05-05-2006
* سيدي.. استوقفتني قصة الشاب الهارب الي الحياة, والذي هرب من قسوة الأيام الي التطرف, ثم عاد مرة أخري, ليسقط في منطقة لايعرف هل هي الحياة أو الموت.
أسئلته لك, ولنفسه, بحثا عن ذاته الضائعة, جسدت لي مأساتي, علي الرغم من اني وجه آخر للضياع.
فأنا شاب في الثلاثين من عمري.. قبل12 عاما جرفني الاصدقاء الي عالم المخدرات, كنت صغيرا, تائها, يمنحني الأهل ثقتهم, بحجة اني كبرت ولاخوف علي. بدأت المسألة بالأدوية, كانت موضة, نذهب الي الصيدليات لنشتري الحبوب الممنوعة من معدومي الضمير.. البداية لعب وتقليد حتي أصبحت إدمانا.. يوميا نجمع ما معنا من نقود, ولان الطلب كبير, ارتفعت الأسعار, وكنت أنفق يوميا مايقارب مائتي جنيه, ولأننا من أسر متوسطة, لم يكن أمامنا إلا بيع كل ما نملك, ثم بدأنا في سرقة عائلاتنا, وبالطبع انفضح أمرنا, بعد أن ظهرت علينا علامات الإدمان, ولكن أهلي تكتموا الأمر خوفا من الفضيحة أمام الجيران والأصدقاء.
استمرت الحياة علي ماهي عليه, يوم سرقة, ويوم بيع, حتي دخلت الجيش, وكانت فرصة رائعة لنا جميعا حتي نتوقف عن الإدمان إجباريا, وبدأ بعض أصدقائي يتجه الي التدين, والبعض الآخر ارتبط بالخطبة, أما انا فاتجهت الي التجارة, وساعدني أهلي علي ذلك, وتحولت الحياة الي الأفضل, ونجحت في استعادة احترام الناس لي, ولكن لم يدم الأمر طويلا.
لم يكن لدي مبدأ أحافظ عليه, طاقة هائلة لاأعرف كيف استثمرها, وكما بدأ إدماني بالأصدقاء, عدت اليه أيضا بالأصدقاء ولكن هذه المرة إدمان مختلف.
في بداية عام2003 عرفنا البودرة أو البيسة كما يطلق عليها الشباب, كان يبيعها لنا عرب السويس وسيناء في مدقات علي طريق الاسماعيلية في منطقة التل الكبير, زحام شديد من شباب, ونساء, ورجال محترمين, وكأننا علي باب نادي يوم الخميس. ناس تبيع أجهزة تليفزيون, موبايلات, ساعات, ملابس وبطاطين, وتجار الصنف يقبلون أي شيء.
أقسم لك لا أكذب في أي كلمة أكتبها لك, فأنا لا أريد إلا الاعتراف بكل ماحدث لعلك تنجح في مساعدتي.
ذاع صيت المكان, فانتشرت لجان التفتيش في الطريق, لكن كان دائما هناك طريق نستطيع المرور منه بدون تفتيش, سياسة مين حطها وليه الله أعلم. وبناء علي رغبة الجماهير, اقترب العرب حتي وصلوا الي أول طريق السويس يعني5 دقائق من مدينة نصر, طبعا اللجان في الطريق تفتش علي أذرعة الشباب, ولكن التجار في أماكنهم.
لايوجد شيء قذر يمكن ان تتخيله لم نفعله, البنات كانت تبيع أجسادها, ونحن نسرق كل شيء أمامنا, في البيت أو في الشارع.
ومثل أي أحد أدمن الهيروين, خاصة المغشوش, بدأنا في الانهيار, بعضنا مات أمام عيوننا, والبعض الآخر أدخله أهله المستشفي للعلاج, ثم خرج أكثر إدمانا, وهذا ما أصابنا باليأس ولم يحرضنا علي السعي للعلاج, وان كانت رغبة كل منا هي الهروب من هذا المستنقع, ولكن تجار الصنف كانوا كلما ابتعدنا طاردونا بخفض الأسعار.
استمرت حياتي هكذا حتي مات صديقي من الإدمان أمام عيني, فاتخذت قراري بالتوقف نهائيا, حبست نفسي في بيتي, كنت أموت في اليوم مليون مرة من أعراض الانسحاب, وأصبت باكتئاب شديد كلما تذكرت ديوني وما سببته لأهلي, وكلما نظرت الي نفسي في المرآة.
شعرت بأني شفيت فخرجت الي الحياة, ولكن بلا أصحاب, فكرت أن أكون ايجابيا, فذهبت الي رئيس مباحث احدي المدن الجديدة علي حدود القاهرة واصطحبته معي الي احد المدقات, ولكنه خشي ومن معه الدخول الي المنطقة المظلمة, وأوسعوني ضربا, واتهموني بأني مدمن وابلغت لأني علي خلاف مع التاجر, فعدت حزينا لأتصل بأحد أصدقائي المدمنين, وعدت مرة أخري الي نفس الطريق.. طريق الموت, فكرت في الانتحار ولكن مازال لدي أمل في النجاة.
أنا الآن في حجرتي وحدي, أغلقت علي نفسي الأبواب مرة أخري..
أتمني ان أعيش حياة طبيعية.. نحن أولاد ناس, ممكن يطلع مننا حاجات حلوة كثير, ولكن تهنا ولم نجد من يمد يده لينقذنا.. نفسي أعود الي الحياة وأحس ان هناك من يريدنا, يعطف علينا ويحبنا, ويؤكد أن لنا قيمة..
هل يمكن ان يحدث هذا؟ أم نستسلم لما وصلنا اليه حتي يرحمنا الله ويتوفانا, وان كنت أتمني الا أموت وأنا علي هذه الحال, لأني أخشي من عذابه الشديد.
* عزيزي.. نعم أنت الوجه الآخر لصاحب رسالة هارب إلي الحياة
هو ذهب الي الموت عن طريق جماعة متطرفة دعته الي قتل المجتمع الذي كفرته..
وانت كفرت بالحياة فهربت الي الموت بتطرف آخر.. انت مثله تماما, لم تفهم وتعي معني وجودك في الحياة وأهميته لك وللآخرين.
لقد اخترت طريق الإدمان وانت صغير السن, فابن الـ18 لم يصطدم بعد بالحياة, لم تقس عليه الأيام ولم تصبه باليأس لانه فشل في العثور علي عمل أو شقة. المسئولية الكبري تقع في مثل هذه السن علي الآباء والأمهات, فوالداك أهملا في تربيتك بزعم انك كبرت, وهذا خطأ كبير, لأن هذا العمر أولي بالرعاية والاهتمام.. كثير من الاباء يهملون أبناءهم منذ الصغر, فلا يدفعونهم الي ممارسة الرياضة أو يشركونهم في أنشطة ثقافية أو اجتماعية ـ وهذا ليس كلاما انشائيا ـ لاستيعاب طاقاتهم المتفجرة وأفكارهم المتمردة, هذا الطريق هو الذي يحمي الأبناء ويضعهم في دائرة أصدقاء آمنين, ولكن إطلاق الأبناء في الشارع وعدم مراقبة تصرفاتهم وعلاقاتهم هي التي تؤدي الي مثل ما وصلت اليه.
ولأن اللوم الان لن يفيد في شيء, فإنك تضع يديك علي باب الخروج, باب الفرار من الجحيم, لقد نجحت بنفسك في العلاج, ولكنك عدت الي نفس الطريق, وها أنت تغلق عليك بابك, اعتمد علي عزيمتك ويمكنني مساعدتك بإدخالك مستشفي متخصص لعلاج الإدمان, المهم ان تكون عازم النية علي العودة سالما الي الحياة, كما ان وزارة الداخلية تولي مكافحة المخدرات اهتماما خاصا, وتطارد تجار الموت في كل مكان, وليس تصرف خاطيء من ضابط شرطه دافعا لليأس, يمكنك ان تلعب دورا كبيرا في حماية غيرك من الشباب لو اتصلت بي أو ارسلت لي تفصيليا أماكن تجار المخدرات الذين كنت تتردد عليهم أنت وأصدقاؤك.
عزيزي.. مرة أخري الحياة تستحق ان تعيشها, مازلت صغيرا في السن, واصل عزمك علي الشفاء, وثق بمقدرتك علي العمل وسداد ديونك, وبعدها يمكنك تكوين اسرة سليمة وتتلافي في أبنائك كل الأخطاء التي ارتكبتها وارتكبها أهلك معك, اطرد رائحة الموت التي تحاصرك واستنشق ياعزيزي عبير الحياة.
ولا اعتقد اني في حاجة الي تأكيد دور الحكومة في رعاية مثل هذه الحالات, لانها في الواقع ضحية لقصور وإهمال في استيعاب الشباب وتوجيههم ومقاومة غزوهم من تجار الموت الذين انتشروا واستغلوا نقاط الضعف في المجتمع, لقتل المستقبل قبل ان يقوي عوده.. والي لقاء بإذن الله.
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
الجمعة، ٣ أغسطس ٢٠١٢
رائحة الموت
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق