الأربعاء، ١ مارس ٢٠٠٠

الخدعة القاسية‏!‏

04-04-2003
أنــا سيدة أبلغ من العمر‏29‏ عاما كانت حياتي تعسة بين أبوين لا أشعر بحبهما لي‏..‏ ويتركز اهتمامهما علي المادة فقط‏,‏ إلي أن التحقت بالجامعة وتعرفت علي شاب أسرني برقته وحنانه البالغ‏..‏ فازداد تقاربنا حتي أصبحنا قصة حب جميلة يتناقلها زملاؤنا‏..‏ وشعرت بأن الدنيا قد عوضتني بهذا الشاب عن كل ما حرمت منه‏..‏ وبعد تخرجنا التحق فتاي بوظيفة بمرتب جيد‏,‏ وقررنا أن الوقت قد حان لتتويج حبنا بالزواج‏,‏ خاصة أن حبيبي لديه الشقة ولن يواجه أي مشكلة في هذا الشأن‏..‏ فكانت المفاجأة الكبري هي معارضة والده في زواجه مني بعد أول لقاء بيني وبينه‏..‏ ولأسباب تافهة منها أنني أكبر من فتاي بثلاثة أشهر‏,‏ وواجهنا الحيرة والألم إذ هل يمكن أن تنتهي قصة حبنا التي دامت خمس سنوات بهذه السهولة؟ وحاول فتاي كثيرا وطويلا مع والده لكي يتنازل عن معارضته ويبارك مشروع زواجنا دون جدوي‏..‏ واستمرت المشاكل بين أهلي وأهله بسبب هذا الرفض وطلب مني أهلي الابتعاد عنه فلم أستطع أن أفعل‏..‏ كما لم يستطع هو أيضا الابتعاد عني‏..‏ وفكرنا في أن نتزوج ونضع والده أمام الأمر الواقع‏,‏ لكن ضميري لم يسمح لي بذلك‏..‏ وراح أهلي يضغطون علي لقبول من يتقدمون لي لكنني لم أستطع تقبل أحد منهم‏..‏ واستمر الوضع علي هذا النحو أربع سنوات كاملة وحبنا يزداد عنفوانا وثباتا وقوة إلي أن خطرت لي هذه الفكرة المجنونة وعرضتها علي فتاي كحل أو كسهم أخير نطلقه في سبيل إتمام زواجنا‏..‏ وقد وافق عليها حبيبي وبدأ بالفعل في تنفيذها‏..‏ وكانت فكرتي أن يتظاهر أمام والده بأنه مريض ويتفق مع طبيب من أصدقائه‏,‏ علي أن يبلغ والده أن ابنه مريض بالقلب وحالته متقدمة‏,‏ وقد لا يمتد به العمر لأكثر من‏9‏ أو‏10‏ شهور‏..‏ وتم تنفيذ ما دبرته وأدعي فتاي الارهاق والتعب الدائمين‏..‏ وأجري عدة فحوص وإشعات ثم اختلي الطبيب الصديق بوالده وأبلغه بما تم الإتفاق عليه‏..‏ وأكد له أن الانفعالات خطر عليه‏..‏ ومن واجبه أن يحاول إسعاده بكل وسيلة خلال الأيام المقبلة وانهار الجبل الصلب دفعة واحدة وتغير موقفه تماما من ابنه وأصبح مستعدا لفعل أي شيء لأنقاذه وإسعاده‏..‏ وأعلن موافقته له علي زواجه مني واشترط عليه أن يصارحني قبل كل شيء بحالته الصحية لكي يكون قبولي له مبنيا علي علم بكل الظروف‏..‏ واحترمني كثيرا حين عرف بموافقتي علي الارتباط بابنه رغم كل شيء واعتبرني مضحية ومخلصة‏.‏ أعرف أن ما فعلته قد يكون خطأ وخداعا لكنه كان الحل الأخير أمامي بعد أن جرحني والده برفضه لي‏,‏ وهذا هو ما حدث‏..‏ وتم حل المشاكل السابقة بين أهلي وأهله‏,‏ وقام والد حبيبي بتحمل كل تكاليف تشطيب شقة ابنه والأثاث والفرح‏,‏ لاعتقاده أنه يسعد ابنه في أيامه القليلة‏,‏ وتم كل شيء سريعا وتزوجنا وقضينا أجمل أيام عمرنا ومرت الشهور هانئة وسعيدة ولم يحدث شيء بالطبع لزوجي‏..‏ وبدأ والده يسأل ويتحري ويستقصي الحقيقة‏,‏ وعرف الخدعة التي حدثت‏..‏ وثار هو وأهله علي من جديد وتغيرت معاملتهم الحسنة وحبهم السابق لي وطلبوا من زوجي أن يطلقني‏,‏ وراحوا يضغطون عليه لكي يستجيب لهم لكن زوجي لم يستجب واستمر زواجنا عامين وضغوط أهله عليه لا تتوقف‏..‏ ورغم ذلك فقد كنا نعيش في سعادة إلي أن بدأت والدته تقول عني إنني سيئة السلوك واستطاعت أن تؤثر علي زوجي فساوره الشك في‏.‏ واشتعلت النيران بيننا وتركت له البيت ورجعت إلي أهلي‏,‏ وفكرت جديا في إجهاض نفسي حيث إنني حامل في ثلاثة أشهر لكني تراجعت‏..‏ وبعد فترة جاءني زوجي وقال لي إن والدته قد اعترفت له بعد مرضها بأنها قد أساءت الظن بي‏,‏ واعتذر وأكد لي أنه لايزال يحبني‏..‏ وأنا مترددة هل أعود إليه بعد أن جرحني جرحا بليغا بشكه في خاصة أنني مازلت أحبه‏..‏ أم أستمر في موقفي وأحزم أمري وأجهض نفسي وأنفصل عنه وأطوي صفحته من حياتي؟‏!‏
ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏
وماذا كنت تتوقعين يا سيدتي أن يفعل معك أهل زوجك بعد أن يكتشفوا الخدعة القاسية التي تعرضوا لها منك؟ هل كنت تتوقعين أن يزدادوا حبا لك وإعجابا بك‏,‏ ويواصلوا التعامل معك باحترام شديد باعتبارك انسانة مضحية لم تتخل عن ابنهم في محنته المرضية وآثرت أن تسعد بقربها أيامه الباقية؟
إن تجهم الآخرين في وجوهنا وسوء ظنهم بنا وبأخلاقياتنا هو ما نجنيه منهم مقابل التوائنا معهم وخداعنا لهم‏.‏ وليس من حقنا أن نغضب ممن خدعناهم خدعة قاسية لأنهم قد تغيروا تجاهنا وتبدلت مشاعرهم نحونا‏..‏ وإنما من واجبنا أن نغضب من أنفسنا لأننا قد بددنا رصيد الثقة فينا بسوء فعالنا ونقص أمانتنا مع الآخرين ومع الحياة‏..‏ ثم نصبر علي من دفعناهم بسوء تصرفنا لإساءة الظن بنا إلي أن نقنعهم بالتزامنا الخلقي الكامل مع الحياة‏,‏ أن ما فعلناه معهم كان خطأ لم يتكرر في حياتنا بعد ذلك وقد ندمنا عليه ندما صادقا‏,.‏ فما فعلتماه بهذا الأب وأسرته يستحق بالفعل ثورته وثورة ذويه عليكما وعليك أنت أكثر لأنك العقل المدبر للخدعة المؤلمة من ناحية ولأنك قد حظيت لديهم من ناحية أخري وبغير حق بمكانة الزوجة المضحية التي لم تتخل عن ابنهم في محنته المرضية وربطت مصيرها بمصيره رغم علمها بأن أيامه الباقية في الحياة قصيرة‏!‏ وكلما كانت الخدعة قاسية ومؤلمة ازداد سخطنا علي من خدعونا بها حين نكتشف ذلك‏.‏

ومن عجب أنك تقولين إنكما قد فكرتما في الزواج علي غير إرادة الأهل ووضع والد زوجك أمام الأمر الواقع‏..‏ لكن ضميرك الأخلاقي لم يسمح لك بقبول هذا الحل‏..‏ في حين سمح لك نفس هذا الضمير الأخلاقي وبلا أي عناء بخداع والد زوجك وابتزازه عاطفيا بأبشع وسائل الابتزاز‏,‏ وهو العزف علي وتر خوف الأب علي حياة فلذة كبده واعتقاده المؤلم بقصر أيامه مع الحياة واستعداده الأبوي لأن يبذل كل ما في الوسع لإسعاده وإدخال البهجة إلي قلبه‏..‏ فأي ضمير أخلاقي هذا الذي رفض إحراج أهلك بالزواج من فتاك في غير وجود أهله وأبيه‏..‏ واختار لوالد زوجك بلا تردد هلع الخوف علي حياة الابن وكرب الاعتقاد بسوء حالته الصحية إلي الحد الذي ينذر باقتراب الخطر منه؟
إن الاحتجاج بالحب والرغبة الملحة في تتويجه بالزواج لا يجديان هنا في تبرير هذا الابتزاز المؤلم لمشاعر أب‏,‏ واثارة مخاوفه القاتلة علي حياة ابنه حتي ولو كان موقفه من زواجه متصلبا أو متعسفا‏..‏ ومهما حاولت أنت تفسير ذلك بأنه قد جرحك حين رفضك زوجة لابنه لأسباب ارتآها‏..‏ فالغايات الشريفة في الحياة لابد من اتخاذ وسائل شريفة أيضا لبلوغها‏.‏

ولم تكن تلك الحيلة الشيطانية التي ابتدعها خيالك الجامح‏.‏ونفذها للأسف دون أي وازع أخلاقي أو ديني فتاك وصديقه الطبيب غير الأمين من هذه الوسائل الشريفة لبلوغ الغايات الشريفة في الحياة‏,‏ ومن العدل أن نتقبل بواقعية عقاب الآخرين لنا علي خداعنا لهم وإيلامنا إياهم وابتزازنا القاسي لمشاعرهم الأبوية والأمومية‏,‏ فتقبل العقاب العادل بلا تذمر هو الخطوة الأولي علي طريق تطهرنا من خطايانا‏,‏ ولقد دخل الأديب والشاعر الألماني هانز ابندورفر‏(1942‏ ـ‏1999)‏ السجن وهو في السابعة عشرة من عمره لقتله في لحظة طيش سيدة كانت بمثابة أم بديلة له‏,‏ وقضي في الحبس الانفرادي عشر سنوات كاملة ولقد صدر حكم بالعفو عنه بعد قضاء نصف المدة لحسن سلوكه‏..‏ ولصغر سنه وقت ارتكاب الجريمة‏,‏ فرفض هذا العفو بلا تردد وأصر علي تمضية مدة السجن كاملة لكي يطهر نفسه من جريمته‏,‏ واستغل وجوده في السجن في القراءة والاطلاع والكتابة واستكمال تثقيف نفسه إلي أن خرج وصنع اسمه الأدبي الكبير وأحب مصر كثيرا وحي الحسين في القاهرة علي وجه الخصوص‏,‏ وعاش حياته وهو يشعر بأنه انسان أمين مع الحياة أخطأ ونال عقابه وتطهر من جريمته‏,‏ فإذا كان الأمر كذلك فتقبلي تغير مودة أهل زوجك لك وسوء ظنهم بك وتأثر زوجك العابر بذلك كتطهير عادل لك من جريمتك السابقة في حقهم‏..‏

والتزمي جادة الحق والعدل والأمانة المطلقة مع الحياة ومع الآخرين لكي تنجحي في استعادة ودهم المفقود وثقتهم الضائعة وتبدئي صفحة جديدة من التعامل الأمين معهم بلا ابتزاز عاطفي من جانبك لهم‏..‏ وبلا معاملة تفضيلية لك من جانبهم باعتبارك مضحية من أجل ابنهم كما كان الظن بك في السابق‏.‏ ولا داعي لإجهاض نفسك ولا للانفصال عن زوجك بعد كل هذا العناء للزواج منه والارتباط به‏..‏ وإلا أصبحت القصة كلها عبثا من العبث‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق