03-01-2003
دفعتني للكتابة إليك رسالة يوم الخلاص التي يشكو فيها صاحبها من زوجته الجافة التي لم يشعر معها بالسعادة يوما ولا يربطه بها إلا حبه لأطفاله وخوفه من بعض الشيكات التي تحملها ضده, وعزمه علي الزواج من أخري ذات يوم يسميه بيوم الخلاص, وأنا طبيب في الأربعينات من العمر وقد أعطاني الله من فضله سماحة في الخلق ولينا في الطبع وفتح لي أبواب رزقه وحب الناس والحمد لله, وقد نشأت في أسرة متدينة فقيرة تفتح أبوابها لكل من تعرفه بالرغم من فقرها الشديد, حيث كان منزلنا يمتلئ دائما بالضيوف الذين يستعذبون الجلوس مع أبي, وكنت ابنا مطيعا متفوقا ودائما من الأوائل ومحل افتخار أبي أمام اصدقائه, وكانت مشكلتي الأساسية في هذا الوقت هي عدم قدرة أبي علي توفير نفقات الحياة الأساسية لنا ومنها نفقات دراستي بالثانوي والجامعة, فعملت خلال دراستي لأوفر مصاريف الكتب واشتري ملابس لائقة اذهب بها إلي الجامعة, وفي خضم هذا الكفاح كانت لي أوقاتي القصيرة التي أحلم فيها بأن تنجلي هذه الظروف ذات يوم وتنتهي المعاناة مع انتهاء دراستي وعملي كطبيب, وكان هذا الأمل هو ما يعينني علي أن أتحمل هذه الظروف القاسية التي لم يكن لي يد فيها, لكنه كثيرا ماك
ان ينتابني الإحساس بأنني مقهور بين ساعات عمل طويلة وساعات مذاكرة طويلة, وفي هذه الأثناء تعرفت علي زميلة لي, ظروفها مقاربة من ظروفي ووجد كل منا في الآخر ملاذا له أو ربما بصيص أمل وسط هذه الحياة المظلمة, وكانت علاقتنا علاقة محترمة فتعاهدنا علي الزواج بعد التخرج وعلي أن نعمل ونغير ظروفنا إلي الأفضل بإذن الله لكننا بعد أن تخرجنا اكتشفنا أن احلامنا مستحيلة التحقيق لأننا لانملك شيئا سوي المرتب, ووراء كل منا أسرة هو الأمل الوحيد لها, وهكذا دفنت أملي لتحقيق أمل أسرتي وكذلك فعلت زميلتي واتفقنا علي أن نظل أصدقاء, وتزوجت هي من أول شخص مناسب وباركت زواجها, وبداخلي بركان لا يقدر علي الانفجار, ولازمني إحساس القهر مرة ثانية ودفنت أحزاني بداخلي وانغمست في عملي, وتحسنت احوالي المالية بعض الشيء فاقترحت علي أمي الزواج واختار لي أهلي فتاة من أسرة طيبة حاصلة علي شهادة متوسطة ووافقت علي اختيار أسرتي, حيث لم يكن هناك سبب للرفض, وتمت خطبتي لهذه الفتاة ورأيتها خلال الخطبة مرات قليلة وكانت لاتتحدث كثيرا, وكنت أحيانا استعيد صورة فتاتي الجميلة التي تجيد الكلام فأتذكر أنها قد أصبحت زوجة وأما, ولا يجوز لي أن أفكر
فيها. وتزوجت من اختارها لي أهلي وبداخلي نفس الإحساس بالقهر من أنني لم أختر شريكة حياتي بنفسي, وأقبلت علي الحياة مع زوجتي لكن كان هناك شئ بيننا دائما, فهي تذكرني علي الدوام بأنها ابنة عائلة كبيرة, وحتي دون أن تذكرني بذلك كنت اشعر بأنها تتميز علي بهذه الميزة التي لا يد لي فيها, وبالرغم من أنها كانت أقل في الجمال والثقافة واللباقة وكل شئ من فتاتي السابقة الفقيرة, ومضت الأيام والسنون انقطع خلالها أهلي عن زيارتي لأنها تتعالي عليهم, ولا ترحب بوجودهم ولم أفكر في الانفصال عنها لأني كنت قد رزقت بأطفال ولم يكن أمامي إلا الصبر علي هذا البلاء, واستبدلت بحب فتاتي الأولي حب ابنائي وصاروا كل شئ في حياتي, وتوالت الأيام وازدادت الهوة بيني وبين زوجتي فحياتها محدودة بتحضير الطعام وأعمال المنزل ولا تعرف عن الزواج وعن حق الزوج أكثر من ذلك, وزاد داخلي الاحساس بالقهر وعدم الرغبة في الحياة معها فأصبحت اقضي معظم وقتي في عملي وأنتهز الفرص لكي أزور أهلي وأصل رحمهم.
وفي ذروة هذا القهر شاءت الأقدار أن التقي بطبيبة صغيرة مطلقة, شعرت بارتياح تجاهها خاصةوأن لها نفس شخصية زميلتي القديمة وانني قد وجدت فيها كل ما تفتقر إليه زوجتي من حب الناس والألفة بهم والصدق في القول والرقة في الطبع, ووجدتني انجذب إليها واشتعل في داخلي أمل كذلك الذي كنت أشعر به خلال دراستي بالجامعة وبالرغم من ذلك فلقد كتمت مشاعري لفترة طويلة حتي صارت هذه الزميلة محور حياتي وبصيص الأمل فيها, وبغير أن اجرؤ حتي علي أن اعترف لنفسي بأني أحبها حبا شديدا وعلي ثقة من مشاعرها تجاهي, بالرغم من أنها لم تنطق بها ابدا, لكنني لم أستطع أن أواجه المجتمع برغبتي في الزواج منها أو برغبتي وحقي في الحياة, ولم استطع أن أواجه ابنائي الذين قد أعطيتهم كل حياتي, مع أن لي الحق في الحياة أنا أيضا.
واني أكتب إليك الآن بعد أن اتخذت قراري من شهور بأن أعيش لابنائي, وأن أنسي أمر هذه السيدة, لكني احترق في داخلي يا سيدي وقد فقدت الرغبة في الحياة وصرت أتمني الموت, وأريدك أن تقول لي ما يعينني علي ما اتخذته من قرار وأن تخبرني هل يجب أن يموت الآباء من أجل ابنائهم, وهل يجب أن أضحي دائما من أجل سعادة الآخرين, إنني انظر الي حالي وقد اجتمعت لي أسباب السعادة من مركز مرموق ومال وسمعة طيبة وأبناء متفوقين, وأري أنني قد ابتليت في شريكة عمري. واتساءل هل سيأتي اليوم الذي سيفارقني هذا الإحساس بالقهر؟ وهل يمكن ان تعود لي رغبتي في الحياة ومتي.. إنني أريد أن تقويني كلماتك فماذا تقول لي؟.
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
لو تأملت قصتك مع الحياة بعين محايدة.. وبعيدا عن ميل الانسان الغريزي للرثاء لنفسه ولوم الظروف المحيطة به واتهامها بحرمانه من السعادة المرجوة, لعرفت أنك قد أضعت الحب الحقيقي من بين يديك بعد التخرج والعمل لسبب أساسي هو أنك قد سارعت بالاستسلام لظروفك الاجتماعية والعائلية. بلا مقاومة, وكذلك فعلت زميلتك, مما يعني أن مشكلتكما الحقيقية لم تكن في ظروفكما الاجتماعية غير المواتية.. وإنما كانت اساسا في الانهزامية وخور الإرادة وضعف الهمة عن الكفاح والدفاع عن الحب والاستمساك به والصبر علي الظروف إلي أن تتغير للأفضل.. والحب الحقيقي أثمن من أن يضحي به طرفاه أو يتنازلا عنه بمثل هذه السهولة.. كما أن ظروف كل منكما لم تكن مستعصية علي الكفاح لتغييرها إلي الأفضل بشئ من الصبر ومغالبة الأوضاع, بدليل أنك قد أصبحت خلال بضع سنوات أخري قادرا علي الزواج دون أن تتقاعس عن اداء واجبك الانساني تجاه اسرتك, ولأنك تعرف ذلك في أعماقك وتشعر بلوم النفس علي التفريط في الحب وعدم الكفاح للحفاظ عليه, فإنك تعاني الإحساس بالقهر ليس لأنك لم تختر زوجتك, وإنما اختارتها لك اسرتك, إذ ما كان اسهل عليك من أن تعترض علي الاختيار أو ترفضه أو تستبدله بغيره, وإنما لأنك قد أدركت أنه كان في مقدورك لو كنت قد تحليت بالصبر وقوة الإرادة وعزيمة الكفاح أن تفوز بالحب والسعادة وألا تنهزم سريعا أمام الظروف غير المواتية..
هذا هو المبرر الحقيقي لما تشعر به من قهر داخلي وليس أي شئ آخر, ولأنك كنت تنطوي علي هذه المشاعر المتضاربة, فإنك قد بدأت حياتك الزوجية ومرآتك الداخلية مشوشة بلوم النفس علي التفريط في الحب وبالتشكك في قدرة الزوجة التي سمحت بها الظروف العائلية اخيرا علي تعويض ضياع الحب.. وأدي تفاعل كل تلك المشاعر إلي المسارعة بإعفاء النفس من المسئولية عن عدم التجاوب مع الزوجة, بنسبة اللوم اليها وتحميلها المسئولية لأنها تختلف عن شخصية فتاة القلب السابقة, ولأنها تكرس نفسها لابنائها وبيتها ولا تعرف من الزواج سوي ذلك.. أو لأنها تعتز بأوضاعها العائلية التي تفضل أوضاعك الأسرية.
والمؤكد أنك قد ظلمت نفسك وظلمت زوجتك بارتباطك بها وأنت غير مهيأ لاعتبارها من البداية شخصية مختلفة عن فتاتك السابقة ولها وسائلها المختلفة للتعبير عن المشاعر تجاه شريك الحياة.. وغير مسئولة كذلك عن الظروف التي دفعتك للتضحية بالحب.
فإذا كنت تسألني عن رأيي فيما اتخذته من قرار بمغالبة ضعفك العاطفي الطارئ تجاه زميلتك المطلقة.. وعجزك عن مواجهة تبعات اختيارك العاطفي لها, وتراجعك عنه تكريسا لحياتك لأسرتك وابنائك, فاني أقول لك إنه ليس من العدل أن يدفع غيرنا فواتير عجزنا السابق عن مغالبة ظروفنا.
ولاشك في أن محاولتك للتعويض العاطفي المتأخر كانت ستترتب عليها تبعات جسام يتأذي بها من لا ذنب لهم في استسلامك السريع بعد التخرج لظروفك.. وأولهم زوجتك التي لم يجبرك أحد علي الارتباط بها.. ولا تجد ما تأخذه عليها سوي في انكفائها علي بيتها وابنائها, حتي ولو لم تحسن التعبير العاطفي عن الحب, وابناؤك الذين لا ذنب لهم ولا جريرة فيما قضت به المقادير..
فلا تخجل من قرار شجاع رأيت معه أن تتحمل وحدك تبعات التفريط في الحب في البداية وعدم التواصل العاطفي بينك وبين من تزوجتها بإرادتك في النهاية..
فهكذا يفعل الفضلاء الذين يأبون إلا أن يتحملوا وحدهم تبعات اختياراتهم.. ولا يكلفون غيرهم من أمرهم رهقا بأية دعاوي أو مبررات, ولو انصفت لحاولت إقناع نفسك بفتح صفحة جديدة مع زوجتك وأم ابنائك, لا تنظر إليها فيها كرمز للهمة الخائرة والحب الذي تخلي عنه طرفاه.. وإنما كأنسانة وأم وزوجة جمع الله بينك وبينها ودامت عشرتكما بلا مشكلات حقيقية حتي أثمرت ثمارها الطيبة من الابناء.. ومن المؤكد أنك سوف تستشعر تجاهها احاسيس جديدة تقضي علي احاسيسك السابقة بالقهر والتعاسة.
المزيد ....
دفعتني للكتابة إليك رسالة يوم الخلاص التي يشكو فيها صاحبها من زوجته الجافة التي لم يشعر معها بالسعادة يوما ولا يربطه بها إلا حبه لأطفاله وخوفه من بعض الشيكات التي تحملها ضده, وعزمه علي الزواج من أخري ذات يوم يسميه بيوم الخلاص, وأنا طبيب في الأربعينات من العمر وقد أعطاني الله من فضله سماحة في الخلق ولينا في الطبع وفتح لي أبواب رزقه وحب الناس والحمد لله, وقد نشأت في أسرة متدينة فقيرة تفتح أبوابها لكل من تعرفه بالرغم من فقرها الشديد, حيث كان منزلنا يمتلئ دائما بالضيوف الذين يستعذبون الجلوس مع أبي, وكنت ابنا مطيعا متفوقا ودائما من الأوائل ومحل افتخار أبي أمام اصدقائه, وكانت مشكلتي الأساسية في هذا الوقت هي عدم قدرة أبي علي توفير نفقات الحياة الأساسية لنا ومنها نفقات دراستي بالثانوي والجامعة, فعملت خلال دراستي لأوفر مصاريف الكتب واشتري ملابس لائقة اذهب بها إلي الجامعة, وفي خضم هذا الكفاح كانت لي أوقاتي القصيرة التي أحلم فيها بأن تنجلي هذه الظروف ذات يوم وتنتهي المعاناة مع انتهاء دراستي وعملي كطبيب, وكان هذا الأمل هو ما يعينني علي أن أتحمل هذه الظروف القاسية التي لم يكن لي يد فيها, لكنه كثيرا ماك
ان ينتابني الإحساس بأنني مقهور بين ساعات عمل طويلة وساعات مذاكرة طويلة, وفي هذه الأثناء تعرفت علي زميلة لي, ظروفها مقاربة من ظروفي ووجد كل منا في الآخر ملاذا له أو ربما بصيص أمل وسط هذه الحياة المظلمة, وكانت علاقتنا علاقة محترمة فتعاهدنا علي الزواج بعد التخرج وعلي أن نعمل ونغير ظروفنا إلي الأفضل بإذن الله لكننا بعد أن تخرجنا اكتشفنا أن احلامنا مستحيلة التحقيق لأننا لانملك شيئا سوي المرتب, ووراء كل منا أسرة هو الأمل الوحيد لها, وهكذا دفنت أملي لتحقيق أمل أسرتي وكذلك فعلت زميلتي واتفقنا علي أن نظل أصدقاء, وتزوجت هي من أول شخص مناسب وباركت زواجها, وبداخلي بركان لا يقدر علي الانفجار, ولازمني إحساس القهر مرة ثانية ودفنت أحزاني بداخلي وانغمست في عملي, وتحسنت احوالي المالية بعض الشيء فاقترحت علي أمي الزواج واختار لي أهلي فتاة من أسرة طيبة حاصلة علي شهادة متوسطة ووافقت علي اختيار أسرتي, حيث لم يكن هناك سبب للرفض, وتمت خطبتي لهذه الفتاة ورأيتها خلال الخطبة مرات قليلة وكانت لاتتحدث كثيرا, وكنت أحيانا استعيد صورة فتاتي الجميلة التي تجيد الكلام فأتذكر أنها قد أصبحت زوجة وأما, ولا يجوز لي أن أفكر
فيها. وتزوجت من اختارها لي أهلي وبداخلي نفس الإحساس بالقهر من أنني لم أختر شريكة حياتي بنفسي, وأقبلت علي الحياة مع زوجتي لكن كان هناك شئ بيننا دائما, فهي تذكرني علي الدوام بأنها ابنة عائلة كبيرة, وحتي دون أن تذكرني بذلك كنت اشعر بأنها تتميز علي بهذه الميزة التي لا يد لي فيها, وبالرغم من أنها كانت أقل في الجمال والثقافة واللباقة وكل شئ من فتاتي السابقة الفقيرة, ومضت الأيام والسنون انقطع خلالها أهلي عن زيارتي لأنها تتعالي عليهم, ولا ترحب بوجودهم ولم أفكر في الانفصال عنها لأني كنت قد رزقت بأطفال ولم يكن أمامي إلا الصبر علي هذا البلاء, واستبدلت بحب فتاتي الأولي حب ابنائي وصاروا كل شئ في حياتي, وتوالت الأيام وازدادت الهوة بيني وبين زوجتي فحياتها محدودة بتحضير الطعام وأعمال المنزل ولا تعرف عن الزواج وعن حق الزوج أكثر من ذلك, وزاد داخلي الاحساس بالقهر وعدم الرغبة في الحياة معها فأصبحت اقضي معظم وقتي في عملي وأنتهز الفرص لكي أزور أهلي وأصل رحمهم.
وفي ذروة هذا القهر شاءت الأقدار أن التقي بطبيبة صغيرة مطلقة, شعرت بارتياح تجاهها خاصةوأن لها نفس شخصية زميلتي القديمة وانني قد وجدت فيها كل ما تفتقر إليه زوجتي من حب الناس والألفة بهم والصدق في القول والرقة في الطبع, ووجدتني انجذب إليها واشتعل في داخلي أمل كذلك الذي كنت أشعر به خلال دراستي بالجامعة وبالرغم من ذلك فلقد كتمت مشاعري لفترة طويلة حتي صارت هذه الزميلة محور حياتي وبصيص الأمل فيها, وبغير أن اجرؤ حتي علي أن اعترف لنفسي بأني أحبها حبا شديدا وعلي ثقة من مشاعرها تجاهي, بالرغم من أنها لم تنطق بها ابدا, لكنني لم أستطع أن أواجه المجتمع برغبتي في الزواج منها أو برغبتي وحقي في الحياة, ولم استطع أن أواجه ابنائي الذين قد أعطيتهم كل حياتي, مع أن لي الحق في الحياة أنا أيضا.
واني أكتب إليك الآن بعد أن اتخذت قراري من شهور بأن أعيش لابنائي, وأن أنسي أمر هذه السيدة, لكني احترق في داخلي يا سيدي وقد فقدت الرغبة في الحياة وصرت أتمني الموت, وأريدك أن تقول لي ما يعينني علي ما اتخذته من قرار وأن تخبرني هل يجب أن يموت الآباء من أجل ابنائهم, وهل يجب أن أضحي دائما من أجل سعادة الآخرين, إنني انظر الي حالي وقد اجتمعت لي أسباب السعادة من مركز مرموق ومال وسمعة طيبة وأبناء متفوقين, وأري أنني قد ابتليت في شريكة عمري. واتساءل هل سيأتي اليوم الذي سيفارقني هذا الإحساس بالقهر؟ وهل يمكن ان تعود لي رغبتي في الحياة ومتي.. إنني أريد أن تقويني كلماتك فماذا تقول لي؟.
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
لو تأملت قصتك مع الحياة بعين محايدة.. وبعيدا عن ميل الانسان الغريزي للرثاء لنفسه ولوم الظروف المحيطة به واتهامها بحرمانه من السعادة المرجوة, لعرفت أنك قد أضعت الحب الحقيقي من بين يديك بعد التخرج والعمل لسبب أساسي هو أنك قد سارعت بالاستسلام لظروفك الاجتماعية والعائلية. بلا مقاومة, وكذلك فعلت زميلتك, مما يعني أن مشكلتكما الحقيقية لم تكن في ظروفكما الاجتماعية غير المواتية.. وإنما كانت اساسا في الانهزامية وخور الإرادة وضعف الهمة عن الكفاح والدفاع عن الحب والاستمساك به والصبر علي الظروف إلي أن تتغير للأفضل.. والحب الحقيقي أثمن من أن يضحي به طرفاه أو يتنازلا عنه بمثل هذه السهولة.. كما أن ظروف كل منكما لم تكن مستعصية علي الكفاح لتغييرها إلي الأفضل بشئ من الصبر ومغالبة الأوضاع, بدليل أنك قد أصبحت خلال بضع سنوات أخري قادرا علي الزواج دون أن تتقاعس عن اداء واجبك الانساني تجاه اسرتك, ولأنك تعرف ذلك في أعماقك وتشعر بلوم النفس علي التفريط في الحب وعدم الكفاح للحفاظ عليه, فإنك تعاني الإحساس بالقهر ليس لأنك لم تختر زوجتك, وإنما اختارتها لك اسرتك, إذ ما كان اسهل عليك من أن تعترض علي الاختيار أو ترفضه أو تستبدله بغيره, وإنما لأنك قد أدركت أنه كان في مقدورك لو كنت قد تحليت بالصبر وقوة الإرادة وعزيمة الكفاح أن تفوز بالحب والسعادة وألا تنهزم سريعا أمام الظروف غير المواتية..
هذا هو المبرر الحقيقي لما تشعر به من قهر داخلي وليس أي شئ آخر, ولأنك كنت تنطوي علي هذه المشاعر المتضاربة, فإنك قد بدأت حياتك الزوجية ومرآتك الداخلية مشوشة بلوم النفس علي التفريط في الحب وبالتشكك في قدرة الزوجة التي سمحت بها الظروف العائلية اخيرا علي تعويض ضياع الحب.. وأدي تفاعل كل تلك المشاعر إلي المسارعة بإعفاء النفس من المسئولية عن عدم التجاوب مع الزوجة, بنسبة اللوم اليها وتحميلها المسئولية لأنها تختلف عن شخصية فتاة القلب السابقة, ولأنها تكرس نفسها لابنائها وبيتها ولا تعرف من الزواج سوي ذلك.. أو لأنها تعتز بأوضاعها العائلية التي تفضل أوضاعك الأسرية.
والمؤكد أنك قد ظلمت نفسك وظلمت زوجتك بارتباطك بها وأنت غير مهيأ لاعتبارها من البداية شخصية مختلفة عن فتاتك السابقة ولها وسائلها المختلفة للتعبير عن المشاعر تجاه شريك الحياة.. وغير مسئولة كذلك عن الظروف التي دفعتك للتضحية بالحب.
فإذا كنت تسألني عن رأيي فيما اتخذته من قرار بمغالبة ضعفك العاطفي الطارئ تجاه زميلتك المطلقة.. وعجزك عن مواجهة تبعات اختيارك العاطفي لها, وتراجعك عنه تكريسا لحياتك لأسرتك وابنائك, فاني أقول لك إنه ليس من العدل أن يدفع غيرنا فواتير عجزنا السابق عن مغالبة ظروفنا.
ولاشك في أن محاولتك للتعويض العاطفي المتأخر كانت ستترتب عليها تبعات جسام يتأذي بها من لا ذنب لهم في استسلامك السريع بعد التخرج لظروفك.. وأولهم زوجتك التي لم يجبرك أحد علي الارتباط بها.. ولا تجد ما تأخذه عليها سوي في انكفائها علي بيتها وابنائها, حتي ولو لم تحسن التعبير العاطفي عن الحب, وابناؤك الذين لا ذنب لهم ولا جريرة فيما قضت به المقادير..
فلا تخجل من قرار شجاع رأيت معه أن تتحمل وحدك تبعات التفريط في الحب في البداية وعدم التواصل العاطفي بينك وبين من تزوجتها بإرادتك في النهاية..
فهكذا يفعل الفضلاء الذين يأبون إلا أن يتحملوا وحدهم تبعات اختياراتهم.. ولا يكلفون غيرهم من أمرهم رهقا بأية دعاوي أو مبررات, ولو انصفت لحاولت إقناع نفسك بفتح صفحة جديدة مع زوجتك وأم ابنائك, لا تنظر إليها فيها كرمز للهمة الخائرة والحب الذي تخلي عنه طرفاه.. وإنما كأنسانة وأم وزوجة جمع الله بينك وبينها ودامت عشرتكما بلا مشكلات حقيقية حتي أثمرت ثمارها الطيبة من الابناء.. ومن المؤكد أنك سوف تستشعر تجاهها احاسيس جديدة تقضي علي احاسيسك السابقة بالقهر والتعاسة.