السبت، ٤ أغسطس ٢٠١٢

القرار المؤجل

16-09-2005
كنت متابعا دائما لبريد الجمعة منذديته علي يد الكاتب الكبير عبد الوهاب مطاوع حتي كتبت إليه منذ عامين عن مشكلتي‏.‏
فوجئت بأنه رحمه الله قد نشرها في صدر بريد الجمعة يوم‏2003/10/10‏ تحت عنوان المحاولة الأخيرة وعلق عليها بآرائه ونصائحه السديدة‏.‏
وأحاول أن أوجز حتي لا أطيل‏,‏ فأنا رجل قارب سن المعاش عشت حياة زوجية مضطربة استمرت قرابة ثلاثين عاما مع زوجة نارية الطباع ربما لم نعش فيها فترات صفاء وهناء إلا فترات قليلة تخللها سفري للعمل بالخارج مدة‏10‏ سنوات‏.‏ لقد بدأت مشاكلي مبكرا حين اكتشفت أن أهل زوجتي لهم السطوة الكاملة عليها وهي راضية بذلك بل وتستغل ذلك في إقحامهم في حياتي حتي حين حدوث أي مشكلة ولو صغيرة بيني وبينها‏,‏ وعادة ما كان يؤدي التدخل إلي إهانات متكررة‏,‏ تحملت كل هذا في سبيل أبنائي حتي لا يتعرضوا للتشتت والضياع وهم في سن صغيرة وأملا مني في انصلاح الأحوال‏.‏
بعد عودتي من الخارج منذ‏20‏ عاما امتهنت أعمالا حرة متنوعة صادفني في معظمها عدم توفيق مما كان يؤدي إلي اضطرابات أحوالي المادية‏,‏ ولكن مضت سفينة الحياة بحلوها ومرها حتي تخرج الأبناء وتزوجوا واستقلوا في حياتهم العائلية ما عدا ابنة صغري علي مشارف الجامعة‏.‏
وفي أثناء ذلك تزايدت مشاكلي مع زوجتي وأهلها حتي وصلت إلي ذروتها منذ‏10‏ سنوات‏,‏ كان ينبغي علي وقتها اتخاذ قراري المؤجل دائما بطلاقي منها ولكن كنت أستأنس دائما بكلمات ونصائح راحلنا العظيم عبد الوهاب مطاوع في التحمل والصبر في سبيل الأبناء وهو هدف نبيل في حد ذاته‏.‏
خلال تلك الفترة عشت فيها في شقاق مستمر مع زوجتي مما دفعني إلي إيثار العيش وحيدا في بلدتي بعيدا قدر المستطاع عن المشاكل‏,‏ عانيت كثيرا خلال تلك الفترة وفكرت جديا في الارتباط بأي إنسانة أخري تشاركني بقية مشوار حياتي‏,‏ وقتها كتبت إلي صاحب بريد الجمعة طالبا مساعدته‏.‏
جاءت نصائحه أن أبذل جهودا اضافية عسي أن يعود الهناء العائلي أو إذا استمر شطط زوجتي فإن لي وقتها أن أمضي بضمير مستريح في الاتجاه نحو البحث عن رفيقه بقية المشوار بلا لوم لأن لكل إنسان بالفعل قدرته التي لا يستطيع تجاوزها علي الصبر والاحتمال‏.‏
ولكن حدث منذ أشهر قليلة أن طلبت زوجتي الطلاق وأصرت عليه بالرغم من تدخل الأبناء والأقارب والمعارف وأمام ذلك اتخذت قراري المؤجل دائما وتم الطلاق علي الإبراء وتنازلت هي في سبيله عن حق الحضانة لابنتها البالغة‏17‏ عاما واستقلت بسكن خاص قام أهلها بإعداده لها‏.‏
لقد أنهيت نشاطي التجاري في بلدي وأقيم حاليا بالقاهرة مع ابنتي في شقتي‏,‏ وحتي لا تحرم هذه الابنة من حنان أمها فإنني أسمح لها دائما بزيارتها أو حتي مصاحبتها حين ترغب‏.‏
الآن أشعر بالهدوء النفسي والرضا حيث أنني بذلت الجهد والمعاناة في سبيل الاحتفاظ بالكيان العائلي‏.‏ لكنني يا سيدي كثيرا ما ألوم نفسي علي أنني تأخرت كثيرا في اتخاذ قراري المؤجل دوما فأنا أقترب من‏59‏ عاما وهي السن المفروض أن يشعر فيها الإنسان بالاستقرار والهناء العائلي وسط الأبناء والأحفاد‏,‏ حيث أشعر أنا بالوحدة والفراغ‏,‏ بالرغم من أنني أحاول كثيرا بذل جهود للإقتراب من دوائر العمل حيث مازلت أتمتع بفضل الله بحيوية كافية للحياة‏.‏
كنت أفتقد وجود الاستاذ عبدالوهاب مطاوع وكثيرا ما تخيلته وهو يوصي بانتظار جوائز السماء‏,‏ لقد صبرت كثيرا وتحملت وحاولت مرارا تفادي قراري المؤجل دائما‏.‏
فهل لديك يا سيدي الفاضل كلمات تلقيها لي ولغيري كي استعين واستهدي بها وبماذا تنضح؟

سيدي‏:‏ للأهداف النبيلة دائما أثمان وثمار‏,‏ وها أنت قد دفعت سنوات عمرك بحثا عن الإستقرار والهناء العائلي وسط الأبناء والأحفاد‏,‏ فوجدت نفسك وحيدا لا تتلمس بمشاعرك ثمار العمر المسلوب‏,‏ فقررت أن تسعي مرة أخري بحثا عمن يحرضك أو ينصحك باتخاذ القرار المؤجل‏..‏ في المرة الأولي عندما كتبت إلي الراحل العظيم عبدالوهاب مطاوع‏,‏ كنت تتمني أن يريح ضميرك وينصحك بالطلاق‏,‏ وهو بحكمته استشف في سطور رسالتك مقدرتك علي الصبر والتحمل في سبيل الأبناء‏,‏ وقد فعلت حتي وقع قرارك المؤجل رغما عنك‏..‏ ومرة ثانية تحاول أن يدفعك أو يشجعك أحد علي الزواج الذي تخجل من البوح بأنه رغبة دفينة في داخلك‏,‏ وكأنه جائزة السماء‏,‏ غافلا أن السماء كي تجود بجوائز تستدعي أن ترفع يديك إلي الله تطلب منه وترجوه‏...‏ ولكني أراك مترددا ملقيا بكل المسئولية علي القدر‏..‏
وعاجز الرأي مضياع لفرصته ........... حتي إذا فات أمر عاتب القدر

هكذا تحدث الشاعر‏,‏ وهكذا تفعل أنت‏..‏ فقد مدت الأقدار أياديها اليك ففراق يكون منه دواء‏..‏ انسحبت زوجتك من حياتك‏,‏ وأمامك فرصة الاختيار‏,‏ إما أن تقدم وتختار من يمكنها مواصلة رحلة الحياة معك بحثا عن السعادة المنتظرة‏,‏ وهذا القرار ليس فيه عيب‏,‏ وإما أن تؤمن بما قاله الشاعر العظيم طاغور‏:‏ العيد الذي طالما ننتظره ينقضي في يوم واحد‏,‏ وعليه يمكنك الرضا بما ضحيت من عمرك لسعادة أبنائك‏,‏ باحثا عن سعادتك المؤجلة في مزيد من العمل ومتابعة الأبناء والأحفاد‏,‏ مسخرا أيامك لتربية ابنتك التي تعيش معك‏.‏
سيدي‏..‏ أنا لا أضعك بين خيارين‏,‏ ولكنك الأكثر تقديرا لما تحتاجه أنت وابنتك‏,‏ فلا أحد يحتكر الحكمة ليقدمها دواء للآخرين‏,‏ ولكننا معا نتلمس طريق السعادة الذي يبدو في أغلب الأحيان وعرا‏,‏ لأن الحياة شعلة إما أن نحترق بنارها راضين باختياراتنا‏,‏ وإما أن نطفئها ونعيش في ظلام‏,‏ وأعتقد أن الخيار الأول هو الأقرب إلي الواقع الذي يعيشه أغلب البشر‏,‏ فمد يدك ولا تنس أن تمسك بيد ابنتك‏,‏ وخذ قدرك الذي يناسبك وترضاه‏..‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق