الأربعاء، ١ مارس ٢٠٠٠

شـــواء الحـــب‏!‏

10-01-2003
أرجو أن تسمح لي بأن أعرض عليك مشكلتي التي لا أحسب أن أحدا غيري قد واجهها من قبل‏,‏ فأنا سيدة أبلغ من العمر‏42‏ عاما‏..‏ تزوجت ابن عمي وأنا طفلة في الثانية عشرة من عمري‏,‏ ولأننا من عائلة صعيدية كبري‏,‏ فلم يتوقف أحد أمام صغر سني‏,‏ ورأي الجميع ان حبي لابن عمي وحبه لي سوف يعدنا بحياة سعيدة‏,‏ وهكذا تزوجنا منذ ثلاثين عاما‏,‏ وأنجبنا خمسة أبناء بلغ أكثرهم الآن سن الشباب وعملوا‏,‏ وكان زوجي خلال رحلتنا معا شديد العصبية وصعب المراس ومتقلب المزاج وكثير الخطأ وقليل الاعتذار‏,‏ ولا شيء يرضيه‏,‏ لكني كنت اتغاضي دائما وأتسامح حفاظا عليه وعلي بيتي وأبنائي‏,‏ وخلال رحلة السنين توسع زوجي في تجارته وتحسن مركزه المالي كثيرا‏,‏ وكبر الأبناء وجنينا أولي ثمار الفرحة بزواج أكبرهم‏..‏ وبينما أنا في غمرة الفرحة بأول حفيدة لي منذ‏6‏ سنوات إذا بخبر عجيب ينزلني من سماء السعادة إلي الهاوية السحيقة‏..‏ فلقد تزوج زوجي من فتاة عمرها‏18‏ عاما وأنا في قمة أنوثتي وعطائي لزوجي وأبنائي‏,‏ وبعد‏24‏ عاما من الزواج‏,‏ وواجهت زوجي بما عرفت فأقر بخطئه وندم عليه ندما شديدا‏,‏ وقال لي إنه لا يعرف كيف فعل ذلك‏,‏ وأكد لي إنه ليست هناك في الوجود كله امرأة مثلي ولسوف يطلق الأخري علي الفور‏..‏ ونفذ ذلك بعد فترة قصيرة من الزواج‏.‏

وتنفست أنا الصعداء‏..‏ وسامحت زوجي وأقبلت عليه أكثر وأكثر لأملأ حياته بي‏,‏ فلم تمض سوي ثلاثة أشهر فقط إلا وسمعت أنه قد تزوج فتاة أخري في الثامنة عشرة كذلك‏..‏ وتكررت المواجهة بيني وبينه وثرت عليه فقابل ثورتي بالندم الشديد مرة أخري‏,‏ وقال لي إنه سيطلقها ولن يعود لمثل ذلك أبدا وطلقها بالفعل‏,‏ وتحاملت علي نفسي هذه المرة لكي أصفح عنه‏..‏ واحتويه وأواصل عطائي له‏..‏ فإذا به بعد فترة وجيزة أخري يتزوج بثالثة طلقها بعد أسبوع واحد من الزواج‏,‏ وقبل ان أعرف بنبأ زواجه‏,‏ ثم برابعة مطلقة ولها ولد‏..‏ فلم أطق صبرا هذه المرة وثرت أنا وأهلي جميعا عليه بعد أن بدا صبرنا عليه ينفد وبعد تعلله لنا في كل مرة بأنها ستكون الأخيرة ولن تتكرر من جديد‏..‏ وأنه سيعرف لي قدري ويكف عما يفعل خاصة أنه لايفعله بدافع الشهوة وإنما بدافع حب المغامرات‏!‏
ومرض زوجي في تلك الفترة بالقلب ودخل العناية المركزة أربع مرات خلال عام واحد‏..‏ ودعوت الله كثيرا أن يتم شفاؤه وأن يستوعب الدرس ويفهم مغزي ماحدث‏,‏ وهو أنه إنذار أو رسالة من السماء إليه لكي يستقر في بيته‏,‏ وبين زوجته وأبنائه وأحفاده ويعيد الهدوء لحياة الأسرة‏,‏ وقمت بتمريضه والسهر علي رعايته وراحته خلال مرضه علي أكمل وجه‏,‏ وغادر زوجي المستشفي بعد إجراء جراحة له في القلب ونصحه الأطباء بان يغير أسلوب حياته ويهتم بصحته لأن أي إهمال من جانبه سيودي بحياته‏,‏ ولمس زوجي منا جميعا الرعاية المخلصة له حتي قال لنا إنه لم يكن يعرف مقدار حبنا له إلا عندما رأي منا كل هذا العطف وهذا الاهتمام‏,‏ وطلق الزوجة الرابعة‏..‏ ورجع الهدوء إلي حياتنا وحمدت الله كثيرا وأدركت أن ملف مغامراته قد أغلق للأبد‏.‏

فإذا بي أصعق بعد أشهر قليلة بانه تزوج للمرة الخامسة ومن فتاة عمرها‏16‏ عاما تلميذة في الصف الثاني الثانوي ومن أسرة متواضعة للغاية وبيئة رديئة حقا‏..‏ ولست أقول ذلك لكي اسيء إليها وإنما لتعرف فقط بأي ثمن رخيص باع زوجي الزوجة الوفية والأبناء الخمسة والأحفاد الستة والاستقرار العائلي بزيجة أو مغامرة مع فتاة أصغر من أبنائه‏.‏
إنني الآن في قمة الثورة عليه ومصممة علي الطلاق‏,‏ لأنني قد ضقت به ولم أعد أحتمل حماقاته ونفد صبري ولم يبق منه ما يسمح لي بأن أغفر له أية أخطاء أخري‏..‏ وهو لا يريد أن يطلقني‏..‏ وأنا الآن أستعد لرفع دعوي طلاق ضده مع الحفاظ علي حقوقي لأنه لم يمر بعد عام علي زواجه الخامس‏,‏ لكني أخشي طريق النزاع حفاظا علي سمعة أبنائي الذين يشغلون مناصب مرموقة‏..‏ فبماذا تنصحني أن أفعل علما بأني أعيش الآن مع أصغر أبنائي وعمره‏8‏ سنوات وحولي أحفادي وأبنائي الآخرون لا يتركونني‏,‏ كما أريد نصيحتك لي كيف أشغل وقت فراغي حتي لا أفكر في هذا الرجل‏,‏ لأنني سأجن من التفكير وأتعجب كيف تهون العشرة بهذه السهولة؟ وكيف يهرب رجل من الاستقرار العائلي والبيت الهاديء والأبناء والأحفاد بحثا عن حياة جديدة وبعد أن اعطاه الله كل شيء؟‏!‏
وكيف لا يخشي رجل في الخمسين من عمره ـ الآن ـ كزوجي علي صورته أمام الناس وأمام أبنائه ومازال يبحث عن شيء لا تفهمه؟ إنني محبطة للغاية وأريد مشورتك وعلي استعداد للحضور إليك إذا أردت مناقشتي في بعض التفاصيل‏.‏

ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏
استوقفتني في قصتك العجيبة هذه عبارة تأملتها طويلا وتعجبت لها كثيرا هي قولك أنه بعد زواجه الرابع بدأ صبركم ينفد عليه فأي صبر هذا ياسيدتي الذي يتسع لأربع زيجات متتاليات من فتيات صغيرات‏,‏ وبغير مبرر سوي الرغبة في المتعة ومعايشة إحساس المغامرة‏,‏ ودون أي مبرر مشروع أو نقص حسي أو عاطفي يشكو منه زوجك معك‏.‏
إننا ندعو دائما للتسامح بين الزوجين وبين البشر بصفة عامة‏,‏ لكن التسامح شيء والتفريط شيء آخر‏,‏ فالتسامح يعين المخطيء إذا ندم ندما صادقا علي خطئه علي نفسه ويساعده علي الرجوع عن غيه والالتزام بالطريق القويم بعد أن خبر الخطأ وعرف عاقبته‏.‏

أما التفريط فإنه فيشجع المخطيء علي الاستمرار في غيه واستمرار الخطأ مادام قد أمن العقاب عليه‏..‏ وعرف جيدا أنه سيجد لدي من يعنيهم أمره قلبا غفورا مهما فعل‏..‏
وجوهر فلسفة العقاب في كل الشرائع هو أن يحقق فضلا عن القصاص العادل هدف الردع لمرتكب الخطا لكيلا يقترف المزيد من الأخطاء في قادم الأيام‏,‏ وهدف الإنذار لمن يحومون حول البئر ألا يقتربوا منها لكيلا ينالهم مانال من وردها من قبل‏.‏
وتسامح الزوجة مع أخطاء من هذا النوع من جانب زوجها لا يكون أكثر من مرة أو مرتين علي أقصي تقدير خلال رحلة الزواج حفاظا علي الأسرة والأبناء ورعاية لحقهم عليها‏..‏ أما التسامح اللانهائي مع نفس الخطأ فإنه لا يحقق أبدا هدف الاصلاح الذي تنشده الزوجة‏..‏ ولا هدف العدل وتحمل كل إنسان لتبعات أفعاله وتكبد عواقبها راضيا أو ساخطا‏..‏ وهكذا استمرأ زوجك تكرار المغامرة وبنفس خطواتها واحدة بعد أخري حتي بلغت خمسا خلال ستة أعوام‏,‏ ولو كان قد شعر بتهديد جدي لاستقراره وأمانه ووضعه العائلي المحترم بعد الخطأ الثاني مثلا لما أدمن الخطأ واستسهله‏!‏ خاصة انه يبدي الندم الشديد عقب كل مغامرة ويقر لك بأنك أفضل زوجة في الوجود‏,‏ وأنه قد عرف خطأه واستنكره فلا تمضي شهور إلا ويكرره بنفس التفاصيل فأي ندم شديد هذا‏..‏ الذي لا يلبث أن يتبخر خلال بضعة أسابيع؟ لقد ذكرني ذلك بما جاء في رواية الثلاثية لأديبنا العظيم نجيب محفوظ عن شخصية إنسان مستهتر كثير العثرات وينتقل من خطأ بشع إلي خطأ أبشع‏,‏ وكلما أفتضح أمره طأمن رأسه مستخزيا وآسفا واعتذر لذويه بأن الشيطان قد أغواه فارتكبه رغما عنه‏,‏ حتي ضاقت به شقيقته ذات مرة فسألته ساخطة‏:‏ أليس للشيطان لعبة
أخري سواك ؟
وهي عبارة تنطبق إلي حد كبير علي زوجك العزيز‏!‏
ولقد فهمت من رسالتك أنه قد بدأ هذا العبث فجأة منذ ست سنوات فقط‏,‏ أي وهو في الرابعة والأربعين من عمره وبعد‏24‏ عاما من الزواج وإنجاب خمسة أبناء وأول حفيد‏..‏ ومعني ذلك أنه لم يحسن التعامل مع أزمة منتصف العمر التي تواجه بعض الرجال في هذه المرحلة‏..‏ فيشعرون خلالها بأن الشباب قد ولي‏,‏ وان مابقي من العمر أقل مما مضي منه‏,‏ ويهتزون نفسيا لرحيل بعض الأقران عن الحياة‏,‏ فيرغبون في إقناع أنفسهم قبل غيرهم أنهم مازالوا في عنفوان الشباب وقادرون علي الحب والمغامرة والفوز بإعجاب الفتيات‏..‏ ويزداد إحساسهم بالجدارة الموهومة كلما كان الطرف الآخر في المغامرة من جنس الفتيات الصغيرات‏!‏ ولأنهم يتورطون في هذا العبث عادة وهم في منتصف العمر وبعد ان عملوا ربع قرن تقريبا وبنوا حياتهم فإنهم يجدون غالبا في أيديهم من الإمكانات المادية ماييسر لهم هذا العبث ويعينهم عليه وعلي تحمل تكاليفه‏.‏
ويغيب عنهم وهم يعتزون بنجاحهم الخادع مع الفتيات الصغيرات‏..‏ ان عامل الإغراء المادي الذي يتوافر لديهم هو أحد أهم أسباب قبول بعض الفتيات لهم‏,‏ كما هو الحال غالبا في معظم زيجات زوجك الخمس ان لم تكن كلها‏!‏

ولقد قرأت أخيرا في رواية آلموت للروائي اليوجسلافي فلاديمير برتول عبارة فريدة تفسر لنا تفسيرا ساخرا سر اهتمام بعض الرجال وهم في منتصف العمر أو أكثر قليلا بالفتيات الصغيرات تقول‏:‏ إن شأن الحب كشأن الشواء كلما هرمت الأسنان تطلب الأمر أن يكون الحمل صغيرا‏!‏
ولقد يضاف إلي أزمة زوجك الذي يريد أن يقنع نفسه بأنه مازال الرجل الذي كان‏,‏ أن بعض من يتزوجون صغارا يتوهمون أنه قد فاتهم بالزواج المبكر والاستقامة الشخصية أن يعرفوا الكثير عن الجنس الآخر وأنهم لم يمارسوا تجارب العشق والحب والمغامرة في سن الشباب فيحاولون تعويض ذلك نفسيا بمثل هذا العبث المتأخر‏!‏
وأيا كانت دوافع زوجك النفسية أو غير النفسية لما فعل فإنها لا تبرر له أبدا أن يتزوج عليك خمس زيجات متتاليات أكثرهن من بنات أصغر من أبنائه‏..‏ ولا لوم عليك أبدا في نفاد صبرك الذي لم ينضب معينه إلا بعد الزيجة الخامسة من ابنة السادسة عشرة‏,‏ وبعد أربع أزمات قلبية وجراحة في القلب والتفافكم حوله خلال محنته المرضية‏..,‏ فمرحبا بنفاد الصبر مع مثل هذا الزوج الذي لا يتعلم أبدا من أخطائه ولا يصمد ندمه علي الخطأ لأكثر من أسابيع‏,‏ واستمسكي ياسيدتي بموقفك منه وبطلب الانفصال عنه واستعيني عليه بأبنائك الراشدين والعقلاء من أهلك‏,‏ عسي أن يوفر عليك طريق النزاع ويؤدي إليك حقوقك كاملة بغير مماطلة‏,‏ أو يكون ذلك دافعا أخيرا له للإقلاع النهائي عن هذا العبث الطائش بعد كل ماكان من أمره‏!‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق