30-08-2002
يكتب إليك كثير من قرائك عن مشاكل الرجل العاطفية حين تتقدم به السن فتهمله رفيقة عمره, أو تهمل الجانب العاطفي من علاقتها به لحساب الأبناء والأحفاد, وأنا أحد هؤلاء الذين أهملتهم زوجاتهم ليس حين تقدمت بي السن وإنما منذ عشرين عاما, وحين كنت في عنفوان رجولتي, إلي جانب أنني وعلي مدي40 عاما من زواجنا لم أسمع منها ذات يوم كلمة حلوة ناهيك عن أن تكون كلمة حب, وبالرغم من أنني أحبها حبا جما وممتليء بالعواطف الفياضة وقادر علي العطاء العاطفي فإنني أفتقدت تماما زوجتي في هذا الجانب نظرا لأنها حادة الطبع وسليطة اللسان وجافة العواطف ومتبلدة الحس ولها شخصية نرجسية تعشق ذاتها إلي حد لا يتصوره عقل, ومنذ أكثر من18 شهرا التحقت بالعمل لدي موظفة شابة عملت تحت إشراف مرءوس لي.. وبعد سبعة شهور من التحاقها بالعمل اقتضت ظروف العمل أن تعمل معي لبعض الوقت, فاقتربت بذلك مني وأصبحت تتردد علي مكتبي ونجلس معا لنتدارس أمور العمل بل وخرجنا معا لأداء بعض الأعمال المهمة فكان الحديث يدور بيننا في سيارتي حول أمور خارج نطاق العمل, وبدأت أري فيها شخصية محببة إلي النفس من حيث رقة المشاعر ودفء العاطفة وطلاوة الحديث.. لكنني قاومت انجذابي إليها بشدة لكيلا أنزلق إلي ما لا تحمد عقباه, وبدأت هي تستدرجني إلي ما هو أبعد من علاقة صاحب العمل بموظفة لديه فصددتها بشدة وبأدب شديد في نفس الوقت.. وأفهمتها مرارا وتكرارا أنني زوج منذ أكثر من40 عاما وزواجي مستقر.. وأنها أصغر من أصغر أبنائي ولا يسمح فارق السن الكبير بيننا بأي ارتباط, لكنها ازدادت إصرارا وباحت لي بأنها كانت في البداية معجبة بي ثم تطور هذا الإعجاب إلي حب, وأنها لم تشعر في تعاملها معي بفارق السن بيننا ولا تفكر اطلاقا فيه.. حيث انني كما قالت أكثر شبابا من أي شاب! والحق أنني كنت قد تعلقت بها لكني كتمت مشاعري وأحاسيسي عنها.. فظلت هي تضغط وأنا أكتم إلي أن جاء يوم واعترفت لها بأنني بالفعل أحبها!
ومنذ تلك اللحظة تطورت علاقتنا إلي لقاءات خارج العمل ونزهات وتناول وجبات الطعام معا, حتي أهملت تناول الطعام في البيت, كما بدأت أفتعل المبررات للخروج معها في مهام خارج المكتب بل والسفر أيضا إلي خارج المدينة بدعوي إنهاء المصالح.
وعشت أياما وشهورا من أحلي أوقات العمر لم تشعر هي خلالها اطلاقا بفارق السن بيننا حيث كنت أتصرف معها بروح شاب في الثلاثينيات من العمر ونذهب معا لدور السينما والملاهي ونستقل المراكب في النيل وننطلق في كل مكان معا كأي شابين متحابين متقاربين في السن, حتي أبدت هي نفسها دهشتها لأنها لم تكن تتصور أن أكون بهذا المرح والصبا علي عكس شخصيتي في العمل التي تتسم بالاتزان والرزانة والصرامة. وخلال ذلك دخلت بيتها بدعوي توصيلها عند تأخرها ولم أجد إلا الترحيب من أهلها.. وشجعني ذلك علي دعوتهم للغداء من حين لآخر, ثم بدأت أقدم لها الملابس والهدايا بل والمصوغات أيضا.. كما اهتممت بها من الناحية الصحية حيث كانت تشكو من بعض المشاكل فاصطحبتها إلي كبار الأطباء, وفي هذه الفترة عرضت هي علي أن نتزوج رسميا ولكن بدون علم أهلها لأنهم لن يقبلوا أبدا بزواجي منها في هذه المرحلة لفارق السن بيننا لكنه إذا تزوجنا سرا ثم أجريت أنا بعض الترتيبات لتأمين مستقبلها, فإنها تستطيع أن تواجههم في الوقت المناسب بزواجها مني.. لكني رفضت هذه الفكرة وأردت أن يكون زواجنا بعلم أسرتها وليس خفية عنها ورأت هي صعوبة ذلك, وطلبت مني أن نتزوج عرفيا وأن نؤجر شقة مفروشة إلي أن أقوم بشراء شقة خاصة بها وتأثيثها تأثيثا كاملا وتأمين مستقبلها بصورة تجعل أسرتها تتغاضي عن فارق السن بيننا وتقبل بزواجنا.. واقتنعت بوجهة نظرها واستأجرت الشقة المفروشة وتزوجنا عرفيا وعشنا معا أياما من أحلي الأيام.. ومن حين لآخر تذكرني زوجتي الشابة بأنني لم أفعل شيئا بعد في موضوع شراء الشقة الموعودة, وأنه يخيل إليها أنني لن أفعل شيئا فيه ويوما بعد يوم بدأت تختلف بعض الشيء في تعاملها معي وبعد أن كانت لا تطلب مني شيئا.. وأبادر أنا دائما بشراء الأشياء لها بغير طلب منها.. بدأت هي تطلب كل يوم طلبا جديدا حتي طلبت أن أشتري لها سيارة صغيرة لأنها لم تعد تتحمل ركوب المواصلات العامة أو سيارات الأجرة, فإذا لم ألبي بسرعة بعض هذه الطلبات راحت تقول لي انها قد أصبحت رخيصة في نظري بعد أن أخذت ما أريده منها دون مقابل, ولهذا فلم أعد أهتم بطلباتها.
وفجأة ودون سابق إنذار انقلبت حياتنا رأسا علي عقب, فلقد كنت أقوم بتوصيلها ذات مساء إلي بيتها بعد زيارة للطبيب ففوجئت بمقابلة جافة للغاية من أسرتها. وفي اليوم التالي جاءتني هي وطلبت مني الإمتناع عن الاتصال بها في بيت أسرتها. والامتناع كذلك عن توصيلها وعن زيارتها في البيت لأنها قد تعرضت للوم شديد من أسرتها التي تقول لها ان الجيران يتساءلون عن هذا الرجل الذي يرونه معها في وقت متأخر, ولأن أسرتها أيضا قد حذرتها بشدة من مجرد التفكير في الارتباط بي لفارق السن بيننا, وأكدت لي أنه قد وقعت مشادات عديدة بينها وبين أبيها وأمها بسببي وأن أبويها لن يوافقا أبدا علي زواجنا وقد يسقطان صريعين إذا علما بزواجنا العرفي السري.. وحاولت تهوين الأمر عليها بقدر استطاعتي غير أنها عادت إلي في اليوم التالي وطلبت مني الطلاق, وإنهاء موضوع الشقة المفروشة وتحديد علاقتي بها في اطار العمل فقط وإنهاء أي علاقة أخري.
وبعد أيام أبلغتني بأن أباها قد أحضر لها خطيبا وأنها تصر علي الطلاق قبل أن تقبل بهذا الخطيب.. واستجبت لإصرارها في النهاية ونطقت بطلاقها.. وكان آخر مطلب لها مني هو أن تستمر في العمل لدي وألا أستغني عنها لحين وضوح الرؤية أمامها, ثم بدأت تبتعد عني خلال العمل وإذا حاولت محادثتها ابتعدت وافتعلت الاهتمام بشيء آخر, وهي حاليا تؤدي عملها فقط.. وتنصرف منه في المواعيد المقررة وتحاول بقدر الإمكان عدم الاحتكاك بي والابتعاد عني دائما.
ولست في حاجة لأن أحدثك عن مدي الحزن وعمق الأسي الذي أعيشه هذه الأيام.. غير أنه أهم من الحزن أن أفهم ما هي القصة بالضبط إذ انني لا أفهمها بالرغم من رجاحة العقل وخبرة السنين ولا أفهم ماذا حدث.. وكيف حدث وهل هذه هي الحقيقة أم أنها مناورة ذكية للضغط علي لكي أستجيب للطلبات السابقة فهل أجد لديك جوابا شافيا لهذه التساؤلات؟
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
لا أستطيع الحكم علي النيات ولا التفتيش في الضمائر لإستنطاق المكنون داخلها والاطلاع عليه.. لكني أستطيع علي الأقل أن أضع أمامك بعض الحقائق التي قد تعينك علي فهم حقيقة ما جري وما صعب عليك استيعابه.
والحقيقة الأولي هي أن البداية التقليدية بإدانة رفيقة العمر وإتهامها بجفاء المشاعر وتبلد الأحاسيس والنرجسية حتي ولو كان صادقا فإنه لا يجيز لرجل في قمة العمر مثلك ويتصف بالرزانة والحسم والاحترام أن ينزلق إلي مثل هذه القصة المخجلة مع فتاة تصغره في السن بأربعين سنة علي الأقل وما هذه الإشارة إلي جفاء زوجتك وشريكة حياتك في بداية قصتك إلا حيلة نفسية مفهومة من جانبك للتبرير والتماس العذر لنفسك فيما تورطت فيه وتشعر في أعماقك بأنه لم يكن ليليق بك.
والثانية: هي أن المثل الصيني القديم يقول لنا أن من يريد الحصول علي أشبال النمر عليه أن يدخل عرينه, بمعني أن يواجه خطر انقضاض النمر عليه وافتراسه قبل أن يظفر بأشباله وأن يقبل بهذه المخاطرة المهلكة في سبيل الحصول علي ما يريد فإذا طبقت هذا المثل الصيني علي قصتك مع هذه الفتاة وقصص الآخرين من بعض أصحاب الأعمال أو المديرين مع موظفات يصغرنهن غالبا بثلاثين أو أربعين سنة, لقلت لك ان من يريد كذلك أن يشتري الشباب المنقضي ويطرب بالزهو المؤقت بإعجاب فتاة تصغره بأربعين سنة بمرحه وصباه وبحيويته التي تفوق حيوية الشباب كما زعمت لك تلك الفتاة عليه أن يقبل بأداء تكاليف ذلك راضيا وهي تكاليف تتجاوز بكثير النزهات والهدايا الصغيرة وركوب المراكب في الليالي القمرية وارتياد المطاعم لكنك في غمرة زهوك باندهاش هذه الفتاة بمرح شخصيتك وشبابك لم تنتبه إلي أنك أمام فتاة عملية اختارت أن تحقق أهدافها في الحياة عن طريقك فعرضت عليك أن تتزوجها رسميا بغير علم أسرتها علي أن تشتري لها شقة وتؤمن مستقبلها, وحين ترددت بعض الشيء في القبول عرضت عليك الزواج العرفي السري الذي لا يكاد يختلف في شيء عن العلاقة الآثمة علي أن تؤجر لها مؤقتا شقة مفروشة إلي أن تشتري الشقة الموعودة وتؤثثها وتؤمن لها مستقبلها ماديا لكي تضع أسرتها بعد ذلك أمام الأمر الواقع, فرحبت بهذا الحب.. في غمرة تلهفك عليها.. وارتبطت بها ونهلت من رحيقها.. وانتظرت هي أن تأتي لها برأس النعامة الذي وعدتها به فإذا بك تتمهل وتراجع حساباتك.. وتستثقل فاتورة المتعة بل وتنتابك الدهشة لكثرة مطالبها منك بعد الزواج السري.. وعجزك عن ملاحقتها بالسرعة الكافية.. مع أن هذه المطالب نفسها جزء أساسي من صفقة الزواج السري بين فتاة في أوائل العشرينيات ورجل في أوائل الستينيات وزوج منذ40 عاما, وأب لأبناء يكبر أصغرهم هذه الفتاة المتطلعة للحياة المريحة علي حساب أبيهم.. فما وجه العجب في ذلك اللهم إلا أن تكون قد صدقت معزوفة الحب المبرأ من الغرض الذي أغري هذه الفتاة الصغيرة بالارتباط بك؟
لقد روي الحكيم الاغريقي أيسوب في خرافاته الشهيرة, قصة طريفة عن أنثي النسر التي شكت ذات يوم لذكر الحدأة من أنها لا تجد الزوج الكفء الكريم الذي يليق بها فعرض عليها ذكر الحدأة نفسه, وسألته أنثي النسر: هل يستطيع كسب عيشه وتوفير الحياة الكريمة لها فأجابها: ماذا تقولين؟ انني أصيد النعامة الكبيرة بمخالبي هذه وأحملها في الهواء إلي عشي! فقبلت بالزواج منه, وبعد أيام طلبت منه أن يصيد لها نعامة تغتذي بلحمها.. فحلق في الهواء ثم رجع إليها وفي مخالبه فأرة صغيرة ميتة هي كل ما تسمح له قدراته بحملها وصيدها..
فسألته مستنكرة: أهذا وفاؤك بالوعود؟
فأجابها: أنني في سبيل الفوز بك لم أكن لأحجم عن أن أعد بأي شيء حتي ولو علمت بعجزي عن القيام به! ومن وجهة نظر هذه الفتاة العملية فإنك قد كررت مثال ذكر الحدأة مع أنثي النسر.. ووعدتها برأس النعامة.. فإذا بالتجربة معك تسفر عن فأرة صغيرة لا أكثر.
ولأن فهم كل شيء يجلو غموضه ويفسره فإن منطق الفتاة التي تتزوج من رجل يكبرها بأربعين سنة أو أكثر حتي ولو كانت صادقة الحب له في أحيان نادرة, هو أن رحلة القطار معه ستكون قصيرة مهما تطل, تسليما بحقائق الحياة والزمن, وبالتالي فلابد من أن تتطلع لتأمين مستقبلها معه حتي إذا حانت اللحظة المحتومة لم تغادر القطار بغير متاع يعينها علي استكمال رحلة السفر بوسائط أخري ومن يقبل بقواعد اللعب من البداية لا يحق له أن يشكو من تداعياتها في المستقبل ومشكلتك يا صديقي أنك لم تستوعب جيدا قواعد اللعبة في غمرة النشوة بإعجاب الفتاة الصغيرة وحبها لك
وبغض النظر عما إذا كانت فتاتك صادقة العزم علي إنهاء قصتها معك أو أنها تضغط عليك بالهجر المؤقت لكي تستجيب لمطالبها المادية الباهظة وتدفع فاتورة شراء الشباب كاملة.. فإن المحصلة واحدة.. وهي أن عليك أن تراجع موقفك وقصتك مع هذه فإذا كانت صادقة النية في طي هذه الصفحة الشائنة من حياتها فمن واجبك أن تعينها علي تصحيح مسارها في الحياة, وعلي أن تبدأ حياة طبيعية مع شاب مقارب لها في السن.. وتكفر عن هذا الخطأ الجسيم في حياتها, وإن لم تكن كذلك فمن واجبك أيضا أن تصمد لضغوطها عليك للإستجابة لمطالبها, وأن تطوي أنت هذه الصفحة المخجلة من حياتك متعزيا بأن خسائرها مازالت في حدود الاحتمال والسيطرة.. وأنها لم تؤثر بعد علي حياتك العائلية وصورتك لدي أبنائك وسمعتك الاجتماعية وأن وتحاول الاكتفاء بحياتك الخاصة المحترمة وبعث الحرارة في زواجك الذي تصفه أنت بالاستقرار, واستعادة صورتك السابقة التي تتسم كما تقول برجاحة العقل والرزانة والجدية الصارمة, وحبذا لو أبعدتها عن مجال نظرك وسمعك لكي تتخلص من مؤثرات وجودها في الجوار القريب ولو تطلب ذلك السعي لإيجاد عمل آخر لها لدي أحد معارفك أو عملائك بشرط ألا يكون ضعيف الإرادة أمام أل
اعيب بعض الفتيات الصغيرات المتطلعات إلي حياة أفضل علي حساب نزق بعض الكهول والشيوخ وتعاميهم عن حقائق العمر والحياة وانتشائهم الوقتي بوهم اعجاب الشباب بهم.
والإنسان يا صديقي قد يخطيء مرة..
لكنه يخطيء خطأ أبلغ إذا تقاعس عن إصلاح خطئه الأول أو تجاهله وتعامي عنه!
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
الثلاثاء، ١ فبراير ٢٠٠٠
رأس النعامة!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق