14-03-2003
كنت فتاة كغيري من الفتيات تنتظر اللحظة التي تتزوج فيها وتحيا في سعادة مع زوجها وتنجب الأطفال, وتكتشف الجانب الآخر من الرجل.. وتقدم لي الطبيب والمحامي والمهندس والمدرس.. لكني اخترت الضابط لأني سعدت ببدلته الميري وأملت فيما تمثله في مخيلتي من رمز للرجولة.. وتزوجنا وبدأت المأساة منذ الليلة الأولي.. وظللت زوجة عذراء40 يوما.. وزوجي يتهمني بأنني لا أساعده, وأنا حائرة في أمري.. ثم انتهي بنا الأمر إلي اللجوء إلي الطبيب لحل المشكلة.. ولم يغير ذلك من الأمر في شيء.. وبعد عدة شهور أخبرني زوجي أنه يائس من الحياة ولا يستطيع شيئا.. فاستسلمت لأقداري ومضت بنا الحياة وهو يحمل لي كل الحب والاحترام والتقدير والعرفان بالجميل.. ويقول لي إن الله قد ستره بي ويبكي.. وأنا أطمئنه إلي أنني سأقف إلي جواره طوال العمر, لأن كلا منا هو نصيب الآخر من الدنيا.. ولابد أن نسعد بما اختارته لنا الأقدار.. وأفاض علي زوجي من حبه وحنانه.. ورضيت بذلك وسعدت به, وبعد عام أنجبت طفلة جميلة سعدنا بها كثيرا وطار زوجي بها فرحا, وقال إنها ستر من السماء له أمام الناس.. ومضت حياتنا بعد ذلك هادئة.. وبعد خمس سنوات أنجبت طفلة أخري وكرست حياتي لتربية الطفلتين عشرين سنة, وهو يعدني من حين لآخر بأنه سوف يطلب العلاج لحالته.. وأنا لا أضغط عليه في هذا الأمر لكيلا أجرح مشاعره, وكبرت الابنتان والتحقتا بالجامعة ولا أحد خارج نطاق زوجي وأنا يعرف عنا أي شيء سوي أننا زوجان متحابان ومتفاهمان.. وفجأة اكتشفت وبعد23 سنة من الزواج والكتمان أن زوجي الفارس الذي حفظت سره وراعيت مشاعره متزوج من أرملة من قريباته منذ ثلاثة أعوام.. وأن أهله جميعا يعرفون ذلك ويتكتمونه عني حرصا علي مشاعري ولكيلا أهدم أسرتي كما قالوا.
والأغرب من ذلك أن هذه السيدة كانت تزورني وهي زوجة لزوجي وأستقبلها بكل الترحاب باعتبارها احدي سيدات الأسرة, وأرد لها الزيارات في بيتها وأمضي معها أنا وزوجي الوقت الطويل, بل لقد حضرنا معا زفاف أحد الأقارب وجلسنا إلي مائدة واحدة مع زوجي, وكل من في الحفل يعرف أنها زوجة ثانية له إلا صاحبة الحق الشرعي في أن تعرف ذلك من البداية وهو أنا!
وانفجرت براكين غضبي وثورتي حين علمت بكل ذلك وواجهته فلم يجد ما يدافع به عن نفسه سوي أنها غلبانة ومريضة, وكأنه ـ سامحه الله ـ قد عف زوجته الأولي وأم أبنائه وبقي لديه ما يفيض به علي أخري, وهرولت إلي المرأة الأخري أعاتبها علي عدوانها علي حقي وخداعها لي طوال السنوات الثلاث الماضية وأسألها لماذا فعلت ما فعلت.. وماذا أرادت من زوجي.. وهو كما تعرف وأعرف؟! فأجابتني في هدوء أنها قد زهدت الزواج مع زوجها الراحل ولا تريد سوي رجل يؤنس حياتها ويدخل إليها ويخرج من بيتها.. وأنها تأمل في أن نكون أختين متحابتين بالرغم مما حدث! وازدادت النار اشتعالا في جسدي.. وطلبت من زوجي أن يطلقها فرفض.. وطلبت منه أن يطلقني فأبي ذلك بإصرار, وأراد أن يجمع بيننا ووقفت مذهولة أمام منطقه لتبرير ما فعل بي. فلقد قال لي مدافعا عن نفسه إن الرجل الذي ينكسر أمام زوجته فإنه يكرهها ولابد له من أن يكسرها ذات يوم ويقوم بإذلالها بامرأة أخري!!
ولم أطق صبرا بعد أن سمعت ذلك وكررت عليه طلب الطلاق فرفض, فقمت برفع قضية خلع ضده.. وما أن علم هو بنبأ القضية وجديتي فيها حتي سارع بتطليق الأرملة طلاقا بائنا, وعاد إلي بيته وهو يطالبني بحسن رعايته لكيلا يفر مني مرة أخري!
واستقرت الأسرة من جديد وهدأت البنتان من الناحية النفسية. لكني لم أهدأ بعد.. ولم يخمد لهيب ناري, فأنا مصرة علي عقابه بالخلع أو الطلاق علي الإبراء.. وفي كل يوم وكل لحظة أفكر كيف فعل بي ذلك هو وأهله, وكيف سمح لنفسه بأن يذلني بامرأة أخري ويكسرني علي هذا النحو.. انه رجل لا يستحق الرحمة فقد خدعني أنا وبناتي وأهلي مع أني كنت سترا عليه, وتنازلت عن حقي الشرعي لديه طوال رحلة العمر.. إنني أرجوك ألا تطالبني بالتنازل عن الخلع أو الطلاق علي الإبراء لأني لن أفعل, ولأني مصرة علي أن أعاقبه بأحدهما أولا, فإذا عرف قدري بعد ذلك وشعر بأنه لا غني له عني فلسوف أعود إليه بعد أن أكون قد أخذت حقي منه, ونصيحتي لكل فتاة ألا تتنازل عن حقوقها الشرعية لدي زوجها,وأن تعلم أن من لا يؤديها إليها قد يكون مريضا نفسيا, وقد يبدأ انتقامه منها بعد فوات الأوان ـ كما فعل معي زوجي!
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
أنت محقة في ثورة غضبك علي زوجك وانفجار براكينك ضده, فلقد أساء إليك بالفعل حيث كان ينبغي له أن يحسن ويحفظ لك الجميل, وطعن مشاعرك في الصميم ليس فقط بزواجه من أخري دون أن يصارحك بذلك من البداية ويخيرك بين الاستمرار معه أو الانفصال عنه, وإنما أيضا بأن رضي لك الظهور بمظهر الزوجة المخدوعة التي يعلم كل من حولها بخديعتها ويشفقون عليها من اكتشافها, وتمادي في هذا الخداع إلي حد اصطحابك لزيارة زوجته الأخري, أو استزارتها في بيتك والجلوس معها إلي مائدة واحدة في حفل عام, دون أن تعرفي حقيقة علاقته بها.. وفي ذلك قمة الخداع والإساءة لشريكة العمر أمام الآخرين.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه بعد ذلك هو ماذا تستهدفين من الإصرار علي الانفصال عنه بالخلع أو الطلاق؟
هل ضاقت نفسك بعشرته نهائيا فلم تعودي قادرة علي احتمال الحياة معه يوما آخر بعد ما كان من أمره معك؟
لو كان الأمر كذلك لأصبح الانفصال عنه مفهوما أو مبررا, لكنك تقولين أنك تصرين علي خلعه أو الطلاق منه لإشعاره بفداحة جرمه. فإذا أحس بعد ذلك بحاجته إليك وبأنه لا غني له عنك فلسوف تعودين إليه وتستأنفين حياتك معه. وبالتالي فهو انفصال لا مبرر له سوي العقاب والاستسلام لشهوة الانتقام علي طريقة الشاعر الإغريقي هوميروس حين قال: الإنتقام أشهي من العسل! ولو كان الأمر يتعلق بك وحدك لوافقتك علي ما تعتزمين.. بل ولربما طالبتك بأن يكون انفصالك عنه نهائيا وليس مؤقتا ولا محدد المدة, لكن الأمر لا يتعلق بك وحدك وإنما أيضا بابنتين شابتين هدأت خواطرهما أخيرا بعد هذه العاصفة التي اجتاحت حياتهما.. ورجعتا للاطمئنان إلي يومهما وغدهما في ظلال أسرة مستقرة وبين أبوين, يجمعهما سقف واحد. فما معني تكدير صفوهما مرة أخري بهدم الأسرة وانفصال الأبوين وهما لا جريرة لهما فيما فعل أبوهما.. ولا ذنب لهما أيضا في أقداره التي دفعته للإقدام علي هذا الزواج الثاني لإيهام النفس والمحيطين به بجدارته بدليل قدرته علي الزواج من اثنتين وليس من واحدة فقط!
انها حيلة نفسية دفاعية.. مفهومة دوافعها ومبرراتها, ولقد تدعو إلي الاشفاق عليه بأكثر مما تدعو للانتقام منه.. ذلك أن هاجس احتمال النجاح مع امرأة أخري قد يلاحق بعض المعذبين والمحكومين بأقدارهم فيوردهم موارد العناء, ولقد انتصرت لكرامتك.. ورفع زوجك الراية البيضاء وطلق الأخري ورجع إليك نادما أو مهزوما حتي ولو كابر بطلب إحسان عشرته لكيلا يفر منك مرة أخري, فلماذا تريدين استقضاء رطل اللحم منه كاملا كما أراد المرابي اليهودي شايلوك أن يفعل في مسرحية شكسبير الخالدة تاجر البندقية؟ انك كما فهمت من رسالتك في الحادية والخمسين من عمرك وليست لديك أية خطة لأن تبدئي حياتك من جديد بعد الانفصال, وإصرارك علي الانفصال عن زوجك بالخلع أو الطلاق الآن ولفترة ما حتي ولو كان بهدف التأديب والتهذيب والإصلاح فإنه يحمل معه مخاطر غير محسوبة إذ يجعل عودة الأمان والاستقرار إلي حياتك وحياة ابنتيك رهينة بطرف آخر سواك, هو زوجك فإن شعر بحاجته إليك عاد. وإن تحقق لديه الأثر العكسي لإصرارك علي عقابه بعد استسلامه لك واصل حياته بعيدا عنك وعن ابنتيه.. وربما رجع إلي الأرملة التي تقبل بظروفه وترحب به فمن سيكون الخاسر في هذه الحالة إذن سوي ابنتيك؟
ومادمت لا تخططين سوي لعقابه وإشعاره بأهميتك في حياته وتعتزمين العودة إليه في النهاية أفلا يذكرنا ذلك بما يرويه الرواة عن الحوار الذي جري ذات يوم بين الإسكندر الأكبر ومعلمه الفيلسوف أرسطو قبل أن يبدأ حملته الكبري, حين راح الإسكندر يحدثه عن طموحاته وأحلامه فسأله أرسطو عما يريد أن يفعل, فأجابه بأنه يريد أن يستولي أولا علي كل المقاطعات والممالك اليونانية ويبسط سلطانه عليها
فسأله: وماذا بعد ذلك؟
فأجاب: أنطلق إلي الشرق فأخضع مصر والشام وفارس. فسأله أرسطو: وماذا بعد ذلك؟
فأجاب: أنطلق إلي الهند والصين فاخضعهما.
فسأله: وماذا بعد ذلك
فأجاب: ارجع إلي بلدي وأهدأ واستريح!
فسأله أرسطو في هدوء: وماذا يمنعك من أن تهدأ وتستريح من الآن؟
وبنفس هذا المنطق أتساءل: ماذا يمنعك من أن تصبري علي نفسك حتي تهدأ خواطرك وتخمد نيرانك ثم تواصلي حياتك مع زوجك وابنتيك كما ارتضيتها طوال23 عاما بلا هدم للأسرة ولا قلاقل لحياة الأبناء. إن علي زوجك خلال هذه الفترة أن يصبر عليك ويتحمل ما يمور في أعماقك من تفاعلات ضده.. وأن يبذل كل جهده لتقديم الترضية الكافية لك.. ولا داعي للطلاق بنية العودة إلي نفس الزوج بعد حين!
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
الأربعاء، ١ مارس ٢٠٠٠
الانتقـــام الشـــهي!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق