الجمعة، ٣ أغسطس ٢٠١٢

دائرة العفـو

24-11-2006
تلقيتفي بريدي هذا الأسبوع أكثر من مائة رسالة من أصدقاء بريد الجمعة تعليقا علي رسالة الأسبوع الماضي الانتقام أغلبها يميل إلي عفو البنات عن والدهن القاسي‏,‏ بعد أن رأين انتقام الله الشديد‏,‏ وإن اقترح البعض ـ بعد التأكيد علي إعادته رسميا إلي الحياة ـ أن يضعنه في بيت آخر بعيدا عنهن حتي لا يستعدن الذكريات المؤلمة بوجوده‏,‏ علي أن يراعينه ويهتممن به‏.‏ أما البعض فقد رأي أن يساعدنه ويضعنه في دار مسنين‏,‏ دون الإعلان أو الإفصاح عن كونه أبيهن‏.‏ ولظروف المساحة اضطررت لعدم نشر القصة الرئيسية احتراما لرسائلكم التي اخترت بعضا منها‏,‏ وأعتذر للاصدقاء الذين لم أستطع نشر رسائلهم‏.‏

**‏ تعقيبا علي رسالة الانتقام ولأنها جاءت علي الجرح كما يقولون‏,‏ أردت ان اضيف إلي ردك الحل الذي وضعته انا لحالتي والتي فيها بعض من معاناة الأخت‏,‏ وأرجو المعذرة إن قلت لك إن ردك غير منصف‏,‏ لانك لو شعرت بالمشاعر التي نشعر بها نحن الذين أبتلينا بمثل هذه النوعية من الآباء لو عرفت معني أن تعيش عمرك كله تعاني من الآثار النفسية والعصبية التي ليس لها دواء عند أعتي الأطباء‏,‏ عندما تعرف ان ينشأ الفتي والفتاة بشخصية غير واثقة من نفسها رغم نجاحها ورغم براعتها في عملها‏,‏ بسبب ماذا؟ عندما تعرف ان تداري يدك من الناس استحياء بسبب الرعشة والتوتر التي تنتابها في أي وقت‏,‏ بسبب ماذا؟
عندما تبتلي بالتبول اللا إرادي ولاتتمكن من السيطرة علي التبول في وضح النهار وفي عز شبابك رغم تأكيد الأطباء سلامتك‏,‏ وان الحالة عصبية ليس لها دواء عندهم‏,‏ عندما تستتر من الناس بسبب الفضائح مع مراعاة ان الحالة الاجتماعية من مستوي يحرص جدا علي سمعته‏,‏ كل هذا لا يساوي شيئا مع المعاناة التي يشعر بها الطفل‏,‏ وينشأ فيها ويترعرع وينتهي المطاف بعقاب الله‏,‏ وأي عقاب إنه عقاب القادر عظيم الشأن شديد البطش‏.‏ ولكنك أنت تطلب منا العفو ولم يستطع الرسول الكريم ان يعفو عن قاتل عمه حمزة‏,‏ فبعد إسلام حبشي لم يسلم عليه الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم ولم ينظر إلي وجهه وهوالرسول‏!!‏ وعند غرق فرعون كانت الملائكة تغطي رأسه حتي لايقول الشهادة فيعفو عنه الله‏!!‏ وهذه الملائكة‏,‏ ونحن لسنا برسل ولا ملائكة فلا تطلب منا ماعجز عنه الأفضل منا‏,‏ وليس هذا العفو الكبير إلا من صفات الخالق‏,‏ لانستطيع نحن أن نصل إليها‏,‏ واتحدي أي مخلوق ان يصل إليها‏,‏ ولذلك أقول لأخواتي ماقلته لنفسي وادعو به دوما‏(‏ ربنا ولاتحملنا مالا طاقة لنا به‏)‏ وهذا الدعاء في خواتيم البقرة‏,‏ وأري ان يرحن ضمائرهن ويضعنه في مكان يلقي فيه الرعاية ويسألن عليه ويزرنه ولايجب ان يفصحن ابدا له أو لغيره عن صلتهن به وتأكدن تمام التأكد‏,‏ وعن خبرة إن الإنسان لايتغير ابدا من النقيض إلي النقيض إلا بمعجزة‏,‏ نادرة الحدوث‏,‏ لذلك فلا أنصح بأن تعود له الذاكرة وعليكن بالإكثار من الدعاء لكن وله ولوالدتكن رحمها الله‏.‏
أختكن في المعاناة

**‏ لتسمح لي أن أوجه كلماتي هذه إلي الفتاة كاتبة الرسالة المرتعشة الانتقام وأضم صوتي إلي صوتكم في كل ما ذكرتم في ردكم القيم مذكرا بالآتي‏:‏
ـ تعرض رسول الله صلي الله عليه وسلم لأقصي أنواع الاضطهاد والعنت حينما ذهب ليعرض الإسلام علي أهل الطائف فرفضوا دعوته وأمروا أولادهم وسفهاءهم بأن يقذفوا الرسول الكريم بالحجارة حتي أدمت قدماه الشريفتان وبعد انتهائه من دعائه المأثور الجميل ظهر له ملك الجبال قائلا‏:‏ يا محمد السلام يقرؤك السلام ويقول لك‏:‏ لو أمرتني لأطبقت عليهم الأخشبين الجبلين فكان رد الرسول العظيم‏:‏ أتركهم ربما يخرج من أصلابهم من يعبد الله فقال ملك الجبال‏:‏صدق من سماك الرؤوف الرحيم‏.‏

ـ وسيدنا إبراهيم عليه السلام حينما رأي رؤية أنه يذبح ابنه فلذة كبده سيدنا إسماعيل عرض عليه الأمر قائلا‏:‏ يا بني إني أري في المنام أني أذبحك فانظر ماذا تري قال ياأبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين‏.‏
ولتتذكري دائما الآية الكريمة التي ذكرها الله في قرآنه الكريم‏:‏وقضي ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا وقديما قال أحد الحكماء‏:‏ لأن تندم علي شيء لم تفعله خير من أن تندم علي شيء فعلته‏.‏ ولم يبق في أعمارنا يا ابنتي بقدر ما فات منها‏.‏ فضعي هذا في الاعتبار عند اتخاذك للقرار‏.‏
فلتنس تماما واخواتك ما حدث من أبيكم وإذا لم يرحمكم في صباكم لسيطرة شيطانه عليه فارحموه أنتم في شيخوخته بقلوبكم الرحيمة التي سيملؤها الله بالحنان بعد أن شاهدتموه علي هذه الصورة المزرية واكتفوا بالانتقام الإلهي الذي واجهه ومهانته وإذلاله في غسل السلالم في برد الشتاء القارص والأكثر إيلاما الأمراض التي ابتلي بها‏:‏ السكر ـ والضغط ـ وماء علي الرئة والخبز العفن الذي أجبر علي تناوله والأشد قسوة فقده للذاكرة‏!‏ ألا يكفي كل ذلك عما اقترفت يداه في ايلامكن وتعذيبكن مهما يكن؟‏!.‏
ممدوح صابر علوان
مدير عام بجامعة المنصورة سابقا

**‏ إلي صاحبة الانتقام‏:‏ لا تنتقمي من والدك بتركك له‏,‏ فينتقم منك الله بمعصيتك لأمره‏..‏ ألا تكفي خمس سنوات قضاها مجهولا يتكفف الناس ويستعطفهم أن يطعموه أو يستروه أو يؤوه من برد الشتاء وحر الصيف؟ ألا يكفي كم الإهانة والذل والنكران والهوان الذي عاشه بعيدا عن أهله وسلطانه وماله وأبنائه؟ ألا يكفي كل ما لاقي من عذاب استمر لخمس سنوات‏,‏ ويا لمفارقات القدر أن يستقر به المقر في بيت من بيوت الله يخدم فيه ويعبد الله‏!‏ ألم تتألمي ولو للحظة ـ لضعفه وشيخوخته ومرضه وانكساره؟ ألم تتأملي هذا الإنسان الجديد الذي تبرأ من كل ماضيه بكل ما فيه‏,‏ ويعيش إنسانا آخر‏,‏ يسطر في كتاب أعماله أعمالا غير التي كانت ويحيا حياة نقية كلها صفاء ورحمة وطاعة لله‏.‏
سيدتي ـ لقد قلت في رسالتك أنك عندما حاولت أن تذكريه بماضيه تعجب وتبرأ من هذا الأب القاسي وتمني لو أن له بناتا مثلكن سيكون بهن رءوفا رحيما عطوفا‏,‏ سيدتي لا تضيعي والدك بتجاهلك له أنت وأخواتك‏,‏ فإن فعلت فسوف تعيشين في عذاب آخر سيظل يلازمك مدي الحياة‏,‏ قد مر ما مر بمره وعذاباته وأصبح ماضيا فلا تحاولي الرجوع إليه وانظري إلي ما هو آت واعلمي أن أمامك والدك الشيخ المريض الذليل الذي يمد يده إليك لترحميه من ذل السؤال والحوجة وهو في هذه السن‏,‏ لقد حزنت لقولك أنك بكيت بدموع لا تعرفين من أين أتت عندما رأيته في هذا الحال‏,‏ رغم كل ما فعله تحركت فيك عاطفة أبوته لك وبنوتك له‏..‏ إنها غريزة البشر التي مهما اعتلاها الظلم تبقي فينا وتظهر في الضعف ووقت الشدة والاحتياج لأقرب إنسان لنا علي وجه الأرض والدنيا‏.‏
علي إبراهيم جاد


**‏ شدني مضمون ووقائع رسالة الانتقام بــأهرام الجمعة‏17‏ نوفمبر الحالي ولفتني تعليقكم الهادئ والمتوازن‏,‏ وأقلقني موقف البنات وموقف محاميهم‏,‏ فقد غاب عن الجميع ـ طبقا للوقائع المنشورة ـ عدد من الأمور الشرعية والقانونية والواقعية‏:‏
أولها‏:‏ الموقف السلبي لحكم اعتبار الأب في حكم المفقود‏,‏ وما ترتب عليه من إثبات الوفاة القانونية وما تبعه من صدور إعلام الوراثة‏,‏ والسكوت علي هذا في حد ذاته مع الوقائع المستجدة يعرض الجميع لمسئوليات قانونية عديدة مدنية ومالية بل وجنائية لا أظن أحدا من أصحاب الشأن يرتضيها لنفسه‏.‏

ثانيها‏:‏ أن عودة الأب في رعاية بناته لن يعطيه الشرعية القانونية لإدارة أمواله أو التصرف فيها‏,‏ والأمر الطبيعي في هذا الموقف هو اتخاذ عدد من الإجراءات القانونية البسيطة طبقا لأحكام القانون المدني وقوانين الأحوال الشخصية والولاية علي المال وقانون المرافعات‏,‏ تكفل في النهاية تعيين قيم علي الأب المحجور عليه لأسباب واضحة ومن الطبيعي أن هذا القيم ستكون واحدة من البنات بالاتفاق فيما بينهن‏.‏

ثالثها‏:‏ وبعد أن أشرت إلي الأمور الدنيوية فيما سبق باعتبارها الهاجس الذي ركزت عليه الرسالة فإن ما أشرت أنت إليه في تعقيبك مما أمر به الدين مما لا مناص لكل من يتدبر أمور دينه ودنياه‏,‏ الا أن ينصاع له‏.‏ أو كما أشرت فإن المغفرة والعفو وإعمال حكم الدين هو الطريق الصحيح والصواب وأقول للبنات توكلن علي الله متوخيات طريق الحق والصلاح‏,‏ ولا أشك للحظة أنه سيحقق لكن كل السعادة وراحة الضمير‏.‏
عادل العزبي


**‏ لن أقول لصاحبة رسالة الانتقام أكثر مما قاله الأستاذ محرر البريد‏,‏ لكن ربما أضيف إضافة بسيطة أقول فيها لصاحبة الرسالة أنك لو تركت والدك يواجه مصيره في وحدته ومرضه‏,‏ فسوف ينعكس ذلك سلبا علي سلامتك النفسية في القادم من الأيام‏,‏ وأنت قد عانيت بما فيه الكفاية فيما مضي منها ولست بحاجة إلي مزيد‏,‏ وأن كنت مسديا إليك بنصيحة فهي أنك برعايتك لوالدك المريض في نهاية عمره‏,‏ فبانتظارك مكافأة المولي عز وجل في الدنيا والآخرة‏,‏ فلا تفرطي فيها لأنك تستحقينها‏,‏ ولتترفقي بأبيك في مرضه وحاجته‏,‏ ولا تتركيه يتسول ثمن دوائه‏,‏ ولا تدعيه يمسح بلاط السلالم وهو في هذه السن المتقدمة‏,‏ ولا تبخلن عليه بماله‏,‏ وحتي لو شفي وعاد لسابق عهده وهذا مستبعد جدا‏,‏ فهو قدركن الذي لا مهرب منه‏,‏ لأننا لا نختار آباءنا‏,‏ ولتعلمي يا ابنتي أنت وأخواتك أن عذاب سياط ضمائركن لو عققتن والدكن في ضعفه‏,‏ سيكون أقسي وأشد إيلاما من ضربات أسلاك الكهرباء التي أذاقكن إياها في جبروته‏.‏
دكتور أحمد الجيوشي
الملحق الثقافي بنواكشوط

**‏ إن ذلك الأب المأساوي‏..‏ يذكرنا بـالملك لير في مسرحية العبقري شكسبير‏..‏ مع اختلاف الأسباب‏..‏ وربما تفوق واقع والد البنات علي خيال شكسبير‏..‏ فيما يتعلق بقضية الجريمة والعقاب‏..‏ والتأكيد المطلق علي حتمية لحظة الحساب‏,‏ كناموس علوي حاكم لحركة حياة البشر‏..‏ لا فرق بين ملك وخفير‏..‏ هانم أو خادمة‏..‏ والمعيار الثابت أزلا كل نفس بما كسبت رهينة‏..‏ كما تشير الرسالة إلي المال‏..‏ حين يتحول إلي لعنة‏..‏ وإلي القدر أو السلطة حين تصبح بلاء‏..‏ فيصبح الشخص عدو نفسه والآخرين حتي أبنائه‏..‏ وتتضاعف الأحزان بالعناد والمكابرة‏..‏ وفي غفلة من أن رب الكون يسمع ويري‏..‏فهل يتعلم مدمنو الفساد والضلالة الدرس ويتوبون‏..‏ قبل أن تقع الواقعة في الدنيا قبل الآخرة؟‏!..‏
يبدو أن الأب كان يعاني مشاكل ذهانية وفقد القدرة علي إدراك ما يصدر عنه من أقوال وأفعال‏..‏ فرغم ثروته يدفع بناته وزوجته إلي عمل ما لا يناسب غناه‏..‏ وحين تنتحر ابنته يقول ارتحت من واحدة وعقبال الباقي‏..‏ منتهي التعاسة الذاتية‏..‏ لقد كان عدو نفسه‏..‏ يعاني انكسارات تحتية‏..‏ وعميت بصيرته‏..‏ حالة من الجحيم الذاتي الداخلي‏..‏ ضاقت نفسه به‏,‏ فضاقت كل الدنيا به‏..‏ فأصاب الحريق أقرب الناس إليه‏.‏ بناته وزوجته‏..!!‏ عبثية جاهلية مجنونة‏..‏ توحي بأن ذلك الأب كان جاهلا‏..‏ وغبيا‏..‏ هكذا كان حظه‏..‏ انه نموذج يتكرر في مجتمع الثراء السريع غير المشروع ودون مؤهلات طبيعية‏..‏ حيث التسلح بالمال مع الرذالة والبلطجة‏..‏ والعيش برؤية واحدة‏..‏ تقوم علي أنا‏..‏ الوحيد اللي صح‏..‏ والنتيجة قبض الريح‏..‏ لالشيء‏!‏ ومنتهي الضعف البشري‏..‏ عندما يصبح الفرد عبدا ذليلا لشيطانه‏!!..‏ والنتيجة‏..‏ الخصومة مع الله والنفس والآخرين‏!!‏ ولذلك جاء قوله عز وجل في القرآن لا تقتلوا أنفسكم لكل من يلقي نفسه إلي التهلكة‏..‏ وهو يظن أنه يحسن عملا‏..‏ حقا‏..‏ ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور‏.‏
محمد الشاذلي ـ المنوفية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق