05-04-2002
تراودني نفسي أن أكتب إليك منذ زمن طويل لأروي لك قصتي. ولقد جاءت الفرصة أخيرا فلم أتردد. فأنا رجل خضت بحر الحياة العملية منذ تخرجي في كليتي العملية وأنا في الحادي والعشرين من عمري.. فعملت في احدي الهيئات.. وبدأت اتطلع للحياة.. وبعد عامين من تخرجي رجعت من عملي ذات يوم فوجدت في بيتنا ضيوفا.. من أقاربنا المقيمين في الأقاليم ولم أكن قد التقيت بهم من قبل لاني ولدت في القاهرة.. ودخلت إلي الصالون للترحيب بهم فلفتت نظري علي الفور فتاة صغيرة آية في الجمال الأخاذ بالرغم من بعض الشحوب في وجهها فوقفت ذاهلا أمامها وصافحتها وقدمتها لي أمي فقالت لي انها ابنة خالتي الطالبة بإحدي الكليات الاقليمية, ولم أكن أعرف من الأهل أن لي خالة في تلك المدينة.. ثم فهمت من سياق الحديث أن والدتها ابنة خالة أمي, وبالتالي فهي في منزلة أختها وابنتها في منزلة ابنة الخالة بالنسبة لي.. وجلست مسحورا استرق النظر إلي الفتاة الجميلة فألاحظ أنها خجولة.. وحيية.. ولا تشعر بجمالها.. وراودني احساس غامض بأنها منكسرة لسبب لا أعرفه بالرغم من أن مظهرها ومظهر أبويها يوحي بأنهم من أوساط الناس..
وعرفت أن الأسرة قد جاءت إلي القاهرة لكي تستشير طبيبا كبيرا من أطباء العاصمة وستمكث معنا حتي يجيء موعد الطبيب ثم تسافر إلي بلدتها في المساء.. وألح أبي وأمي عليهم بالمبيت لدينا وتأجيل السفر للصباح وشاركتهم الالحاح حتي استجابوا..
وشعرت بتيار من الابتهاج الخفي يسري داخلي, وزارت الأسرة الطبيب ورجعت محملة بالأدوية, وأمضينا سهرة عائلية جميلة.. لم تتكلم خلالها ابنة خالتي كثيرا لكنها كانت كلما تكلمت احاطتها العيون بالحب والحنان.
وسافرت الأسرة في اليوم التالي, ووجدتني أصارح أختي التي تصغرني بعامين باعجابي بهذه الفتاة وتفكيري في التقدم لخطبتها وسألتها عن رأيها فيها وقد قضت الليل معها في غرفة واحدة, فنظرت لي أختي في عطف وقالت لي إنها كالملاك في رقتها وأخلاقها لكنها للأسف مريضة! وصدمت حين سمعت ذلك وعرفت أنها قد مرضت وهي في الرابعة عشرة من عمرها بحمي روماتيزمية أثرت علي قلبها وتعالج منذ ذلك الحين بانتظام وبعد شهر رجعت الأسرة لزيارتنا لنفس الغرض.. ووجدتني متلهفا علي رؤية الفتاة والحديث إليها.. وشعرت بأنها تبادلني الاهتمام والاعجاب ثم تكررت الزيارة بعد ذلك عدة مرات وصارحت أمي وأبي برغبتي في الارتباط بها.. وشاركتني أمي تقديري لأخلاقها ومميزاتها لكنها ترددت أمام مرضها.. وتفكر أبي في الأمر طويلا وحذرني من المتاعب الصحية التي قد تتعرض لها الفتاة بعد الحمل والانجاب. لكنه لم يخف اعجابه بأخلاقها وجمالها وطيبة أهلها.. ثم لم يلبث أن تخلي عن تحفظاته راجيا لي السعادة وفي موعد الزيارة التالية انتهز أبي فرصة وجود الأسرة كلها في الصالون وأشار إلي رغبتي في خطبة ابنة خالتي.. فتضرج وجهها بالاحمرار بالرغم من شحوبه واغرورقت عينا الأب بالدمع.. وتمتم قائلا: وهل يعرف؟ فأجابه أبي بالايجاب, أما أمها فلم تتمالك نفسها وانهمرت دموعها كالمطر وأطلقت وهي تبكي زغرودة طويلة! وطلب الأب من زوجته وابنته أن ينتقلا مع أمي إلي الغرفة الأخري ليختلي بي وبأبي. وبعد مغادرتهن قال لي إن واجبه يفرض عليه أن يضعني في الصورة بالنسبة لظروف ابنته الصحية.. وروي لي كل شيء عنها واطلعني علي تقاريرها الطبية.. ومنها شهادة تفيد أن حالتها الصحية لا تمنعها من الزواج ولا من الحمل والانجاب ولكن لمرة واحدة أو مرتين علي الأكثر وتحت الاشراف الطبي.. وأنها قد تحتاج إلي جراحة لاستبدال صمام في القلب في المستقبل ربما بعد عشر سنوات أو عشرين أو أكثر حسبما تتطور الحالة, وسألني هل أنت مستعد لتحمل كل ذلك.. وأجبته بالإيجاب, فأمسك بيدي بقوة وقال لي وصوته يتحشرج: إذن علي بركة الله.. وتأكد من أنني لا أريد منك شيئا سوي أن تسعد ابنتي وأن تقف إلي جوارها في ظروفها.. لأنها طيبة.. وتحب الناس وتتوقع الخير دائما فأقسمت له أنني سأكون لها نعم الزوج والرفيق. وتمت خطبتي لابنة خالتي هذه.. وتورد وجهها الجميل الفاتن بحمرة الفرح والسعادة ووجدتني مع الاقتراب منها أسيرا لحبها واغدقت هي علي طوفانا من الحب والحنان وتمسك والدها بألا يكلفني من أمري رهقا فحدد لي قيمة المهر والشبكة وفوجئت بتواضع المبلغ الذي حدده والذي يقل كثيرا عما تفرضه التقاليد في أوساطنا العائلية وتزوجنا وقام الرجل بإعداد جهاز ابنته بسخاء شديد وكرم زائد لأنها ابنته الوحيدة.. ولعطفه الكبير عليها بسبب ظروفها وزادتني العشرة حبا لزوجتي وتقديرا لسجاياها.. فلقد وجدتها تحمل قلب طفل لا يزيد عمره علي5 سنوات.. وروحها جميلة.. وودودة.. وترغب دائما في كسب مودة كل من يتعامل معها.. ولا تبخل بشيء لاسعاد شريكها.. ولا تتأخر عن مساعدة أي محتاج.. وشهمة شهامة حقيقية في كل مواقف الحياة.. فأحبها أبي وأمي وأختي وكل أقاربنا حبا شديدا.. واخلصت هي لهم الحب والمودة وغرقت أنا في حبها حتي الثمالة حتي لم تعد تطيب لي أوقات الحياة إلا وهي إلي جواري وحتي أصبح مجرد النظر إلي وجهها الفاتن يسعدني.. ولو لم أقترب منها. وحملت زوجتي.. وبدأت معاناتها الصحية.. لكني وقفت إلي جوارها.. وشددت أزرها إلي أن مرت محنة الحمل والانجاب بسلام ورزقني الله منها بطفلة صورة مكررة من جمال أمها وسحرها. ونصحني الطبيب بعد ميلاد طفلتي بعدم تكرار الحمل والانجاب مرة أخري لكيلا أعرض صحة زوجتي للخطر لأنها قد انهكت في التجربة الأولي.. وارتضيت بذلك عن طيب خاطر, كما ارتضيت كذلك بالصبر علي رغبتي المشروعة في زوجتي في أوقات كثيرة حرصا علي عدم ارهاقها وتجاوزت عن بعض مطالبي المنزلية كزوج تجنبا لاجهادها.. ودربت نفسي علي القيام بكل الأعمال الشاقة التي تعجز هي عن القيام بها دون مساعدة, فإذا دعوت أبي وأمي وأختي للغداء مثلا أو لحفل عيد ميلاد طفلتي مثلا قمت عن زوجتي بمعظم أعمال المطبخ أو اشتريت طعاما من الخارج, وهكذا.. فمضت حياتنا هادئة وجميلة ومعطرة بعطر الحب والحنان.. ولم نختلف حتي علي أتفه الأشياء.. فإذا تعارضت ارادتي مع ارادتها في شيء كانت هي أسرع مني في التنازل عن رغبتها ارضاء لي.. ولم نبت ليلة واحدة متخاصمين.. بل ولم نبت ليلة واحدة إذا لم أكن مسافرا إلا ونحن متعانقين كالعشاق وكل منا يتطلع إلي وجه الآخر في حب ولقد اطلت في الحديث عن مقدمات تعرفي بزوجتي وحياتي معها واحسبك الآن تتخيل أن هذه السعادة قد دامت أربع أو خمس سنوات ثم اشتد المرض علي زوجتي ورحلت عن الحياة تاركة لي طفلتنا الصغيرة لكن الحقيقة غير ذلك تماما فلقد طالت سعادتي مع زوجتي الجميلة سنوات وسنوات.. تخللتها فترات من اشتداد المرض لازمت فيها الفراش في بعض الأوقات وقمت أنا وابنتي برعايتها وتخللتها فترة ساءت فيها حالتها كثيرا قبل اجراء العملية الجراحية لها.. وبعدها.. ثم استردت صحتها بعد الجراحة ببضعة أشهر ورجعت أنهل من نبع الحب الذي حرمت منه طوال اشتداد المرض.. ورجعنا بعد ذلك إلي حياتنا الطبيعية واستمتعنا بكل لحظة فيها.. وزرنا كل مصايف مصر ومشاتيها.. وسجلنا أوقاتنا الحلوة معا بالصور.. وبكاميرا الفيديو وعلي شرائط الكاسيت.. وسعدنا بصداقات.. وسهرات عائلية جميلة.. وانتشيت بملاحظة حب كل من يقترب منا من زوجات الأصدقاء لزوجتي.. واهتمامهن بها وحرصهن علي مودتها, وسمعت من أكثر من واحدة منهن قولها عنها إنها نعم الأخت لكل من تعرفها.. وتعاوننا نحن الاثنين علي رعاية ابنتنا وتربيتها وغرس القيم والمباديء في وجدانها.. وقلت لابنتي دائما إنني أريدها أن تتمثل بأمها في طيبة قلبها وصفاء نفسها وبراءتها وتدينها وحرصها علي فروض دينها وحبها لأهلها وزوجها وأسرتها وللناس أجمعين.
ودارت دورة الأيام فبلغت ابنتي سن الشباب وأصبحت فتنة للناظرين كأمها.. واستشعرت زوجتي ميلها لشاب من أقاربنا وهي في عامها الجامعي الثاني.. فطلبت مني أن أفعل معه مثلما فعل والدها معي.. وأن اطمئنه إلي أن ضعف امكاناته المادية لن يحول بينه وبين السعادة, ودفعتني بقوة في هذا الاتجاه لكي نعصم ابنتنا ونحميها من الأخطار وضحكت بيني وبين نفسي حين وجدتني أكرر علي الشاب نفس العبارات التي قالها لي والد زوجتي قبل أكثر من عشرين سنة.. وخطبت ابنتي له.. ورفرفت السعادة بجناحيها علي بيتنا الجميل.. وبعد عام آخر تم عقد القران.. وحددنا موعد الزفاف بعد عشرة أشهر.
ثم فجأة تدهورت صحة زوجتي واشتدت عليها العلة.. واكتشفنا للأسف أن علتها ليست في قلبها هذه المرة وإنما في مرض آخر قاس ولعين.. ودخلنا دوامة العلاج والتحاليل والجراحات والمستشفيات.. لأكثر من ثلاثة أعوام ثم رحلت حبيبة القلب عن الحياة ويدها في يدي.. وهي تدعو لي ربها أن يبارك لي في نفسي وصحتي ومالي وابنتي وتشكرني.. هل تصدق ذلك؟ تشكرني علي ما منحته لها من سعادة طوال سنوات زواجنا وتشكرني علي مساعدتي لها في أوقات مرضها.. وصبري علي نفسي في فترات محنتها.. وعدم تطلعي لغيرها من النساء برغم فترات الحرمان الطويلة معها خاصة في الأعوام الثلاثة الأخيرة.. وتقول لي إنها سوف تتزوجني في الجنة كما تزوجتني في الأرض ولن تدعني لغيرها أبدا ولو كن من الحور العين.. وسيستجيب ربها لرغبتها لأنها لم تقترف حراما طوال عمرها.. وتطلب مني ألا أبكيها بعد رحيلها.. وأن أتمالك نفسي بعد الرحيل.. وأفكر في نفسي لأنني مازلت في رأيها في طور الشباب, ورحلت شريكة القلب في هدوء كما عاشت طوال حياتها معي في هدوء.. وخلا علي البيت وغرقت في الحزن والاكتئاب لأكثر من عام رفضت خلاله بإصرار أن أسمح لابنتي وزوجها بالاقامة معي لبعض الوقت للتخفيف عني.. ورفضت مبيتهما لدي في المناسبات وقلت لهما انني لست وحيدا كما يتصوران لانني أري وجه زوجتي الجميل الذي مازلت مغرما بالنظر إليه في كل مكان من الشقة.. وأبيت في فراشي وهي إلي جواري تنظر إلي نظرتها الباسمة الطيبة وأقبلها كل ليلة قبل النوم كما اعتدت أن أفعل طوال26 عاما.. وأراها وهي تغسل لي شعري بالشامبو كل بضعة أيام وتدلكه بأصابعها الحانية.. وأراها وهي تكوي لي قميصي في الصباح وتصر علي ذلك مهما تكن مرهقة أو مريضة.. وأراها تنفث في وجهي وملابسي عطر الكولونيا وراء باب الشقة كل صباح قبل الخروج وأراها في الأصائل تجلس في غرفة المعيشة تستمع إلي أغنية أنا لك علي طول لتدمع عيناها وهي تطرز مفرشا صغيرا.. أو تطرز الحروف الأولي من اسمي علي منديل أبيض بل اني أصحو من نومي فأراها تسير في غلالة النوم الرقيقة حافية لكيلا توقظني وعائدة إلي الفراش من غرفة ابنتنا بعد أن اطلت عليها واحكمت الغطاء حولها كما أشعر بشفتيها كل صباح فوق وجنتي وهي تنبهني بحنان لأذهب إلي عملي ولست في حاجة لمن يشوش علي بوجوده معي هذه الأوقات الجميلة لكن ابنتي وزوجها واختي ألحوا علي جميعا في استشارة الطبيب النفسي وقالوا لي إنني لابد لي من علاج للاكتئاب لأنني أصمت كثيرا.. وأكثر من طلب الاجازات من العمل.. وفقدت الحماس واستجبت لرغبتهم علي غير اقتناع وترددت علي الطبيب عدة مرات ووصف لي بعض المطمئنات النفسية والمهدئات.. وطالبني بألا أخلو بنفسي كثيرا في بيتي.. وأن أشارك ابنتي وزوجها وأختي اهتماماتهم وأزورهم كثيرا.. وأسافر في اجازات الخ
والآن يا سيدي فقد مر عامان علي رحيل زوجتي عن الحياة.. وبدأت أشعر بالضيق من نفسي بسبب أخجل من الاشارة إليه.. وهو أن وطأة الحرمان قد اشتدت علي.. بالرغم مني وأصبحت تقض مضجعي وتشعرني بالقرف من نفسي فلقد وجدتني اختلس في بعض الأحيان النظرات غير البريئة إلي أجساد بعض زميلات العمل فأشعر بالدماء الحارة تتدفق في عروقي.. وأشعر بالضيق والندم علي ذلك واعتبره خيانة لذكري زوجتي الجميلة.. وأتساءل كيف يتفق ذلك مع كل هذا الحب الذي حملته ومازلت أحمله لها, ثم أضعف في أوقات أخري فأبرر ذلك لنفسي بأنني مازلت دون الخمسين من العمر وقد كابدت الحرمان لما يقرب خمس سنوات خلال اشتداد المرض علي زوجتي وبعد رحيلها.. كما أن سنوات زواجنا رغم روعتها وبهجتها كانت تفرض علي الصبر علي نفسي في أوقات كثيرة وطويلة.. فألتمس لنفسي بعض العذر وبين هذا وذاك تمضي أيامي فلا يضيئا إلي جانب الذكريات سوي زيارات ابنتي وزوجها وطفلها لي ولا أكاد أعرف الابتسام إلا حين أري وجه حفيدي الذي يبلغ من العمر عامين الآن.. ولقد عدت من جديد لملازمة المنزل كل مساء رافضا زيارة أحد أو استقبال أحد.. وأشعر بالقرف من نفسي تدب قرب الدماء الحارة في عروقي وتذكرني باحتياجاتي المخجلة.. فما رأيك في ذلك.. وبماذا تشير علي.. وهل تري أنني في حاجة إلي العودة لزيارة الطبيب النفسي من جديد؟
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
أسعد الناس حظا من حظي خلال رحلة العمر بحياة زوجية موفقة ومعطرة بعطر الحب والتراحم والفهم والوفاء والرغبة المشتركة في السعادة.
ومن رصيد السعادة وذكريات الحب والأوقات الجميلة في الحياة يستمد الإنسان بعض قدرته علي مواجهة الأنواء والعواصف, إلي جانب تسليمه بقضاء الله وقدره وتقبله الحكيم بكل ما تحمله إليه رياح الحياة.
والمؤكد هو أن زوجتك الراحلة هذه كانت من هؤلاء الأشخاص الأبرار الذين وصفهم الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه فقال: هم القوم لا يشقي بهم جليسهم!
ومن هؤلاء الأشخاص أيضا الذين قال عنهم الامام جعفر الصادق إنه إذا أحب الله عبدا رزقه حسن الخلق, ورأي في ذلك جماع أسباب السعادة والتوافق مع الحياة والامتثال لأقدار الإنسان فيها عن صبر وإيمان. فلا عجب ألا يشقي بزوجتك الراحلة أحد تعرف عليها أو اقترب منها ولا عجب أيضا في أن يشقي من بعدها عشيرها ويحتفظ لها بأجمل الذكري وأعمق الوفاء..
غير أن الحياة ميلاد جديد علي الدوام يا صديقي كما يقول لنا عالم النفس الأمريكي إيريك فروم, وليس من تمام الصحة النفسية للإنسان أن ينكر غرائزه واحتياجاته الإنسانية أو أن يشعر بالتأثم لمجرد استشعاره نداءها الحار يسري في دمائه مادام يسيطر علي اهوائه في النهاية ولا يسعي للتفريج عنها بطريق غير مشروع كما أنه ليس في ذلك أبدا ما يدعو للخجل منه.. أو يتناقض مع حبك لزوجتك الراحلة ووفائك لها فأنت رجل في قمة رجولتك الآن.. ووراءك تاريخ ليس بالقصير من الحرمان وعدم الارتواء, وتكابد الوحدة.. والفراغ العاطفي بعد رحيل الزوجة وزواج الابنة, فلماذا لا تعصم نفسك بالزواج مرة أخري لكيلا تسقط فريسة للاكتئاب أو تعرض نفسك للضعف البشري ذات يوم؟
لقد روي عن الامام أبي حنيفة النعمان أنه رجع من تشييع زوجته الراحلة فطلب من أصحابه أن يبحثوا له عن زوجة فتعجبوا لتعجله الزواج وهو الذي لم يكد يواري جسد زوجته ولم يكن ذات يوم من الباحثين عن متع الحياة الحسية, وسألوه عن ذلك فقال لهم: إن شرار الناس عزابهم.. ولست أحب أن ألقي الله عزبا! يقصد بذلك أن شرار الناس هم من يحتاجون إلي الزواج ويقدرون عليه لكنهم يعزفون عنه تهربا من أعبائه النفسية والعائلية فيعرضون أنفسهم للفتنة والوقوع في الإثم. وأنت يا صديقي كل ظروفك الآن مشجعة علي تكرار تجربة الزواج في حياتك بغير أن يتأذي بها أحد من أعزائك.. وإنما علي العكس من ذلك سيسعدون به.. ويطمئنون معه علي انك قد رجعت إلي التواصل الطبيعي مع الحياة من جديد, فأنت تحيا في وحدة تامة.. وابنتك الوحيدة متزوجة.. وليس لديك أطفال صغار قد تساورك الشكوك في حسن معاملة زوجة المستقبل لهم كما انك قد قدمت للحياة من قبل كل أوراق اعتمادك التي ترشحك للوفاق والسعادة مع زوجة أخري بإذن الله فلقد أحسنت عشرة زوجتك الراحلة, وأخلصت لها الود والوفاء, وصبرت علي نفسك واهوائك معها لكيلا تكلفها من أمرها رهقا وكابدت الحرمان سنين عددا بلا شكوي ولا تذمر ووقفت إلي جوارها في أزماتها الصحية بإخلاص وحب وأنت إنسان قادر علي العطاء, وملتزم بالفضائل والقيم الدينية في حياتك.. والإنسان الراغب بصدق في السعادة يستطيع أن يهبها لمن تشاركه حياته وأن يستشعر قدرا كبيرا منها معها.. وحتي ولو لم تكن تربطه بها في البداية عاطفة حارة كتلك التي جمعت بينك وبين زوجتك الراحلة من الوهلة الأولي, وبحسن المعاشرة تدوم المحبة كما يقول لنا الكاتب الأمريكي ايمرسون.. تنسج خيوطها خيطا بعد خيط حتي تصنع رباطا متينا يجمع بين الطرفين فلماذا إذن تضن علي امرأة أخري بأن تجد معك الأمان والاطمئنان والصحبة الطيبة. انك لا تحتاج إلي زيارة الطبيب النفسي وإنما إلي أن تجري مع نفسك حوارا عقلانيا هادئا.. تتأمل خلاله حياتك وظروفك الحالية.. وتناقش مع نفسك بصدق هل تستطيع أن تحتمل الحياة علي هذا النحو إلي ما لا نهاية أم انك في حاجة ملحة الآن إلي من تشاركك حياتك وتؤنس وحدتك وتشبع احتياجاتك العاطفية والإنسانية؟ وحين تتوصل في نهاية الحوار إلي الاعتراف بأن حاجتك المشروعة الي وجود امرأة أخري في حياتك الآن اعط الاشارة لابنتك المحببة وزوجها واختك ولسوف يرشحون لك من تستحقها وتستحقك.. وتقضي إلي جوارها بقية الرحلة في أمان ووفاق بإذن الله.
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
الثلاثاء، ١ فبراير ٢٠٠٠
الأوقات الجميلة!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق