الثلاثاء، ١ فبراير ٢٠٠٠

ثورة البركان‏!‏

26-04-2002
أريد أن أروي لك قصتي‏..‏ أنا رجل في الخمسين من عمري‏,‏ قبل سنوات عديدة كنت أشعر بالحب تجاه فتاة جميلة من معارفنا وأخطط لأن أتقدم لطلب يدها وأنتظر تحسن أحوالي المادية لكي أتقدم إليها‏..‏ وخلال ذلك حاولت أن أستشف مشاعرها تجاهي فلم أستطع‏..‏ إذ لم تتجاوز الصلة بيننا عبارات التحية والمجاملة العادية في المناسبات‏.‏ ثم رجع شقيقي الذي يكبرني بأربع سنوات في إجازة من عمله في إحدي الدول العربية ورأي هذه الفتاة وأعجب بها وصارحني برغبته في الزواج منها‏,‏ فكتمت مشاعري تجاهها عنه وعن الجميع وتقدم هو لها ورحبت به هي وأسرتها وتزوجها ورجع إلي عمله ولحقت هي به بعد قليل‏.‏ ثم لم تلبث أن حملت وأنجبت له أول أبنائه‏.‏
أما أنا فلقد تجاوزت الموقف وشغلت بحياتي وعملي عن وعملي سنوات عديدة ولم أتزوج إلا بعد أن بلغت السابعة والثلاثين من عمري وسعدت بزوجتي ووجدت فيها كل شيء جميل ما عدا شيئا واحدا فقط هو صوتها العالي الذي تعودت عليه منذ الشهور الأولي للزواج‏..‏ كما لاحظت كذلك نفورها الغريب من زوجة أخي هذه وعدم ارتياحها لها وغيرتها منها‏..‏ وتعجبت لذلك كثيرا ثم علمت بعد ذلك أنها عرفت ـ ولا أدري كيف بحبي السابق لها‏,‏ ومنذ عامين توفي أخي الأكبر فجأة ورحل عن الحياة ـ يرحمه الله ـ وترك وراءه أبناءه الثلاثة وهم في مراحل التعليم المختلفة‏,‏ فبدأت أقدم لأرملته كل شهر مساعدة مادية لتواجه بها نفقات تعليم الأبناء ومطالب الحياة الكثيرة‏,‏ وأخفيت هذا الأمر عن زوجتي لكيلا تساورها الشكوك في أرملة أخي‏..‏ لكنها عرفت بالأمر كالعادة وراحت تفتعل معي المشاكل وترفع صوتها علي كلما علمت أنني زرت بيت أخي لتقديم المساعدة أو السؤال عن أبنائه‏.‏

واستمر الحال علي هذا النحو سنة وبضعة أشهر بعد رحيل أخي‏,‏ وفي الصيف الماضي تزوجت أرملته زواجا عرفيا علي ورقة معتمدة من أحد المحامين واتفقت معها علي أن يظل زواجنا سريا فلا يعلم به سوي أبنائها فقط‏,‏ وأصبحت بعد ذلك أختلس الفرص للذهاب إلي بيت أخي‏..‏ وأتعلل لزوجتي بمشاغل العمل أو زيارة بعض الأهل‏,‏ وبعد عدة شهور من زواجي السري بأرملة أخي شعرت بأن من واجبي أن أفسر لإخوتي أسباب كثرة ترددي علي بيت أخي الراحل‏..‏ فصارحتهم بأنني قد تزوجت أرملته‏..‏ ولم يعترضوا علي ذلك طلبا لرعاية أبناء شقيقنا ولم يتحمسوا له في الوقت نفسه تحسبا لأثر هذا الزواج علي حياتي العائلية المستقرة ونفسية زوجتي التي يعلمون جيدا أنها لن ترضي عنه‏.‏
غير أن الحياة الجديدة مع أرملة أخي لم تلبث أن كشفت لي عن ماديتها الشديدة فلقد كنت أعينها علي أمرها بقدر استطاعتي مع الحرص علي ألا أخل بالتزاماتي تجاه بيتي وبناتي‏,‏ لكنها بدأت تستنزفني ماديا واشترت شقة جديدة في إحدي الضواحي علي المحارة وأرادت تشطيبها وأرهقتني بمطالبها‏,‏ وحاولت أن ألبي رغباتها من غير أن أظلم أسرتي الأولي بقدر الإمكان ففوجئت بها بعد أربع أشهر فقط من الزواج تضعني بين خيارين لا ثالث لهما إما إعلان زواجنا رسميا وإما الطلاق‏,‏ وعبثا حاولت إقناعها بتأجيل ذلك مراعاة لظروفي العائلية فلم تقبل التأجيل وأصرت علي الطلاق ولم أجد مفرا من طلاقها بالفعل‏.‏ فلم تكد تمضي عدة أسابيع بعد الطلاق وإلا فوجئت بها قد تزوجت من رجل متزوج وله زوجتان أخريان سواها‏..‏ وقد سبق لي أن رأيته مرة أو مرتين ولم أشعر بأي ارتياح تجاهه‏..‏ وقد وعدها الزوج الجديد بأن يؤثث لها شقة أخري تجمعهم ليقيموا فيها معا هو وهي وأبناؤها‏..‏ ولم يف بوعده‏..‏ وإنما أقام مع أرملة أخي وأبنائه في شقتهم وينام علي فراشه‏..‏ وبعد استقراره في هذا البيت راح يفتش في أوراق زوجته فعثر علي ورقة زواجي السابق منها وورقة طلاقي لها‏,‏ وأرسل الصورتين إلي زوجتي التي لم تكن تعلم بأمر زواجي وطلاقي فانفجرت براكينها في وجهي وراحت هي ووالدتها تسبانني بأحط السباب وتحملت ذلك ولم أرد عليهما رعاية لأبنائي‏..‏ وأصرت والدة زوجتي علي أن أطلق ابنتها لكني أكدت لها أنني لن أطلق أبدا أم بناتي‏..‏

ومنذ حدث ذلك قبل عشرة أيام ونحن في نكد دائم‏..‏ وزوجتي تمتنع عني وأنا أصبر عليها لكيلا أهدم بيتي واستقرار بناتي‏..‏ وهي من النوع النكدي ولا يجدي معها الحديث الودي وصوتها مرتفع ويسمعه الجيران‏.‏
فأرجو أن تكتب لها كلمة تطفيء بها لهيب ثورتها وغضبها وأن تشير علي بما أفعل معها من أجل بناتي‏.‏

ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏
حين يثور البركان لا تجدي معه أي محاولة لكبحه أو السيطرة عليه‏..‏ وكل ما يفعله المحيطون به هو أن يتفادوا سقوط الحمم وقطع الصخر المنصهر وكميات الرماد البركاني الأحمر فوقهم‏..‏ ويقيموا نطاقا حوله يمنعون الآخرين من اجتيازه حرصا علي سلامتهم‏..‏ إلي أن يستنزف البركان طاقة الغضب المتأججة في أعماقه‏..‏ ويخمد بعد حين‏.‏
وهكذا الحال مع البشر في غمرة غضبهم الشديد لكرامتهم وحمأة شعورهم بالإهانة ومرارة الغدر‏.‏ فهل تستكثر علي نفسك عشرة أيام من الكدر بعد طعنك لكرامة زوجتك وزواجك السري الطائش ممن تعتبرها زوجتك غريمة لها من البداية وتشعر بالغيرة والنفور تجاهها؟

وماذا كنت تتوقع أن تفعل زوجتك غير ذلك حين تعلم أنك قد اشتهيت أرملة أخيك وسعيت للزواج سرا منها بعد شهور قليلة من رحيل زوجها عن الحياة؟ هل توقعت مثلا أن تزهو بك وتفخر بخيانتك لعهد الوفاء معها وتستقبلك بالورود والأناشيد بعد عودتك الخائبة من هذه المغامرة الفاشلة؟
دعها يا سيدي تنفس عن غضبها بعض الوقت بشرط ألا تخرج عن الحدود المرعية معك‏..‏ واصبر عليها إلي أن تخمد ثورة براكينها ولا تتعجل الأمور‏,‏ فالغضب كالحزن لكل منهما فترة حضانة طبيعية لا يمكن ابتسارها وليس من الصحة النفسية وأدها أو اختصارها قبل أن تستوفي مرحلتها ويتخلص الصدر من كل بخاره المكتوم‏..‏ ويستعيد العقل قدرته علي التفكير الهاديء من جديد‏,‏ ومن حق زوجتك عليك أن تتحمل فترة رعاية الغضب هذه إلي أن تستوفي غايتها‏..‏ وتهدأ نفسها وتستعيد توازنها‏.‏ ومن واجبك أن تقدر لها دوافعها لهذا الغضب العارم وتصبر عليه‏..‏ فلقد طعنت كرامتها كامرأة وزوجة في مقتل حين تطلعت لأرملة أخيك وتزوجت منها زواجا سريا يشبه النزوة أو المغامرة‏,‏ وبدوافع غريزية بحتة وليس بدوافع إنسانية أو عائلية كما قد يفعل أحد الفضلاء حين يبني بأرملة أخيه لرعايتها ورعاية أبنائها من بعده بمباركة الأهل أو ضغطهم عليه‏.‏ وبعلم الزوجة الأولي وعدم معارضتها لذلك‏.‏ ولو لم يكن الأمر لما قبضت يدك عن مساعدة أبناء أخيك بعد خزلان أمهم لك وزواجها من غيرك كما هو الحال الآن‏,‏ ففيم العجب إذن في أن تنفجر براكين زوجتك وأم بناتك حين تعلم بهذه المغامرة الجارحة لكرامتها في حياتك‏.‏ لقد سوغت لنفسك أن تستزيد من المتعة بهذا الزواج السري من أرملة أخيك وراودتك نفسك أن تحقق رغبتك القديمة في الفوز بالمرأة التي اردتها لنفسك في مستهل رجولتك وسبقك إليها أخوك‏,‏ فلم تجد في الحلم القديم ما كان يستحق التطلع إليه ولا الغدر بالزوجة الأولي التي لا تنكر عليها شيئا سوي صوتها المسموع وتكشفت لك الأخري علي الفور عن سيدة عملية تطلب المزيد ولا تقنع بلغة القلب الموهومة‏..‏ وسعت للحصول علي الطلاق منك بعد‏4‏ أشهر فقط من الزواج لتتزوج من غيرك ولعلها رتبت للارتباط به وهي مازالت تحمل اسمك‏..‏ وحين خيرتك بين اعلان زواجك منها أو الطلاق لم تكن تستهدف في حقيقة الأمر أن تعلن زواجك وتحيله إلي زواج رسمي بل كانت تسعي للطلاق لتأكدها من عجزك عن إعلانه لأنه زواج لم يتم في نطاق الأسرة ولن تجرؤ علي مواجهة زوجتك به‏..‏

ومن الأمانة أن يتحمل المرء تبعات اختياراته في الحياة وأن يقبل بها راضيا أو راغما‏,‏ واستشعارك مرارة الخذلان من جانب أرملة أخيك واحد من هذه التبعات‏,‏ وانفجار بركان زوجتك في وجهك ثمن عادل كذلك لما أقدمت عليه‏,‏ ونحن لا ننال العفو بمجرد إبداء الرغبة فيه‏..‏ وإنما نناله بالجهد الجهيد الذي يبدأ بالاعتراف بأخطائنا والندم الصادق عليها ثم التكفير العادل عنها واسترضاء من أسأنا إليهم بطيشنا وحماقتنا‏..‏ وتعويضهم نفسيا وانسانيا عما جنيناه عليهم‏.‏
فهل فعلت شيئا من ذلك مع زوجتك لتعيد التواصل الإنساني بينكما وتعينها علي التجاوز عما حدث من جانبك حفاظا علي الأسرة والأبناء من الانهيار والضياع؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق