الثلاثاء، ١ فبراير ٢٠٠٠

الحلم الضائع

21-06-2002
أنا سيدة شابة في الثانية والثلاثين من عمري نشأت بين أب فاضل كريم وأم طيبة وإن كانت عصبية بعض الشيء وثلاثة أخوة‏..‏ ونحن أسرة متوسطة ميسورة الحال من الناحية المادية‏,‏ ولقد تفتح جمالي مبكرا ولفت الأنظار إلي ومنذ بلغت سن الثالثة عشرة صارحتني أمي بأن ابن إحدي صديقاتها وهو جار لنا قد جاء يطلب يدي‏.‏ وفرحت كطفلة بالنبأ وسعدت بأنني سوف أرتدي فستان السهرة ودبلة الخطبة‏..‏ لكن أبي ثار ورفض هذه الخطبة لأنني مازلت طفلة ولم تيأس أمي التي تؤمن بنظرية زواج الابنة وهي صغيرة واستعانت عليه بالجيران والأقارب إلي أن وافق علي مضض وتمت الخطبة‏..‏ ولك أن تتخيل حال طفلة عمرها ثلاث عشرة سنة وهي مخطوبة لشاب عمره‏25‏ عاما ولا تعرف ماذا تفعل لتثبت لنفسها وله أنها قد أصبحت أنثي‏..‏ لقد لطخت وجهي بالمساحيق وتعلمت الكلام بدلال‏..‏ وتصنعت المشي كالبنات وكل ذلك وأنا مازلت تلميذة في الاعدادية وكانت النتيجة أنني نجحت بمجموع ضعيف ولم أجد سوي مدرسة متوسطة لمواصلة تعليمي بها‏.‏ والتحقت بالمدرسة وحدثت بعض المشاكل التي انتهت بفسخ الخطبة بعد ثلاث سنوات وأنا في السادسة عشرة‏,‏ وما أن انتهت الخطبة حتي أحضرت أمي لي علي الفور عريسا ثانيا رفضه أبي ثم أحضرت لي عريسا ثالثا وأصر أبي علي ألا أرتبط بأحد إلا بعد حصولي علي شهادتي المتوسطة‏..‏ وتعرفت علي أسرة ورشحت لي ابنهم الذي يبلغ من العمر‏36‏ عاما وأصرت عليه‏..‏ في حين رفض أبي ورشح لي ابن عمي الطالب بكلية العلوم وأصر عليه وبالفعل خطبت له فلم تطل الخطبة أكثر من ثلاثة شهور ثم فسخت وهنا سارعت أمي بإحضار العريس الذي تعرفت بأسرته مؤخرا‏,‏ واستمسكت به وتم الزواج في أقل من شهرين وأقمنا في شقة بجوار أسرته‏..‏ ولم يمض شهران حتي كان قد طردني من البيت بملابس النوم ورجعت إلي أسرتي وثمرة الزواج القصير تنمو في أحشائي‏.‏ وكان كل ما سمعته من أمي بعد عودتي باكية هو ألا أهتم بما حدث وأنني سوف أتزوج من هو سيده وجاءت ابنتي للحياة وأنا في التاسعة عشرة وتركت طفلتي مع أمي وخرجت إلي العمل وفي داخلي ثورة وتمرد علي كل شيء والتحقت بإحدي شركات المقاولات وتعرفت فيها بمهندس عمره‏27‏ عاما فأحبني وتقدم لخطبتي بعد كفاح مع أهله الذين قبلوا بي علي مضض لأني مطلقة وعندي طفلة ولا عجب في ذلك فالعروس تكون في قمة عزة نفسها وكبريائها وهي علي عذريتها وبالرغم من حب زوجي لي إلا أنه لم ينس أبدا أنني مطلقة‏,‏ وطلب مني بعد الارتباط ألا أخبر أحدا من أقاربه أو زملائه أو جيرانه بأنني كنت متزوجة قبله‏.‏

وقبل أن نتزوج بأيام أكد لي زوجي أن ابنتي ستكون موضع رعايته واهتمامه لكنه طلب مني أن أتركها لدي أمي خلال الشهر الأول من الزواج حتي يسعد بي في البداية ثم نضمها إلينا وفعلت ذلك وبعد انتهاء الشهر طلبت منه أن يسمح لي بإحضارها لتحيا معي فرفض ذلك بإصرار ولم يقبل أي نقاش حول ذلك وسانده أهله في موقفه‏.‏ ووصل به الحال أن خيرني بين أن أقيم معه بدون ابنتي وبين أن أذهب أنا للإقامة معها عند أمي‏.‏ وخشيت من أن أواجه الفشل للمرة الثانية في حياتي فسكت علي مضض‏..‏ واستمهلت أمي التي تضيق برعاية طفلتي بعض الوقت إلي أن أنجح في إقناع زوجي‏,‏ وتحملت دموع الطفلة‏..‏ وصراخها كلما غادرتها عائدة إلي بيت زوجي وكلما حاولت الحديث معه في هذا الأمر تشدد في الرفض إلي أن عرض علي ذات يوم أن أجعل اقامتي الأساسية في بيت أبي مع ابنتي وأن أقضي معه يومي الخميس والجمعة فقط كل أسبوع‏..‏ وقبلت بذلك مضطرة‏..‏ ومضت الأيام عاما بعد عام وأنا أعيش أياما هنا وأياما هناك‏..‏ أو أعيش مع زوجي وأذهب كل يوم إلي ابنتي إلي أن حملت وأنجبت طفلا وثقلت علي الرحلات المستمرة‏..‏ ثم أنجبت طفلا آخر فقررت التوقف عن هذه الرحلة الدائمة ورجوته من جديد أن يسمح لي بضم ابنتي إلي فرفض بعناد لا يرحم‏.‏ فإذا سألتني وأين والدها من كل ذلك‏,‏ أجبتك بأنه قد تزوج بعدي مرتين وأنجب في كل زيجة وطرده والده من بيته فأقام مع أهل زوجته في مكان ضيق لا يتسع لقدم جديدة‏.‏

والمشكلة الآن يا سيدي هي أن ابنتي هذه عمرها الآن‏13‏ عاما وتعيش مع أبي وأمي وقد أصبحت في مرحلة خطرة‏..‏ وأمي تشكو منها ومن تصرفاتها وتتعامل معها بعصبية شديدة وتسبها بأقذع الشتائم وتقول لي حين أعترض علي ذلك إنه إذا لم تعجبني طريقتها معها فلآخذها للإقامة معي‏,‏ والبنت نتيجة لغياب دور الأب والأم في حياتها تحب إبن الجيران وترسل له خطابات تكتب فيها كلاما كثيرا يدور كله حول الحلم الضائع الذي حرمت منه في أن يكون لها بيت وأم وأب وأخوة كبقية البشر وتطالبه بألا يتخلي عنها كما تخلت الدنيا كلها عنها‏!‏
وحين عرفت بذلك تحدثت إليها برفق وقلت لها إنها صغيرة علي هذا ولابد لها من أن تركز اهتمامها علي دراستها وتؤجل الحب إلي مرحلة أخري من العمر حين تكبر وتنضج وكما شكت لي أمي من أنها أخذت مبلغ اربعمائه جنيه من درج أبي وأنفقتها خلال اسبوعين علي الشيكولاتة ودعوة صديقاتها في المطاعم لكي تشعر بأنها مميزة عنهم وشعرت باختناق وسددت لأمي بعض هذا المبلغ‏..‏ وحرت ماذا أفعل وأنا وحيدة في هذا الأمر مع أني متزوجة‏!‏ إن زوجي فيما عدا موقفه من ابنتي زوج طيب ويحبني وكريم معي ومع الأولاد ولا يبخل علينا بشيء‏..‏ لكن المشكلة الوحيدة هي رفضه لإبنتي وعدم حبه لها وإصراره علي ألا تقيم معنا لكي أرعاها وأحميها من مخاطر المرحلة التي تعيشها‏..‏ وأنا أريد أن أنقذها وأعبر بها إلي بر الأمان فماذا أفعل يا سيدي؟

ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏
الزوج المحب حقا هو الذي لا يضيق بمن تنتسب إلي شريكة حياته برباط أبدي ولا ينكص عن إعانة زوجته علي حماية ابنتها من مخاطر الطريق‏,‏ ولو تحمل هو في سبيل ذلك بعض العناء‏.‏ ليس فقط عملا بمبدأ أن من أحب الشجرة أحب كل أغصانها‏!‏ وإنما أيضا لأن جفاف فرع من فروعها بسبب النكوص عن رعايته في الوقت المناسب إنما يضعف الشجرة كلها ويفقدها بعض بهائها ورونقها وحيويتها وابنتك هذه إحدي أغصان شجرتك التي لا انفصام لها عنك مهما كان من أمرها كما أن ابنيك من زوجك الحالي هما فرعان غاليان من فروع نفس الشجرة ورعاية ابنتك واعانتها علي أمرها وحمايتها من مخاطر الضياع والانفلات‏,‏ هي حماية في نفس الوقت لهذين الفرعين الغاليين اللذين لن يسعدا أبدا بحال أختهما إذا أفلت زمامها أو إذا ترسخت لديها بعض سلوكياتها الخاطئة حتي استحال اصلاحها كما أن زوجك لا يحسن إليك وحدك في الحقيقة إذا هو تنازل عن معارضته الصارمة بضم ابنتك إليك في هذه السن الحرجة‏,‏ وإنما يحسن كذلك إلي ابنيه اللذين سيسوؤهما كثيرا في المستقبل أن تكون لهما أخت خارج نطاق السيطرة‏,‏ ويستفيدان كثيرا عائليا وإنسانيا إذا نجحت الجهود لاحتواء تجاوزات ابنتك والعبور بها إلي شاطئ الأمان‏..‏ ولأن تكون لهما في المستقبل أخت فاضلة عطوف تتبادل معهما الحب الأخوي والاهتمام‏,‏ خير لها كثيرا من أن تكون لهما أخت تمثل بالنسبة لهما عبئا من الناحية الأخلاقية‏,‏ يضيقان بها ويتكتمان أمرها فكيف غاب كل ذلك عن زوجك الطيب وهو يتمسك بموقفه العنيد من عدم السماح لهذه الابنة بأن تحيا في رعاية أمها ووسط أخويها؟
إنها في حكم الابنة اليتيمة لغياب الأب عنها وعجزه عن ضمها إليه أو رعايتها فلماذا يحرم نفسه من فضل رعاية هذه الابنة اليتيمة معنويا حتي ولو كان لها أب علي قيد الحياة

إن أمير الشعراء أحمد شوقي يقول‏:‏
ليس اليتيم من انتهي أبواه
من هم الحياة وخلفاه ذليلا
إن اليتيم هو الذي تلقي له
أما تخلت أو أبا مشغولا

وليس استجداؤها لابن الجيران ألا يتخلي عنها كما تخلي عنها الجميع ترجمة مؤلمة لإحساسها العميق بالنبذ العاطفي وبالضياع‏.‏ وليس اجتراؤها علي نقود جدها وانفاقها علي صديقاتها سوي تعبير عن الحاجة إلي الشعور بالإعزاز المفتقد بها لدي أقرب الناس إليها وهو سلوك مألوف لدي الصغار الذين يمدون أيديهم إلي أشياء الغير بدوافع نفسية وينفقون ما يستولون عليه دائما علي أصدقاء يطلبون لديهم القبول وممارسة الإحساس بالجدارة بينهم‏,‏ فكأنما يشترون منهم بما يسخون به عليهم الحب والاهتمام الذي يفتقدونه في محيطهم العائلي فحدثي زوجك من جديد يا سيدتي عن عمق احتياج ابنتك إليك في هذه المرحلة الحرجة من العمر‏..‏ واطلبي منه أن يأذن لك بضمها إليك ولو خلال هذه الفترة علي الأقل إلي أن تعبري بها إلي شاطئ الأمان‏.‏ وبادري بتعميق الصلة الأخوية بين ابنيك وبين أختهما واغرسي في نفسيهما الشعور بأن لهما أختا تحتاج إليهما ويحتاجان إليها بشدة وحثي كلا منهما علي الاتصال بها يوميا وزيارتها ودعوتها لزيارتهما كل حين وقضاء أوقات كافية معهما لتعميق الروابط بينهم‏..‏ ولسوف يكون هذان الابنان هما أكبر العون لك علي اقناع أبيهما بحاجتهما إلي هذه الأخت‏..‏ الآن وفي المستقبل‏.‏

وإلي أن يتحقق ذلك ضاعفي من اهتمامك بابنتك ومن الأوقات التي تقضينها معها وعالجي سلوكها المنحرف فيما يتعلق بالنقود والكذب والتعلق بابن الجيران وهي مازالت طفلة في الثالثة عشرة بتلبية احتياجاتها النفسية والعاطفية التي يعكسها تحسرها علي الحلم الضائع في أن تكون لها أم وأب وأسرة وبيت وزيدي من جرعة الحنان التي تقدمينها لها‏,‏ وادعمي ثقتها في نفسها وفي جدارتها بأن تكون موضع حب واهتمام أمها وأخويها وجديها والجميع وقاومي لديها الشعور بالنبذ وتخلي الجميع عنها‏..‏ وأشركيها في بعض المسئوليات العائلية خاصة من الناحية المادية لإشعارها بأنها أهل للثقة بالرغم مما حدث وحتي تتردد فيما بعد في الإقدام علي سلوك يتناقض مع هذه الثقة أو يشعرها بأنها تخونها‏.‏
ثم واصلي خلال ذلك وبعده الجهاد مع زوجك إلي أن يغير موقفه منها ويتعامل معها كابنة أو ربيبة له يعينك علي أمرك معها ويساعدها علي أن تخرج إلي الحياة فتاة ناضجة سوية وأختا فاضلة لابنيه وليس العكس بإذن الله‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق