الجمعة، ٣ أغسطس ٢٠١٢

زهور الملاجئ

16-06-2006
*‏ نحن الباحثين عن العدالة في مجتمع لايعرف سوي الظلم‏.‏نبحث عن حق‏.‏ حق ضائع تائه‏,‏ نحلم بإيجاده‏,‏ ونؤمن بأن الله معنا وسيساعدنا في جعل هذا الحلم حقيقة ملموسة‏.‏

نحن ندعوك لأن تعايش معنا هذا المشهد ولنفكر فيه معا‏,‏ ونرجو منك أن توجه هذه الدعوة الي قرائك‏.‏

ماذا تفعل لو ذهبت يوما لتري نتيجتك في امتحان الثانوية العامة فوجدت نفسك راسبا علي الرغم من أن اجابتك كانت تؤهلك لأن تكون من المتفوقين‏,‏ وكان المبرر لذلك أن زميلك الذي كان يجلس بجوارك اجاباته خاطئة‏!!‏ ألن تعتبر ذلك ظلما شديدا؟ أعتقد أنك ستصاب بالإحباط‏,‏ ومن المحتمل ان يغشي عليك من هول الصدمة‏,‏ فما بالك بأن تذهب يوما للتقدم لإحدي الفتيات للزواج منها فترفضك أسرتها‏!‏ والسبب في ذلك انك لقيط مجهول النسب‏.‏

وإذا كنت في حالة الرسوب قد تدخل الامتحان مرة أخري وتنجح‏,‏ ففي حالتنا هذه هل تستطيع أن ترجع بالزمن وتجد أبويك؟ هذا مستحيل‏.‏

فبالله عليكم أي ظلم هذا الذي يفرضه مجتمع ليس فيه من هو كامل الأوصاف علي هذا اللقيط الضعيف طفلا كان أم شابا‏,‏ فكل فئة عمرية لها مشكلاتها التي تكفي واحدة منها أن تحيله الي إنسان محبط‏,‏ يائس‏,‏ فاقد الأمل في حياته فضلا عن فقدانه لثقته بنفسه وبكل من حوله‏.‏

أبناء الملاجيء هذه الصفة التي أطلقوها علي أناس خلقوا في هذه الدنيا فوجدوا أنفسهم يعيشون في مجتمع لايرحم ضعيفا ولاينصر مظلوما‏.‏

لايرحم ضعفهم وقلة حيلتهم وعدم قدرتهم علي تغيير ماقدره الله لهم ولاينصرهم إذ يظلمهم الناس علي الرغم من أنهم ليس لهم‏.‏
أي ذنب سوي ان هذا قدرهم الذي اختاره لهم خالقهم‏.‏

فليسأل كل منا نفسه سؤالا‏:‏ اذا تقدم لخطبة ابنتي شاب تتوافر فيه كل مواصفات الزوج الناجح‏,‏ ولكنه تربي في ملجأ هل سأوافق؟

بالتأكيد اجاب العديد منا بـ لا معللا ذلك بأنه مجهول النسب‏,‏ فقد يكون ابن زنا مثلا‏!!‏

فهل يعقل هذا؟ فلنفترض أنه كذلك‏..‏ وما العيب عليه في ذلك؟ من منا اختار حياته؟ من منا اختار اسرته؟ فكل هذه أشياء تفرضها علينا أقدارنا التي وضعها لنا الله سبحانه وتعالي‏.‏

أليس اللقيط شابا كغيره من الشباب؟ أليس من حقه أن يفكر في الارتباط والزواج؟ أليس من حقه أن يعيش؟ ماذا ارتكب هذا الإنسان كي يعامل هذه المعاملة الجافة التي أقل ماتوصف به أنها ظالمة‏,‏ فعندما يجد هذا الشاب الفتاة المناسبة التي تصلح له زوجة‏.‏ يصدم علي الفور بعادات وتقاليد مجتمعه التي تقف سدا منيعا في سبيل تحقيق حلمه الصغير الذي هو أبسط حقوق الإنسان حياة مستقرة‏,‏ فهو في نظر الناس ناقص لايعترفون أبدا بأنه بشر يملك مشاعر وأحاسيس لابد من المحافظة عليها‏.‏ أسألك أن تضع نفسك في مثل هذه الظروف وتتخيل كيف سيكون رد فعلك؟
ألا ترون معي أننا نعيش في مجتمع الشعارات؟ فكلنا سمعنا عبارة‏:‏
‏(‏ليس الرجل من قال هذا أبي وإنما الرجل من قال ها أنا ذا‏)‏

فهل هذه العبارة تتفق ومجتمعنا الذي لايري فيه الأب إلا الحسب والنسب‏,‏ وده من عيلة مين‏,‏ ودعونا نتذكر في هذا الصدد قول الله تعالي في سورة النجم ألا تزر وازرة وزر اخري‏,‏ وأن ليس للانسان إلا ما سعي‏,‏ وان سعيه سوف يري‏,‏ ثم يجزاه الجزاء الاوفي‏).‏
صدق الله العظيم

واعتقد ان هذه الآية تشرح نفسها فهي أكبر دليل علي أن الله سبحانه وتعالي نفسه لا يحاسب خلقه إلا علي ما ارتكبوه فقط من أفعال وذنوب‏,‏ ولن يحاسب احد بذنوب غيره‏,‏ فكيف نحكم نحن البشر ـ الذين لا حول لنا ولا قوة ـ علي من لا ذنب له في شئ لم يرتكبه‏.‏

وعلينا أن نتذكر دائما ان من الانبياء من كان أهلهم وذووهم مشركين‏,‏ وعلي الرغم من ذلك فقد اصطفاهم الله ليكون اكرم الخليقة‏,‏ حيث اختارهم ليكونوا انبياء ورسلا له في الارض فلم يأخذهم بذنوب آبائهم كما نفعل نحن البشر‏.‏

وبناء علي ذلك فيجب علينا باسم الانسانية وباسم العدل أن ننظر الي هؤلاء الاطفال بعين العطف والحنان لا بعين القاضي الذي يحكم علي مجرم علي الرغم من ثبوت براءته‏,‏ وألا نأخذ الدين كمجرد شعارات ولوحات نرفعها وقتما نشاء‏.‏ وننكسها وقتما نشاء‏.‏

فمهما قلنا او فعلنا فلن ندرك أبدا كيف يكون شعور من يكتشف لحظة انه مجهول النسب‏,‏ اعتقد أنه يكفيه هذا الشعور فما بالكم بأن يرفضه مجتمعه‏!‏

هذه رسالة الي كل أب أو أم‏:‏ حاولوا ان تتذكروا دائما وانتم تداعبون اطفالكم من لا يجدون هذا الحضن الدافئ‏,‏ وتذكروا ايضا من لم يذنب يوما سوي انه يتحمل اخطاء غيره‏,‏ وفي النهاية أحب أن اذكركم بقول الله تعالي في سورة الحجر‏:‏ فوربك لنسألنهم اجمعين عما كانوا يعملون‏).‏

سيدي‏:‏ أول احساس تسلل إلي فور قراءة كلماتك هو التعاطف الشديد معك ومع من هم في مثل هذا الموقف‏,‏ ووجدتني منحازا الي وجهة نظرك في ان الانسان مسئول فقط عن تصرفاته وسلوكه‏,‏ وليس عليه أن يظل طوال حياته يدفع ثمن خطأ والديه‏,‏ اواختيارات القدر التي نخر أمامها صاغرين‏,‏ فقد يعجز الاب عن تربية ابنه فيلقي به الي الطريق ليستقر به الأمر في النهاية داخل ملجأ‏,‏ وقد يضل الطفل طريقه أو يختطف وغيرهما من المقدمات‏,‏ النتيجة النهائية بداية الحياة من داخل ملجأ‏,‏ فإذا اكتمل وعي هذا الطفل الضحية واختار ان يكون انسانا صالحا يواجه قسوة الحياة بمزيد من الحب والتسامح‏,‏ ان يواصل تعليمه‏,‏ ان يطيع الله حق طاعته‏..‏ ما هو المطلوب منه بعد ذلك حتي يتزوج بمن اختارها بقلبه أو بعقله؟ هل عليه ان يظل طوال حياته منبوذا مرفوضا علي الرغم من أنه ينطبق عليه قول رسولنا الكريم ـ صلي الله عليه وسلم ـ اذا خطب اليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه‏,‏ إلا تفعلوا تكن فتنة في الارض وفسادا عريضا نعم رفض شاب نرضي دينه وخلقه فتنة وفساد وإلا ماذا ننتظر من مثله‏,‏ إلا الغضب والرغبة في الانتقام من هذا المجتمع‏,‏ فنحن خلقنا من نفس وا
حدة كما جاء في القرآن الكريم هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن اليها‏.‏

ولكن لا اخفيك ان الوجه الآخر للحقيقة يستحق التأمل والتماس الأعذار‏,‏ فأي اب أو أم يحلم بهذا الفارس الذي سيأتمن عليه ابنته ويتمني مصاهرة جيدة يعرف من خلالها من هو جد أحفاده ومن أعمامهم وسيكون هناك كثير من الشك حول عدم تأثير فترة الملجأ أو المعاناة علي العلاقة الزوجية خاصة أننا ربينا علي أن العرق دساس وأن الاجابة ستصبح صعبة علي الأبناء عندما يسألون عن السر في عدم وجود جد او جدة أو اقارب للاب‏..‏ اختيار صعب يحتاج الي ايمان شديد ونحن نوجه الايمان بالله ــ كما قلت ــ حسب اهوائنا وبما يخدم رؤيتنا‏.‏

الازمة ــ يا صديقي ــ ليست فقط في رؤيتك التي أقدرها وانحاز اليها‏,‏ ولا في رؤية المجتمع التي يجب ان تحترم ايضا‏,‏ ولكن حتي الأئمة والعلماء اختلفوا حول شرط الكفاءة بين الزوجين‏,‏ وقد عدت إلي الداعية الاسلامي الشيخ خالد الجندي لأناقشه في هذا الأمر‏,‏ فقال لي ان الحنفية اشترطوا الكفاءة ليكون عقد الزواج لازما‏,‏ اما اذا زوجت المرأة نفسها بغير كفء فلأوليائها حق فسخ الزواج‏,‏ كذلك الحنابلة اشترطوا الكفاءة لزوم عقد الزواج واشترطوا المماثلة والمساواة‏,‏ مساواة الرجل للمرأة في أمور مخصوصة كالنسب والدين والحرية ولكن بعض علماء الحنفية مثل الامام الكاساني والكرخي والثوري وحسن البصري رأوا ان الكفاءة غير معتبرة‏,‏ ويدعم هذا الرأي قول ابن حزم الظاهري في كتاب المحلي الجزء‏24‏ وأهل الاسلام كلهم اخوة‏,‏ لا يحرم علي ابن زنجية نكاح ابنة الخليفة الهاشمي‏,‏ وكذلك الفاسق الذي بلغ الغاية من الفسق‏,‏ مالم يكن زانيا‏,‏ كفء للمسلمة الفاضلة‏,‏ وكذلك الفاضل المسلم كفء للمسلمة الفاسقة مالم تكن زانية‏.‏

الاستدلالات متعددة ومنها ان النبي صلي الله عليه وسلم زوج ابنة عمته زينب بنت جحش الي زيد بن حارثة رضي الله عنه‏,‏ وكان عبدا‏,‏ وأنكح المقداد وكان أسود أفطس لضباعة بنت الزبير بن عبدالمطلب‏,‏ وهي من هي في نسب قريش‏.‏ ولو كانت الكفاءة معتبرة في الشرع‏,‏ لكانت معتبرة في باب الدماء والقصاص‏.‏

سيدي عفوا ان كنت قد أفضت في الرؤية الدينية ولكنها كانت ضرورية لتأكيد أن الازمة في ثقافة المجتمع التي تحتاج الي جهد كبير للتغيير حتي نلتفت مبكرا للزهور اليانعة في ملاجئ مصر نرويها محبة واهتماما‏,‏ ولا نعاملهم كمجرمين لانهم ضحايا يستحقون مزيدا من العطف والحنان حتي اذا كبروا وصاروا جزءا من نسيج المجتمع لا ينفصل عنه بالنبذ أو بالبتر‏,‏ لذلك اعتقد أن هذه القضية تحتاج إلي مناقشة جماعية أدعو قراء وأصدقاء البريد إلي ترك قناعات وثقافات فيها كثير من الخطأ والظلم‏.‏
والي لقاء بإذن الله‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق