الثلاثاء، ١ فبراير ٢٠٠٠

ضــــد التيـــــــــــــار

01-11-2002
أكتب لك قصتي وأطلب منك أن تبدي رأيك فيها بكل صراحة ووضوح مع الشكر لك مقدما‏,‏ فأنا فتاة في الخامسة والعشرين من عمري متوسطة الجمال وسمراء وخفيفة الظل‏,‏ أقيم بإحدي المدن الساحلية وحاصلة علي شهادة جامعية ومن أسرة كبيرة جدا ولي شقيق واحد يصغرني ـ بدأت قصتي وأنا في السنة الثانية بكليتي حين تعرفت علي شاب يسبقني في الدراسة بعام أحبني جدا وطلب الارتباط بي وفكرت في أمره ورأيته مناسبا لي من ناحية الأسرة والمستوي المادي‏..‏ فتقدم لأبي وأمي وخطبت له واستمرت الخطبة عاما اكتشفت خلاله أنه لا يستطيع تحمل أية مسئولية وضعيف الشخصية أمام أبويه وكثير العلاقات مع فتيات أخريات‏,‏ ففسخت الخطبة وبعد فك ارتباطي به أقنعني أبي وأمي والأسرة بأنني لا أصلح لاتخاذ القرار الصائب في مسألة الزواج بدليل سوء اختياري لخطيبي‏..‏ وسلمت لهم بذلك ثم قدمت لي الأسرة رجل أعمال عمره‏40‏ عاما ومستواه المادي مغر جدا لأية فتاة‏,‏وبالرغم من عدم اقتناعي الكامل به فقد تأثرت برأي أهلي في سوء اختياري لنفسي ووافقت عليه وتزوجته خلال ثلاثة أشهر‏..‏ وكان لطيفا معي ومع أسرتي في البداية‏,‏ لكنه بمرور الأيام تكشف لي بخله وكانت كل المشاكل التي وقعت بيننا بسبب البخل‏,‏ فساءت العلاقة بيننا ولم أستطع العيش معه أكثر من ذلك فطلبت الطلاق منه وحصلت عليه بعد عام ونصف العام من الزواج‏,‏ وحمدت الله علي أنني لم أنجب منه أطفالا وبعد طلاقي أتسعت أوقات الفراغ أمامي فطلبت من أبي أن يبحث لي عن عمل ملائم من خلال علاقاته الاجتماعية واتصالاته‏,‏ وبالفعل أوجد لي أبي عملا بأحد البنوك وذهبت إلي العمل وأنا سعيدة بأنني سأثبت وجودي ولو لمرة واحدة في حياتي بعد ما مررت به من فشل‏..‏ وأقبلت علي عملي بنشاط وبعد‏6‏ أشهر لاحظت اهتمام مدير البنك بي‏..‏ وشككت في دوافع هذا الاهتمام لكني لم أصدقها‏,‏ إلي أن جاء إلي الساعي الخاص به يستدعيني ذات يوم لمقابلة المدير في مكتبه فذهبت‏,‏ وما أن دخلت عليه حتي قال لي باهتمام‏:‏ أجلسي واستمعي جيدا لما سأقوله لك‏..‏ أريد أن أتزوجك لأني أحبك منذ رأيتك لأول مرة‏!‏

وذهلت لما سمعت وطلبت وقتا للتفكير‏,‏ وانصرفت ولم أبح بكلمة لأحد مما سمعت ولم أستشر أحدا ورحت أفكر في أمره بروية‏,‏ أن مركزه الوظيفي كبير ومركزه المالي ممتاز‏,‏ وهو رجل وسيم ومن أسرة كبيرة وهو موضع احترام الآخرين فماذا يعيبه بالنسبة لي إذن؟ شيء واحد فقط هو أن عمره‏60‏ عاما وأنا عمري‏25‏ عاما وفارق السن بيننا‏35‏ عاما‏,‏ فماذا سيكون موقف أسرتي وماذا يقول عني الأهل؟ ولم أتوصل إلي قرار بالرفض أو بالقبول‏,‏ لكن الأيام والأسابيع مضت فبدأت أشعر بأنني أحبه وأن قلبي ينبض لأول مرة ويختار فأبلغته بموافقتي‏,‏ وشجعته علي مقابلة أبي‏..‏ فذهب إليه وطلب يدي فقوبل منه بالسخرية والضحك لأنه في نفس عمره‏,‏ ولم يكتف أبي بذلك بل وطرده أمامي فخرج وهو في قمة اليأس‏,‏ وفي اليوم التالي استدعاني إلي مكتبه وسألني عن رأيي فأكدت له أنني لن أتخلي عنه‏,‏ فلم ييأس وبعد شهر رجع إلي زيارة والدي وطلبني منه مرة أخري فرفض وطرده ثانية‏.‏ وبعد هذه المقابلة قرر أبي منعي من العمل لكيلا يؤثر علي مديري خلال العمل‏,‏ ومنعني من الخروج ومن الاتصال بصديقاتي وفرض علي الاتصالات الواردة لي رقابته فكان يرد علي التليفون أولا ويتأكد من أن الطالب إحدي صديقاتي قبل أن يعطيني السماعة‏,‏ لكن البنت حين تقع في الحب لايحول بينها وبين ما تريد حائل فاتفقت مع صديقة لي علي أن تذهب إلي مكتب مدير البنك وتطلبني من عنده فيرد عليها أبي‏,‏ ويعطيني السماعة فتعطيها هي له‏,‏ وتحدثت إليه واتفقت معه علي مقابلته كلما سنحت الفرصة‏,‏ وقابلته أول مرة ولمدة ساعة فبكي وراح يقبل يدي ويطلب مني ألا أتركه أبدا لأنه يحتاج إلي بشدة‏,‏ فمرضت من كثرة التفكير والسهر والاكتئاب‏..‏ ولم أستطع التحمل أكثر من ذلك فوافقت علي الزواج منه سرا وتزوجنا زواجا شرعيا لدي المأذون‏,‏ ولكن في السر‏,‏ وكتب لي الشقة بإسمي وأودع لي بحسابي في البنك مبلغ‏50‏ ألف جنيه‏..‏ ولم يعرف أحد بزواجي منه وكنا نتقابل سرا فتكون الساعة التي أقضيها معه هي أجمل ساعة في حياتي‏,‏ فهو سخي في كل شيء‏..‏ في الحنان والعطاء والحب والمال ويحبني بجنون‏,‏ ولم أشعر بفارق العمر هذا الذي تحدثوا عنه كثيرا‏,‏ وبعد مرور ثلاثة أشهر علي زواجنا عرفت أنني حامل‏,‏ فواجهت أسرتي بالحقيقة‏..‏ وثاروا علي ثورة هائلة وطردوني من البيت فذهبت للإقامة في بيت الزوجية وانقطعت كل صلة لي بأبي وأمي وأهلي‏..‏ ومضت ستة أشهر دون أن يتصلوا بي وجاءت ساعة الولادة وأنجبت طفلا وسميته

علي إسم أبي‏,‏ وبعد خروجي من المستشفي حملت طفلي وذهبت إلي بيت أهلي لكي يروه ويصفحوا عني وعن زوجي‏,‏ لكنهم لم يسمعوا مني كلمة واحدة وطردوني‏..‏ وكلما اتصلت بهم أغلقوا سماعة التليفون في وجهي وحتي أخي منعوه عني‏.‏ وأنا لا أريد سوي رضائهم عني وعن زوجي وابني‏,‏ لأني وجدت السعادة بين يدي فاخترتها‏..‏ وكان اختياري حسنا‏,‏ وسؤالي لهم هو لماذا يعتقدون أن الرجل صغير السن المناسب لي سيكون كاملا في كل شيء وبه كل المواصفات الجيدة‏..‏ ولماذا يعتقدون أن كبير السن يقترب من الموت بسرعة وصحته ضعيفة ولديه أمراض كثيرة؟
إنني بعد التجارب التي عشتها أرجو كل أب وكل أم معالجة الأمور بالمناقشة المقنعة للابن أو البنت مع احترام رغبات الأبناء وآرائهم‏,‏ لأن الشكليات العائلية ليست كل شيء‏.‏

وأرجو منك أن تكتب لي رأيك بصراحة‏.‏ وأن تقول لي بوضوح‏:‏ هل أخطأت فيما فعلت وهل فارق السن الكبير عيب أو حرام أو عدم تكافؤ؟‏!‏ إنني أتوسل إليك أن تطرح قصتي لكي يقرأها أبي وأمي وأخي والعائلة ويصفحوا عني لنرجع كما كنا أسرة سعيدة دون تفرقة وبغير خصام فأنا سعيدة في حياتي‏..‏ وكل ما أطلبه من أهلي هو أن يرضوا عني لكي تكتمل بهم السعادة‏..‏ لأني لا أنام وأبكي كثيرا بعد أن اشتدت علي وحشة الأهل‏.‏

ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏
ترقبت طوال قراءتي لرسالتك أن تشيري إلي حالة زوجك الاجتماعية حين تزوجت منه علي غير إرادة الأهل‏,‏ فلم أجد اشارة واحدة إليها وتجاهلك لهذا الجانب الجوهري من شخصية الرجل الذي ارتبطت به‏,‏ وخرجت علي طاعة أهلك من أجله‏,‏ يرجح لدي الظن أنه لم يكن عزبا في الستين من عمره فاته قطار الزواج‏..‏ وانهارت حصونه فجأة أمام فتاة صغيرة توسم فيها إمكان قبوله زوجا لها‏,‏ وإنما كان في أغلب الأحوال رجلا متزوجا وله من زوجته الأولي أبناء بعضهم يماثلونك في العمر وقد يكبرك بعضهم الآخر ولربما كان مطلقا أو أرمل ذا أبناء‏.‏
وقديما قال أحد الحكماء لمن جاء يطلب منه المشورة‏:‏ إذا لم أعرف كل جوانب القضية التي تعرضها علي بصدق فإن رأيي سيكون عبئا عليك أكثر منه عونا لك‏.‏لكن تجاهل هذا الجانب من شخصية زوجك رغم جوهريته يتسق في رأيي مع ما استشعرته في رسالتك كلها من إعلاء مطلق للاعتبار المادي فوق كل الاعتبارات‏..‏ فلقد ذكرت عن خطيبك الأول في مرحلة الجامعة أنه كان مناسبا لك من ناحية المستوي المادي وكان ذلك من عوامل أفضليته لديك‏,‏ وذكرت عن زوجك رجل الأعمال أن مستواه المادي كان مغريا جدا لأية فتاة‏,‏ ولهذا قبلت به زوجا‏,‏ ثم تكشف لك عن حرص لا يتفق مع طموحاتك المادية‏,‏ ثم قلت عن زوجك الحالي أنك فكرت في أمره فوجدت مركزه الوظيفي جيدا ومركزه المالي ممتازا فبدأت تتجاوبين مع مشاعره العاطفية‏,‏ إلي أن تزوجت منه سرا فكانت مكافأته المادية لك تسجيل الشقة باسمك وإيداع‏50‏ ألف جنيه في حسابك بالبنك‏..‏ فماذا يعني هذا الاهتمام الطاغي بالاعتبارات المادية أيتها السيدة الشابة‏,‏ وكيف يتفق مع قولك عن نفسك أنك من أسرة كبيرة جدا‏..‏ وما قيمة الأشياء إن لم تحرر الإنسان من الاحتياج المادي للغير أو لم تحمه من الخضوع للإغراءات المادية

وتقديم التنازلات من حياته الشخصية للحصول علي ما يتطلع إليه؟‏!‏ أنها مأساة حقيقية أن يقدم البعض الاعتبارات المادية علي كل الاعتبارات الأخري علي هذا النحو وأن يستبدلوا بالقلوب في حنايا الصدور آلات حاسبة لا تعرف إلا لغة الأرقام وحدها‏..‏ والمؤسف حقا أن يكون هذا البعض من الشباب الذي تمتد الحياة أمامه وتتسع لتحقيق الأحلام بالكفاح الطويل‏,‏ وليس بجني ثمار حدائق الآخرين‏..‏ انك كمعظم من يحاولون تبرير خروجهم علي قوانين الحياة تتعللين بأنك قد وجدت السعادة مع زوجك الذي يكبرك بـ‏35‏ عاما‏..‏ ولقد تكونين كما تقولين لنفسك قبل الآخرين سعيدة بحياتك الجديدة بالفعل‏..‏ ولكن إلام تدوم مثل هذه السعادة يا ابنتي وهي مهما كانت حقيقية أو مكثفة سعادة مسروقة بحكم العوامل القدرية التي لا حيلة لأحد فيها وسباحة ضد تيار لا يصمد أمامه أحد مهما أوتي من قوة‏,‏ لأنه تيار الزمن؟‏!‏
إن قوانين الحياة الطبيعية أولي دائما بالاتباع فإذا كان ثمة أستثناء هنا أو هناك فإن الاستثناء مهما تكرر لا يصنع قاعدة أبدا‏..‏ ولا يصلح لأن يكون مثالا يحتذي‏,‏ شأنه في ذلك شأن ما يقوله الفقهاء عن غريب الفتوي‏:‏ يبقي الشاذ من الفتيا كما هو ولا يقاس عليه‏.‏

ولقد تحدثت عن سباحتك ضد التيار وتحديك بعض قوانين الحياة وتطلعاتك المادية المؤسفة التي أثرت علي اختيارك لحياتك‏,‏ ولم أشر بعد إلي جرمك الأكبر في حق أبويك وأسرتك وأهلك وهو زواجك سرا بمن رفضه أبواك اشفاقا عليك من نفسك وحماية لك من اندفاعك الأهوج‏,‏ فكانت مكافأتهما منك هو التسلل بليل إلي من رفضوه حبا لك وحرصا عليك‏..‏ والزواج منه في غيبة الأهل‏..‏

ثم تشكين الآن من أنك تفتقدين وجودهم في حياتك‏..‏ وتشعرين بالوحشة في بعدهم عنك‏..‏ وتريدين اكتمال سعادتك بصفحهم عنك وقبولهم لك واجتماع شملكم من جديد كأسرة سعيدة‏,‏ فهل بذلت كل ما في الوسع حقا لاسترضائهم ومحو المرارة من قلوبهم؟ وهل صبرت علي عقابهم المعنوي لك إلي أن تهدأ النفوس الثائرة وتصفو من شوائبها؟‏!‏ إنه بقدر الجرم يكون التكفير‏..‏ ولقد أجرمت في حق أبويك وأسرتك جرما منكورا بزواجك السري ممن أخترته رغما عنهم‏..‏ فتقبلي عقابهم لك في صبر وواصلي سعيك لاسترضائهم وتحملي منهم الأذي المعنوي بعض الوقت‏,‏ كما كابدوا هم احساس المرارة‏..‏ والغدر‏..‏ والأسي‏..‏ باكتشافهم ما فعلت‏..‏ ولو لم تكوني قد أنجبت من زوجك الحالي ابنا لا ذنب له في تفكير أمه المادي ولا في صبابة أبيه‏,‏ لأشرت عليك بالانفصال عن زوجك والعودة لأحضان أهلك وتصحيح مسارك في الحياة‏..‏ لكنه قد فات آوان تصحيح الأخطاء الآن‏..‏ وقد يؤدي تصحيح بعض الأخطاء أحيانا إلي أضرار إنسانية أفدح من استمرارها علي حد قول أمير الشعراء‏:‏ وأخف من بعض الدواء الداء‏!‏ فاعتصمي إذن بالصبر علي أبويك‏..‏ والتمسي لهما العذر فيما تغلي به الصدور من الحنق والغضب عليك‏..‏ ولا تكفي عن طرق أبوابهما إلي أن تخمد نار الغضب ـ وترق القلوب‏..‏ وتأذن لهما بالصفح عنك‏.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق