25-08-2006
* أنا سيدة من إحدي دول الخليج, زوجي الراحل كان من كبار رجال الأعمال في تلك الدولة.. توفاه الله منذ نحو10 سنوات, وترك لي ثلاثة من الأبناء, وهم غير أبنائه من زوجة أخري.
رحل زوجي وترك لنا ـ والحمد لله علي نعمه التي لاتحصي ـ ثروة كبيرة تتمثل في العديد من المشروعات التجارية والتوكيلات, غير ما لدينا من رصيد مالي في البنوك.
كان زوجي ـ رحمه الله ـ رجلا صالحا, تقيا, حنونا, عركته الحياة, بعد ان عاني الكثير في بداياته, فلم يرب أبناءنا علي الرفاهية والتدليل, بل كان يقسو عليهم أحيانا, حتي يطمئن عليهم في المستقبل من عواصف الأيام, لأننا كنا نري بعيوننا ماذا يفعل أبناء الاثرياء في بلداننا.. فأصر علي تعليم الأبناء, وإشراكهم في إدارة أعماله. وعندما اشتد به المرض, وأيقن ببصيرته وإيمانه انه في طريقه إلي لقاء رب العالمين, حرص علي توزيع ثروته علي أبنائه بالعدل, وترك بعض الشركات بأسماء أبنائي الثلاثة, حتي يضمن تواصل جسور المودة والمحبة, ولا يباعد بينهم لانشغال كل بمشروعاته.
تزوج ابني الأكبر في حياة والده وأنجب لنا أول حفيدين في العائلة, وتحمل مسئوليتنا المعنوية والمادية, وكان ومازال ـ بارك الله فيه وحفظه ـ امتدادا لأبيه, فاحتوي بحنان شقيقته التي لم يأت بعد نصيبها في الزواج علي الرغم من أنها تجاوزت الثلاثين بقليل, وهذا التأخير ليس لعيب فيها أو لعدم تقدم العرسان, ولكن لأنها صاحبة عقلية خاصة, أكملت تعليمها في الخارج, وترفض الزواج بدون حب أو اقتناع بأن من يريدها لايطمع في ثروتها وانه يري مواطن الجمال في عقلها قبل وجهها. والحمد لله هي لاتشعر بأي أزمة لتأخر زواجها, فهي انسانة متحققة تشرف علي عملها بنفسها, كما أن لديها موهبة خاصة تحرص علي تنميتها وتعد الآن للحصول علي الدكتوراه في هذا المجال.
أعرف ان البعض سيتساءل بعد هذه المقدمة الطويلة: أين الأزمة وأين المشكلة؟
ابني الأصغر, أخر العنقود, هو الألم الكبير في حياة أسرتنا.. هو الذي سرق سعادتنا, وحرمني من النوم, وأصابني بالمرض, حزنا عليه وشوقا اليه.
عندما توفي زوجي كان ابني يقارب العشرين عاما, ويدرس بالجامعة في بريطانيا.. كان هو الأكثر تألما واحساسا باليتم, لذا التففنا جميعا حوله, وحرصنا علي الاهتمام به حتي يتجاوز هذه المحنة الكبيرة.
كانت هذه الأجواء كافية لأن يحاول ابني الهروب الي أصدقائه دون ممانعة منا, فأصبح كثير السهر, وبدا علي سلوكه بعض التصرفات التي ماكان يمكن قبولها في الظروف العادية, وليتنا ما قبلنا, لقد أخطأنا في تساهلنا معه, حتي أصبح صعبا علينا ان نعيده الي حضن العائلة مرة أخري.
لم يعد ابني الوحيد يستقر في بلدنا الا قليلا, يسافر كثيرا, ينفق ببذخ, يدخل في علاقات نسائية لا تناسب قيمنا الدينية ولا أخلاق عائلتنا.
حاولت كثيرا مع شقيقه وشقيقته دون جدوي.. ولم نجد أمامنا بعد تخرجه في الجامعة إلا تزويجه من فتاة قريبةلنا, استشعرنا اعجابه بها, وقلنا ان هذا الزواج سيكون عاصما له.. واستبشرنا خيرا بالسعادة التي بدت عليه, ومكوثه لأوقات طويلة مع عروسه, ولكن هذا الوضع لم يدم طويلا, فعاد مرة أخري الي سيرته الأولي, كل ليلة سهر وسفر ونساء, حتي ان حمل زوجته لم يغير فيه شيئا ولم يعده الي رشده, وفيما نحن غارقون في حزننا عليه فوجئنا بكارثة كبري لم نتوقعها!
استيقظنا فجرا علي رنين الهاتف لينبئنا بأن ولدي الحبيب أصيب في حادث تصادم. لن أخوض في تفاصيل ما حدث لنا, وكيف هرولنا جميعا الي المستشفي, لنجده في حالة سيئة, بعد انقلاب سيارته وهو في حالة سكر واضحة.. بكينا دما وتوسلنا الي الله ان ينجيه, أخبرنا الأطباء بخطورة الوضع ونصحونا بضرورة سفره فورا الي الخارج بعد ان بترت ساقه, وتحطم عموده الفقري, فأعددنا طائرة طبية خاصة وسافرنا معه جميعا الي ألمانيا.
كان الله رحيما بابني وبنا, عام كامل من الجراحات القاسية, وعيناي لاتغفلان لحظة عنه وهو يئن, يستغفر الله, يعتذر لنا عن أخطائه وما سببه لنا, عاد ابني الي الحياة ببعض الأجهزة الصناعية, ورغبة صادقة في التوبة, معبرا عن ندمه الشديد علي كل ما ارتكبه من معاص.
حمدت الله كثيرا علي لطفه في قضائه وقدره, وأقمنا الولائم ابتهاجا بعودة ابني سالما الي بيته والي زوجته وابنه.
سارت الحياة بنا سعيدة هانئة, بدأ ابني يتابع شركاته, ويجلس مع أسرته الصغيرة, ولايغادرنا إلا إلي الصلاة, فقد تبدل حاله, ولم يعد يترك فرضا الا ويؤديه في المسجد. وبدأ يظهر في حياته نوع جديد من الاصدقاء, رجال متدينون من أصحاب اللحي. لم أغضب من ترددهم الكثير علي البيت, بل كنت أري فيهم أمانا حتي لايعود الي أصدقاء فترة السقوط. ولكن ما أزعجني ثم أفزعني, هو شخص واحد من أصدقائه, لاحظت انه منبهر به, يتحدث عنه كثيرا وعن خاله الرجل الصالح صاحب الكرامات. لايستطيع ان يرفض له طلبا, ويأخذ كلامه وكأنه منزل من السماء. وحدث ما خشيت منه.. فوجئت بانه اشتري له سيارة ثمنها يقترب من150 الف دولار, كما بدأ يمنحه أموالا بلاحساب, وعندما واجهته وشقيقه الأكبر, قال لنا: المال مايساوي عندي شيئا, ولو قبل لمنحته مالي كله ولكنه يعف وأنا الذي أصر علي منحه هذه الهدايا لتيسر له الدعوة في سبيل الله.
لم يقف الأمر عند هذا الحد, بل وصل إلي غياب ابني عن البيت بالأسابيع, بحجة السفر مع هذا الرجل وخاله إلي بعض البلدان باسم الدعوة إلي الله, بعد أن فشلت في الحوار معه, دعوت كبار العائلة وجلسنا معه, ففوجئنا بانغلاق عقله, لم يسمع لنا, أخبرنا أن المال ماله وإذا ضغطنا عليه فسيترك لنا البيت ولن نراه مرة أخري. دعوت الله أن يزيح عنا هذه الغمة ويرفع عنا البلاء. وبدأنا نسأل عن صديقه وعن خاله, فعرفنا أن الأخير ساحر شرير, يستعين بالجان حتي يسخر الناس لخدمته. وهنا شعرنا بالخطر الذي يحيق بنا.
نصحنا البعض بالتفاوض مع هذا الرجل ومنحه بعض المال حتي يبتعد عنا, فاتفقت مع ابنتي علي أن نفعل ذلك بعيدا عن ابني الأكبر لأنه لايؤمن بهذه الأشياء.
حددنا موعدا معه دون إخبار ابني الأصغر, وواجهناه بما عرفناه عنه, وكانت المفاجأة أنه لم ينكر, بل هددنا بتدميرنا إذا حاولنا أن نبعده عنه, وقال لابنتي: لقد عملت لك عملا ولن تتزوجي إلا إذا أردت أنا.
بعدها, فوجئت بابني يعود إلي البيت غاضبا, بعد أن أخبره بأننا عرضنا عليه أموالا كي يبعد عنه, وأخبرنا أنه سيترك المنزل ولن يعود إليه أبدا, وعندما حاولت زوجته إثناءه عن ذلك, ألقي عليها يمين الطلاق, وخرج ولم يعد.
عرفنا بعد ذلك أنه باع إحدي شركاته, وأنه ترك لصديقه وخاله كل السيارات التي لديه, وأصبح يركب هو سيارة صغيرة.
لم يعد هو ابني الذي ربيته واحتضنته في صدري كل هذه السنوات, أغلق قلبه وأذنيه, ولم يعد يرد علي مكالماتي.. وبين الفترة والأخري, يتصل بي خال صديقه ليهددني وابنتي بالدمار. ولا أخفي عنك بأن أعراضا مرضية غريبة تظهر علي ابنتي, لم نفهم لها سببا, وحار الأطباء في تبريرها. وبدأنا في التردد علي من يدعون العلاج بالقرآن وفك الأعمال, ودخلنا في متاهة لم نستطع الخروج منها حتي الآن.
سيدي.. لقد انقطعت أخبار ابني عنا, لايسأل حتي عن صغيره, وفشل العلماء في بلدنا في إقناعه, وكلما استعنا بالمسئولين لإنقاذه من براثن الدجالين الذين اختطفوه, أفسد هو محاولاتنا.
لقد دحل الحزن بيتنا ولم يخرج منه منذ رحيل زوجي.. قلبي يئن كل دقيقة, أشتاق إليه, وأخشي عليه.. أشفق علي حفيدي وعلي زوجته.. أخاف من هذا الشرير الذي يسيطر عليه بعد أن سرقه منا.. ولا أعرف طريقا لإعادته إلينا.. فهل لديك نصيحة يمكن أن تنير لنا طريقا, تعجز عيوننا عن رؤية أي بصيص للأمل.. وهل يمكن لساحر يستعين بالجان أن يؤذي بشرا مؤمنين بالله سبحانه وتعالي؟ وهل من الخطأ أو الحرام أن نستعين بآخر لنتقي شره؟.. أعذرني وأنا السيدة المؤمنة أجد نفسي وابنتي في هذا الاختبار الصعب, حتي اختلطت علينا المفاهيم والرؤي ولم نعد نري ما هو الصواب والخطأ.
{{ سيدتي.. هوني عليك, فما أنت فيه ابتلاء كبير, يثير الارتباك, ويفجر الحزن في قلب أم تري ابنها وهو يضيع أمام عينيها مرتين.. الأولي كاد يفقد فيها حياته بانغماسه في اللهو والانحراف, والثانية عندما تطرف في الاتجاه الآخر, معتقدا عن جهل أن ما يفعله ابتغاء مرضاة الله, دون أن يعي حجم ومقدار المعاصي التي يرتكبها, والعار الذي يجلبه علي أهله فـ الولد الجاهل يشين السلف ويهدم الشرف.
إن قصتك الطويلة ــ والتي اضطررت لاختصار بعضها لظروف المساحة ـــ لها بعدان, أحدهما اجتماعي له علاقة بأسلوب تعاملكم الخاطئ مع الابن بعد وفاة والده, والثاني يتعلق بالخرافة الشائعة في مجتمعاتنا. ففي الأسبوعين الماضيين عرضت من خلال بريد الجمعة صورة للتعامل الجاهل والخاطئ لنا في التعامل مع التكنولوجيا الحديثة, واكتشفت أن كثيرين منا يتعاملون مع النت علي أنه وسيلة لإقامة علاقات غير مشروعة بمبررات مختلفة واهية. وها هي رسالتك تكشف عن وجه آخر لنفس المجتمعات التي مازالت غارقة ومستسلمة لخرافة الجن, تلك الخرافة التي تجعلنا نستسلم ونرفع الراية الييضاء في وجه من يغتالون أيامنا وأحلامنا.
سيدتي.. لقد لاحظت منذ بداية رسالتك غياب الابن الأكبر, علي آلرغم من قولك ــ منذ وفاة زوجك ــ أنه لعب دور الأب, ولم تلتفتي إلي أن كل ما حل بكم حدث منذ غياب الأب. ويبدو أن الابن الأكبر اختار دور الأب في رعاية الثروة وتنميتها وأغفل دوره الرقابي في متابعة الابن الأصغر المهتز نفسيا بعد وفاة الأب, وتفرغت أنت لتدليله حتي تخففي من أثر صدمة موت الأب, ولو تذكرت قول سيدنا علي بن أبي طالب: يجب أن تشفق علي ولدك من إشفاقك عليه ما بالغت في تدليله, ولنميت فيه إحساس الرجولة والمسئولية, وما سمحت له بمرافقة أصدقاء السوء الذين أحاطوه مثل شبكة العنكبوت ودفعوا به إلي حافة الموت.
وها أنتم مرة أخري, وبعد أن نجي الله إبنك مما ألم به, لم تلتفتوا إلي أهمية احتوائه ومساعدته في الانتقال إلي الحياة السوية, بعد أن عاش سنوات في مستنقع الخطيئة. لأنه من الطبيعي, بعدما واجه الموت, أن يتجه إلي الشاطئ الآخر من الانحراف, إلي التطرف الديني معتقدا أن هذا هو طريق النجاة, فالتقطته شبكة أخري للعنكبوت من أصدقاء سوء لهم وجه آخر, أقنعوه أن مفاتيح الجنة في أياديهم, حتي ينهبوا ماله, مستغلين غفلتكم وغيابكم, وعندما أفقتم كانت الكارثة قد حلت, لأن الابن الصغير فقد عقله أو أغلقه والنبي محمد صلي الله عليه وسلم هو القائل: لا دين لمن لا عقل له وفي ظل غياب الاثنين لن يستمع الابن إلي أي صوت يذكره بواجب طاعتك وحسن معاملتك وحقوق زوجته وابنه.
في مثل هذا الموقف ليس أمامك الآن إلا الصبر والتضرع إلي الله أن يرفع هذه الغمة, ولا تجعلي طيور الحزن التي تحلق فوق رأسك, تعشش في شعرك حفاظا علي أفراد أسرتك, ولاتحزني علي المال الذي يحصل عليه هؤلاء الأشرار من ابنك, الأهم من ذلك هو عودته إليكم سالما, فلا تمنحيهم فرصة استغلالكم لمزيد من ابتزازه, وأتمني أن يكون للابن الأكبر دور أكثر تأثيرا في المرحلة القادمة, بأن يتقرب إلي شقيقه, ويبدي له اقتناعا بما يقول ويطلب منه مصاحبته في الخير الذي يفعله, لعله ينجح فيما فشلتم فيه.
أما عن أسئلتك الأخري الحائرة ولأنها تتعلق بعلوم شرعية فقد طرحتها علي الداعية الإسلامي والعالم الأزهري الشيخ خالد الجندي فقال: أنا أومن بالسحر ولا أومن بتأثيره. فهو أشبه ما يكون بالمنام الذي تحصل فيه علي أموال وذهب وحدائق, ولكن كله خيال لا أساس له من الصحة, والدليل من القرآن الكريم, قال تعالي: فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعي أي أن السحر محض خيال. أما أن هذا الرجل يسخر جنا ليحصل من ابنك علي المال, فكان الأيسر عليه أن يجعل الجن يأتي له بما شاء من مال وذهب, وما أجهد نفسه مع بشر مثله, ولكن تذكري أن خيوط العنكبوت ضعيفة لاتحاصر إلا من هم أضعف منها.
سيدتي.. إن عقل الإنسان كالمظلة لا يعمل إلا إذا انفتح, فافتحي عقلك وقلبك واستدعي إيمانك الراسخ بالله, حتي لا يخيل لابنتك مقدرة هذا الرجل علي إيذائها فتفقديها هي الأخري, أعانك الله علي كل هذا البلاء وأعاد إليك ابنك مرة أخري حتي تعود السعادة إليكم جميعا.. وإلي لقاء بإذن الله.
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
الجمعة، ٣ أغسطس ٢٠١٢
شبكة العنكبوت
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق