30-05-2003
أنا من قراء بابك هذا منذ أنشئ تقريبا, وكنت صاحب إحدي المشاكل التي عرضت فيه منذ نحو خمسة عشر عاما بعنوان[ هواجس في الليل], وقد أخذت برأيك الذي أبديته لي, لكن الهواجس لم تنته بعد, بل ظلت تلازمني طوال هذه السنين, تزداد أحيانا وأتغلب عليها في أحيان أخري بالصلاة وقراءة القرآن الكريم.. ولتسمح لي بأن أذكرك بقصتي باختصار:
فأنا مهندس من عائلة كبيرة والحمد لله, وحين كتبت اليك كنت وقتها في حوالي الخامسة الثلاثين من عمري.. متزوجا قبل سبع سنوات, ورزقني الله بولد وبنتين, وعشت مع زوجتي في سعادة, وفي يوم مشئوم صدمت سيارة مسرعة زوجتي, مما تسبب في اصابتها بشلل نصفي أقعدها عن الحركة, ولقد حاولت زوجتي في البداية أن تتقبل الأمر الواقع, ووقفت بجانبها أشجعها علي أن تكون شبه طبيعية, ووقف معنا الأهل والجيران والأصدقاء, ولكن بمرور الأيام بدأت زوجتي تزهد الحياة لإحساسها بالعجز في نواح كثيرة, كما بدأت تشك في أقرب الناس إلينا ممن يحاولون مساعدتها في المنزل حتي أختها لم تسلم من شكوكها.. وأصبح الكلام لا يجدي معها لإفهامها حقيقة وضعنا, مما جعل الآخرين يبتعدون عنا الواحد تلو الآخر.. وبدأنا نعيش في شبه عزلة, فأرجع من العمل لأساعد في إعداد الطعام لأن الأولاد كانوا مازالوا أطفالا أكبرهم في السادسة, وبعد الظهر أجلس لأذاكر لهم وأرعاهم كما أرعي زوجتي المريضة إلي أن ينام الجميع وأنام أنا الآخر من التعب والارهاق بضع ساعات, ثم أستيقظ باقي الليل وتلازمني الهواجس, فأسأل نفسي لماذا لا أتزوج من زوجة أخري بغير أن أخبر زوجتي المريضة بذلك؟, إنني في حاجة لإنسانة تستطيع أن تحتويني وتعوضني عن الحرمان الجسدي والنفسي والعاطفي, وأنا مازلت في عنفوان شبابي.. ثم أراجع نفسي وأتساءل: وما ذنب زوجتي المريضة في ذلك, وما ذنب الأطفال إذا عرفوا بذلك الزواج من أي مصدر؟.. بل ماذا لو كنت أنا الذي أصبت بدلا منها؟ هل كانت تتخلي عني؟.. وهبني قررت الزواج بالفعل, هل أجد زوجة شابة تقدر ظروفي وتستطيع أن تتنازل عن بعض حقوقها لصالح الزوجة المريضة؟!
وفي غمرة تلك الهواجس والأحاسيس كتبت لك أستشيرك في أمري, وأشرت علي بالصبر ومحاولة التأقلم مع هذه الحياة ومع هذه الزوجة التي لا ذنب لها فيما جري لها, ولقد أخذت بنصيحتك لأني كنت مقتنعا بها بالفعل, والآن وبعد مرور كل تلك السنين, وبعد أن كبر الأبناء فإني مازلت أعيش تلك الهواجس.. ومازلت محتاجا لإنسانة تشاركني ولو بعض الوقت همومي وأفراحي.
فلقد تخرج الابن والبنت الكبري من الجامعة, بل وتزوجت الابنة في العام الماضي, ووفقنا الله في أن تسكن معنا بنفس الحي.. وبذلك أصبحت تمر علينا يوميا لمساعدتنا في شئون المنزل وشئون والدتها, أما البنت الصغري فهي مازالت في أولي جامعة, وقد بدأت أشعر ببعض الفراغ الذي جعل الهواجس تزداد.. فأنا مازلت في بداية الخمسينيات من عمري وبصحة جيدة والحمد لله, وأحتاج بالفعل لإنسانة تعرف ربها, وتستطيع أن تحتويني وتقدر ظروفي وظروف زوجتي المريضة التي لن أتخلي عنها أبدا.. وأنا علي ثقة من أن هناك سيدات متدينات مصليات يعرفن ربهن حق المعرفة, ويستطعن أن يقدرن تلك الظروف خاصة في سننا هذه, صحيح أن ذلك سيكون علي حساب بعض حقهن.. ولكن جزاء ذلك سيكون عند الله كبيرا.. مع العلم أني لن أخبر ـ زوجتي بالطبع ـ ولا الأبناء بهذا الزواج.. ولن أدع زوجتي تشعر به حتي لا تزداد حالتها سوءا.. والمشكلة الكبري أنني لن أستطيع المبيت مع الزوجة الجديدة لأن زوجتي المريضة تحتاجني كثيرا خلال الليل لأساعدها في بعض الأمور الخاصة.. فهل أستطيع أن أجد تلك الزوجة الجديدة من بين قرائك؟
وهل ستشجعني علي ذلك أم ستنهاني عنه.. إنني أرجو منك التشجيع لأنني لم أعد أحتمل تلك الحياة هكذا, وأحتاج بالفعل لإنسانة تشاركني ما بقي لي من الحياة وتحتويني بمعني الكلمة لتعصمني من الوقوع في الخطيئة لا قدر الله.. وسيكون جزاؤها عند الله كبيرا لتنازلها عن بعض حقوقها برضا وتسامح مراعاة للظروف.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
حاولت أن أسترجع من الذاكرة المجهدة رسالتك الأولي, فتذكرت بعد جهد جهيد بعض تفاصيلها.. وشعرت تجاهك بكل ما تستحق من الاحترام الانساني لوفائك لزوجتك المريضة, وحدبك عليها, ورعايتك لها, وصبرك علي ما افتقدته في حياتك معها حفاظا عليها ورعاية لأبنائك.. وكل ذلك مما يحسب لك في سجل الوفاء والتضحية وإنكار الذات وإعلاء سعادة الزوجة والابناء علي كل الاعتبارات, غير أن للنفس بعد كل ذلك أشواقها المحرومة التي تلح عليها, ولاتني عن أن تتراءي لها وتداعبها من حين لآخر, ولقد يخفت نداؤها في بعض الأوقات تحت وقر المسئولية الانسانية والعائلية, ولقد يشتد أوارها عند استرجاع الذكري واستشعار دبيب الطاقة الحبيسة والاستسلام للرثاء للنفس..
وكل الأطراف محكومون بأقدارهم وظروفهم المؤلمة.. فالزوجة المريضة لا ذنب لها فيما امتحنتها به الأقدار الحزينة.. والزوج المحروم لا حيلة له في حرمانه وأشواقه الحبيسة.. لكن ثق من أن تضحيتك ـ بالرغم من ذلك ـ لم تذهب سدي, ولم تكن هباء منثورا.. فلقد أثمرت ثمارها الطيبة, ونلت جوائزها في الدنيا والآخرة, والرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه يقول لنا ما معناه إن: من أعطي فشكر, ومنع فصبر, وظلم فغفر, وظلم فاستغفر, أولئك لهم الأمن وهم مهتدون.
ولقد كان الامام أبوحامد الغزالي يقول: اعلم أن أجر الصابرين فيما يصابون به أكبر من النعمة عليهم فيما يعافون منه.
وما توفيق الأبناء في الدراسة والحياة إلا مظهر من مظاهر جائزة الأمن هذه التي ينالها من منع فصبر مثلك, وما توفيقك في أداء رسالتك تجاههم وتجاه زوجتك وفي حياتك العملية إلا بعض جوانبها الأخري, فإن هفت نفسك بعد طول المجاهدة والصبر إلي ما ينقصها.. فلقد قدمت من العطاء وإنكار الذات ما يشفع لك في التطلع إليه.
فلقد شب الأبناء عن الطوق وبلغوا شاطئ الأمان, واجتازوا المرحلة التي كان من الممكن أن يتأثروا فيها سلبا بارتباط أبيهم بغير أمهم, وتخرج أكثرهم وعملوا, بل وتزوجت الابنة الكبري واستقرت في الجوار القريب, وأسهمت مع أختها الصغري في رفع بعض العبء الانساني عن كاهلك المثقل, ولا يستطيع منصف أن ينكر عليك الآن حقك في التماس بعض الراحة بعد طول العناء, خاصة أن مرض الزوجة من الرخص الشرعية التي تبيح للزوج الذي لايصبر علي نفسه الإقدام علي ما تفكر فيه..
فاختر لنفسك ما تراه منصفا لك وملبيا لاحتياجاتك الانسانية إذا تيقنت تماما من أنه لن يترتب عليه الإضرار بزوجتك المريضة, واحرص الحرص كله علي عدم إيذاء مشاعرها وعدم إهمالها أو الانصراف عنها أو التقصير في حقها.. ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها... والسلام.
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
الأربعاء، ١ مارس ٢٠٠٠
الأشواق المحرومة!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق