السبت، ٤ أغسطس ٢٠١٢

أشــباح الحــب

21-10-2005
سيدي ‏:‏ أنا مهندسة في منتصف الثلاثينيات من عمري‏,‏ أعمل بإحدي الشركات الاستثمارية المرموقة‏,‏ تزوجت منذ ما يقرب من سبعة عشر عاما وأنا ماأزال في بداية دراستي الجامعية من نجل أحد معارف والدي وبدا لي حينها انه شاب متدين حريص علي الصلاة في أوقاتها وكنت قد نشأت في أسرة متدينة محافظة فلم يكن لي علاقات بشباب في مثل سني ولم أعرف ماهو الحب من قبل ولاخبرة لي أبدا بعالم الرجال فوافقت علي الزواج من هذا الشاب طمعا في تدينه رغم بساطة إمكانياته مقارنة بإمكانات عائلتي وكانت هناك بوادر في فترة الخطوبة تنبئ عن عدم تفاهم بيني وبينه بجانب ما تكشف لي عن بخله الذي فسرته انا بضيق ذات يده وما أحسسته من طمع منه في مساندة زائدة من عائلتي له في الزواج ولكن استمررت في الخطبة علي أي حال حيث قدرت وقتها انه من الصعب ان اجد انسانا يحوز علي كامل اعجابي ورضائي حيث ان لكل انسان عيوبه ومزاياه‏..‏ وهكذا تزوجت وبدأت حياتي معه فصدق حدسي وتأكدت منذ الأيام الأولي للزواج ان الحب والانسجام مفقود بيننا‏,‏ ومرت سنتان أنجبت فيهما ابنتين وسافر بعدها زوجي للعمل في احدي الدول العربية وحرص علي عدم اصطحابي مبررا لي ان مدة عمله لن تزيد علي أربع سنوات يرجع بعدها بصفة نهائية لمصر ولكن مرت سنوات وراء سنوات حتي بلغت مدة سفره أربعة عشر عاما كان يأتي خلالها لرؤيتي والبنتين في الاجازات فقط وعانيت طيلة هذه السنوات من الوحدة والحرمان العاطفي والتعرض للفتن التي نجوت منها بستر الله‏,‏ كما عانيت من تحملي لمسئولية تربية البنتين وحدي حتي بلغتا سن مشارف الشباب ورفض زوجي بإصرار طوال هذه السنوات اقامتي معه في مقر عمله وحجته الأزلية في ذلك أنه لاداعي لتشتت بنتينا في المدارس ومع مرور السنين وزيادة مشكلات صحية طرأت علي زوجي رغم انه في سن الشباب‏,‏ تباعدت وضعفت ثم تلاشت العلاقة الزوجية بيني وبينه وكان هذا أمر الله فاستسلمت لاقداري وكنت أحاول التغلب علي حرماني العاطفي بانشغالي بعملي ورعاية بناتي حتي حدث في أواخر شهر مايو الماضي مالم أحسب حسبانه‏,‏ كنت مع إحدي صديقاتي في النادي الرياضي الكبير نتسامر علي مائدة بين الأعضاء فاذا بي فجأة أشعر بظل انسان يقف بجانبي تسارعت معه دقات قلبي وأنفاسي وسرت رجفة في جسدي لاأعرف مصدرها وسمعت صديقتي تهمس ان هناك رجلا يحوم حولي فرفعت عيني اليه لأول مرة لأجد رجلا في منتصف الخمسينيات من العمر‏,‏ ممتلئ الجسد‏,‏ به صلع خفيف وتبدو عليه امارات الاضطراب وتطل من عينيه نظرة نادرة هي مزيج من الحب والعطف والرغبة في آن واحد وأقسم بالله تعالي ان ما من أحد في حياتي كان له مثل هذا التأثير علي ولم أتخيل ان أعيش مثل هذه المشاعر من قبل بعدما وصلت الي سن النضوج‏,‏ وانصرف هذا الانسان من جانبي سريعا بعدما رأي دبلة الزواج في اصبعي وهو يلتفت وراءه ويشيعني بنظرات الحب والحسرة في آن واحد وتمالكت أنا رباطة جأشي بعد فترة وسط تعجب صديقتي مما حدث ورجعت الي بيتي وأنا عازمة علي نسيان ما كان ولكن كيف‏,‏ فأنا لم أقدر علي مقاومة مشاعري وسعيت لرؤيته مرة ثانية رغم أني لا أعرف أي شيء عنه حتي ولو مجرد اسمه وأصبحت أتردد علي النادي ليل نهار واختار أحد المواقع القريبة من البوابة وأراقب الداخلين لعلي أراه مصادفة وأظل علي حالي بالساعات وتكرر الأمر طوال شهر كامل وفي النهاية كانت مكافأتي علي صبري هي رؤيتي لمن أحب بالمصادفة صباح احد ايام الاجازات في حديقة النادي وكانت بالمصادفة خالية إلا مني ومنه فقط وأصيب هو بفرحة غامرة لرؤيتي وجلست الي مائدة قريبة وهو يصوب نظراته النادرة لي وانتظر هو ان ابتسم له أو أبدي أي بادرة اهتمام فلم أفعل رغم شوقي البالغ اليه وفرحتي المماثلة لفرحته برؤيته ذلك انني تربيت في بيت يحتل الدين فيه أهمية بالغة وعلمني أهلي أن الحفاظ علي اسم الزوج وعرضه أمر مقدس ولم أكن لأسعي أبدا لأتعرف علي رجل ما وأنا علي ذمة آخر مهما تكن الأسباب فتصنعت التجاهل وأنا أحترق شوقا واختفت نظراتي وراء نظارتي السوداء حتي لا تفضحني عيوني وبعد فترة طويلة من الترقب غادر هو المكان وهو يشيعني بنفس نظرات الحب والحسرة وانخرطت انا في بكاء مرير وحيدة في الحديقة وساءت حالتي النفسية حين رجعت الي بيتي واستمررت في التردد علي النادي حتي رأيته مرتين متتاليتين في الشهرين التاليين في الصالون الخاص بالنادي وكالعادة اكتفيت بمجرد وجودي بجانبه ورؤيتي السريعة له من خلف نظارتي السوداء وكان الحال ليستمر هكذا الي الأبد حيث ان أملي في علاقة شرعية بهذا الانسان الذي أحبه قلبي كان أملا مقطوعا‏,‏ ولست أنا بمن ترضي ان تقيم علاقة غير شرعية ايا كانت المسوغات وحدث بعدها في حياتي أمر مهم حيث اختلفت مع زوجي علي احد الأمور المادية فاذا بي لأول مرة أثور علي البخل والتجاهل والعجز والفشل الزوجي وقررت انني لن أحتمل الوضع هكذا في علاقة زوجية هي معاناة وحرمان أكثر من أي شيء أخر ورغبت بشدة في تغيير حياتي التعيسة التي كنت قد تعودت عليها ولكن ظهور هذا الشخص المحب الرائع في حياتي جعلني أتمرد علي تعاستي ونبهني الي أن مقاومتي قد انهارت ورأيت ان استمراري علي وضعي الحالي في هذا الزواج قد يرشحني للسقوط في بئر الخيانة‏,‏ فطلبت الطلاق من زوجي وأصررت عليه رغم تدخل الأهل الذين نصحوني بمراعاة مستقبل وسعادة البنتين ولكني قررت لأن ارتكابي لأي خطيئة محتملة سينتج عنه فقداني لديني واحترامي لذاتي للأبد وعندئذ لن ينفعني الأبناء في شيء إذا ما غضب علي ربي‏,‏ وحصلت بالفعل علي الطلاق وأصبحت حرة وتجدد الأمل في قلبي في الارتباط بمن أحب وواظبت علي الذهاب للنادي‏,‏ لعلي أراه وأكلمه هذه المرة بضمير مستريح‏,‏ فلم يحدث للأسف ما أتمني ورأيت انه قد يكون علي سفر أو يكون قد يأس من موقفي السابق معه أو ارتبط بأخري‏,‏ حيث انني أعرف انه مطلق وله ابنة في نحو الخامسة عشرة من عمرها‏,‏ وقد مر علي وضعي هذا من الانتظار المرير ثلاثة إشهر‏,‏ ومشكلتي التي اطلب منك مساعدتي في حلها هي كيفية معرفة أثر من احب حيث لا أعرف عنه أي معلومة ولا حتي مجرد الاسم‏,‏ ولم أعد أراه رغم انتظاري له في ميعاده صباح يوم الاجازة الذي صادف ان رأيته فيه المرات القليلة الماضية‏,‏ وهداني تفكيري انه لو نشرت مشكلتني تلك في بابكم الكريم فربما يقرأها وهو يعرف نفسه‏,‏ وقراء هذا الباب كثيرون قد يكون من اتمني منهم‏,‏ وحينئذ قد يدرك سبب تجاهلي المصطنع له ولربما يكون مازال كما كان ويأتي في الموعد والمكان الذي يعرفه ويكون بذلك بابكم سببا في انتهاء عذاب قلبي الذي لايعلمه الا الله‏.‏
سيدتي‏..‏ الحقيقة إنني لم انشر رسالتك املا في ان يقرأها هذا الرجل الغامض‏,‏ فيأتيك هرولة لتحقيق حلمك الرومانسي‏.‏
لأني ومع تسليمي ـ احيانا ـ بقدرية الحب التي تجعله يهبط علي القلب دون مقدمات أو مبررات‏,‏ إلا ان من في مثل ظروفك ووضعك العائلي تجعلني أتردد في قبول فكرة اصابع القدر التي تقلب القلوب ولانملك امامها من أمرنا رشدا‏..‏
فعندما رأيت هذا الرجل الذي لفتت انتباهك اليه صديقتك‏,‏ كنت راضية قانعة بما انت فيه‏,‏ وان كانت أشباح الحب تطاردك منذ بدايات الزواج‏..‏ هذه الأشباح جعلتك مهيأة تماما لأي اقتحام‏,‏ وجاءت أجواء ظهور هذا الرجل‏,‏ ومعرفتك بأنه يلاحقك ويحوم حولك‏,‏ فتفجرت بداخلك كل ينابيع الشوق والاحتياج‏,‏ وتذكرت كل معاناتك وصبرك علي الحياة التي لم تتحقق خلالها‏,‏ فتشبثت بهذا المجهول ووصلت الي نهاية الخيال وانت علي أرض الواقع‏,‏ اخترت الطلاق من أجل الزواج بشبح لاتعرفين عنه شيئا‏,‏ هل هو رومانسي ياسيدتي؟ هل هو حنون؟ هل هو سليم صحيا؟ هل هو كريم؟
ماذا تعرفين عن هذا الرجل حتي تقرري ان يكون شريك حياتك المقبلة؟
قد يحدث ويظهر هذا الرجل مرة أخري ـ سواء قرأ رسالتك أو بالمصادفة ـ ووقتها لاتنظري اليه من خلف نظارتك السوداء‏,‏ اعيدي النظر مرة أخري الي من يمكن ان يواصل معك رحلة عمرك‏,‏ اعرفي لماذا طلق زوجته الأولي‏,‏ ربما ضاقت به هي الأخري وفعلت ما فعلته‏,‏ حتي لاتهربي من عذاب الي عذاب‏,‏ وهذه المرة سيكون الندم أكبر‏.‏
قلت لك في البداية أنني نشرت رسالتك لهدف آخر غير ما أردته مني‏..‏ فرسالتك تكشف مأساتين متكررتين في رسائل عديدة تصل الي من بريد الجمعة الأولي هي غياب الرجل‏,‏ الزوج والأب‏,‏ غافلا الفجوة التي يتركها في بيته‏,‏ امرأة وحيدة معذبة‏,‏ وأبناء لا يعرفون معني لمفهوم الاسرة والبيت‏,‏ رجل يضع نفسه موضع البنك‏,‏ مصدر دائم فقط لضخ الأموال‏,‏ دون ان يعي انه يفقد من رصيده الانساني لدي زوجته وأبنائه‏,‏ ثم يعود معتلا ان لم يكن جسديا فنفسيا‏...‏ وقتها تبدأ المأساة الثانية‏,‏ فالزوجة تري وتلمس الفشل جاثما علي انفاس بيتها راضية ـ مؤقتا ـ بما هي عليه من عذابات ووحدة‏,‏ مرددة دون اقتناع ان ذلك حفاظا علي البيت والأبناء‏,‏ الي ان يحين الوقت متأخرا‏,‏ فتعلن العصيان والفرار‏,‏ ولكن بعد ان يصيب الشرخ كل جدران البيت‏,‏ لو كنت ياسيدتي قد وقفت منذ البداية وقفة معه‏,‏ لو كنت أصررت علي السفر معه‏,‏ أو عودته الي أسرته‏,‏ وإما الانفصال‏,‏ لتغير الحال سواء بالطلاق وضمان سلامتك النفسية انت وابنتيك اللتين تجاهلت أي كلام عن حالهما أو تفكيرهما ـ واما بالرضا بما هو متاح وممكن لحياة أسرية مقبولة‏.‏ وفي النهاية أتمني ان يكون ما هو ات افضل لك مما فات‏,‏ لاننا نضيع كثيرا من العمر بحثا عن السعادة‏,‏ حتي نكتشف ان العمر قد فات دون ان تعرف طريقها الينا بسبب سوء اختياراتنا أو تأخرنا في اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب‏.‏
وإلي لقاء بإذن الله

هناك تعليقان (٢):