05-07-2002
أكتب إليك لأشركك وأشرك قراءك في قصتي بعد أن شاركت أبطال قصص هذا الباب همومهم وأفراحهم لسنوات طويلة.. فأنا سيدة أقترب من الأربعين من العمر, أري نفسي مقبولة الشكل أو بمعني أصح مريحة للعين ويري زوجي بعين المحب أنني أجمل النساء. وقد بدأت حياتي بين أبوين طيبين وأخت وأخ يصغرانني, وأنهيت تعليمي حتي المرحلة الثانوية في سلام.. وفي المرحلة الجامعية تعرفت وأنا في السنة الثالثة بزميل لي يكبرني بست سنوات وأمضي في الكلية سبع سنوات دون أن يتخرج, وعلي الرغم من تحذيرات زميلاتي لي منه ومن استهتاره البادي للعيان.. فلقد وقعت في غرامه.. وكرست حياتي لحثه علي الاهتمام بدراسته والحصول علي شهادته بعد أن سبقه زملاؤه إلي العمل, وبالفعل فلقد أبدي بعض الاهتمام بالدراسة.. ثم طلبت منه أن يتقدم لأبي فجاء إليه, وكان رأي أبي من اللحظة الأولي أنه لا يصلح لي وأن حياتي معه لن تعرف الاستقرار ذات يوم لعدم جديته وطيشه وطفوليته, لكني استمسكت به وأفهمت أبي أنني لن أتخلي عنه وأنني قادرة علي أن أصنع منه إنسانا جادا وملتزما, ووافق أبي علي مضض.. وقبلت به أمي علي غير اقتناع.. وخطبت له وأنا في السنة النهائية من الكلية.. وبعد الخطبة بأسابيع بدأت معاناتي التي حذرني منها أبي معه.. فلقد عاد للانصراف عن الدراسة.. ورجع في كل ما اتفقنا عليه وكان المنطق يقضي بأن أحل نفسي من الارتباط به مادام لا يحفظ عهدا ولا يلتزم بما وعد, لكني كرهت أن أستسلم للفشل واليأس وتحملت مراوغاته وإهماله لي إلي أن تخرجت وهو مازال متعثرا في الدراسة, ورفضت نصيحة أمي وأبي بفسخ الخطبة وانتظرته عاما كاملا بعد تخرجي إلي أن حصل علي شهادته بما يشبه المعجزة وسعي والده في تعيينه بوظيفة بإحدي الهيئات, وقال لأبي إنه قد أدي ما عليه بالنسبة لابنه ولن يفعل له بعد ذلك شيئا آخر, وبدا المستقبل أمامي غامضا.. لكني لم أتراجع ولم أستسلم, وعملت بوظيفة بالضرائب وحصلت علي شقة بالإيجار دفع أبي مقدم إيجارها الباهظ, وأصر علي كتابة عقد الإيجار باسمي وأصبح كل المطلوب من خطيبي هو أن يدفع المهر البسيط الذي قبلنا به وأن نعقد القران ونتزوج.. فحثثت خطيبي علي أن يدخر نصف مرتبه لكي يستطيع تقديم المهر ووعدته بأن أعطيه ـ سرا ـ كل ما ادخرته من مرتبي ليكمل به المبلغ المطلوب, لكنه تراخي كالعادة.. وراح يتعلل بشتي الحجج والأعذار.. وكلما تجمع لديه مبلغ من المال, أنفقه علي حياته وسهراته ونزهاته, وشكا من عدم تعاون أبيه معه, وطالت فترة الخطبة أربع سنوات دون أن يلوح أي أمل في تغير الأحوال.. واضطررت أخيرا إلي مصارحة أبي بعجز خطيبي عن سداد المهر واستعدادي للتنازل عن بعض احتياجاتي من الأثاث للتعجيل بالزواج بعد أن طال الانتظار, وسلم أبي برغبتي كارها بعد أن ضاعت نحو ست سنوات من عمري.. وأسهمت مع أبي بمدخراتي في إعداد الأثاث وتم الزواج دون أن يتكلف زوجي إلا أقل القليل.. وانقضت الأسابيع الأولي سريعة وجميلة.. وحملت بجنين الحب بعد شهور وأنجبت طفلا جميلا.. فما أن بلغ الطفل شهره الثالث حتي انصرف زوجي عني وعن طفلي نهائيا ورجع إلي استهتاره السابق وإلي إنفاق كل مرتبه علي جلساته وسهراته وسجائره, وكف تماما عن الإسهام بأي شيء في نفقات الأسرة.. كما بدأ يتطاول علي كلما عاتبته أو ذكرته بمسئوليته عني وعن طفله.. وكثرت خلافاتنا وشكوته إلي أبيه وإلي أمه, وواجهت مواقف عصيبة كثيرة بسبب مرض الطفل واحتياجه إلي نفقات للغذاء والمتابعة الطبية والملابس..إلخ. وبعد عام من الإنجاب وجدت نفسي مسئولة مسئولية كاملة عن حياتي وحياة طفلي بل ومسئولة أيضا عن تقديم هبات مالية صغيرة لزوجي ليكمل بها وجاهته
واحتياجاته وسجائره الأجنبية, فإذا فرغت يداي طلب مني اللجوء لأبي لأخذ النقود منه.. كما أهمل عمله وأصبح يتغيب أو يتأخر عن الذهاب إليه في موعده كثيرا فيتعرض للخصم من مرتبه, وجاء يوم مرض فيه الطفل مرضا شديدا واحتجت إلي نقود لعرضه علي الطبيب وطلبت من زوجي أن يدبر لي أي مبلغ لعلاج الطفل فانفجر في شاتما ولاعنا ولم أتمالك نفسي من الرد عليه.. وصارحته برأيي فيه فإذا به ينهال علي بالضرب المبرح ويضربني بالحزام إلي أن أغمي علي, وأفقت من الإغماء بعد قليل فلم أجده في البيت ووجدت الطفل يبكي بحرقة, فانفجرت في البكاء ثم حملت الطفل وذهبت إلي بيت أبي وآثار الجراح في وجهي ورقبتي وذراعي, فما أن رأيت أبي حتي انفجرت في البكاء وقبلت يده وطلبت منه أن يسامحني علي أنني لم آخذ بنصيحته ولم أعمل برأيه في زواجي.. وهرولت أمي بالطفل إلي الطبيب, وحزم أبي أمره واصطحب أخي إلي مسكن الزوجية وجمعا أشياء زوجي في حقيبتين وغيرا كالون الشقة وأرسلا ملابسه إليه في بيت أبيه وأبلغاه بالحضور لإتمام الطلاق مع التنازل له عن كل الحقوق.
وقاوم زوجي الطلاق لفترة طويلة وحاول بشتي الحيل استعادتي, واستئناف حياتنا مرة أخري.. واعتذر كثيرا وقدم وعودا أكثر, لكن قلبي كان قد أغلق أبوابه في وجهه نهائيا فاستمسكت بالطلاق حتي وافق عليه بعد معاناة طويلة, وأقمت مع طفلي في بيت أبي وبدأت أضمد جراحي النفسية والعاطفية وأستعيد صحتي وإقبالي علي الحياة.. وعقدت العزم علي ألا أتزوج مرة أخري وأن أكرس حياتي لطفلي الصغير..
وتقدم لي أحد أقاربنا فاعتذرت له بأنني لا أشعر في نفسي بأي استعداد للزواج من جديد.. وحاول زميل لي أرمل أن يقترب مني فأفهمته بأدب بأنني قد جربت حظي في الزواج وليست لدي رغبة في تكرار التجربة.
وكان شقيقي وشقيقتي قد تزوجا واستقلا بحياتهما فأصبحت الابنة الوحيدة المقيمة مع أبي وأمي..
ومضي عامان لم يكف خلالهما زوجي السابق عن محاولاته لإرجاعي إلي أن سلم باليأس مني وتزوج واسترحت.. وذات يوم كلفت في عملي بمناقشة ممول صغير تلقت المأمورية ضده شكوي مجهولة بأنه يخفي جزءا أساسيا من نشاطه وإيراده, وجاءني في الموعد المحدد وأجريت المناقشة معه.. وعرفت من سياقها أن الشكوي مقدمة من مطلقته بنية الكيد له وكجزء من الحرب الشعواء التي تشنها ضده.. وبدا لي الرجل صادقا ومحترما وجادا.. وقال لي في سياق الكلام إنه يلتمس العذر لمطلقته فيما تفعل لأنها تريد استعادته بأي وسيلة ولو تطلب الأمر إشهار إفلاسه.. وليس حبا فيه وإنما لأنه الإنسان الوحيد الذي كان يتحملها ويصبر عليها ويفوض أمره إلي الله فيها.. إلي أن فاض به الكيل وجرجرته ذات ليلة إلي قسم الشرطة بدعوي اعتدائه عليها وعلي أهلها.. فلم يحتمل أكثر من ذلك وطلقها وهو حزين علي مستقبل طفله منها.. ولسبب لا أدريه حتي الآن وجدت حواسي تتنبه بشدة لما يقول وسألته: وهل صحيح أنك قد ضربتها؟.. فأخرج من جيبه الداخلي مصحفا صغيرا يده وضع عليه وأقسم بالله العظيم أنه لم يمسها بأذي منذ عرفها وإلي أن طلقها ولم يمد يدا عليها بل إنها هي التي كانت تتهور عليه في شدة عصبيتها وجنونها وتمد يدها عليه فيحمي نفسه منها ويدفعها عنه!.. ووجدت نفسي أفكر في هذا الرجل وأتأمله خفية, ثم طلبت منه بعض الأوراق والمستندات وترقبت الموعد التالي لاستكمال المناقشة باهتمام غريب.. وجاء الرجل في موعده.. وقدم لي بعض الأوراق وطلب مهلة يومين آخرين لإحضار بقية المطلوب.. ووجدتني أشعر بالارتياح لاحتمال تكرار اللقاء مرة ثالثة وطلبت له فنجانا من القهوة.. وفحصت أوراقه وأثبتها في ملفه, وتحدثنا لبعض الوقت.. وفي الموعد الثالث قدم لي بقية الأوراق ووجدته صادقا في كل ما قال.. وصارحته برأيي هذا.. فبدا عليه الارتياح والابتهاج ووجدتني بغير أن أدري أسأله عن مصير طفله فقال لي إن الطفل يعيش مع مطلقته, لكنها تهمله لانشغالها بالكيد له.. ورفع القضايا ومقابلة المحامين إلخ.. واستطرادا للحديث سألني عن حالتي الاجتماعية فأجبته في اقتضاب بأنني مثله مطلقة وعندي ولد يعيش معي. فبدا عليه الاهتمام الشديد.. وسألني في حياء: هل تمانعين في معرفة بعض التفاصيل الشخصية عنك؟.. وأجبته بلا تكلف أنني لا أمانع في ذلك وسألني عن ظروفي وأبي وعنوان أسرتي..إلخ.
وانصرف شاكرا وبعد أسبوعين لم أكف عن التفكير في هذا الرجل خلالهما.. رجع إلي مكتبي بحجة تقديم ورقة أخري رآها مهمة لضمها إلي ملفه.. فلم تفت علي الإشارة ودعوته للجلوس وطلبت له فنجان القهوة, وسألته عن آخر أخبار الحرب الشعواء فألقي علي مفاجأة مثيرة هي أن مطلقته قد تزوجت المحامي الذي توكله في قضاياها ضدي, وأنها أعادت إليه الطفل عملا بنصيحة المحامي وأنه قد سعد بعودة طفله إليه, لكنه يتوقع مزيدا من المشاكل القانونية والقضايا بعد أن تزوجت مطلقته من المحامي الذي سيبدع في الكيد له لإثبات جدارته لزوجته الجديدة!
وضحكنا علي هذا الأمر وتبادلنا التعليق عليه طويلا وكلما استشعر الحرج من أنه أطال الزيارة وهم بالاستئذان طالبته بالبقاء بلا حرج إلي أن تجرأ في نهاية الجلسة وسألني بصوت خافت: هل أنت مستعدة للعطف علي طفل صغير ليس من صلبك؟.. فاحمر وجهي غير أنني لم أتردد في أن أجيب عليه بسؤال مماثل: وهل أنت كذلك مستعد للعطف علي طفل صغير لم تنجبه؟!
فابتهج ابتهاجا شديدا وقال لي إنه سيزورني في منزلي مساء الغد.
وجاء في الموعد وطلب يدي ووجد أبي نفسه أمام إنسان جاد وصريح وملتزم وكريم.. قدم لي الخاتم والشبكة والمهر وأقام لي حفلا بسيطا لكنه جميل, وأعد وحده بيت الزوجية في مسكنه وتزوجنا خلال ثلاثة أشهر وبعد إجازة عسل لمدة أسبوع واحد قال لي إنه قد حان الوقت لأن يتحمل كل منا مسئوليته تجاه أطفالنا فاسترددت طفلي من أمي واسترد هو طفله من جدته.. وأصر علي أن تكون لهما غرفة واحدة بسرير
رغم وجود غرفة زائدة, لكي ينشأ كأخوين من الصغر وبدأت حياتي الزوجية معه فعرفت أن في الدنيا حياة أخري تعتمد فيها الزوجة علي رجل يحبها, ويحترمها ويحفظها ويحميها ويرعاها ويتحمل كامل المسئولية عنها وعن أسرته, ويتابع شئون الأطفال, ويعطي كلا منهم مصروفه, ويصطحبه لشراء احتياجاته وإلي عيادة الطبيب, وإلي الملاهي يوم الجمعة.. أو النادي.. أو ملعب الكرة, ويأخذ بيده إلي المدرسة في اليوم الأول من الدراسة ليتعرف بالمدرسين ويوصيهم به, ويتناول العشاء مع زوجته وطفليه. ويشاهد معهم التليفزيون إلي أن ينام الأطفال فيقضي الليل إلي جوار زوجته.. ويفاجئها من حين لآخر بهدية صغيرة.. أو حلية ذهبية بسيطة.. وليست له حياة خارج نطاق أسرته سوي عمله وصلته بأهله وأهل زوجته وعلي الرغم من أن كلا منا ليس محروما من الإنجاب فلقد أصر زوجي علي أن ننجب طفلا أو طفلة لكي ندعم روابطنا ويربط بين ابنينا برباط من الدم كما قال, فأنجبت طفلة جميلة طار بها فرحا وسرورا, ومضت الأيام معه وأطفالي الثلاثة يتألقون صحة وجمالا وينثرون البهجة في حياتنا فأعجب للسنوات العجاف التي ضاعت من عمري في التجربة الطائشة الأولي في حياتي.. وأعجب كيف تص
ورت أنني قد أحببت بطلها وحاربت أهلي من أجله.. والحب كما عرفته مع زوجي الحقيقي شيء آخر مختلف تماما ولم تخل حياتنا علي الرغم من ذلك من منغصات الحرب الشعواء من جانب مطلقة زوجي, ولا من مشاكل مطلقي ومحاولته لاسترداد ابني لمجرد الكيد لي.. وليس حبا فيه فلقد تكدرت حياتي ذات يوم برغبته في انتزاعه مني وسألت زوجي عما أفعل فقابل مطلقي وحاول التفاهم معه بالحسني.. ولم يصل معه إلي نتيجة فنصحني بتجنب النزاع والمشاكل معه وتسليمه الطفل واثقا بان زوجته الجديدة لن تتحمله أكثر من أسابيع ثم يعيده هو إلينا.. واستجبت للنصيحة باكية فصدق حدسه ولم تتحمله زوجته بالفعل أكثر من شهر واحد ثم أعاده إلي مطلقي مشترطا أن نكتب له ورقة بالتنازل عن نفقته.. ولم أكن قد حصلت منه من قبل علي أية نفقة له فرحب زوجي علي الفور بذلك ووقع إلي جوار توقيعي بأننا لن نطلب منه شيئا ذات يوم.
ثم واجه زوجي بعد عامين من الزواج بعض المشاكل المالية الحادة في عمله.. وعشنا فترة جفاف شديد حتي اضطر لبيع سيارته وإنقاص مصروف البيت وهو في شدة الخجل والارتباك وشعرت بالإشفاق عليه مما يكابده في صمت.. ثم علمت أنه يواجه موقفا عصيبا يهدده بالإفلاس نتيجة لحلول موعد سداد أحد الشيكات دون أن يكون له ما يغطيه من رصيد.. وعرفت أنه قد عجز عن الاقتراض من أهله وأصدقائه فحملت الصندوق الخشبي الصغير الذي كنت أحتفظ فيه بمصاغي سرا ودون أن أستأذنه وذهبت إلي الصاغة وبعت كل مجوهراتي وحملت إليه الثمن فرفض زوجي أخذه بشدة وبكي متأثرا.. وبكيت معه واتهمته بأنه لا يحبني ولا يراني أهلا لمساعدته في محنته وأقسمت عليه بأبنائنا الثلاثة أنني لن أعيش معه يوما واحدا إذا رفض مساعدتي.. فأخذ النقود بعد إلحاح دام ثلاثة أيام وبعد أن أقسمت له أنني أثق بقدرته علي اجتياز المحنة ولا أشك لحظة في ذلك مهما طال الانتظار وسدد قيمة الشيك.. ولاحظت بعدها أنه يعاملني بإنكسار غريب وتألمت لذلك.. وأردت أن أرفع روحه المعنوية ففاجأته بتقبيل قدميه أمام أطفالنا.. ليعرف أنه فارسي ورجلي وسيدي ووالد أطفالي وأن أزمته لا تقلل من شأنه في نظري.. وعشنا هذه المحنة ثلاث سنوات عجاف اعتمدت خلالها علي إنفاق مرتبي علي الأسرة إلي جانب ما يعطيه لي زوجي من مصروف ثم رجعت من عملي ذات يوم فوجدته في البيت علي غير العادة ووجدت الأطفال معه.. وتوجست من أن يكون مريضا. لكن ابتسامته العريضة طمأنتني وفوجئت به يطلب مني أن أجلس لأن لديه ما يريد أن يحدثني عنه أمام الأطفال. ثم اختفي في غرفة النوم قليلا ورجع حاملا الصندوق الخشبي الصغير الخالي من المجوهرات وطلب مني أن أفتحه ففعلت فإذا به ممتلئا عن آخره بالمصوغات الذهبية.. وبما يزيد علي ضعف ما كان فيه من قبل, وقال للأطفال إن أمهم قد وقفت إلي جواره في أزمته حتي اجتازها بسلام.. وأسترد كل ما فقده من قبل.. وأفاض الله عليه برزق أطفاله الثلاثة ففتح لكل منهم دفتر توفير في البريد ووضع فيه مبلغا محترما.. وأنه يريد منهم أن يشكروا أمهم العظيمة التي لولا وقوفها معه لإنهار, وفقد كل شيء ولإنهار هذا البيت وأختتم حديثه بأن قبل يدي وطلب من كل منهم أن يقبلني ويقبل يدي ويشكرني!
فتخيل يا سيدي ما شعرت به في هذه اللحظة السعيدة.. وزوجي يقيم لي حفل تكريم عائليا جميلا ويشيد بي ويعترف بدوري في حياته لقد شعرت بأن كل ما تحملناه خلال السنوات العجاف قد تبدد في الهواء.. وأنني قد فزت بأغلي جوائز السماء التي تتحدث عنها ولهذا فقد أردت أن أشركك معي في قصتي وأن أقول لكل سيدة تواجه ما واجهته من سوء حظ في زواجي الأول أن سوء الحظ في تجربة زواج فاشلة ليس نهاية الدنيا.. فقد تكون السعادة تنتظرها مع إنسان آخر تحسن اختياره فيما بعد سوف يصبح هو زوجها الحقيقي, وليس أي أحد سواه.. كما أريد أن أقول أيضا ان من واجب الزوجة المخلصة أن تساند زوجها وتصبر علي ظروفه.. وألا تفقده ثقته بنفسه إذا تعثرت خطواته في بعض الأحيان.. فالسعادة شيء غال وثمين وينبغي أن تضحي الزوجة بكل ما تملك للفوز بها.. وللحفاظ علي زوجها الذي يستحق منها هذه التضحية واني أكتب لك هذه الرسالة وإلي جواري زوجي يقرأ صحيفة الصباح.. وأطفالنا الثلاثة أمامنا يسجون في مياه شاطيء شرم الشيخ البديعة.. حيث إننا في اجازة صيف لمدة اسبوع.. وهي أول اجازة نحصل عليها وأول رحلة نقوم بها معا منذ ثلاث سنوات بعد زوال الغمة والحمد لله كثيرا والسلام عليكم ورحمة الله
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
النجاح الذي يجيء ثمرة للإخلاص والوفاء والجهد والنصيحة والصبر علي المكاره إلي أن تنقشع الغيوم وتشرق الشمس من جديد هو بحق جائزة السماء لمن يحققه.. وأنت يا سيدتي شخصية قادرة علي العطاء لمن تحبين وعلي التضحية من أجله.. وتعلين الاعتبارات العاطفية والعائلية والإنسانية علي الاعتبارات المادية, وتؤمنين كما يفعل أصحاب القلوب الحكيمة بأن المال يذهب ويجيء, ولكن السعادة إذا فقدت فقد لا تعوضها كنوز الأرض ولا مجوهراتها, لهذا لم تترددي في الوقوف إلي جوار زوجك الحالي تشدين أزره وتهونين عليه صعاب الطريق وتتحملين معه جفاف الحياة وتواسينه بما تملكين من مال, وليس غريبا أن تهبط عليك جائزة السماء وأن تفوزي بالسعادة والأمان وعرفان شريك الحياة لمن آمنت به في أحلك الظروف ولم تفقد حبها له وثقتها به حتي النهاية فالحق أن إيمان الزوجة بزوجها وبقدرته علي اجتياز العقبات وتجاوز المحن من أهم دوافع الزوج لتحقيق النجاح وتجاوز العثرات, ولقد كان رجل الصناعة الأمريكي الشهير هنري فورد يطلق علي زوجته لقب المؤمنة لأنها آمنت دوما بقدرته علي تحقيق أحلامه.. ولم تسخر منها كما فعل الجميع حين كان يتحدث عن أحلامه لإنشاء صناعة للسيارات تحمل اسمه, وقبلت الانتقال معه من مدينتها الكبيرة حيث الأهل والأصدقاء إلي مدينة صناعية ناشئة وكئيبة لكي ينشيء أول ورشة صغيرة له وتحملت صعوبات البداية وشظف العيش والفشل المتكرر إلي أن بدأت بشائر النجاح تلوح في الأفق واضطرد نجاحه بعد ذلك عاما بعد عام حتي أسس امبراطوريته المالية ولم ينس يوما لزوجته أنها قد آمنت به حين كذب به الآخرون ولم تستبطيء نجاحه حين طالت العثرات.. ولم تتشك من البعد عن الأهل والصديقات وهو يحفر نجاحه بأظافره في صخر المدينة الكئيبة بعيدا عنهم.. فعاش مدينا لها بكل ما حققه من نجاح في الحياة ومعترفا لها بدورها الخطير في حياته.
والحقيقة هي أنك قد قدمت مثل هذا العطاء في تجربتك مع الزواج, لكن عطاءك قد ذهب سدي في التجربة الأولي لأنه صادف من لم يحسن تقديره وفهم دوافعه, وأثمر ثماره الطيبة في تجربتك الثانية لأنه قد اتجه إلي من كان أهلا له وعرف له قدره.
ولا عجب في ذلك لأن اختيارك الأول كان اختيار الاندفاع العاطفي الذي يتناقض مع أحكام العقل, ويتجاهل عمدا رؤية كل بذور الفشل البادية للعيان في حين جاء اختيارك الثاني اختيار العقل الذي يرضي عنه القلب فلم تلبث زهور المحبة أن أينعت سريعا في ظلاله, وعجمت رياح الأيام أعوادها.. فتشبثت بجذورها وعجزت الرياح عن اقتلاعها إن الزواج حياة مشتركة بين رجل وامرأة لكل منهما سماته النفسية وطباعه الشخصية.. وهناك بعض السمات والطبائع التي لابد أن يتشابه فيها الطرفان وإلا تعذر تحقيق التفاهم والامتزاج بينهما.. ومن أهمها سمات الجدية والالتزام والاحساس بالمسئولية والإيجابية في الحياة, فالإنسان الإيجابي الجاد الذي يميل للنهوض بمسئولياته يجد مشقة بالغة في التوافق مع شريك سلبي كسول مستهتر يميل دائما للتهرب من مسئولياته, وعلي صخرة هذا التناقض في السمات بينك وبين زوجك الأول تحطم ارتباطكما السابق, وبفضل تشابه هذه السمات بالذات بينك وبين زوجك الحالي وصدق رغبة كل منكما في السعادة والاستقرار وتعويض الفشل السابق وتوفير الأمان لطفله الحائر.. وجد كل منكما لدي الآخر بغيته ونصفه الآخر الصحيح الذي ضل إليه الطريق من قبل.. لهذا قلت في
رسالتك انك ترين في شريكك الحالي الزوج الحقيقي لك.. وأحسب أنه لابد هو أيضا يري فيك الزوجة الحقيقية التي تخبط بضع سنوات قبل أن يهتدي إليها فهنيئا لكما عثور كل منكما علي نصفه الحقيقي الصحيح.. وهنيئا لك حب زوجك ووفاؤه لمن آمنت به وشدت من أزره وواسته بمالها حين كان في أشد الحاجة إلي من يدعم ثقته بنفسه ويعينه علي تقلبات الأيام.
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
الثلاثاء، ١ فبراير ٢٠٠٠
الصندوق الخشبي
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق