السبت، ٤ أغسطس ٢٠١٢

آمــــــال صـــــــــالح

09-12-2005
أرسل إليك ياسيدي هذه الرسالة كنداء استغاثة لعل صوتي يصل إلي السيدة الفاضلة سوزان مبارك عن طريق بريدكم أو أجد من بين قرائك من يعرف السبيل لحل هذه المشكلة‏.‏

أعرفك ياسيدي بنفسي أولا‏,‏ فأنا سيدة أبلغ من العمر واحدا وثلاثين عاما‏,‏ ولن أقول إنني نشأت في أسرة كما تسمع دائما‏,‏ فقد نشأت في ملجأ للأيتام‏,‏ ومن اليوم الذي ذهبت فيه إلي الملجأ إلي أن أتممت عامي الحادي عشر‏,‏ وأنا لم أشعر يوما بحنان الأم الذي كثيرا ما سمعت عنه‏,‏

وكان هذا حالي أنا وأخوتي في نفس المكان الذي جمعتنا فيه نفس ظروف اليتم‏,‏ ولا أخفيك علما عما لاقيناه أنا وأخوتي من المهانة والقهر والإذلال علي يد كل من كانت تحضر إلينا مع المشرفة الاجتماعية للملجأ‏,‏ لتخبرنا المشرفة أن هذه السيدة هي أمنا الجديدة‏,‏

وعددهن بلا حسد إثنتان وعشرون علي مدي ثماني سنوات‏,‏ لاتلبث الواحدة منهن أن تمكث عدة أشهر‏,‏ ومنهن من تمكث السنة أو السنتين حتي تأتي المشرفة بأخري لتخبرنا نفس القصة بأن هذه السيدة هي أمنا الجديدة حتي بات الأمر بالنسبة لنا أمرا مملا من كثرة ما تكرر أمامنا ولم يعد لدينا نحن الأطفال الصغار سوي الخضوع لكل من تأتي علي مسمعي أنها أمنا لنلقي منها نصيبنا من العذاب‏.‏

ولعلك تسأل عن سبب تركهن لنا الواحدة تلو الأخري‏,‏ وقد تعددت الأسباب فمنهن من تركتنا لتتزوج‏,‏ ومنهن من طردت لسوء معاملتها لنا‏,‏ ومنهن من وجدت وظيفة أكثر ملاءمة لظروفها‏,‏ ولم تفكر إحداهن في مصير هؤلاء الأطفال ولم يعد لدينا أي شعور بالانتماء تجاه أي شخص أو أي شئ وتولد لدينا حقد علي المجتمع الذي نعيش فيه والذي لم يتركنا نتجرع مرارة اليتم مرة واحدة بل أصر علي أن يذيقها لنا عدة مرات فقد سبق أن أخبرتك أن كل هذا حدث معي إلي أن أتممت عامي الحادي عشر وجاءت المشرفة‏,‏

ومعها سيدة اعتقدنا لأول وهلة أنها من سيدات الخير حضرت لتتبرع لنا ببعض الألعاب أو الملابس‏,‏ كما كان يحدث وقتها‏,‏ ولكننا فوجئنا بالمشرفة تخبرنا نفس المقولة التي سئمنا منها وهي أن هذه السيدة هي أمنا الجديدة‏,‏ وقابلنا هذه السيدة بفتور لأن الأمر لم يكن جديدا بالنسبة لنا وفي الأيام الأولي التي مرت بنا معها بدأ شئ جديد في حياتنا‏,‏ في البداية اعتقدنا أنها تريد أن تجذبنا إليها ومع استمرار الوضع الجديد بدأنا نشعر أن هناك خيطا من حرير يربطنا بهذه السيدة وبدأنا نشعر لأول مرة بالحنان الذي طالما افتقدناه فيمن حولنا‏,‏ واتفقنا أنا وإخوتي أن نناديها بكلمة ماما والتي حرمنا منها زمنا طويلا‏,‏ وبدأت في حياتنا مرحلة جديدة يسودها الحب والرعاية والحنان

وكانت أما بحق نعم الأم بحنانها‏,‏ ونعم الصديقة ونعم الابنة‏,‏ وقد تتعجب لذلك فأمي كانت أمنا بالفعل حين نحتاج لصدرها وحنانها في لحظات الحزن والشدة التي نمر بها‏,‏ وكانت صديقة حين كنا نلعب سويا أنا وهي وأخوتي وكانت أسعد لحظات حياتنا حين كانت تسقي الحديقة ونفاجأ بها ترشنا بالمياه ونجري منها وتجري خلفنا ولاينقطع صوت ضحكاتنا أبدا ونلعب ألعابا كثيرة متعددة‏,‏ وكانت نعم الإبنة حيث كنا نقوم بتمشيط شعرها ووضع الزينة لها وندللها كما تفعل معنا برغم سنوات عمرها التي كانت وقتها ستة وأربعين‏,‏ إلا أنها كانت تمنحنا من الحنان ماننسي معه تلك السنين التي تفرق بيننا‏

ومع ذلك كنا نحترمها جدا جدا ونخشاها جدا جدا جدا لأن من كان يخطئ فينا فإنه ينال نصيبه من العقاب الذي كان شديدا بعض الشئ‏,‏ فكانت تمثل الحكمة التي تقول الشدة بلاقسوة والحنان بلاضعف حتي بتنا ياسيدي أشخاصا أسوياء ليس بداخلنا حقد علي المجتمع أو علي أحد وباتت بداخلنا مساحة خضراء جعلتنا نسامح كل من أخطأ في حقنا من قبل لدرجة أننا لم نعد نحكي ماكنا نلاقيه في السابق بوجوم وغضب بل أصبح ذلك مدعاة لنوادرنا وأصبح الأمر مضحكا أكثر منه مبكيا‏,‏ لأننا كنا نحكي رد فعلنا نحن تجاه هذه المواقف‏.‏

ولقد تخرجنا نحن جميعا بشهادات مختلفة والحمد لله تزوجت أنا واخوتي البنات الست وتزوج ثلاثة من البنين وكل منا رزقه الله بالذرية التي ندعو الله أن يجعلها صالحة بإذنه‏,‏ وعندما أري أبنائي وأبناء أخوتي أجد أننا جميعا نتفق في أسلوب التربية‏,‏ حيث نتبع أسلوب أمي التي لولا جهودها معنا لما أصبحنا كما نحن الآن ومازالت أمي في نفس الملجأ تكمل رسالتها مع باقي أخوتي وعددهم تسعة بأعمار مختلفة من عمر سنة ونصف إلي عشرين عاما في مراحل تعليم مختلفة‏.‏ ومن هنا تبدأ المشكلة الحقيقية‏,‏ فلقد أصدرت إدارة الملجأ قرارا بإحالة أمي علي المعاش نظرا لبلوغها السن القانونية‏

ولقد حزنت أمي كثيرا لهذا القرار وأبدت رغبتها في أن تظل ترعي باقي أخوتي الصغار دون مقابل مادي فهي لاترغب سوي أن تكمل رسالتها معهم‏,‏ ولكن قوبل طلبها بالرفض‏,‏ والذي دفعني للكتابة إليكم هو أنني حين علمت بهذا القرار مر أمامي شريط من الذكريات وأري أن هناك مشهدا ومأساة تتكرر حين يخبرني أخوتي بأن هناك سيدة هي أمهم الجديدة الفرق بين هذا وذاك كبير‏,‏ أننا لم نكن نحزن بشدة لأننا لم نتعلق بأحد‏,‏ أما بالنسبة لأمي فهي لأخوتي الماء والهواء‏

فكيف تتخلي عنهم‏,‏ وكيف تتركهم ولا يفهم أطفال صغار معني القوانين؟ أو ماذا يفعلون بدونهما؟ إن أمي إلي الآن مازالت تجمعنا تحت جناحيها ولانجد غيرها لنلجأ إليه‏,‏ نحن نلتقي سويا كل أسبوع أنا وأخوتي وأمي‏,‏ وتجمعنا الأعياد والمواسم‏..‏ نحن نتفهم القوانين ولكن ألايوجد رحمة فوق القانون؟ وهل هذا مطلب صعب المنال أن تبقي أمي ترعي أخوتي دون مقابل؟ من يعقل هذا وأي صعوبة فيه‏.‏ إنني أحزن بشدة حين يذكر لي أخوتي كيف تبكي أمي طوال الليل بعد أن يأووا جميعا إلي أسرتهم‏,‏ وكيف ساءت حالتها النفسية لهذا القرار الظالم بعد كل ما قدمته أمي لنا ومازالت تقدمه

ولذلك أسعي هذا السعي الأخير لعلي بذلك أكون قد أديت جزءا ضئيلا جدا جدا مقارنة بما فعلته معي وأن أمنع دمعة واحدة تنساب علي خديها لأنها ستفارق أخوتي‏,‏ إنني أرجوكم باسم أخوتي جميعا أن ترحموا أمي وترحموا أخوتي من أن يتذوقوا مرارة اليتم مرة أخري‏,‏ وأوجه ندائي هذا لمن يصدرون القوانين دون الاعتبار لأشياء أخري فليس هذا جزاء من أفنت عمرها وصحتها لترعانا وتصلح من شأننا‏,‏ فكيف بعد أن ظلت علي مدي عشرين عاما منشغلة بأمورنا ومشاكلنا تجد نفسها وحيدة يحاصرها الصمت من كل جانب‏.‏

إن الوحدة قاتلة فكيف نقتل من ضحوا بسعادتهم وراحتهم في سبيل إسعادنا؟؟ وأخوتي أين سيجدون قلبا مثل قلب أمي مع العلم أن مسئوليتهم سوف تئول لفتاة لايتعدي عمرها الخامسة والعشرين ومازالت بانتظار قطار الزواج أي أن مأساة أخوتي ستتكرر مرة أخري‏.‏

إلي أصحاب القرار ومن يمكنه أن يصل إليهم أو يؤثر فيهم‏,‏ أوجه لكم ندائي هذا من أفواه أطفال أيتام سيفقدون أمهم بقرار إداري أن يرحموهم ويرحموا أمنا التي سيسلبون منها أبناءها لا لشئ سوي أنها بلغت سن المعاش‏.‏ أدعوا الله العلي القدير أن تجد رسالتي تلك صداها عند من بيدهم الأمر ولله الأمر من قبل ومن بعد‏.‏

س‏.‏ح‏.‏ع
إحدي بنات الأم الغالية
آمال صالح محمد الغول


قرية الأطفال‏(‏ إس‏.‏أو‏.‏إس‏)‏ ـ القاهرة ـ مدينة نصر

‏*‏ سيدتي‏..‏ لم أجد ما أكتبه عنوانا لرسالتك الصادقة‏,‏ سوي اسم هذه السيدة العظيمة آمال صالح‏,‏ هذا الاسم الذي يجب أن يكون عنوانا لكل ما هو جميل في حياتنا‏...‏ اعتدنا أن نقرأ أسماء بلا قيمة أو معني في عناوين الصحف‏,‏ وتجاهلنا من يغرس المحبة في القلوب‏,‏ ويحنو برفق ووعي علي أيتام وجدوا أنفسهم في الحياة اشقياء بلا ذنب اقترفوه‏,‏ هذه السيدة التي فهمت معني حديث رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم الخلق كلهم عيال الله‏,‏ وأحبهم اليه أنفعهم لعياله‏,‏ فهي حبيبة الي الله بما فعلته معك وأخواتك‏,‏ وأصرت علي مواصلة رحلتها في العطاء والحب‏..‏ هل مثل هذه السيدة يجب أن تحال الي المعاش؟‏..‏ إن القانون ليس أعمي دائما‏,‏ بل نجد قلبه خافقا في حالات لا تقوم بمثل دور هذه السيدة في بناء بنات وأمهات صالحات مثلكن‏,‏ فلماذا يغمض عينيه أمامها‏,‏ مع أنه لو فعل وأدخل السرور والبهجة علي قلوب صغيرة‏,‏ وعلي قلب تلك المرأة‏,‏ ما خسر شيئا بل علي العكس سيربح الكثير‏.‏

سيدتي‏..‏ كلي أمل في أن تقرأ السيدة الفاضلة سوزان مبارك رسالتك‏,‏ وهي المشهود لها بالاهتمام بالمرأة والطفل‏,‏ ويدها بيضاء في رعاية الأيتام‏,‏ فثقي بأنها لن تدخر وسعها في التدخل لتعيد البسمة اليكن والي تلك السيدة الرائعة‏,‏ والتي يبدو أن الفيلسوف سقراط كان يتحدث عنها عندما قال‏:‏ أعظم إمرأة هي التي تعلمنا كيف نحب ونحن نكره‏,‏ وكيف نضحك ونحن نبكي‏,‏ وكيف نصبر ونحن نتعذب‏.‏

لقد وضعت رسالتك ونقلت صوتك وصوت أخواتك اليتيمات‏,‏ أمام عيون أمينة‏,‏ لن تقبل أن تحال المشاعر النبيلة الصادقة الي المعاش‏.‏

والي لقاء بإذن الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق