الثلاثاء، ١ فبراير ٢٠٠٠

الأبواب المغلقة‏!‏

01-02-2002
أنا فتاة في السابعة والعشرين من عمري‏,‏ نشأت بلا أب بالرغم من أنه علي قيد الحياة‏,‏ ويقيم في نفس الحي الذي أقيم فيه‏..‏ فقد انفصل عن أمي عقب ولادتي لأنه لايريد إناثا‏..‏ فخرجت أمي من بيته بعد سبعة أيام من الولادة مريضة وأقامت مع جدتي‏..‏ وبعد عام تم الطلاق بينهما‏..‏ وتزوج هو سريعا‏..‏ فشاءت إرادة الله له ألا ينجب من زوجته الجديدة لا إناثا ولا ذكورا‏..‏ بينما تزوجت أمي بعد طلاقها منه من قريب لها فرزقت بولدين‏,‏ فأثار ذلك حفيظة أبي وراح يختلق المشكلات معها ومع جدتي عقب كل ولادة لها‏..‏ وكل ذلك دون أن يراني أو يهتم بأمري أو ينفق علي مليما واحدا‏..‏ إلي أن وصلت في تعليمي إلي الصف الثالث الإعدادي‏,‏ وفوجئت به يقيم دعوي قضائية لضمي إليه‏.‏ وبغيرالدخول في تفاصيل محزنة كثيرة فقد رفضت الدعوي واستمررت في رعاية جدتي لأمي‏,‏ وذلك بعد أن ذهبت إلي المحكمة وقلت للقاضي إنني لا أعرف هذا الرجل الذي يطالب بضمي إليه ولم أكن أعرف حتي تاريخ رفع الدعوي شكله إلا من صورة قديمة له رأيتها لدي خالي‏,‏ كما انه لم يتحمل مسئوليتي كابنة له ولم ينفق علي قرشا واحدا‏,‏ ولو تم إجباري علي الانتقال إلي حضانته فسوف أخرج إلي الشارع وأسير فيه بلا هدف وأذهب إلي أي مكان آخر‏,‏ وتفهم القاضي موقفي‏..‏ وأصدر حكمه برفض دعوي الضم‏.‏

وخلال نظر هذه الدعوي ومن باب العناد فقد أقنع المحامي والدتي بإقامة دعوي ضده لمطالبته بنفقتي خلال السنوات السابقة‏..‏ فأقامت الدعوي بالفعل وفوجئنا بقبولها علي غير المتوقع‏,‏ وبالحكم فيها لصالحنا‏..‏ واستمرت الاجراءات القضائية طوال المرحلتين الثانوية والجامعية من حياتي وهو يستأنف الحكم ويقدم الاستشكالات ويماطل في الدفع ويتذلل للقاضي ويزعم له أنه فقير ومريض ولايملك شيئا‏,‏ ولا يدفع ما يتراكم عليه من نقود كل مرة إلا بعد أن يهدده القاضي بالسجن‏.‏
وتخرجت في الجامعة‏..‏ وعملت عقب تخرجي مباشرة فسارع هو بالحصول علي ما يفيد التحاقي بالعمل وقدمه للمحكمة لكيلا أطالبه بأية نقود من جديد‏..‏

وبعد أن اطمأن إلي ذلك‏,‏ بدأ يقول إنه نادم علي ما حدث ومظلوم ويريد أن تنشأ بيننا علاقة الأب بابنته‏.‏
وبالرغم من أنني كنت قد أغلقت قلبي دونه ولم أكن مستعدة أبدا لتصديقه فلقد أردت أن أبرئ ذمتي أمام الله وتناقشت معه في هذا الأمر فلم استشعر حرصه الصادق علي‏..‏ وإنما رجحت أن تكون محاولة اقترابه مني راجعة إلي أسباب تتعلق بنظرة الناس إليه كأب لايعرف شيئا عن ابنته إلي جانب إحساسه بأنني سأضطر للاحتياج إليه في هذه المرحلة من عمري‏...‏ وهي مرحلة الزواج‏..‏ وأكد هو نفسه لي هذا الظن حين قال لي إنه ليس هناك شاب كريم يقبل بي دون أب‏,‏ وإذا قبل بي الشاب هكذا فسيكون ذلك نقطة ضعف لي أمامه‏.‏

وقد شاءت الظروف أن أخطب مرتين وتفشل الخطبة كل مرة لأسباب لا مجال لذكرها‏.‏
والمشكلة هي أنه وبعد كل ما جري يريد أن يوجد في حياتي وأن أعامله كأب وأرسل إليه من يريد خطبتي لكي يطلب يدي منه‏,‏ فيقابله هو كوالد للعروس‏...‏ ويفحص ظروفه‏..‏ ويفكر في أمره طويلا‏..‏ ثم يتخذ قراره بعد استطلاع رأيي كما يفعل كل أب حنون مع ابنته‏!,‏ وأنا من ناحيتي لا أشعر تجاهه بإحساس الابنة تجاه أبيها ولا أريده أن يشارك في زواجي‏,‏ ولن أدعه يحضره ولو أدي الأمر إلي عدم زواجي نهائيا لأنني لا أستطيع أن أسوي بينه وبين أمي في ذلك‏..‏ ولا أراه يستحق أن يمارس إحساس الأب تجاهي في مثل هذا الموقف‏..‏ فلقد كنت في مرحلة التقاضي معه من أجل النفقة أكرهه من أعماق قلبي‏..‏ ثم أقنعت نفسي بعد ذلك بأنه لايستحق مني حتي مشاعر الكراهية هذه‏,‏ لأنها تؤثر بالسلب علي قدرتي علي التكيف مع حياتي‏.‏ واعتبرته قدري وعلي أن أقبل بمشكلته في حياتي‏,‏ لكني من ناحية أخري لا أطيق رؤيته‏,‏ ولا أتحمل سماع صوته ولا أتصور أن يجبرني شيء علي الاقتراب منه والالتقاء به‏,‏ وأتناساه حين يغيب عني‏,‏ ولكنه لايدعني أنعم بحياتي وما أن أستريح منه لفترة حتي يظهر في الأفق من جديد وهو يجيد الكلام المعسول‏,‏ ويريد أن يأخذ وضعه كأب ولايريد أن يتحمل مسئوليتي المادية مع
أني لا أريد منه شيئا‏..‏ وقد أبلغت بعض أهله الذين حدثوني عن الميراث المتوقع منه أنني لا أقبل منه شيئا‏.‏
وأنا أخاف ربي كثيرا لكني علي اقتناع تام بأنه لم يقدم لي أي أحساس بالأبوة‏,‏ وبالتالي فلا يحق له أن يحاسبني أو يحاسبني أحد علي كراهيتي له‏,‏ وكل ما أريده هو أن أحيا حياتي بدونه‏,‏ وكم تمنيت من قبل موته‏..‏ لكني لم أعد الآن أتمني ذلك له‏..‏ وإنما فقط لاأصدقه ولست علي استعداد لتصديقه في المستقبل‏,‏ فأرجو أن تبلغه أنني لا أريده وأنه يحصد الآن ما زرعه من إهماله لي ولا مبالاته بأمري وتخليه عن تحمل مسئوليتي‏,‏ وأرجو أن يسامحني الله علي ذلك‏.‏

ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏
ولماذا تفترضين في أبيك أنه لايصدر في قول أو فعل إلا عن مصلحة ذاتية بحتة‏,‏ ولايسعي إليك بعد أن كبرت وبلغت سن الزواج إلا لكي يأخذ وضعه بين الناس كما تقولين وليس لكي يكفر عن جنايته عليك ويعوض غيابه السابق عنك وتقصيره البالغ في حقك؟
وماهو هذا الوضع الذي سيبلغ به سدرة المنتهي حين يناله‏..‏ وتسمحين له بأن يظهر بمظهر الأب المهتم بأمر ابنته عندما يرغب شاب في الارتباط بك؟

إن ظهور أب لك في أفق حياتك بعد طول غياب هو إضافة إنسانية واجتماعية وعائلية جليلة الشأن لك مهما يكن من سابق تخليه عنك وإهماله لك‏,‏ وأنت المستفيدة نفسيا وإجتماعيا وعائليا بل وماديا أيضا من هذه العودة إذا أتحتها له‏,‏ ولا تقاس استفادتك منها‏..‏ بما سوف يحققه هو من فائدة تظنينها أنت مظهرية وليست نابعة عن إحساسه بالذنب تجاهك ورغبته في التكفير عن سابق إهماله لك‏.‏
إذ لابد أنه سيتحمل تبعات مسئوليته كأب عنك ولو بعد فوات الأوان‏,‏ لأن تحمله لهذه التبعات الإنسانية والمادية هو الذي يرشحه للتكفير عن جنايته السابقة عليك‏..‏

فلماذا تغلقين كل أبواب الرحمة في وجهه؟
إنه يسعي إليك ويستجدي مشاعرك ولا يطلب منك إلا المودة الشكلية التي لاتكلف صاحبها شيئا‏..‏ فلماذا تصرين علي مجافاته ومباعدته‏..‏ وحرمانه حتي من الأمل في التكفير عن سابق إهماله لك‏..‏ نعم لقد أجرم في حقك‏..‏ وتخلي عنك‏..‏ ولم ينهض بمسئوليته ــ كأب معك ــ ولا أحد يملك أن يجبرك علي محبته‏..‏ أو التسوية بينه وبين والدتك في المنزلة لديك‏.‏

لكنه من غير المقبول دينيا وأخلاقيا ونفسيا في نفس الوقت أن ينطوي له قلبك علي كل هذا القدر من الحقد والضغينة والكراهية‏..‏ مهما تكن جنايته السابقة عليك‏...‏ ذلك أن الإنسان مأمور بأن يبر أبويه وإن جارا عليه وإن ظلماه‏...‏ وإن جفواه بل وإن جاهداه علي أن يشرك بالله ما ليس له به علم‏..‏ ومأمور بمصاحبتهما في الدنيا معروفا أيا كان من أمرهما معه‏..‏ فكيف ترضين لنفسك باثم قطع رحمك بأبيك ومجافاته ومباعدته‏..‏ وسد كل أبواب المغفرة أمامه؟
وكيف يغيب عنك أن كل هذا القدر الهائل من مشاعر الكراهية التي تحملينها لأبيك يحول بينك وبين السلام النفسي والتواصل السليم مع الحياة‏,‏ وينقص من قدرك واعتبارك في أعين الآخرين‏!‏ بل وكيف يأمن لك من سوف يرتبط بك في حياة مشتركة وقلبك يتأجج بكل هذا البغض لأبيك ويرفض أن يمنحه أية فرصة للتكفير عن خطئه‏..‏ وتأكيد حسن نيته؟

إن هذه الكراهية المريرة لأبيك تعطي مؤشرا مخيفا لقيمك الدينية والأخلاقية ولعجزك عن التسامح مع أحق الناس بالتسامح معهم‏..‏ وكل ذلك مما لايغري بك الراغبون في فتاة ترعي حدود ربها مع الجميع وخاصة أبويها‏..‏ وتصدع بأمر ربها في البر بالوالدين ولو ظلماها‏..‏ فسارعي بتطهير قلبك منها لكيلا تسمحي لتقصير أبيك في حقك في الماضي بأن يفسد عليك معنوياتك وصفاء نفسك وقدرتك علي التسامح والسعادة والتواصل مع الغير‏,‏ واقبلي من أبيك محاولاته للاقتراب منك‏..‏ وتودده إليك ورغبته المتأخرة في ممارسة إحساس الأبوة معك‏..‏ ولن يكلفك ذلك شيئا كثيرا وإنما علي العكس من ذلك سوف يفيدك ويعيد إليك توازنك النفسي والعاطفي‏..‏ ويرسخ فضيلة التسامح لديك‏,‏ وبقدر عطاء أبيك لك واستعداده للبذل والتضحية من أجلك‏..‏ ستتفتح له مسامك من جديد وتزداد فرصك في السعادة والاستقرار والأمان بإذن الله‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق