24-01-2003
أنا سيدة في الأربعينيات من العمر حين كنت أدرس في المرحلة الجامعية, تعرفت علي شاب في السنة النهائية بالكلية وارتبطنا معا في قصة حب جميلة, وبعد تخرجه تقدم إلي أبي طالبا يدي, فرفضه علي الفور وقال لي إنه لا يرفضه لتواضع إمكاناته المادية وإنما لتواضع مستوي أسرته اجتماعيا بالقياس إلي أسرتي العريقة, لكني صممت علي الارتباط بهذا الشاب وأعلنت مشاعري تجاهه.. فوافق أبي في النهاية علي خطبتي له, لكنه قرر أن تكون مساعدته المادية لي في أضيق الحدود بسبب تمسكي بهذا الشاب الذي لا يراه مناسبا لي, ولرفضي لشاب آخر من أسرة معروفة وملائم تماما لي.. وهكذا تمت الخطبة ثم القران.. وأقيم الزفاف في حفل صغير متواضع لا يتناسب أبدا مع المستوي العائلي لأهلي, لكني لم آبه لذلك وكنت خلال الزفاف في شغل شاغل بعريسي عن المكان والزمان.. وبعد الزواج مباشرة حملت, فانقطعت عن تدريب كنت أقوم به استعدادا لشغل وظيفة في احدي المؤسسات, وبعد انجابي لطفلي طلب مني زوجي تأجيل العمل لفترة أخري لرعاية طفلي, فاستجبت له بالرغم من اعتراض أبي وخوفه من ضياع فرصتي في العمل, ورزقني الله بعد ذلك بطفلة ثم طفلين آخرين وشغلت بأبنائي وبيتي تماما ونسيت حلمي في العمل ومواصلة الدراسات العليا أو تناسيته, ورحل أبي عن الحياة وورثت عنه قدرا معقولا من المال فأعطيته لزوجي علي الفور فاستعان به في فتح مكتب خاص له وانتقلنا إلي شقة جميلة واسعة في حي راق, ومضت السنوات وكبر الأبناء وأصبح الابن الأكبر في أواخر المرحلة الجامعية والابنة التي تليه في بدايتها والابنة الأخري في المرحلة الثانوية والابن الأصغر في المدرسة الاعدادية..
وكانت لابنتي الطالبة الجامعية زميلة تقيم في العشوائيات وتأتي إليها لتذاكر معها فإذا تأخرت في العودة لمنزلها ليلا طلبت من ابني أن يقوم بتوصيلها إلي أقرب محطة مترو لكي ترجع إلي بيتها.. فيتبرم بذلك لأنه يعطله عن الاستذكار, ثم تطوع زوجي لأن يقوم بهذه المهمة بدلا منه فأصبح يوصلها بسيارته إلي المترو إذا تأخرت لدينا في المساء, ومضت الأيام هادئة وبهيجة إلي أن جاءت ابنتي ذات يوم وروت لي كلاما غريبا سمعته في كليتها وهو أن أباها علي علاقة بزميلتها هذه وأنه سوف يتزوجها! ودهشت كثيرا لهذا الكلام الغريب. وسخرت منه. لأن زوجي في الخمسين ويكبر هذه الفتاة بأكثر من ضعف عمرها.. كما أنها لم تكن في نظري سوي طفلة كابنتي. فانتظرت زوجي لأروي له هذه النكتة العجيبة ونضحك عليها معا ورويتها له ففوجئت به يسألني في برود: ولم لا.. والشرع يسمح بذلك؟ وظننته في البداية يتعمد إغاظتي كنوع من المزاح الثقيل معي.. لكني وجدته جادا للأسف.. فانتابتني حالة هستيرية من الصراخ والعويل خيل إلي خلالها أنني أبكي عمري كله, وتجمع الأبناء وكانت ليلة دامية..
وتطورت الأحداث بعد ذلك سريعا فأصبحت هذه الفتاة تطلب زوجي بكل جرأة في البيت فإذا رد عليها أحد الأبناء وضع السماعة في وجهها, وفقد ابني ذات يوم أعصابه فتوجه إلي مسكن هذه الفتاة وسب أهلها متوعدا, فلم يخرج إليه أحد منهم وتجمع حوله أهل الحارة وصرفوه بالحسني, ورجع زوجي إلي البيت فإذا به ولأول مرة يضرب ابنه هذا, ويتوعدنا جميعا ويقولها لي صراحة أنه يحبها وسوف يتزوجها.. وسوف يعيش معها في هذه الشقة نفسها, لكن المشكلة هي أنها لا تريد لها ضرة ولهذا فهي تشترط عليه أن يطلقني أولا لكي تقبل بزواجه منها! وبعد أهوال كثيرة انفطر قلبي خلالها من الحزن والألم أخبرت زوجي أنني موافقة علي زواجه منها وطلاقي لكني لن أتنازل عن أبنائي وهم حصاد عمري.. فليطلقني إذن إذا أراد وليدعني في مسكني كما أنا مع أبنائي وليذهب هو إليها لينهل من نبع العسل لديها كما يشاء ويرسل إلينا نفقات الأبناء كل شهر, فلم يقبل بذلك, وأكد لي أنه يريد الأبناء لأنه يحبهم ويريد الشقة لأنه اشتراها بماله, ويريدني أن أتنازل له عنها وعن مؤخر الصداق البسيط وأخرج فقط من الشقة ومن حياته وهكذا يتحقق له ما يريد!
أنني أعجب يا سيدي لبعض الرجال لماذا يسعون إلي الزواج الثاني وهم لا ينقصهم شيء في زواجهم الأول.. ولا يشكون حرمانا عاطفيا ولا حسيا ولا يعانون سوء العشرة كما هو الحال مع زوجي, وهل لمثل هذا الزواج من دافع إلا المتعة الحسية فقط.. وهل يتصورون أن الله سبحانه وتعالي قد أباح للرجل الزواج بأكثر من واحدة لكي يمتعه حسيا.. وليس لكي يكون ذلك رخصة له إذا كان محروما من الإنجاب من زوجته أو لديها ما يمنعها من إشباعه حسيا.. أو يشكو سوء عشرتها, ولا يريد طلاقها حرصا علي الأبناء, ثم كيف تبرر هذه الفتاة ومثيلاتها سطوها علي زوج سيدة أخري وأب لأبنائها؟ وماذا تقول له في تفسير ذلك.. هل تقول أنها تحب شبابه الذي لم يبق منه أثر؟ أم عينيه اللتين ذبلتا بفعل الزمن؟ أم قامته المنحنية خاصة إذا قيست بقامة ابنه التي تفوقها أم شعره الحرير الذي أصبح في خبر كان.. أم رجولته التي بلغت قمة المنحني وبدأت في الهبوط علي الناحية الأخري؟.. ولماذا لاتكون هذه الفتاة ومثيلاتها صريحة معه.. فتقول له بلا مواربة أحب شقتك التي لن أستطيع الحصول علي مثلها لو تزوجت شابا مثلي أو من وسطي.. وأحب سيارتك ودخلك الكبير الذي يوفر لي الحياة السهلة بلا كفاح ولا تعب؟.. انه يريدني أن أخرج من شقتي بحجة أنه قد دفع فيها ماله.. وقد يكون ما دفعه فيها من ماله فعلا لكنه مالي أنا أيضا ساهمت فيه خلال كفاح السنين بلقمتي التي حرمت نفسي منها وملابسي التي كانت تمضي السنوات دون أن أشتري الجديد منها وتنازلي عن تطلعاتي وأحلامي في العمل والدراسة, وتفرغي لأسرته وبيته, أنني أطالب بأن يكون الطلاق علي يد قاض يفصل بالعدل بين الشريكين وكذلك الزواج الثاني, بحيث إذا قبلت به الزوجة الأولي كان ذلك شأنها وإذا رفضته حصلت علي حقوقها كاملة وفورا وبأسعار الزمن الحالي وليس بالقيمة المدونة في قسيمة الزواج قبل20 أو25 سنة, لأن هذا هو العدل الذي يريده لنا الله.. وإلا فقل لي يا سيدي أين أذهب الآن بعد هذا العمر, وقد مات الأب وهاجر الأخ وليس لي مال أتعيش منه أو وظيفة تؤمن حياتي.. ولم أسع إلي شيء من ذلك اعتمادا علي أن زوجي لن يغدر بي ذات يوم بعد ما كان من أمرنا معا, إن صرختي هذه صرخة أم لا تستطيع أن تحيا بغير أبنائها ولا تستطيع أن تكون ضيفة شرف في حياتهم تراهم مرة كل شهر أو حتي كل أسبوع, ثم تمضي في طريقها.. فكيف يريد هذا الزوج أن يحرمني منهم بحجة أنهم قد تجاوزوا سن حضانة الأم لهم؟.. وهل يستغني ابن عن أمه أو ابنة عن أمها؟!.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
يحق لك بالفعل أن تصرخي يا سيدتي وأن تضطربي أمام ما تواجهين من غدر الشريك بك وبقصة الحب التي جمعت بينكما, في منتصف الطريق وقد كان الظن أن تكون الخاتمة سعيدة كما كانت البداية واعدة بالإخلاص والوفاء في الزمن الجميل فالشاعر العربي يقول:
حبل الفجيعة ملتف علي عنقي
من ذا يعاتب مشنوقا إذا اضطربا
وحبل الفجيعة في الحب والاخلاص والأمان.. يدفع بك بالفعل إلي هاوية الحيرة والاضطراب بعد أن ركل زوجك بقدميه كل شيء جمع بينكما في الحياة من أجل هذه الفتاة الصغيرة المغامرة!
لقد قلت الكثير من قبل عن أزمة منتصف العمر وتداعياتها ولن أكرره, لكني سأقول فقط لزوجك أنه حتي في الخطأ هناك مراتب ودرجات, ومنه الخطأ البسيط والجسيم والمضاعف والفادح, ولاشك في أن ارتباطه بصديقة ابنته الطالبة بالسنة الأولي الجامعية.. والتي استقبلتها زوجته في بيتها كضيفة صغيرة تذاكر دروسها مع ابنتها.. هو خطأ فادح لأن اثاره السلبية لا تنعكس علي زوجته وحدها التي فجعت في وفائه لها وإنما تمتد بأعنف من ذلك إلي قيم أبنائه ومعنوياتهم ومثالياتهم.. وتهز صورته كأب بشدة في مخيلتهم وتشككهم في مفاهيم الحب والوفاء والاخلاص والاحترام والأبوة وترشحهم بقوة لاضطراب سفينتهم في الحياة.
ولن يجديه شيئا أن يتعلل بالحب أو بما أباحته الشريعة السمحاء من رخصة الزواج الثاني في رأب الصدع المعنوي الذي تعرض له الأبناء بهذه المغامرة المزلزلة بالفعل للقيم والمعاني الإنسانية. فضلا عن أنه لم يتجمل في الخطأ.. ولم يحاول أن يحصر آثاره السلبية في أضيق الحدود, ولم يتورع عن أن يعلن رغبته في أن يطلق زوجته وأم أبنائه الأربعة والتي حاربت أهلها لكي تتزوجه.. وأن يخرجها من بيتها لكي تحل محلها هذه الفتاة المغامرة.. ولا يشعر بأي غضاضة وهو يجاهر بأن طلاقه لزوجته واخراجها من بيتها هو شرط فتاته هذه لكي تقبل بالزواج منه!
ولو كان قد تخفي بابتلائه وقرر أن يتزوجها في مسكن آخر صغير مع الحفاظ علي زوجته وأسرته كما هي.. أو حتي مع طلاقه لزوجته إذا أرادت ذلك واستمرارها في بيتها وبين أبنائها وقيامه بحقها وحق أبنائه لربما خفف ذلك بعض الشيء من وقع جريمته في حق الوفاء لشريكة العمر.. أما أن يصر علي طلاق زوجته وطردها من سكنه إلي المجهول.. لكي يهنأ هو بحياته وشبابه مع صديقة ابنته السابقة فهو ليس من الترفق بشريكة العمر بعد رحلة السنين.. ولا هو من شيم أصحاب الفضل والمروءة حتي ولو تحولت مشاعرهم عن زوجاتهم, إذ من يرضي بإخراج زوجة وأم لم تسيء إلي زوجها وأنجبت له4 أبناء وساهمت في ثروته بميراثها عن أبيها من مملكتها لكي تحتلها غازية جديدة في سن الشباب؟ وكيف يتصور أن تكون مشاعر ابنته الطالبة الجامعية تجاه صديقتها الغادرة التي دخلت بيتها وطعمت طعامها فنفست عليها حياتها وبيتها وأسرتها وأباها وقررت أن تستولي علي كل ذلك لنفسها توفيرا لكفاح السنين.. واستسهالا للصيد المتاح؟
وكيف يأمن هو لمن لم تر أي حرج في أن تسلب أم صديقتها زوجها وتخرجها من بيتها وتحرمها من الحياة وسط أبنائها دون أن يهتز طرفها؟ وبعض مثيلاتها ممن يقبلن بالزواج من زوج وأب يحاولن التخفف من إحساسهن بالذنب تجاه الزوجة الأولي والأبناء باشتراط ألا يطلق الزوج زوجته وألا يتأثر وضعها كزوجة وأم وشريكة حياة!
وألا يدفعه ذلك للتوجس والتحسب بعض الشيء لقسوتها المعنوية وتهللها للإضرار بسيدة لا ذنب لها في طيش زوجها ومحاولته التعلق بأذيال الشباب البائد؟
إن القدرة علي ايذاء الغير عمدا وبغير أدني تخوف من عقاب السماء أمر يثير الفزع في نفوس الفضلاء ويدفعهم للفرار من أصحاب هذه القدرة السادية كما يفر السليم من الأجرب.. فكيف يضع هو نفسه وحياته وأبناءه ومستقبله في أيدي فتاة من هذا النوع الجبار؟ وماذا سيكون من أمره معها بعد عشر سنوات حين يبلغ الستين وتكون هي قد بلغت بالكاد الثلاثين.. ويبدأ فارق العمر الكبير في أن يفعل فعله فيه كغيره من البشر.. والذي يعبر عنه الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه بقوله ما معناه:
ـ النار تندلع والماء ينقطع!
إن الزواج ليس عشقا لمفاتن الأنثي وإنما هو إقامة بيت علي السكينة والآداب الاجتماعية وفي إطار من الإيمان بالله والعيش وفقا لتعاليمه, لهذا قال الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه: لا أحب الذواقين من الرجال ولا الذواقات من النساء
وقال إن الله لا يحب الذواقين ولا الذواقات. فعلي أي شيء سوف يقيم زوجك بيته الجديد إذا قبلت صديقة ابنته الغادرة بالزواج منه بعد أن يشردك أنت ويخرجك من جنتك في هذه المرحلة من العمر؟ وأي مثل ومثال سوف يقدمه لأبنائه حين يفعل ذلك؟
وأولا من رشيد في أهله يرده عن غيه ويقنعه إن لم يستطع أن يتغلب علي هذه النزوة الطارئة.. بأن يتخفي بها علي الأقل في أي مسكن آخر بعيدا عن محيط الأسرة, وبغير أن يدمر حياة زوجته وأبنائه؟
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
الأربعاء، ١ مارس ٢٠٠٠
الإعصار المدمر
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق