18-07-2003
أنا رجل في السابعة والأربعين من عمري, أعمل مديرا بإحدي الهيئات ومتزوج ولي أبناء متفوقون في الدراسة ومهذبون ومحبوبون من الجميع والحمد لله, ومشكلتي ياسيدي هي زوجتي التي تصغرني بعشر سنوات وتعمل موظفة بإحدي المصالح وأهلها أناس طيبون, وبعد أن رزقنا الله بمولودنا الأول بأربع سنوات, عدت إلي البيت ذات يوم من عملي مبكرا عن موعدي, فوجدت زوجتي قد سبقتني إلي العودة للبيت من عملها, ودخلت غرفة النوم لأبدل ملابسي فشاهدت أثرا مريبا, لما لا يكون غالبا إلا بين الزوج وزوجته, فجن جنوني وأخذته في يدي وزأرت أنادي زوجتي فجاءت مفزوعة.. وسألتها عن هذا الأثر واتهمتها بخيانتي, وانفجرت هي في البكاء وأقسمت علي أنها بريئة وشريفة, ثم غافلتني وأخذت هذا الأثر وأخفته في مكان لا أعلمه, ووجدت نفسي حائرا تراودني نفسي أن أهجم عليها وأخنقها حتي تلفظ أنفاسها الأخيرة بين يدي, ويردني خوفي من ربي أن أكون قاذفا لها دون رؤية كاملة للجريمة ودون تحقق منها..فانهلت عليها ضربا وركلا وهي تصرخ وتبكي وتقسم علي براءتها وتناشدني ألا أظلمها, حتي اضطررت في النهاية لأن أكذب عيني, خاصة أنني كنت أراها تصلي وتلتزم بفروضها.. كما أنني خفت علي طفلنا من المصير المجهول الذي يترصده إذا استسلمت لشياطين الغضب والشك, وانتهي الموقف بيننا بخصام طويل بذلت هي خلاله كل مافي وسعها لاسترضائي والتقرب مني..
وقررت بيني وبين نفسي مراقبتها لكي أقطع الشك باليقين, وقمت بمراقبتها بالفعل لفترة طويلة فلم أصل إلي نتيجة حاسمة برغم شكي في بعض تصرفاتها القليلة.
وسارت بنا الحياة بعد ذلك لأكثر من18 سنة.. وهذه الذكري البعيدة كامنة في أعماقي.. تهيج في بعض الأحيان فأفكر جديا في قتل زوجتي, وتهمد أو تتواري في أحيان أخري فأتعامل معها بطريقة عادية..
ولقد أنجبنا بعد ذلك أبناء آخرين.. فأصبحت أشفق عليهم من حرمانهم من أمهم.. وفي إحدي نوبات هياج الذكري منذ سنوات قررت أن أصبر عليها حتي يصل أصغر الأبناء إلي سن العاشرة فأطلقها.. وأتلطف في تعليل الطلاق حرصا علي سمعة ابنتي التي دخلت طور الشباب.. وبدأ الخطاب يطلبونها بالرغم من أنها مازالت بالتعليم, ولقد بلغ طفلي الأصغر الآن التاسعة من عمره وهذه الذكري البعيدة مازالت تعيش في صدري ليل نهار وكادت تدفعني لأن أهم بقتل زوجتي أكثر من مرة دون مقدمات.
وأريد أن أضيف عقلك إلي عقلي لأستنير به, إذ أنني لم أبح لأحد قط بهذه القصة طوال18 عاما إلا إليك الآن, وقد ظلت تحرق صدري طوال هذه السنين فبماذا تنصحني؟
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
ياإلهي18 عاما أو تزيد ولم تنمح الذكري البعيدة بعد أو يضعف أثرها عليك؟
لقد أحسنت إلي نفسك حين قررت الإفضاء بها وطرحها للمناقشة وتبادل الرأي فيها.. لأن ذلك سوف يخفف بالضرورة من ضغوطها عليك ويشعرك بأنها أمر قابل للحوار حوله وتأكيده بالبرهان العقلي أو نفيه بالدليل المنطقي, وبذلك تخرج الذكري كلها من دائرة الإحساس المرير بالعار إلي دائرة أحداث الحياة القابلة للمناقشة بلا حرج, واللافت للنظر في قصتك هو أنك قد اتخذت القرار فيها في حينها, لكنه لم يرق للأسف الي مستوي الحسم, ولم يعبر عن حقيقة ما يدور في أعماقك من أفكار ووساوس, فلقد ارتأيت وقتها أن ما رأيته من أثر, وإن كان يثير الريبة إلا أنه لايرقي إلي مستوي الدليل القطعي علي وقوع الجريمة, وتحسبت منصفا لرمي المحصنات بالباطل ومدركا صعوبة إثبات الجرم المشهود, لكنك ــ وهذا هو خطؤك الكبير في حق نفسك ــ لم تقتنع حقا في أعماقك بما توصلت إليه, وإنما استقر الشك والريبة في نفسك تجاه زوجتك.. فرحت تتردد طوال18 عاما بين الرضا عن حياتك والسخط عليها, وبين التكيف مع الأمر الواقع والنقمة عليه, وأصبحت الذكري البعيدة جرحا غائرا في النفس, تهب عليك من أعماق الجحيم من حين لآخر.
وهو عذاب مقيم عبر عنه الأديب الفرنسي أناتول فرانس ذات يوم فقال: الغيرة بالنسبة للمرأة مجرد جرح لكرامتها, أما بالنسبة للرجل فهي عذاب عميق عمق ألم النفس, ودائم دوام ألم الجسد, ولقد كان الأحري بك أن تعفي نفسك من نيران هذا الجحيم, بألا تتردد أمام حسم الأمر حسما حقيقيا وليس صوريا كما فعلت, فإما أن تقتنع وتقنع نفسك بأن ما رأيت لايثبت الجرم المشهود, خاصة أن مراقبتك لزوجتك لم تسفر عما يؤكد سوء الظن بها, فتصرف النظر عن الأمر كله وتواصل حياتك معها بطريقة طبيعية, وإما أن تسلم بالعجز عن احتمال الموقف حتي ولو لم تجد دليلا كافيا علي إثبات الجريمة وتنفصل عن زوجتك في هدوء.
وأنت لم تفعل هذا ولاذاك, لكن الفرصة لم تزل قائمة للحسم الحقيقي للأمر كله حتي وإن طال المدي.. فناقش الأمر مع نفسك في هدوء وبلا حرج وليكن مرشدك إلي اتخاذ القرار السليم الذي ينهي معاناتك هو فترة الأعوام الثمانية عشر الماضية, وهل لمست خلالها أي شئ يدعم شكوكك في زوجتك أم أنها كانت طوال هذه السنوات الزوجة التي لاترقي إليها الريبة والظنون؟ فإن كانت كذلك فطهر نفسك من الشك فيها وراغمها علي نسيان هذه الذكري البعيدة واعتبرها من أخطاء الحواس وخداع البصر, وما أكثر ما تخطئ الحواس وتخدعنا الأبصار في بعض الأحيان, وابدأ عهدا جديدا من السلام مع نفسك ومع زوجتك التي أنسلت خلال تلك السنوات الثماني عشرة المزيد من الأبناء.
وإن كانت نتيجة المراجعة في غير صالحها وهو احتمال بعيد فلابد مما ليس منه بد وحسنا تفعل حين تتلطف في تعليل الطلاق, وتترفع عن الإساءة لأبنائك ونفسك ومن مشاركتك زهرة العمر بكتمان هذه الذكري البعيدة تماما وعدم الإشارة إليها.
وفي الحديث الشريف أنه: لايستر عبد عبدا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة. والسلام.
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
الأربعاء، ١ مارس ٢٠٠٠
هياج الذكري!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق