02-09-2005
أنا رجل عمري45 عاما.. تزوجت من فتاة جميلة متدينة.. اختارتني علي الرغم من أني كنت في بداية حياتي العملية, وإمكاناتي متواضعة علي كل المستويات, ولكن أحلامي بلا حدود. وكانت زوجتي من أسرة ثرية, تحفظت في البداية علي زواجنا, بسبب الفارق الاجتماعي, ولكن زوجتي رأت في مالم يروه, وبذلت معهم جهدا كبيرا لتقنعهم بأني سأكون ناجحا في عملي, وأن سعادتها ستكون معي.
لم تكن بيننا قصة حب, كما توحي الكلمات السابقة, كان بيننا إعجاب كبير, تفاهم واطمئنان لم يكن هناك ظاهريا مايبررهما.
تزوجنا, وخلال وقت قصير, تحول هذا الإعجاب إلي حب جارف, حب لون الحياة بالبهجة, ودفعني دفعا للنجاح حتي أثبت لها أن رهانها أمام أهلها لم يكن خطأ, وأني جدير بأن أكون فارسها. وحتي أكون أمينا في روايتي, هي أيضا تفرغت لصناعتي, جعلتني مشروعها الأول والأخير, دعمتني بالمال, وتركت وظيفتها, ومنحتني كل شئ في أيامها.ازدهرت حياتنا, ونبتت في بيتنا وردة جميلة, طفلة رائعة تشبه زوجتي, فأحببتها حبين, الأول لأنها من دمي, والثاني لأن من يحب الشجرة يحب الأغصان.
سيدي.. سارت حياتنا من حسن إلي حسن.. استقرار عائلي, حب دافئ, ونجاح دائم في العمل. كنت أسأل نفسي: هل يمكن أن تجود الحياة بكل هذه السعادة, وكأني كنت أحسد حالي, فالأيام علمتني أن الحزن يختبئ دائما في جلباب السعادة. ولكن لأن الايمان كان عنوان بيتنا كنت أثق في رحمة الله ورعايته, وقبل أن أذهب في النوم أشكر الله كثيرا وأدعوه أن يتم نعمته علينا.
سنوات مضت, سعادة أخري تأتي, وخلافات صغيرة, يذيبها الحب والتفاهم, إلي أن أتي هذا اليوم العصيب.
منذ3 سنوات, كان شقيق زوجتي الأصغر, في طريقه إلي الاسكندرية بسيارته, وتعرض لحادث أليم لتفيض روحه إلي بارئها وهو في أحلي سنوات عمره. مات قبل زواجه بأيام, وماتت معه السعادة في بيتي. إنهارت زوجتي, تحولت إلي إنسان آخر.. بكاء في الليل, وصمت في النهار.. إذا تحدثت إليها, ردت باقتضاب, امتنعت عن لقاء الناس, حتي حديثها مع ابنتنا الوحيدة كاد أن ينقطع, لاأسمع بينهما حوارا إلا إذا كان صراخا من جانب زوجتي, إذا تأخرت ابنتنا مع صديقاتها أو في بيت جدها. حرمت زوجتي علي نفسها ارتداء أي ملابس ملونة, أو استخدام الماكياج, أو مشاهدة التليفزيون, علي الرغم من مرور شهور طويلة علي الحادث. قلت إن هذا رد فعل طبيعي, فقد كان شقيقها قريبا إلي نفسها, كما أن الموت يصدمنا عندما يفاجئنا بوجوده الناعم المختبئ فيثير فينا التوجس والقلق, وكأنه سيطل علينا مرة أخري فيمن نحب.
راهنت علي الزمن, طبيب الألم, فكل الأحزان في بدايتها كبيرة ثم تصغر, إلا حزن حبيبتي, لقد تضخم نما وتشعب وفشلت كل محاولات لاحتوائه. لم أغضب, ولم أنصرف عن زوجتي, بل ازددت اقترابا وأفضت حنانا, لكن دون جدوي. كانت أمامي مشكلة أخري, ابنتي, زهرة عمري, ذبلت ابتسامتها وانطفأ توهجها, فما أقسي أن ينفجر الليل في وجه الشمس لحظة الشروق, وأن يعلن الموت عن وجوده الدائم في أحلي سنوات الحياة.
لم يقف الأمر عند هذا الحد, لقد بدأت زوجتي تتردد علي المساجد بكثرة, مهملة لي ولابنتنا, ثم تطور الأمر وبدأت في حضور جلسات دينية بأحد النوادي الشهيرة, بعدها ارتدت الحجاب, ثم الاسدال والجوانتي حتي لاتسلم علي أحد.. تغير وجه زوجتي وتغيرت لغتها.. دخلت كلمة حرام بيتنا من أوسع أبوابه.. كل شئ حرام, التليفزيون, الراديو, قراءة الصحف والمجلات.. خروجي مع أصدقائي للعشاء في مطعم, كلامي مع بعض موظفات شركتي, حتي الضحك يميت القلب.. كله ياسيدي حرام.. حرام. بدأ ظهور شخصيات جديدة في حياة زوجتي, سيدات مختمرات ومنقبات يترددن عليها بصفة دائمة. في البداية كانت تذهب معهن لحضور دروس دينية في بيوت بعضهن, وعندما أعلنت غضبي وتذمري من كثرة خروجها, حولت منزلنا إلي قاعة درس ديني, كل أسبوع شيخة جديدة وعشاء وتعليمات حتي فقدت إحساسي بأني أعيش في بيت, بل أعيش في حضرة أو قاعة دروس دينية.
وأين إبنتنا في كل هذا, لقد حاولت أمها دفعها إلي هذا العالم ولكن ابنتي شعرت باختناق, وأصبحت لاتطيق الجلوس في البيت.. ولأني أيضا منشغل بعملي, كما أني كنت أهرب إلي أصدقائي, لم أستطع متابعة تصرفاتها أو معرفة أصدقائها.
وعندما أحسست بالخطر, جلست مع زوجتي في مواجهة حادة وحاسمة, قلت لها إنني متدين أيضا وأراعي الله في كل تصرفاتي, ولكن ماتفعله ليس هو التدين, لأنه يأتي علي حساب البيت ومن فيه..
حذرتها مما تفعله ومن الطريق الذي تأخذنا إليه, فقالت لي: لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق, وأن هذا هو اختيارها, لأنها تعرف أن الموت قريب وعليها الاستعداد لتلك اللحظة, وتركت لي حرية الاختيار إما قبولها بما هي عليه أو فراق بمعروف.
صدمني موقفها بقسوة, فلم يكن ضمن خياراتي فكرة الطلاق, ولكنها كسرت شيئا في نفسي, بل في قلبي.
سيدي.. لقد أصبحت وحيدا, لاأشعر بالراحة في بيتي, فاستأجرت شقة دون علم أحد.. أذهب إليها أغلب وقتي, وأعود إلي بيتي نادرا لأري ابنتي, وارتضيت بهذه الحياة وبما قسمه الله لي, إلي أن جاء يوم وفوجئت بابنتي باكية تخبرني بأن أمها تريد إجبارها علي إرتداء الحجاب بعد أن أخبرتها برغبتها في العمل كموديل مثل صديقاتها.
لقد صدمني الخياران, إجبارها علي الحجاب, واختيارها للعمل كموديل. شعرت بحجم الجرم الذي ارتكبناه معا في حق ابنتنا وشعرت بغضب يصل إلي حد الكره تجاه زوجتي, ووجدت نفسي أفكر في الزواج بأخري, لعل هذا الحل يعيد زوجتي إلي صوابها. ويوفر لابنتي مناخا مستقرا تنمو فيه, وفي نفس الوقت أعيش بعضا مما تبقي لي في الحياة, ولكن شيئا ما في نفسي يذكرني بأيام البهجة, ووقوف زوجتي بجواري في الزمن الصعب, فأتراجع وأسقط بين الخيارين.. فهل لك أن تساعدني علي اتخاذ القرار المناسب.
سيدي لا أخفيك سرا إذا اعترفت لك بأن رسالتك صدمتني أكثر من مرة.. الأولي عندما أوحت لي بسردك لما فعلته زوجتك معك, ونبلها الدائم في مساندتك, وهذا الحب وتلك السعادة التي نبتت في بيتكم, أقول لك أوحت لي أني في طريقي إلي إعتراف بخطأ في حق تلك السيدة العظيمة.. ولكني إكتشفت أنك في حالة لوم وعتاب, وبتعبير أدق في حالة فرار.
أما الصدمة الثانية والقاسية, فهي تلك الأنانية التي تعاملت بها أنت وزوجتك مع ابنتكما, فأنت تضحي بكل شيء من أجل إستمتاعك بالدنيا, وزوجتك الفاضلة تضحي هي الآخري بكل شيء من أجل ضمان الآخرة.. أما الإبنة فلها الضياع والتشتت.
لذلك أري أن الأزمة الكبري والخطر الحقيقي يمس أولا تلك الفتاة التي تدفع ثمنا لأشياء ليست مسئولة عنها.
دعني ياصديقي أسألك أولا: هل تعتقد أن زوجتك, الحانية, الرقيقة, التي أشعت في بيتكم السعادة علي مدي أكثر من15 عاما, تعيش في سنواتها الأخيرة بصورة طبيعية, أم تستشعر أنها تعاني حالة مرضية؟
أعتقد أنك ستميل إلي الإجابة الثانية.. فإذا سلمت بهذا الرأي, سأطرح عليك سؤالا آخر: مارأيك في طبيب يهرب ويفر من مريضه عندما يشتد عليه المرض؟... بدون سماع رأيك, أقول لك أنك هذا الطبيب, مع الفارق طبعا, فقد أحببت ياصديقي الغصن لأنك تحب الشجرة, ولكنك في خريف لتلك الشجرة, قررت التضحية بالشجرة والغصن.
سيدي لا أحب قسوتي عليك, فأنا أتفهم معاناتك مع زوجتك, وأعرف أن مرارة الألم تصبح أشد عندما تأتي بعد شهد السعادة, ولكن ألست معي أنه لا يجب أن تكون كالأسد في الحب ثم تنصرف كالحمل مع اشتداد الرياح. إن الموت بإحساسه المفزع حاصر زوجتك واستوطنها فلم تستطع الخروج منه, وكان عليك أن تقترب أكثر مما فعلت, كان عليك أن تستعين بأصدقائكما, بأهلها, أو حتي بطبيب متخصص.
فما أقسي أن يعيش الإنسان وهو لايري إلا الموت. ولكنك فرطت بسهولة في كل هذا التاريخ من السعادة, وقررت أن تقفز من السفينة, وتنجو بنفسك في شقة سرية بحثا عن الأمان وهربا من الوحدة, فماذا وجدت ياسيدي؟!.. إن ابنتك في طريقها للضياع لأنها وجدت نفسها فجأة بين تطرفين, أم لاتري إلا الموت, غارقة مع صديقاتها, وأنت هارب دوما من قيظ البيت إلي ظل الوحدة والهدوء. ليس الحل ياصديقي أن تقطع الغصن حتي تموت الشجرة وحيدة, بل الحب هو ضخ مياه الحياة مرة أخري إلي جذور الشجرة حتي يزدهر الغصن مرة أخري.
وأقول لزوجتك الفاضلة, إن الذين لايتقبلون حقيقة الموت بسهولة هم البائسون, واختيارك لطريق الله بهذا الأسلوب وعلي حساب بيتك وزوجك وابنتك, هو اختيار خاطيء, فأنت وزوجك متدينان ولو كنت وازنت بين تدينك ورعاية أهلك, مالامك أحد, ولكنك فضلت العزلة ونسيت أن الله يأمرنا بالاستمتاع بمباهج الحياة, فليس دائما ما تسمعينه من تلك الأخوات صائبا, فقد سمعت كثيرا آراء مغلوطة وبلاسند.. تذكري ياعزيزتي أيام البهجة, وسلي نفسك في ماذا كنت تعصين الله؟!.. إن زوجك سيضيع من بين يديك, وإبنتك ستفقد مستقبلها, فلاتمارسي عليها إكراها, لأن الأولاد في حاجة إلي نماذج أكثر منهم إلي نقاد كما قال أحد الفلاسفة, وأذكرك بقول سيدنا الحسن بن علي رضي الله عنه:إن الله لايطاع استكراها ولايعصي بغلبة.. إن ابنتك أمانة, عليك أن تحافظي عليها, فعودي إلي الحياة مرة أخري, فما أصعب ألا نري في الحياة إلا الموت, فإذا كان الموت حقيقة فإن الحياة ياسيدتي حقيقة أيضا, ولكن كيف نحياها؟...
وإلي لقاء بإذن الله.
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
السبت، ٤ أغسطس ٢٠١٢
جــذور الحــب والموت
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق