الأربعاء، ١ مارس ٢٠٠٠

الاختيار الصحيح‏!‏

23-05-2003
أعرض عليك مأساتي لعلي أجد علي يديك الحل وطوق النجاة‏,‏ فأنا سيدة عمري‏35‏ عاما موظفة بإحدي شركات البترول الكبري‏,‏ وقد نشأت في عائلتي الطيبة بين أبي الحنون وأمي الطيبة وأختي الكبري‏.‏
وقد تزوجت منذ أحد عشر عاما بعد أن تقدم لي كثيرون من الشباب‏,‏ فكان لأهلي دائما حق القبول والرفض والاختيار وما علي إلا الموافقة علي اختيارهم‏,‏ فكان الزواج تقليديا وليس لي أن أناقش أو أعترض‏,‏ وتم الزواج وكان عمري وقتها نحو‏24‏ عاما‏,‏ إلا إنني انفصلت عن زوجي بعد شهرين فقط من زواجي‏,‏ مما أحدث في نفسي صدمة عنيفة وكان سبب الانفصال أن الزوج غير سوي في كل ما يتصل بالزواج شكلا وموضوعا‏,‏ وبعد أن أخذنا دورة كاملة علي الأطباء والاستشاريين كان رأيهم أنه ما كان له الزواج مطلقا‏,‏ وتم الانفصال‏,‏ وأيقنت أنه نصيبي وربما يعوضني ربي بمن هو جدير بي وأنا جديرة به‏,‏ فتقدم لي آخرون من الشباب والرجال ولكنهم لم ينالوا إعجاب أهلي الذين كانوا يقيسون الرجل بمقاييس خاصة‏,‏ وليس لي أن أبدي رأيي أو إعجابي بأحد أو الموافقة علي أحد‏.‏

وبقيت علي هذا الحال سبع سنوات إلي أن جاء الرجل الذي فرضوه علي مرة أخري بقولهم إنه مناسب وليس لي زوج سواه وأنه الاختيار الصحيح الذي سيسعدك ويعوضك عن كل شئ‏,‏ ولم أتحمس لهذا الاختيار لأنني لم أحس نحوه بأي إحساس أو عاطفة أو حتي مجرد تفاهم إلا أنهم أصروا علي موقفهم وأن التفاهم والحب يأتيان بعد الزواج‏,‏ وتحت ضغطهم وإصرارهم استسلمت لرأيهم بعد معاناة كبيرة معهم‏,‏ وتم الزواج علي مضض‏,‏ ودخلت عش الزوجية الذي وصفوه لي بأنه جنتي ومملكتي الجديدة وأن هذا هو الزوج المنتظر‏,‏ فإذا بي أجده هو الآخر إنسانا بعيدا كل البعد عن الحياة الزوجية الطبيعية وليس عنده ما يقدمه للزوجة ليلة الزواج ولا بعدها بأيام ولا شهور‏,‏ وكانت فاجعتي أكبر وصدمتي أعنف وكذلك صدمة أهلي‏,‏ وقمنا من جديد بالذهاب إلي كبار الأطباء والاستشاريين لكن دون جدوي طول ثلاث سنوات أو أكثر‏,‏ فما كانت هناك أية فرصة للشفاء ومعي كل التقارير والتحاليل التي تثبت ذلك‏,‏ وأنه ليس هناك نسبة شفاء تصل حتي إلي‏10%,‏ وأنه لم يكن له الزواج من الأصل ـ ناهيك عن سلوكه وتصرفاته معي من إهمال واستهتار وتركي في المنزل وإهانتي‏,‏ وفي كل مرة يتدخل أهلي ويضغطون علي للعودة إلي بيتي فأنا دائما رهينة المحبسين‏..‏ منزل الزوجية أو منزل أهلي الذي أقيم فيه الآن ــ وأهلي جميعا يهاجمونني وكأنني السبب وهم يعلمون الحقيقة وأنني لست سعيدة بحياتي‏.‏ وكل ما يهم زوجي ويسعده هو أن يجدني أمامه فقط وكأنني تحفة جميلة يزين بها المنزل ليس لها كيان ولا مشاعر ولا أحاسيس ولا ما يهم كل زوجة تحلم بزوج سوي‏,‏ تعيش معه حياة طبيعية‏,‏ وكأن الأقدار اختبرتني بزواجي مرتين من رجلين ليس في استطاعتهما أن يعيشا معي أو مع أي زوجة حياة طبيعية‏,‏ وقد انعكس هذا الأمر علي زوجي في سلوكه وتصرفاته وإهانته المستمرة لي‏,‏ وعلي الرغم مما أعانيه وما حضره أهلي كثيرا من مشكلات فإنهم كانوا دائما يضغطون علي لأعود لبيتي المرة بعد الأخري‏.‏

إنني ياسيدي قليلة الحيلة ولا أستطيع أن أقنع أهلي بأنني لا أريد هذا الزوج‏,‏ وكلما تحاورنا كانت لهم الغلبة علي حتي أختي تكون معهم‏,‏ فأهلي لايتصورونني مطلقة للمرة الثانية‏.‏ خوفا من الفضيحة وكلام الناس والزملاء والجيران‏,‏ وهذا هو كل ما يهم أهلي‏,‏ ولا يهمهم حياتي وكياني ومتطلباتي من الحياة الزوجية الطبيعية‏,‏ وإذا تطرقوا مرة إلي الحديث عن الطلاق فسيكون سرا ولسوف أجلس في البيت ما بقي لي من عمر دون زواج‏,‏ وزوجي يأخذ الموضوع كأنه موضوع كرامة وكبرياء حتي أن زوج أختي تناقش معه في هذه الحياة المستحيلة فكان رده أنه لن يطلق حتي لا تمس كرامته وكبرياؤه‏.‏
وهنا أريد أن أسأل ــ أليس من حقي أن أحيا حياة طبيعية كأي سيدة أخري؟‏.‏

أو ليس من حقي أن أكون أما في يوم من الأيام‏,‏ وأن أستشعر الحمل في أحشائي وأحلم بطفل أحمله فوق ذراعي؟‏.‏
وأليس من حقي الانفصال عن هذا الزوج ليشق هو حياته كما يشاء ويعوضني أنا ربي بعد عذاب أكثر من أحد عشر عاما منذ زواجي الأول وصدمتي فيه وجلوسي عند أهلي سبع سنوات بين الحسرة وقلة الحيلة وزواجي مرة أخري وصدمتي الثانية وعذابي وهواني حتي علي أهلي؟ أليس من حقي اختيار شريك عمري بنفسي وخصوصا وقد بدأت أشعر بسرقة عمري مني بعد أن تجاوزت الخامسة والثلاثين؟‏!.‏

إنني محاصرة بين أهل لا يهمهم إلا ما ذكرت وزوج يعجبه وجودي فقط في المنزل ضمن التحف والأثاث‏..‏
فهل تستطيع مخاطبة أهلي وإقناعهم بتغيير فكرهم وأن يكونوا علي مستوي الإحساس بي وبمشكلتي ومأساتي وأن تخاطب زوجي أن يكون أيضا عند مستوي الفكر والعقل وعدم الأنانية وألا يكون الموضوع بالنسبة له موضوع كبرياء وكرامة‏.‏ إنني أحب أهلي ولا أريد أن أتخذ قرارا بمفردي وأطلب الطلاق أو الخلع ولا أريد أن أخسرهم أو أهزمهم‏,‏ فهل يساعدونني علي أن أظل وفية لهم حتي نهاية العمر؟

ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏
من حقك بالفعل أن تحيي الحياة الزوجية الطبيعية وأن تتطلعي للأمومة وتحلمي بطفل صغير تحملينه فوق ذراعك ويتقدم في مدارج الطفولة أمامك‏,‏ وما دمت لا تصبرين علي حياتك الحالية ولا تقدرين علي مكابدة الحرمان مما تتوقين إليه‏,‏ فلا مفر من التسليم بالفشل عملا بقاعدة دفع الضرر الأكبر بالضرر الأصغر‏..‏ ذلك أن الزواج عصمة للمرأة كما هو تحصين للرجل‏,‏ فإن افتقد أحد أهم أركانه وشعر أحد طرفيه بعجزة عن الصبر عما ينقصه لم يعد هناك مجال للتردد أمام القرار‏..‏ ولا يغيرن من الأمر شيئا أن يكون الفشل للمرة الثانية في حياتك‏..‏ وينبغي لأهلك ألا يهلعوا له ويتحسبوا لأثره الاجتماعي عليك‏,‏ لأن الأمر يتعلق بدرء الفتنة عنك‏,‏ كما أن سبب انهيار الحياة الزوجية في المرتين لايرجع إليك ولا تتحملين مسئوليته‏..‏ فإذا كنت قد تعجلت التسليم بالفشل في زواجك الأول الذي لم يستمر لأكثر من شهرين‏..‏ فلقد منحت زواجك الثاني فرصته العادلة واستمر أربع سنوات دون أمل في تحسن الأحوال‏..‏ ومن سوء الطالع حقا أن تتكرر هذه المحنة في حياتك مرتين وبنفس التفاصيل‏..‏ غير أنني أعجب أكثر لقولك إنك قد تزوجت في المرتين بغير أن يكون لك رأي في الاختيار‏,‏ وبغير أن يحق لك أن تعربي عن تفضيلك لهذا أو ذاك ممن تقدموا إليك‏,‏ إذ كيف يحدث هذا والأهل الرحماء لايتخذون القرارات المصيرية لأبنائهم الراشدين نيابة عنهم‏..‏ ولا يستبعدونهم منها‏..‏ وفي أي عصر تعيشين يا سيدتي‏,‏ وقد روي لنا الأثر أن فتاة عربية شكت إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم أن أباها قد عقد نكاحها علي ابن عمها بغير أن يستأذنها وهي عن ذلك غير راضية‏,‏ فاستدعي الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه الأب وأمره أن يفك عقده نكاحها لأنها لا ترضاه فصدع الرجل بالأمر‏,‏ فإذا بابنته تقول للرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه‏:‏ قد أجزت ما فعل أبي‏..‏ وإنما أردت أن يعلم الآباء أن ليس لهم من الأمر شئ‏!‏

فكيف تقولين أنك قد تزوجت زوجك الأول وزوحك الحالي دون رغبة منك؟
أغلب الظن أنك قد استؤمرت في زواجيك‏..‏ وقبلت بإلحاح الأهل عليك وتزيينهم لحسن اختيارهم لك‏..‏ ثم صادفت سوء التوفيق في الزواجين‏,‏ ومن نفس الزاوية المؤثرة‏.‏ فاستجبت إلي الطبيعة الانسانية التي تبحث دائما عن طرف خارجي لتحمله مسئولية تعاستها وتتهمه بالمسئولية عما يكابده من حرمان‏..‏ وأيا كان السبب فأنت الآن تواجهين مشكلة ملحة لايفيد في حلها إدانة طرف دون آخر وتحميله مسئولية تعاستك‏..‏ وإنما يفيد فقط التحرك لاتخاذ خطوة عملية للحل‏..‏ ومحاولة تحجيم الخسائر‏.‏

والمشكلة هي أنك لا تطيقين صبرا علي حياتك الحالية وعلي حرمانك مما تتوقين إليه‏,‏ ورفض زوجك أن يسرحك بإحسان‏,‏ وهلع أهلك من تكرار الفشل في حياتك الشخصية وحملك للقب المطلقة للمرة الثانية ومع تقديري لاعتبارات الأهل في عدم التهلل لتكرار الفشل في حياتك من جديد إلا أن الموقف لايحتمل مواصلة الضغط عليك للقبول باستمرار حياتك الزوجية‏,‏ إذا عرضتك هذه الحياة للفتنة أو هددئك بما لا ترضينه لنفسك‏..‏ ولقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرجل تزوج امرأة وهو لا ينجب‏:‏ أخبرها أنك عقيم وخيرها‏...‏ أي خيرها بين استمرار الزواج أو فسخه‏,‏ وقال رضي الله عنه إن كل عيب ينفر أحد الزوجين من الآخر ولايحصل به مقصود النكاح من المودة والرحمة يوجب الخيار‏.‏
وما دمت قد اخترت الانفصال فلا مفر من التسليم برغبتك‏,‏ ومن واجب زوجك ألا يمسكك علي غير إرادتك‏,‏ وألا يجبرك علي حياة لا تحقق لك رغباتك وأمنياتك وإشباعك الحسي والأمومي‏,‏ وأن يتفرقا يغن الله كلا من سعته‏..‏ ويعوضه عما افتقد‏..‏ ويأسو جراحه وأحزانه إن شاء الله‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق