السبت، ٤ أغسطس ٢٠١٢

امرأة أخري سواها

30-12-2005
‏{‏ سـيدي‏..‏ أنا رجل لامست عامي الخمسين منذ أيام قليلة‏..‏ أعمل في وظيفة مرموقة‏,‏ يلجأ إلي الكثيرون لمساعدتهم أو حل مشكلاتهم‏,‏ ولم أتخيل يوما أن أمسك بقلم لأكتب وأستشير أحدا‏..‏ ولولا اندفاعي إلي الكتابة عندما تحسست بكامل وعي ما أنا فيه من أزمة‏,‏ وإسراعي بإرسال تلك الرسالة‏,‏ لمزقتها‏,‏ ومارست غروري المعتاد بأني قادر علي تجاوز أي أزمة‏.‏

لم أكتب لك بحثا عن حل‏,‏ ولكني ــ بالدرجة الأولي ــ أردت إخراج الصراع الذي يدور بداخلي علي الورق‏,‏ لعله يريحني من عذابي‏..‏ فلأول مرة أواجه ذاتي بهذه الحدة‏,‏ وأكتشف سر مأساتي‏,‏ وربما يكون في اعترافي بخطاياي اعتذار كاف لتلك المرأة النبيلة‏,‏ التي لم تشك يوما أني بهذا السوء‏.‏

أنا متزوج للمرة الثانية منذ‏4‏ سنوات‏..‏ بعد رحيل أم أولادي‏,‏ التي تركت لي ولدين يعيشان معي في شقة أمهما‏,‏ بينما أذهب إلي زوجتي الجديدة في شقتها مرتين أسبوعيا‏.‏

زوجتي‏,‏ كانت مطلقة ولديها ابنة من زواجها السابق‏..‏ جميلة‏,‏ مثقفة‏,‏ عندما التقيتها‏,‏ انبهرت بشخصيتي‏,‏ بوعيي‏,‏ بمساحات السماح والعفو‏,‏ التي أتحدث عنها دائما‏..‏ عرفتها وتمنيت أن أقيم معها علاقة دون أي ارتباط شرعي‏,‏ ولكنها رفضت بشدة‏,‏ وكادت تنهي العلاقة‏,‏ ولكني سارعت بالاعتذار‏,‏ وألقيت عليها بكل شباكي حتي استعدت ثقتها بي مرة أخري‏.‏ تلك الثقة التي دفعتها للاعتراف لي بأنها أحبت شخصا بعد طلاقها حبا كبيرا‏,‏

ولكن الظروف حالت دون زواجهما‏..‏ هذا الاعتراف دفعني لإظهار عدم غضبي منها‏,‏ وقلت لها إنني ليس لي أي علاقة بماضيها‏,‏ وإنها مسئولة أمامي منذ لحظة تعارفنا‏..‏ لم أكن صادقا فيما قلت‏,‏ كنت أحاول استدراجها لأعرف حدود تلك العلاقة‏,‏ ولكني لم أصل معها إلي شئ‏,‏ فتجاوزت الحكاية التي سرقت فرحتي بجمالها‏,‏ وتزوجنا‏.‏ ومنذ اليوم الأول لزواجنا‏,‏ وأنا أبحث عن هذا الرجل في مشاعر وعقل زوجتي‏..‏ هل كان وسيما‏,‏ حنونا‏,‏ يحبك بشدة‏,‏ أحببته أكثر مني‏..‏ لماذا لم تتزوجا؟ هل حاول الاتصال بك بعد الانفصال؟‏..‏ هل تتذكرينه وأنت معي؟‏..‏ أسئلة كنت أوجهها إليها كل يوم‏,‏ وإجاباتها كانت مثل الخنجر في صدري‏:‏ نعم أحببته بصدق‏,‏ كان رجلا محترما‏,‏ اتصل بي علي فترات متباعدة ليطمئن علي‏..‏ وهكذا تأتي كلماتها‏,‏ وكم تمنيت أن تكذب‏,‏ أن تقول لي إنها لم تحبه وإنه سيئ‏,‏ مخادع‏..‏ غضبت منها وعليها‏,‏ هجرت البيت كثيرا‏,‏ امتنعت كثيرا عن الاتصال بها‏,‏ ثم أعود مرة أخري‏..‏ إذا طلبت مني الذهاب إلي مكان أسألها هل ذهبت إليه معه‏..‏ وإذا نظر إليها رجل في الطريق‏,‏ أباغتها هل هو هذا الرجل؟

المسألة لم تكن شكا ياسيدي كما سيتبادر إلي ذهنك‏,‏ ولكني كنت أستمتع بإهانة تلك المرأة‏,‏ أقارن بينها وبين زوجتي الراحلة‏,‏ زوجتي التي لم تعرف رجلا قبلي‏,‏ ترفض أن تشاهد قبلة في التليفزيون وتري أن هذا خدش للحياء‏,‏ زوجتي التي لم يعل صوتها يوما في مواجهتي‏,‏ والتي كانت تصلي لتشكر الله علي نعمته عليها بزواجي منها‏,‏ ولم أكن نعمة ولم أكن أستحق الشكر‏!!‏

لقد عاشت زوجتي ورحلت ولم تعرف اني كنت خائنا لها‏..‏ نعم لقد خنتها مع أخريات‏,‏ مرات ومرات‏,‏ حتي عندما أصابها مرض خطير‏,‏ أقعدها شهورا حتي رحلت‏,‏ لم أتوقف‏,‏ لم أتردد في سقوطي‏,‏ كانت تبكي لأنها عاجزة عن خدمتي وإسعادي‏,‏ وكنت أبرر مبيتي عند أخري بانه عمل‏,‏ فتدعو لي الله بالستر والعافية‏.‏

حاولت أن أفهم لماذا أخون مثل تلك المرأة‏,‏ وكانت جميلة ومثالية‏,‏ ولكني خدعتها منذ بداية زواجنا‏,‏ كنت أري نفسي كثيرا علي امرأة واحدة‏,‏ فلم أشعر يوما بالندم علي ما أفعل‏..‏ وأقنع نفسي بأنها لم تشعر لأني أغدق عليها بالسعادة‏,‏ وأني لا أستطيع إسعادها إلاإذا أرضيت نفسي‏,..‏ رحلت عن الدنيا وفي عينيها نظرات الرضا والامتنان‏,‏ وليس في قلبي أي إحساس بالندم أو الخطيئة‏..‏

لم يتجسد لدي هذا الإحساس‏,‏ إلا مع زوجتي الحالية‏,‏ ربما لأنها واثقة من نفسها‏,‏ ناجحة في عملها؟‏..‏ ربما لأنها متحررة تعترف لي بأنها أحبت رجلا ولم تتزوجه‏..‏ لقد طلقتها مرتين‏,‏ وفي كل مرة أعود وأنا أعاهدها بأن أتغير وأتوقف عن السؤال عن هذا الرجل‏,‏ والحديث الرائع عن زوجتي الراحلة‏..‏ ولكني أتراجع وأواصل نفس أسلوبي‏,‏ حتي قررت أن أبتعد عنها بالشهور‏,‏ ليس بيننا إلا التليفون‏..‏

أكاد أضع يدي علي موطن الداء‏,‏ ولكني أهرب مسرعا‏,‏ بحثا عن امرأة أخري تثبت لي أنه لايوجد بين النساء امرأة فاضلة سوي زوجتي الراحلة‏.‏

أفكر الآن في تطليق زوجتي‏..‏ أفكر في أن أتركها هكذا‏..‏ أفكر حتي تمنيت أن أتوقف للأبد عن التفكير‏!‏

‏{‏ سـيدي‏..‏ فلتسمح لي بأن أستعير بعض قسوتك ــ المدعاة ــ علي نفسك‏,‏ حتي تصل إلي مواجهة حقيقية مع ذاتك‏,‏ فحتي وأنت تكتب تريد أن تخرج من الحكاية وأنت راضي الضمير لتواصل سعيك نحو الخطيئة‏,‏ فأنت لاتريد ولاتسعي لإرضاء أي شخص في الحياة سواك‏,‏ الأزمة ليست في أنانيتك فقط‏,‏ وإنما في تجسيد كل عيوب الرجل الشرقي في شخصك‏,‏ واغفر لي مرة أخري عنف كلماتي‏.‏

أنت ياسيدي طوال الوقت تبحث عن صورة والدتك في زوجتك‏..‏ تحمل شخصين في جوفك‏..‏ واحدا يحمل كل الصور التقليدية عن المرأة‏,‏ والثاني يدعي التحضر والتسامح والوعي‏..‏ وفشلت في أن تجمعهما في شخص واحد‏,‏ تخرج أحدهما عندما تريد‏,‏ تزوجت الفاضلة التي تشبه والدتك‏,‏ وأسرعت بالشخص الآخر المدعي‏,‏ غير الحقيقي لتصطاد النساء‏,‏ بزعم أنك كثير علي امرأة واحدة ــ وهذه حالة مرضية معروفة عند الأطباء النفسيين ــ ثم تعود في المساء إلي المرأة المستكينة التي تنتظرك في البيت لتصالحك علي نفسك دون أي مجهود منك‏,‏ وتدعو لك بالستر والعافية‏,‏ لتواصل زحفك في الصباح‏.‏

رحلت زوجتك‏,‏ وأنت لاتشعر بأي ندم‏,‏ لم تتذكر يوما أن سبحانه وتعالي قال في كتابه الحكيم إن الله لايحب الخائنين‏..‏ فأنت مستمتع بذاتك‏,‏ مواصل زحفك نحو حصد أكبر عدد من النساء‏.‏

وعندما أردت أن تواصل زحفك‏,‏ واعترضتك امرأة فاضلة‏,‏ تزوجتها‏,‏ بعقلية الشخص مدعي التحضر‏,‏ وحين أصبحت ملك يمينك قررت أن تدينها وتحاكمها وتقارنها بزوجتك الراحلة‏,‏ فأنت الخائن تسعي إلي خنق الآخرين‏,‏ بدلا من أن تزيح الحبل من حول رقبتك‏.‏

تحاول ياسيدي أن توهم نفسك قبل أن توهمني‏,‏ بأنك تفعل ذلك تكفيرا عما ارتكبته في حق زوجتك الراحلة‏,‏ ولكن الحقيقة هي انك تحاول إرضاء الذئب في داخلك علي الرغم من أن الراعي الذي يفتخر بالذئب لايحب الخراف‏,‏ وأنت لم تحب إلا ذئبك الشارد‏.‏

سيدي‏..‏ إذا اعترفت بالحقيقة‏,‏ فستنجو من الغرق أنت ومن معك‏,‏ فلا تلق بنفسك في الماء قبل أن تغرق السفينة‏..‏ دعك من غرورك الذكوري‏,‏ وإذا كان الله لايحب الخائنين‏,‏ فهو القائل أيضا‏:‏ وقل رب اغفر وارحم‏,‏ وأنت خير الراحمين‏.‏

ابدأ بنفسك‏,‏ واحفظ زوجتك التي لم ترتكب جرما لأنها أحبت يوما ولم تخف عنك‏,‏ توقف عن تدميرها‏,‏ اقبل جمالها ونجاحها‏,‏ اقبل امرأة أخري سوي زوجتك الراحلة‏,‏ واغرس السعادة كي تجنيها‏,‏ فالسعادة بين يديك ولكنك تفتش عن الشقاء‏..‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق