الجمعة، ٣ أغسطس ٢٠١٢

الانتقـــام

17-11-2006
سيدي أكتب لك من داخل القطار‏,‏ لذا اغفر لي ارتعاشة الكلمات وسوء الخط‏,‏ واستميح القراء عذرا في قسوة بعض التعبيرات وفجاجتها‏,‏ ولكني لم استطع التعبير عن نفسي إلا بما حدث مجردا من أي تنميق أو تجميل‏.‏

وأناشدك ألا تقسو علينا‏,‏ فنحن بنات قسا الزمن علينا طويلا‏,‏ وأرواحنا ـ كما أجسادنا ـ كلها ندبات وجروح‏.‏

نحن ست بنات‏,‏ خمس شقيقات‏,‏ والصغيرة من أم أخري‏..‏ عشنا أيام طفولتنا وصبانا في عذاب لا يمكن وصفه أو تخيله بسبب قسوة أب تجرد من كل مشاعر الإنسانية‏,‏ ولم نهنأ‏,‏ أو نغمض عيوننا إلا بعد موته الغريب والمفاجئ‏,‏ موته استمر‏5‏ سنوات‏,‏ واعتقدنا أن الحياة السعيدة بدأت‏,‏ وأن السماء تعوضنا عما عانيناه‏,‏ ويبدو أنها كانت أضغاث أحلام‏,‏ فها هو الفزع يعود من جديد‏,‏ والنوم يستعد لهجرة عيوننا التي أدماها البكاء‏.‏

دعني استرجع معك ذكرياتنا التي لا تفارقنا لحظة‏,‏ فكل ألم عليه شاهد في الروح والبدن‏.‏ استيقظت عيوننا منذ الميلاد‏,‏ علي أم كسيرة‏,‏ باكية دائما‏,‏ وأب لم نره في البيت إلا في يده سلك كهرباء عار‏,‏ تنهال سياطه علي أجسادنا‏,‏ إذا بدر منا أي صوت‏..‏ هل يمكن تخيل طفل لا يبكي؟‏..‏ نعم‏,‏ نحن‏,‏ كنا نعي أن البكاء حتي في الأشهر الأولي يعني ألما غير مفهوم من يد شبح‏,‏ لم نكن نعرف ماذا يمكننا أن نناديه‏.‏

أتذكر الآن‏,‏ عندما كان عمري‏5‏ سنوات‏,‏ أمي حامل في شهورها الأولي‏,‏ كانت تستحم‏,‏ سقطت في الحمام‏,‏ فأخذت تستغيث بصوت منخفض حتي لا توقظ أبي النائم‏,‏ ولكنه للأسف مع بكائها‏,‏ هل يمكن أن تتوقع ماذا فعل؟ لا أنسي ملامح وجهه في ذلك اليوم‏,‏ ملامح شيطانية مفزعة‏,‏ لم يثنه دمها المراق علي الأرض‏,‏ لم يفزعه‏,‏ إنهال عليها ضربا ورفسا في بطنها وشدها من شعرها خارج الحمام‏,‏ ونحن نبكي ونصرخ رعبا‏,‏ حتي تجمع الجيران‏,‏ وأخذها أحدهم فاقدة الوعي إلي المستشفي‏,‏ بينما توجه هو إلي غرفة نومه‏.‏ يومها أصبت أنا الأخري بانهيار عصبي وظللت مريضة فترة طويلة‏.‏

سيدي‏..‏ هل لك أن تتخيل ماهو جزاء أي واحدة فينا‏,‏ لو لم تتفوق في المدرسة؟‏..‏ يحلق شعرها‏,‏ ويغرس وجهها في صفيحة الزبالة ثم ينهال عليها ضربا بالسلك العاري حتي تفقد وعيها من شدة الألم‏.‏

لم يكن أبي ينفق علينا‏,‏ ولا تظن أنه كان فقيرا‏,‏ بل كان كما يقولون يلعب بالفلوس لعب‏,‏ معه أموال كثيرة من تجارة الغلال‏,‏ ولكنه كان يأمرنا بالعمل ونحن أطفال لنشتري ملابس المدرسة‏,‏ وننفق علي أنفسنا‏.‏ كنا نمسح سلالم أقاربنا والجيران مقابل أجر‏..‏ أما أمي فقد اشتري لها إخوالي ماكينة خياطة‏,‏ إضافة إلي عملها في مصنع مجاور لمنزلنا حتي تنفق علينا‏.‏

ذات يوم جاءت أختي متأخرة قليلا من المدرسة‏,‏ فانهال عليها ضربا‏,‏ حتي هربت من البيت‏,‏ غابت أسبوعا ثم عادت‏,‏ وبعد العلقة المعتادة اصطحبها عند طبيبة نساء للتأكد من عذريتها‏,‏ ثم قرر تزويجها فورا‏,‏ أراد تزويجها من شيال في مقلاة لب‏,‏ وأمام قراره‏,‏ لم تجد أختي إلا الانتحار حلا‏,‏ أحرقت نفسها‏,‏ تركتنا للعذاب ورحلت‏.‏ هل تعرف ماذا فعل هذا الرجل الذي يطلق عليه أبا قال بأعلي صوته‏:‏الحمد لله ارتحت من واحدة‏,‏ عقبال الباقي‏.‏

اقترح اخوالي علي والدتي أن تترك له البنات الكبار‏,‏ وتذهب معهم بالبنات الصغار‏,‏ ولكن أمي رفضت خوفا علي الكبار والصغار من بطشه وجبروته‏,‏ فقد كانت تري في وجودها بعض الحماية لنا‏.‏

سيدي‏..‏ لايمكن لأحد تخيل معني الذل والحرمان مثل الذي يعانيهما‏..‏ لن يستوعب أحد معني استحالة أن تتحرك من موقعك في البيت أو تمشي حافيا لأن والدك نائم‏.‏ لن يفهم أحد معني أن ترتدي طوال العام ـ صيفا وشتاء ـ فستانا ممزقا‏,‏ وتأكل رغيفا واحدا‏,‏ وتنام الليل خائفا‏,‏ وتصحو النهار مذعورا‏.‏

لك أن تتخيل كل شيء‏,‏ كل أنواع العذاب والقهر والألم‏,‏ فليست أزمتنا الآن فيما فات‏,‏ ولكن دعني أكمل لك‏:‏

منذ‏14‏ عاما‏,‏ أصيبت أمي بنزيف حاد‏,‏ مما أغضب أبي‏,‏ فانهال عليها ضربا‏,‏ واستنجدنا بأخوالي‏,‏ نقلناها إلي المستشفي‏,‏ ولكن قضاء الله كان أسرع‏..‏ ماتت أمي‏..‏ كلمة الحنان في الحياة‏,‏ ورفض القاسي تسلم جثتها حتي دفنها أخوالي‏.‏ وفي الأربعين دخل أبي علينا البيت وفي يده مطلقة عمرها‏20‏ عاما قال إنها زوجته‏..‏ وقتها كنت أعيش معه أنا وشقيقتي الصغري‏,‏ بعد زواج شقيقاتي‏.‏ جمعنا أبي وقال لنا‏:‏ لو شكت لي منكم كلمة‏,‏ فسأضع سلك الكهرباء في عيونكما‏,‏ وفرغ شقيقتي من عملها في مقلاة اللب لتخدم زوجته الجديدة‏,‏ أما أنا فكنت أسارع بالعودة من عملي‏,‏ حتي أنظف البيت وأطهو لهما الطعام‏.‏

المهم التفاصيل متعددة‏,‏ ولكن الأهم أن أبي تزوج ثلاث مرات بعد أمي‏,‏ وآخر واحدة حملت رغما عنه فطلقها‏,‏ وعاش بدون زواج حتي حدث ما حدث‏!.‏

سيدي‏..‏ منذ‏8‏ سنوات‏,‏ ذهب والدي لأداء العمرة ولم يعد‏..‏ انقطعت أخباره عن الجميع منذ سفره‏..‏ توجه أعمامي عدة مرات إلي السفارة السعودية يسألون عنه بلا جدوي‏..‏ لا يعرف أحد له طريقا‏.‏ هل تدري كيف كان إحساسنا مع كل يوم نتأكد من غيابه؟‏..‏أصابتنا كريزة ضحك‏,‏ صرخنا زمن العذاب انتهي‏,‏ روحة بلا رجعة‏..5‏ سنوات عشناها علي أعصابنا حتي أقمنا دعوي أمام المحكمة لاعتباره مفقودا وعملنا إعلام وراثة‏.‏ بعدها فقط بدأنا نشعر أننا آدميون‏..‏ انطلقنا في الشقة‏,‏ مزقنا صوره‏,‏ ألقينا بملابسه في صناديق القمامة‏,‏ حتي الملاية التي كان ينام عليها والبطاطين التي استخدمها‏,‏ شبشبه‏,‏ الأكواب التي كان يشرب فيها‏,‏ الكرسي الذي جلس عليه‏,‏ كله حطمناه‏,‏ تخلصنا منه‏,‏ أتعرف ما الذي كان يؤلمنا ويعذبنا؟ أنه مات بدون عذاب‏,‏ لم يعش أمامنا ذل المرض‏.‏

حصلنا علي أمواله التي حرمنا منها واكتنزها في البنك‏,‏ كل واحدة فينا بدأت تتحدث عن أحلامها‏,‏ واحدة ستشتري ذهبا‏,‏ والأخري تشتري محلات ملابس‏,‏ والثالثة تشتري سوق الخضار واللحوم‏,‏ وهكذا بدأنا في تنفيذ أحلامنا‏,‏ لا يعكر صفو حياتنا سوي منازعات أعمامنا فيما هو حق لنا‏.‏

سيدي‏..‏ كان كل شيء يسير طبيعيا حتي جاء هذا اليوم‏..‏ في شهر رمضان الماضي دعتني زميلتي إلي عقد قرانها في أحد المساجد‏,‏ صليت ركعتين تحية للمسجد‏,‏ وفيما أنا خارجة في طريقي إلي القاعة‏,‏ لا أدري ما الذي دفعني للنظر خلفي‏,‏ هل يمكن تصور من كان يجلس علي الأرض؟‏..‏ إنه أبي‏,‏ رجل عجوز ممزق الملابس‏,‏ لا يمكن‏,‏ هل عاد أبي‏,‏ أصابني الفزع واستعدت كل تاريخي‏,‏ اختبأت‏,‏ خشيت أن يراني‏,‏ ثم توجهت إليه وأنا ارتجف‏,‏ نظرت إليه فلم يعرني اهتماما‏,‏ استيقظت علي نداء صديقاتي‏,‏ فحضرت عقد القران‏,‏ ثم توجهت إلي إمام المسجد وسألته‏:‏ هل تعرف هذا الرجل‏,‏ فقال لي إن أحد أقاربه أتي به منذ فترة من القاهرة وأخبرنا أنه كان يعالج في المستشفي‏,‏ ويخدم في المسجد‏,‏ ويغسل السلالم في العمارات المجاورة‏.‏

هل يمكن تخيل ذلك‏,‏ والدي الذي كان يصحو العصر من نومه‏,‏ ويرتدي أفخر الثياب‏,‏ يمسح السلالم ويجلس علي الأرض‏.‏ طلبت من الإمام أن يدعوه‏,‏ وسألته إيه حكايتك فقال لي‏,‏ إنه كان في مستشفي في السعودية‏,‏ والسفارة هناك أخبرته أنه مجهول الاسم‏,‏ وهو لا يتذكر أي شيء عن شخصيته‏,‏ وعملوا له وثيقة سفر ورحلوه لمصر‏..‏ هو يحكي وأنا أستعيد كل المشاهد القديمة تفصيليا‏..‏ بكيت وبكيت‏,‏ لم أعرف لماذا أبكي‏,‏ هل هذا الرجل المنكسر الذي ينظر لي بمحبة وحزن هو أبي الظالم‏..‏

يمد يده ليأخذ مني بعض النقود‏,‏ أتذكره وهو يقذف في وجهي صينية الطعام لأني نسيت شيئا‏,‏ يعيدني صوته وهو يدعو لي‏:‏ربنا يطعمك ما يحرمك‏.‏ سألته‏:‏مش فاكر أنت كنت إيه زمان؟ وأرد في نفسي‏:‏ كنت شريرا‏,‏ قاسيا‏,‏ بتضرب بسلك الكهرباء والشلوت ومسمينا الحلاليف‏.‏ نظر إلي طويلا وقال‏:‏ أنا حاسس إن ربنا بيعاقبني علي شيء عملته وغضبان علي‏.‏ لا أعرف من أين أتيت بهذه الدموع‏,‏ هل كنت أبكي عليه أم لأنني تذكرته وهو يجر أمي من شعرها وهي تنزف‏..‏ أتذكره وهو يرفض الذهاب إلي المستشفي لدفنها‏.‏

عدت إلي البيت‏,‏ دعوت شقيقاتي وحكيت لهن ما حدث‏,‏ لم يصدقن ما سمعنه‏,‏ فقررنا استدعاء محامينا‏,‏ واتفقنا علي الذهاب إليه لرؤيته‏..‏ إندفعنا نحوه‏,‏ كادت واحدة تناديه بابا منعناها‏..‏ جلسنا معه وبدأ المحامي يحكي لي حكايتنا مع أبينا ـ الذي هو الجالس أمامنا ـ تعمدنا ذكر بعض كلماته مثل الحلاليف حتي نتأكد من ذاكرته‏,‏ فوجئنا به يبكي ويقول‏:‏كيف لأب يفعل ذلك في بناته‏,‏ أنا كان نفسي يكون لي بنات مثلكم‏..‏ قالت له أختي‏:‏مش يمكن ولادك لو عرفوا إنك عايش يتبروا منك‏,‏ نظر إليها باندهاش قائلا‏:‏ليه يابنتي إنت قاسية قوي كده‏.‏

المهم سيدي‏..‏ عدنا إلي البيت أكثر حيرة‏,‏ جاء خالي لنا وأخبرناه‏,‏ فقال إنه لابد أن يعود إلي بيته‏,‏ فهذا حقه‏..‏ وقال المحامي‏:‏ إنه لو عاد سيستعيد أمواله منكن‏,‏ أعمامكم سيرفضون‏,‏ وسيقدر عليكن‏,‏ ولو عالجناه‏,‏ قد يعود إلي ما كان عليه وينتقم منكن‏.‏ قلنا مرة ثانية عذاب وذل وبهدلة‏.‏

اتفقنا أن نذهب له كل شهر‏,‏ نمنحه صدقة تكفيه وطعاما وملابس‏..‏ فكرنا في إدخاله مستشفي والانفاق عليه ولكن خشينا أن يشفي ويفهم ما فعلناه به فينتقم منا‏.‏

سيدي‏..‏ عقولنا ترفض عودته‏,‏ ولكن ضميري يؤلمني‏,‏ صوت في داخلي يقول لي‏:‏إرحمي عزيزا ذل‏,‏ إرحمي آباك في شيخوخته‏,‏ يكفي ما يراه من عذاب‏,‏ يغسل سلالم العمارات في عز الشتاء‏,‏ ألا يكفي انتقام الله‏.‏

منذ أيام ذهبنا إليه وجدناه مريضا في حجرة متواضعة بجوار المسجد‏,‏ وقال لنا إمام المسجد‏:‏ إن الطبيب أخبرهم بمرضه بالسكر والضغط وماء علي الرئة‏..‏ أهل الخير أحضروا له الدواء‏..‏ وجدت بجواره كيسا فتحته وجدت به خبزا عفنا‏..‏ أتألم له ومنه‏..‏ أتذكر ذات صباح عندما استيقظ من النوم فلم يجد خبزا طازجا‏,‏ ففتح رأس أمي بغطاء ماكينة الخياطة‏..‏ وها هو اليوم يأكل خبزا عفنا‏..‏ يا الله‏!.‏

سيدي‏..‏ نعيش في أزمة بين ضمائرنا وبين ذكرياتنا المؤلمة‏..‏ نعجز عن الاتفاق علي قرار‏..‏ فقررنا الاحتكام إليك‏,‏ لعلك تساعدنا علي اتخاذ القرار السليم بدون أن تظلمنا‏!.‏

سيدتي
ألتمس الأعذار لمن يري الظلم ويعاني منه‏,‏ وتغيب أو تتأخر عدالة الله سبحانه وتعالي ـ لحكمة يعرفها ـ عن أنظار العباد‏..‏ ولكن عندما يأتي عقاب الله وإنتقامه من الظالم أمام عيني المظلوم وفي حياته‏,‏ أتساءل كيف لهذا المظلوم أن ينقلب إلي ظالم غافلا عن عدالة الخالق العظيم الذي يمهل ولا يهمل‏.‏

سيدتي‏..‏ من يقرأ الجزء الأكبر من رسالتك‏,‏ لابد أن يغضب ويتألم ويطالب بالقصاص من مثل هذا الأب‏,‏ ومن يقرأ الجزء الأخير‏,‏ لابد أن يتمهل ويعيد النظر إلي الصورة مكتملة قبل أن يصدر حكمه بدون قسوة أو اندفاع عاطفي‏.‏

أعتقد أنك لست في حاجة الآن للتعبير عن الرفض الكامل لسلوكيات والدك قبل فقدانه لذاكرته‏..‏فمهما كانت الكلمات فلن تعبر عن الألم والمهانة التي تعرضتم لها جميعا من سلوكيات هذا الأب‏,‏ والذي لولا نهايته‏,‏ لكان الكلام فيها لا ينتهي‏,‏ فما فعله بعيد عن الإنسانية كل البعد‏,‏ وليس فقط بعيدا عن الأبوة‏.‏

ستقولين إنه الماضي الذي يعيش فيكن حتي الآن‏,‏ ولكن الآن ليس أمامك إلا التعامل مع الحاضر من أجل المستقبل‏,‏ فالعيش في الماضي لن يزيدكن إلا ألما‏.‏

فعندما تصلني رسالة غاضبة من ابن لسوء سلوك أو رعاية أحد والديه‏,‏ تطل أمام عيني الآية الكريمة‏:‏ وإن جاهداك علي أن تشرك بي ماليس لك به علم‏,‏ فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا‏..‏ الخالق‏,‏ الجابر‏,‏ المنتقم‏,‏ عندما يصل الأمر إلي الدعوة للشرك به من أحد الأبوين‏,‏ يأمرنا بعدم طاعتهما في هذا فقط‏,‏ بينما يطالبنا سبحانه وتعالي بمصاحبتهما في الدنيا معروفا‏,‏ هذا في حقه‏,‏ فما بالنا لو الأمر يتعلق بنا نحن الأبناء البشر‏,‏ ألا ترين أن في هذه المصاحبة والتكريم أمرا إلهيا يجب الامتثال إليه‏,‏ فإذا سلمنا بذلك‏,‏ واستندنا إلي أمر الإحسان ـ المتكرر في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة ـ إلي الوالدين‏,‏ وقررنا أن يكون القرار ابتغاء لمرضاة الله‏,‏ فإن قراركن سيكون واحدا ومحددا‏.‏

سيدتي‏..‏ إن لذة الانتقام لا تدوم سوي لحظة‏,‏ أما الرضا الذي يوفره العفو فيدوم إلي الأبد‏,‏ واستمعي إلي قوله سبحانه وتعالي وليعفوا وليصفحوا‏,‏ ألا تحبون أن يغفر الله لكم‏....‏ ألا تحبون أن يغفر لكم الله‏,‏ كم هو مقابل زهيد‏,‏ مهما تكن قسوة الأيام‏,‏ فالتسامح يا عزيزتي جزء من العدالة‏.‏

لا أريد أن أدخل معكم في فرضيات‏,‏ لأن إذا قلت أنكن لو عالجتوه وأحسنتم إليه قد يعود إلي سيرته الأولي‏,‏ سأقول لكم ومن أدراكن أن الله قد يعيد إليه ذاكرته الآن ويزداد انتقامه منكن لأنكن تركتموه‏.‏

إن ما أنتن فيه من حقه‏,‏ إنه ماله حتي ولو كان ظالما لكن‏,‏ وعودته وهو فاقد الذاكرة ـ علي قدر ما أعرفه ـ لا يعطيه الحق القانوني في التصرف فيما يملك لأنه ليس أهلا لذلك‏,‏ ولكن نصيحتي لك ولشقيقاتك أن تكون قبلة قراركن خالصة لوجه الله سبحانه وتعالي‏,‏ وأن تذهبن إليه فورا وتعدنه إلي بيته وتحرصن علي علاجه‏,‏ وثقي بأن الهناء والاستقرار والسعادة لن يعرفوا طريقهم إليكن إذا ظل أبوكن ملقي في الطريق‏.‏ إن المنتقم يرتكب نفس الخطيئة التي ينتقم لأجلها‏,‏ فلا تواصلن حياتكن وأنتن ترتكبن نفس الخطيئة‏,‏ والأولي أن يبكي الابن من أن يبكي الأب‏,‏ كما قال المفكر بترارك‏.‏

وخذي وعد الله سبحانه وتعالي في كتابه الكريم‏:‏عفا الله عما سلف‏,‏ ومن عاد فينتقم الله منه‏,‏ والله عزيز ذو انتقام‏..‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق