليست هذه هي كل السعادة الحقيقية‏,‏ وانما هذه هي أساسيات السعادة‏,‏ فقل لي بالله عليك اي سعادة ستشعر بها الفتاة مهما عملت في مجال مرموق ومهما بلغت قيمتها الاجتماعية ومهما ومهما؟ وكل ذلك بلا اشباع عاطفي ان الزواج والاستقرار العاطفي هما اللذان يمهدان طريق الحياة‏,‏ فالفتاة بلا استقرار تكون مشتتة متوترة مخنوقة ليس عندها ثقة بنفسها ولو أظهرت غير ذلك‏,‏ سيدي ـ آسفة علي اسلوبي غير المرتب في الكلام ولكن هذا يعكس مابداخلي من اضطرابات نفسية شديدة امر بها ولايعلم بها احد حتي الاهل‏.‏

سأبدأ اتكلم عن نفسي واعذرني لكثرة كلامي فأنا حقيقة لا اجد من يسمعني‏,‏ خاصة عند الحديث في هذا الموضوع‏(‏ العيب‏),‏ فانا أبدو أمام كل الناس إنسانة جميلة مثقفة لبقة‏,‏ ذات مكانة اجتماعية مرموقة‏,‏ اعمل في مجال ولله الحمد موفقة فيه واحفظ بعضا من القرآن الكريم الذي هو سلوتي في هذه الدنيا‏,‏ ويحسبني كل الناس انسانة طبيعية‏,‏ ولكن أنا امام نفسي غير ذلك‏,‏ والله انني امام نفسي انسانة ضعيفة متوترة قلقة خائفة محرومة محرومة‏,‏ أنا ساعات اخلو بنفسي وابكي بحرقة إلي أن تجف دموعي ولا احد يشعر بي‏.‏

سيدي انني بحاجة شديدة لرجل يسمعني‏,‏ يحبني يخاف علي‏,‏ يحميني‏,‏ اشعر معه بانني انثي فهذا المعني تناسيته من زمان‏..‏ نعم تناسيت انني انثي‏,‏ فبحكم انني اعيش مع اخواني الذكور لا آخذ راحتي في لبسي اثناء الحر الشديد‏,‏ فأكون محتاجة فعلا ان البس شيئا قصيرا أو تكشف ذراعي ولكن لا استطيع إلا أن البس اللبس العادي الذي اكون مخنوقة به‏,‏ وليس من حقي ان أستمتع بلبس يريحني‏..‏

بحرقة شديدة اقول لك إنني في زهرة عمري‏,‏ عندما كان عندي امل في الزواج‏,‏ جهزت نفسي من مجاميعه من حيث الملابس وأشياء المطبخ والستائر وغيرها من الأشياء التي تجهز بها اغلب البنات نفسها الي ان يأتي النصيب‏..‏ و‏..‏ ان هذه الاشياء التي‏(‏ اشيلها‏)‏ في غرفتي قد أصبحت كالاشباح التي تخيفني‏,‏ وكلما نظرت اليها أقول لنفسي ياتري لو كتب لي ربي انني لن اتزوج هل ستبقي هذه الأشياء تذكرني بذلك الامر؟

ناهيك عن انني اموت في الأطفال ونفسي يكون لي طفل ويقول لي الكلمة التي احبها من قلبي‏,‏ واحترق عندما اسمع اي طفل يقولها‏,‏ سيدي أليس من حقي أن أتزين وأتدلع علي رجل يحبني وأحبه؟ اليس من حقي ان أشبع عاطفتي كأي فتاة طبيعية في الوجود؟ أليس من حقي ان تكون لي مملكتي الصغيرة الجميلة التي تكون تحت تصرفي؟ أليس من حقي ان ارعي طفلا واربيه علي القيم الفاضلة؟ انا اعرف جيدا ان الزواج ليس بهذه الصورة المثالية التي ارسمها‏,‏ ولكنني كأي انسان نفسي اعيش تجربة الزواج بحلوها ومرها لان هذا حقي‏.‏

ان الفتاة مهما بلغت قيمتها ياسيدي فهي بدون رجل حياتها تكون فارغة‏,‏ انا أنقل لك هذه الصورة التي تعانيها الفتاة التي تأخرت سنها ولم تتزوج‏,‏ بل تعاني اكثر من ذلك بكثير ولا أريد منك غير التخفيف عني ببعض كلماتك الحكيمة‏.‏

سـيدتي‏..‏ وهل يمكن للكلمات أيا كان عمقها أو حكمتها أن تزيح عنك بعض همك وحزنك؟‏..‏ ما أقسي علي الإنسان منا أن يغلق عينيه عن كل مايحياه‏,‏ ويغرق في ألم واحد معتقدا أنه السعادة وربما لايكون‏,‏ ولكنها الحياة التي تجعل من بحثنا عن السعادة طريقا إلي الحزن والشقاء‏.‏ نعم ياعزيزتي‏,‏ من حقك أن تحلمي بوطنك الخاص‏,‏ بزوج ترتدين له فستان الزفاف‏,‏ تصنعين مملكتك بيديك‏,‏ تحملين‏,‏ وتنجبين أطفالا‏,‏ تمارسين حقك كأنثي وكأم‏..‏ أقول من حقك أن تحلمي ـ مثل أي فتاة ـ بكل هذه الأشياء‏,‏ ولكن من قال لك إن البشر قادرون دائما علي الحصول علي حقوقهم‏,‏ التي يعتقدون إنها أمنيات يتعذر علي المرء أن يبلغها إذا لم تساعده الأقدار‏,‏ فالأقدار هي التي تحدد مايجب أن نحصل عليه‏,‏ وقمة الإيمان هي الرضا بما قسمه الله‏.‏ لن اقول لك ربما يكون في عدم زواجك خير‏,‏ وإن كان هذا حقيقة‏,‏ ولكن اعتقد أنك تعرفين الكثير من هذا الكلام بحكم تدينك وحرصك علي قراءة القرآن الكريم‏,‏ لذا سألجأ إلي مثل عربي يعلمنا أن ما لا يمكننا تغييره ينبغي تحمله‏,‏ يقول المثل إذا لم يحالفك الحظ فلن يسعك اللحاق به ولو كنت علي ظهر جواد‏..‏ نعم قد يسعي هو اليك في الوقت الذي يقدره الله سبحانه وتعالي لحكمة يعرفها وحده‏,‏ وإلي أن يأذن الله ليس أمامك إلا الأمل الذي يخفف الدمعة التي يسقطها الحزن‏..‏ الأمل هو الذي سيجعلك تتقنين فن العيش مع نفسك‏,‏ وفي تلك اللحظة التي تقبلين فيها الواقع سيهرب منك البؤس‏..‏ لكن كيف يمكنك تعلم هذا الفن؟
أولا تذكري شيئين‏,‏ الأول هو ما قاله الشاعر والأديب جبران خليل جبران‏:‏
لم يسعد الناس إلا في تشوقهم
إلي المنيع فإن صاروا به فتروا
والثاني المثل الأوروبي الذي يقول الزواج قلعة محاصرة‏,‏ من هو خارجها يود الدخول اليها‏,‏ ومن هو داخلها يود الخروج منها هذا هو حالنا ياسيدتي‏,‏ شئت أم أبيت‏,‏ والأفضل أن تقبلي به حتي يأذن لك الله بدخول تلك القلعة‏,‏ وحتي يحين ذلك لا أنصحك بالوقوف علي بابها‏,‏ ولكن أدعوك إلي الخروج للحياة‏,‏ ابحثي عن أوجه أخري للبهجة‏,‏ مارسي بعضا من أمومتك المختزنة‏,‏ توجهي إلي واحدة من دور الأيتام ـ ويمكنني مساعدتك في ذلك ـ اعطفي علي اطفال هم في حاجة إلي بعض حنانك واهتمامك‏,‏ صدقيني ستشعرين بسعادة لم تعرفيها من قبل‏..‏ إن ألمك الحقيقي هو احساسك بأن أحدا لايحتاج إليك‏,‏ فاصنعي دورك في الحياة بيديك وكلك رضا عن حالك‏,‏ آملة في روح الله التي لاتغيب‏,‏ وتذكري قوله في كتابه الحكيم‏:‏ إنه لاييأس من روح الله إلا القوم الكافرون وسيأتيك يوما من يطرق بابك سائلا عن زوجة صالحة مثلك‏,‏ ووقتها أتمني أن أكون من المدعوين‏..‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏
المزيد ....

الأصابع الملوثة

23-09-2005
هزمتني إدانتي لنفسي فليتني كنت التي ستدفع الثمن
‏‏أنا سيدة في منتصف الأربعينيات من عمري ـ متزوجة من موظف كبير في إحدي الشركات الخاصة‏,‏ لدي من الأبناء ولد وبنت‏..‏ الولد تخرج في الجامعة منذ‏3‏ سنوات والتحق بالعمل في وظيفة من تلك الوظائف التي يحلم بها أي شاب‏,‏ وابنتي مازالت في عامها قبل الأخير بالجامعة‏.‏

أما أنا يا سيدي ـ وليتني ما كنت ـ فأعمل طبيبة أمراض نساء وتوليد بواحد من المستشفيات الاستثمارية‏,‏ ولدي عيادتي الخاصة في منطقة من أرقي مناطق مدينتي‏..‏ يعني الوضع الاجتماعي والأدبي والمادي مرتفع‏..‏ لم تكن حياتي في بدايتها تنبيء بأني سأنتقل إلي هذه الطبقة الاجتماعية‏,‏ لأني نشأت في أسرة فقيرة نطلق عليها سترا وحياء أنها تنتمي إلي الطبقة المتوسطة‏..‏ الوالد موظف بسيط‏,‏ محدود الدخل‏,‏ والأم ربة منزل طيبة‏,‏ كل حلمها سعادة أبنائها الستة‏,‏ ورضا زوجها الكادح‏..‏ كنت دونا عن أشقائي‏,‏ جامحة‏,‏ طموحي جارح‏,‏ ورغبتي في التمرد والتميز والتفوق خارج حدود سيطرة أي شخص في العائلة‏.‏ حصلت في الثانوية العامة علي مجموع مرتفع‏,‏ والتحقت بكلية الطب في جامعة بمحافظة أخري غير تلك التي كنا نقيم بها‏..‏ هذا الابتعاد وهذه الغربة‏,‏ وكل التمرد بداخلي هي التي صاغت شخصيتي الجديدة التي سأواصل بها زحفي نحو ما وصلت إليه الآن‏.‏

لقد صدمتني المدينة الكبيرة‏,‏ بتناقضاتها‏,‏ بصباحها الكادح‏,‏ المبلل بعرق البسطاء‏.‏ وبليلها العاري الذي يتسع لوجوه مختلفة وكأنها لا تعرف ملامح أبناء صباح تلك المدينة‏,‏ القاهرة‏..‏ كنت حريصة علي الاختلاط بمن هن في مستوي مادي واجتماعي مرتفع‏,‏ أرصد فيهن انفتاحا صادما لكل ما تعلمته في بيتنا‏,‏ وازدواجية دائمة‏,‏ تكفيني للحفاظ علي نفسي من الانجراف إلي عوالمهن المثيرة بغبارها اللامع‏.‏

كان يستفزني كثيرا الحديث الدائم عن الأخلاق‏,‏ وأصحاب الحديث هم أبعد ما يكونون عنها‏..‏ وكان يؤلمني دائما نظرة المجتمع إلي المرأة‏,‏ مجتمع لا يري إلا الرجل‏,‏ لا يسمع إلا له‏,‏ ولا يغفر إلا خطاياه‏.‏

في السنة الأخيرة بالجامعة لفت نظر شاب من أسرة ثرية‏,‏ أعجبته أفكاري وصراحتي‏,‏ فطلب أن يرتبط بي فور تخرجي‏,‏ فرحبت كما رحبت أسرتي به‏,‏ وتم الزواج بسرعة‏..‏ لم يحاصر زوجي طموحي أو يكره نجاحي في عملي كطبيبة‏,‏ وإنما كان يري انشغالي مناسبا لانشغاله الدائم بعمله وسفره المتكرر للخارج‏..‏ واستمرت الحياة هادئة هنية‏,‏ ولد وبنت في ثلاثة أعوام‏.‏

كبر الأبناء‏,‏ وسافرنا مع زوجي إلي إحدي الدول الخليجية المنفتحة‏,‏ التحقت بالعمل هناك في أحد المستشفيات‏,‏ واكتشفت أن الكذب والازدواجية في هذه المجتمعات الأكثر انغلاقا أكبر بكثير مما توقعت ومما اعتقدت أنه مقصور علي المجتمع الذي نشأت فيه‏.‏

سنوات قليلة وعدنا مرة أخري إلي مصر‏,‏ افتتحت عيادتي الخاصة وبدأ نجمي يرتفع وبدأت مأساتي‏..‏ ذات مساء زارتني في العيادة فتاة صغيرة‏,‏ جلست أمامي مرتبكة‏,‏ تتحدث بصعوبة‏,‏ وفجأة طلبت مني ما لم أتوقعه‏..‏ طلبت أن أجري لها جراحة تعيد إليها عذريتها‏..‏ طبعا انتفضت غاضبة‏,‏ طردتها من حجرة الكشف‏,‏ وبينما هي تنصرف باكية‏,‏ وجدت شيئا في داخلي يدفعني لإيقافها‏.‏ سألتها بكثير من الغضب وقليل من الحنان لماذا فعلت ذلك؟‏..‏ حكت لي أنها تعرضت لاعتداء من أحد أقاربها في غياب أسرتها‏,‏ ولم تستطع البوح لأحد بما حدث خوفا من الفضيحة‏,‏ واليوم تقدم لها عريس لم تستطع رفضه كسابقيه‏,‏ وقررت أن تلجأ إلي هذا الحل‏,‏ فإذا فشلت فيه ستهرب من المنزل إلي أي مكان‏..‏ تذكرت ابنتي‏,‏ واستعدت مفاهيم المجتمع الخاطئة عن معني الشرف الذي يختصر في المرأة‏,‏ أما الرجل فعندما يرتكب هذه الخطيئة ينال كل الإعجاب والتشجيع ممن حوله‏..‏ باختصار وافقت وأجريت لها الجراحة‏..‏ وتكررت الحكاية‏..‏ كل يوم فتاة وحكاية مختلفة‏,‏ حتي توقفت عن السؤال‏,‏ وتحول الأمر إلي شيء روتيني في حياتي‏,‏ نعم كنت أشعر أحيانا بحجم الجرم الذي أرتكبه‏,‏ وعندما أتلفت حولي ألتمس العذر ل
لبنات ولنفسي‏,‏ وأدعي أني أنقذ عائلات من العار‏,‏ وأحمي بنات من الإنحراف أو الانتحار وأساعدهن علي الستر‏,‏ لم أكن أحتاج المال كي أفعل ذلك‏,‏ كنت أشعر بسعادة ما‏,‏ أو بمعني أدق بشماتة ما تجاه المجتمع الكاذب‏,‏ مجتمع الذكور وكأني أنتقم من الرجال‏,‏ أتلفت حولي‏,‏ أنظر إلي زوجي وابني فلا أشعر تجاههما بنفس الإحساس‏,‏ لقد أصبت أنا الأخري بالازدواجية‏.‏

لم يكن أحد يعرف ما أرتكبه‏,‏ وبالتحديد زوجي‏..‏ عندما كنت أتحدث مع أبنائي عن الإلتزام والأخلاق أندهش من صوتي‏,‏ من صدقي وأنا الكاذبة‏,‏ ولكنها الحياة‏,‏ نتصالح مع أخطائنا حتي ندمنها ونعتاد علي التعايش معها وتقبلها حتي تصبح الخطيئة جزءا من تصوراتنا عن أنفسنا‏.‏

إلي هنا‏,‏ لم تبدأ المشكلة بعد‏,‏ فهذه أخطائي التي ارتضيتها وكنت أعتقد أن الثمن الذي أدفعه من عذاب ضمير كلما وقفت بين يدي الله هو الثمن الطبيعي والكافي لما أفعله مبررة ذلك بأن ما أقوم به وجه إنساني يغفر لي‏,‏ ولكنها الأقدار حين تمد إليك بكأس ملأتها أنت بيديك وتأمرك بأن تشرب منها‏.‏

فوجئت ذات يوم‏,‏ بابني الذي كنت أقرب إليه من أبيه‏,‏ يخبرني بأنه يعيش حالة حب رائعة مع إحدي زميلاته‏,‏ وأنه يثق في أخلاقها ويعرف أفراد أسرتها جيدا‏,‏ وطلب مني أن أحدد موعدا مع والده لزيارتهم في منزلهم من أجل التعارف أولا قبل أن يتقدم لخطبتها رسميا‏.‏ لأول مرة منذ وقت بعيد‏,‏ أشعر بسعادة غامرة‏,‏ كاد قلبي يتوقف من الفرحة‏..‏ ابني الكبير أصبح عريسا‏,‏ سيتزوج وينجب وأصير جدة‏.‏ عانقته ووعدته بإنجاز المهمة في أسرع وقت‏.‏ نقلت الخبر إلي زوجي‏,‏ فسعد هو الآخر‏,‏ واتفقنا علي موعد الزيارة‏,‏ علي أن نسأل عن أسرة الفتاة بعد اللقاء‏,‏ فابني يستحق جميلة الجميلات ذات الأصل الطيب وذات الدين‏.‏

لم ننم في تلك الليلة‏,‏ وفي الصباح حدد ابني الموعد وتوجهنا إلي بيت العروس‏,‏ البيت في منطقة راقية‏..‏ استقبلنا والدها بترحاب شديد‏..‏ جلسنا ننتظر طلة العروس ـ وليتها ما أطلت ـ ما أن رأيتها حتي كاد قلبي يتوقف‏,‏ وهي توقفت مكانها لدقائق بعد أن هرب الدم من وجهها‏..‏ إنها واحدة منهن‏,‏ من أولئك اللائي ترددن علي عيادتي سرا من أجل الستر‏.‏ أتذكرها جيدا‏,‏ برغم أني أجريت لها الجراحة منذ أكثر من عامين‏,‏ ولكن حكايتها مازالت عالقة في ذاكرتي‏..‏ جلست الفتاة دون أن تنطق بكلمة‏,‏ ابتسامة باهتة‏,‏ وعين متسللة تصطدم بعيني المنكسرة التي تدينها حتي الموت‏.‏ ليتني تركتها يومها تهرب أو تنتحر‏.‏ أدنتها ولم أعرف هل هي الأخري كانت تدينني؟‏..‏ أردت أن أسألها ألم يقل لك ابني أن أمه طبيبة؟ ألم يذكر لك اسمي؟ ربما وقتها كانت أبعدته عنها أو رفضت استقبالنا‏.‏

لم يفهم أحد من الحاضرين سر ما حل بي وبها‏,‏ الصمت كان هو البطل بين كلمات الترحيب التي طالت وحوار الرجال عن العيال اللي كبرت وكبرتنا بسرعة‏..‏ انصرفنا وأسئلة ابني وزوجي تلاحقني عن سبب توتري وصمتي المفاجئين‏,‏ وهل لم تعجبني العروس علي الرغم من أنها جميلة وأنيقة؟ أتذكر أن كل ما قلته إن شيئا فيها لم يريحني‏..‏ إجابة ماسخة بلا معني تكفي لإصابة إبني بالحيرة والغضب‏.‏

ماذا أفعل؟ هل أخبر ابني بما فعلته تلك التي أحبها؟ وماذا أقول له عن نفسي؟‏..‏ وماذا سيكون موقف زوجي‏,‏ هل سيقبل أن يستمر مع امرأة مثلي خدعته كل هذه السنوات؟‏..‏ وما مصير ابنتنا؟

لم أنم ولم أهنأ في تلك الليلة‏,‏ هل أترك ابني يتزوجها؟ يدفع ثمن ما ارتكبته؟

هربت من الاجابة ومن المواجهة‏,‏ منتظرة ما يحمله الصباح وما ستقوله تلك الفتاة لحبيبها‏..‏ عاد إبني في المساء محبطا مهزوما‏,‏ فأسرعت إليه أحتضنه في صدري وأسأله ما به‏,‏ فإذا به يبكي كما الأطفال ويخبرني بأن فتاته أخبرته بأنها صرفت نظر عن موضوع الزواج به نهائيا وطلبت منه ألا يتحدث إليها مرة أخري‏,‏ وعندما حاول أن يفهم سر هذا التغير لم يجد منها إجابة‏..‏ في البداية حمدت الله كثيرا وقلت جاءت من عندها‏,‏ ومثل هذه الأحزان تتلاشي مع الأيام‏..‏ ولكني كنت واهمة‏..‏ لقد انهار ابني يا سيدي‏,‏ انقطع عن الذهاب إلي العمل‏,‏ وهزل جسده‏,‏ وفشلت كل محاولاتنا معه‏..‏ فكرت أن أريح ضميري
وأعترف له بسر حياتي‏,‏ ولكن خوفي علي انهيار بيتنا الدافيء يدفعني إلي الصمت‏.‏ أنا أتعذب كل يوم أمام عذاب ابني‏,‏ ولا أعرف كيف يكون الندم الآن؟ ولا أعرف ماذا يجب أن أفعل أو أقول‏..‏ فهل تساعدني؟

**‏ سيدتي‏:‏ إن الذين يستعذبون خطاياهم‏,‏ يتعذبون بها وهم يحاولون البحث عن مبررات لأفعالهم من أفواه الآخرين‏.‏ فمن السطور الأولي لرسالتك وأنت تحاولين إلصاق الاتهامات بالمجتمع‏,‏ وكأنك تشيرين بأصابعك ـ التي أصبحت ملوثة ـ إلي تناقضات الواقع‏,‏ ملتمسة منها ماقد يدفعك إلي ما فعلته‏,‏ وتنتظرين من الآخرين أن يلعنوا هذا الواقع فيما يمسحون بأياديهم دمعك المسكوب علي ابنك‏,‏ وكنت ستصبحين أكثر تأثيرا فيهم لو كانت دموعك علي نفسك‏,‏ لأنك الخاسرة الأولي في رحلة الحياة التي ستنقضي سريعا مهما طالت‏.‏
نعم‏,‏ مجتمعاتنا تعيش حالة من الازدواجية ومن الكذب ومن الفساد‏,‏ ولكن هل هذا يعني أن نصبح جميعا مزدوجين وكاذبين وفاسدين‏,‏ وهذه ليست حقيقة‏,‏ فالمجتمع فيه عقول وقلوب مستنيرة ومؤمنة تحاول أن تغير ولا تكتفي بمحاولة النجاة‏..‏ ولأنك لست واحدة من هؤلاء‏,‏ فقد استسلمت لرغبة مدمرة تكاد تكون انحرافا سلوكيا مبكرا‏,‏ معتقدة أنك تنتقمين من المجتمع الذكوري‏,‏ بينما أنت تنتقمين من نفسك لأسباب تعمدت عدم ذكرها أو غفلت عنها أو لم تصلي إليها‏,‏ ولأني لا أستطيع أن أتعامل معك كحالة مرضية‏,‏ لأن في هذه الحال عليك باللجوء إلي طبيب متخصص‏,‏ سأتعامل مع ماجاء في رسالتك علي أنك أخطأت الفهم وسلكت طريقا محرما قانونا وشرعا‏.‏

تعالي أولا نتفق علي أن مافعلته جريمة كبري تستحق العقاب الدنيوي الذي تعلمينه جيدا‏,‏ وتستدعي منك الكثير من التوبة والاستغفار‏.‏ فإذا سلمت بهذا فهيا نناقش الواقع الذي تعيشينه‏,‏ أنت تشعرين الآن بخطيئتك‏,‏ لأنك لو نسيتها فستستعظمين خطيئة غيرك‏..‏ لقد ألقيت ياسيدتي بأحجار كثيرة في بئر الحياة وعليك أن تقبلي راضية أن تشربي من نفس البئر التي لوثتها‏,‏ فالله سبحانه وتعالي قال في سورة الأنعام‏:‏ وذروا ظاهر الإثم وباطنه‏,‏ إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون‏..‏ الآن ثمن الجزاء‏..‏ والجزاء لن يكون بالاعتراف لأسرتك‏,‏ لأنك بذلك ستبذرين الشر في نفوس بريئة وستفقدين ولديك الثقة في أي أحد‏,‏ هذا عدا تدمير البيت الذي كان هانئا‏..‏ لقد انحرفت دون مبرر‏,‏ بالرغم من أن الأقدار كانت تغدق عليك بالخير وبالاستقرار‏,‏ وعليك الآن أن تمدي يدك لتحصلي بنفسك علي قدرك راضية بما يصيبك من ألم‏,‏ لأنك لو تعرفين كم أسأت إلي عشرات العائلات‏,‏ ولولا ستر الله ماعرفنا كم الجرائم التي كانت ستحدث لو عرف الرجال بجرم التدليس الذي أدخلته عليهم‏..‏ فأنت بشر وادعيت لنفسك صفة من صفات الله وهي الستر كذبا وزورا لتبرير ماتفعلين‏.‏

تعاملي مع فتاة ابنك‏,‏ بنفس المنطق الكاذب الذي تعاملت به من قبل‏,‏ التمس لها الأعذار‏,‏ وقبل أن ترمين القشة في عينها انظري إلي الخشبة في عينيك‏..‏ اطلبي مقابلتها وأخبريها أنك ستنسين هذه الجريمة التي اشتركتما فيها وعاهديها علي ألا تتطرقا أبدا إلي هذا الحديث‏,‏ علي أن تخلص لابنك وترعاه‏..‏ عامليها كابنتك‏,‏ تطهري أمامها بالاعتراف بخطئك‏,‏ ودعيها هي الأخري تفعل نفس الشيء‏,‏ وتبادر بالاتصال بحبيبها إذا كانت تحبه بصدق‏,‏ أما لو اعترفت لك بأنها لاتحبه فلا جدوي من ذلك‏,‏ لأن مثل هذه العلاقة لن تنجح أو تستمر دون سياج حقيقي من الحب‏.‏

سيدتي‏..‏ لاتغضبي من عنفي معك‏,‏ فمن يزرع الشوك لن يحصد العنب أبدا‏,‏ حتي لو أمهله الله طويلا كي يفيق ولم يفق مثلك‏..‏ ولا تتألمي كثيرا من أجل ابنك‏,‏ فربما هو الآخر كان له علاقات قبل هذه الفتاة‏,‏ وأعتقد أن هذه فرصتك كي لا تسمحي بازدواجية في التفكير تجاه البنت والولد في مجتمعاتنا‏.‏ والي لقاء بإذن الله‏.‏
المزيد ....