الجمعة، ٣ أغسطس ٢٠١٢

خائنة ولكن‏!‏

22-12-2006
*‏ ترددت كثيرا في الكتابة إليك‏,‏ خوفا من سهام نقدك وكلمات القراء‏,‏ الذين أوقن بأنهم سينبذونني وسيصفونني بصفات سيئة‏...‏ ولكني توكلت علي الله‏,‏ وقررت عرض مشكلتي بعد أن ضاق بها صدري‏,‏ خاصة بعد أن قرأت منذ أسابيع في بريد الجمعة رسالة لقاريء يعيش مشكلة تشبه مأساتي‏,‏ وإن كانت أخف منها قليلا‏.‏

الحكاية باختصار يا سيدي‏,‏ أني شاب عمري لم يتجاوز الثلاثين‏,‏ أعمل في وظيفة مرموقة‏,‏ تزوجت منذ ثلاث سنوات فقط‏,‏ من فتاتي التي تصغرني بخمسة أعوام‏...‏ تزوجنا بعد قصة حب رائعة‏...‏ كنت أحس مع فتاتي أني صديقها وأبوها قبل أن أكون زوجها‏...‏ فقد عانت حبيبتي كثيرا بعد انفصال والديها‏,‏ حيث تزوج كلاهما من آخر وأخري‏,‏ وعاشت هي مع أمها وزوجها عيشة منطوية كئيبة‏,‏ تعاني الوحدة والحرمان من الحنان والاحتواء‏,‏ لذا كنت أتفهم صمتها الطويل في صحبتي‏,‏ وعدم مقدرتها علي التعبير عن نفسها‏,‏ تزوجنا وكلي رغبة في تعويضها عما عانته‏.‏

بدت حياتنا سعيدة‏,‏ آمنة‏,‏ في شهورها الأولي‏,‏ كان يقلقني أحيانا رغبة زوجتي في الانسحاب‏,‏ وعدم إقبالها علي العلاقة الخاصة بيننا‏,‏ ولا أخفيك سرا أني كنت أستريح كثيرا لموقفها هذا‏,‏ لأني كنت أبذل جهدا كثيرا في عملي‏,‏ وأغيب أوقاتا طويلة عن البيت‏,‏ وأعود مجهدا‏,‏ لذا فقد كان تصرفها يزيح عني الإحساس بالذنب نتيجة لتقصيري معها‏.‏

ولم أر في تصرف زوجتي وانصرافها عن الترحيب بالعلاقة الحميمية أي شيء يثير الريبة‏,‏ خاصة أنها حملت في شهورها الأولي‏,‏ وأنا أعرف أن بعض الزوجات يفضلن الابتعاد في تلك المرحلة‏.‏

كانت زوجتي تقضي وقتا طويلا أمام جهاز الكمبيوتر‏,‏ ولم أسألها يوما ماذا تفعل‏,‏ فأنا أثق فيها كل الثقة‏,‏ وأري في هذا الجهاز العجيب ما يشغل وقتها في غيابي‏.‏

وذات يوم‏,‏ نسيت زوجتي أن تغلق الجهاز بعد أن غلبها النوم‏,‏ فجلست أمام الكمبيوتر‏,‏ لأكتشف أن زوجتي كان تدير حوارا مع أحد الأشخاص من خلال الشات أقل ما يوصف به أنه حوار قذر ومتدن‏,‏ طبعا كانت تستخدم اسما مستعارا‏,‏ فغضبت بشدة ولكني آثرت ترك الأمر حتي الصباح‏.‏

لم يغمض لي جفن‏,‏ أعدت الإفطار وجلسنا‏,‏ فقلت لها إنها نسيت أن تغلق بريدها قبل أن تنام‏,‏ فتلون وجهها واضطربت‏,‏ ولم تنطق بكلمة‏,‏ فأخبرتها أني قرأت كل شيء‏,‏ لم ترد‏,‏ بل هرولت من أمامي باكية إلي غرفة نومنا‏,‏ فلحقت بها ومع اسئلتي الصارخة‏:‏ لماذا تخونني؟‏...‏ كيف تفعلين ذلك؟‏,‏ هل قصرت معك في شيء؟

بعد فترة طويلة من البكاء‏,‏ قالت لي إنه مجرد لعب‏,‏ تشغل به وقت فراغها‏,‏ وأن من تحادثه لا يعرف من هي‏,‏ ولم تقل في حوارها معه أي معلومات حقيقية عن نفسها أو عن حياتنا‏.‏

حوار طويل انتهي بإعلانها ندمها علي ما فعلت وطلبت مني نسيان ما حدث‏,‏ ولن تعود إليه مرة أخري‏,‏ ولا أخفيك سرا‏,‏ أني التمست لها الاعذار‏,‏ وعفوت عنها من قلبي‏,‏ وقررت ألا أجرحها وألا أعود للحديث في هذا الموضوع‏.‏

ومرت أيام أخري في نهر حياتنا‏,‏ كانت زوجتي ترفض خلالها أن أقترب منها‏,‏ دون أن يثير في تصرفها أي شك أو ريبة‏.‏

وفي يوم أسود‏,‏ زارني في بيتي صديق‏,‏ يعمل مهندسا في مجال التكنولوجيا‏,‏ وقال لي إنه يحمل برنامجا معجزة‏,‏ يسجل كل ما يدور علي جهاز الكمبيوتر ويحفظه صوتا وصورة‏,‏ وعرض تحميله علي جهازي المنزلي‏,‏ فلم أرفض ولم أرحب‏,‏ وأرجو أن تصدقني‏,‏ لم افكر وقتها في زوجتي‏,‏ أو أن يكون هذا البرنامج فرصة لمراقبتها‏.‏

...‏ ومرت أيام‏,‏ وذات مساء كانت زوجتي نائمة‏,‏ وكنت قلقا يخاصمني النوم‏,‏ فقررت الجلوس أمام النت‏,‏ وتذكرت برنامج صديقي وقلت لماذا لا أتصفحه‏,‏ مجرد لعب وتضييع للوقت‏,‏ وهنا كانت فجيعتي ومصيبتي‏,‏ زوجتي‏,‏ حبيبتي‏,‏ أم طفلي القادم‏,‏ الوديعة‏,‏ الخجولة‏,‏ الصامتة دوما‏,‏ عارية تماما‏,‏ تخفي وجهها فقط بإيشارب‏,‏ تفعل أشياء غريبة مع شخص آخر عبر الشات والكاميرا‏,‏ تقول ألفاظا مفزعة‏,‏ لم أسمعها منها يوما‏,‏ تفاصيل أعف عن ذكرها وأثق أنك لا تستطيع نشرها‏.‏

فقدت صوابي فكرت في قتلها‏,‏ سارعت بالدخول إلي غرفة نومنا‏,‏ نظرت إليها‏,‏ وهي نائمة كالملائكة‏,‏ فأحسست بضعف غريب وأنا انظر إلي ابني المقيم في بطنها‏,‏ فانسحبت باكيا من الغرفة؟

جلست أتساءل‏:‏ لماذا تفعل ذلك إذا كانت ترفضه معي؟‏...‏ هل هذا الشخص تحبه؟‏,‏ وإن كانت كذلك فلماذا لا تلتقيه‏,‏ ولماذا يناديها باسم غير اسمها؟‏...‏ هل هي خائنة أم أن ما فعلته لعبا وتضييعا للوقت؟

اسئلة كثيرة كانت لها إجابة واحدة‏,‏ الطلاق‏....‏ عندما وصلت إلي هذا الحل‏,‏ أصابني الفزع وتحولت إلي محاكمة نفسي‏,‏ لقد انشغلت عنها كثيرا‏...‏ لم أبذل جهدا لاحتوائها‏,‏ علي الرغم من معرفتي بما عانته من عذاب ووحدة منذ طفولتها‏..‏ كنت أنانيا بحثت عن نجاحي واسترحت لابتعادها عني‏.‏

وجدت نفسي تميل إلي التماس الاعذار لها‏,‏ مع وجود صوت صراخ في داخلي يتهمني في رجولتي‏.‏

أعرف جيدا أن كل من يقرأ حكايتي‏,‏ سيلومني‏,‏ وسيري أن علي تطليقها فورا دون تردد‏,‏ ولكني وبعد أيام طويلة من اكتشافي تلك الخيانة لم أجرؤ علي مواجهتها بما عرفت‏,‏ فأنا أخشي أن يقودنا الحوار إلي الطلاق‏,‏ قبل أن يأتي طفلي الأول‏,‏ كما أخشي عليها من الضياع‏,‏ وأدعو الله أن تقدم لي مبررات أقبلها‏,‏ فلدي مساحة غريبة من الاستعداد للعفو والسماح‏,‏ ولا أعرف كيف أنهي هذا الموقف المؤلم والسخيف‏....‏ فبماذا تنصحني؟‏!‏

**‏ سيدي‏...‏ نعم رسالتك ستستفز القراء‏,‏ خاصة الرجال‏,‏ كما استفزتني‏,‏ وسيكون الرد الأولي المتسرع‏,‏ والذي يعكس رفض خيانة المرأة‏,‏ أيا كانت صورة هذه الخيانة‏,‏ مادية أو معنوية‏,‏ هو أنك لابد أن تطلقها‏,‏ فهي لا تستحق أن تبقي معك‏,‏ فعلي الرغم من أنك كنت كريما معها في خيانتها الأولي‏,‏ وعفوت عنها‏,‏ إلا أنها استخفت بك‏,‏ وزادت من خيانتها‏,‏ كما أن المتعارف والمتفق عليه أنه لا توجد مبررات للخيانة‏,‏ فكل ما ذكرته مبرر للصدام‏,‏ للحوار‏,‏ وحتي للانفصال‏,‏ أما الخيانة فلا‏,‏ فمجتمعاتنا تغفر الخيانة للرجل‏,‏ وتتعامل معها علي أنها نزوة‏,‏ وأن المرأة عليها أن تستوعب وتخوض معركتها مع امرأة أخري‏,‏ من أجل استرداد زوجها‏,‏ حفاظا علي بيتها‏,‏ وهذه رؤية لها علاقة بثقافة المجتمع ــ ذكورا أو إناثا ــ وليس لها أي علاقة بالشرع والدين‏.‏

أقول لك إن هذا الحل هو الطبيعي والأيسر‏,‏ والذي سيميل إليه الأغلبية‏,‏ ولكن ــ وهذه الملاحظة لكل أصدقائي القراء ــ تعلمت من خلال هذا الباب‏,‏ أن الإنسان ــ رجلا أو امرأة ــ عندما لا يتخذ قراره الحاسم في نفس اللحظة التي يجب أن يتخذه فيها‏,‏ ويبحث عن رأي وصوت آخر يناقشه فيما يجب عليه فعله‏,‏ فهذا يعني أنه لديه رغبة في قرار آخر‏,‏ عكس ما هو سائد‏,‏ هو أو هي يريد التجاوز والتسامح‏,‏ فهل يجب علي أو عليكم أن نقول له‏:‏ لا تسامح‏,‏ خذ قرارك بناء علي طريقة تفكيرنا وطلقها فورا‏,‏ أو اتركي له البيت‏.‏

سيدي‏.‏ قبل أن أناقش مشكلتك‏,‏ أريد فقط لفت الانتباه إلي أني أثرت نشر هذه الرسالة‏,‏ لأني اكتشفت ان هذا النوع من الخيانة متكرر‏,‏ وإن تشككت في أسلوب الكشف عنه حتي سألت صديقي خبير الكمبيوتر حسام صالح‏,‏ فأكد لي أن هذا النوع من البرامج أصبح شائعا‏,‏ وأن من تظن أو يظن نفسه آمنا في مثل هذه العلاقات موهوم‏,‏ فقد يكون الملايين في العالم يشاهدونه في نفس اللحظة‏.‏

إن الاستخدام الخاطئ لهذه التكنولوجيا‏,‏ يحولها إلي شيطان مقيم‏,‏ يخترق الأسوار والحدود‏,‏ ويصل إلي المضاجع كما يصل إلي النفوس المريضة‏.‏

سيدي‏..‏ أنت تعرف جيدا مقدار تقصيرك وهروبك من منح زوجتك حقوقها مستندا إلي ابتعادها عنك‏,‏ هذا الابتعاد ربما هو الذي دفعها للبحث عن اكتفاء ذاتي‏,‏ قد تكون أدمنته قبل الزواج‏,‏ فجعلها تستغني عنك‏,‏ أو تشعر بإهانة تجاهلك‏,‏ وأكرر أن هذا ليس مبررا للخيانة‏,‏ ولكنها حدثت‏,‏ وكشفت عن أن زوجتك في حاجة إلي طبيب نفسي‏,‏ وسأميل في رأيي إلي رغبتك في العفو والسماح‏,‏ راجيا من الله أن تتوب زوجتك توبة حقيقية بعد أن تواجهها بما عرفت‏,‏ علي أن تغير أنت الآخر من نفسك وتزيد من وجودك وقربك منها‏,‏ ويكون قرارك خالصا لوجه الله تعالي الذي قال في كتابه الحكيم ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات‏,‏ وأن الله هو التواب الرحيم كما استعين هنا بموقف الرسول صلي الله عليه وسلم عندما ذهبت إليه الغامدية تعترف بزناها قائلة‏:‏ طهرني فقال‏:‏ ويحك‏...‏ ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه‏..‏

وإلي لقاء بإذن الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق