الثلاثاء، ١ فبراير ٢٠٠٠

الحلم الغريب‏!‏

22-02-2002
أنا سيدة متزوجة منذ خمسة عشر عاما ولم ينعم علي الله بالإنجاب‏,‏ ولقد عشت مع زوجي حياة هادئة وصبرنا معا علي أقدارنا التي حرمتنا من نعمة الأطفال‏..‏ إلي أن تزوج أخي منذ عام واحد فتاة عطوفا متدينة ونحيلة الجسم‏..‏ فأحبها أخي وسعد بها‏,‏ وأحببتها كذلك لطيبتها وحنانها‏,‏ وأحبها والدي أيضا ووجد فيها نعم الزوجة لابنه‏,‏ وبعد فترة قصيرة من الزواج حملت زوجة أخي‏..‏ وسعد الجميع بهذا النبأ‏,‏ وترقبت أنا بلهفة موعد ولادتها‏..‏ وأنا أتخيل شكل المولود القادم‏..‏ وكم سأحبه‏..‏ وكم سأدلله‏..‏ وكيف سأصبح‏.‏ أما ثانية له بعد أمه الطبيعية‏..‏ وأحدث زوجة أخي بذلك فتقول لي صادقة إن الله سبحانه وتعالي قد أنعم عليها بصحبتنا لها‏,‏ لأننا نعاملها بأفضل مما يعاملها به الأهل‏..‏ وفي الأسابيع الأخيرة من حملها روت لي أنها قد رأتني في الحلم أساعدها علي ارتداء الفستان الأبيض وطرحة الزفاف‏,‏ وأن هذا الحلم قد تكرر أكثر من مرة مع اقتراب موعد الولادة‏,‏ فضحكت لهذا الحلم الغريب‏.‏ وقلت لها أنه حلم مستحيل لأنها قد تزوجت أخي بالفعل وارتدت الثوب الأبيض وطرحة الزفاف‏,‏ لكنها كررت علي روايتها لهذا الحلم بعد ذلك عدة مرات وأكثرت من الحديث عنه بلا داع إلي أن شغلنا باقتراب موعد الولادة والاستعداد لاستقبال المولود السعيد‏,‏ إلي أن شعرت زوجة أخي بمقدمات الولادة وأسرعنا بها إلي المستشفي‏..‏ ودخلت غرفة الجراحة‏..‏ ووضعت مولودة جميلة تشبه أمها في كل ملامحها‏..‏ لكنها صغيرة الحجم عن المعتاد وفسرنا نحن ذلك بنحافة الأم الشديدة‏,‏ وقيل لنا إنها ستوضع في الحضانة لبضعة أيام قبل أن نستطيع اصطحابها معنا إلي البيت‏..‏ وخلال ذلك خرج إلينا الطبيب الذي أشرف علي ولادة زوجة أخي منفعلا‏,‏ وقال لنا إنها أشرفت علي الهلاك أكثر من مرة خلال العملية‏,‏ لأن قلبها ضعيف ورئتها ليست سليمة‏..‏ وأن هذه الزوجة لم تكن تحتمل الحمل والإنجاب من الأصل‏,‏ ونزل علينا كلامه كالصاعقة‏..‏وشعرنا بالأسف لهذه الشابة الرقيقة‏..‏ ورجعنا بها إلي البيت بعد يومين وتركنا الطفلة في الحضانة لتستوفي فترتها‏..‏ ودعونا لها من قلوبنا بأن تستعيد عافيتها سريعا لتستطيع رعاية مولودتها‏..‏ لكن حالتها تدهورت فجأة بعد أربعة أيام أخري‏..‏ واستدعي أخي سيارة الإسعاف لنقلها إلي المستشفي‏..‏ وصاحبناها فيها وأخي يحنو عليها‏..‏ وأبي يدعو لها بالشفاء‏..‏ وأنا أغالب دموعي‏..‏ وأقرأ لها آيات الذكر الحكيم في سري‏..‏ فلم تكد السيارة
تقترب من المستشفي حتي كانت قد غادرت الحياة‏..‏ يرحمها الله‏..‏ وانفطر قلبي من الحزن عليها وبكيت طويلا‏..‏ وتذكرت حلمها الغريب الذي طاردها خلال الأسابيع السابقة للولادة‏..‏ وفهمت مغزاه الحزين‏..‏
وودعنا الشابة الطيبة العطوف إلي مستقرها الأخير‏..‏

وذهبت في اليوم التالي إلي المستشفي وأخذت المولودة الصغيرة‏..‏ وغمرتها بدموعي وقبلاتي وحبي‏.‏
ومضت الأيام حزينة وثقيلة‏..‏ فلم يخفف عنا شيء من قتامتها إلا وجه هذه المولودة البرئ‏.‏

فلقد أصبحت نورا من السماء دخل حياتي فأضاء كل جوانبها ومضت بي الأيام وأنا أتردد بين حزني علي فراق أمها‏..‏ وفرحي بوجودها في حياتي‏..‏ وأسفي علي أخي الذي وئدت سعادته سريعا وقد عوض الله صبري وحرماني من الأطفال‏15‏ عاما‏..‏ بهذه الهدية الثمينة‏,‏ ووقع حبها في قلبي‏..‏ وفي قلب زوجي منذ اللحظة الأولي لدخولها حياتنا‏..‏ وإني لأرجو الله سبحانه وتعالي أن أحقق فيها حلم أمها القديم وأن يمد الله في عمري حتي يجئ اليوم الذي أضع فيه بيدي طرحة الزفاف علي رأسها وأساعدها علي ارتداء فستانها الأبيض الجميل بإذن الله‏..‏ فادع الله معي أن يمكنني من ذلك وأن يعينني علي إسعاد ابنتي وابنة أخي الوليدة هذه‏.‏
والسلام عليكم ورحمة الله‏.‏

ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏
بعض البشر يستشعرون قرب الرحيل بطريقة غامضة ويتسمعون أجراسه في أعماقهم‏..‏ ويبدو أن زوجة شقيقك الراحلة كانت من هذا النوع من البشر المحكومين بأقدارهم‏,‏ والذين لاتطول غالبا رحلتهم مع الحياة ويخلفون وراءهم دائما أطيب الأثر‏,‏ وما كان حديثها المتكرر عن ذلك الحلم الغريب لك إلا تعبيرا عن مخاوفها الغامضة من دلالاته‏..‏ وإشاراته‏,‏ ولقد أكثرت من الحديث معك عنه كأنما كانت تشعر في أعماقها أنك من سوف تحدب علي وليدتها من بعدها‏.‏ وتكونين لها أما حقيقية بعد أمها الراحلة يرحمها الله‏.‏
وقديما قال بن عطاء الله السكندري‏:‏ قال أهل المعرفة‏:‏ من لم يدبر دبر له‏!‏

وقال أيضا في دعائه‏:‏ اللهم أشهدنا من حسن اختيارك لنا ما يجعل ما تقضيه فينا وتختاره لنا أحب إلينا من مختارنا لأنفسنا‏..‏
وهذه المولودة البريئة هي اختيار الله سبحانه وتعالي لك‏..‏ لكي يعوضك عن حرمانك من الإنجاب وصبرك علي أقدارك وتسليمك بمشيئته‏..‏ طوال خمسة عشر عاما وأنت في نفس الوقت اختياره لهذه الوليدة الذي يعوضها به عمن وهبتها الحياة‏..‏ ورحلت عنها قبل أن تحنو عليها‏.‏

ولسوف يحقق الله عز وجل لك كل ما ترجينه لها‏..‏ ولسوف تملأ حياتك وحياة زوجك بالبهجة والسرور‏..‏ والشواغل الحبيبة إلي أن يتحقق الجانب السعيد من حلم أمها القديم بإذن الله‏..‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق