الأربعاء، ١ مارس ٢٠٠٠

التجربة الخاسرة‏!‏

28-11-2003
قرأت رسالة البيت الجديد للسيدة التي أعطت زوجها كل الحب والحنان‏,‏ وتفانت في إسعاده‏,‏ فقابل الزوج كل هذا العطاء بالقسوة وطلقها بعد تسع سنوات لأنها محرومة من الإنجاب والأمومة‏,‏ وبرغم قبولها بزواجه من أخري بهدف الإنجاب ومساعدتها له علي تحقيق ذلك‏,‏ ولقد أثارت هذه القصة تأملاتي وشجوني ليس لأن قصتي شبيهة بها‏,‏ وإنما لأنها الوجه الآخر لها‏,‏ فأنا سيدة في السابعة والعشرين من عمري ومن أسرة بسيطة ولي اختان أصغر مني‏,‏ خطبت لشاب قبل عدة أعوام ولم يكتب لنا الله التوفيق فافترقنا‏,‏ ثم تعرفت منذ عامين برجل يملك شركة للمواد الغذائية يكبرني بـ‏28‏ عاما‏,‏ شعرت بأنه سيكون لي الأب والزوج والحبيب‏,‏ وساعدتني علي ذلك معاملته الرقيقة لي‏,‏ وتدينه‏,‏ فأحببته وتعلقت آمالي به‏..‏ وصدقت كل كلمة نطق بها أمامي‏,‏ وتأثرت بشدة حين روي لي باكيا قصته مع مطلقته أم ابنته الوحيدة البالغة من العمر‏12‏ عاما‏,‏ وكيف كان مظلوما معها‏,‏ وحين سألته كيف احتمل الوحدة عشر سنوات كاملة بعد طلاقه لزوجته الأولي‏,‏ بكي مرة أخري واعترف لي بأنه تزوج من سكرتيرته خلال هذه الفترة‏,‏ لكنها خانت العشرة بعد تسع سنوات وسرقت منه أوراقا مهمة ونقودا وسافرت إلي دولة أوروبية وتركته‏.‏ فازداد تعاطفي معه وعقدت العزم علي أن أعوضه عن تجربتي الزواج الفاشلتين هاتين‏,‏ وخطبت له بدبلتين فقط‏,‏ لأنه قال لي إنه يمر بأزمة مادية عارضة‏,‏ ولم يقتنع أهلي بحكاية الدبلتين فقط وهو الذي لايبدو عليه أنه معسر‏,‏ فاشتريت ببعض مدخراتي بعض المشغولات الذهبية وزعمت لأهلي أنه اشتراها لي‏..‏

وخطبت له وتم عقد القران دون دخول‏..‏ واستمرت الخطبة عاما دون أن يحدد موعدا للزفاف بسبب أزماته المادية المتتالية‏,‏واستاء أهلي لطول فترة الخطبة‏,‏ وضغطوا عليه لتحديد موعد الزفاف‏,‏ فاستجاب كارها‏..‏وتم الزفاف عائليا وفي أضيق الحدود بناء علي طلبه‏,‏ وبعده بيومين فوجئت به يأمرني بعدم الرد علي التليفون نهائيا سواء كان موجودا بالبيت أم غائبا عنه‏,‏ وبعدم الاتصال بمكتبه أبدا مهما تكن الظروف‏,‏ ويضع لي جدولا لتنظيف الشقة وتلميع كل قطعة من قطع الأثاث فيها وهي شقة كبيرة مساحتها‏320‏ مترا ومن طابقين‏,‏ ولم أتوقف كثيرا أمام كل ذلك‏,‏ لكني توقفت أمام إصراره علي ألا يصطحبني معه إلي أي مكان أو إلي أي دعوة للعشاء أو الغداء أو أي زيارة‏,‏ وتعمده أن يصطحب ابنته ـ التي تقيم بيننا ـ معه وتركي وحيدة في البيت‏,‏ وكلما حاولت مناقشته في ذلك انفجر في قائلا‏:‏ إن ظهوري معه سيسبب له كوارث هو في غني عنها‏..‏ كما لاحظت أنه يتكلم كثيرا في التليفون مع أم ابنته‏,‏ ويرفض الاجابة علي أسئلتي الحائرة عن أسباب هذه المكالمات‏.‏
وقضيت ليالي كثيرة أتضرع إلي الله أن يرجع زوجي إلي صورته القديمة في فترة الخطبة الأولي‏,‏وأن يعود إلي حبه واحترامه لي‏,‏ ولكن بلا جدوي فلقد سقط القناع وانتهي الأمر‏..‏ وتحملت معاملة ابنته السيئة لي‏..‏ وصدمت صدمة العمر حين اعترف لي فجأة بأنه قد تزوج قبلي‏5‏ مرات‏.‏

وفي وسط كل هذه الأحزان اكتشفت انني حامل‏..‏ وابلغته بذلك‏..‏ فإذا به ينفجر في ويقذفني بأبشع الكلمات‏,‏ ويقسم علي بالطلاق إذا لم أتخلص من الجنين الذي لو جاء إلي الحياة فسوف يخسر هو ـ كما ـ قال الملايين‏,‏ ولو تحديته واحتفظت به فسيطلقني ولن ينفق علي مولوده مني مليما واحدا طوال العمر‏..‏ ولن ينظر في وجهي أبدا‏...‏ الخ‏.‏
وحاول زوجي إجهاضي بيديه ولم يتوقف إلا حين صرخت من الهلع والألم‏,‏ فراح يبحث عن طبيب منعدم الضمير لكي يقوم بإجهاضي وظل شهرا كاملا دون أن يجد مثل هذا الطبيب‏,‏ ويسيء معاملتي إلي أقصي حد‏,‏ إلي أن عثر علي طبيب هو في الحقيقة جزار وليس طبيبا‏,‏ وافق علي إجهاضي مقابل مبلغ كبير من المال‏,‏ ووافق زوجي علي الفور‏,‏ وتمت العملية وأجهضت دون ضرر عضوي‏..‏ أما الضرر النفسي فكبير وكبير إذ شعرت بأنني مقهورة ومغلوبة علي أمري‏,‏ وضحيت بأول جنين تحرك في احشائي بناء علي رغبة زوج متحجر القلب‏,‏ ودون أن أعرف سببا واحدا مقنعا للتضحية بجنيني‏,‏ واشتد انكساري وحزني فخيرت زوجي بين أن يسمح لي بالإنجاب وممارسة إحساس الأمومة وأن أكون زوجة وأما ككل الزوجات خلال فترة لاتتعدي السنة‏..‏ أو أن يطلقتي فاختار الطلاق‏,‏ وطلقت وعدت إلي بيت أهلي وأنا لا أعرف ماهي الجريمة التي ارتكبتها واستحققت عنها هذه التعاسة‏,‏ إذ هل يعيبني أنني زوجة ولود ولست عاقرا؟

وهل لأنني أحببت وضحيت بكل الحقوق المادية ووقفت إلي جواره‏,‏ يكون جزائي هو إذلالي وقهري وإجهاضي وطلاقي وحرماني حتي من حقوقي المادية بعد الطلاق بدعوي انني التي طلبت الطلاق‏.‏
أو ليس شيئا يستحق التأمل‏..‏ أن تكون كاتبة رسالة البيت الجديد قد طلقت لأنها لاتنجب‏..‏ وانني قد طلقت لأنني قادرة علي الانجاب‏,‏ وأريد أن أنجب وألا يحرمني أحد من أمومتي؟

ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏
المفارقة بين سبب طلاق كاتبة رسالة البيت الجديد وسبب طلاقك تستحق التأمل بالفعل‏,‏ لكن السؤال الأهم هو‏:‏ هل كان زواجك من هذا الرجل الذي يكبرك بـ‏28‏ سنة وتزوج قبلك‏5‏ مرات‏,‏ ويتخفي بزواجه بك عن الآخرين ويرفض الإنجاب منك‏..‏ هو الزواج الذي ينبغي أن تتطلع اليه فتاة في مقتبل العمر مثلك ومهما تكن ظروفها الاجتماعية والانسانية؟
إن أهم أسباب نجاح الزواج واستمراره هو اتحاد أهداف طرفيه منه‏,‏ والواضح هو أن هدف كل منكما من هذا الزواج المحكوم عليه بالفشل كان مختلفا اختلافا جذريا عن هدف الطرف الآخر منه‏,‏ فكان هدفك منه هو الاستقرار والإنجاب والأمومة والتخفف من جفاف الحياة واستمرار العلاقة إلي أن يقضي الله أمرا كان مفعولا‏,‏ وكان هدفه منه هو الارتواء الحسي والتمتع المؤقت بمباهج الزواج المشروع إلي حين‏,‏ وبغير تحمل اية اعباء انسانية تنجم عن الإنجاب‏..‏ وتؤبد العلاقة بينكما‏,‏ لهذا فقد تعامل مع زواجه منك وكأنه علاقة سرية لايجرؤ علي مواجهة الآخرين بها‏,‏ ووقع الصدام سريعا بينكما حين أنذرت النذر باحتمال تحول الزواج العابر بالإنجاب إلي زواج دائم وعلني‏..‏ وانتهي الصدام بتحطم العلاقة علي صخرة الطلاق قبل أن يتم الزواج عامه الأول‏.‏

ولاعجب في ذلك ولا غرابة‏..‏ فلقد كان زواجا مرشحا للانهيار من قبل البداية لفارق السن الكبير بينك وبين زوجك السابق‏,‏ ولاختلاف الأهداف ولعدم جدية الطرف المؤثر في العلاقة وهو الرجل‏..‏ فتضافرت كل عوامل الفشل وأثمرت هذه التجربة الخاسرة من كل الجوانب‏.‏ فحتي الهدف المادي من زواج فتاة صغيرة السن من رجل يكبرها بـ‏28‏ عاما قد باء بالخسران المبين‏,‏ ولم يسهم زواجك منه في تحقيق حلم السعادة ولا حلم الإنجاب ولاحتي الأمل في تخفيف عناء الحياة عنك وعن أسرتك‏,‏ وبدد بدلا من ذلك كله عامين ثمينين من حياتك في تجربة محزنة بلا طائل‏..‏ وأصابك بجروح نفسية وانسانية عميقة‏.‏ واللوم كل اللوم في كل ذلك عليك أنت قبل أي طرف آخر‏,‏ لأنك قد خالفت قوانين الحياة الأولي بالاتباع‏,‏ وتطلعت إلي الزواج من رجل مزواج يكبرك بما يقرب من ثلاثين سنة‏,‏ بدلا من أن تتطلعي‏,‏ كما ينبغي لفتاة شابة مثلك للزواج ممن يقاربك في السن والظروف العائلية والاجتماعية‏..‏ ولأنك قد أردت تجاوز الكثير والكثير من الفوارق التي تفصل بينك وبين مثل هذا الرجل الذي حرص علي أن يخرج من مغامرته معك بأقل الخسائر المادية‏,‏ وهو ماحدث بالفعل حيث لم يظهر معك أي درجة من الكرم تغري شابة مثلك بالتمسك بزواجها منه‏..‏ ولم يعوضك ماديا عن طلاقه لك‏..‏ ولم يسمح لك حتي بالإنجاب وممارسة احساس الأمومة‏..‏ تنصلا من احتمال استمرار العلاقة الزوجية‏..‏ وتهربا من أعباء الإنجاب الانسانية والمادية‏,‏ فلماذا فعلت كل ذلك بنفسك أيتها السيدة الشابة؟

وعلي من نلقي اللوم في هذا الاختيار الخاطئ منذ البداية‏,‏ سواك؟
إنني ارجو أن تكوني قد استوعبت درس التجربة‏..‏ واستفدت بدروسها وأدركت أن الحياة الطبيعية ولو كانت أقل يريقا من الحياة الناعمة مع رجل كزوجك السابق‏..‏ فهي الأبقي والأدوم والأقرب إلي معني الزواج المشروع‏..‏ فلا تكرري هذه التجربة الخاسرة مرة أخري في حياتك‏,‏ ولاتتطلعي إلا إلي من يتكافأ معك في السن والمستوي العائلي والاجتماعي والمادي‏,‏ ويحرص علي تأبيد العلاقة الزوجية بينكما‏..‏ ويتلهف علي الانجاب منك ليستمتع بالحياة العائلية الطبيعية وممارسة احساس الأبوة‏,‏ ويتيح لك التمتع بإحساس الأمومة واطمئنان القلب والثقة الآمنة في الغد‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق