07-02-2003
أكتب إليك لعلك تستطيع المساهمة في إصلاح نفوس البعض منا.
فأنا سيدة تزوجت زواجا تقليديا من رجل جاف الطباع, وأنجبت ثلاث بنات وتمنيت بعدها أن يمن الله علي بولد لكي يعفيني من الكلام الجارح عن انجاب البنات دون البنين, فوهبني الله ابنا وحيدا, أفرغت فيه كل عواطفي, حتي أن بناتي كن يلومنني علي التفرقة في المعاملة بينه وبينهن, ودللته كثيرا حتي اتجه بكل عواطفه نحوي وابتعد عن والده بسبب حدته وصرامته معه, ومضت بنا رحلة الحياة, وبلغ ابني بداية مرحلة الشباب وبدأ يتطلع للفتيات من حوله وأنا أتحرق غيظا منهن.. وأبعده عن زميلاته في الجامعة, إلي أن نبض قلبه لشقيقة زميل له وأصر علي الارتباط بها, لكني أقنعته بأنها غير ملائمة له ففك ارتباطه بها وهو كاره لها, ثم لم تمض شهور أخري حتي ارتبط بغيرها وتزوجها.. وبذلت زوجة ابني الشاب في بداية زواجها منه جهودا مضنية لاجتذابنا إليها إلا أنني كنت أشعر في نفسي بمرارة شديدة لانجذاب ابني لها, وكذلك كانت تشعر بناتي بنفس المرارة تجاهها لاعجاب أزواجهن بها.. فبدأت أحاول الايحاء لابني بكثرة عيوبها, واتهمها دائما بأنها قد أخطأت في كذا وكذا وكذا, أو فعلت كذا وكذا مما لايصح لها أن تفعله.. ولأن ابني عصبي بطبعه وحاد فلقد بدأت المشكلات تتصاعد بينهما.. وكلما أوشك. بيتهما علي الانهيار تدخلت بينهما وحثثته علي الصبر علي بلائه وطالبته بالحفاظ علي بيته حتي ولو كره ذلك من أجل طفله الصغير.. فيتردد ابني ويزداد حيرة في أمري, وتوالت المشكلات بين ابني وزوجته, وأنا مازلت علي طريقتي معه في الإيحاء غير المباشر له بسوء زوجته.. ووصيتي الخادعة له بالصبر عليها في نفس الوقت, والحق أنني ـ وأعترف لك ذلك كنت نموذجا لما تسميه في ردودك بالأم المتوحشة التي تريد أن تستأثر بابنها لنفسها دون زوجته.
وقد وصلت محاولاتي معه إلي قمتها فوقع الانفصال بغير طلاق بينهما.. وهجرت هي بيت الزوجية ورجعت إلي بيت أهلها وبدأت القضايا بينهما.. ودخلت أنا شقة ابني الوحيد بعد أن رحلت عنها المغتصبة مع طفلها, وتملكني الشعور الغامر بالانتصار.. وأنني قد حميت ابني من الصراع المستمر الذي كان يكابده منذ زواجه واستعدته لنفسي بعد أن كان ممزقا بين زوجته وأمه, وكنت خلال السنوات الماضية علي خلاف مع أخي وصلتنا شبه مقطوعة, ففوجئت به يتصل بي ذات يوم وينهي القطيعة معي, ويعرض علي أن أرافقه في رحلة الحج عسي أن يغفر الله لنا ماكان من أمرنا.. فأستجبت لدعوته وسافرت معه لأداء فريضة الحج, وغمرني الجو الروحاني في الأراضي المقدسة.. ثم سمعت ذات يوم في الحرم المكي خطبة عن صلة الرحم وواجب المؤمن في رعاية زوجته وأبنائه.. وكيف أن الطلاق هو أبغض الحلال إلي الله.. وأن قسوة القلوب ليست من الإيمان إلخ.. وبالرغم من أنها لم تكن المرة الأولي التي أسمع فيها مثل هذه المعاني الجليلة, فلقد كان تأثري بها هذه المرة شديدا.. ورجعت إلي المكان الذي تقيم فيه وحاولت النوم ليلتها فلم استطع.. وتراءت لي صورة حفيدي يعاتبني علي حرمانه من أبيه.. فنهضت وأديت ركعتين لله ودعوت الله سحانه وتعالي أن يطهر قلبي من كل الشرور.. وانتهت رحلة الحج.. وعدت إلي مصر.. وتجنبت الحديث مع ابني عن زوجته, وكلما هممت أن أوصيه خيرا بزوجته تذكرت وصايا الشر التي كنت أبثه خلالها سمومي.. فأصمت, إلي أن جاء يوم واستجمعت إرادتي وذهبت إلي النادي في يوم العطلة حيث أعرف أن زوجة ابني تصطحب إليه طفلها كل أسبوع, والتقيت بها.. واحتضنت حفيدي وجلست أتحدث إليها واستقبلتني زوجة ابني في البداية بتحفظ وهدوء.. لكني نجحت بعد قليل في أن أبث الطمأنينة في نفسها.. وأصررت علي أن أصطحبها معي في السيارة لتناول الغداء, ولم تجد زوجة ابني مفرا من من القبول, وعدت إلي البيت وهما معي وفوجيء لابني زوجته, وبعد قليل أخذت الطفل معي إلي حجرة داخلية لكي أتيح لابني وزوجته أن يتحدثا علي انفراد.. وتحدثا طويلا واتصلا بأهلها وكانت علاقتي بهم مقطوعة منذ زمن إذ كانوا يرون أنني قد أفسدت ابني بالتدليل حتي ساءت خلقه وأصبح يشتم زوجته ويضربها, فتحدثت معهم, وتحدثوا معي بتحفظ في البداية لكني طبت منهم أن أزورهم لنجمع شمل ابني وزوجته وننهي القضايا بيننا.. وذهبت إليهم ووجدتهم يعرفون جيدا دوري في إفساد الحياة بين ابني وزوجته وكيف أنني كنت بالفعل نموذجا للأم المتوحشة المتملكة لابنها, لكني تجاوزت عن كل ذلك واتفقنا علي أسس سليمة للحياة, كما اتفقنا علي أن نجعل كتاب الله شهيدا علينا.. ورجعت زوجة ابني إليه, ووجدتني أنظر إليها هذه المرة ليس كمغتصبة لابني مني, وإنما كأم لحفيدي الجميل هذا, وكزوجة لابني ترعاه وتحبه وتحمل اسمه, ووجدتني أتغاضي عن هفواتها البسيطة, وأصبر علي توجسها مني إلي أن تطمئن إلي.. وطلبت من إبني ألا يروي أي شئ عن حياته الخاصة معها, وألا يشر أحدا في أي خلاف عابر لهما.. وتعاهدا أمامي علي ألا يبيت أحدهما غاضبا من الآخر دون أن يسوي أموره مع شريكه وتصفو له نفسه, كما أصلحت بين بناتي وزوجة ابني.. وصرفت ابني عن أي عمل يضايق زوجته.
وبدأنا نلتقي حول مائدة الغداء الأسبوعية في بيتي ويتجمع كل الأبناء والأحفاد, واكتشفت أن الدنيا جميلة وفيها متع كثيرة غير متعة الاستئثار بمشاعر الابن الوحيد دون زوجته.. وهدأ طبع ابني كثيرا بعد ذلك وبدأ وجهه يشرق بنور السعادة والاطمئنان, وتفرغ لعمله دون منغصات, وأنجب من زوجته طفله الثاني وكنت أنا من قامت بالنصيب الأكبر في خدمتها ورعايتها بعد الولادة, ومنعت أمها من ذلك لأنها كانت مشغولة برعاية ابنة, أخري لها أجريت لها عملية جراحية في ذلك الوقت.. ورجعت إلي الحديث كل يوم تليفونيا مع زوحة ابني كما كنت أفعل معها في بداية الزواج, وأصبحت هي تخرج من عملها يوميا إلي بيتي قبل أن تذهب إلي بيتها فاستمتع برؤية الحفيدين العزيزين.. واتذكر قول زوجي لي رحمه الله ـ انني قد أفسدت ابني, فأتمني لو كان قد عاش ليري كيف انني قد عمرت بيت ابني بعد أن كنت قد أوشكت علي هدمه, والآن ياسيدي فإنني أرجو ألا يتصور أحد أنني قد خسرت شيئا بإقلاعي عن طباع الأم الشرسة, فالحق هو أنني قد كسبت الكثير ولم أخسر شيئا, فأنا مازلت الأم المتملكة لابنها.. لكن الاختلاف الوحيد هو أنني امتلكه بالحب الصادق وليس بالمؤامرات والوقيعة بينه وبين زوجته, وامتلك أيضا زوجته التي صنعت مشاعرها لي والحفيدين الغاليين.
وامتلك قبيلة كبيرة من البنات والأحفاد والحمد لله رب العالمين. وكل دعائي هو أن يغفر الله سبحانه وتعالي ماكان من أمري ويعفو عني والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
في الحياة دائما متسع للجميع ياسيدتي.. وفي قلوب ابنائنا كذلك متسع لنا ولمن يحبون بغير أن يتعارض ذلك أبدا مع وفائهم لنا وبرهم بنا, غير أن المأساة تبدأ حين يتطلع البعض منا إلي ما لا حق لهم فيه.. وحين يضعون أنفسهم في تناقض لا مبرر له مع من يحب هؤلاء الأبناء ويسكنون اليهم.. وحين نطلب لأنفسنا أن نكون دائما في بؤرة الاهتمام الأولي لدي هؤلاء الأبناء قبل أي شئ آخر, خلافا لحقائق الحياة وطبيعة كل مرحلة من مراحل العمر.
ولقد توقفت في رسالتك أمام سطورها الأخيرة التي تقولين فيها إنك بعد أن راجعت موقفك السابق من ابنك وندمت علي نصائحك المسمومة له التي كادت تودي به وبأسرته الصغيرة إلي الانهيار.. وتخليت عن نظرتك الضيقة إلي الابن الوحيد وتطلعك السابق للاستئثار به دون العالمين, حتي بعد أن تزوج وأنجب, وتعاملت بالعدل والإحسان مع زوجته.. وصدقت نيتك في الحفاظ علي أسرته قد اكتشفت أنك لم تخسري شيئا, بل كسبت الكثير والكثير.. إذ إنك مازلت تملكين ابنك.. لكنك تملكينه بالحب الصادق المبرأ من الأثرة والأنانية.. وبغير أن يكون هذا الابن شقيا في حياته الخاصة ولا ممزقا بين أمه وزوجته, وتملكين إلي جواره من كنت تناصبينها العداء قبل ذلك وتعتبرينها مغتصبة له منك كما فإذا بك قد أضفت إلي بناتك لثلاث ابنة رابعة, لم تحمليها وهنا علي وهن. كما تملكين حفيديك وحب من هم حولك, وتملكين ما هو أهم من كل ذلك وهو سلام النفس وطمأنينة القلب وراحة الضمير بعد أن تخلصت من شر نفسك.. وأدركت أن سعادة الآباء والأمهات الحقيقية ليس في أن يستأثروا بأبنائهم دون شرئهم في الحياة, وإنما في أن يسعد هؤلاء الأبناء بحياتهم مع شركائهم فيسعد الآباء والأمهات بسعادة وينعمون بالشيخوخة الآمنة بغير منغصات.
والفارق بين الحالحين هو نفسه الفارق بين فساد النية وإخلاصها, فلقد كنت تنصحين ابنك في السابق بأن يصبر علي بلائه وألا يفرط في زوجته وطفله.. وتوحين له في نفس الوقت بعيوبها وتفسدين عليه مشاعره تجاهها, لأن النية في ذلك لم تكن خالصة وكانت النصائح ـ كما تعترفين ـ مسمومة وتهدف إلي غير ظاهرها..
ثم أصبحت الآن تحرصين علي سعادته صدقا وحقا وتنصحينه بألا يسئ عشرة زوجته وألا يظلمها معه.. لكن النية صادقة هذه المرة, لهذا أثمرت النصيحة ثمارها الطيبة.. ورفرفت السعادة علي حياة ابنك وزوجته وطفليه.. ولقد ذكرني ذلك بما قاله امام البغدادي وعالمهم الورع سري السقطي ناصحا ابن شقيقته الامام الجنيد: أحذر أن تكون ثناء منشورا وعيبا مستورا..
ولقد كنت أنت ياسيدتي في مرحلة الأثرة والأنانية ثناء منشورا تنصحين ابنك بالحفاظ علي أسرته.. وعيبا مستورا توحين له بعيوبها في نفس الوقت فتحرضينه عليها.
ومن الناص من يعيشون بين البشر كاعواد الريحان تنشر الشذي الطيب حولها وتكتفي بالقليل من الماء والهواء.. وامثال هؤلاء هم من عناصر الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه بقوله: يدخل الجنة اقوام أفئدتهم كافئدة الطير, اي في الطهاره والراقه وحب الخير للآخرين, ومنهم من هم عكس ذلك ولقد اصبحت انت ياسيدي ممن ينشرون شذي المحبة والوئام حولهم بعد ان من قبل غير ذلك والحق أننا نحتاج دائما لأن نتدفق من حين لآخر لكي نراجع مواقفنا من الحياة والآخرين ونعترف, خطائنا ونقلع عنها ونحسن من انفسنا ومن سلوكلنا في الحياه كما فعلت انت ذلك فخرجت من دياجير الكراهيه والانانيه والاثره الي ضياء المحبه والخير والعدل والسلام النفسي.
وقديما قال أحد الصالحين: إني لأنظر في المرآة كل يوم مخافة أن يكون قد اسود وجهي!
أي مخسافة أن يكون قد أسود وجهه من وطأة آثامه وخطاياه وأخطائه المقصودة وغير المتعمدة. كما روي ابن عباس أنه دخل علي العظيم عمر بن الخطاب بعد أن طعته قاتلة وهو مضجع علي وسادة من أدم وعنده جماعة من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم, فقال له رجل: ليس عليك بأس, فقال عمر لئن لم يكن علة اليوم لتكونن بعد اليوم, أن للحياة نصيبا من القلب وأن للموت لكربة.. ولقد تركت زهرتكم كما هي ما لبستها فأخلقتها, وثمرتكم يانعة في أكمامها ما أكلتها وما جنيت ما جنيت إلا لكم, وما تركت ورائي درهما ماعدا ثلاثين أو أربعين درهما, ثم بكي وبكي معه الناس فقال له ابن عباس: يا أمير المؤمنين أبشر فوالله لقد مات رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو عنك راض ومات أبوبكر وهو عنك راض, وأن المسلمين لراضون عنك, فلما ثقل عمر طلب من ابنه عبدالله أن يضع خده علي الأرض فكره عبدالله أن يفعل ذلك, فوضع عمر خده علي الأرض وقال: ويل لعمر ولأم عمر إن لم يعف الله عنه!
فإذا كان هذا هو شأن عمر وهو من هو فضلا وتقوي وعدلا وسابقة, فكيف نمضي نحن في الحياة سادرين في غينا بغير أن نتوقف لنراجع أنفسنا فيما نفعل ونقلع عن الأخطاء.. ونندم عليها؟
لقد توقفت أنت ذات مرة فكان ما كان من أمرك, فكيف يكون الحال إذا تذكر الجميع ثقل المسئولية وكربة الموت.. وراجعوا أنفسهم فيما يفعلون قبل فوات الأوان؟!
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
الأربعاء، ١ مارس ٢٠٠٠
النصائح المسمومة!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق