الثلاثاء، ١ فبراير ٢٠٠٠

الهواجس المؤلمة

11-01-2002
أنا رجل أبلغ من العمر‏45‏ عاما‏,‏ وأعمل بوظيفة محترمة‏,‏ وقد أكرمني ربي برضا أبي وأمي وبعلاقات طيبة مع الأهل والأصدقاء وكل من أتعامل معهم لانني أحب البشر ولا أتواني عن مساعدتهم وأعامل الآخرين بكل احترام‏...‏
وقد تزوجت منذ اثني عشر عاما من فتاة احببتها سنوات طويلة قبل الزواج دون أن أعلن ذلك لها أو لغيرها وتكتمت مشاعري تجاهها الي ان يحين الوقت المناسب للتقدم لها‏,‏ وحين سمحت لي الظروف بذلك تقدمت إليها‏..‏ وخطبتها وتروجتها برغم الكثير من الصعاب بسبب بعض الظروف المعاكسة وعشنا سنوات جميلة هادئة سعيدة إذ ما أجمل ان يتزوج الانسان من فتاة يحبها وتكون هذه الفتاة عاقلة ورزينة ومتعلمة ومن أسرة كريمة‏...‏
ولقد أكرمني الله بالتوفيق في عملي فتوفر لي قدر من المال وفكرت في أن استغله فيما يسعد زوجتي ويكون إضافة لنا تفيد أبناءنا في المستقبل‏,‏ فأنشأت مشروعا صغيرا تديره زوجتي لانه يتفق مع مؤهلاتها الدراسية وسجلته باسمها ووقفت فيه الي جانبها حتي نجح العمل نجاحا أسعدها وأسعدني معها وازدادت علاقة الحب بيننا عمقا‏.‏
وكانت زوجتي بحكم هذا المشروع تتعامل مع كثيرين من العملاء وتعرضت بطبيعة الحال في بعض الاحيان كامرأة للمضايقات من بعض العملاء‏,‏ لكنها بقوة شخصيتها وذكائها وأديها كانت تتخطي دائما هذه المضايقات وتجبر الجميع علي احترامها‏.‏
ثم شاءت الأقدار ان يتردد علي مقر عملها أحد الشباب مندوبا عن شركته‏,‏ فوجدت من زوجتي اهتماما غير عادي به وبالعرض الذي تقدم به ولم يتم الاتفاق مع شركته علي العمل المطلوب‏,‏ ولكنه استمر بالرغم من ذلك في التردد علي مقر عمل زوجتي وهنا شعرت بالضيق وعدم الارتياح واظهرت لزوجتي هذا الضيق‏,‏ واعترضت صراحة علي تردده علي العمل دون مبرر‏,‏ فقالت لي إنني استطيع إذا أردت أن أطلب منه عدم الحضور‏,‏ لكني رفضت ذلك مؤكدا لها أنني إذا فعلت ما تقترحه فان معناه هو عدم الثقة فيها وان عليها ان تنهي هي تردده بأي شكل‏,‏ لكنها لم تفعل متعللة بصعوبة اظهار الجفاء مع الإنسان يتعامل معها بكل احترام‏,‏ فضلا عن أنها لا تريد ان تغلق باب التعامل مع شركته‏..‏ ولا تريد أيضا ان تحرم من بعض الآراء والمقترحات التي يبديها ويمكن أن تفيد العمل‏.‏
وأمام كلماتها الهادئة الواثقة راجعت نفسي في احتمال ان أكون مخطئا في رأيي بسبب طبيعتي المحافظة‏,‏ أو ربما بسبب شعوري بشيء من الغيرة التي يجب ألا استسلم لها حتي لا أكون عائقا أمام نجاح زوجتي‏...‏ وأقنعت نفسي بأنه من الافضل ان أوطد علاقتي به حتي يفهم من يلاحظ كثرة تردده علي العمل أنه صديقي‏,‏ وبذلك أمنع الأقاويل عن زوجتي‏..‏ وقد كان ذلك‏.‏
وبعد فترة لا ادري طولها أصبحت زوجتي أكثر عصبية فالتمست لها العذر بإرهاق العمل وضغوطه‏,‏ ثم بدأت تنفر مني في أحيان كثيرة‏...‏ واذا غضبت منها لشيء لا تبالي بغضبي وهي التي كانت اذا حدث بيننا شيء من سوء التفاهم تتودد إلي وتنهيه في نفس اليوم‏,‏ ولم استطع تفسير ذلك برغم أنني كنت أشعر بحزن عميق بداخلي‏,‏ وفي لحظات قربها مني كانت تستطيع ان تمحي الاثر السيئ بعصبيتها ونفورها‏,‏ مع ان هذه اللحظات تباعدت بيننا كثيرا في حين ازدادت مساحة الخلافات حول أشياء تافهة لا أذكرها لانها كانت فيما يبدو تعبيرا أصاب كلا منا من تغيير حتي أصبحت هذه الخلافات ظاهرة امام ابنائنا علي غير عادتنا‏.‏
واستمرت الحياة علي هذا النحو‏:‏ أياما هادئة وأياما عصبية حتي حدث موقف أيقظني من غيبوبتي ذلك انني فوجئت بها ذات مرة تخبرني انها ذهبت مع هذا الشاب بسيارته لمتابعة عمل يخصها في مدينة قريبة من مدينتنا‏,‏ ووجدتني في لحظة خاطفة استرجع كل الاحداث الماضية المتعلقة بعلاقة هذا الشخص بها‏,‏ والتي توحي بأن اهتمامها به لم يكن عاديا وانه لم يكن مجرد صديق عمل مثل بقية الأصدقاء والمعارف‏(‏ إذا جاز استعمال لفظ الصداقة هنا‏)‏ وأنه شخص تسعد به ولوجوده وتختلق الاسباب لكي يستمر تردده عليها في عملها سواء بالحديث عن مشروعات مشتركة لم تتم أو بطلب مشورته في بعض أمور عملها‏,‏ وواجهتها بذلك وكان رد فعلها هو الإنكار التام بقوة وعصبية مع الإحساس بالاهانة‏,‏ وحاولت إقناعي بأن الامور اكثر بساطة مما اتصور وراحت تلومني علي انني لم أكن واضحا في طلب قطع علاقتها به في البداية‏,‏ مع انني قد أظهرت لها عدم ارتياحي وغضبي في بداية العلاقة‏,‏ لكنه لثقتي فيها صدقت كلامها عن بساطة هذه العلاقة ولم آخذ موقفا كان يجب أن أتخذه ولكنها أصرت علي أنه ليس في الأمر أي شيء مشين‏,‏ وانها تتفهم غضبي ولم اقتنع بحديثها تماما‏,‏ ولكني حاولت خداع نفسي بتصديقه لان ذلك كان الاكثر راحة بالنسبة لي واعتبرت الامر مجرد عدم اتزان في التصرف‏,‏ وان رغبتها في النجاح كانت أقوي من الاعتبارات الاخري وانتهي الموقف تاركا في نفسي جرحا غائرا‏,‏ لكني لم أدع ذلك يؤثر علي علاقتي بها‏..‏
وامتنعت زوجتي عن الذهاب لعملها فترة حتي لا تقابل هذا الشخص واصبحت تديره بالتليفون وأتولي انا بعض الأمور‏...‏ وحين وجدت أنا تساؤلا من ذلك الشاب عن سبب انقطاعها عن العمل أفهمته بتعبها ولكيلا أثير في نفسه اية تساؤلات حول وجود خلل في علاقتي بزوجتي بسببه‏,‏ فقد استمررت في علاقتي به بشكل عادي حتي لا تتناثر الاقاويل والشائعات‏,‏ الي ان أنهت شركته العمل في مدينتنا وظل بعد ذلك يتصل بي كل فترة‏,‏ واتصل به من حين لآخر وكأن شيئا لم يحدث‏,‏ لكني كنت اتعمد ان يغلف البرود كلماتي واختفت عبارات المجاملة حتي انقطع الاتصال بيننا‏.‏
وبعد حوالي عامين من ذلك واثر اتصال تليفوني منه فوجئت بزوجتي تعرض علي فكرة التعاون مع هذا الشخص في أحد المشروعات التي كانت تنفذها‏,‏ ووجدت نفسي أنفجر فيها هذه المرة رافضا ومتسائلا عما اذا كانت تريد إعادة العلاقة معه أم ماذا‏...‏ وتكهرب الجو وأكدت لي أنها فكرت في هذا الاقتراح بحسن نية لان هدفها هو نجاح المشروع ولانه ليس لديها شيء تتخفي به‏,‏ ولم أقنع بذلك وأصبح ما يثور في داخلي كل فترة تساؤل أو مجموعة تساؤلات أظل أسيرا لها حتي اسأل زوجتي عنها وتتجدد الصدامات‏..‏
وخلال هذه الصدامات أفلتت منها بعض التعبيرات العفوية التي زادت شكوكي وتفاعلت هذه الشكوك داخلي حتي حاولت الانتحار ذات مرة ولكن الله سلم وأصبحت حياتنا بعد ذلك متوترة دائما وازداد البعد بيننا وغابت السعادة عن حياتنا‏,‏ وبالرغم من ان الامور هادئة الآن بيننا اقصد فاترة إلا أن التساؤلات تهاجمني يوميا حول ما حدث‏..‏ فكيف أصل للحقيقة؟
وهل من مصلحتي معرفتها؟ مع أني لا استطيع خداع نفسي وأؤمن بأن الحقيقة المرة افضل من الحيرة والشكوك‏.‏
ان الامر اذا كان نزوة وانتهت فكلنا نخطيء ويمكن التجاوز عن هذه السقطة بالحب وبإدراك اننا بشر وبأنني ساهمت ولو بأي قدر في عدم منع هذا الخطأ وإذا كان حبا قائما‏(‏ ولا أظنه كذلك‏)‏ فيمكنني طلاقها وتنتهي القصة ونتحمل أنا وأطفالي إرادة القدر‏,‏ كما انه يمكن استمرار وجودها معي شكليا من أجل الاولاد كأخت وأم وليس كزوجة وشريكة حياتي‏..‏ فماذا أفعل‏..‏ وكيف أحسم أمري؟‏!‏

ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏
التساهل في البدايات يورث جحيم الشك في النهايات‏,‏ هذه هي خلاصة المحنة التي تهدد حياتك العائلية وسلامك النفسي الآن‏..‏ لهذا فلقد كان الأحري بك الا تتردد في حسم هذه الصلة بين زوجتك وبين هذا الشاب في بدايتها المبكرة وبلا تحسس لما يمكن ان يثيره ذلك من تساؤلات لديها أو لدي الغير إذ انه يكفي ان يستشعر الزوج أو الزوجة القلق لصلة تجمع شريك الحياة بطرف آخر لا مبرر لوجوده أصلا في أفقه‏,‏ لكي يكون ذلك وحده سببا عادلا ومقنعا لقطع هذه الصلة بل انه من واجب الشريك ان يتدخل لابعاد المتطفلين عن شريكه بدافع الغيرة الايجابية المطلوبة لحمايته من الريب والظنون أو من الإساءة لنفسه بحسن نية‏..‏ وليس هناك ما يدعو لاستشعار الخجل من هذه الغيرة او لإنكارها‏..‏ فهي إحساس إنساني طبيعي يحفظ اذا مورس باعتدال الطرف الآخر من التعرض للاغراء ومن الانزلاق الي الشراك الخداعية المحيطة به‏,‏ ولا يفيد أبدا انعدام الثقة في النفس أو الشك في إخلاص الطرف الآخر وأخلاقياته‏,‏ وإنما يعني فقط القلق الصحي المعتدل بسبب الخوف من ضياع المحبوب‏..‏ او تعرضه للمهالك‏.‏
لهذا فانه لم يكن هناك أية ضرورة للتجمل في إظهار ضيقك بصلة زوجتك بهذا الشاب‏..‏ ولا لمحاولة اكتساب صداقته للإيهام بأن ما يربطه بكم هو علاقة عائلية واجتماعية وليس اهتماما شخصيا بالزوجة‏.‏
ومن واجب شريك الحياة أن يتفهم هذا القلق‏..‏ ويستجيب لما يتطلبه من تجنب كل ما يثير هواجس شريكه وظنونه حتي ولو لم يكن لها أي ظل من الحقيقة‏,‏ ولو أنصف نفسه لسعد بهذا القلق واعتبره دليلا متجددا علي الحب والنخوة والرغبة الدائمة في الانفراد بجماع مشاعر شريك الحياة واهتمامه‏,‏ ودون أي تعارض مع الثقة المفترضة في وفائه وأخلاقياته وقيمه‏..‏ لأن الأمر لا يتعلق هنا بالثقة وإنما بسد الذرائع‏..‏ والبعد عن الظنون‏.‏
والكاتب المسرحي الأمريكي تنيس وليامز يقول لنا إنه لا يوجد عذاب علي وجه الأرض يقارن بعذاب الرجل حين ينهشه الشك في وفاء امرأته له‏..‏ ولأن الأمر كذلك فلابد لك يا سيدي من أن تحسم كل التساؤلات التي تمور في أعماقك الآن وتخرج من بحر الحيرة الي شاطيء أمين‏,‏ لكي تستقيم لك حياتك وتعفي نفسك وزوجتك من هذا العذاب‏.‏
ولربما يعينك علي ذلك أن تسلم بأن الانسان تاريخ وسياق عام من السلوكيات والأخلاقيات والقيم‏,‏ وليس مجرد موقف طاريء من مواقف الحياة‏,‏ وبالتالي فإن الحكم العادل عليه لابد أن يضع في الاعتبار تقييم هذا التاريخ كله‏..‏ ولا يكتفي بما ثار الجدل مؤخرا حوله‏..‏
وأيا كان الشاطيء الذي سوف ترسو فيه سفينتك فإن من واجبك ان ترفض بصرامة أية مقترحات أو أفكار لتجديد تلك الصلة التي أثارت كل هذه الزوبعة‏,‏ مهما تكن مبرراتها أو أرباحها المادية المتوقعة‏.‏
إذ ماذا يفيد أن يجني الإنسان بعض الربح المادي ويخسر سعادته وأمانه وراحة قلبه وضميره‏.‏
وختاما فإني أجيب علي تساؤلك الحائر المحذوف من رسالتك‏,‏ والذي يقضي مضجعك الآن‏..‏ بالاشارة الي حديث شريف رواه الشيخان وأبو داود والترمذي ويقول‏:‏ إن الله قد تجاوز لأمتي عما حدثت به نفسها ما لم تتكلم أو تعمل به‏.‏
وأكتفي بهذا القدر‏..‏ معتمدا علي فطنتك‏..‏ والسلام‏..‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق