الثلاثاء، ١ فبراير ٢٠٠٠

الخطوة الأولي‏!‏

29-03-2002
أنتهز فرصة وجودي بمصر لكي أخبرك عن قصتي‏..‏ فأنا فتاة في العشرين من عمري ولدت بمصر وسافر أبي بنا إلي الولايات المتحدة وعمري‏7‏ سنوات‏,‏ ولم يهتم بنا بعد ذلك أبدا ونسي كل شيء عني وعن شقيقي‏..‏ وهما اثنان أحدهما يكبرني بعام واحد والآخر بعامين‏,‏ أما أمي فقد أصبح عملها وصديقاتها هي كل اهتماماتها‏.‏ لهذا اهتم بنا أخي الأكبر وأخذ يعلمنا الصلاة‏,‏ وكنا نصلي معا ونذهب للمركز الاسلامي ونحفظ القرآن الكريم‏,‏ وأصبحت لي صديقات متدينات كثيرات‏,‏ وعندما أصبحت‏(15‏ عاما‏)‏ بدأت تعلم اللغة العربية التي لم أكن أعرف عنها شيئا‏,‏ وكنت أكره أبي وأمي جدا لكن أخي الأكبر أخبرني أن هذا حرام ويجب أن أبرهما‏..‏ وفي الولاية التي أقيم فيها مسلمون كثيرون‏,‏ وهناك أيضا بعض الأمريكيين الذين حاولوا مضايقتي في المدرسة‏,‏ لكن أخي كان معي دائما فلم يجرؤ أحد علي التحرش بي‏..‏ وعندما ارتديت الحجاب أقامت لي صديقاتي حفلة لا أنساها أبدا في المركز الاسلامي‏..‏ وفي الأعياد كنا نصلي معا في المركز ونستمع إلي خطبة العيد الجميلة‏..‏ وكنت أعشق دائما منظر المسلمين وهم يتجمعون للصلاة‏,‏ أما أبي وأمي فكانوا يظلان في المنزل ولايصليان أبدا وكنت وأخواي دائما نسألهم أن يأتون للصلاة فكانا يرفضون كأنما نسألهم الذهاب إلي الجحيم‏.‏
وذات يوم رجعت مع الأخوين إلي البيت من صلاة الفجر فوجدت أبي وأمي يتصايحون بصوت عال وأشار لي أخي بألا ندخل‏..‏ وظللنا خارج البيت حتي انتهي الصياح وهممنا بأن ندخل فوجدنا أمي تدفع الباب بشدة وتخرج ثم تركب السيارة‏..‏ وحاولنا إيقافها لكنها لم ترد علينا وذهبت في طريقها ودخلنا البيت فوجدنا أبي يضع كفيه علي وجهه ويبكي في صمت وعانقناه متسائلين‏,‏ فقال لنا إن أمي علي علاقة غير شرعية مع زميلها في العمل‏..‏ وأحسسنا بصدمة‏,‏ وفقد أخي الأوسط وعيه‏,‏ وقضينا أياما حزينة في المنزل‏,‏ ولم نذهب أنا وأخي الأوسط إلي المدرسة‏,‏ ولم يذهب أخي الأكبر إلي كليته‏,‏ ولم يذهب أبي إلي المستشفي الذي يعمل به جراحا‏.‏
وبعد حوالي أسبوعين حاول أبي وأخي الأكبر الاتصال بأمي فلم ترد عليهما‏,‏ وبدلا من أن تعود إلي أسرتها طلبت الطلاق من أبي وقالت إنها سوف تذهب إلي القضاء إذا لم يعطها الطلاق‏,‏ فطلقها أبي وأحس بالانهيار وأصبح لون وجهه أبيض‏,‏ فنقص وزنه كثيرا وشعرت بالحزن من أجله فخففنا عنه‏,‏ وحصل هو علي اجازة للراحة النفسية‏,‏ ثم بدأ يذهب إلي المسجد وأصبح يستيقظ من النوم للذهاب لصلاة الفجر معنا‏.‏
وفي الأيام التي لا أصلي فيها شرعا‏,‏ كان يطرق علي باب غرفتي ويسألني إذا كنت سأصلي فأخبره بأنني لن أصلي‏..‏ وأحسست أنني أحبه كثيرا‏,‏ وكذلك أحس أخواي كما أحسسنا بأن حياتنا ستبدأ من جديد‏..‏ ثم التحقت بالجامعة وسط سعادة أبي والأخوين‏,‏ وسافرنا إلي مصر وقضينا فيها شهرا جميلا وقابلت أقاربنا الذين لم نراهم أبدا وأحبونا وأحبوا أبي‏.‏
وفي عيد من أعياد الفطر وأنا‏(19‏ سنة‏)‏ ذهبنا للصلاة‏..‏ وتوجهت أنا إلي قاعة النساء وأخبرني أخي الأوسط أنه متعب ولن ينتظر حتي يسمع الخطبة‏,‏ وأنه بعد الصلاة سيجلس في السيارة‏..‏ وعندما انتهت الصلاة فكرت في أن أذهب للسيارة وأسمع الخطبة من هناك حتي لايكون أخي وحيدا‏.‏
وعندما ذهبت إليه وجدته يقف خارج السيارة مع شاب أمريكي مسلم لا أعرفه لكني أعرف أن الشابات يحبونه جدا لأنه قوي الايمان وقوي الحياء ومتفوق دراسيا‏.‏
ورآني أخي أنظر اليهم فأشار لي ثم أعطاني مفتاح السيارة لأنتظر فيها‏,‏ وبعد قليل وجدت أبي وأخي الأكبر ووالد هذا الشاب الأمريكي يخرجون من المركز وودعوا بعض كأصدقاء قديمون‏,‏ ورجعنا إلي المنزل وأخبرني أبي أنه يجب ألا أخرج لأن والد هذا الشاب ووالدته قادمون لزيارتنا بعد وقت قصير‏,‏ ورأيت أخي الأكبر وأخي الأوسط ينظرون إلي أبي بطريقة غريبة ولم أفهم‏!‏
وبعد حوالي ساعتين جاءوا ونزلت لأستقبل أم الشاب واصطحبتها إلي غرفة الجلوس فأخذت تسألني عن حالي ودراستي‏..‏ وأخبرتني عن إبنها الوحيد وكيف دخلوا الاسلام منذ‏5‏ سنوات‏,‏ وكانت عندها روح مرحة وقالت لي إن ابنها رآني مرتين أو‏3‏ مرات ومعجب بي جدا ويريد أن يكمل نصف دينه‏!‏ فشعرت بإحساس غريب لأني كنت أنوي أن أتزوج عربيا أو مصريا‏..‏ وهذه أسرة أمريكية‏,‏ فأخذت أنظر للأرض وأنا لا أعرف ماذا أقول‏,‏ فقالت لي الأم ألا أقلق واصطحبتني إلي الخارج ليراني ابنها فلم ينظر لي سوي مرة واحدة وكان وسيما جدا ويتكلم بصوت هامس ووجهه يشع ضوءا وعمره‏23‏ سنة‏..‏ واصطحبني أبي إلي غرفة جانبية وسألني عن رأيي فظللت صامتة فترة ثم ابتسمت‏..‏ فعانقني أبي وقبلني وخرج وقضي الضيوف معنا‏30‏ دقيقة وراح والد الشاب وهو جراح زميل لأبي ورجل محترم يتكلم معي مثل إبنته ثم خرجوا وبدون أي كلمة عانقني أخواي بجنون‏!‏ وأخذوا يتحدثون عن الشاب وعن خلقه‏.‏
وبعد ذلك بيومين جاء الشاب ومعه خاتم الخطبة وقدمه لي وبدأ يتردد علي المنزل عندما يكون أخواي أو أبي فيه ويأتي بهدايا تسعدني دائما‏.‏
وفي الشهر قبل الماضي طلب الزواج واشتري لي بيتا جميلا في نفس الولاية واصطحبتني أمه لشراء فستان الزفاف الأبيض الجميل وأقامت لي صديقاتي حفلا جميلا‏.‏ وكان يوم الزفاف في المركز الاسلامي يوما جميلا وأعطاني أبي خاتما ماسيا كان لأمه وقال إنه غال عليه لأن أمه غالية عليه‏,‏ وبكي أخواي عند الفراق‏,‏ ثم ذهبت مع زوجي إلي المنزل فوجدت هدايا كثيرة من أبي وأخي وأخي وأقاربي في مصر وصديقاتي وأصدقاء زوجي‏,‏ وأخبرني زوجي أن أمامي ساعة لكي أعد حقيبة سفري‏,‏ لأننا سنقضي أسبوعين في إحدي الجزيرات المشهورة‏,‏ وأنه أخبر أبي بذلك‏,‏ ففعلت وسافرنا ووجدت زوجي حنونا رقيقا ويحبني جدا أكثر مما كنت أظن‏,‏ وبعد أن عدت من الاجازة الرائعة اهتم بي وبدراستي وأخذ يساعدني ويعينني أعانه الله علي الخير ويسأل عني الأساتذة دائما ويتذكر عيد ميلادي ويحضر لي الهدايا وأحضر له أنا هدايا من الكتب الاسلامية أوالعطور لأنه يحب ذلك‏..‏ وسألته هل هناك مشكلة في أنني‏(19‏ سنة‏)‏ فقط‏,‏ فقال لي إنه يحبني علي هذا الحال‏...‏ ولم يتزوجني إلا لأنه يحبني وإنني سرقت قلبه وجعلته لا ينام‏,‏ فضحكت علي ذلك‏,‏ لأن زوجي يبالغ كثيرا في تأثير سحري عليه‏,‏ ووجدته صديقا لأخوتي جدا وبارا بأبي ورقيقا في معاملاته‏,‏ ويوقظني كل يوم لصلاة الفجر‏,‏ ويعرف متي يداعبني ومتي يتوقف ومتي يمزح ومتي لا يمزح وأحببت أنا أبوه وأمه جدا‏.‏
ونحن الآن في مصر لأنه أراد أن يقابل أقاربي الذين أحبوه جدا‏,‏ إنني أعشقه بمرور الأيام وأجد كل يوم ما يقربني منه‏,‏ لقد كانت حياتي سيئة غريبة‏,‏ والآن هي حياة رائعة‏,‏ وأقول لكل من عاني من أي شيء في حياته إن المولي لاينسي أحدا أبدا‏,‏ وأرجو ألا تكون لغتي العربية السيئة قد أغضبتك وأتمني أن توجه كلمة لزوجي أترجمها له وجزاك الله خيرا‏.‏

ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏
كلما ازداد استعدادنا للعطاء‏..‏ ازداد ما نحصل عليه من فرص السعادة والنجاح في الحياة‏.‏ هكذا قال صادقا ذات يوم الأديب البرازيلي الحكيم باولو كويلو‏..‏ وهكذا تثبت لنا تجربة الحياة في كثير من الأحيان‏.‏ وفي قصتك الجميلة هذه التي سعدت بها‏,‏ وأشكرك علي تجشمك عناء إخباري بها بالرغم من حداثة عهدك بتعلم اللغة العربية والأخطاء اللغوية العابرة التي يمحو أثرها طهر الاحاسيس وصدق المشاعر‏,‏ فلقد كان العطاء أيضا هو تميمة الحظ السعيد في حياتك‏..‏ والخطوة الأولي الموفقة في ارتباطك بهذا الشاب الوسيم الملتزم دينيا وأخلاقيا‏,‏ والذي تحبه الشابات‏,‏ كثيرا لإيمانه وحيائه وتفوقه الدراسي ــ كما تقولين عنه بصدق ــ فلقد أشفقت ياسيدتي الصغيرة علي شقيقك الأوسط من أن يبقي في سيارة الأسرة وحيدا خلال خطبة العيد في ذلك الصباح الغريب‏,‏ فغادرت المركز الاسلامي قبل سماعها لتنضمي إليه وتؤنسي وحدته‏..‏ فكان هذا العطاء الأخوي البسيط الذي لا يكلفك شيئا كثيرا‏..‏ ويعكس في نفس الوقت دفء مشاعرك العائلية‏,‏ هو بداية السعادة والتوفيق في حياتك الزوجية بإذن الله‏...‏ ورآك ذلك الشاب الأمين للمرة الثانية أو الثالثة وأسره جمال روحك واحتشام مظهرك‏..‏ وعمق التزامك الخلقي والديني‏..‏ وتأكد ربما في تلك اللحظة فقط من صدق رغبته فيك‏..‏ وحسن اختياره لك‏,‏ فحسم أمره بشأنك وفاتح أبويه بقراره‏.‏ وبدأت أول فصول هذه القصة السعيدة‏,‏ ولو لم تستجيبي لدفء مشاعرك الأخوية في ذلك الصباح وتخرجي للحاق بأخيك الأوسط أمام المركز لربما كانت السعادة التي ترصدتك بجوار سيارة الأسرة قد تأجلت إلي فرصة أخري‏..‏ أو لربما كانت أقدار هذا الشاب قد ساقته للاعجاب بشابة أخري من المترددات علي هذا المركز والارتباط بها‏.‏
لكن هكذا شاءت السماء أن تكافئك علي طهر مشاعرك الأخوية وصدق التزامك الخلقي وتعوضك عن أحزان السنوات الماضية وتزلزل كيان الأسرة بانسحاب الأم من حياة أبنائها وايثارها لسعادتها الشخصية علي سعادة هؤلاء الأبناء وأمانهم‏.‏
فإذا كان في قصتك ما يستحق الأسف له حقا إلي جوار تهدم بنيان الأسرة بالخيانة الزوجية والطلاق‏,‏ فهو أن تجري كل فصول تعرفك علي هذا الشاب الأمين وخطبتك له واستعدادك للزواج منه في غياب من كانت تفرض عليها أمومتها لك أن تكون إلي جوارك في هذا الموقف المصيري‏,‏ لترعي خطاك وتشير عليك بما فيه صلاح أمرك وأنت تبدئين حياتك الجديدة‏.‏
لكنه لا عجب في أن تغيب عنك أمك في مثل هذا الموقف‏,‏ وقد تخلت عن حياتها العائلية كلها اتباعا لهواها‏..‏ ولا عجب أيضا في أن تكون هذه المحنة الشخصية هي الشرارة التي فجرت المشاعر الأبوية الخامدة في قلب أبيك تجاهك وتجاه أخويك‏,‏ فرجع إلي احتضانكم جميعا من جديد وازداد اقترابا منكم بعد طول انشغال عنكم بأمور الحياة‏,‏ وعرف طريق الالتزام الديني‏,‏ وعوض بعودته للحضور المكثف في حياتكم غياب الأم وافتقاد دورها‏...‏
فإن كان هناك من يستحق التحية كذلك في هذه القصة فهو شقيقك الأكبر الذي قام بدور الأب الراعي والعطوف في حياتك وحياة أخيك الأوسط‏,‏ حين كان الأبوان مشغولين بدنياهما عن شئون دينهما وأبنائهما وعائلتهما‏..‏ فحماكما بذلك من كثير من الشرور وحفظ عليكما صوتيكما‏,‏ وقاد خطاكما إلي طريق الالتزام الخلقي‏,‏ مما رشحك في النهاية للسعادة الزوجية والأمان‏..‏ فأما زوجك الأمين فإني أقول له فقط‏:‏ إن الحياة الفاضلة الآمنة المعطرة بعطر الحب والوفاق والتراحم والوفاق التي اخترتها لنفسك هي الطريق حقا إلي السعادة في الأرض والسماء‏.‏
كما أن الزوجة الصالحة التي ترعي حدود ربها وتحفظ زوجها في السر والعلن‏,‏ هي خير جائزة تمنحها السماء للانسان في رحلة الحياة‏.‏
ولابد أن يرشحك كل ذلك ويطلق كل قدراتك للنجاح وتحقيق كل ما تصبو إليه من أهداف الحياة بإذن الله‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق