الثلاثاء، ١ فبراير ٢٠٠٠

الوجه العبوس‏!‏

02-08-2002
ترددت سنوات طويلة في أن أكتب إليك إلي أن قرأت رسالة الغريزة الأساسية للزوج الذي يشكو من أن زوجته تتميز بالحب والعطف والحنان لكنها ترفض نهائيا العلاقة الحميمية بينهما وتنفر منها‏,‏ مما يدفعه للتفكير في الزواج من أخري‏,‏ فلقد فجرت هذه الرسالة ما بداخلي وما عانيت منه سنوات طويلة ومريرة‏.‏
فلقد نشأت يتيما منذ كنت طفلا صغيرا‏,‏ ومات أبي وعمري بضعة شهور وبعد سنوات قليلة رحلت أمي هي الأخري عن الحياة‏,‏ فاحتضنني عمي وقام بتنشئتي وتعليمي وكان حنونا وعطوفا علي إلي أقصي درجة‏,‏ وفي بداية الصبا أعلن الأهل أنني موعود بالزواج من ابنة عمي منذ الطفولة‏,‏ ولم آخذ الأمر مأخذ الجد‏,‏ ومضت الحياة إلي أن بلغت سن الشباب وأحببت فتاة أخري حبا كبيرا وذهبت لزيارة أهلها وطلب يدها منهم‏,‏ فرفضوا إلا أن يحضر عمي معي باعتباره ولي أمري‏,‏ فتوجهت إلي عمي وصارحته بما أريد ففوجئت بصمته‏,‏ وفهمت من ذلك أنه يرفض هذا الزواج ويتوقع مني أن أتقدم لابنته أو أنه يعتبرنا مخطوبين بالفعل ولم أكن أملك مواجهة عمي برفضي لذلك‏,‏ لكني كنت أعرف جيدا ومنذ سنوات أن ابنته لا تنظر إلي نظرة فتاة إلي خطيبها وإنما كأخ لها فاإعتمدت علي أن الرفض سوف يجيء من ناحيتها فيعفيني من أن أكون جاحدا لفضل أبيها علي‏..‏ ولقد حاولت هي بالفعل ذلك مع والدها‏,‏ بكل الوسائل فلم تنجح‏,‏ وتمت الخطبة بيننا وهي كارهة‏..‏ وأنا صامت‏,‏ ثم عقد القران وظلت خطيبتي سبع سنوات بعد ذلك تسوف وترفض الزواج مني وتقدم لأبيها المبررات المختلفة لذلك وهو يصر علي ألا تتزوج سواي‏,‏ إلا أن فشلت كل محاولاتها وحددنا موعدا للزفاف وفي ليلة الحنة رفضت خطيبتي أي مظهر من مظاهر الفرح في البيت حتي الزينة الكهربائية التي تعلق علي المنازل رفضتها بإصرار وما أن انتهي الحفل المحدود ليلة الزفاف وأغلق علينا مسكننا حتي انفجرت زوجتي في البكاء وظلت تبكي بكاء متصلا لمدة‏5‏ ساعات كاملة حتي بزغ النهار وفشلت كل محاولاتي للتخفيف عنها وبعد هذه الليلة الكئيبة أمضينا‏45‏ يوما وأنا لا أستطيع الاقتراب منها فإذا حاولت ذلك انفجرت في البكاء أو راحت تتوسل إلي أن أدعها لشأنها فلم أجد في النهاية وسيلة سوي أن أضع لها قرصا منوما في كوب من العصير وبهذه الطريقة فقط أصبحت زوجا فعليا لها وحين أفاقت وأدركت ما حدث انهارت في بكاء شديد وطويل إلي ما لا نهاية‏.‏
وبعد ذلك كنت كلما حاولت الاقتراب منها لا أجد منها سوي البكاء والتوسل‏..‏ وإذا حاولت ملاطفتها أو حتي لمسها بكت وتوسلت حتي تحولت حياتي إلي جحيم‏.‏
وبعد عذاب طويل ومناقشات عديدة فكرت هي إرضاء لربها وليس لي أن يتم ما أريد من خلال أخذها للمنوم‏,‏ ووافقت أنا مضطرا‏..‏ وبهذه الطريقة فقط أنجبنا أطفالنا الذين يحسدنا عليهم الآخرون ورغما عنها لأنها حاولت دائما في كل حمل إجهاض نفسها وفشلت وخلال هذه السنوات كنت دائم السفر‏,‏ وفي كل مرة أرجع فيها إلي زوجتي يكون أول سؤال توجهه إلي هو‏:‏ متي ستسافر؟ وتقضي بعد ذلك معظم أيام اجازتي في بيت والدها‏.‏
وبالرغم من أنني كنت أعمد إخفاء موعد قدومي من السفر‏,‏ فلست أستطيع أن أصف لك وجه زوجتي حين تراني قادما إلي البيت من رحلتي فالضحكة تذبل علي الفور في وجهها وتموت ويتحول إلي الوجه الذي لم أعرف سواه منذ تزوجتها وهو الوجه العبوس‏,‏ وهي التي يحبها الكل وتحبهم ما عداي وتضحك مع الجميع‏,‏ لا تواجهني إلا بهذا الوجه العبوس علي الدوام‏,‏ ولم أشعر معها ولو للحظة واحدة أن بداخلها مشاعر أنثي من عاطفة أو حب أو غريزة أو أي إحساس من أي نوع ما عدا النفور‏,‏ ولم يتغير ذلك لحظة واحدة طوال خمسة عشر عاما هي عمر زواجنا الكئيب حتي الآن وحتي ضاق صدري بها وأصبحت أتمني لها الموت في كل لحظة لأنه لاشيء سيخلصني منها سواه فلقد يئست من كل أمل في اجتذابها إلي بعد أن حاولت بكل الحيل والوسائل ذلك دون جدوي‏..‏ كما أنني لا أستطيع التخلص منها بالطلاق لأني حرمت من الأب والأم ولا أريد لأولادي حياة كحياتي‏.‏
فإذا كان كاتب رسالة الغريزة الأساسية‏..‏ يجد لدي زوجته الحب والحنان والعطف لكنه لا يجد فقط لديها الميل للغريزة فإنني أحيا مع إنسانة بلا غريزة ولا حب ولا عطف ولا حنان وليس هناك في العالم كله شيء يثير مشاعرها فهي إنسانة في الشكل العام فقط وليس لديها شيء من مشاعر الإنسان وأحاسيسه وغرائزه ولست أتجني عليها في ذلك والله شهيد علي ما أقول‏.‏ وأرجو أن أجد لديك الحل الذي لا أستطيع التفكير فيه‏.‏

ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏
أخطأ كل منكما في حق نفسه وفي حق الآخر خطأ بالغا بقبوله هذا الزواج علي كره منه‏..‏ وإن كان خطؤك أكبر ومسئوليتك عنه أعظم‏..‏ ذلك لأنك رجل وكنت تملك أن تعتذر لعمك برقة عن الارتباط بابنته وأن تؤكد له أن اعتذارك هذا لا علاقة له بجحود فضله عليك أو إنكارك لما قدم لك من يد حين تولي تنشئتك بعد أبويك‏,‏ وإنما فقط لأنك وفاء له وعرفانا له بجميله تخشي ألا تسعد ابنته بحياتها معك‏,‏ لأنك تعلم عن يقين أنها لا ترغبك كزوج ولأنك من جانبك لم تحمل لها سوي مشاعر الأخ لأخته‏..‏ لكنك لم تفعل ذلك والتزمت الصمت آملا أن يجيء الرفض من جانبها‏..‏ فلم تقصر هي في إبداء رفضها لك ولا في محاولة إقناع أبيها بالعدول عن هذا الارتباط‏,‏ وسوفت سبع سنوات طوال في تحديد موعد الزفاف‏,‏ ثم استسلمت للأمر الواقع فكيف لم يقنع كل ذلك والدها بأن ابنته لا ترغبك ولن تسعد بحياتها معك؟
وكيف لم تنجح تلك السنوات الطوال في إيجاد أي شيء من القبول النفسي لك لدي زوجتك مادمت قد استسلمت للأمر الواقع وعجزت عن مواصلة الرفض إلي النهاية‏.‏
لقد تواءمت أنت مع حياتك‏..‏ وتنازلت عن اعتراضك الصامت عليها بعد أن تحول زواجكما إلي أمر واقع‏..‏ فلماذا لم تبذل هي أي جهد لقبول حياتها الجديدة والتواؤم معها؟
لقد كان العدل يطالبها ـ مادامت قد ألقت بالراية البيضاء أمام إرادة أبيها وأتمت زواجها منك ـ أن تقبل بحياتها الزوجية‏..‏ أو أن تستجمع إرادتها وتسعي إلي التخلص منها‏..‏ فلماذا اكتفت بالرفض الداخلي لك وتحجرت علي هذا الموقف وحده طوال تلك السنين؟
إنني أتصور أن بعض أسباب رفضها لك هو احساسها بأنها قد أرغمت عليك فتفاعل الإحساس بالقهر في أعماقها وتحول إلي رفض مطلق لك تخالطه رغبة كامنة في عقلها الباطن في الإساءة إليك أو الانتقام منك باعتبارك رمزا لقهر أبيها لإرادتها وإرغامها علي الارتباط بك ولاشك في أنها مخطئة في ذلك بكل تأكيد‏,‏ لأنك زميل لها في هذا القهر ولست رمزا له ولا شريكا فيه وليس من العدل أن تقوم بتحويل مشاعر الغضب التي تملكتها تجاه أبيها‏,‏ من شخص الأب الذي تعجز للاعتبارات الدينية والأخلاقية المعروفة أن تجاهر بمشاعرها السلبية تجاهه‏..‏ إلي شخصك أنت لأنها قد لا تشعر بالحرج الديني من مجاهرتك بالرفض والعداء‏,‏ علي أية حال فإنني لا أري أي أمل في تغير موقفها منك الآن إلا إذا كان لديها من رجاحة العقل والإنصاف ما يدفعها لمراجعة موقفها منك‏..‏ والإقرار بأنك ضحية مثلها ولست جانيا عليها‏,‏ وأنك تستحق التعاطف معك وليس الانتقام من الأب في صورتك‏,‏ فتعتبر زواجها منك بعد كل هذه السنوات زواجا إراديا لها وليس ارتباطا قهريا فرض عليها وتعطي نفسها لأول مرة الفرصة لاكتشاف مزاياك والتفكير فيك كزوج وليس كسجان ينفذ فيها حكما أصدره والدها‏,‏ فلربما يؤدي ذلك إلي بدء صفحة جديدة معك‏,‏ فإن لم تفعل هي ذلك ولم ترغب أنت في الانفصال عنها للأسباب التي أشرت إليها‏..‏ فإنك تستطيع أن تستأذنها في الزواج من غيرها لأنك لا تستطيع احتمال الحياة إلي ما لا نهاية مع زوجة تموت الابتسامة في وجهها علي الفور حين تراك عائدا إليها من السفر‏..‏ وتبكي بالساعات الطوال إذا حاولت الاقتراب منها ولا تستجيب لأية محاولة من جانبك لاجتذابك إليها‏..‏ ولا ينالها زوجها إلا وهي غائبة عن الوعي بتأثير الأقراص المنومة‏,‏ ولم ترغب يوما في أن تكون زوجة له ولا أما لأطفاله وليس من حقها أن ترفض زواجك من أخري في مثل هذه الحالة‏..‏ إلا إذا تحركت فيها بعض مشاعر الأنثي وقررت أن تعيد النظر في علاقتها بك‏.‏
وليس من المستبعد إذا كانت حقا كما تصفها من حيث جحود المشاعر العاطفية والحسية والإنسانية تماما تجاهك‏,‏ ألا تشعر بأنها قد خسرت شيئا كثيرا إذا أنت تزوجت من غيرها‏.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق