السبت، ٤ أغسطس ٢٠١٢

العمر الضائع يكتبـه ‏:‏ خــيري رمضـــان (أول رسالة لخيرى)

26-08-2005
*‏ أنا سيدة تجاوزت الاربعين بسنوات قليلة‏...‏ من أسرة ثرية محافظة‏..‏ والدي ـ رحمه الله ـ كان موظفا كبيرا‏,‏ حرص خلال تربيته لنا علي غرس كل القيم الدينية والتقاليد الاجتماعية التي عاشت عليها الطبقة المتوسطة في مصر‏.‏ لذا لم يكن غريبا علي أبي حرصه علي مواصلة تعليمي وتخرجي في احدي كليات القمة في تخصص نادر‏,‏ سمح لي أن التحق بوظيفة يتمناها أي جامعي‏,‏ فما بالك بفتاة تحصل علي هذه الفرصة‏.‏ كنت مصدرا لفخر أبي وأسرتنا الصغيرة‏,‏ وكنت في نفس الوقت عروسا لقطة لأي حالم بمصاهرة طيبة‏,‏ وشريكة حياة مثقفة وتعمل في مثل هذه الوظيفة ولم يطل انتظاري‏,‏ فلم أكن مرتبطة‏,‏ بأي شاب مثل بعض زميلاتي‏,‏ تعلمت أن الحب يعني الزواج‏,‏ وأن مثل هذه العلاقات‏,‏ مضيعة للوقت والسمعة‏,‏ كما أني كنت في حالة تحد طوال الوقت‏,‏ وكنت حريصة علي التفوق‏,‏ مستمتعة بتلك النظرة الحانية الفخورة من عيني أبي‏,‏ يعني باختصار لم تكن لي أي علاقة بعالم الرجال سوي من خلال شقيقي الذي يكبرني بسنوات قليلة‏.‏

قلت لك لم يطل انتظاري‏,‏ فقد طرق باب أسرتي أول عريس‏,‏ صديق أخي‏,‏ شاب وسيم‏,‏ ثري ينتمي إلي أسرة عريقة‏,‏ يعمل في وظيفة مرموقة تبشر من يعمل بها بمستقبل باهر‏..‏ لم أكن أعرفه جيدا‏,‏ فقد رأيته مرات قليلة عندما كان يتردد علي شقيقي‏,‏ الذي كان يصفه بأنه دنجوان‏,‏ مغامر‏,‏ قناص‏,‏ وأن البنات يلاحقنه اينما يحل‏.‏ كان شقيقي يقول عنه هذا بكل فخر وتباه‏,‏ متجاوزا برأيه كل ما استقر في وجداني عن مفهوم الاخلاق ومعني الرجولة كما شربني اياها أبي‏,‏ وان كنت لا أنكر أن في هذا الكلام ماكان يثير فضولي نحو هذا العالم الغريب‏,‏ عالم الرجال‏...‏ تناقشت مع أبي وأمي وشقيقي‏,‏ جميعهم رحبوا به زوجا لي‏,‏ كنت شديدة الثقة بنفسي‏,‏ معتزة بما لدي من مواطن جمال وثقافة‏,‏ وطلبت مهلة للتفكير بعد السماح لي بالجلوس معه في بيت أسرتي أكثر من مرة‏,‏ ثم فوضت أمري لله ووافقت علي الزواج منه‏.‏

في عرس كبير بأحد الفنادق تم حفل الزفاف‏,‏ وانفضت الليلة وانصرف الاهل والمدعوون‏,‏ لأواجه وحدي هذا الرجل الغريب الذي أصبح زوجي‏,‏ ولتبدأ منذ تلك الليلة مشكلة حياتي‏,‏ المشكلة التي أقف أمامها الآن وجها لوجه‏,‏ وأكتب اليك من أجلها‏.‏

لم أكن سيدي أعرف قبل تلك الليلة شيئا عن العلاقة بين الرجل والمرأة‏,‏ سوي قراءات قليلة ولم تكن هذه العلاقة موضوعا للحوار بيني وبين أمي أو مع صديقاتي‏,‏ فكل ما تعلمته يقول إن الكلام في مثل هذه الامور‏,‏ عيب وحرام‏.‏

لاول مرة في عمري‏,‏ في حجرة مغلقة‏,‏ أنا ورجل تتقافز الخبرة من عينيه‏,‏ يتحرك أمامي بكل ثقة‏,‏ فيما أنا غارقة في جهلي وخوفي وقلقي‏.‏

تحدث‏,‏ فصمت‏...‏حاول طمأنتي‏,‏ فخفت‏,‏ اقترب‏,‏ فانكمشت‏,‏ وقررت داخل نفسي أن اترك له إدارة الموقف كما يشاء وكما يري‏...‏ ولكن‏!!‏ لم يحدث شيء‏,‏ سادت الحجرة حالة من الارتباك الصامت‏,‏ تسللت عيناي إلي وجه زوجي لترصد انكسارا مذهولا‏,‏ لم أفهمه في باديء الأمر‏..‏

تحدث عن الارهاق‏,‏ عن عدم رغبته في إزعاجي‏,‏ و‏...‏ كلام كثير لم أفهم ـ وقتها ـ مبرراته‏,‏ ولم أعرف كيف وبماذا أرد عليه‏,‏ فاستسلمت للصمت حتي سرقنا النوم‏.‏

ماحدث في الليلة الاولي‏,‏ تكرر في الليلة الثانية‏,‏ وماتغير هو صوت زوجي‏,‏ أصبح أكثر حدة وغضبا‏,‏ بدأ يهاجمني‏,‏ ويتهمني بأني خام وسلبية ويجب علي أن اساعده‏,‏ ولم اعرف عن ماذا يتحدث‏,‏ ودخلت في نوبة بكاء هيستيري‏,‏ جعلته ينتفض ويترك غرفتنا في الفندق مسرعا وهو يردد كلمات لم أتبينها‏,‏ ولم يعد إلا فجرا‏,‏ ليطمئن أني غارقة في النوم‏,‏ فيما كنت أدعي ذلك‏,‏ لأن النوم لم يعرف طريقي‏,‏ فقد تسلل إلي احساس بالفزع ينبيء بأن القادم أسوأ‏.‏

وحتي لا أطيل في هذه النقطة‏,‏ علي الرغم من أنها بداية الازمة‏,‏ مرت ايام لم يقترب مني زوجي‏,‏ حتي عدنا إلي شقتنا‏,‏ وبعدها تكرر ماحدث‏,‏ حتي توقف تماما عن المحاولة‏,‏ ستة أشهر كاملة يسهر طوال الليل في الخارج‏,‏ ثم يعود متمنيا أن أكون قد ذهبت إلي النوم وربما إلي الموت‏!.‏

لم أتحدث خلال هذه الشهور مع أي انسان‏,‏ كنت أحاول أن أبدو طبيعية أمام أسرتينا وأصدقائنا‏,‏ وكان هو يحاول ان يبدو أمام الجميع رقيقا حانيا وكأن الحياة بيننا أحلي ما تكون بين زوجين‏.‏ تولد لدي احساس بالعجز‏,‏ ويقين بأني سبب المشكلة‏,‏ وان كنت لا أعرف كيف الخروج منها‏.‏ وذات مساء انتهزت فرصة صفائه وجلوسه في البيت‏,‏ فقررت ان أطرح المشكلة معه‏..‏ قلت له اني علي استعداد لفعل أي شئ يطلبه مني‏,‏ واني لا أريده أن يغضب‏,‏ فرسخ في داخلي إحساسي بالمسئولية‏,‏ وبأنه ليس ساخطا علي‏,‏ وانني مع الوقت سأفهم‏,‏ وانه صابر وراض‏,‏ فشكرته وحمدت الله علي تفهمه وصبره‏.‏

ومرت الأيام حتي اقترب زواجنا من عام‏,‏ وجاءت تلك الليلة التي قرر زوجي فيها ـ وكأنه طبيب يسعي الي مداواتي من مرض ألم بي ـ ان يعيد المحاولة‏,‏ وقد كان‏,‏ نجح زوجي‏,‏ أو كما تصورت نجحت أنا في بداية العلاقة الزوجية‏,‏ وتكرر الموقف في الليلة الثانية‏,‏ وعادت نظرة الانتصار الي عينيه‏,‏ ورنة الثقة الي صوته‏,‏ وحمدت الله وصليت له ركعتي شكر‏,‏ ثم‏..‏ ابت الليالي ان تكمل سعادتي‏,‏ فعاد زوجي الي سيرته الأولي‏...‏ وانشغلت انا بثمرة الليلتين في أحشائي‏,‏ مستمتعة بإحساس الأمومة المشبع‏,‏ متناسية اني أعيش في أزمة دائمة‏..‏ راضية بشكل مؤسسة الزواج‏,‏ مؤمنة بأن الألم ينام بجوار السعادة علي فراش واحد‏..‏ لم أجرؤ علي الحديث عن هذا الموضوع مع أي أحد حتي أمي‏,‏ حياء وسترا وايمانا بأن الأقدار لها اليد العليا فيما أنا فيه‏.‏

جاء طفلي الأول الي الحياة‏,‏ حاملا لي بشري أن سعادة المرأة وهناءها في ممارسة الأمومة‏,‏ وما حرمت منه لم أتذوقه‏,‏ أو بمعني أدق لم آلف مذاقه حتي أشعر بالفقد‏,‏ وإن كان ما حدث معي دفعني الي مزيد من البحث والقراءة في هذا الموضوع‏,‏ حتي ايقنت واستوعبت ان زوجي لديه مشكلة‏,‏ وقلت لنفسي ان الزوجة الصالحة عليها ان تقف بجوار شريك حياتها حتي يجتاز محنته‏,‏ فبدأت في طرح الموضوع للحوار بالتدريج‏,‏ في البداية غضب زوجي وأكد لي بثقة ـ وكان صادقا ـ انه متأكد من سلامته‏,‏ ولكن بإصراري وافق ان نذهب معا الي طبيب متخصص‏,‏ فأكد لنا انه طبيعي ونصحنا بالذهاب الي طبيب نفسي‏,‏ ففعلنا‏,‏ وجلس مع كل منا علي انفراد‏,‏ ثم جلس معنا مجتمعين‏.‏ وقال لي الطبيب ان زوجي يشعر أمامي بالنقص لانني أكثر ثقافة وناجحة في عملي‏,‏ اضافة الي انه في كل مرة ينفرد بي بعد ما حدث في ليلة الزفاف يقع تحت ضغط نفسي ويتوقع الفشل فيفشل وطالبني ببعض الأشياء‏,‏ فعلتها محبة راغبة في تجاوز هذا الكابوس‏,‏ ولكن لم يتغير أي شئ‏!‏

وحتي لا تستدرجني التفاصيل‏,‏ سارت حياتنا علي هذا النهج‏,‏ تغيرت أشياء كثيرة حولنا وفي حياتنا الا هذا الشئ‏,‏ نحن المثقفين طرقنا أبواب الدجالين والسحرة ولم نجن الا مزيدا من الابتعاد‏,‏ اصبحت أسمع عن علاقات زوجي الآثمة‏,‏ والتي كان لايبذل جهدا كبيرا في اخفائها وكأنه يريد ان تصل الي مسامعي ويريد ان يقول لي‏:‏ انني رجل كامل والأزمة فيك ومنك‏.‏ كنت أثور وأغضب وكان يقابل ثورتي بهدوء غريب‏.‏

سنوات أخري تمر ويحدث اللقاء مرة أو مرتين كل عام أو أكثر‏,‏ وذات يوم بعد ان ازدادت الحكايات حول غراميات زوجي‏,‏ اتخذت قرارا بالانفصال ولكنها الأقدار مرة أخري تضع أحكامها التي لانستطيع إلا أن نقبلها صاغرين‏.‏ لقد اكتشفت انني حامل‏,‏ طفلة جديدة دخلت حياتنا‏,‏ جعلتني اقرر دفن انسانيتي ومشاعري‏,‏ والتضحية من أجل ابني وطفلتي الوافد الجديد علي أسرتنا‏,‏ خلال هذه السنوات ترقي زوجي في عمله‏,‏ كما صعدت انا الأخري في عملي‏,‏ ولكني لم أكن راضية علي ما أنا فيه‏,‏ فتقدمت باستقالتي من الوظيفة‏,‏ وافتتحت مشروعا خاصا يستنزف أغلب ساعات يومي التي كانت تمر ثقيلة‏,‏ خاصة اني بدأت في الشعور بالوحدة بعد رحيل أبي وبعده أمي بعامين‏.‏ ولم يستطع زوجي ان يناقش قراري‏,‏ فالأيام وما عانيته جعلت صوتي أعلي‏,‏ وجعلته أضعف من مواجهتي‏.‏

سيدي‏..‏ انا اليوم عندي ثلاثة من الأبناء‏,‏ ثمرة علاقة زوجية مجموع أيامها لايزيد علي عشرة لقاءات‏.‏ ابني الكبير عمره الان‏21‏ عاما ولدي طفلتان‏,‏ إحداهما في المرحلة الاعدادية والثانية بالابتدائية‏.‏

زوجي وصل الي أعلي درجات الوظيفة‏,‏ أما انا فمشروعي أصبح كبيرا‏,‏ وسعت مداركي وفهمت وعرفت ما لم أفهمه وأعرفه‏..‏ تعرضت لضغوط عديدة‏,‏ ولحظات ضعف مريرة‏,‏ فيبدو ان الرجال لديهم فراسة معرفة الأشجار التي تئن من حمل ثمارها بعد النضوج‏,‏ ولكن الحمد لله تربيتي وايماني بربي حالا دون أي انزلاق‏,‏ علي الرغم من وساوس الشيطان التي كانت تحرضني علي الانتقام‏,‏ لكن خوفي من الله وحرصي علي سمعة أبي وأبنائي حالا دون أي ضعف أو استسلام‏.‏

هداني الله منذ سنوات وارتديت الحجاب وحججت الي بيته‏,‏ ولكن بداخلي غضب يعصف بي كل ليلة‏,‏ أنظر الي زوجي المنكسر دوما أمامي‏,‏ فأشعر بطوفان من اللوم‏,‏ من الحزن علي عمري الذي تسرب من بين يدي يوما بيوم وأنا أتجرع طعم الهزيمة والفشل والحرمان‏.‏

أتذكر كيف أهان انوثتي وأضاعها دون رحمة‏,‏ فازداد كرها له‏.‏
لا أفكر في الزواج مرة أخري‏,‏ فاختياري منذ البداية كان ابنائي‏,‏ ولكن مشكلتي اني لم أعد اطيق الحياة معه في بيت واحد‏,‏ رؤيته تجسد أمام عيني عمري الضائع‏..‏ وبعد طول تفكير اتخذت قراري بالانفصال‏,‏ فدعوت ابني علي العشاء خارج المنزل‏,‏ تحدثت معه بكل صراحة‏.‏ اعترفت له دون الدخول في التفاصيل عن ما عانيته وما أعانيه الان‏,‏ وأخبرته انني اتخذت قرارا بالانفصال عن والده‏,‏ وهنا كانت المفاجأة‏!!..‏ ثار ابني في وجهي واتهمني بالانانية وبأن هذا الطلاق سيؤدي الي فضيحة‏,‏ ثم اختتم حديثه معي بأني لو فعلت ذلك سيقتلني أنا ووالده ثم تركني وفر من أمامي‏.‏ كان يوما سيئا‏,‏ لم يعد ابني الي البيت الا في الصباح ولم ينظر الي ولم يكلمني كلمة واحدة‏.‏ وهكذا ذهبت الي جحيم آخر كيف لي ان احافظ علي ما تبقي لي من أيام في سلام نفسي دون الحياة مع رجل سلبني عمري وأنوثتي‏,‏ أتجرع كلما رأيته الاحساس بالكراهية‏,‏ وأحافظ في نفس الوقت علي ابني الذي ضحيت بأحلي سنوات عمري من أجله هو وشقيقتيه؟‏..‏ هل لديك ما تقوله لابني حتي اتخذ قراري‏,‏ أم تنصحني بماذا؟‏!‏

*‏ سيدتي‏:‏
يقضي الانسان منا عمره معتقدا ان انحيازه لاختياراته في الحياة‏,‏ هو استسلام لما هو مقدر ومكتوب‏,‏ فيرضي بأن يكون الألم هو شريكه في الفراش‏,‏ متجاهلا ان السعادة ايضا تنام بجواره ولكنه يغمض عينيه عنها جاهلا أو منهزما‏..‏ وعندما يشعر بأن العمر قد تسرب‏,‏ وان لكل منا اسطورته الشخصية التي عليه ان يسعي لتحقيقها‏,‏ ينتفض ويقرر ان يأخذ ما قد يعتقد انه السعادة الباقية‏,‏ مسقطا كل ما آمن به وضحي من أجله‏.‏

فأنت ياسيدتي‏,‏ ابنة لأسرة مثقفة‏,‏ تخرجت في أعلي الجامعات‏,‏ بعد ان أعدك والدك ـ رحمه الله ـ لمعترك الحياة العملية‏,‏ ولكن لم يتطرق الي ذهنه أو ذهن والدتك انك في حاجة الي اعداد آخر يؤهلك لمشاركة رجل في بناء أسرة سليمة‏.‏تزوجت دون ان تعلمي أو تتعلمي شيئا عن العلاقة الخاصة بين الرجل والمرأة‏,‏ فالكلام في مثل هذه الأمور عيب وحرام فمن أين اذن يمكن للانسان ان يتعلم فن المشاركة وتحديد الحقوق والواجبات‏.‏ ان المجتمع الذي يعيش ازدواجيات‏,‏ تجعل من الحديث في مثل هذه الأمور داخل البيت وبين البنت وامها أو ابيها عيب وحرام‏,‏ هو نفس المجتمع الذي يفرض هذا المفهوم الان‏,‏ بعد‏21‏ عاما‏,‏ فيما يسمح بمناقشته بصور مختلفة ـ قد لاتبدو علمية في أحيان عديدة ـ علي الفضائيات وعلي صفحات الصحف‏.‏

ان جهلك بالثقافة الجنسية الصحيحة هو الذي جعلك تعتقدين لوقت طويل انك مسئولة عن فشل العلاقة الخاصة مع زوجك‏,‏ وهو الجهل نفسه الذي سمح لزوجك ان يستغله ليرسخ بداخلك هذا الاحساس محتفظا لنفسه ـ بأنانية ذكورية ـ بالصورة التي يرضاها بكونه رجلا مغامرا قناصا‏.‏

لو كنت ياعزيزتي فهمت ما انت فيه‏,‏ ما انتظرت كل هذا العمر‏,‏ وما وصلت الامور بينكما الي ما آلت اليه‏,‏ فإما طرق الأبواب الصحيحة للعلاج‏,‏ أو اختيار الانفصال المبكر‏,‏ قبل ان يصبح هناك أطراف أخري تشارك في دفع الثمن دون ان يكون لها دور في الاختيار الخطأ‏.‏

أما زوجك فهو تجسيد كامل للرجل الشرقي الذي يختصر مفهوم الرجولة في قوته وسلامته الجنسية‏,‏ فلم يقبل الاعتراف بمرضه النفسي‏,‏ متجاهلا حقك في الاختيار إذا تم الاعتراف بما هو فيه‏..‏ نعم قد ينجح زوجك في اقامة علاقات محرمة خارج منظومة الزواج‏,‏ بدافع التحقق واثبات الرجولة في نفس الوقت الذي يفشل في نفس الشئ معك‏,‏ وهذا يعود الي اسباب نفسية عديدة منها ما ذكره لك الطبيب النفسي من التأثير السلبي للفشل المبكر في العلاقة‏,‏ واصطحابه لهذا الاحساس كلما دخل الي الفراش‏,‏ وهذا الأمر يحتاج الي جلسات عديدة للعلاج النفسي‏,‏ أيضا هناك ما أشرت اليه بسرعة وهو الفارق الثقافي‏,‏ فيبدو ياسيدتي ان هذا الاحساس متأصل لديك منذ البداية‏,‏ في نفس الوقت يبدو ان زوجك كان لديه الاحساس بهذا الفارق‏,‏ مما كان يدفعه الي السخرية منك أو تعمد اهانتك والتركيز علي ترسيخ مفهوم الفشل لديك‏.‏

ولا استبعد ان يكون هناك سبب آخر لهذا الفشل‏,‏ لم يأت ذكره في الرسالة‏,‏ وربما لو حكي زوجك لفهمنا جزءا من تصوراته عن هذه الأزمة‏.‏ فهناك نوع من الرجال‏,‏ الذي اعتاد قبل الزواج علي الدخول في علاقات آثمة يبحث دائما عن صورة المرأة اللعوب التي تستفز فيه رجولته‏,‏ وانت بتربيتك لن تكوني منذ البداية تلك المرأة المثيرة‏,‏ وهذه الحالة كما يسميها أهل العلم السلبية العنيفة وبعيدا عن ما فيه زوجك دعيني أعود إلي البداية وأسألك؟ لماذا رضيت أسرتك الملتزمة دينيا وأخلاقيا بتزويجك من رجل يعرف شقيقك انه متعدد العلاقات‏,‏ فالرسول عليه الصلاة والسلام قال‏:‏ اذا خطب اليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه‏...‏ لن أسألك انت هذا السؤال‏,‏ فالبنات في مجتمعاتنا تفضلن دائما الارتباط بشاب له ماض ولديه خبرة‏,‏ ولا يعتبرن هذا سوء سلوك بقدر ما يعتبرنه دليلا علي جاذبيته والرغبة فيه من آخريات‏,‏ وهذا واحد من المفاهيم الخاطئة التي تدفع البنت فيها الثمن‏.‏

انك ـ ياعزيزتي ـ اخترت الاستمرار في هذه الحياة المؤلمة‏,‏ ليس فقط لجهلك بمواطن الأزمة‏,‏ ولكن حرصا علي أسرتك الصغيرة‏,‏ ووجدت سعادتك في ممارسة الأمومة وكأنك تؤمنين بالحكمة التي تقول‏:‏ من رضي بالقضاء صبر علي البلاء وان كنت اختلف مع الذين يرون تفضيل سلامة الجماعة علي سلامة الفرد‏,‏ ايمانا بأن سلامة الفرد في أحيان كثيرة هي التي تقود الي سلامة الجماعة‏,‏ لأنه من الصعب ان يخرج أبناء أسوياء في ظل حياة شديدة التعقيد والاختلاف بين الزوجين‏,‏ وأكبر مثال علي ذلك هو ابنك الذي اختار لغة عنيفة في مواجهة لغة الحوار التي طرحتها عليه‏,‏ فلا تلوميه‏,‏ لانه يدفع ثمن اختيارك وثمن استمرارك ومن غير الطبيعي ان يتفهم فجأة مشكلة بهذا الحجم ويؤيدك في قرار انتظرت‏21‏ عاما حتي تتخذيه‏.‏

اقول لك اني اختلف مع هذا المنهج في التفكير‏,‏ ولكني اجد نفسي مدفوعا اليه في مثل حالتك‏,‏ فأنت بقرارك هذا تعتقدين انك تثأرين لعمرك الضائع‏,‏ موقنة ان هذه هي الخطوة الأولي نحو السعادة‏,‏ فيما قد تكون خطوة نحو جحيم انت في غني عنه‏,‏ فالعمر لم يضع كما تعتقدين‏,‏ نعم خسرت بعض متع الحياة‏,‏ لكن حولك وبين يديك ثمرات أخري لهذا العمر‏.‏ وانت اخترت التضحية منذ البداية وكنت قوية في مواجهة عثرات الحياة‏,‏ وليس في ذهنك ان تتزوجي مرة أخري‏,‏ فلماذا الآن وبعد ان انكسر الزوج وكبر الابناء‏,‏ تفتحين بابا اغلقته‏21‏ عاما‏.‏

سيدتي‏:‏ ان اشرف الثأر هو العفو‏,‏ وعفوك عن خطايا زوجك محتسبة صبرك وعطاءك عند الله‏,‏ لهو اسمي وأفضل وان كان زوجك يعاني الآن‏,‏ ولعلك تدركين حجم هذه المعاناة‏,‏ فان ابنك الذي انكسرت في عينيه صورة أبيه في حاجة كبيرة اليك‏,‏ حتي لايعيش هو الآخر حياة مهزومة فاشلة‏,‏ وكما أعانك الله علي مافات‏,‏ سيعينك علي ما هو آت‏..‏ والي لقاء بإذن الله‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق