السبت، ٤ أغسطس ٢٠١٢

يــد اللــــــــــــه

23-12-2005
*‏ سيدي‏..‏ أنا شاب عمري‏32‏ عاما‏,‏ أعمل بفرع شركة أجنبية في مصر‏..‏ دخلي والحمد لله كبير‏,‏ وأنتمي إلي أسرة طيبة ومعروفة‏..‏ نشأت في أجواء دينية‏,‏ لذا لم أنجرف يوما مثل زملائي نحو المغامرة أو الخطأ‏,‏ فكنت أراعي الله في كل تصرفاتي‏,‏ إن لم أكن أراه فهو يراني‏..‏ أخذتني دراستي وحياتي العملية من الدخول في أي علاقة عاطفية‏,‏ فالفتاة التي أحبها هي التي سأتزوجها‏..‏ فاختزنت مشاعري لتلك المجهولة حتي أطلت علي‏!.‏
فاظفر بذات الدين تربت يداك
كان هذا هو منهجي في البحث عن شريكة حياتي‏..‏ لذلك لم أصدق نفسي حين التقيتها‏,‏ فتاة محترمة جميلة من أسرة ثرية طيبة‏,‏ وقبل وبعد كل ذلك علي خلق ودين‏..‏ تلاقت العيون والأحلام‏,‏ فسألت عنها واطمأن قلبي‏,‏ فلم أتردد لحظة‏..‏ اصطحبت والدي وذهبنا لزيارة أسرتها‏.‏

لقد أحسست يا سيدي بأن الله قد رضي عني‏,‏ لم أكن أحلم بكل هذه المزايا‏,‏ لقد فتح الله قلوبهم لي‏,‏ والدها يعرض علي شقة في عمارته‏,‏ فأشكره علي كرمه‏,‏ مؤكدا له أن كل طلباتهم مجابة بإذن الله‏,‏ أو مثل هذا النسب لا يستحق كل التكريم‏.‏

لن أطيل عليك‏,‏ تمت الخطبة بأسرع ما يمكن‏..‏ عام كامل من السعادة يؤكد لي حسن اختياري‏,‏ كل ما ظننته وجدته‏..‏ أصبح لي والدان وأمان وحبيبة‏..‏ أعددنا شقة الزوجية ونحن نرسم أيامنا في كل ركن بها‏,‏ وكنا نحطم الزمن حتي نعجل بالزفاف‏.‏

حجزنا يا سيدي في أحد فنادق مدينتي‏,‏ ولم يبق علي السعادة إلا أسبوع واحد‏..‏ وبيما أنا غارق في سعادتي استيقظت علي الكابوس الذي حطم روحي وسرق ثقتي في نفسي وفي كل ما آمنت به‏.‏

كنت عائدا من عملي لموعد مع خطيبتي‏,‏ وكان اتفاقنا أن أحادثها هاتفيا‏,‏ ولكني اكتشفت أن هاتفي المحمول مغلق بعد أن نفد شحنه‏.‏

بجوار كابينة تليفون في الطريق‏,‏ ركنت سيارتي‏,‏ وفي يدي كارت للاتصال‏..‏ آلو يا حبيبتي‏,‏ هكذا قلت‏,‏ ففوجئت بصوت خطيبتي يسأل‏:‏ من يتحدث‏..‏ ضحكت داخل نفسي‏,‏ لم تتعرف علي صوتي واصلت اللعبة أنا‏...‏ وقلت لها أول اسم طرأ علي ذاكرتي‏,‏ ففوجئت بها تصرخ في الهاتف‏:‏معقولة انت جئت من السفر امتي‏..‏ هنا بدأت أتوقف وقلبي يرتجف وأحسست بأني مقدم علي شيء مخيف‏..‏ حرصت علي تغيير نبرة صوتي حتي لا تكتشفني‏..‏ تعتقد ماذا اكتشفت يا سيدي؟

خطيبتي‏,‏ حبيبتي‏,‏ كانت علي علاقة مع شاب يحمل هذا الاسم‏,‏ تركها غاضبا وسافر إلي الخارج‏,‏ في المكالمة أخبرتني أنا ـ ويالسخرية القدر ـ أنها لم ترتبط حتي الآن لأنها لم تنسه يوما‏..‏ وليت الأمر وقف عند قصة حب سابقة أو كامنة‏,‏ لا‏,‏ خطيبتي وحبيبتي كانت علي علاقة كاملة مع هذا الشاب‏,‏ قالت لي بكل الحب في الهاتف معتقدة أني حبيبها القديم‏:‏ هل تذكركم مرة التقينا في شقتك؟ وبالطبع تعللت بالنسيان‏,‏ فأجابتني‏,‏ سبع مرات أتذكرها كل يوم‏,‏ وأتذكر لمساتك وهمساتك و‏..‏

لم ينته الموقف بعد يا سيدي‏,‏ كدت أفقد وعي وسيطرتي علي نفسي‏,‏ قلت لها بصوت حزين‏:‏ لقد خدعتني‏.‏

خمن معي يا سيدي ماذا كان ردها وهي مازالت معتقدة أني حبيبها القديم‏.‏
قالت بكل ثقة‏:‏ لماذا؟ لقد اعترفت لك بعلاقتي السابقة وقلت لك انه خدعني باسم الحب وسلمت له نفسي بعد اتفاقنا علي الزواج ولكنه كان نذلا‏..‏ حكيت لك التفاصيل أكثر من مرة‏.‏

إلي هنا لم يعد في مقدرتي أن أواصل‏..‏ أنهيت المكالمة‏,‏ وأنا غير مصدق لما حدث‏..‏ هل أنا ساذج إلي هذا الحد؟‏..‏ لماذا قبلت خطبتي وهي تحب آخر؟‏..‏ هل تصدق أنها لم تسمح لي حتي الآن بتقبيلها؟ كل هذا تمثيل؟‏..‏ كل الناس مخدوعة فيها؟‏!‏ كل الناس لاتفهم؟‏!.‏

عجزت عن التفكير‏,‏ وهمت علي وجهي لا أعرف ماذا أفعل وإلي أين أسير؟‏..‏ لن أحكي لك كيف فكرت‏,‏ ولكني اتخذت قراري‏,‏ لم أخبر أحدا من أهلي بماحدث هربا من كلمات الشفقة أو المواساة‏,‏ ولم أخبرها‏,‏ وأشفقت علي أهلها الطيبين من معرفة حقيقة ابنتهم‏,‏ تحملت اتهامي بالخسة والنذالة‏,‏ وأبلغت الجميع دون إبداء الأسباب قراري بعدم إتمام الزواج‏.‏

لم يهمني كثيرا ما دار ويدور حولي وحول سر قراري‏,‏ ولكن الذي همني ويهمني ولا أجد له إجابة‏:‏ لماذا فعل الله بي ذلك؟ اتبعت ما أمر به‏,‏ ورضحت لحديث رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم‏,‏ وبحثت عن ذات الدين‏,‏ وكانت هذه هي النتيجة‏..‏ هل تعتقد يا سيدي أنني يمكنني الثقة في فتاة أخري‏,‏ وأنني سأفكر في الزواج مرة أخري؟‏..‏ لا أعتقد‏.‏

*‏ سيدي‏..‏ لن أقول إنك تسرعت في الحكم علي هذه الفتاة‏,‏ وكان عليك التأكد من حسن أخلاقها‏..‏ ولن أقول لك‏:‏ ليس كل ما يلمع ذهبا‏,‏ ولن أطالبك بتذكر قول الشاعر لأؤكد لك أن الحب وحده أحيانا لا يكون كافيا‏:‏
وما شرف الإنسان إلا بنفسه
أكان ذووه سادة أم مواليا‏.‏
لن استبعد أبدا أن سلوك هذه الفتاة المعلن قد يضللك ويضلل غيرك‏,‏ فما أكثر الرجال أصحاب الصولات والجولات في عالم النساء الذين وقعوا في نوائب اختياراتهم‏,‏ فالزواج مثل ورقة اليانصيب مكلفة وغير مضمونة‏.‏

سأقول لك يا سيدي إن حكمة ما أنت فيه ماثلة أمام عينيك وأنت عاجز عن رؤيتها‏,‏ ولو أبصرت قليلا لنمت قرير العين ومارست حياتك بكل سعادة ورضا‏,‏ وما اهتزت ثقتك في عدل الله ورحمته بعباده الصالحين‏,‏ فافتح يا عزيزي باب حياتك للداخل ولا تدفعه مغلقا في الاتجاه الخطأ‏.‏

لقد راعيت الله في اختيارك‏,‏ حفظت نفسك وتجنبت المعاصي واخترت ذات المال والحسب والجمال وتمنيت أن تترب يداك بالظفر بذات الدين‏..‏ ولأنها ليست كذلك‏,‏ ولأن الله لا يخذل عبده الطائع‏,‏ ربت عليك بيده الرحيمة‏,‏ أنقذك وأنت مقدم علي ابتلاع الخديعة‏,‏ فجعل الأشياء التي قد نراها مجرد مصادفة ـ تنصاع لأمرك‏,‏ ينتهي شحن هاتفك‏,‏ وتتحدث من هاتف في الشارع‏,‏ ويصم سبحانه وتعالي أذن تلك الفتاة‏,‏ فلا تتعرف علي صوتك‏,‏ وتختار أنت اسما‏,‏ يكون هو المراد‏,‏ فتتدفق اعترافاتها علي مسامعك‏..‏ يا الله ماذا تريد يا رجل بعد كل هذه الإشارات؟‏!‏

عاهدت الله علي الطاعة‏,‏ فسترك‏,‏ وأطل عليك بنوره الكريم لينير بصيرتك‏,‏ لينقذك مما لا يليق بك‏..‏ ألا يستحق كل هذا أن تخر ساجدا شاكرا‏,‏ مستغفرا لكل أسئلتك الغاضبة المستنكرة؟‏.‏

إن إشارات الله إليك هي التي جعلتك ـ وأنت المطعون في شرفك وكبريائك ـ تتصرف بشهامة تتناسب مع حسن خلقك‏..‏ وهي نفس الإشارات التي تفرض عليك بكل ثقة أن تبحث عن زوجة صالحة من جديد‏,‏ تبحث عن نفس الاشتراطات التي قالها الله في كتابه الحكيم وعلي لسان نبيه الكريم محمد صلي الله عليه وسلم‏,‏ وفي كل الكتب السماوية‏,‏ كما فعلت في المرة الأولي‏,‏ وأنت مطمئن القلب‏,‏ مادمت حريصا علي أن تظفر بذات الدين‏..‏ وإلي لقاء بإذن الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق