الثلاثاء، ١ فبراير ٢٠٠٠

صرير المفتاح‏!‏

04-01-2002
أنا سيدة في الثامنة والاربعين من عمري أعمل بالتدريس‏.‏ تزوجت منذ‏23‏ عاما زواجا تقليديا‏..‏ فاكتشفت في زوجي انسانا بكل معني الكلمة له قلب خال من كل حقد أو ضغينة‏..‏ لا يؤذي أحدا ولو بكلمة أو اشارة‏..‏ متدينا يؤدي فروض ربه وصاحب مشاعر رقيقة يتكلم قليلا ويفعل كثيرا‏..‏ مثقفا يتذوق الجمال في كل شيء‏,‏ فأحببته وأحبه اخوتي وأصدقائي وجيراني‏,‏ وساد الاحترام المتبادل حياتنا معا‏..‏ وبعد رحلة بين الأطباء استمرت عدة سنوات‏.‏ في بداية الزواج اكتشفت انني لن أستطيع الانجاب وحزنت لذلك وخشيت من تأثيره علي زوجي‏..‏ فكان رد فعله لذلك هو أن قال لي أنه سعيد معي وراض بما اختاره له الله‏..‏ ورفض عرضي عليه بأن يتزوج أخري لينجب منها بغير أن نفترق‏,‏ مؤكدا لي أنه لا يريد أن يجحد نعمة ربه عليه وأن هذه النعمة الجليلة هي أنا‏!‏
فمضت حياتنا حلوة وجميلة وازداد ترابطنا عمقا وعودنا نفسينا علي أن نكون أنا وهو فقط أسرة متكاملة وسعيدة‏..‏ نصحو مع الفجر كل يوم ونؤدي الفريضة ثم نعد طعام الافطار ونجلس لنتبادل الأحاديث الشهية التي لا تنقطع بيننا أبدا وأودعه لكي يذهب إلي عمله وأقبله وأقبل يده واطلب منه أن يردد دعاء معينا قبل الخروج‏,‏ فيردده ويخرج‏,‏ وأذهب أنا إلي عملي وارجع منه قبل أن يعود وانتظره في شوق‏..‏ وحين اسمع صوت المفتاح في باب الشقة احمد الله علي عودته سالما واستقبله كما يستقبل الأطفال الصغار آباءهم وأتهلل لرؤيته وأهلل وأرحب به وأسعد بما يحمله لي مهما كان صغيرا‏.‏ وبعد الغداء أعد له الشاي‏..‏ ونجلس سويا لنحتسيه وأطلب منه أن يحكي لي بالتفصيل الممل كل ما مر به خلال يومه‏,‏ واحكي له بدوري كل ما حدث لي خلال ساعات عملي واستقصي منه أخبار الرحلات التي تنظمها الشركة التي يعمل بها للعاملين‏..‏ وأسعد حين أعرف بنبأ رحلة جديدة‏,‏ واستعد لمصاحبته فيها‏..‏ فقد سافرنا معا إلي معظم المشاتي والمصايف في بلادنا في هذه الرحلات واخذني أكرمه الله معه لأداء فريضة الحج‏..‏ وبعدها بسنوات أخذني لأداء العمرة‏..‏

وفي يوم الاجازة نذهب في الشتاء إلي زيارة عائلية أو إلي نادي الشركة لنستمتع بأشعة الشمس وقد نتلاقي أحيانا خلال يوم العمل فأستأذن من عملي ويستأذن هو من عمله‏..‏ ونذهب إلي حديقة الحيوان التي نحبها ولنا فيها ذكريات جميلة‏..‏ ولابد في كل مرة من أن نجد ما يضحكنا سويا ونتندر به فيما بعد‏,‏ ونبدو خلال ذلك كطالب وطالبة قد زوغا من المحاضرات وتوجها للحديقة في موعد للحب‏.‏
أما في شهور الصيف وخاصة عند اشتداد الحر‏.‏ فقد كنا نخرج سويا كل مساء تقريبا لنستروح نسمات الليل ونذهب إلي حديقة عامة أو إلي نادي شركته أو إلي نقابتي ومعنا ترموث الشاي والراديو وسجادة الصلاة‏.‏ ونواصل الكلام الذي لا ينقطع حبله بيننا أبدا‏.‏

أما في عيد ميلاده الذي لا يتذكره أبدا‏..‏ فلقد كنت افاجئه بعد صلاة الفجر كل سنة بالتورتة والشمعة والهدية واضبط جهاز التسجيل علي أغنية أنا لك علي طول وهي أغنيتنا الخاصة منذ ليلة زفافنا‏..‏ فيفرح كثيرا بالمفاجأة ويسعد بها‏..‏ ونغني معا كالأطفال‏..‏ أهلا رمضان‏..‏ حين يجيء الشهر الفضيل‏..‏ ونغني أهلا بالعيد حين يأتي في موعده‏..‏ ويحضر زوجي البالونات ويعلقها في مدخل الشقة‏..‏ ونستخدم في أحاديثنا كلمات ومفردات خاصة بنا وحدنا لا يفهم ما ترمز إليه سوانا‏..‏ وأوقاتنا كلها نقضيها معا فلا يغيب احدنا عن الآخر إلا خلال ساعات العمل والنوم فقط وحياتنا مليئة بالمودة والرحمة
وفجأة بدأ لون عيني زوجي الحبيب يميل للاصفرار‏..‏ ودخلنا في متاهة طويلة من التحاليل والمناظير والأشعات وترددنا علي أكثر من مستشفي وبدأ حبيبي يعاني من آلام في البطن وارتفاع في درجة الحرارة‏,‏ وينقص وزنه بسرعة واجريت له جراحة استكشافية استغرقت‏5‏ ساعات انخلع قلبي طوالها وجاءت النتائج مفزعة‏..‏ فالحالة متأخرة ولا أمل في العلاج‏..‏ ومادت بي الأرض ورجوت الطبيب ألا يخبره بشيء وحجبت دموعي الغزيرة عنه لكيلا يشك في شيء وحزمت أمري‏..‏ فلتكن إذن مشيئة الله‏..‏ والاعمار بيده وحده‏..‏ ولكن المهم هو أن يحيا زوجي الحبيب أيامه الباقية في سعادة وسرور‏,‏ وحصلت علي اجازة من عملي وتفرغت تماما لمرافقة زوجي ورعايته والحديث معه‏..‏ والتخفيف عنه والاهتمام بأمره ودخلنا في دوامات كثيرة لا أريد ازعاج القراء بتفاصيلها‏..‏ وزوجي صابر لا يردد سوي عبارة الحمد لله ودعاء سيدنا أيوب‏:‏ رب اني مسني الضر وانت أرحم الراحمين ولا تفارقه الابتسامة وهو في أشد حالات الألم والمعاناة‏..‏ ولا يشكو‏..‏ ولا يعترض علي قضاء الله فيه ويصلي في سريره‏..‏ وإذا شعر بالضيق أو ارتفعت حرارته وضعته علي الكرسي المتحرك وخرجت به من الغرفة وتجولنا في الطرقات ونحن نغني مع
ا وازدادت حالته سوءا ونقل مرة أخري للعناية المركزة وطلب مني في أحد الأيام أن أعود للبيت لقضاء الليل فيه ورجوته أن يسمح لي بالبقاء إلي جواره فألح علي في ذلك فقبلت يده وطلبت منه أن يتماسك وودعته وعيني في عينه إلي أن غادرت الغرفة‏..‏ وفي الصباح الباكر رجعت إليه فوجدته قد لبي نداء ربه خلال الليل واستراح من الألم الرهيب الذي تحمله صابرا ستة شهور ومات زوجي وحبيبي وصديقي ومستشاري ومؤنس وحدتي ونصفي الحلو وماتت معه الفرحة والأمل وكل شيء‏.‏

ولقد مر الآن عام ونصف العام علي رحيله ومازلت أشعر كل يوم أنه اليوم الذي مات فيه حبيبي‏..‏ وهو معي في كل مكان‏..‏ وكل وقت في عملي وفي الشارع وفي البيت ولست اعترض علي قضاء الله‏,‏ وأعلم جيدا أن الموت حق لكني فقط أفتقد زوجي‏..‏ وأفتقد صوته وضحكته وابتسامته وصوت المفتاح حين كان يديره في باب الشقة عند عودته من عمله‏..‏ وأتوق لأن أصنع له الشاي وأعد الغداء وأخرج معه‏..‏ وأتأبط ذراعه‏..‏ واحكي له أو اسمع منه‏..‏ واعجب كيف ادخر الله لي معه كل هذا الحب قد تزوجنا في الأصل زواجا تقليديا‏..‏ ولم يكن احدنا يحب الآخر قبل الزواج‏.‏ لقد أديت له العمرة‏,‏ وأعتزم أن أحج عنه إن شاء الله وأهبه ثواب الفريضة ومن فضل ربي أخرجت له صدقة جارية‏,‏ وأزوره كل شهر‏,‏ وأتكلم معه حين أزوره وأتكلم معه في البيت‏,‏ وأكتب له كل يوم‏,‏ واشعر بأنه يزورني في البيت وترفرف روحه حولي فيه وسواء أكان هذا الاحساس خاطئا أو صحيحا فإنه يشعرني بالراحة ولن أقول لك انني لا آكل الطعام ولا أشرب الماء ولا أخرج من بيتي‏..‏ وإنما سأقول لك فقط انني حزينة حزنا لا يعلمه إلا الله وحده وكلما تذكرت أيام المرض أو موقفا له أو رن صوته في أذني اعتصرني الألم فلقد كنت استغني ب
ه عن كل شيء آخر في الحياة وأشعر بأن الله قد عوضني به عن الأبناء وأشعر باليتم الحقيقي بعد رحيله إذ ليست اليتيمة هي من مات أبوها أو أمها فقط وإنما من مات أيضا زوجها الحبيب الذي احبها واحبته واعزها واعزته وأكرمها وأكرمته واني لأرجو من كل زوجة أن تغتنم الفرصة قبل فوات الآوان وتتجاوز عن اية صغائر أو خلافات وألا تغضب زوجها لأي سبب من الأسباب‏,‏ لأنه ليس هناك شيء يعوضها عن فقدها لزوجها والزوج يا كل زوجة ـ هو عزك وفرحتك وسعادتك وسترك وملاذك وأمنك‏,‏ ولقد كنت افعل كل شيء من أجل زوجي‏..‏ فأتزين من أجله وأرتدي الحلي له‏,‏ وأحب كل شيء من أجله‏,‏ وأري الدنيا بعينيه وحين أغمضهما للمرة الأخيرة لم أعد أري شيئا انني أدعو الله كثيرا لزوجي واستغفره له واطلب له الرحمة لانه طيب القلب وقد أكرمني حيا وميتا‏..‏ كما أرجو أن يسامحني زوجي إذا كنت قد أغضبته ذات يوم أو اختلفت معه في شيء عابر مع اني كنت أسارع بالاعتذار إليه إذا حدث ذلك واسترضيه ولا أطيق أن يخاصمني وكان هو متسامحا إلي أقصي الحدود يرحمه الله‏.‏

ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏
كل أشكال الوحدة وفقدان الرفيق مؤلمة للإنسان‏,‏ لكن الوحدة الدافئة بذكريات السعادة والحب والأيام الجميلة أخف وطأة بعض الشيء من الوحدة الباردة الخالية من أي عزاء‏..‏ حتي عزاء الذكري كما أن رصيد السعادة القديم‏..‏ يزيد من قدرة المرء علي احتمال تصاريف القدر ويعينه علي تقبل ما لا مفر له من التسليم به من حقائق الحياة‏,‏ وأنت يا سيدتي تعايشين ذكريات زوجك كل لحظة وتشعرين بروحه ترفرف عليك وتؤنس وحدتك‏..‏ وتخفف عنك‏..‏ وتعينك علي احتمال الحياة‏,‏ فإذا كان قد غاب بجسمه عنك‏,‏ فانه حاضر كل لحظة في وجدانك وقلبك‏..‏ يثري بهذا الحضور الشفيف حياتك ويجعل لها معني وقيمة اضافية‏,‏ والاعزاء لا يموتون حين يرحلون عنا‏..‏ وإنما يموتون فقط حين ننساهم‏..‏ ومادمنا لا ننساهم فهم معنا‏..‏ وفي قلوبنا إلي أن يقضي الله أمرا كان مفعولا‏.‏

ولقد توقفت أمام اشارتك إلي انك قد تزوجت زوجك الراحل زواجا تقليديا لم تسبقه قصة غرام ملتهب‏,‏ فكان زواجا سعيدا وموفقا ودافئا بالحب والعطاء المتبادل‏,‏ وتذكرت ما قرأته ذات يوم لأحد كبار أدبائنا الراحلين عن حياته الشخصية وكيف تزوج وهو الذي سطر آلاف الصفحات عن الحب زواجا تقليديا بعد طول تخبط في حياة العزوبة والوحدة‏,‏ فسخط علي ذلك في بداية الزواج‏..‏ وشكا من أقداره التي اضطرته للزواج التقليدي وهو من هو‏,‏ إلي أن رجع ذات يوم إلي الآية الكريمة التي تقول‏:‏ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون فتفكر فيها طويلا وتساءل بروح الباحث عن معاني الأشياء لماذا لم يقل الله سبحانه وتعالي وجعل بينكم حبا وهياما فتنبه إلي أن عاطفة الحب متقلبة ومتغيرة وقابلة للزوال‏.‏ وأن المودة والرحمة هما العاطفة الأبقي والأكثر دواما واتصالا‏..‏ فاكتشف في هذه اللحظة ما وصفه بحكمة الله الخافية عن العقول في الزواج وهو أن يبني علي الأسس القابلة للدوام‏,‏ والاستمرار وليس علي الأسس الواهنة المعرضة للانهيار وكتب قائلا أن من يشكون من تغير أحوال الحب بعد الزواج أو هموده واختلاف الحال عما
كان عليه خلال الخطبة لو تأملوا حكمة الله قليلا لأدركوا أن الحب لم يخمد وإنما تحول إلي العاطفة الابقي‏,‏ ولو أنه بقي علي نفس طبيعته السابقة قبل الزواج‏..‏ لظل قابلا للتغير والزوال في أي مرحلة من العمر‏,‏ فهدأت نفسه واعتبر حياته الزوجية قائمة علي حكمة الله أي علي المودة والرحمة‏..‏ واستقبلها راضيا بها‏..‏ فسعد بزوجته وسعدت به ونجحت عشرتهما وطالت لما يقرب من ثلاثين عاما‏..‏ ورحلت زوجته عن الحياة قبله بعدة سنوات فودعها بالدمع السخين واحتفظ لها دائما بأجمل الذكري حتي لحق بها‏.‏

وما تروين عن زوجك الراحل يا سيدتي يؤكد أن زواجكما كان أيضا مبنيا علي حكمة الله في الزواج وهي المودة والرحمة وليس فقط علي العاطفة المتأججة القابلة للتغير ولهذا فلقد أثمر ثماره الطيبة‏,‏ واستمتع كل منكما بعشرة صاحبه حتي فرق بينكما مفرق الجماعات كما أن وفاء زوجك لك واكتفاءه بك وعزوفه عن التخلي عنك أو الارتباط بغيرك جريا وراء أمل الانجاب قد عمق من روابطكما كثير فامتزجت حياتكما‏..‏ وتشابكت خيوطكما واعتبر كل منكما الآخر شريكه ورفيقه وعزاءه وتعويض السماء له عن الحرمان من الأبناء‏..‏ لهذا كانت معاناتك عقب رحيل زوجك شبيهه بما وصفه الأديب الكبير مصطفي الرافعي بأنه معاناة تحليل أجزاء روحين امتزجا بالحب العميق للفصل بينهما غير أنه من رحمة السماء بالبشر أننا نستطيع أن نواصل هذا الامتزاج الروحي بمن حب حتي ولو رحل عنا دون أن نضطر لمكابدة آلام الفصل القاسية هذه وهو ما تفعلينه الآن وتجدين فيه عزاءك عن رحيل نصفك الآخر‏..‏ فأما نصيحتك لكل زوجة بأن تغتنم الفرصة قبل فوات الآوان وتتجاوز عن الصغائر والخلافات‏,‏ لأنه ليس هناك ما سوف يعوضها عن فقدها لزوجها إذا فقدته‏..‏ فإنها نصيحة مخلصة‏..‏ صادرة من أعماق الألم‏..‏ وتستحق أن يتوقف أمامها كل شركاء الحياة رجالا ونساء ويتأملوها ويتفكروا في مراميها‏..‏ وشكرا لك علي رسالتك المعبرة‏..‏ وأرجو أن تأسو الأيام جراحك وتعوضك عمن فقدت خيرا والسلام‏.‏
المزيد ....

الهواجس المؤلمة

11-01-2002
أنا رجل أبلغ من العمر‏45‏ عاما‏,‏ وأعمل بوظيفة محترمة‏,‏ وقد أكرمني ربي برضا أبي وأمي وبعلاقات طيبة مع الأهل والأصدقاء وكل من أتعامل معهم لانني أحب البشر ولا أتواني عن مساعدتهم وأعامل الآخرين بكل احترام‏...‏
وقد تزوجت منذ اثني عشر عاما من فتاة احببتها سنوات طويلة قبل الزواج دون أن أعلن ذلك لها أو لغيرها وتكتمت مشاعري تجاهها الي ان يحين الوقت المناسب للتقدم لها‏,‏ وحين سمحت لي الظروف بذلك تقدمت إليها‏..‏ وخطبتها وتروجتها برغم الكثير من الصعاب بسبب بعض الظروف المعاكسة وعشنا سنوات جميلة هادئة سعيدة إذ ما أجمل ان يتزوج الانسان من فتاة يحبها وتكون هذه الفتاة عاقلة ورزينة ومتعلمة ومن أسرة كريمة‏...‏
ولقد أكرمني الله بالتوفيق في عملي فتوفر لي قدر من المال وفكرت في أن استغله فيما يسعد زوجتي ويكون إضافة لنا تفيد أبناءنا في المستقبل‏,‏ فأنشأت مشروعا صغيرا تديره زوجتي لانه يتفق مع مؤهلاتها الدراسية وسجلته باسمها ووقفت فيه الي جانبها حتي نجح العمل نجاحا أسعدها وأسعدني معها وازدادت علاقة الحب بيننا عمقا‏.‏
وكانت زوجتي بحكم هذا المشروع تتعامل مع كثيرين من العملاء وتعرضت بطبيعة الحال في بعض الاحيان كامرأة للمضايقات من بعض العملاء‏,‏ لكنها بقوة شخصيتها وذكائها وأديها كانت تتخطي دائما هذه المضايقات وتجبر الجميع علي احترامها‏.‏
ثم شاءت الأقدار ان يتردد علي مقر عملها أحد الشباب مندوبا عن شركته‏,‏ فوجدت من زوجتي اهتماما غير عادي به وبالعرض الذي تقدم به ولم يتم الاتفاق مع شركته علي العمل المطلوب‏,‏ ولكنه استمر بالرغم من ذلك في التردد علي مقر عمل زوجتي وهنا شعرت بالضيق وعدم الارتياح واظهرت لزوجتي هذا الضيق‏,‏ واعترضت صراحة علي تردده علي العمل دون مبرر‏,‏ فقالت لي إنني استطيع إذا أردت أن أطلب منه عدم الحضور‏,‏ لكني رفضت ذلك مؤكدا لها أنني إذا فعلت ما تقترحه فان معناه هو عدم الثقة فيها وان عليها ان تنهي هي تردده بأي شكل‏,‏ لكنها لم تفعل متعللة بصعوبة اظهار الجفاء مع الإنسان يتعامل معها بكل احترام‏,‏ فضلا عن أنها لا تريد ان تغلق باب التعامل مع شركته‏..‏ ولا تريد أيضا ان تحرم من بعض الآراء والمقترحات التي يبديها ويمكن أن تفيد العمل‏.‏
وأمام كلماتها الهادئة الواثقة راجعت نفسي في احتمال ان أكون مخطئا في رأيي بسبب طبيعتي المحافظة‏,‏ أو ربما بسبب شعوري بشيء من الغيرة التي يجب ألا استسلم لها حتي لا أكون عائقا أمام نجاح زوجتي‏...‏ وأقنعت نفسي بأنه من الافضل ان أوطد علاقتي به حتي يفهم من يلاحظ كثرة تردده علي العمل أنه صديقي‏,‏ وبذلك أمنع الأقاويل عن زوجتي‏..‏ وقد كان ذلك‏.‏
وبعد فترة لا ادري طولها أصبحت زوجتي أكثر عصبية فالتمست لها العذر بإرهاق العمل وضغوطه‏,‏ ثم بدأت تنفر مني في أحيان كثيرة‏...‏ واذا غضبت منها لشيء لا تبالي بغضبي وهي التي كانت اذا حدث بيننا شيء من سوء التفاهم تتودد إلي وتنهيه في نفس اليوم‏,‏ ولم استطع تفسير ذلك برغم أنني كنت أشعر بحزن عميق بداخلي‏,‏ وفي لحظات قربها مني كانت تستطيع ان تمحي الاثر السيئ بعصبيتها ونفورها‏,‏ مع ان هذه اللحظات تباعدت بيننا كثيرا في حين ازدادت مساحة الخلافات حول أشياء تافهة لا أذكرها لانها كانت فيما يبدو تعبيرا أصاب كلا منا من تغيير حتي أصبحت هذه الخلافات ظاهرة امام ابنائنا علي غير عادتنا‏.‏
واستمرت الحياة علي هذا النحو‏:‏ أياما هادئة وأياما عصبية حتي حدث موقف أيقظني من غيبوبتي ذلك انني فوجئت بها ذات مرة تخبرني انها ذهبت مع هذا الشاب بسيارته لمتابعة عمل يخصها في مدينة قريبة من مدينتنا‏,‏ ووجدتني في لحظة خاطفة استرجع كل الاحداث الماضية المتعلقة بعلاقة هذا الشخص بها‏,‏ والتي توحي بأن اهتمامها به لم يكن عاديا وانه لم يكن مجرد صديق عمل مثل بقية الأصدقاء والمعارف‏(‏ إذا جاز استعمال لفظ الصداقة هنا‏)‏ وأنه شخص تسعد به ولوجوده وتختلق الاسباب لكي يستمر تردده عليها في عملها سواء بالحديث عن مشروعات مشتركة لم تتم أو بطلب مشورته في بعض أمور عملها‏,‏ وواجهتها بذلك وكان رد فعلها هو الإنكار التام بقوة وعصبية مع الإحساس بالاهانة‏,‏ وحاولت إقناعي بأن الامور اكثر بساطة مما اتصور وراحت تلومني علي انني لم أكن واضحا في طلب قطع علاقتها به في البداية‏,‏ مع انني قد أظهرت لها عدم ارتياحي وغضبي في بداية العلاقة‏,‏ لكنه لثقتي فيها صدقت كلامها عن بساطة هذه العلاقة ولم آخذ موقفا كان يجب أن أتخذه ولكنها أصرت علي أنه ليس في الأمر أي شيء مشين‏,‏ وانها تتفهم غضبي ولم اقتنع بحديثها تماما‏,‏ ولكني حاولت خداع نفسي بتصديقه لان ذلك كان الاكثر راحة بالنسبة لي واعتبرت الامر مجرد عدم اتزان في التصرف‏,‏ وان رغبتها في النجاح كانت أقوي من الاعتبارات الاخري وانتهي الموقف تاركا في نفسي جرحا غائرا‏,‏ لكني لم أدع ذلك يؤثر علي علاقتي بها‏..‏
وامتنعت زوجتي عن الذهاب لعملها فترة حتي لا تقابل هذا الشخص واصبحت تديره بالتليفون وأتولي انا بعض الأمور‏...‏ وحين وجدت أنا تساؤلا من ذلك الشاب عن سبب انقطاعها عن العمل أفهمته بتعبها ولكيلا أثير في نفسه اية تساؤلات حول وجود خلل في علاقتي بزوجتي بسببه‏,‏ فقد استمررت في علاقتي به بشكل عادي حتي لا تتناثر الاقاويل والشائعات‏,‏ الي ان أنهت شركته العمل في مدينتنا وظل بعد ذلك يتصل بي كل فترة‏,‏ واتصل به من حين لآخر وكأن شيئا لم يحدث‏,‏ لكني كنت اتعمد ان يغلف البرود كلماتي واختفت عبارات المجاملة حتي انقطع الاتصال بيننا‏.‏
وبعد حوالي عامين من ذلك واثر اتصال تليفوني منه فوجئت بزوجتي تعرض علي فكرة التعاون مع هذا الشخص في أحد المشروعات التي كانت تنفذها‏,‏ ووجدت نفسي أنفجر فيها هذه المرة رافضا ومتسائلا عما اذا كانت تريد إعادة العلاقة معه أم ماذا‏...‏ وتكهرب الجو وأكدت لي أنها فكرت في هذا الاقتراح بحسن نية لان هدفها هو نجاح المشروع ولانه ليس لديها شيء تتخفي به‏,‏ ولم أقنع بذلك وأصبح ما يثور في داخلي كل فترة تساؤل أو مجموعة تساؤلات أظل أسيرا لها حتي اسأل زوجتي عنها وتتجدد الصدامات‏..‏
وخلال هذه الصدامات أفلتت منها بعض التعبيرات العفوية التي زادت شكوكي وتفاعلت هذه الشكوك داخلي حتي حاولت الانتحار ذات مرة ولكن الله سلم وأصبحت حياتنا بعد ذلك متوترة دائما وازداد البعد بيننا وغابت السعادة عن حياتنا‏,‏ وبالرغم من ان الامور هادئة الآن بيننا اقصد فاترة إلا أن التساؤلات تهاجمني يوميا حول ما حدث‏..‏ فكيف أصل للحقيقة؟
وهل من مصلحتي معرفتها؟ مع أني لا استطيع خداع نفسي وأؤمن بأن الحقيقة المرة افضل من الحيرة والشكوك‏.‏
ان الامر اذا كان نزوة وانتهت فكلنا نخطيء ويمكن التجاوز عن هذه السقطة بالحب وبإدراك اننا بشر وبأنني ساهمت ولو بأي قدر في عدم منع هذا الخطأ وإذا كان حبا قائما‏(‏ ولا أظنه كذلك‏)‏ فيمكنني طلاقها وتنتهي القصة ونتحمل أنا وأطفالي إرادة القدر‏,‏ كما انه يمكن استمرار وجودها معي شكليا من أجل الاولاد كأخت وأم وليس كزوجة وشريكة حياتي‏..‏ فماذا أفعل‏..‏ وكيف أحسم أمري؟‏!‏

ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏
التساهل في البدايات يورث جحيم الشك في النهايات‏,‏ هذه هي خلاصة المحنة التي تهدد حياتك العائلية وسلامك النفسي الآن‏..‏ لهذا فلقد كان الأحري بك الا تتردد في حسم هذه الصلة بين زوجتك وبين هذا الشاب في بدايتها المبكرة وبلا تحسس لما يمكن ان يثيره ذلك من تساؤلات لديها أو لدي الغير إذ انه يكفي ان يستشعر الزوج أو الزوجة القلق لصلة تجمع شريك الحياة بطرف آخر لا مبرر لوجوده أصلا في أفقه‏,‏ لكي يكون ذلك وحده سببا عادلا ومقنعا لقطع هذه الصلة بل انه من واجب الشريك ان يتدخل لابعاد المتطفلين عن شريكه بدافع الغيرة الايجابية المطلوبة لحمايته من الريب والظنون أو من الإساءة لنفسه بحسن نية‏..‏ وليس هناك ما يدعو لاستشعار الخجل من هذه الغيرة او لإنكارها‏..‏ فهي إحساس إنساني طبيعي يحفظ اذا مورس باعتدال الطرف الآخر من التعرض للاغراء ومن الانزلاق الي الشراك الخداعية المحيطة به‏,‏ ولا يفيد أبدا انعدام الثقة في النفس أو الشك في إخلاص الطرف الآخر وأخلاقياته‏,‏ وإنما يعني فقط القلق الصحي المعتدل بسبب الخوف من ضياع المحبوب‏..‏ او تعرضه للمهالك‏.‏
لهذا فانه لم يكن هناك أية ضرورة للتجمل في إظهار ضيقك بصلة زوجتك بهذا الشاب‏..‏ ولا لمحاولة اكتساب صداقته للإيهام بأن ما يربطه بكم هو علاقة عائلية واجتماعية وليس اهتماما شخصيا بالزوجة‏.‏
ومن واجب شريك الحياة أن يتفهم هذا القلق‏..‏ ويستجيب لما يتطلبه من تجنب كل ما يثير هواجس شريكه وظنونه حتي ولو لم يكن لها أي ظل من الحقيقة‏,‏ ولو أنصف نفسه لسعد بهذا القلق واعتبره دليلا متجددا علي الحب والنخوة والرغبة الدائمة في الانفراد بجماع مشاعر شريك الحياة واهتمامه‏,‏ ودون أي تعارض مع الثقة المفترضة في وفائه وأخلاقياته وقيمه‏..‏ لأن الأمر لا يتعلق هنا بالثقة وإنما بسد الذرائع‏..‏ والبعد عن الظنون‏.‏
والكاتب المسرحي الأمريكي تنيس وليامز يقول لنا إنه لا يوجد عذاب علي وجه الأرض يقارن بعذاب الرجل حين ينهشه الشك في وفاء امرأته له‏..‏ ولأن الأمر كذلك فلابد لك يا سيدي من أن تحسم كل التساؤلات التي تمور في أعماقك الآن وتخرج من بحر الحيرة الي شاطيء أمين‏,‏ لكي تستقيم لك حياتك وتعفي نفسك وزوجتك من هذا العذاب‏.‏
ولربما يعينك علي ذلك أن تسلم بأن الانسان تاريخ وسياق عام من السلوكيات والأخلاقيات والقيم‏,‏ وليس مجرد موقف طاريء من مواقف الحياة‏,‏ وبالتالي فإن الحكم العادل عليه لابد أن يضع في الاعتبار تقييم هذا التاريخ كله‏..‏ ولا يكتفي بما ثار الجدل مؤخرا حوله‏..‏
وأيا كان الشاطيء الذي سوف ترسو فيه سفينتك فإن من واجبك ان ترفض بصرامة أية مقترحات أو أفكار لتجديد تلك الصلة التي أثارت كل هذه الزوبعة‏,‏ مهما تكن مبرراتها أو أرباحها المادية المتوقعة‏.‏
إذ ماذا يفيد أن يجني الإنسان بعض الربح المادي ويخسر سعادته وأمانه وراحة قلبه وضميره‏.‏
وختاما فإني أجيب علي تساؤلك الحائر المحذوف من رسالتك‏,‏ والذي يقضي مضجعك الآن‏..‏ بالاشارة الي حديث شريف رواه الشيخان وأبو داود والترمذي ويقول‏:‏ إن الله قد تجاوز لأمتي عما حدثت به نفسها ما لم تتكلم أو تعمل به‏.‏
وأكتفي بهذا القدر‏..‏ معتمدا علي فطنتك‏..‏ والسلام‏..‏
المزيد ....

تحت المنظار‏!‏

18-01-2002
أكتب إليك راجية أن أجد لديك العون علي حل مشكلتي‏..‏ فأنا سيدة شابة نشأت في أسرة متحابة‏,‏ واعتدت أنا وأخي أن نستشير أبي وأمي في أمورنا‏..‏ وتعودا هما أن يبصرانا بحقائق الأمور ويتركا لنا اتخاذ القرار لكي نتعود علي تحمل المسئولية‏,‏ وحين بلغت سن الشباب تقدم لخطبتي رجل في الأربعين من عمره وتمت الخطبة واستمرت عاما وسعدت بها لما لمسته من حسن معاملة خطيبي وأسرته‏..‏ ولإعجابي بترابطها وكانت أسرته قد أقامت في الخارج لفترة‏,‏ وتفرغت والدة خطيبي من عملها لرعاية ابنهائها‏,‏ وتم الزواج منذ عام واحد وساد الود والاحترام علاقتي بأهل زوجي‏..‏ وبعد‏10‏ شهور من الزفاف اكتشفنا أن لدي مشكلة في الإنجاب وأن أملي الوحيد في الأمومة هو عملية الأنابيب وصدمت صدمة شديدة‏,‏ لكني تقبلت أقداري وحمدت ربي علي كل شيء خاصة أن الأطباء أكدوا لي أن نسبة نجاح عملية الأنابيب بالنسبة لي ستكون كبيرة نظرا لصغر سني‏..‏ وكنت خلال مرحلة الفحوص قد حرصت علي تكتم المشكلة عن أهل زوجي خوفا من رد فعلهم‏..‏ وكان هو يؤكد لي أن والدته إذا عرفت بها فسوف تحيطني بحنانها وعطفها‏,‏ كما تفعل الأم مع ابنتها‏,‏ وحين تأكدنا من أنه لا أمل لنا إلا في الأنابيب رأي زوجي أنه لابد من مصارحة أهله بالأمر لأن من حقهم أن يعرفوه‏..‏ وبدأت أستعد نفسيا لعملية الأنابيب وأتخيل نفسي وأنا أجريها وحولي أهلي وأهل زوجي يشدون من أزري‏,‏ لكني وجدت زوجي مهموما وحزينا وعرفت منه أن أهله قد رفضوا فكرة الإنجاب عن طريق الأنابيب وقالوا له إنهم يريدون له طفلا طبيعيا وليس طفل أنابيب‏!‏
وسألته في إشفاق عما إذا كان يفكر في الزواج من أخري لينجب منها بطريقة طبيعية‏,‏ فقال لي إنه حائر ولا يريد أن يفقدني‏,‏ لأنه سعيد وراض عن حياته معي‏,‏ أو لا يريد في نفس الوقت أن يغضب والدته ولا أن يحرمها من الأمل الذي تتطلع إليه وهو أن تري حفيدا لها منه‏..‏ ونهشني القلق والخوف ثم بدأت أستعين توازني مرة أخري حين قال لي زوجي بأنه سيحاول إقناع والدته بقبول فكرة الأنابيب ونصحني بالحديث إليها وإشعارها برغبتي في الحفاظ علي حياتي الزوجية معه وبحقي في أن أستمسك بالأمل حتي اللحظة الأخيرة‏,‏ وتحدثت إليها بالفعل وإلي شقيق زوجي وقلت لهما إنني لا أريد أن أفقد زوجي الذي أحببته ولا حياتي معه ولا أملي أيضا في الإنجاب منه‏,‏ وتأثرا كثيرا بما سمعاه مني وعبرا عن تفهمهما لمشاعري وكيف أنهما يقدران جيدا أنه لا ذنب لي في هذه المشكلة‏,‏ لكن العمر يجري من ناحية أخري وزوجي لم يعد صغيرا في السن لكي ينتظر محاولات قد تنجح وقد تفشل للإنجاب عن طريق الأنابيب‏,‏ فطالبتهما وطالبهما زوجي بمنحنا فرصتنا للمحاولة ووعدته بأننا إذا يئسنا من هذا الحل فإنني سأدع لزوجي حرية التصرف وفعل ما يريد بحياته‏..‏ بل انني أترك له هذه الحرية من الآن إذا شاء أن يتزوج غيري‏,‏
وبعد مناقشات طويلة بيني وبينهم حول الحب وهو هل أنانية أم تضحية توصل زوجي مع أهله إلي موافقتهم علي إعطائنا مهلة عشرة شهور نحاول خلالها الإنجاب بهذه الطريقة‏..‏ فإذا لم ننجح في تحقيق الأمل يكون علي أن أترك زوجي وأنفصل عنه وأفسح له المجال لكي يتزوج مرة أخري لأنه لن يستطيع الجمع بين امرأتين‏,‏ وقبلت بذلك علي مضض لقصر المهلة وشعرت بالقلق وعدم الأمان وكيف لي أن أشعر بالأمان وأنا احس بأنني موضع اختبار أو تحت المنظار لفترة محدودة من الزمن إذا فشلت خلالها تنتهي حياتي الزوجية وأفقد زوجي؟ وكيف لي أن أنجح في هذا الاختبار والإنسانة السليمة القادرة علي الإنجاب قد تعجز عنه في مثل هذه الظروف المشحونة‏,‏ لأن الحمل يحتاج إلي الاستقرار النفسي والدفء الأسري والشعور بالأمان‏.‏ إنني أشفق علي زوجي الذي يريد إرضاء جميع الأطراف‏..‏ فيريد أن يحقق لأهله أملهم المشروع في رؤية طفل منه‏..‏ ويريد في نفس الوقت ألا يظلمني وأن يمنحني حقي في الإنجاب‏..‏ وأنا أريد من ناحيتي الحفاظ علي بيتي وزوجي وأملي في الإنجاب وأهله يشعرون أنهم قد قدموا لنا تضحية بالقبول بفكرة الأنابيب التي لا يحبذونها وبالانتظار لمدة عشرة شهور لإجراء المحاولات التي يرفضونها من الأساس‏..‏ والجو مشحون من كل الاتجاهات‏..‏ فأين الخطأ والصواب في مواقف كل طرف من الأطراف وما هي حدود المسموح والممنوع في تدخل الأهل في حياة الأبناء الزوجية‏,‏ وما هي حدود البر والطاعة للأهل في هذا الأمر الحساس؟
إنني شخصيا أسلم من الآن بأن كل ما سوف يحدث بعد فترة الانتظار سيكون خيرا بإذن الله لأنه سيكون حكم الله في وحكم الله خير دائما للإنسان‏,‏ لكني متألمة وحائرة‏..‏ وأريد نصيحتك‏.‏

‏ ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏
جميل أن تسلمي من الآن بأسوأ العواقب المحتملة وتتقبلي أقدارك معها إذا جرت بها المقادير‏,‏ ذلك أن التسليم بأسوأ الفروض يحرر الإنسان من الخوف والقلق وترقب البلاء‏,‏ ويطلق ملكاته المكبلة بالخوف من المستقبل ويزيد من قدرته علي مواجهة المصاعب‏,‏ وتحجيم خسائرها واستثمار المتاح له من جوانب السعادة الأخري علي نحو أفضل‏,‏ فإذا ترفقت به السماء بعد ذلك وأعفته مما تحسب له طويلا وفاجأته ببعض جوائزها الثمينة كانت سعادته بها مضاعفة لأنها قد هبطت عليه بعد فقد الرجاء فيها‏,‏ وإن شاءت له عكس ذلك‏,‏ فلقد عرف منذ البداية ما كان ينتظره من اختبارات الحياة القاسية وتهيأ له نفسيا واستعد لمواجهته واحتمال الحياة به‏,‏ وحق له أن يقول ما قاله أحد الصالحين من قبل‏..‏ الخير أردت ولا يعلم الغيب إلا الله غير أنه من المؤلم حقا أن يشعر المرء أنه موضع اختبار الآخرين في أمر شديد الخصوصية والحساسية بطبيعته‏..‏ ولا حيلة لأحد فيه كهذا الأمر‏,‏ فإذا كان ثمة ما يقال حول مواقف الأطراف المختلفة من هذه المشكلة‏..‏ فهو أنه لم يكن يجوز التعامل معها أبدا بصيغة الإنذارات القضائية التي تمنح للمدين مهلة زمنية محددة باليوم والساعة لسداد الدين وإلا اتخذت الإجراءات العقابية ضده فور انتهائها‏,‏ فالزوجة ليست مجرد رحم يجري ملؤه وتفريغه بأوامر الأهل المتلهفين علي رؤية حفيد لهم‏..‏ ولقد كان الأحري بهم أن يسلموا لكما بحقكما في اختيار حياتكما إذا رضيتما عنها سواء تحقق لكما الإنجاب أم لم يتحقق‏,‏ أو كان الأحري بهم علي الأقل أن يعفوكما من هذا الشرط المعيب ويطلقوا أيديكما في السعي وراء أمل الإنجاب عن طريق الأنابيب دون تحديد صارم لمهلة الانتظار‏,‏ ذلك أن هذا التحديد الزمني الدقيق يتعامل معكما كما لو كنتما زوجين من فئران التجارب‏,‏ يرقب العلماء تزاوجهما في صندوق زجاجي‏,‏ وحتي حيوانات التجارب قد تعجز عن الانسال إذا استشعرت وطأة العيون التي ترقبها وتحرمها من خصوصيتها الضرورية في مثل هذا الأمر‏..‏ فكيف بزوجين من البشر يرغب كل منهما في الآخر ويتطلعان كل يوم إلي نتيجة الحائط ليعرفا كم بقي لهما من زمن الحياة المشتركة قبل أن يفترقا‏!‏ إن الحمل كما تقولين يحتاج بالفعل إلي اطمئنان الطرفين ليومهما وغدهما لكي يتحقق لهما الأمل منه‏,‏ فإذا كان الأهل يبررون هذا التحديد الزمني العجيب بتأخر سن زوجك نسبيا‏,‏ فإن الرجل يستطيع بيلوجيا أن ينسل حتي سن السبعين‏,‏ وتأخره في الزواج إلي الواحدة من الار
بعين من عمره هو مسئوليته وحده وليس مسئولية أي طرف آخر‏,‏ فضلا عن أن عمليات الحمل عن طريق الأنابيب قد تتكرر عدة مرات قبل أن تحقق المرجو منها‏..‏ فما معني هذا التحديد الزمني الصارم إذن؟
وماذا يضطرك يا سيدتي للقبول بهذا الاختبار المهين؟
إن أهل زوجك ليسوا في تقديري المسئولين وحدهم عن هذه المهلة القصيرة وإنما يشاركهم المسئولية عنها زوجك إذ يخيل إلي أنه يتمزق في داخله بين الرغبة في الاحتفاظ بك وبين اللهفة علي الإنجاب من غيرك إذا عجزت أنت عنه‏,‏ ولهذا فإنه لم يحسم الأمر بقوة ويرفض هذه المهلة‏..‏ ولم يستمسك بحقه في اختيار حياته الخاصة سواء نجحت محاولة الإنجاب منك أم لم تنجح وإنما شارك أهله هذا الحل الوسط‏..‏ وقبل بهذه المهلة الأخيرة إبراء للذمة ودفعا للحرج الانساني وربما العاطفي الذي يستشعره تجاهك‏,‏ ولو لم يكن الأمر كذلك لما عجز عن حسم الأمر بلا تردد‏..‏ ولو فعل ذلك لما تعدي علي حق الأهل عليه في شيء‏..‏ لأن حياته الخاصة ملك له في النهاية‏..‏ وليس من عقوق الأهل أن يحتفظ بالزوجة التي أحبها بغض النظر عن قدرتها علي الإنجاب أو عجزها عنه‏..‏ كما أن الأهل لا يتطلعون إلي إنجابه إلا أملا في سعادته هو في الأساس‏,‏ ثم سعادتهم بذريته من بعده ولو استشعروا رغبته الجادة في استمرار حياته مع زوجته علي أي نحو شاءته لهما الأقدار لما ألحوا عليه طويلا بتغيير هذه الحياة والتطلع إلي حياة أخري لا يعرف أحد هل سيسعد بها أم سيشقي‏.‏ لهذا فإن الأمر كله يرجع إليه في تحديد هذه المهلة‏..‏ أو مدها أو إسقاطها نهائيا وفتح باب الأمل علي مصراعيه أمامك في الرنجاب والسعادة إلي أن يقضي الله أمرا كان مفعولا‏.‏
المزيد ....

الحلم القصير

25-01-2002
لا أعرف من أين أبدأ قصتي‏..‏ فمنذ خمس سنوات فقط كنت فتاة حاصلة علي بكالوريوس التجارة وأعمل في فرع أحد البنوك وسعيدة بعملي ومجتهدة فيه‏..‏ وأعيش بين أبي الضابط المتقاعد ووالدتي ربة البيت الطيبة وأختي التي تصغرني ببضع سنوات‏..‏ وكانت الحياة تمضي بنا جميعا هادئة وسعيدة ويتقدم لي من حين لآخر شاب يطلب يدي‏,‏ فلا أجد فيه فارس أحلامي‏,‏ إلي أن جاء يوم دخلت فيه مكتب مديري فوجدت لديه شابا ينظر إلي باهتمام فشعرت بخجل طارئ‏..‏ وقدمه إلي مديري وعرفت أنه محاسب شاب يعمل خارج مصر‏..‏ وانتهي الأمر عند هذا الحد‏..‏ بعد يومين فوجئت بهذا الشاب يزور زميلة لي بالبنك ويفتعل المناسبات للحديث معي فتحدثت معه في تحفظ لأني لا أعرفه‏,‏ وبعد اسبوع طلبني مديري إلي مكتبه وسألني عن رأيي في هذا الشاب وأجبته بما تكون لدي من انطباع عابر عنه‏..‏ فصارحني بأنه يرغب في الزواج مني وشعرت بفرحة ممتزجة بالدهشة والقلق لاني لا أعرف الكثير عنه‏..‏ ثم التقيت به وعرفت منه أنه يعمل بإحدي الدول العربية منذ ثماني سنوات وأن والدته رحلت عن الحياة ووالده متزوج ويعمل بالخارج‏..‏ وتحدثت إليه بدوري عن أبي وأمي وأختي واعجبت بشخصيته ورجولته‏,‏ وتمنيت عليه أن تكون لنا
فترة خطبة معقولة لكي أزداد تعرفا علي شخصيته وطباعه وأفكاره‏,‏ لكنه كان في عجلة من أمره ويريد أن يرتبط بي في أسرع وقت قبل انتهاء اجازته والعودة إلي عمله وسلمت له برغبته وتم عقد قراننا خلال أيام قليلة‏..‏ وسافرت معه في ليلة الزفاف نفسها إلي البلد الذي يعمل فيه‏,‏ ودخلت شقة الزوجية هناك وأنا أشعر أنني في حلم جميل ولست في الحقيقة‏,‏ وغمرني زوجي بحنانه وعطفه من أول لحظة‏..‏ ووجدت فيه الصدر الحنون الذي يعوضني عن ابتعادي عن أبي وأمي وأختي لأول مرة في حياتي‏,‏ ومضت بنا الأيام هانئة والحلم الجميل مازال مستمرا‏.‏ وذات يوم تأخر في العودة إلي البيت حتي الليل فشعرت بخوف الدنيا كله وارتجف جسمي بمجرد تخيل ألا يعود زوجي لأي طارئ‏..‏ ورجع في النهاية فوجدني في حالة يرثي لها فاعتذر بتعطل سيارته في مكان ناء‏..‏ وأراد أن يخفف عني فدعاني للخروج لتناول العشاء معا في أحد المطاعم وارتديت ملابسي وجففت دموعي وخرجت معه‏..‏ وفي المطعم استرددت هدوئي النفسي وشعرت بالسعادة والأمان في صحبة زوجي‏..‏ فإذا بسيدة شابة تتقدم إلينا‏..‏ وينظر إليها زوجي باهتمام شديد‏..‏ فتصافحه مبتسمة ويقدمها لي ويقدمني إليها‏..‏ وأتذكر الاسم علي الفور‏!‏ انها خطيبته السابقة التي فسخت خطبته بها قبل أن يرجع إلي مصر ويتقدم إلي مباشرة والتي روي لي قصتها كاملة لكني لم أكن أعرف أنها مازالت مقيمة في نفس البلد وشعرت بشيء من الغيرة والارتباك ثم تماسكت ورددت تحيتها بأدب‏..‏ وانصرفت هي مع من كانت بصحبتهم في المطعم‏,‏ ورجعنا إلي البيت وصورة هذه السيدة الشابة في خيالي‏..‏

وفي الأيام التالية ساورني تجاهها بعض القلق‏..‏ لكني صرفت تفكيري عن الانشغال بها لأنني أحب زوجي بشدة ونحن سعيدان في حياتنا‏,‏ ثم فوجئت بزوجي بعد نحو شهر يحدثني حديثا غريبا‏..‏ فيقول لي إنه يريد العودة لخطيبته السابقة التي حالت ظروف طارئة دون ارتباطه بها قبل أن يعرفني‏..‏ وأنه يحبها ولا يستطيع الاستغناء عنها ولا يقبل في نفس الوقت أن يخونني معها أو يخدعني ولهذا فهو يبلغني أنه سوف يتزوجها استكمالا للقصة القديمة بينهما ولن يطلقني وسيستمر حالي معه دون تغيير‏..‏ ولن يظلمني وإنما سيكون عادلا معي ومعها وصدمت صدمة شديدة لكني قدرت له صراحته وقلت له إن كرامتي تأبي علي قبول هذا الوضع‏..‏ وإنه إذا تمسك بما يريده فإنني أفضل الطلاق‏..‏ ورجعت إلي بلدي بعد‏8‏ شهور فقط من الزواج وحزن أهلي لحالي كثيرا لكني قلت لهم إن طباعنا لم تتوافق‏,‏ وإننا قد انفصلنا في سلام ودون مرارة‏..‏ وحصلت علي الطلاق بلا مشاكل ورجعت إلي عملي ثم اكتشفت إنني حامل بعد قليل من رجوعي لمصر وحاولت التخلص من حملي في شهوره الأولي لكن ارادة الله كانت أقوي من كل شيء فسلمت بما اختاره لي‏,‏ واتصلت بزوجي السابق واخبرته بحملي فسعد به‏..‏ وأرسل لي مصروفات المتابعة الطبية والولادة‏..‏ ووضعت مولودي فكانت بنتا جميلة فرحت بها‏..‏ وتعزيت بمجيئها عن سوء حظي في الحب والزواج‏,‏ وجاء زوجي السابق بعد فترة فرأي ابنته واهتم بها كثيرا‏,‏ وتعاملت معه بفتور ولكن بطريقة مهذبة‏..‏ وركزت اهتمامي في طفلتي الوليدة وعملي‏,‏ وأصبح زوجي يسأل عن طفلته من حين لآخر ويلتزم بنفقتها ويراها كلما جاء في اجازة وتقدم إلي كثيرون من زملاء العمل ومن الأقارب وحثني أهلي علي الزواج بشدة لكني رفضت من تقدموا لي لأن قلبي مازال أسيرا لدي زوجي السابق بالرغم من تحفظي الكامل معه‏..‏ ثم اقترب مني شاب كانت له مصلحة في فرع البنك الذي أعمل به وأعجب بي‏..‏ وأعجبت به وشعرت بأنني أستطيع أن أبدأ من جديد معه‏,‏ فحدثته عن ظروفي كمطلقة وتخوفي من ألا يرحب بي أهله نظرا لذلك‏,‏ لكنه أكد لي ترحيبهم بي‏,‏ فاطمأننت إليه وبدأنا نلتقي ونتحدث عن حياتنا المقبلة فإذا بي أخطئ في أول لقاء وأناديه باسم زوجي السابق‏..‏ وأرتبك‏..‏ ويرتبك هو‏..‏ وأسلم بالفشل معه‏..‏ ويتوقف مشروع الخطبة عند هذا الحد‏.‏ والآن يا سيدي وبعد أن أصبح عمر ابنتي خمس سنوات كبرت خلالها أمامي يوما بعد يوم فلقد انفصل والدها عن زوجته التي ضحي من أجلها بسعادتي‏,‏ وحاول الاقتراب مني من جديد ويرغب في استئناف حياتنا الزوجية السابقة من أجل طفلتنا ولكي تحيا بين أمها وأبيها‏..‏ ولقد رفضت ذلك بشدة وثرت عليه ثورة عنيفة‏..‏ وعاملته بجفاء ومازلت أفعل ذلك‏,‏ لانني لم أنس له ما فعله بي حتي الآن لكني مازلت أحبه وثورتي عليه لم تكن ثورة الكراهية والحقد وإنما ثورة الكبرياء والكرامة فهل أقبل العودة إليه أم أرفضه‏..‏ وأرتبط بغيره‏!‏

ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏
هناك نوع خاص من الأسئلة ينطق بها المرء في ظروف الحرج الإنساني وهو يأمل في أعماقه ألا يسمع عنها سوي جواب بعينه لا يرضيه سواه‏,‏ ولو فاجأه المسئول بإجابة مغايرة لشعر بالغضب المكتوم ولربما سخط علي المسئول وندم علي استشارته في أمره‏!‏ فكأنما قد وجه إليه سؤاله من البداية لكي يستعذب سماع الاجابة المرضية له ويطمئن بها‏..‏ ويبررها لنفسه‏!‏ ومن هذا النوع الفريد من الأسئلة يا سيدتي تساؤلك الحائر هذا عن العودة إلي زوجك السابق أم رفضه والارتباط بغيره‏.‏ ذلك انك تعرفين جيدا عن نفسك انك تتمنين في أعماقك أن تكون الاجابة عنه بالعودة إليه وليس برفضه‏,‏ لكنك تحتاجين فقط إلي إرضاء كرامتك الانسانية وكبريائك بالظهور أمام نفسك قبل الآخرين بمظهر المترددة أمام إجابة النداء والحائرة بين نداء القلب الذي مازال أسيرا لدي زوجك السابق‏,‏ وطالما تعلق بالأمل في العودة إليه واستئناف الحلم القصير معه وبين نداء الكرامة الذي يأبي عليك التلهف علي العودة إلي من نبذك من أجل امرأة أخري بعد ثمانية شهور فقط من الزواج عند أول منه‏!.‏ ولا لوم عليك يا سيدتي في ذلك ولا عتاب‏,‏ فنحن جميعا نحتاج في بعض المواقف الإنسانية إلي ألا نظهر بمظهر المتلهفين علي ما نتمناه في أعماقنا إذا استشعرنا الخجل في ذلك‏,‏ أو إذا كانت الكرامة الإنسانية تفرض علينا أن نتعفف لبعض الوقت عن التلهف عليه إلي أن يقنعنا المخلصون لنا بأن خيرنا فيه‏,‏ ويرفعوا عنا بعض الحرج ولو لم يفعلوا ذلك معنا لعتبنا عليهم في اعماقنا ولشعرنا بتقصيرهم في حقنا‏!‏ ولقد نضيع بعض فرص الفوز من أيدينا أحيانا لاننا لم نجد من يحثنا علي اهتبالها والتخلص من حرجنا أمامها‏.‏ وانت من حقك بغير جدال أن تستشعري عزتك والاحساس بجدارتك وتضمدي جرح كرامتك وتشعري بأنك لم تتلهفي علي تجرع اإهانة والعودة لزوجك السابق من أول نداء‏.‏

وبقدر اخطائنا في حق الآخرين ينبغي أن يجيء التكفير عنها وبقدر ايلامنا لهم يكون واجبنا في الاعتذار لهم والتودد إليهم والصبر عليهم إلي أن تشتفي نفوسهم من جرحنا لها لهذا فإنه من واجب زوجك السابق أن يبذل من الجهد في استرضائك وتضميد جراحك وإقناعك بعودته إليك من اجلك وليس فقط من أجل ابنته‏,‏ إلي أن تغفري له جنايته عليك وتبدئي معه صفحة جديدة خالية من المرارة والأحزان‏.‏ ولعل أول ما ينبغي له أن يفعله بعد الاعتذار إليك هو أن يدرس معك أسباب فشل تجربتكما معا بعد شهور قليلة من الزواج وتتجنبا معا تكرارها‏..‏ فلقد كان خطؤه الأساسي في حقك هو أنه قد سعي للارتباط بك منذ البداية قبل أن يبرأ من حبه القديم لفتاته الأخري علي طريقة الشاعر الذي يقول وداوني بالتي كانت هي الداء فتعجل الزواج منك قبل أن يختبر مشاعره الحقيقية تجاهها وهربا من حبه لها أو أملا في شغل فكره عنها أو ايلامها علي البعد واشعارها بفداحة خسارتها له وكل ذلك من الاعتبارات لا يصلح أن يكون أساسا متينا للزواج‏..‏ ويحمل في طياته ظلما كبيرا لك فكان من نتائجه أن تصدع البنيان عند أول ظهور لفتاته السابقة في الأفق‏..‏ وأول إشارة من جانبها لإمكان استئناف قصته معها‏.‏ ولم يكن عرضه عليك بالاستمرار معه بعد زواجه منها إلا استشعارا فقط لجنايته عليك‏..‏ ولو كنت قد قبلت به لما سعد بقبولك إياه ولما طالت عشرتك له أكثر من بضعة شهور أخري‏.‏

وظلمه لك ليس مسئوليته الكاملة وحده وإنما تشاركه هذه المسئولية تلك الأخري التي رحبت به وهو زوج لأخري لم يمض علي زواجهما ثمانية شهور‏..‏ فإن كان نصيبه من هذه المسئولية أكبر فلأنه هو الذي سعي إليك باختياره ولم يرغمه أحد عليك‏,‏ في حين لم تكن الأخري تعرفك أو تشعر بحق لك عليها‏..‏ غير أن ذلك لا يعفيها أبدا من نصيبها الكامل من المسئولية عما لحق بك من ظلم‏..‏ فلقد كنا حتي وقت قريب نسمع كثيرا عمن يتعففن أو يتعففون عن اقامة صرح سعادتهم الخاصة علي أنقاض تعاسة الآخرين ونسمع طويلا عمن يعتبرن أو يعتبرون نبذ أحد لشريكه أو شريكته من أجلهم مؤشرا علي عدم الوفاء واستسهال الغدر‏,‏ فأصبحنا الآن ومع تغير منظومة القيم الأخلاقية لدي البعض وتأثرها بالاتجاهات الفردية السائدة في الغرب والتي تبرر للفرد سعادته من أي طريق‏,‏ نسمع عمن يعتبرون التضحية بسعادة الغير من أجلهم دليلا علي عمق الحب والرغبة فيهم وتأكيدا لأهميتهم لدي الراغبين فيهم وعلو شأنهم‏!‏ وهكذا فإن تلك الأخري في حياة زوجك بدلا من أن تستشعر في استعداد زوجك السابق للتضحية بك بلا تردد بعد شهور فقط من زواجه منك من أجلها مؤشرا مخيفا لنوع وفائه لشريكة الحياة‏,‏ ينبغي أن يحذرها منه ويجعلها تتردد طويلا في الارتباط به‏,‏ فإنها قد قرت عينا به واعتبرته قربانا مشروعا من قرابين الحب المقدسة يقدمه إليها ولعلها استشعرت بعض الزهو والفخر في ذلك بدلا من أن تشعر بالدونية ونقص الاعتبار لأنها قد قبلت علي نفسها أن تكون ممن ينطبق عليهم التعبير الدارج في اللغة الانجليزية‏:‏ محطمو البيوت‏!‏ وهم فئة لا تحظي كثيرا باحترام المحافظين في أي مجتمع مهما تكن القيم السائدة فيه‏.‏ فهل يكون غريبا إذن ألا تطول عشرتهما بعد كل ذلك عن خمس سنوات؟ إن الغريب حقا هو ألا يكون زوجك السابق قد استوعب جيدا دروس فشليه الأول والثاني معك ومعها‏..‏ وألا يكون قد عرف الآن بصدق من يصلحون له ومن لا يصلحون‏,‏ أو ألا يكون قد عقد العزم بقوة علي أن يكفر عن خطئه في حقك وحق طفلته البريئة ويرغب صادقا في أن يعوضكما معا عما ضاع من العمر في هذا التخبط‏.‏ ففكري في أمرك جيدا وتأكدي من مواطئ أقدامك قبل الخطو علي الطريق‏..‏ وأيا كان الأمر فلا ترجعي إليه إلا إذا تأكدت من أنه قد استوعب بالفعل درس التجربة وتعلم من أخطائها وسوف يتجنب تكرار العثرات والأخطاء من جديد‏.‏
المزيد ....

الأبواب المغلقة‏!‏

01-02-2002
أنا فتاة في السابعة والعشرين من عمري‏,‏ نشأت بلا أب بالرغم من أنه علي قيد الحياة‏,‏ ويقيم في نفس الحي الذي أقيم فيه‏..‏ فقد انفصل عن أمي عقب ولادتي لأنه لايريد إناثا‏..‏ فخرجت أمي من بيته بعد سبعة أيام من الولادة مريضة وأقامت مع جدتي‏..‏ وبعد عام تم الطلاق بينهما‏..‏ وتزوج هو سريعا‏..‏ فشاءت إرادة الله له ألا ينجب من زوجته الجديدة لا إناثا ولا ذكورا‏..‏ بينما تزوجت أمي بعد طلاقها منه من قريب لها فرزقت بولدين‏,‏ فأثار ذلك حفيظة أبي وراح يختلق المشكلات معها ومع جدتي عقب كل ولادة لها‏..‏ وكل ذلك دون أن يراني أو يهتم بأمري أو ينفق علي مليما واحدا‏..‏ إلي أن وصلت في تعليمي إلي الصف الثالث الإعدادي‏,‏ وفوجئت به يقيم دعوي قضائية لضمي إليه‏.‏ وبغيرالدخول في تفاصيل محزنة كثيرة فقد رفضت الدعوي واستمررت في رعاية جدتي لأمي‏,‏ وذلك بعد أن ذهبت إلي المحكمة وقلت للقاضي إنني لا أعرف هذا الرجل الذي يطالب بضمي إليه ولم أكن أعرف حتي تاريخ رفع الدعوي شكله إلا من صورة قديمة له رأيتها لدي خالي‏,‏ كما انه لم يتحمل مسئوليتي كابنة له ولم ينفق علي قرشا واحدا‏,‏ ولو تم إجباري علي الانتقال إلي حضانته فسوف أخرج إلي الشارع وأسير فيه بلا هدف وأذهب إلي أي مكان آخر‏,‏ وتفهم القاضي موقفي‏..‏ وأصدر حكمه برفض دعوي الضم‏.‏

وخلال نظر هذه الدعوي ومن باب العناد فقد أقنع المحامي والدتي بإقامة دعوي ضده لمطالبته بنفقتي خلال السنوات السابقة‏..‏ فأقامت الدعوي بالفعل وفوجئنا بقبولها علي غير المتوقع‏,‏ وبالحكم فيها لصالحنا‏..‏ واستمرت الاجراءات القضائية طوال المرحلتين الثانوية والجامعية من حياتي وهو يستأنف الحكم ويقدم الاستشكالات ويماطل في الدفع ويتذلل للقاضي ويزعم له أنه فقير ومريض ولايملك شيئا‏,‏ ولا يدفع ما يتراكم عليه من نقود كل مرة إلا بعد أن يهدده القاضي بالسجن‏.‏
وتخرجت في الجامعة‏..‏ وعملت عقب تخرجي مباشرة فسارع هو بالحصول علي ما يفيد التحاقي بالعمل وقدمه للمحكمة لكيلا أطالبه بأية نقود من جديد‏..‏

وبعد أن اطمأن إلي ذلك‏,‏ بدأ يقول إنه نادم علي ما حدث ومظلوم ويريد أن تنشأ بيننا علاقة الأب بابنته‏.‏
وبالرغم من أنني كنت قد أغلقت قلبي دونه ولم أكن مستعدة أبدا لتصديقه فلقد أردت أن أبرئ ذمتي أمام الله وتناقشت معه في هذا الأمر فلم استشعر حرصه الصادق علي‏..‏ وإنما رجحت أن تكون محاولة اقترابه مني راجعة إلي أسباب تتعلق بنظرة الناس إليه كأب لايعرف شيئا عن ابنته إلي جانب إحساسه بأنني سأضطر للاحتياج إليه في هذه المرحلة من عمري‏...‏ وهي مرحلة الزواج‏..‏ وأكد هو نفسه لي هذا الظن حين قال لي إنه ليس هناك شاب كريم يقبل بي دون أب‏,‏ وإذا قبل بي الشاب هكذا فسيكون ذلك نقطة ضعف لي أمامه‏.‏

وقد شاءت الظروف أن أخطب مرتين وتفشل الخطبة كل مرة لأسباب لا مجال لذكرها‏.‏
والمشكلة هي أنه وبعد كل ما جري يريد أن يوجد في حياتي وأن أعامله كأب وأرسل إليه من يريد خطبتي لكي يطلب يدي منه‏,‏ فيقابله هو كوالد للعروس‏...‏ ويفحص ظروفه‏..‏ ويفكر في أمره طويلا‏..‏ ثم يتخذ قراره بعد استطلاع رأيي كما يفعل كل أب حنون مع ابنته‏!,‏ وأنا من ناحيتي لا أشعر تجاهه بإحساس الابنة تجاه أبيها ولا أريده أن يشارك في زواجي‏,‏ ولن أدعه يحضره ولو أدي الأمر إلي عدم زواجي نهائيا لأنني لا أستطيع أن أسوي بينه وبين أمي في ذلك‏..‏ ولا أراه يستحق أن يمارس إحساس الأب تجاهي في مثل هذا الموقف‏..‏ فلقد كنت في مرحلة التقاضي معه من أجل النفقة أكرهه من أعماق قلبي‏..‏ ثم أقنعت نفسي بعد ذلك بأنه لايستحق مني حتي مشاعر الكراهية هذه‏,‏ لأنها تؤثر بالسلب علي قدرتي علي التكيف مع حياتي‏.‏ واعتبرته قدري وعلي أن أقبل بمشكلته في حياتي‏,‏ لكني من ناحية أخري لا أطيق رؤيته‏,‏ ولا أتحمل سماع صوته ولا أتصور أن يجبرني شيء علي الاقتراب منه والالتقاء به‏,‏ وأتناساه حين يغيب عني‏,‏ ولكنه لايدعني أنعم بحياتي وما أن أستريح منه لفترة حتي يظهر في الأفق من جديد وهو يجيد الكلام المعسول‏,‏ ويريد أن يأخذ وضعه كأب ولايريد أن يتحمل مسئوليتي المادية مع
أني لا أريد منه شيئا‏..‏ وقد أبلغت بعض أهله الذين حدثوني عن الميراث المتوقع منه أنني لا أقبل منه شيئا‏.‏
وأنا أخاف ربي كثيرا لكني علي اقتناع تام بأنه لم يقدم لي أي أحساس بالأبوة‏,‏ وبالتالي فلا يحق له أن يحاسبني أو يحاسبني أحد علي كراهيتي له‏,‏ وكل ما أريده هو أن أحيا حياتي بدونه‏,‏ وكم تمنيت من قبل موته‏..‏ لكني لم أعد الآن أتمني ذلك له‏..‏ وإنما فقط لاأصدقه ولست علي استعداد لتصديقه في المستقبل‏,‏ فأرجو أن تبلغه أنني لا أريده وأنه يحصد الآن ما زرعه من إهماله لي ولا مبالاته بأمري وتخليه عن تحمل مسئوليتي‏,‏ وأرجو أن يسامحني الله علي ذلك‏.‏

ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏
ولماذا تفترضين في أبيك أنه لايصدر في قول أو فعل إلا عن مصلحة ذاتية بحتة‏,‏ ولايسعي إليك بعد أن كبرت وبلغت سن الزواج إلا لكي يأخذ وضعه بين الناس كما تقولين وليس لكي يكفر عن جنايته عليك ويعوض غيابه السابق عنك وتقصيره البالغ في حقك؟
وماهو هذا الوضع الذي سيبلغ به سدرة المنتهي حين يناله‏..‏ وتسمحين له بأن يظهر بمظهر الأب المهتم بأمر ابنته عندما يرغب شاب في الارتباط بك؟

إن ظهور أب لك في أفق حياتك بعد طول غياب هو إضافة إنسانية واجتماعية وعائلية جليلة الشأن لك مهما يكن من سابق تخليه عنك وإهماله لك‏,‏ وأنت المستفيدة نفسيا وإجتماعيا وعائليا بل وماديا أيضا من هذه العودة إذا أتحتها له‏,‏ ولا تقاس استفادتك منها‏..‏ بما سوف يحققه هو من فائدة تظنينها أنت مظهرية وليست نابعة عن إحساسه بالذنب تجاهك ورغبته في التكفير عن سابق إهماله لك‏.‏
إذ لابد أنه سيتحمل تبعات مسئوليته كأب عنك ولو بعد فوات الأوان‏,‏ لأن تحمله لهذه التبعات الإنسانية والمادية هو الذي يرشحه للتكفير عن جنايته السابقة عليك‏..‏

فلماذا تغلقين كل أبواب الرحمة في وجهه؟
إنه يسعي إليك ويستجدي مشاعرك ولا يطلب منك إلا المودة الشكلية التي لاتكلف صاحبها شيئا‏..‏ فلماذا تصرين علي مجافاته ومباعدته‏..‏ وحرمانه حتي من الأمل في التكفير عن سابق إهماله لك‏..‏ نعم لقد أجرم في حقك‏..‏ وتخلي عنك‏..‏ ولم ينهض بمسئوليته ــ كأب معك ــ ولا أحد يملك أن يجبرك علي محبته‏..‏ أو التسوية بينه وبين والدتك في المنزلة لديك‏.‏

لكنه من غير المقبول دينيا وأخلاقيا ونفسيا في نفس الوقت أن ينطوي له قلبك علي كل هذا القدر من الحقد والضغينة والكراهية‏..‏ مهما تكن جنايته السابقة عليك‏...‏ ذلك أن الإنسان مأمور بأن يبر أبويه وإن جارا عليه وإن ظلماه‏...‏ وإن جفواه بل وإن جاهداه علي أن يشرك بالله ما ليس له به علم‏..‏ ومأمور بمصاحبتهما في الدنيا معروفا أيا كان من أمرهما معه‏..‏ فكيف ترضين لنفسك باثم قطع رحمك بأبيك ومجافاته ومباعدته‏..‏ وسد كل أبواب المغفرة أمامه؟
وكيف يغيب عنك أن كل هذا القدر الهائل من مشاعر الكراهية التي تحملينها لأبيك يحول بينك وبين السلام النفسي والتواصل السليم مع الحياة‏,‏ وينقص من قدرك واعتبارك في أعين الآخرين‏!‏ بل وكيف يأمن لك من سوف يرتبط بك في حياة مشتركة وقلبك يتأجج بكل هذا البغض لأبيك ويرفض أن يمنحه أية فرصة للتكفير عن خطئه‏..‏ وتأكيد حسن نيته؟

إن هذه الكراهية المريرة لأبيك تعطي مؤشرا مخيفا لقيمك الدينية والأخلاقية ولعجزك عن التسامح مع أحق الناس بالتسامح معهم‏..‏ وكل ذلك مما لايغري بك الراغبون في فتاة ترعي حدود ربها مع الجميع وخاصة أبويها‏..‏ وتصدع بأمر ربها في البر بالوالدين ولو ظلماها‏..‏ فسارعي بتطهير قلبك منها لكيلا تسمحي لتقصير أبيك في حقك في الماضي بأن يفسد عليك معنوياتك وصفاء نفسك وقدرتك علي التسامح والسعادة والتواصل مع الغير‏,‏ واقبلي من أبيك محاولاته للاقتراب منك‏..‏ وتودده إليك ورغبته المتأخرة في ممارسة إحساس الأبوة معك‏..‏ ولن يكلفك ذلك شيئا كثيرا وإنما علي العكس من ذلك سوف يفيدك ويعيد إليك توازنك النفسي والعاطفي‏..‏ ويرسخ فضيلة التسامح لديك‏,‏ وبقدر عطاء أبيك لك واستعداده للبذل والتضحية من أجلك‏..‏ ستتفتح له مسامك من جديد وتزداد فرصك في السعادة والاستقرار والأمان بإذن الله‏.‏
المزيد ....

انكشاف الحقيقة‏!‏

08-02-2002
أنا فتاة في التاسعة والعشرين من عمري‏,‏ ارتبطت منذ ثلاث سنوات بشخص متزوج وعنده أطفال وأحببته وأحببت أطفاله بجنون‏..‏ وكانت بداية القصة معه أن حكي لي أنه كان متزوجا من سيدة قبل زوجته الحالية وأنجب منها أطفالا‏..‏ ثم دب الخلاف بينهما وانفصلا بالطلاق‏..‏ وتزوجت السيدة من شخص آخر وتركت أطفالها معه‏..‏ وتزوج هو من زوجته الحالية وأنجب منها‏,‏ لكنها لا تعامل أطفاله من زوجته الأولي معاملة طيبة وتحرمهم من الإقامة مع أبيهم في حياة واحدة‏..‏ فرق قلبي لحال أطفاله من زوجته الأولي هؤلاء واقتربت منه وتزوجته بدون علم أهلي زواجا عرفيا لكي أرعي هؤلاء الأطفال وأحنو عليهم‏.‏ ومع أن زواجنا كان مبنيا علي أن أقوم برعاية أطفاله وتعويضهم عما حرموا منه من حنان الأم فقط لا أكثر‏,‏ فلقد حدث ما كنت أخشاه وبدأ يداعبني مداعبة الزوج لزوجته‏..‏ وحين فكرت في الانفصال عنه خوفا من العواقب اكتشفت المصيبة الكبري وهي أنني حامل منه‏,‏ وأسقط في يدي‏..‏ ماذا أفعل‏..‏ وكيف أواجه أهلي وهم أناس طيبون جدا ومن أسرة محترمة ومتدينة‏..‏ وتناولت بعض الأعشاب علي أمل التخلص من الجنين واجريت التحليلات فجاءت نتائجها ايجابية‏.‏ ثم اصبت فجأة بنزيف واصطحبني زوجي إلي طبيبة لأمراض النساء عالجتني‏..‏ وكل ذلك وأهلي لا يعلمون شيئا وبعد هذه المحنة طلبت من زوجي أن يتقدم لأهلي لطلب يدي رسميا لكيلا يعرضني لأزمة مماثلة‏..‏ فتقدم لهم بالفعل وكأنه خاطب لا تربطه بي صلة وسأله أهلي عن ظروفه‏..‏ واحواله وإمكاناته‏,‏ فكانت الاجابات في غير صالحه فهو زوج لأخري وله منها أطفال‏..‏ وتزوج من قبلها أخري وله منها أطفال أيضا‏..‏ وانتهي الأمر برفضه إلا إذا استطاع تنفيذ مطالب معينة لضمان مستقبلي معه‏.‏ وخرج هو من بيتنا محبطا وسافر للعمل في محافظة أخري لكي يستطيع تلبية مطالب الأهل‏.‏ وهو لا يأمل في أن ينجح في ذلك قريبا‏,‏ وقد امتنعت عنه منذ عدة أشهر إلي أن أجد لنفسي مخرجا وكلي ثقة في أن الله لن يتخلي عني وقد فكرت في أن أجري لنفسي جراحة لأعود كما كنت لكي أشعر انني آنسة وليس لكي أتزوج غيره‏..‏ لانني لا أستطيع أن أتزوج سواه حتي لو تم طلاقي منه لكيلا ارتبط بآخر علي أساس من الغش والخداع‏,‏ كما فكرت أيضا أن أعرض مشكلتي علي لجنة الفتوي بالأزهر‏,‏ لكني أردت أن أكتب لك أولا‏..‏ لتشير علي بما أفعل‏,‏ فأنا أطلب من الله دائما في صلاتي أن يغفر لي خطيئتي وأن يجمعني أنا وهو علي ملأ من الناس ويعرف أهلي أنه زوجي‏.‏ ولقد عرض علي أن أتركهم وأذهب معه إلي أي مكان ونعقد قراننا رسميا فرفضت ذلك حفاظا علي أبي الذي يحبني جدا وحرصا علي صحته وكرامته ولست أعرف الآن ماذا أفعل‏..‏ وقد كتبت لك كل التفاصيل وأريد أن أعرف نصيحتك‏..‏ لكنني أرجوك ألا تنصحني بأن أصارح أحدا بما حدث لي مهما تكن قرابته لي‏,‏ لأن ذلك سيكون هلاكي ومن الصعب أن أبوح لأحد به‏..‏ وشكرا‏.‏
ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏
سأحاول أن أناقش معك مشكلتك بأكبر قدر ممكن من ضبط النفس‏..‏ وعفة الكلمة‏!‏ إنك تطلبين مني أن أشير عليك بما تفعلين في أمرك بشرط ألا أنصحك بالبوح لأحد مهما تكن قرابته لك بحقيقة مشكلتك لأن في ذلك هلاكك‏,‏ ولانك كما تفيد كلماتك لا تقدرين علي مواجهة تبعات انكشاف الحقيقة حتي ولو لدائرة محدودة من الأهل يمكن أن تقتصر في البداية علي والدتك أو من تقوم في حياتك العائلية مكانها‏..‏ وهذا الهلع من مواجهة الأهل والأقربين بما فعلت بحياتك بهدف طلب عونهم لك علي الخروج من النفق المظلم‏,‏ أو علي تحقيق أملك في الارتباط العلني بهذا الرجل‏,‏ يثير لدي دائما مفارقة مؤلمة‏,‏ بين الجرأة علي ارتكاب الخطأ والتي تصل أحيانا إلي حد التهور‏..‏ وبين الخوف من تحمل تبعات نفس هذا الخطأ أو من مواجهة الآخرين والذي يصل بصاحبه إلي حد الجبن‏.‏ وما يحيرني واعجز عن فهمه حقا‏,‏ هو لماذا لا يمنعنا هذا الخوف نفسه من ارتكاب الأخطاء تحسبا لتبعاتها وخوفا من عواقبها‏..‏ ولماذا ينحصر خوفنا علي الأعزاء الذين نحرص عليهم في تكتم أخطائنا ورعونتنا عنهم‏..‏ ولا يمتد إلي ما هو أسبق من ذلك فيمنعنا من ارتكاب الخطأ إن لم يكن تقديرا لعواقبه فعلي الأقل إشفاقا علي من سوف يتأذون كثيرا به حين ينكشف لهم أمره‏.‏ إن الخوف نوعان خوف إيجابي يردنا عن جني الثمار المحرمة تخوفا من التبعات‏..‏ أو العقاب أو من هتك الاستار وخوف سلبي لا يردنا عن ورود بئر الخطايا‏..‏ لكنه يمنعنا فقط من طلب العون لإخراجنا منها وإعادتنا للطريق القويم‏,‏ وهلعك من مصارحة الأهل بحقيقة أمرك الآن من هذا النوع الشائن من الخوف‏..‏ وحرصك علي كرامة أبيك وصحته ليس مبررا مقنعا لما تفعلين وإلا فأين كان هذا الحرص وأنت تتورطين في علاقة سرية مع رجل متزوج وله أبناء من زوجة حالية وزوجة سابقة دون أن تضعي في اعتبارك ما سوف تتعرض له كرامة أبيك وصحته من أذي؟ ولماذا لم تتحلي ببعض هذا الخوف الذي تتعللين به الآن وأنت تندفعين إلي هذه العلاقة الشائنة‏.‏ ثم ما هو هذا الدافع الانساني المزعوم الذي تخدعين به نفسك وتبررين به ضعف التزامك الأخلاقي والديني مع هذا الرجل المتزوج؟ وكيف تصدقين أنك قد ارتبطت به في علاقة سرية وهو الرجل المتزوج والأب لكي ترعي اطفاله المحرومين من حنان أمهم لأن زوجة أبيهم تقسو عليهم وتحرمهم من الإقامة معه؟ وكيف أديت هذه المهمة الإنسانية‏..‏ وحنوت عليهم وقمت بتعويضهم عن حرمانهم وأنت فتاة تعيش في كنف أهلها وليس لك بيت زوجية ترعين فيه أحدا؟
وفيم كانت المفاجأة في خروج زوجك المزعوم علي أساس هذا الزواج الوهمي المزعوم وهو رعاية الاطفال فقط‏!‏ وكأنك قد تعاقدت معه علي رعاية أطفاله كمربية مستأجرة وليس كفتاة ارتضت لنفسها أن يستحلها رجل متزوج بمقتضي ورقة سرية لا تغني ولا تسمن من جوع‏,‏ ولا تضمن لها حقا ولا تحفظ لها حرمة ولا تعفيها إلي حد كبير من الإثم؟
إنني لا أري لك للأسف مخرجا مشروعا مما فعلت بنفسك سوي نفس النصيحة التي تتحسبين لها من البداية‏..‏ وهي ضرورة أن تصارحي والدتك أو أقرب الأهل إليك وأرشدهم إذا لم تكن والدتك علي قيد الحياة بحقيقة ما حدث وتتحملي لومه وعتابه بل واحتقاره أيضا إذا لزم الأمر لأن من العدل أن ندفع ثمن أخطائنا وألا ننكص عن تحمل تبعاتها‏,‏ فيكون من تصارحينه بذلك عونا لك ليس علي أي تصحيح شكلي لوضعك‏,‏ وإنما علي إقناع ذويك بأن يتساهلوا مع هذا الرجل لإتمام زواجك به في أقرب وقت لكي تواجهي الحياة بعد ذلك كزوجة ثانية علنية أو كمطلقة من زواج مشروع ومعلن‏,‏ وليس كفتاة ضائعة أضاعت أمانها وكرامتها في هذه العلاقة السرية ولا أمل لك للعودة للطريق القويم والتوقف عن الزيف وخداع الاهل وخداع النفس سوي ذلك‏..‏ عسي أن تتعلمي حينئذ درس التجربة فلا تنساقين مرة أخري وراء رعونتك واندفاعك الأهوج بلا تبصر‏.‏
المزيد ....

الحجر الثقيل‏!‏

15-02-2002
أنا سيدة في الثلاثينيات من عمري متزوجة ولي ابنان أحدهما في الصف الثالث الإعدادي والثاني في الصف الأول‏..‏ عشت كأسعد زوجة طوال عشر سنوات‏,‏ كنت خلالها أحب زوجي ويحبني‏,‏ وأحنو علي أطفالي‏,‏ ونخرج معا إلي الأماكن العامة والزيارات العائلية‏,‏ ونسافر من حين لآخر لقضاء اجازة قصيرة في أحد المصايف أو المشاتي‏..‏ ثم ذات يوم عرفني زوجي علي زميلة له موظفة بدبلوم التجارة ولديها طفل عمره عام وعلي زوجها وهما يعملان مع زوجي في نفس المكان‏,‏ وبدأنا نتزاور ونخرج معا في بعض الأحيان في رحلة إلي الإسماعيلية أو الإسكندرية‏..‏ فلاحظت بعد فترة من الزمن أنها تركز اهتمامها علي زوجي كما لو كانت قد قررت الظفر به‏,‏ ولفت نظره إلي ذلك‏,‏ فأبدي استنكاره لذلك واتهمني بالجنون‏.‏
وبعد ذلك اليوم تعاملت معها بفتور‏..‏ ورفضت أن أزورها أو تزورني أو أن نخرج معا في نزهة‏..‏ وصارحت زوجي بعدم رغبتي في الالتقاء بها‏..‏ ولم يعلق علي ذلك وتوقفت الزيارات والرحلات التي كانت تجمعنا من قبل إلي أن سمعت فجأة بعد فترة أنها قد طلقت من زوجها وطفلها لم يكمل بعد العامين من عمره‏..‏ وبعد شهور أخري فوجئت بمن تتصل بي تليفونيا وتبلغني بأن زوجي قد تزوج هذه السيدة بعد انقضاء شهور العدة مباشرة‏.‏

ولم أصدق ماسمعته‏..‏ لكن المتحدثة لم تحاول أن تخفي عني أنها حصلت علي رقم التليفون منها هي شخصيا لكي تبلغني بالنبأ السعيد‏,‏ فأغضب لكرامتي وأترك زوجي لتنفرد هي به‏.‏
ياربي زوجي الرجل المحترم يتزوج سيدة من وسط اجتماعي منها ولها أخ شقي ومسجل خطر في الشرطة ؟ ماذا جري في الدنيا ؟ أردت أن أتأكد من هذه الكارثة فطلبت زوجي علي المحمول الخاص به‏..‏ وفوجئت بصوتها اللعين يرد علي وتسألني ببجاحة‏:‏ ماذا تريدين‏!‏ وبغير وعي طلبت منها أن تبتعد عن زوجي فإذا بها تقول لي في تحد إنه زوجها كما هو زوجي ووجدتني أسألها في غيظ‏:‏ هل كنت تصادقينني إذن لكي تسرقي مني زوجي‏..‏ فأجابتني في برود بأنها لم تصادقني في يوم من الأيام‏,‏ ولا تريد أن تربطها بي صلة‏,‏ وأخذ منها زوجي التليفون وطلب مني إغلاق الخط الي أن يلتقي بي‏..‏

وجاءني بعد قليل ليصارحني بأنه قد تورط في الزواج منها عرفيا‏..‏ وأن مافعل خطأ سوف يصححه في أقرب وقت‏,‏ لكني لم أقتنع بما قال وطردته من شقتي التي اشتريتها بجزء من ميراثي عن أبي‏.‏
وأخذ زوجي ملابسه وغادر المسكن وبعد شهر عاد ليقول لي إنه لا يستطيع الحياة بعيدا عني ويطلب مني التحمل الي أن يتخلص من الأخري لأنه قد كتب لها مؤخر صداق قدره‏20‏ ألف جنيه وقائمة أثاث بنفس المبلغ‏..‏ وكل مايرجوه هو الاستمرار معه إلي أن ينجح في سداد التزاماته‏..‏

وأكد لي أنه طلب منها ألا تحمل لكي يسهل عليه التخلص منها في الوقت المناسب‏,‏ لكني عرفت بعد ذلك أنها تحايلت علي الحمل منه وأنه أجهضها‏3‏ مرات في الأسابيع الأولي‏,‏ ثم تفننت بعد ذلك في خداعه حتي استطاعت الحمل منه وأخفت حملها عنه إلي أن بلغت شهرها الرابع وتعذر عليه إجهاضها وهي الآن ياسيدي علي وشك الولادة وقد اكتشفت أنه قد تزوجها زواجا رسميا ودون أن يصارحني بذلك وكلما طلبت منه الطلاق هاج وماج واعتدي علي بالضرب‏,‏ كما أصبح أخوته ووالدته لا يستطيعون الوقوف أمامه وكلما حدثوه في أمري هاج وثار عليهم‏,‏ وهو الآن لا يقوم بواجبه نحوي أو نحو أبنائي ولم أعد أرغب في العيش معه بالرغم من أنني لم أحب ولن أحب أحدا سواه‏,‏ فقد كان أول رجل في حياتي وتزوجته وأنا طالبة في السنة الأولي الجامعية‏..‏ لكني أريد الآن الخلاص منه‏..‏ وقد عزمت علي الانتحار مرتين للخلاص منه‏,‏ ثم تراجعت في كل مرة لخوفي من الله وخوفي علي أبنائي‏..‏ وليس لدي من يقف بجانبي ويحميني منه ويجبره علي الابتعاد عني لأن أبي قد رحل عن الحياة وأخوتي لا يستطيعون الوقوف أمامه؟

ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏
ليست المشكلة ـ كما تحاولين إيهام نفسك ـ هي أنك بلا نصير في الحياة بعد رحيل أبيك‏,‏ وليس هناك من أهلك من يستطيع الوقوف في وجه زوجك وإرغامه علي أن يسرحك بإحسان‏,‏ وإنما المشكلة الحقيقية هي في الخائن الصغير الذي تنطوي عليه جوانحك ومازال ينبض بحبه بالرغم مما جناه عليك ومازال يردك عن التمسك بطلب الطلاق منه بجدية كافية لإقناعه بأنه لا سبيل له ولا مفر إلا أن يطلق سراحك‏.‏
هذه هي المشكلة الحقيقية وليست في أي شيء آخر‏..‏ ولو لم يكن الأمر كذلك لما تقعذر عليك إخراجه من حياتك وإغلاق بابك دونه والإصرار علي الطلاق منه‏..‏ ومنعه من أن يمسك بأذي إلي أن يستجيب لرغبتك‏.‏ ولأنه يعرف فيك ضعفك العاطفي تجاهه‏..‏ ويعلم جيدا أنك لا تطلبين منه الطلاق رفضا له‏,‏ وإنما كوسيلة يائسة من جانبك للضغط عليه لكي يتخلص من الأخري‏,‏ فهو لا يأبه لما يصرح به لسانك‏..‏ ويفتعل الهيام والثورة عليك كلما أشرت إلي الانفصال‏,‏ ويعتدي عليك بالضرب آمنا من كل عقاب أو ردة فعل ملائمة‏,‏ ولو كان قد استشعر جديتك في الطلاق وإصرارك عليه لما فعل شيئا من ذلك لأنه يعلم جيدا أنك تستطيعين الحصول عليه عن طريق القضاء بلا عناء لزواجه عليك من أخري دون موافقتك‏.‏

والكارثة هي أن الأمل الحسير الذي تتعلقين بأن يؤدي ترديدك لنغمة الطلاق من حين لآخر إلي تحقيقه قد أصبح صعب المنال الآن‏..‏ فالأخري علي وشك الولادة‏..‏ والنزوة التي تورط فيها كما زعم لك في البداية قد تحولت إلي زواج رسمي‏..‏ وإنجاب‏..‏ ورابطة لا يسهل فصمها بغير خسائر إنسانية‏..‏ ولقد قلت مرارا إن الهدف المكتوم لكل من يتورط في مثل هذه المغامرة هو أن ينجح في إقناع زوجته الأولي بقبول الأمر الواقع والتسليم به‏..‏ لكي يجمع بعد طول المجاهدة بين الحسنيين‏,‏ فيستمتع بثمار مغامرته العاطفية‏..‏ ويحتفظ في نفس الوقت باستقرار حياته العائلية الأولي وأمان أطفاله منها‏,‏ وبذلك تصبح النزوة الجديدة استزادة خالصة من متع الحياة دون أية خسائر عائلية وإنسانية تؤرق ضميره بشأن الأبناء وتمزقهم بين أبويهم وافتقادهم الإستقرار العائلي‏.‏
وفي سبيل هذا الهدف الجليل‏,‏ فلا بأس بالخداع والوعود الكاذبة بالتخلص من النزوة الجديدة بعد حين إلي أن تهمد ثورة الزوجة الأولي ويخمد بركان غضبها وتتآلف مع الواقع‏..‏

وهذا هو مافعله معك زوجك أنه لن يتخلص من الأخري التي سرقت سعادتك بعد أن حملت جنينه في أحشائها‏..,‏ وحسابها عما فعلت بزوجها وطفلها ثم بك مع دورة الأيام التي تؤكد لنا أن من سرق يسرق ولو بعد حين‏,‏ كما أنك لا تقبلين بالأمر الواقع ولا تستسلمين له‏..‏ فماذا تنتظرين إذن لكي تحسمي أمرك مع زوجك؟‏!‏
ان الخطوة الأولي هي أن تسيطري علي ضعفك العاطفي معه‏,‏ ثم تختاري بعد ذلك لنفسك مايعبر عن إرادتك الحقيقية‏..‏ وليست المصطنقة أم تري أنك سوف تظلين علي موقفك الحالي من زوجك وهو موقف صوره الأديب الروسي العظيم انطون تشيكوف علي لسان الأرملة ليوبوف اندريفينا وهي تتحدث عمن أحبته وخانها وهجرها وتريد اللحاق بالرغم من ذلك لكي تعني به في مرضه فقالت‏:‏

ـ ماأشبهه بحجر ثقيل معلق في رقبتي أراني أهوي معه إلي الأعماق ومع ذلك فإني أحب هذا الحجر ولا أستطيع الحياة بدونه‏!‏
المزيد ....

الحلم الغريب‏!‏

22-02-2002
أنا سيدة متزوجة منذ خمسة عشر عاما ولم ينعم علي الله بالإنجاب‏,‏ ولقد عشت مع زوجي حياة هادئة وصبرنا معا علي أقدارنا التي حرمتنا من نعمة الأطفال‏..‏ إلي أن تزوج أخي منذ عام واحد فتاة عطوفا متدينة ونحيلة الجسم‏..‏ فأحبها أخي وسعد بها‏,‏ وأحببتها كذلك لطيبتها وحنانها‏,‏ وأحبها والدي أيضا ووجد فيها نعم الزوجة لابنه‏,‏ وبعد فترة قصيرة من الزواج حملت زوجة أخي‏..‏ وسعد الجميع بهذا النبأ‏,‏ وترقبت أنا بلهفة موعد ولادتها‏..‏ وأنا أتخيل شكل المولود القادم‏..‏ وكم سأحبه‏..‏ وكم سأدلله‏..‏ وكيف سأصبح‏.‏ أما ثانية له بعد أمه الطبيعية‏..‏ وأحدث زوجة أخي بذلك فتقول لي صادقة إن الله سبحانه وتعالي قد أنعم عليها بصحبتنا لها‏,‏ لأننا نعاملها بأفضل مما يعاملها به الأهل‏..‏ وفي الأسابيع الأخيرة من حملها روت لي أنها قد رأتني في الحلم أساعدها علي ارتداء الفستان الأبيض وطرحة الزفاف‏,‏ وأن هذا الحلم قد تكرر أكثر من مرة مع اقتراب موعد الولادة‏,‏ فضحكت لهذا الحلم الغريب‏.‏ وقلت لها أنه حلم مستحيل لأنها قد تزوجت أخي بالفعل وارتدت الثوب الأبيض وطرحة الزفاف‏,‏ لكنها كررت علي روايتها لهذا الحلم بعد ذلك عدة مرات وأكثرت من الحديث عنه بلا داع إلي أن شغلنا باقتراب موعد الولادة والاستعداد لاستقبال المولود السعيد‏,‏ إلي أن شعرت زوجة أخي بمقدمات الولادة وأسرعنا بها إلي المستشفي‏..‏ ودخلت غرفة الجراحة‏..‏ ووضعت مولودة جميلة تشبه أمها في كل ملامحها‏..‏ لكنها صغيرة الحجم عن المعتاد وفسرنا نحن ذلك بنحافة الأم الشديدة‏,‏ وقيل لنا إنها ستوضع في الحضانة لبضعة أيام قبل أن نستطيع اصطحابها معنا إلي البيت‏..‏ وخلال ذلك خرج إلينا الطبيب الذي أشرف علي ولادة زوجة أخي منفعلا‏,‏ وقال لنا إنها أشرفت علي الهلاك أكثر من مرة خلال العملية‏,‏ لأن قلبها ضعيف ورئتها ليست سليمة‏..‏ وأن هذه الزوجة لم تكن تحتمل الحمل والإنجاب من الأصل‏,‏ ونزل علينا كلامه كالصاعقة‏..‏وشعرنا بالأسف لهذه الشابة الرقيقة‏..‏ ورجعنا بها إلي البيت بعد يومين وتركنا الطفلة في الحضانة لتستوفي فترتها‏..‏ ودعونا لها من قلوبنا بأن تستعيد عافيتها سريعا لتستطيع رعاية مولودتها‏..‏ لكن حالتها تدهورت فجأة بعد أربعة أيام أخري‏..‏ واستدعي أخي سيارة الإسعاف لنقلها إلي المستشفي‏..‏ وصاحبناها فيها وأخي يحنو عليها‏..‏ وأبي يدعو لها بالشفاء‏..‏ وأنا أغالب دموعي‏..‏ وأقرأ لها آيات الذكر الحكيم في سري‏..‏ فلم تكد السيارة
تقترب من المستشفي حتي كانت قد غادرت الحياة‏..‏ يرحمها الله‏..‏ وانفطر قلبي من الحزن عليها وبكيت طويلا‏..‏ وتذكرت حلمها الغريب الذي طاردها خلال الأسابيع السابقة للولادة‏..‏ وفهمت مغزاه الحزين‏..‏
وودعنا الشابة الطيبة العطوف إلي مستقرها الأخير‏..‏

وذهبت في اليوم التالي إلي المستشفي وأخذت المولودة الصغيرة‏..‏ وغمرتها بدموعي وقبلاتي وحبي‏.‏
ومضت الأيام حزينة وثقيلة‏..‏ فلم يخفف عنا شيء من قتامتها إلا وجه هذه المولودة البرئ‏.‏

فلقد أصبحت نورا من السماء دخل حياتي فأضاء كل جوانبها ومضت بي الأيام وأنا أتردد بين حزني علي فراق أمها‏..‏ وفرحي بوجودها في حياتي‏..‏ وأسفي علي أخي الذي وئدت سعادته سريعا وقد عوض الله صبري وحرماني من الأطفال‏15‏ عاما‏..‏ بهذه الهدية الثمينة‏,‏ ووقع حبها في قلبي‏..‏ وفي قلب زوجي منذ اللحظة الأولي لدخولها حياتنا‏..‏ وإني لأرجو الله سبحانه وتعالي أن أحقق فيها حلم أمها القديم وأن يمد الله في عمري حتي يجئ اليوم الذي أضع فيه بيدي طرحة الزفاف علي رأسها وأساعدها علي ارتداء فستانها الأبيض الجميل بإذن الله‏..‏ فادع الله معي أن يمكنني من ذلك وأن يعينني علي إسعاد ابنتي وابنة أخي الوليدة هذه‏.‏
والسلام عليكم ورحمة الله‏.‏

ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏
بعض البشر يستشعرون قرب الرحيل بطريقة غامضة ويتسمعون أجراسه في أعماقهم‏..‏ ويبدو أن زوجة شقيقك الراحلة كانت من هذا النوع من البشر المحكومين بأقدارهم‏,‏ والذين لاتطول غالبا رحلتهم مع الحياة ويخلفون وراءهم دائما أطيب الأثر‏,‏ وما كان حديثها المتكرر عن ذلك الحلم الغريب لك إلا تعبيرا عن مخاوفها الغامضة من دلالاته‏..‏ وإشاراته‏,‏ ولقد أكثرت من الحديث معك عنه كأنما كانت تشعر في أعماقها أنك من سوف تحدب علي وليدتها من بعدها‏.‏ وتكونين لها أما حقيقية بعد أمها الراحلة يرحمها الله‏.‏
وقديما قال بن عطاء الله السكندري‏:‏ قال أهل المعرفة‏:‏ من لم يدبر دبر له‏!‏

وقال أيضا في دعائه‏:‏ اللهم أشهدنا من حسن اختيارك لنا ما يجعل ما تقضيه فينا وتختاره لنا أحب إلينا من مختارنا لأنفسنا‏..‏
وهذه المولودة البريئة هي اختيار الله سبحانه وتعالي لك‏..‏ لكي يعوضك عن حرمانك من الإنجاب وصبرك علي أقدارك وتسليمك بمشيئته‏..‏ طوال خمسة عشر عاما وأنت في نفس الوقت اختياره لهذه الوليدة الذي يعوضها به عمن وهبتها الحياة‏..‏ ورحلت عنها قبل أن تحنو عليها‏.‏

ولسوف يحقق الله عز وجل لك كل ما ترجينه لها‏..‏ ولسوف تملأ حياتك وحياة زوجك بالبهجة والسرور‏..‏ والشواغل الحبيبة إلي أن يتحقق الجانب السعيد من حلم أمها القديم بإذن الله‏..‏
المزيد ....

النظرة الشاملة‏!‏

01-03-2002
وجدت نفسي خاليا لبعض الوقت خلال رحلتي القصيرة إلي إحدي الدول‏,‏ ففكرت في أن أكتب لك هذه الرسالة‏..‏ وهي رابع أو خامس مرة أهم فيها بالكتابة إليك وتشغلني الشواغل فأعدل عن التنفيذ‏..‏ وحين يختلي الإنسان بنفسه بعيدا عن وطنه وأهله قد يجد الوقت للتفكير في حياته‏..‏ لقد قال الله سبحانه وتعالي في كتابه الحكيم وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون وأنا أعبد الله واجتهد في طاعته والالتزام بأوامره ونواهيه‏,‏ وأنتم أيها الأدباء والكتاب تقولون لنا إن غاية الحياة المثلي بعد عبادة الله سبحانه وتعالي هي السعادة‏,‏ أي أن يسعد الإنسان نفسه وأعزاءه ومن هم حوله ويحيا حياة فاضلة‏..‏ وأريدك أن تشاركني التفكير في حياتي‏..‏ والحكم عليها‏..‏ فأنا رجل في السابعة والأربعين من العمر‏,‏ بدأت حياتي العملية منذ‏26‏ عاما حين تخرجت في كليتي‏..‏ وسعي أبي لتعييني في نفس الهيئة الحكومية التي يعمل بها‏..‏ فبدأت بوظيفة مؤقتة بعقد‏,‏ وسعدت بأول مرتب تسلمته في حياتي‏..‏ واشتريت منه لأبي وأمي وأخي الأوسط وأختي الصغري‏..‏ هدايا صغيرة سعدوا بها كثيرا وسعدت بسعادتهم أكثر‏,‏ وبعد عام من عملي بهذه الهيئة عينت بها رسميا وزاد مرتبي عشرة جنيهات ثملت من النشوة والفرح بها‏,‏ وقررت أن تكون هذه الزيادة هي هديتي لأختي وأخي فقسمتها بينهما‏,‏ وأصبح كل منهما يتقاضي مني ستة جنيهات أول الشهر كمصروف له بجانب مصروفه من والدنا وهو عشرة جنيهات‏,‏ كما خصصت لأمي من مرتبي عشرة جنيهات بالرغم من اعتراضها الشديد ومطالبتها لي بادخار كل ما أستطيع ادخاره من مرتبي لكي أبني حياتي‏..‏ واستطيع الزواج بعد سنوات‏..‏ وشعرت بنفسي وبدوري في حياة أسرتي وأنا أفعل ذلك‏..‏ وبعد أسابيع قليلة من تحملي لهذه المساهمة الشهرية اتيحت لي فرصة عمل إضافي في أحد المكاتب المهنية لأربعة أيام في الاسبوع فتحمست لها وعملت فيه بإخلاص وجاء أول الشهر وترقبت المكافأة التي سيعطيها لي صاحب المكتب‏,‏ فإذا به يعطيني ثلاثين جنيها كاملة عوضت كل ما أعطيه لأسرتي وزادت عنه بعشرة جنيهات وواصلت العمل في وظيفتي الحكومية وعملي الاضافي وخلال ثلاثة أعوام كنت قد ادخرت من مرتبي ومكافآت عملي الاضافي بضع مئات من الجنيهات‏..‏ وأصبح صاحب المكتب الذي اعتبره أستاذي يعتمد علي اعتمادا كليا في ادارة أعماله‏..‏ وازدادت خبرتي المهنية وبدأت أفكر في تجربة حظي في عمل خاص بي‏..‏ ففوجئت بأستاذي يعرض علي أن أشاركه بنسبة الثلث في إحدي العمليات الصغيرة علي
أن أتحمل مسئوليتها الكاملة وحدي‏!‏ وكأنما قد قرأ أفكاري فتحمست للفكرة‏,‏ وحصلت علي اجازة بدون مرتب لمدة‏6‏ أشهر وتفرغت لهذه العملية تماما وأقمت في خيمة بموقعها البعيد‏,‏ لا وسائل فيها للراحة‏..‏ وسلمتها في الموعد المحدد‏,‏ ووجدت بين يدي بضعة آلاف من الجنيهات‏..‏
وكنت قد تجاوزت الخامسة والعشرين‏..‏ ولم أعرف فتاة من قبل ولم ارتبط بأية علاقة عاطفية سوي بالنظرات وتبادل التحيات مع الفتاة الصغيرة الطيبة التي تزور أختي من حين لآخر وتبدي اهتمامها بي‏..‏ فوجدت نفسي أفكر فيها لأول مرة‏..‏ وسألت أختي عنها‏..‏ فشجعتني علي الارتباط بها وأثنت علي أخلاقياتها كثيرا‏,‏ وقالت لي أكثر من ذلك إنها مهتمة بي منذ فترة طويلة‏,‏ وتحبني في صمت‏!‏ وطربت لذلك واستشرت أمي فرحبت بالفتاة واشادت بخلقها ونشأتها المتدينة وأبويها الطيبين اللذين يعملان بالتعليم‏..‏ وخلال شهور كنت قد استطعت الحصول علي شقة من غرفتين وصالة في نفس الحي‏,‏ وتزوجنا‏,‏ واستقرت حياتي من الناحية العاطفية‏..‏ ولاحظت بسعادة فرحة زوجتي الشابة بي‏..‏ وبالرفاهية النسبية التي وجدتها في الحياة معي بالمقارنة بحياتها البسيطة في أسرتها‏,‏ وكنت أبتهج كثيرا بفرحتها حين أدعوها للعشاء في فندق كبير وألاحظ بسرور خفي ارتباكها واحساسها بالفخر لوجودها في مكان من هذا النوع‏..‏ واطرب لشكرها لي علي هذا العز كما كانت تقول وكلما لمست ابتهاجها بمثل ذلك تماديت في إسعادها‏..‏ وادخال السرور إلي قلبها‏..‏ وشكرت ربي علي توفيقي في عملي وفي حياتي الخاصة‏,‏ وحين أنجبنا مولودنا الأول اكتملت سعادتنا‏..‏ ولم تخف زوجتي فخرها أمام عائلتها برعايتي لها وإصراري علي أن تلد في مستشفي استثماري كبير‏..‏ وكانت الفرحة تملأ وجهها وهي تنتقدني علي إسرافي والمبلغ الكبير الذي حصل عليه المستشفي‏..‏ وتتباهي بالشكوي من ذلك لأبيها وأمها‏..‏ واطرد نجاحي في عملي واستقلت من الهيئة الحكومية لاتفرغ له‏,‏ وأصبحت شريكا بالنصف في المكتب المهني وتحملت معظم العمل فيه وتنقلت بين المواقع المختلفة في الشمال والجنوب والشرق والغرب‏..‏ وتحسنت أحوالي المادية كثيرا‏..‏ فانتقلت من شقتي الصغيرة في الحي الذي نشأت فيه إلي شقة‏250‏ مترافي مدينة نصر‏..‏ وأنجبت بعد مولودي الأول بنتين‏..‏ وأحيل أبي إلي المعاش فألحقته بالعمل معي في حسابات المكتب‏,‏ وتزوجت اختي الصغري وتكفلت بكل نفقات زواجها وتزوج شقيقي الأوسط بمساعدتي كذلك وسافر إلي إحدي الدول العربية‏..‏ وضاق مسكن أبي وأمي بالأبناء وزوجاتهم والأحفاد حين يجتمعون فيه‏..‏ فنقلتهما إلي شقة جميلة وواسعة في نفس الشارع الذي أقيم فيه وأصبحنا نجتمع فيها يوم الجمعة كل اسبوع حين أكون في القاهرة‏.‏ وتواصل نجاحي واتساع أعمالي عاما بعد عام‏..‏ ورحل أستاذي عن الحياة يرحمه الله
وطلبت مني أرملته أن أشتري نصيبه في المكتب لعدم وجود من يحل محله فيه من أبنائه فاشتريته بزيادة عن أعلي عرض تلقته هي‏20%‏ اعترافا بفضل الرجل علي ومساعدته لي في بداية حياتي‏..‏ واتسع مجال العمل أمامي بلا حدود‏,‏ فبدلت مسكني للمرة الثالثة‏..‏ وانتقلت إلي شقة مساحتها‏400‏ متر في أرقي الأحياء‏,‏ وبدلت لزوجتي سيارتها بأحدث الموديلات‏..‏ ونقلت أبنائي إلي أحسن المدارس وأغلاها واشتريت شقة في الساحل الشمالي‏..‏ وأخري في الغردقة‏..‏ ورضيت عن نفسي وعن نجاحي وكل شيء فيما عدا شيئا واحدا فقط هو حياتي الخاصة‏!‏
فمنذ أن استقللت بالعمل في المكتب قبل سبع سنوات وازداد حجم عملي‏..‏ وعرفت حياتي العائلية الثراء والوفرة بدأ الفتور يتسرب إلي نفس زوجتي‏..‏ وبدأ الجفاء والصمت والتحفظ يسود علاقتها بي كما بدأت ألحظ عليها بعدها النفسي عني وفتور حماسها لكل الأشياء‏,‏ وعدم رضاها الدائم مهما قدمت لها ومهما فعلت‏,‏ وعدم تقديرها لأي عطاء أقدمه لها أو للأبناء أو البيت‏..‏ وانتقاصها المستمر لكل عطاء‏..‏ وخيبة أملها المستمرة لأن كل ما أفعله يجيء أقل مما كانت تتوقعه‏..‏ أو مما استطيع أن افعله‏..‏ وبعد أن كانت تفرح بأبسط الأشياء وتشكرني بحرارة عليها‏..‏ أصبحت إذا قدمت لها مثلا في عيد ميلادها حلية ماسية ببضعة آلاف لا تجود علي إلا بكلمة شكر مقتضبة‏..‏ وقد تخونها حتي الابتسامة المتكلفة في هذه المناسبة‏,‏ فتظل علي تجهمها وفتورها‏..‏ وكأن ما فعلت كان واجبا علي ولا شكر علي واجب‏!,‏ وإذا دعوتها للسفر مع الأبناء في اجازة استجابت بغير حماس وكأنها تتفضل علي بقبول الدعوة‏!‏ وإذا اشتريت لها خلال سفري للخارج حقيبة كاملة من الملابس والمشتريات‏..‏ استثارت اهتمامها بعض الوقت ثم رجعت إلي جمودها من جديد وليس بعيدا أن تلومني بعد قليل علي نسيان شيء كانت قد طلبته أو كانت تتوقعه مني ولم أحضره‏!‏ فهناك دائما شيء ناقص في كل ما أفعله أو أقدمه لها أو لأسرتي وأبنائي‏..‏ وهناك دائما من يفعل أكثر مما أفعل‏,‏ ويقدم لزوجته وأبنائه أكثر مما أقدم‏,‏ ومن يحسن معاملة الزوجة أحسن مما أفعل‏!‏ وعلي دائما أن أشقي وأكد‏..‏ وأجتهد لكي اتطلع إلي بلوغ هذا المثل الأعلي للزوج الذي لا أبلغه أبدا‏!‏ فإذا سألتني وهل بلغت هي في المقابل المثل الأعلي للزوجة؟ لقلت لك إنها كانت كذلك خلال حياتها البسيطة السابقة‏,‏ فهي طيبة ومتدينة وحريصة علي علاقاتي العائلية وخاصة مع أمي بعد رحيل أبي يرحمه الله وأختي وهي مازالت صديقتها الوحيدة حتي الآن وأخي‏,‏ أما الآن فلم أعد أجد منها سوي محافظتها علي علاقتها الطيبة بأهلي‏..‏ وفروضها الدينية‏..‏ والفتور العام تجاه كل ما يتعلق بي‏..‏ والاستعداد الدائم للومي وانتقاصي واتهامي بإساءة معاملتها وإشعاري المستمر بالتقصير في حقها وحق الأبناء وحق الجميع بلا استثناء‏..‏ فإذا كانت تأخذ علي انهماكي في العمل‏..‏ فإن هذا الانهماك نفسه هو الذي صنع لها هذه الحياة المرفهة التي تعيشها الآن‏..‏ ومهما بلغت من انشغالي بالعمل‏,‏ فإني أرجع إلي زوجتي وأبنائي في نهاية اليوم وأهتم بأمرهم
وأتابع شئونهم‏..‏ وأقضي كل العطلات معهم‏..‏ واصطحبهم للسفر من حين لآخر في اجازة قصيرة إلي الشواطيء والمشاتي‏..‏ وأتصل بهم بالتليفون عدة مرات كل يوم من أي مكان‏..‏ كما أنني فوق كل ذلك رجل ملتزم من الناحية الاخلاقية‏,‏ وكم صمدت من قبل ومازلت ـ أمام الإغراءات النسائية والمغريات‏..‏ ولست كغيري ممن يقبلون بالعبث أو يبحثون عن المغامرة‏..‏ أو يغريهم تحسن احوالهم المادية بممارسة لعبة الزواج والطلاق أكثر من مرة كما يفعل آخرون‏..‏ فماذا أستطيع أن أفعل لكي أنال رضا زوجتي السامي عني؟ وأعيش حياة خالية من الكدر والمنغصات؟ إنها ليست بلهاء وتعرف جيدا انني قد أكون هدفا سهلا لغيرها من النساء وأن إمكاناتي تسمح لي بالتجربة وتحمل النتائج‏..‏ لكن هذا ليس طريقي في الحياة‏,‏ وقد وعيت جيدا درس العبث ومغامرات الزواج والطلاق التي تورط فيها بعض الناجحين من قبل فجرتهم للهلاك والفشل‏,‏ كما أنني مشغول عن البحث عن مغامرة عاطفية بما هو أهم منه من مشاكل الحياة فكيف بالله عليك لا تعينني زوجتي علي الاكتفاء بها؟ علما بأنها ستنهار انهيارا تاما إذا طلقتها أو إذا تزوجت عليها؟ وستعود إلي حياتها البسيطة السابقة‏..‏ ومهما كنت كريما معها بعد الانفصال فلن تجد ما تجده معي الآن من رفاهية‏..‏ وحياة سهلة فلماذا تدفعني دفعا إلي الانفصال عنها بعد أن شارف الأبناء سن الشباب؟ إنني أستطيع أن أطلقها بسهولة وأتحمل كل الالتزامات المادية‏,‏ وأستطيع أن أجد من ترحب بي وتعتبرني هذا المثل الأعلي للزوج الذي تشعرني زوجتي ببعدي عنه بعد السماء عن الأرض‏,‏ لكني لن أفعل ذلك إلا إذا فقدت كل أمل في الإصلاح لاني أفضل الحياة العائلية الهادئة وأكره أن يعرف عني الطلاق والزواج أكثر من مرة وزوجتي لا تقدر لي حتي هذا التمسك بها بالرغم مما أشعر به من تعاسة شديدة معها طوال السنوات الأخيرة‏,‏ حيث كثرت خلالها مصادماتنا الصامتة‏..‏ أو الصارخة وخصامنا‏..‏ وتكبرها علي الاعتذار عن الخطأ أو الاعتراف به‏..‏ وإني لأتساءل متعجبا في كثير من الأحيان‏:‏ أين ذهبت الفتاة الطيبة التي أحببتها من أعماق قلبي سنوات طويلة بعد الزواج وكانت تسعد بأبسط الأشياء وتفرح بها‏..‏ وتحمد الله كل لحظة علي ارتباطها بي‏..‏ وما معني النجاح والثراء إذا شعر الإنسان بالتعاسة والوحدة النفسية والعاطفية علي الدوام في حياته الخاصة؟ وهل لديك حل‏..‏ أو تفسير؟

ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏
قد يكون لدي تفسير أو ما يشبه التفسير لبعض ما تشكو منه‏.‏ ذلك أن قليلين من البشر هم الذين لا يغفلون عن شكر ربهم علي نعمه الجليلة عليهم‏..‏ ويستكثرونها علي أنفسهم فيدفعهم ذلك إلي استعظامها‏..‏ وتقديرها حق قدرها والامتنان لخالقهم عليها‏.‏ وهؤلاء يجدون دائما أنه من كمال الشكر لله عنها أن يشكروا من أجري نعمته هذه علي أيديهم ويؤمنون بما جاء به مضمون الحديث الشريف الذي يقول من لم يشكر الناس لم يشكر الله‏.‏
فإن لم يتسلح المرء بهذا الاستعداد النفسي لشكر خالقه كل يوم وكل لحظة‏,‏ علي نعمه الجليلة أيا كان نصيبه منها فقد حماسه للأشياء‏..‏ وصغر في عينيه ما يبدو للآخرين عظيما‏,‏ وتطلع إلي المزيد بدلا من استكثار الموجود‏..‏ واتهم الحياة بالتقصير في حقه بدلا من الاعتراف لها بالسخاء عليه‏..‏

ولست أستطيع أن أحكم علي الأسباب الحقيقية لفتور روح زوجتك وفقدها حماسها القديم للأشياء إلا في إطار بعض القواسم المشتركة بين البشر‏..‏ ومنها أن يتعامل بعض شركاء الحياة مع الطرف الآخر بمنطق معلم المدرسة الذي يتوقع من تلميذه دائما نتيجة أفضل مما حققه مهما اجتهد التلميذ أو تفاني في الكد والاجتهاد‏..‏ وبدلا من تهنئته بما يعتبره هو اجتهادا يتطلع إلي تقديره والثناء عليه‏,‏ يفاجأ بمن يشعره بخيبة أمله فيه‏,‏ وتوقعه لما هو أفضل مما فعل‏..‏ ولقد يضن عليه بكلمة التشجيع والثناء اعتقادا منه أن في الابتهاج بما حقق قد يضعف همته‏,‏ ويقعده عن مواصلة الاجتهاد‏..‏ وهو اعتقاد خاطيء بكل تأكيد‏,‏ لأن بخس الناس أقدارهم خاصة من جانب شركاء الحياة لبعضهم البعض‏,‏ لا يدفعهم للاجتهاد للوصول إلي الغايات القصوي للأشياء أو لبلوغ المثل الأعلي المزعوم للشريك وإنما يحبطهم ويملأ نفوسهم بالمرارة‏.‏ ويقبض أيديهم عن مواصلة العطاء‏..‏ ويذكرهم بمعان كريهة كالجحود والنكران والميل الدائم لانتقاص أقدار الآخرين والاستهانة بعطائهم‏..‏ والضن عليهم بما يستحقون من تقدير وتكريم‏.‏ وليس من المنتظر أن تظل زوجتك بعد اعتيادها الحياة الناعمة علي نفس انبهارها القديم بالأشياء عند ممارستها لها للمرة الأولي في حياتها‏,‏ ذلك أن آفة كل شيء هي اعتياده واعتباره بعد حين من مألوف الحياة‏,‏ لكن ذلك لا يحجب عن أعين أصحاب النفوس الشاكرة حقائق النعم التي يرفلون فيها‏..‏ ولا يمنعهم من تقديرها حق قدرها‏..‏ وشكر خالقهم عليها وأحلها بكل تأكيد بالنسبة لزوجتك الآن نعمة الأبناء وسلامتهم ونجابتهم والحياة العائلية المستقرة‏,‏ والصحة والزوج المخلص لزوجته برغم المغريات والتمسك بها بالرغم من شكواه والحياة الكريمة والإمكانات السخية‏..‏ ولابد لها أن تعرف أن فشل الروح من أخطر ما يهدد سعادة الإنسان‏,‏ وهو الحال التي يفقد فيها الانسان قدرته علي الاستمتاع بالقدر المتاح له من السعادة والأشياء الجليلة والجميلة المحيطة به‏..‏

لأنه كما يقول الشاعر العربي‏:‏
من يك ذا فم مريض
يجد مرا به الماء الزلالا

ولهذا فإن واجبها تجاه نفسها قبل أن يكون تجاه زوجها وأبنائها أن تتوقف لكي تعيد النظر إلي حياتها وتسعد بها وترضي عنها وتستعين علي ذلك باسترجاع علامات الطريق الذي قطعته مع زوجها منذ البداية لكي تحسن تقدير الانجاز الذي حققته معك وترضي عنه ولا تغفل عن شكر خالقها عليه‏..‏ وتبذل كل الجهد لبعث الحرارة في نفسها وبالتالي في علاقتها بزوجها‏..‏ وتعديل سلوكها معه‏..‏ واستعادة حماسها للأشياء والحرص علي شريك الحياة‏..‏ والتجاوب العاطفي معه‏..‏ وحمايته من الإغراءات المحيطة‏..‏ وتحصينه ضدها‏..‏ والتفكر في الأخطار المتوقعة إذا ظلت سادرة في فتورها وتحفظها وجمودها وتكبرها غير المبرر وفي تعاملها مع زوجها وكأنه واقع غير قابل للتحول أو الانصراف عنها إذا تملكه اليأس منها‏,‏ لأن كل شيء قابل للتغير إلا قانون التغير كما قال الفيلسوف الإغريقي في الزمن القديم‏..‏ ومن حسن الفطن ألا يتمادي المرء في الاعتماد علي الثقة العمياء في عدم قدرة الآخرين علي التخلص منه إذا هو تمادي في الضغط عليهم‏..‏ والإساءة إلي مشاعرهم‏..‏ وإحباطهم إذ لا ينفع الندم بعد وقوع الكوارث ولا تجدي محاولات الإصلاح بعد فوات الأوان‏.‏
أما أنت فإني أحيي فيك استقامتك الخلقية ونأيك عن العبث والمغامرات وصمودك في وجه الإغراءات‏,‏ والتزامك الديني وتفضيلك للحياة العائلية المستقرة بعيدا عن تجارب الزواج والطلاق المتكررة‏..‏ وأطالبك ببذل الجهد للإصلاح حرصا علي سعادة الأبناء وتحقيقا لأهدافك في الحياة العائلية الفاضلة‏,‏ وبتخصيص الوقت الكافي لزوجتك وأبنائك وحياتك الأسرية‏,‏ لأن النجاح العملي في الحياة بغير السعادة الشخصية والعائلية يفقد الكثير والكثير من جدواه وقيمته‏,‏ واطالبك كذلك بأن تنظر الي حياتك وما حققته فيها نظرة شاملة‏,‏ لترضي عن كفاحك وبرك بوالديك واخوتك‏,‏ وتوفيقك في الحياة العملية‏..‏ وسعادتك بأبنائك‏..‏ وخلو حياتك من المآسي الإنسانية والمرضية والاختبارات المؤلمة‏..‏ والحمد لله‏..‏ بل وأيضا إلي اعترافك لزوجتك بفضائلها الأخري كتدينها وحرصها علي أبنائها وواجباتها تجاه أسرتك‏..‏ وحبذا لو استعنت بشقيقتك‏,‏ وهي صديقتها القديمة ـ علي حثها علي تفادي أسباب الشكوي والكدر حياتك معها‏,‏ فتكشف لك النظرة الشاملة عن كثير مما ترضي عنه وينبغي لك شكر خالقك عليه‏..‏ وتتجاوز عن بعض النواقص التي لا تخلو منها حياة‏,‏ لأن لكل إنسان من حياته ما يرضيه ويسعده وما يشقيه ويشكو منه في كل الأزمان‏,‏ ولا تكتمل اللوحة أبدا لأحد من بني البشر من كل الجوانب والتفاصيل الصغيرة‏..‏ وإنما لابد دائما من بعض النواقص فارض عن توفيقك في الحياة العملية‏,‏ واجتهد من جانبك في محاولة تجنب أسباب الخلاف معها‏,‏ وتفادي استثارة حساسياتها القديمة بعدم التركيز في حديث معها علي الجانب المادي من الحياة أو عن عطاياك لها لكيلا تسيء هي فهم ذلك وتعتبره منا عليها‏..‏ وقد لا يكون القصد من حديثك سوي تذكيرها بما أنعم الله عليكما به لكيلا تغفل عنه واقناعها باعتزازك بها وليس المن عليها‏..‏ وهي علي اية حال تعتبر نفسها شريكا مؤسسا لك فيما حققت من نجاح‏..‏ لكنها ربما لعارض نفسي أو بيولوجي عابر يتعلق بأزمة منتصف العمر لدي المرأة تغفل فقط عن بعض مالا ينبغي لامرأة ذات فطنة أن تغفل عنه في مثل ظروفها‏..‏ وظروفك‏.‏
المزيد ....

أغصان الشجرة‏!‏

08-03-2002
أنا طبيب شاب في التاسعة والعشرين من عمري نشأت في أسرة متعاطفة متدينة بين أب رحيم بمعني الكلمة ومثقف وأم حنون متعلمة‏,‏ وأخ يكبرني ويعمل مديرا بإحدي الشركات الكبري وأخت تصغرني ببضع سنوات‏,‏ وقد تمنيت منذ صغري أن أكون طبيبا فاهتممت بدراستي وأحببتها‏,‏ واخترت أن أكون إنسانا خدوما لا أتأخر عن تقديم أي خدمة استطيعها لمن يطلبها مني‏,‏ وأنهيت دراستي وبدأت سنة التدريب العملي وحصلت علي دبلومين دراسيين بعد التخرج‏,‏ وكم كانت فرحة أهلي حين عينت معيدا بالكلية وبالقسم الذي أحبه‏..‏ فبدأت الاستعداد لدراسة الماجستير واخترت موضوعا يفيد المرضي ووافقني عليه أساتذتي‏,‏ لكنه كان يتطلب تكاليف باهظة‏,‏ للبحث العلمي فتم التنسيق بين كليتي وبين مركز البحوث‏,‏ وأصبحت أعمل في الصباح بمستشفي الجامعة‏,‏ وأقضي بقية اليوم في أكاديمية البحث العلمي‏,‏ وكنت قد ارتبطت عاطفيا بزميلة لي وتمت خطبتنا فبدأ أهلي يطلبون مني التعجيل بالزواج‏..‏ خاصة وأنه قد تخرجت خطيبتي‏,‏ وحصلت أنا علي الماجستير‏..‏ وعملي في الكلية موضع رضا أساتذتي وكل شيء يدعو للابتهاج والتفاؤل واستجبت لرغبة الأهل وبدأت مع خطيبتي في انهاء عش الزوجية والاستعداد للزفاف فإذا بي اسقط مغشيا علي وأنا أقوم بفحص أحد المرضي وأفقت من غيبوبتي فوجدتني ممددا فوق أحد أسرة المستشفي الذي أعمل به‏..‏ وبجواري عدد من زملائي الأطباء‏..‏ وفوجئت بأقربهم إلي يبلغني بأن مستوي السكر لدي يبلغ خمسة أضعاف المعدل الطبيعي‏,‏ وأنه سبب هذه الغيبوبة المفاجئة‏!‏ وتساءلت متألما سكر في هذه السن؟ ثم سرعان ما استعدت توازني‏..‏ واعانني علي ذلك التفاف الأهل والأصدقاء حولي‏..‏ لكني فوجئت بعد ذلك بفتور خطيبتي تجاهي وفوجئت بها تكثر من الحديث المتشائم معي عن المشاكل الصحية المتوقعة في المستقبل بالنسبة لمرضي‏..‏ والمضاعفات‏..‏ والمحاذير الخ‏..‏ وكأنني مريض تفحصه ولا تربطها به صلة ولست خطيبها‏..‏ وأدركت الموقف المؤلم‏..‏ وأحسست بالمرارة‏..‏ وخلال فترة قصيرة كانت قد انسحبت من حياتي تاركة وراءها غصة في النفس والقلب‏,‏ وكمحاولة من جانب أبي لأن يخفف عني بدأ يلح علي في أن ارتبط بابنة أقرب أصدقائه إليه‏..‏ ولم أجد ما يمنعني من الاستجابة لرغبته خاصة وأنها فتاة مهذبة وزوجة صالحة لمن يرتبط بها‏.‏ وبدأنا نتحدث في الأمر مع والدها‏..‏ ووجدت من واجبي أن أصارحه بمرضي فأبلغته به‏..‏ فانفرد بي جانبا وأبلغني بطريقة مهذبة انني إذا أصدرت علي هذا الارتباط فلن يعارضه لكنه يفضل لو جاء التراجع أو الرفض من جانبي أنا‏..‏ وليس من ناحيته حرصا علي صداقته لأبي‏..‏ وأبت علي كرامتي أن استغل حرج والد الفتاة من أبي واستمر في مشروع الخطبة فعزفت عنها دون ابداء اية أسباب لأبي‏..‏ لكني تساءلت ممرورا وهل ضمنت خطيبتي الأولي أو الثانية ألا يصاب من ترتبط به برباط الزوجية بالمرض في المستقبل؟ وهل الزواج هو مجرد علاقة جسدية أو مادية فقط‏..‏ وسلمت أمري لخالقي وعرفت أن الله سبحانه وتعالي سوف يعوضني خيرا وأسدلت الستار علي موضوع الارتباط والزواج في حياتي‏..‏ وانخرطت في العمل باهتمام مضاعف‏..‏ وكرست كل وقتي له وزاد دخلي كثيرا والحمد لله‏..‏ وبدأت في التفكير في انشاء مركز صغير متخصص في مجالي‏..‏ وشجعني أبي أكرمه الله علي هذا المشروع وساعدني عليه ماديا‏..‏ واشركت معي أخلص أصدقائي‏..‏ وحصلنا علي المكان‏..‏ وتعاقدنا علي الأجهزة‏..‏ واحتاج الأمر إلي بعض عمليات الهدم والبناء الداخلية ورشح لنا الأصدقاء احدي الشركات المتخصصة في هذا المجال وطلبنا موعدا مع مسئول هذه الشركة وذهبنا إليه فإذا به مهندسة شابة جميلة ومريحة‏..‏ وتم الاتفاق وبدأ تنفيذ الأعمال‏..‏ ووجدتني أتردد علي المكان كثيرا‏..‏ واختلق الاعذار والأسباب لأتصل بالمهندسة المشرفة واتحدث إليها‏..‏ وسلمت داخليا أن ينبوع الحب المحبوس داخلي قد تفجر منذ رأيت هذه المهندسة وتعاملت معها‏..‏ وانتهت الأعمال‏..‏ وشعرت بأن الفرصة تضيع من بين يدي فتجرأت وسلمتها ورقة صغيرة أعبر لها فيها عن مشاعري الصادقة وأسألها عن رأيها في‏.‏ وفي المساء اتصلت بها متوجسا وحدثتها فبكت وصارحتني بأنها تبادلني مشاعري لكني استحق من هي أفضل منها لأنها مطلقة ولديها طفلة صغيرة‏,‏ وانهت المكالمة دون أن تدع لي أي مجال للمحاولة معها واتصلت بوالدها فوجدته يعرف بما حدث وروي لي عن سوء حظها في زواجها السابق وكيف تزوجت من اختاره هو لها وهو ابن أحد أصدقائه ولم يكن يعرف الكثير عن هذا الابن‏,‏ وكيف تبين بعد الزواج بثلاثة أسابيع فقط ولسوء الحظ أنه مدمن وكيف انتابته حالة هياج مدمرة ضربها خلالها بعنف شديد فكسر يدها واصابها اصابات متعددة فرجعت إلي بيت أبيها وطلبت الطلاق وحصلت عليه‏,‏ وبعد شهرين فقط من الطلاق مات زوجها السابق بجرعة زائدة لكنها كانت قد اكتشفت انها حامل‏,‏ ورفض هو أي محاولة لاجهاض ابنته‏..‏ واعتبر مولودتها حين جاءت إلي الحياة أختا صغري لها‏..‏ وتقدم لها بعد الطلاق كثيرون لكنها عزفت عن الزواج تأثرا بمرارة تجربتها الوحيدة معه‏.‏ وشعرت أنا بأن تمسكي بها قد ازداد عمقا بعد أن عرفت كل ذلك عنها وطلبت من والدها أن التقي بها في بيته وقابلتها عدة مرات واحببت طفلتها الصغيرة وتعلقت بها‏,‏ وعرضت الأمر كله علي شقيقي الأكبر فباركه وتعرف علي تلك السيدة الشابة واحبها واحترمها‏..‏ وعرفتها بأبي وأمي وأختي فأحبوها ورحبوا بها وتنبهت إلي انني لم اخبرها بعد بمرضي‏..‏ وربما لانني خشيت أن تتركني إذا عرفت؟ واستخرت الله سبحانه وتعالي وصارحتها فبكت وتساءلت‏..‏ وماذا لو كانت هي التي مرضت بهدا المرض‏..‏ أكنت سأتركها وأنصرف إلي غيرها؟‏..‏ ثم شاركتني الاهتمام بأسلوب الغذاء والرعاية والمتابعة لدي الطبيب المعالج بحب ومودة‏..‏ وأحسست بطعم السعادة الحقيقية معها وبمجرد رؤيتها وسماع صوتها‏,‏ وحانت اللحظة الحاسمة لابلاغ أبي وأمي وأختي بظروفها الاجتماعية كمطلقة وأم لطفلة صغيرة‏,‏ فلم تغير والدتي وأختي رأيهما فيها‏..‏ أما والدي الحبيب فلقد رفض ارتباطي بها بعنف شديد قائلا لي‏,‏ انني قد خنت الثقة ولم أصارحهم بظروفها منذ بداية التعارف وها هو ما أعترف به بالفعل لانني لو كنت قد صارحتهم بالتفاصيل في البداية لما سمحوا لي بتقديمها إليهم ولضيقوا علي الخناق حتي لا أعرفها‏,‏ وحاولت مع أبي مرارا وتكرارا أن يعدل عن موقفه ويبارك رغبتي في الارتباط بهذه السيدة وحاول أخوتي وأمي فأصر علي رفضه وهددني بمقاطعتي وقطع صلة رحمي إذا تزوجتها‏..‏ فأبلغته انني لا أستطيع الاقدام علي شيء دون موافقته ومباركته ودعائه لي كما أن والد فتاتي كذلك يأبي لها ذلك لأنها لا ينقصها أي اعتبار ولم تخطئ في شيء وليس بها عيب وإذا كان ثمة خطأ في الأمر كله فهو خطؤه هو في سوء اختيار ابن صديقه لها دون أن يتحري حقيقة شخصيته وظروفه ولقد كررت المحاولة مع أبي من جديد وسألته عما سيكون عليه الوضع لو كانت اختي هي التي واجهت نفس هذه الظروف‏,‏ فنهرني قائلا‏:‏ إنه سوف يحسن لها الاختيار بحيث لا تتعرض لمثل هذه الظروف إن شاء الله‏,‏ انني ارجوك أن تساعدني في اقناع أبي الحبيب بأن يدخل البهجة والسرور إلي قلبي وأن يبارك هذا الزواج لكي ننعم جميعا بالحب والرحمة والمودة التي زرعها الله في قلوبنا‏..‏ وهو من قرائك الدائمين ويحترم آراءك فهل تفعل ذلك من أجل شاب محب وسيدة شابة أمينة يرغبان في أن يقضيا أيام العمر معا؟
ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏
لا خلاف علي أنك قد أخطأت بتعمدك إخفاء حقائق الظروف الاجتماعية للسيدة الشابة التي ترغب في الارتباط بها عن أبيك منذ بداية تعرفه عليها‏.‏ ولا يشفع لك في ذلك تخوفك من أن يرفضها علي التو إذا عرف بظروفها في تبرير هذا الخطأ‏,‏ لهذا فهو محق تماما في احساسه بأنك قد حاولت استدراجه للقبول بارتباطك بها بغير أن تضع أمامه كل الحقائق الصحيحة عنها‏..‏ ومحق كذلك في استنكاره لهذا التصرف من جانبك لأنه يتعارض مع الثقة التي يمنحها الأب لابنه‏..‏ ومع أمانة هذا الابن في عرض الأمور عليه فالحقيقة خير دائما من أي زيف‏..‏ وفارق كبير بين أن يختلف الأب مع ابنه في تقديره لبعض الأمور اعتمادا علي الحقائق الصحيحة‏..‏ وبين أن يستدرجه هذا الابن لتأييد بعض المواقف أو الاختيارات بالتعمية علي بعض الحقائق أو اخفائها‏.‏ ففي الحالة الأولي يكون الأمر خلافا مشروعا في الرأي والرؤي بين الأب وولده أما في الحالة الثانية فإنه يكون خطأ أخلاقيا مؤسفا من جانب الابن في حق أبيه ولهذا كله فأنت مطالب أولا وقبل كل شيء بالاعتراف لأبيك بهذا الخطأ والاعتذار عنه‏..‏ ومن ثم يبدأ الحوار حول رؤية كل منكما لمن ترغب في الارتباط بها‏.‏
وفي كل الظروف والأحوال فلابد أن نسلم بأن دوافع أبيك للاعتراض علي هذا الاختيار هي في الأصل دوافع تتعلق بحدب هذا الأب عليك‏..‏ وحرصه علي سعادتك الشخصية من وجهة نظره ورغبته في سعادتك وفقا لمفاهيمه واستطرادا لأمنية كل أب لأن ينال ابنه دائما أفضل عطايا الحياة والحد الأقصي من الأشياء ومن زاوية الرؤية هذه فإنه يري أن هذا الزواج ليس الاختيار الأمثل لك لأنه يتضمن تنازلا عن الحد الاقصي للأشياء وقبولا بعبء عائلي لا يري أن ظروفك كشاب لم يسبق له الزواج تضطرك للقبول به وهو طفلتها الصغيرة غير أنه لا يغيب عن حكمة أبيك في الوقت نفسه أن السعادة مطلب عزيز المنال‏,‏ وأنه إذا استشعر الإنسان صدق الحب والرغبة في السعادة مع طرف آخر تتوافر فيه كل المزايا والفضائل الأخري ولم يكن هناك ما ينكره البعض عليه سوي مثل هذه الظروف الاجتماعية التي قد تتعرض لها أي فتاة كريمة رغما عنها‏..‏ فإن الحكمة تطالبه بالنزول عن بعض هذا الحد الاقصي من المطالب من الحياة وبالقبول بما يحقق له الأمل في الهناء بغير أن يتوقف كثيرا أمام هذا الاعتبار‏..‏ كما أن الانصاف أيضا يقتضي من أبيك الرحيم كذلك ألا يركز بصره فقط علي ما تنازل عنه ابنه في سبيل الفوز بالسعادة في هذا الارتباط‏,‏ وأن يمد بصيرته أيضا الي الطرف الآخر في هذه القصة ليعترف لهذه السيدة الشابة أنها هي الأخري لم تكن أقل استعدادا لتقديم القرابين في سبيل نيل الحب والسعادة والأمان‏..‏ فهي لم تتوقف علي سبيل المثال أمام ما سبق أن توقفت أمامه خطيبتك السابقة وحطمت من أجله مشروع الارتباط القديم‏..‏ وتوقف أمامه أيضا صديق والدك الحميم وأشفق علي ابنته منه وإذا كان والدك يشفق عليك من عبء الطفلة الصغيرة‏..‏ فإن حكمته لابد وأنها تدرك كذلك أن ما قد يراه من يحكم علي الأمور بالمنطق المجرد عبئا وهو هذه الطفلة الصغيرة قد يكون في رؤية المحب الراغب بشدة في السعادة مع أمها امتدادا لحبه لها وليست عبئا انسانيا كما يتصور‏,‏ والمفكر الفرنسي الكبير فولتير يقول إن من أحب الشجرة أحب أغصانها‏!‏ وهذه الطفلة الصغيرة هي الغصن الذهبي لشجرة هذه السيدة الشابة فإذا صدق حبك لها صدق بالضرورة حبك لابنتها‏..‏ وامتد إليها‏.‏
وبحسن المعاشرة تدوم المحبة كما يقول لنا المفكر الامريكي ايمرسون وليس بمثالية ظروف الطرفين ولا بخلوها من اية أعباء انسانية ولا بتوافقها مع الحدود القصوي للأشياء‏,‏ فإذا لم يكن لدي أبيك من الاعتبارات الأخري ما يعترض عليه سوي ظروف هذه السيدة الشابة كمطلقة وأم لطفلة‏..‏ وتوافرت فيها كل الشروط والمزايا الأخري وكان الحب متبادلا وصادقا‏..‏ والرغبة في أن يعوض كل منكما الآخر عما ينقصه ويشد أزره في الحياة ويعينه علي أمره‏,‏ حقيقية ومخلصة فلابد أن تنجح عشرتكما وتثمر ثمارها الطيبة بإذن الله‏..‏ غير أن كل ذلك لن يتحقق لك إلا إذا استكملت أسباب الأمل في السعادة الشخصية بنيل رضاء أبيك ومباركته لاختيارك وحياتك وثق من أنه لن يضن عليك بتأييده لك إذا كانت كل الاعتبارات الأخري متوافرة في شخصية فتاتك وإذا استشعر كذلك انك مستمسك بهذا الاختيار إلي النهاية‏..‏ ستظل صابرا ومتصبرا إلي أن يشفق عليك من أن يحرمك إلي ما لا نهاية في سعادتك ولاشك في أن والدك ممن يقدرون جيدا نعم ربهم الجليلة عليهم ويعرفون تماما أن من أجل هذه النعم أن يكون للمرء أبناء راشدون‏,‏ زمام أمورهم بأيديهم ويستطيعوا أن يفعلوا بحياتهم ما يشاءون لكنهم يقبضون علي قيمهم الدينية كما يقبض المرء علي الجمر ولا يجرؤون ـ حبا وكرامة ـ علي الخروج علي طاعة آبائهم وأمهاتهم ولا تهنأ لهم حياتهم إلا إذا استشعروا رضاء الأهل الأقربين عليهم‏..‏ ومباركتهم لاختياراتهم‏!‏
المزيد ....

الرجل الضعيف‏!‏

15-03-2002
أكتب إليك هذه الرسالة استكمالا لموضوع سبق لي أن استشرتك فيه‏..‏ وسوف أذكرك به‏..‏ فأنا ياسيدي زائر الليل الذي زارك في مكتبك منذ بضع سنوات بعد منتصف الليل‏,‏ وروي لك أنه نشأ في أسرة سعيدة لأبوين متحابين ومتعاطفين وبين أخ وأخت يصغرانني‏..‏ وكيف مضت بنا رحلة الحياة ونحن الأبناء حريصون علي رضا أبوينا‏..‏ وننفذ وصياهما لنا وأهمها هو أن نتحاب فيما بيننا ونتماسك ونحرص دائما علي علاقتنا الأخوية ببعضنا البعض‏,‏ حتي تخرجت وعملت وتزوجت‏,‏ وتخرجت أختي التي تليني في العمر وتزوجت‏..‏ وتخرج أخي الأصغر وأصر علي أن يتزوج بعد تخرجه علي الفور من زميلة له‏..‏ ولم يسمع نصيحة أبي وأمي ونصيحتي له أن يتروي قليلا ويصبر إلي أن يؤدي الخدمة العسكرية ويعمل عملا مستقرا‏..‏ فلم يقتنع بأي نصيحة‏..‏ وكانت حجته في ذلك أن زميلته هذه يلاحقها زميل آخر لها ويعرض عليها الزواج‏,‏ ولو لم يبادر هو بالزواج منهاعلي الفور فقد تقتنع بالآخر وتتزوجه‏!‏ وبالرغم من سذاجة السبب لأن من تريد إنسانا لاتعدل به أحدا إلا أنه أحال حياة الجميع إلي جحيم واتهم الجميع بعدم الاهتمام بسعادته‏..‏ حتي اضطر أبي راغما علي السير في خطوات الزواج‏,‏ وهو غير مقتنع بأسبابه‏..‏ وقال وهو يفعل ذلك أنه يعرف ابنه جيدا ويعلم عنه أنه يعتقد أن احتياجاته ومطالبه لابد أن تكون فوق كل الاعتبارات‏..‏ وتم عقد القران‏..‏ ومن اليوم الأول له بدأت مشاكل خطيبته مع أسرتي التي تصورت أن معارضة أبي لزواجه منها تتعلق بشخصها هي وليس بصغر سنه وظروفه‏,‏ فبادرت الجميع بالتحفظ والحساسية المرضية والتربص لأية كلمة أوإشارة تصدر عنهم‏..‏ وأصبح كل رأي يبديه أبي بشأن خطوات الزواج مرفوضا من جانبها دون تفكير‏..‏ حتي نفض أبي يده من الأمر كله وطلب من أخي أن يفعل بحياته ما يشاء دون الرجوع إليه‏..‏ وأيدته في ذلك حرصا علي العلاقات الأخوية والعائلية وأقنعت أمي وأختي بذلك لكيلا نتعرض جميعا للعداء من جانب خطيبة أخي ومن جانبه‏..‏ وتزوج أخي الأصغر بعد القران بشهور معتمدا في زواجه علي مرتب شهري من أبي وليس علي عمله كما فعلت أنا وبعد انتهاء خدمته العسكرية استقر في عمل مناسب وأنجب أول أطفاله‏,‏ وبعد بضعة أعوام رحل أبي عن الحياة وترك لنا ميراثا بسيطا يعيننا إلي جانب أعمالنا علي الحياة الكريمة‏,‏ وكان الميراث عبارة عن مساحتين صغيرتين من الأرض الزراعية في بلدة أبي بالوجه البحري‏,‏ إحداهما في الجهة الشرقية منها‏..‏ والأخري في الجهة الغربية وعقارفي بلدتنا تمت تعليته بدورين إلي جانب معاشه لأمي‏,‏ وبعد انتهاء العزاء بدأنا في إجراءات تقسيم الميراث وفوجئت بأخي الأصغر يخرج علينا بشيء يتعارض مع الشرع والقانون ويصر عليه إصرارا غريبا هو أن يأخذ نصيبه من الميراث كله في قطعة الأرض الشرقية‏.‏ بحيث يستقل بها دوننا‏..‏ ونقتسم نحن بقية الميراث كما يحلو لنا‏,‏ في حين يقضي العدل أن نتقاسم كلنا قطعة الأرض الشرقية وقطعة الأرض الغربية والعقار كل حسب نصيبه الشرعي‏,‏ وحاولت معه بكل السبل والطرق أن يقبل بما شرعه لنا الله‏,‏ وعرضت عليه أن نقسم الأرض حسب الشرع وأن أستبدل معه وحدي نصيبي في الأرض الغربية بنصيبه قي الأرض الشرقية‏,‏ برغم علمي وعلم الجميع أن قيمة الأرض الشرقية أكبر لأنها أكثر خصوبة وسعرها أعلي‏,‏ كما أنها ملاصقة لكردون البلدة ومرشحة لأن تدخل زمام المباني فيها ذات يوم علي عكس الأرض الغربية‏,‏ وبالرغم من هذا عرضت عليه ذلك لكي أرضي نفسه وأحافظ علي صلة رحمه‏..‏ خاصة أن الفارق في قيمة الأرض ليس كبيرا إلي الحد الذي يجعلني أخسر أخي من أجله‏..‏ لكنه رفض حتي هذا العرض وطالبني بما لا أملكه وهو أن أقنع أختي وزوجها بأن يفعلا ما فعلت وإلا فنحن لانريد له ما يحقق مصلحته‏!‏

وعقدنا جلسات عائلة عديدة‏..‏ وحكمنا بيننا الأهل دون جدوي‏,‏ ثم فوجئت ذات يوم بإنذار قضائي من محام مشبوه وسييء السمعة في بلدتنا يبلغني فيه بأن أخي سوف يطعن في قسمة الميراث أمام المحكمة ويتهمني بإخفاء مبلغ كبير من المال يزعم أن أبي تركه وراءه في البيت ولم ندخله نحن في الميراث لكي نحرمه من نصيبه فيه‏!‏
ولم أصدق عيني حين قرأت هذا الإنذار‏..‏ وبكيت حزنا علي أبي الذي كرس حياته لتربيتنا ورعايتنا وتعليمنا المبادئ الدينية والأخلاقية وكافح طوال حياته لكي يوفر لنا الحياة الكريمة‏,‏ وجمعت أمي وأختي وزوجها وأبلغتهم بالخبر وقلت لهم إن أخانا قد باع صلة رحمه بطمع الدنيا‏,‏ لكني لا أتصور أن أقف أمامه في المحكمة وأسيء إلي ذكري أبي الطيب في بلدتنا‏,‏ واقترحت في النهاية أن نقبل بما يريد مع أنه لا حق له فيه‏,‏ ووافقني الجميع علي أن أعمل علي رأب الصدع مع أخي بالرغم من تسليمنا جميعا بعدم أحقيته فيما يريد‏,‏ وإدراكنا أن زوجته هي التي تحرضه علي هذا الموقف العدائي منا‏.‏
ولم ينته الأمر عند هذا الحد كما كنت أتصور‏,‏ فلقد راح كل بضعة أسابيع يثير مشكلة جديدة ويطالبني بشئ ليس من حقه‏..‏ ويستعين بالمحامي المشبوه علي إرغامي علي الاستجابة له حتي أصبحت حياتنا سلسلة من الأزمات والتهديدات القضائية‏,‏ وكلما رأبت صدعا بالتنازل عما يقضي به العدل‏..‏ ازداد طلبا وافتعالا للمشاكل‏,‏ حتي انتهي به الأمر إلي مقاطعتي نهائيا ومقاطعة أختي وزوجها‏,‏ ولم يبق علي صلة له بأسرتنا سوي بأمي التي يزورها من حين لآخر في غيابنا‏,‏ وإذا فاتحته في قطيعته لأخوته ثار عليها وامتنع عن زيارتها حتي سلمت باليأس منه‏.‏

وفي هذه الفترة زرتك في مكتبك‏..‏ ورويت لك القصة كلها وقلت لك إن زوجتي وبالرغم من أنها سيدة فاضلة وطيبة ومتدينة ولم تعارضني في التنازل لأخي إذا لم يكن هناك حل آخر مع ما في ذلك من أضرار لمصلحتي ومصلحة أطفالي‏,‏ إلا أنها تتهمني في نفس الوقت بالضعف معه وبالعجز عن الوقوف أمام جبروته واجترائه علي الحق‏..‏ وتقول إنه يعرف في هذا الضعف ويضغط علي به كلما أراد شيئا ليس من حقه أو خططت له زوجته شيئا آخر‏,‏ كما تقول لي إنني فرطت في حقوق ابنائي ولسوف أندم علي ما فرطت فيه في المستقبل حين يرتع أبناء أخي في العز‏..‏ ويعاني أبناؤنا متاعب الحياة‏,‏ وأذكر أنك سألتني عن تقديري للقيمة المادية لما تنازلت عنه من حقي لأخي فأجبتك أنها قد لاتتجاوز بضعة آلاف من الجنيهات ومثلها من أمي وأخي لأن الميراث كله صغير في النهاية‏,‏ لكن المشكلة أن تنازلي وتنازل أمي وأختي لم يحقق الغرض منه وهو الحفاظ علي صلة الرحم مع هذا الأخ‏,‏ ولست حزينا علي ما تنازلت عنه وإنما علي الأسلوب العدائي الذي ينتهجه أخي منا‏..‏ واضطراري لتفادي النزاع إلي القبول مرغما بشيء فيه ظلم لي ولأختي وأمي‏..‏ وهذا هو ما تعتبره زوجتي ضعفا من جانبي‏,‏ فقلت لي إن الرجل الضعيف هو من لايقدر علي نفسه ولا علي كبح جماح شهواته وأطماعه‏..‏ وأن القوة الحقيقية هي في الصبر علي احتمال المكاره‏..‏ وفي الترفع عن الصغائر‏,‏ وبهذا المفهوم فإن الرجل الضعيف في هذه القصة كلها هو أخي وأنا القوي الذي تغلب علي شهوة الاستئثار وشهوات الغضب والانتقام وترفعت عن أن أنازع شقيقي أمام القضاء حول عرض زائل من أعراض الدنيا‏..‏ صدوعا بأمر ربي بالحرص علي صلة الرحم‏..‏ فإذا كانت تضحيتي لم تحقق غرضها‏..‏ فإن المسئول عن ذلك هو من باع رحمه وتعاليم دينه وربه بمتاع قليل ولست أنا‏,‏ وطلبت مني أيضا ألا أخشي من أن تؤثر تضحيتي علي مستقبل أبنائي‏,‏ لأن خير ما أورثه لهم هو مال مطهر من كل شبهة حرام فيبارك الله سبحانه وتعالي فيه ويضاعفه لهم أضعافا مضاعفة‏,‏ ورويت لي قصة العادل عمر بن عبدالعزيز مع أبنائه الذين تركهم فقراء من بعده فحفظهم ربهم وأجزل لهم العطاء‏,‏ وخرجت من عندك مطمئن النفس ورويت لزوجتي كل ما قلت لي وبشرتها بما بشرتني به‏,‏ وتعاهدنا علي ألا نرجع للحديث في هذا الأمر بعد ذلك أبدا‏,‏ وواصلت حياتي راضيا بما أتيح لي من أسباب الرزق من عملي ومن إيراد ميراثي القليل‏,‏ ولم أكف عن محاولة استعادة صلة رحمي بأخي برغم جفائه وتحفظه‏..‏ وعدم تجاوبه معي‏..‏ وسافر أخي للعمل في إحدي الدول العربية مع زوجته وأبنائه‏,‏ وترك توكيلا لصهره وللمحامي المشبوه لإدارة أرضه‏..‏ ولم يفكر في أن يأتمنني عليها ولم أغضب لذلك‏..‏ لكني تعجبت فقط‏....‏

ومضت سنوات وهو لا يزورني ولا يتصل بي ولا بأخته ويكتفي بالسؤال عن والدته تليفونيا كل شهرين أو ثلاثة‏..‏ وأصبحت ألتقط أخباره منها‏,‏ فعرفت أنه قد شارك بحصيلة الغربة شخصا جاء به إليه المحامي المشبوه في مشروع لإنشاء مصنع لتعليب وتعبئة وتصدير الخضر والفاكهة في الأرض التي يملكها‏..‏ وأن المحامي خاض معارك طويلة للحصول علي ترخيص بالبناء في الأرض الزراعية‏..‏ وبعد‏7‏ سنوات في الغربة رجع واستقر في مصر‏..‏ ثم فوجئت به ذات يوم يتصل بي من بلدتنا بعد فترة طويلة من الانقطاع‏..‏ ويصرخ ويبكي ويقول لي إن محاميه قد تواطأ مع شريكه علي سرقته وأنهما نهبا معا المبلغ الكبيرالذي شارك به في رأس مال المشروع إلي جانب الأرض‏,‏ ويطلب مني السفر إليه في بلدتنا للوقوف إلي جانبه في هذه الكارثة لأنني أخوه وهو يحتاج إلي‏..‏ مع ضرورة إحضار المحامي الذي أتعامل معه من القاهرة معي‏!‏
وسمعت زوجتي القصة كلها وتساءلت‏:‏ ولماذا لم يتذكر أنك أخوة سوي الآن‏..‏ ولماذا لم يلجأ إلي صهره الذي ائتمنه من قبل علي أرضه دونك‏!‏
وطالبتني بالاعتذار عن عدم السفر‏..‏ والاكتفاء بترشيح المحامي لصهر أخي لكي يتفاهم هو معه‏..‏ لكني لم أستطع أن أفعل ذلك برغم تسليمي بصحة كل ماقالت ورجوت المحامي أن يصطحبني في زيارة للبلدة للإطلاع علي الموقف وسافرنا معا‏..‏ وعقدنا اجتماعات وجلسات مع شريك أخي ومحاميه‏..‏ وتكشفت الحقيقة واضحة وهي أن الشريك قد استولي علي ثلاثة أرباع المبلغ الذي دفعه أخي في رأس المال وبرعم أنه قد انفقه كله في إنشاءات المصنع الذي لم يكتمل وهو يرفض الآن استكماله إلا إذا دفع أخي مبلغا جسيما آخر فإن لم يرض بذلك فإنه ينسحب من المشروع ويتركه لأخي ولكن بعد أن يحصل علي مايزعم أنه قد أنفقه من ماله علي الإنشاءات‏..‏ وإن لم يقبل بهذا ولا ذاك فأمامه المحاكم‏..‏ وليت الأمر اقتصر علي ذلك بل إن هناك أيضا ديونا للمشروع وشيكات موقعة من أخي ولابد من الوفاء بها وإلا كان السجن مصيره‏!‏ وقد أعد المحامي المشبوه للشريك اللص كل شيء ودعم كل مزاعمه بالفواتير والمستندات وليست هناك ثغرة واحدة يمكن استخلاص الحق منها‏!‏

وبعد مداولات ومحاولات للتوسط بين الطرفين استمرت بضعة شهور نصح صديقي المحامي وهو إنسان مستقيم أخي بألا يستمر في النزاع لأنه سيخسره وسيضاعف من خسائره وان يقبل العرض المقدم من شريكه ومحاميه بأن يشتريا نصيبه في المشروع والأرض المقام عليها مقابل مايزعمان أنهما قد تحملاه من تكاليفه وديونه‏!‏ بمعني أن يوقع علي بيع نصيبه بالمشروع والأرض المقام عليها مقابل الحصول علي مخالصة بالديون والأعباء والشيكات الموقعة فقط لاغير‏.‏
ولم يقبل أخي النصيحة بالرغم من إلحاحنا جميعا عليه بالقبول‏..‏ وراح كالمجنون يهذي ويصرخ ويبكي في هستريا ويتحدث عن اغتصاب الحقوق ويتهمني بالعجز عن مساعدته في استرداد ماله‏..‏ وآثر أن يخوض معركة القضاء فخسر أولي جولاتها‏..‏ والثانية‏..‏ واستسلم في النهاية وقبل بالعرض الأول بعد أن أنهكه المحامون واقترض مني بضعة آلاف من الجنيهات لم يردها حتي الآن‏.‏
وأعتلت صحته ومرض بارتفاع ضغط الدم والاكتئاب وانزوي في بيته لا يكاد يكلم أحدا‏..‏ وكل بضعة أسابيع يهجر زوجته ويقيم في شقة أمي غاضبا منها‏..‏ ونسعي نحن بالصلح بينهما رغم كل شيء‏.‏

وخلال إحدي فترات إقامته هذه في بيت أمي‏,‏ خرج علي بطلب جديد هو أن أبادله بقطعة من الأرض الغربية التي آلت لي بالميراث بما تبقي له من أرض في الحد الشرقي للبلدة لأنه كما يقول قد مرض بالاكتئاب‏..‏ ويزداد اكتئابه كلما ذهب لمباشرة أرضه هناك ورأي أرضه المغتصبة منه ومشروعه المنهوب وماله الضائع يتمتع به اللصوص الذين استولوا عليه ظلما وعدوانا‏..,‏ وحدثتني أمي في نفس الموضوع استجابة لضغطه الشديد عليها‏..‏ وقالت لي إنها لا تريد أن ترغمني علي ما لا أريده‏..‏ لكنها دعدته بالحديث معي ولم أعطها جوابا بالقبول أو الرفض‏,‏ لكن زوجتي ما ان علمت بذلك حتي ثارت ثورة طاغية لم أشهدها منها من قبل‏..‏ وهددتني ولأول مرة في حياتنا الزوجية التي دامت حتي الآن‏19‏ عاما بأن تهجرني وتطلب الطلاق إذا استجبت لهذا المطلب‏,‏ وضعفت مرة أخري مع أخي وفرطت في حقوق أبنائي وأكدت لي أنه هذا المطلب لا يمكن أن يكون لوجه الله‏..‏ ولا للأسباب التي يزعمها أخي‏..‏ وإنما هناك بالضرورة سر في الموضوع لا أعرفه‏.‏
وبالرغم من غضبي منها لتهديدها لي بطلب الطلاق إلا أنني تفهمت أسبابها ووعدتها بعدم إتخاذ أي إجراء في هذا الأمر بغير مشورتها كما وعدتها أيضا بتحري حقيقة الموضوع‏.‏
وفاتحت المحامي الصديق في الأمر فوعدني ببذل جهده لمعرفة الحقيقة وزرت بلدتي وتقابلت مع مستأجري الأرض وزرت المجلس الأعلي المحلي‏..‏ وذهبت إلي عاصمة الإقليم‏..‏ فإذا بي أعرف أن خريطة التوسع العمراني في بلدتي قد حددت إمكانية التوسع العمراني في البلدة بالاتجاه غربا وليس الي الشرق كما كان الشائع من قبل وذلك لخصوبة الأرض الزراعية في الشرق من ناحية ولتعذر نقل مقابر البلدة التي تعترض التوسع شرقا من ناحية أخري‏..‏ بل أكثر من ذلك فلقد علمت ان أخي قد عرف بهذا الأمر قبل أسابيع عن طريق المحامي الذي غدر به وخانه واغتصب ماله‏,‏ وان هذا المحامي قد اتصل بي وأوهمه أنه يريد تعويضه عما خسره في مشروعه بمساعدته علي شراء أرض في الناحية الأخري من البلدة‏,‏ تحسبا لارتفاع قيمتها خلال فترة قصيرة وأن شقيقي قد حاول بالفعل أن يبيع أرضه ويشتري غيرها في الحد الغربي‏,‏ لكنه لم يجد من يشتري أرضه‏..‏ ولا من يقبل أن يبيعه أرضا مرشحة لأن تدخل كردون المدينة خلال عام أو عامين‏!‏ فكتم الأمر كله عني‏..‏ وخرج علي بقصة الاكتئاب النفسي وأنه لا يطيق رؤية ماله المنهوب ليستدرجني استبدال أرضة دون أن أعرف أنها مرشحة لأن تكون أمتدادا عمرانيا للبلدة‏!‏
هل تصدق ذلك ياسيدي ؟

إنني لا أنكر عليه حتي رغبته في أن يستغل ضعفي معه أو مع ذوي الرحم‏,‏ لكي يشاركني قطعة الأرض التي نبذها عند تقسيم التركة واصر علي أن يستأثر بالأرض الأفضل منها‏..‏ لكني أنكر عليه ان يستخدم في ذلك أيضا الخداع معي ويوهمني بأن مايطلبه هو لأسباب صحية تساعده علي العلاج من الاكتئاب‏..‏ وليس لأسباب مادية حقيرة وأنا الذي تنازلت له عن الكثير وتجاوزت عن جفائه لي ولأختي وابتعاده عنا سنوات بعد سنوات‏.‏
لقد دمعت عيناي حزنا وأسفا حين اكتشفت الحقيقة المرة‏..‏ وصارحت زوجتي بها فشعرت بالانتصار لتحقق ظنها في أخي‏,‏ وحذرتني من الانخذاع بدموعه وتوسلاته واكتئابه المزعوم لأنه لا يستهدف إلا مصلحته وحده‏.‏
والحق أنني أؤيدها في كل ماقالت‏..‏ وأعرف أنه الحق‏..‏ لكني حائر بين توسلات هذا الأخ ودموعه‏..‏ واتصالاته المكثفة بي‏..‏ والضغط علي بذكريات طفولتنا وصبانا ووالدنا الراحل‏,‏ وضعف أمي معه‏..‏ وأمنيتها الصامتة ان استجيب له برغم علمها بأنني سأتعرض للظلم مرة أخري لو فعلت‏,‏ وبين إصرار زوجتي علي إلا استجيب لمطلبه وتذكيرها لي بمصالح ابنائي وحاجتهم في المستقبل لما يؤمن حياتهم‏..‏ واستنكارها لضعفي مع أخي وهو نفس موقف أختي وزوجها أيضا‏..‏ فبماذا تشير علي‏..‏ وبماذا تنصحني أن أفعل ؟

ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏
هناك فارق كبير بين أن تتنازل لأخيك عن بعض حقك إرضاء له وحرصا علي صلة رحمه إذا لم يكن هناك من سبيل آخر لتجنب النزاع القانوني معه سوي ذلك‏,‏ وبين أن تخضع لابتزازه العاطفي لك فتواصل الاستجابة لرغباته التي لا سند لها من العدل والحق الي ما لا نهاية ومع مافي ذلك من ضرر مؤكد بك وبأبنائك‏..‏ والحق انك غير ملوم في إحساسك بالحزن لما تدهورت إليه قيمه الأخلاقية حتي إنه ليسعي جاهدا الي استدراجك لمبادلته بقطعة من أرضك الواعدة‏..‏ قطعة أقل قيمة منها‏..‏ مخفيا عنك دوافعه الحقيقية لهذا الخداع المؤسف‏..‏ ومستغلا فيك مشاعرك الأخوية نحوه بالرغم من سجله الشائن معكم لكي يكرر جريمته السابقة معكم ويحصل منكم علي ما لا حق له فيه‏..‏ وكأنما لم يتعلم شيئا مما تعرض له خلال الفترة الماضية حين اغتصب هو بعض حق أخوته بالإكراه المعنوي‏,‏ فسلطت عليه السماء من اغتصبوا منه أضعاف ما اغتصب هو من أخوته وأمه‏,‏ وشعر أمامهم بالعجز وقلة الحيلة‏..‏ بأضعاف ماشعر به أخوته أمامه وهم يقبلون راغبين أن يميزوه عنهم في ميراث أبيهم بلا سند من شرع أو قانون‏..‏ وبلا مبرر سوي ضعفه الأخلاقي المعيب أمام شر نفسه واستهانته بالروابط العائلية وإعلائه للقيم المادية علي كل ماعداها من اعتبارات‏.‏

إنه إنسان شديد الأثرة والذاتية ياصديقي‏,‏ ولا يري سوي نفسه ورغائبه وتطلعاته ولا يتورع في سبيل تحقيق أهدافه عن استخدام كل الوسائل‏..‏ ويقبل بالحرام ولو كان مغتصبا من أخوته وذوي رحمه مادام يزيده مالا‏..‏ ولابد ان يسلم أن ما ناله منكم من قبل لم يكن سوي مال حرام‏,‏ أخذه منكم بسيف الإكراه الأدبي وعلي غير طيب نفس من أحدكم‏,‏ ولهذا فانه لم يغنه شيئا‏..‏ ولم يجعل منه أكثر الاخوة ثراء كما أراد لنفسه‏..‏ وإنما تبدد في الفضاء‏..‏ آخذا معه حصيلة سنوات الغربة خلال زمن قصير‏..‏ فنحن نعرف من هدي رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه‏..‏ان ماأخذ بسيف الحياء فهو حرام‏,‏ وان مايأخذه المرء من آخر وهو يعلم جيدا أنه لم يكن ليعطيه له لولا استحياؤه منه‏..‏ إنما هو من قبيل الحرام سواء بسواء كالمال المسروق أو المغتصب بالحيلة والخداع‏..‏ فكيف يكون المال إذن بما حصل عليه هو من قبل بسيف الإكراه المعنوي والابتزاز العاطفي والتهديد بقطع الرحم ومنازعة الأم والأخوة في المحاكم والإساءة لذكري الأب الراحل‏..‏ ولسمعة الأسرة بأكملها‏..‏ هل يمكن أن يكون من الحلال البواح ؟
لقد استمرأ شقيقك أنانيته وذاتيته وإيثاره لنفسه وسعيه وراء مصالحه علي حساب حقوق أخوته ووالدته‏..‏ وبدلا من أن يعيده ماتعرض له من عدوان علي ماله علي طريقة قد ينتقم الله من ظالم بظالم ثم ينتقم من كليهما كما قال الإمام مالك بن أنس ـ إلي جادة الحق فيدرك وقد ذاق لسعة القهر وانتزاع الحق حقيقة ماذا فعل بإخوته ويعترف بظلمه السابق لهم‏..‏ ويستبريء ذمته منهم فإنه لم يتورع علي العكس من ذلك عن التخلي عن آخر القيم الأخلاقية ولم يتعفف عن محاولة الاحتيال علي شقيقه الذي تجاوز عن إساءته السابقة له وأعانه علي أمره في محنته ليفوز بشيء مما أضاعه هو من قبل علي نفسه بتطلعه الي مافي أيدي غيره ولو ارتكب في سبيل ذلك أحقر الجرائم الإنسانية وهي خداع الأخ وابتزازه عاطفيا بدعوي المرض النفسي‏,‏ ومثل هذا الشقيق لا تعنيه الاستجابة لمطالبه غير العادلة علي نفسه‏..‏ ولا تساهم في إصلاحه وإعادته إلي النهج القويم في الحياة‏..‏ لأنه إنسان ضعيف بكل معني الكلمة‏..‏ أمام تطلعاته وأهوائه‏..,‏ ولا عائد لمواصلة التنازل عن الحق له إلا أن يزداد جشعا وتطلعا للمزيد من حقوق أخوته وأهله‏,‏ لهذا فلابد من وضعه أمام الحقيقة ومطالبته بمواجهتها بجلاء وبلا زيف‏..‏ وأنصحك بأن تواجهه بأنك قد عرفت ماينتظر أرضك من مستقبل واعد وباستمساكك بعدم التفريط فيها لمصلحة أبنائك‏,‏ فإذا كانت قصة الاكتئاب هذه صحيحة ويشكو بالفعل من عجزه عن الإشراف علي أرضه للأسباب التي يدعيها فإنه يستطيع بيعها وشراء أرض بديلة لها في أي مكان آخر من الخريطة‏..,‏ وإذا لم تكن صحيحة وهو الأرجح‏..‏ فلا شأن له بأرضك ولا بأرض أخته وأمه التي سيرث جزءا منها بعد عمر طويل‏..‏

أما أنت فلست مطالبا بتعويضه عما ذهبت به رياح الجشع وسوء التقدير من ماله‏..‏ وإذا كنت من ذوي النفوس العظيمة الذين يعملون بوصية عمر بن الخطاب حين سئل لمن يكون الإحسان‏..‏ فأجاب‏:‏ لمن أساء إلينا فإنك تستيطع مبادلته بأرضه كما يريد‏,‏ ولكن بالقيمة الحقيقية لها وبالمقارنة بالقيمة المستقبلية لأرضك وفقا لأحكام السوق وقواعد العرض والطلب‏,‏ دون تفريط أو مغالاة‏..‏ وبهذا المعيار فقد تكون المساحة العادلة من أرضك التي تساوي القيمة الفعلية لأرضه كلها تعادل نصف مساحتها أو أكثر أو أقل وفقا لأسعار السوق وتوقعات المستقبل‏,‏ فإذا قبل بذلك فإنك تكون قد أرضيت طبيعتك المضحية‏..‏ التي تعلي الاعتبارات العائلية والدينية علي بقية الاعتبارات وإن لم يقبل به وأغلب الظن أنه لن يقبل‏..‏ فليفعل هو بأرضه وحياته مايشاء ولا لوم عليك في شيء‏,‏ ذلك لأن الابتزاز العاطفي لا يمكن ان يحقق أهدافه الي ما لا نهاية‏..‏ كما أن ذكريات الطفولة والصبا وغيرها لا تعطي لشقيقك رخصة أبدية بأن يتطلع دائما الي نيل ما لا حق له فيه من مال أخوته وذويه‏.‏ وليس مما يشرفه ألا يحفل بالروابط الأخوية والعائلية والذكريات المشتركة إلا حين يحتاج إلي الأهل والاخوة فيكون بذلك كما يقول المثل الأوروبي القديم كالنواتية الذين لا يعرفون الله إلا ساعة الغرق‏!‏
المزيد ....