21-03-2003
رأيت أن أعرض عليك أمري وأنا في منعطف رئيسي من حياتي لأستعين برأيك علي اختيار الطريق, فأنا رجل متوسط العمر نشأت في أسرة صالحة متوسطة المستوي, كنت أصغر أبنائها وتفوقت في دراستي بإحدي الكليات العملية.. ووقعت خلال دراستي بالكلية في غرام جارة لي كانت طالبة بالثانوية العامة وقتها وأحببتها حبا صادقا وعفيفا, ولم ألتق بها مباشرة أبدا بسبب القيود العائلية المفروضة عليها.. وإنما نجحت فقط في مكالمتها تليفونيا مرات قلائل, ونما الحب بيننا بالنظرات أكثر من أي شيء آخر.. وقبل أن أتخرج في كليتي وأستطيع مفاتحة أبي في التقدم لخطبتها علمت بالمصادفة أن أباها قد وافق علي خطبتها لقريب لها.. فسلمت أمري لله.. وتنازلت عن هذا الحلم وواصلت حياتي فتخرجت وعملت بإحدي شركات القطاع العام في بداية السبعينيات وتزوجت من فتاة جميلة من أسرة طيبة وغاية في الرقة والأدب, فكانت لي مثال الزوجة المخلصة الصالحة.. وأنجبنا ولدين وسعدنا بحياتنا ومعيشتنا, إلا أنني بدأت أشعر بأن مطالب الحياة أكبر من إمكاناتي ولابد لي من دخل آخر يوفر لي ولزوجتي ما هو أكثر من الضروريات, فأخذت المخاطرة واستقلت من وظيفتي واتجهت إلي العمل في القطاع الخاص.. وشاركت في بعض المشروعات الصغيرة.. وكرست وقتي وجهدي لها, فأصبحت أخرج من البيت في الصباح الباكر ولا أرجع إليه إلا في وقت متأخر من الليل, وسرعان ما وفقني الله إلي انشاء شركة خاصة لي نجحت وازدهرت, وحققت من ورائها الخير الكثير وتحسنت أحوالي المالية كثيرا وأصبح لدي أموال كافية والحمد لله.
وخلال ذلك كله عشت مع زوجتي حياة هانئة راضية نستمتع بخيرات الله التي أفاض بها علينا ونحمده كثيرا.. غير أن زوجتي قد مرضت بعدة أمراض ودخلت دوامة العلاج والأطباء والعمليات الجراحية لفترة ليست قصيرة ثم تحسنت صحتها والحمد لله.. وإن كانت قد عانت من تبعات المرض والعلاج, وكبر الابنان وتخرجا في كليتهما, وعملا في وظائف ملائمة وتزوج ابني الأكبر وأثثت له شقته وأعطيته ما يوفر له دخلا كريما مستمرا, وخطب ابني الأصغر فتاة مناسبة وأعطيته هو الآخر مثلما أعطيت لأخيه, ونتيجة لظروف السوق الحالية فقد تضاءل حجم أعمال شركتي وانكمشت نشاطاتي التجارية.. فخفضت وتيرة العمل. ولجأت إلي العمل الهاديء بعد سنوات الكفاح والشقاء الطويلة.. وقنعت بما لدي وهو يكفيني ويكفي زوجتي وأبنائي من بعدي والحمد لله, وأصبحت أجد وقتا أكبر لبيتي وأصدقائي ومعارفي وللنادي.. وللتمتع بمباهج الحياة, وهي أمور رأيتها كلها مفيدة لمن كان في مثل عمري أي في منتصف الخمسينيات.. لكنه مع اتساع الوقت لزوجتي وبيتي عن ذي قبل ظهرت لي عيوب واختلافات بيني وبين زوجتي في فهمنا للحياة, وحدث تضارب في وجهات النظر تحول في بعض الأحيان إلي شجار كنت أسارع إلي انهائه من جانبي مراعاة لظروف مرضها مع تبرمي في داخلي مما يحدث.. وكان من هذه الأمور عزوفها إلا قليلا عن العلاقة الحميمة معي خلال السنوات الأخيرة, وأنا رجل ملتزم دينيا, ومنذ شهور وفي ظروف قدرية غريبة التقيت بفتاتي الأولي التي خفق قلبي لها لأول مرة في سن الشباب بعد30 عاما من انتهاء القصة, وعرفت أن زوجها قد رحل عن الحياة في حادث أليم وأنها لم تتزوج من بعده ولم تنجب منه ولم تكن رحلتها معه سعيدة, فآثرت أن تستكمل مشوار الحياة مستقلة بنفسها وكرست وقتها لعملها في مصر وفي بلد عربي, واكتفت بما قسمه الله لها من حياة, ووجدنا نفسينا نندفع إلي مشاعر حب جارف وطاهر ومبرأ من كل غرض مادي أو رغبة حسية, فحديثنا لا ينتهي ومقابلاتنا كثيرة وناعمة وتغمرها المودة والأئتناس والتعاطف, وهي تتقبلني كما أنا أبا وزوجا لأخري ولا تكف عن السؤال عن زوجتي وأبنائي للاطمئنان عليهم, وخلال وقت قصير وجدت نفسي بين أحاسيس متباينة: حياة روتينية متحفظة في أسرتي.. التي أرعاها وأؤدي جميع التزاماتي نحوها.. ورومانسية منطلقة أعيشها بسعادة بالغة لسويعات أقضيها مع فتاة القلب في أماكن عامة محترمة حافلة بأحاديث الذكريات وطرائف السنين.
فهل أنا في حالة خيانة لزوجتي ولسنوات عشرتي الطويلة معها, والله وحده يعلم كم أحبها وأحترمها فهي أم أبنائي وزوجتي الوفية المخلصة, كما أن مقابلاتي لفتاتي الأولي لاتتجاوز الأحاديث والتسامر واللقاءات في الأماكن العامة؟
وهل تفكيري في الارتباط بمحبوبتي تجنبا لوساوس الشيطان ودون إخلال بواجباتي واحترامي لأسرتي وأبنائي, فيه جحود لعشرتي الطويلة مع زوجتي الطيبة الصالحة حتي مع ماذكرته لك من روتينية الحياة بيننا؟
وهل تصدقني إذا قلت لك إنني ومنذ التقيت بفتاتي الأولي.. أصبحت أعيش أكثر سلاما وتسامحا مع زوجتي وأعاملها برقة أكثر ولطف أشد, وأغفر لها كثيرا من عصبيتها وأتحمل منها بعض الجفاء الذي صار سمة لها.
وهل هي أنانية مني في أن أعيش لنفسي بعض أيامي وأنا راضي الضمير ولم أسلب أحدا من أسرتي حقا من حقوقه أو أن أحيا أواخر أيامي في حب أقبلت عليه بكل جوارحي بعد سنوات طويلة من الكد والكدح والكفاح الشاق؟
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
مع أن هموم الحياة كثيرة إلا أنه لا بأس كذلك بتناول هذه المشكلة لأن لها أصداء مماثلة في حياة البعض.. ولقد تهدد بالفعل استقرار بعض الأسر.. وتعرض بعض الأزواج المشهود لهم بالاستقامة الشخصية لاضطرابات عائلية ما كان أغناهم عنها, وبداية فإني أقول لك إن السبب الأهم لظهور هذه المشكلة في هذه المرحلة من حياتك هو أن الوقت قد اتسع أمامك لكي تتلفت حولك بعد هدوء وتيرة العمل وانكماش نشاطاتك, وتفكر فيما تعتبره عيوبا جديدة في زوجتك واختلافات في رؤية كل منكما للحياة وتناقضات في وجهات النظر, مما لم يكن له من قبل أدني أثر علي حياتكما معا وأنتما في مرحلة الكفاح والنشاط والانغماس في العمل, ولا عجب في ذلك فعلماء الطبيعة يقولون لنا إن الطبيعة ضد الفراغ.. وانك إذا ثقبت زجاج المصباح الكهربائي المفرغ من الهواء تسلل إليه علي الفور الهواء الخارجي وملأه عن آخره.. وكذلك العقل البشري إذا خلا من الشواغل الأخري تسللت إليه علي الفور الهموم والأحزان والأفكار السلبية والسخط والتذمر.
ولقد التقيت بفتاة القلب الأولي وأنت في حالة من الضعف النفسي, بسبب الفراغ وانكماش الأعمال, فتحركت مشاعرك القديمة تجاهها, أو هكذا خيل إليك, وألقي ظهورها بعد30 عاما حجرا في مياه حياتك الهادئة.. وتاقت نفسك لأن تعيش قصة غرامية متأخرة تحرك الملل الراكد وتبعث نوعا من الحرارة والدفء في حياتك.
وأغلب الظن أنك لا تعيش قصة حب حقيقية مع هذه السيدة بدليل حبك لزوجتك الذي يعلم الله وحده ما هو مداه وعمقه كما تقول, وإنما أنت تعيش غالبا قصة حنين إلي الصبا والشباب المبكر والمشاعر الغضة البريئة.. والقصة التي لم تكد تبدأ حتي انطوت صفحتها.. ذلك أن الحب الحقيقي الذي يظل كامنا تحت السطح ثلاثين عاما وفجأة يكسر القشرة الأرضية من فوقه ويبرز كالبركان الهادر لاتصنعه ـ كما هو الحال في قصتك ـ بضع نظرات متبادلة ولا بضعة اتصالات هاتفية قبل ثلاثة عقود ودون أن يكون له أي أثر في حياة طرفيه قبل أن يلتقيا من جديد.. لهذا كله فإني أرجح الظن بأنك لاتعيش الحب الحقيقي كما تتخيله, وإنما تعيش مرحلة الحاجة إلي الحب.. وتجديد الحياة.. والرغبة في معايشة المشاعر العاطفية التي لم تسمح لك رحلة العمر بمعايشتها في حينها.. وأكبر دليل علي ذلك هو أنك لست الشاب نفسه الذي كان حين أحببت جارتك طالبة الثانوية العامة, وهي أيضا ليست طالبة الثانوية العامة التي تبادلت معك النظرات والإشارات, وكل منكما الآن إنسان مختلف تماما في أفكاره ومشاعره وسماته الشخصية, ولا غرابة في ذلك فشاعر الهند العظيم طاغور يقول لنا إنه إذا انكسر حجر إلي نصفين فإن من السهل أن تعيد التحامه باستخدام مادة لاصقة, أما إذا انفصل شخصان لفترة طويلة من السنين فإنه يتعذر عليك أن تعيد التحامهما من جديد لأن كلا منهما قد أختلف كثيرا عما كان عليه قبل الانفصال, وأصبح الآن انسانا مختلفا غير قابل للالتحام بسهولة بنصفه القديم, وأيا كان الأمر فإن سؤالك عما إذا كان ما تفعله الآن يعد خيانة للزوجة الوفية المخلصة وسنوات العشرة الطويلة معها, جوابه معلوم وهو نعم لأن الوفاء ينبغي له ألا يقابل إلا بوفاء مماثل.. ولو لم يكن الأمر كذلك لما حاك هذا التساؤل في صدرك ولما شغلت به مصداقا لمضمون الحديث الشريف الذي يقول لنا الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس ولاشك في أنه لايسعدك أبدا أن تطلع زوجتك وأبناؤك علي ما تفعل الآن! وحتي ولو لم يكن في علاقتك بهذه السيدة الآن ما لا تستطيع الدفاع عنه.. فإن استمرار العلاقة وتعمقها لابد أن يؤدي بكما ذات يوم إلي ما لا تستطيع تبريره أو الدفاع عنه.. ولا يخفف من الأمر شيئا ما تقوله من أنك منذ تجددت صلتك بهذه السيدة قد أصبحت أكثر سلاما وتسامحا مع زوجتك, وأكثر رقة ولطفا, فهذا التحسن في علاقتك بزوجتك لا يرجع كما يحلو لبعض من يبررون لأنفسهم مثل هذا النشاط الخارجي إلي أنك قد أصبحت أكثر سعادة فانعكس ذلك بالخير علي علاقتك بزوجتك, وإنما يرجع أساسا إلي إحساسك بالذنب تجاهها ومحاولتك نفسيا ولا اراديا تعويضها عن خيانتك لها, فإن تسامحت معها في شيء فكأنما تقول لنفسك إنه يكفيها ما يترصدها من تعاسة وحزن حين تعلم بحقيقة الأمر, وليس للسعادة الخارجية هنا أي دور في ذلك.
فإذا كنت تسأل بعد ذلك أليس من حقك أن تعيش أواخر أيامك في حب بعد سنوات الشقاء والكفاح؟ فإن الإجابة المنطقية دائما هي ولماذا لا يكون هذا الحب إلا خارج اطار الزواج؟ ولماذا لا يكون مع شريكة العمر التي شاركتك رحلة الكفاح والشقاء, ومن حقها هي أيضا أن تجني ثمار هذا الكفاح مع زوجها في حياة هادئة ومشاعر عميقة متبادلة بين الزوجين بعيدا عن المغامرات الخارجية والقلاقل.. وهل يحق لها بهذا المنطق نفسه أن تبحث هي كذلك عن الحب والدفء خارج إطار الزواج, وقد كافحت مثلك في الحياة.. وآن لها أن تهدأ وتستريح وتستمتع بأطايب الحياة؟ أما سؤالك عما إذا كان من الأنانية أن تعيش بعض أيامك راضي الضمير بعد أن أمنت حياة أسرتك وأبنائك, فجوابه هو أن مغريات الحياة حولنا كثيرة دائما ياصديقي وليس هناك امرأة ولا رجل أيا كان وضعه يعجز إذا أراد عن ممارسة المغامرة العاطفية في أي مرحلة من العمر, لكننا لا ننال جوائزنا بكثرة عدد مغامراتنا ولا بإتباعنا لأهوائنا واستسلامنا لضعفنا البشري ورغباتنا دون مقاومة, وإنما ننالها بكبح جماح أهوائنا ورغائبنا والتحكم في ضعفنا البشري والتعفف عن الانتصارات الرخيصة في ميادين الحب والمغامرة العاطفية والعبث, وبالقبول ببعض نواقص حياتنا تقديرا لعطاء الآخرين لنا واعلاء لقيم عائلية وانسانية أسمي كثيرا من السعادة الوقتية والمتعة الزائلة.
والتعفف شرط الولاية كما يقول لنا أهل الصلاح..و كما في قصة الصياد الفقير والقطب الزاهد بشر بن الحارث الذي عرف باسم بشر الحافي لأنه كان يمضي إلي طلب العلم في شبابه حافيا إجلالا له, فلقد شكا له ذات يوم صياد فقير من سوء حاله وعدم توفيقه في الحصول علي قوت أبنائه, فطلب منه بشر أن يحمل شبكته ويذهب معه إلي النهر, وهناك أمره الزاهد الكبير أن يتوضأ ويصلي ركعتين ففعل فأمره أن يذكر اسم الله ثم يرمي بشبكته في النهر.. وغادره عائدا إلي بيته فلم يمض وقت طويل حتي خرجت الشبكة بسمكة كبيرة لم ير لها الصياد مثيلا من قبل, فحملها إلي السوق وباعها بثمن طيب واشتري لعياله طعاما كثيرا ورجع إليهم فأكلوا حتي شبعوا, ثم تذكر الشيخ الطيب فنهض حاملا بعض الطعام والحلوي وتوجه إلي بيت بشر وروي له ما كان من أمره ثم قدم له الطعام راجيا منه قبوله شكرا وامتنانا, فابتسم بشر وقال له: يا فلان.. لو أطعمنا أنفسنا هذا ما خرجت السمكة.. فاذهب وكله أنت وعيالك!
بمعني أنه لو كان ممن يقبلون مكافأة أو أجرا علي عمل الخير لما استجاب الله سبحانه وتعالي لدعائه لهذا الصياد بالرزق الوفير.
وهذا هو حالنا نحن البشر أيضا يا صديقي. لو لم نتعفف عن بعض المتع العابرة والزائلة.. حتي ولو خيل إلينا أننا في أشد الحاجة إليها في بعض الأحيان لما نلنا سمكة احترام الأبناء وشركاء الحياة والأهل المقربين لنا ولا حبهم لنا وأعتزازهم بنا.., ولما نلنا كذلك جوائز الاستقرار العائلي والهدوء والأمان في سن الجلال والاحترام, بل ولما حق لنا أن نتطلع إلي رحمة الله ونهتف داعين من أعماق قلوبنا:
..ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين اماما صدق الله العظيم
فارجع إلي زوجتك يا سيدي وناقش معها بلا حرج كل ما تنكره عليها.. واشعرها بجدية الأمر لكي تستجيب لكل ما تطلب منها.. وتلبي كل احتياجاتك العاطفية والإنسانية وتحميك وتحمي نفسها من مثل هذه الاضطرابات العائلية التي لا تحتملها طبيعة المرحلة.. وأطو تلك الصفحة القديمة مكتفيا بما بعثته في نفسك من ذكريات وأحاسيس الزمن الماضي.. واعرف متي تتوقف قبل فوات الآوان.. وقبل أن تبدأ الخسائر الحقيقية والسلام!
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
الأربعاء، ١ مارس ٢٠٠٠
جائــزة الأمــان!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق