الجمعة، ٣ أغسطس ٢٠١٢

عبدالوهاب مطاوع

28-07-2006
*‏ هل تدري سيدي كيف تعيش عمرا؟ أو كيف تعيش عمرك تكن اعجابا دفينا وإجلالا لشخص ما حتي لتشعر بقرابته منك‏,‏ ولا ترجو إلا أن تلتقيه وتعبر له عن صادق اعجابك واحترامك؟
هل تدري كيف يشب المرء طفلا فغلاما فصبيا فشابا يتشرب أفكارا وأسلوبا ويعايش تجارب وآلام‏,‏ وتساق له العبر طفلا‏,‏ ترتسم الحكمة فوق ملامحه‏,‏ أو ينطق بها لسانه بما قد لا تحتمله سنوات عمره القليلة؟
هل تدري كيف يزيد ذلك يوما بعد يوم؟ وكيف تروي ظمأ اللقاء بعبرات التأثر وتهون عليك آلامك بآلام الآخرين ولا تأمل ولا ترجو سوي أن يعرف بوجودك وأن هناك عقلا يحترمه وقلبا يتعلم من خطاه؟
وهل تدري كيف يكون الحال حين تحول الأقدار دون ذلك؟‏!‏

لا ياسيدي هي ليست إحدي أقاصيص الحب الرومانسي التي نشأت مع صاحبها في الظلام وتمني لو يبادله طرفها الآخر اعجابا بإعجاب أو حبا بمثله‏.‏

لم أتصور أبدا أنني ـ مرة أخري ـ قد أراسل بابي المفضل الذي أعتبر نفسي صديقة قديمة له‏,‏ فهي ليست المرة الأولي التي أكتب فيها‏,‏ وهو ليس خطابي الأول ابدا‏,‏ بل إنه كان عهدي دوما إذا ما حزبني أمر أن اهرع لاوراقي واسطر ما بي وربما تمثلت نفسي في دور مؤسسه العظيم‏,‏ وأحاول أن ألتمس سبيله في الرد وكانت طريقة عملية حقا‏..‏ فقد وعيت أول ما وعيت وتعلمت أول ما تعلمت علي درب سيدي العظيم وأستاذي الراحل عبدالوهاب مطاوع ـ طيب الله ثراه‏.‏

فقد كان أستاذي رحمه الله قدوتي ومثلي الأعلي دائما وكان اسلوبه المميز نهجي دوما وكان سببا في عشقي القراءة منذ سنين الصبا الأولي‏,‏ وقد كاتبته دوما في كل ما آلمني‏,‏ بدءا من مأساة اليوم الأول في المدرسة وحتي وحشتي وأنا أخطو خطواتي الأولي بعد التخرج في الجامعة‏,‏ ومرورا بكل ما تحمله سنوات عمري الخمس والعشرون من مشكلات الطفولة والصبا والمراهقة‏,‏ وآلام الشباب الحائر في المدينة البعيدة حينا أو بحثا عن فرصة عمل حينا آخر‏,‏ فأشكو له تقلبات الدهر وهجر الصحاب أو أبكي حلما ضائعا أو أنعي أحبائي الراحلين ولا أملك سوي قلمي وأوراقي‏..‏ والعجيب انني اكتفيت دوما بالكتابة ولم أفكر في إرسال احدي رسائلي ابدا‏,‏ والأعجب انني حين قررت أخيرا أن اراسله ومضيت انهي مسودتي الأخيرة اشفقت عليه أن تكون أولي رسالاتي له تبثه ألما جديدا‏,‏ وألمحت إليه بذلك في خطابي‏,‏ واكتفيت ببثه اعجابي العميق بشخصه وعلمه ومحبة الخلائق التي حباه الله بها‏,‏ ولا اطلب منه سوي ان يعدني احدي تلميذاته وأنا لا أرجو سوي ان يقرأها بنفسه ولا يؤدي بها سوء الحظ إلي غيره من مسئولي البريد فيعدني احدي المعجبات وكفي‏..‏ فما أن أنهيتها وأعددت المظروف وابتعت الطابع أدت ظرو
في وقتها أن أتأخر عن إرساله بالبريد يوما واحدا فقط وفي اليوم التالي‏,‏ سبقني نعيه في نفس الصحيفة التي ابتعتها للتأكد من العنوان‏!!‏ وسبحان من له الدوام لقد تحقق ما خشيته دوما وما زارني في كوابيسي كثيرا‏.‏

عفوا لهذه المقدمة الطويلة ولكنني لم أجد غيرها بعد انقطاعي عن الجريدة وقد قررت أن أرسل لكم باقتراح فكرت به كثيرا ولم أدر كيف السبيل إليه حتي أذكر به ملايين من محبيه وممن كان رحمه الله سببا في تقويض آلامهم وان أعلن له أخيرا وان رحل عنا كيف كان له عظيم الأثر في حياتي وتفكيري وقرارات كثيرة مصيرية أخذتها علي ضوء أفكاره‏,‏ وكيف انه ـ رحمه الله ـ كان دوما أبي الروحي الذي لوعني رحيله بأكثر مما يحتمله خطابي وان جزاءه سيكون بإذن الله في دار الجزاء رحمه الله ورحم أبي ورحمنا جميعا برحمته وجمعنا معه في دار البقاء‏.‏

أما عن اقتراحي الذي كان سببا في مراسلتي والذي واتاني مع الزاوية الجديدة مد لي يدك في بريد الجمعة الخاصة بالمبتلين من اصحاب الحاجات ومبادرتكم الكريمة بوضع مثل هذه النماذج تحت أعين اصحاب الأيادي البيضاء والمسئولين وبدراسة الموقف وتحليله‏,‏ وبناء علي مواقف كثيرة وحالات لامستها عن قرب يتضح لنا‏:‏

‏1‏ ـ النماذج التي تعرض تمثل شريحة صغيرة جدا من الكثيرين الذين قد يستعفون أولا يجدون من يتعاطف مع ظروفهم أو يعي مدي حاجاتهم وربما كان المحيطون بهم أرقاء الحال كذلك‏.‏

‏2‏ ـ تتنوع الحاجات‏(‏ المادية‏)‏ بين‏(‏ مصاريف إعاشة ـ مصاريف دراسة ـ مصاريف علاج ـ أساسيات زواج‏)‏ وغيرها من الحالات العديدة التي تنتشر في مصر وفي الأقاليم منها بالأخص لندرة فرص العمل والتسرب من المدارس وضحايا مثلث التخلف‏(‏ الفقر والجهل والمرض‏)‏ وكثرة الانجاب وظاهرات لا يزال مجتمعنا يعانيها كمجتمع نام‏.‏

‏3‏ ـ علي الوجه الآخر يوجد بيننا الكثير من أصحاب الأيادي البيضاء الذين قد يصعب عليهم مراسلة بابكم كما يصعب أو قد يجهل اصحاب الحاجات ذلك كما انه لن يتسع الباب لكل الحالات‏.‏

‏4‏ ـ اقترح اعادة فكرة بيت المال ليكون قبلة لأصحاب الأيادي البيضاء ويقبل التبرعات المادية أيا كان قدرها ويقوم عليه عدد من محبي البريد من العاملين في حقل الأنشطة الاجتماعية فيدرسون الحالات التي تحتاج المساعدة وأولوية ذلك‏.‏

‏5‏ ـ يكون ذلك مثلا بفتح حساب معين بأحد البنوك الشهيرة التي تنتشر فروعها في محافظات الجمهورية ليسهل توجه من يشاء اليها‏.‏

‏6‏ ـ تنوع الخدمات التي يقدمها المشروع فلا تكون موجهة لجهة معينة مثل العديد من الجمعيات المشهرة أو حسابات البنوك لصالح مرضي جمعية معينة أو ما شابه‏.‏

‏7‏ ـ يكون انشاء المشروع باسم رابطة قراء البريد أو ما شابه فيكتسب مصداقيته من مصداقية وشعبية وتاريخ البريد وسمعته المحلية والدولية فيتولي الدعاية له‏.‏

‏8‏ ـ يستقبل الحساب التبرعات كما يستقبل أموال الزكاة ويتولي توزيعها ولا يكون مقصورا علي المسلمين‏.‏
انه مجرد اقتراح راودني كثيرا وأنا أري الحالات المحتاجة وأري ايضا من لا يعرفون لمن يوجهون تبرعاتهم وقد امتلأ الحقل بالمتحايلين والمتسولين غير ذوي الحاجات فلا يكاد ينزوي هؤلاء بين هؤلاء انني أعرف أناسا يغلقون بيوتهم علي أطفالهم جوعي وآخرين ملكهم اليأس والبطالة علي الأقل يكون هناك بصيص من النور لأمثالهم إذا ما اتخذ الصبغة المحترمة وياله من اجر ومن صدقة جارية إذا ما ساهمنا ولو بقدر ضئيل في اعانة محتاج أو شراء كتاب لطالب علم أو قطعة أثاث تسهم في زواج احدهم وتكون هدية نهدي ثوابها لراحلنا العظيم والعاملين ببابكم الكريم وقرائه الأجلاء‏.‏

أرجو أن يتسع صدركم لذلك وان يوضع اقتراحي للمشاورة فربما خرج لنا القراء بآراء قيمة أو تجارب مفيدة نستفيد منها‏.‏

وختاما أشكر لكم مجهودكم ووقتكم وأعتذر عن طول رسالتي وأثني عليكم بما لم أستطع ثناءه علي سلفكم وأرجو لكم الثواب الحقيقي من الله عز وجل فرحم الله من فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا وانتم بقلمكم سبب في تفريج الكربات عن الكثيرين فأرجو ألا تحرمنا المشاركة‏.‏

*‏ سيدتي‏..‏ شاءت الأقدار ان أري رسالتك الرقيقة الآن فقط‏,‏ مع اقتراب مرور عامين علي رحيل الأستاذ‏,‏ المعلم‏,‏ الرائد‏,‏ مؤسس بريد الجمعة‏,‏ عظيم القلب عبدالوهاب مطاوع‏..‏ يوم‏6‏ اغسطس يكون قد مر عامان علي غياب الأستاذ عبدالوهاب مطاوع بجسده فقط‏..‏ فالأقدار جعلته لا يغيب عني لحظة واحدة طوال عام كامل‏,‏ شرفت خلاله بتولي مسئولية بريد الجمعة‏,‏ لم أستطع خلاله أن أري اسمي ـ المتواضع ـ بدلا من اسمه المنير علي رأس الصفحة‏.‏

تتصفح عيناي مئات الرسائل اسبوعيا‏,‏ في كل رسالة تطل حروف اسمه مضيئة‏:‏ أنا من عشاق بريد الجمعة منذ أيام الكاتب الراحل‏,‏ كنت صديقا للكاتب العظيم عبدالوهاب مطاوع‏..‏ وهكذا‏,‏ في كل خطاب جملة أساسية لا تغيب تشهد للراحل بالريادة وبالنجاح في مداواة القلوب ومساعدة كل من جافاه النوم لفقر أو خوف أو ألم‏,‏ لكل من أراد أن يفيض في البوح أو يشكو أو يساعد‏.‏

مدرسة أتعلم منها كل يوم‏,‏ أشعر فيها بحجم المسئولية التي تحملتها‏,‏ وأجدني ضئيلا متواضعا‏,‏ أمام هذا السيل المنهمر من حب القراء للراحل الجميل‏.‏

عام واحد قضيته في هذه المساحة‏,‏ جعلني كل يوم أحس كم تعذب الراحل الأستاذ عبدالوهاب مطاوع‏,‏ وهو يحمل في قلبه أنات المظلومين والضعفاء علي مدي أكثر من عشرين عاما‏..‏ فهمت لماذا وهن القلب منه وشكا الجسد ولم يكن أمامه إلا الرحيل كي يستريح في جنات النعيم بما قدمت يداه وبمشيئة الله من قبل ومن بعد‏.‏ لقد أيقنت بعد عام من هذه المسئولية‏,‏ أنه لم ينم يوما راضيا مهما فعل للآخرين‏,‏ لأن هناك احساسا دائما بالعجز والتقصير تجاه اصحاب رسائل يئنون ولم يستطع أن يجد لهم حلا‏,‏ فما كان يقوم به تفشل فيه حكومات‏.‏

سيدتي‏..‏ أفهم معني كل كلمة كتبتها عن العظيم عبدالوهاب مطاوع‏,‏ وأجدها فرصة لأدعو كل اصدقائه ليدعوا الله له بالفردوس الأعلي‏,‏ وليكتبوا له ما يشاءون من كلمات‏,‏ وليحكوا لنا عما تغير في حياتهم بفضل آرائه العميقة الحكيمة‏,‏ وسوف أنشرها في الأسبوع المقبل ان شاء الله‏.‏

أما عن اقتراحاتك‏,‏ فألفت نظرك‏,‏ إلي أن الراحل الأستاذ مطاوع ومنذ سنوات بعيدة أسس بالفعل هذا المشروع ويوجد بالفعل حساب بالبنوك باسم بريد الأهرام‏,‏ ويتلقي زميلي الأستاذ أحمد البري المشرف علي البريد اليومي تبرعات القراء من خلال رقم الحساب أو بحوالات بريدية أو بالدفع في خزينة الأهرام ويحدث نفس الأمر مع بريد الجمعة في الحالات التي يتم نشرها‏,‏ وتتولي الزميلة الأستاذة مني الروبي مع عدد من الزملاء الأعزاء متابعة الحالات التي تستحق أو المستشفيات التي تحتاج إلي أجهزة أو دعم مادي‏.‏

وإن كنت أري في اقتراحاتك أفكارا جديدة تحرض أصحاب الأيادي البيضاء علي مواصلة دعمهم ورعايتهم للمحتاجين‏,‏ فالفقراء يزدادون في بلادنا‏,‏ وجنيهات قليلة قد تشفي مريضا أو تساعد طالبا علي إنهاء تعليمه أو تجفف دموع أم تعجز عن شراء الحليب لأطفالها‏.‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق