31-05-2002
فكرت كثيرا في أن ألجأ إليك لكن خوفي من انتظار الرد طويلا أو من عدم الرد نهائيا كان يجعلني أحجم عن الكتابة.. فأنا سيدة شابة أبلغ من العمر29 عاما من أسرة متوسطة الحال, ووالدي رجل فاضل كافح لتربيتنا أنا وأخوتي الأربعة ووالدتي كذلك ربة بيت طيبة, منذ9 سنوات تزوجت وأنا في العشرين من عمري رجلا لا يعرف للرجولة أي معني, فكان يعتمد علي مرتبي ولا ينفق مليما واحدا علي وسلبيا لا يتحمل أي نوع من المسئولية ويعتمد علي والدي في كل شيء, حتي بأنني كنت أشعر أنني متزوجة من أبي وليس من هذا الرجل.. فلم أتحمل هذا الوضع وطلبت الطلاق منه, ورجعت إلي بيت أبي وأنا مطلقة في الواحدة والعشرين من عمري وبين يدي طفل رضيع أنجبته منه.
وليس خافيا عليك أن الابنة حين تتزوج ثم ترجع إلي بيت أبيها مطلقة فإنها لا تتحمل وضعها الجديد, لأن الأب والأم يتحولان بعد طلاق ابنتهما الشابة إلي سجانين لا يرحمان أسيرهما ومع أني تفهمت أسباب ذلك وقدرت دوافعهما إليه, حيث إنهما يخشيان علي سمعة أبنتهما الشابة المطلقة.. إلا أنني عانيت كثيرا من قيود السجن والخوف, وبعد فترة تقدم لي شخص سبق له الزواج وطلق زوجته لعدم الانجاب فرحبت به وقدرت أنه سيكون الزوج الذي يعوضني عن سوء حظي في الزواج الأول, كما قدرت أيضا أنه ستكون لديه دوافع إنسانية لتربية طفلي واحتماله حيث لم ينجب أطفالا, فإذا بالواقع يتكشف عن شيء مخالف لذلك ومنذ أول أيام الزواج قال لي زوجي: إنه من الأفضل أن يقيم ابني مع والدي ضمانا لراحته.. وبرغم قسوة ذلك فلقد تحاملت علي نفسي وتركت أبني يقيم مع والدي.. فلم تمض فترة طويلة حتي تشككت في أن العلاقة بين زوجي وبين مطلقته السابقة قد رجعت, وأن هناك خيطا سريا يربط بينهما, خاصة أنها لم تنجب من زوجها الجديد أيضا.. ثم تحول الشك إلي يقين ولمست أشياء أحرقت دمي من كلام عنها من جانب زوجي طوال الوقت إلي اتصالات تليفونية معها ومقابلات, فلم احتمل الوضع مرة
أخري وطلبت الطلاق وخرجت من الأمر كله خالية الوفاض وبقصة جديدة فاشلة ورجعت من جديد إلي بيت أبي بعد زواج ثان لم يدم أكثر من ستة أشهر, وتجرعت مرارة الفشل لفترة أخري ثم تقدم لي شخص يكبرني بعشرين عاما وسبق له هو أيضا الزواج والطلاق ولا عجب في ذلك لأن المطلقة مثلي لا تحصل سوي علي بقايا الرجال, وقد قبلت بالزواج منه بالرغم من أنه لا يملك شقة ولا أثاثا.. ورضيت بالأمر الواقع قائلة لنفسي إنه في النهاية رجل وسوف يعوضني عما لاقيت ويرحمني من نظرات الآخرين إلي, ومن سجن بيت والدي وتحكم أخوتي في, وتزوجنا في شقة إيجار بالقانون الجديد.. واشترينا أثاثا بالتقسيط, وقدرت ظروفه واحتملتها وحاولت أن اقترب منه لأنه الخيط الأخير بالنسبة لي, وأعطيته الكثير من الحب والعطف والحنان لأحتفظ به, ولكي أوثق روابطي معه فكرت في أن أنجب منه طفلا آخر يكون أخا لابني ويربطني بالرجل الثالث في حياتي ففوجئت به يطلب مني أن أجري جراحة لأستئصال الرحم لكيلا أنجب منه, ورفضت ذلك بالطبع فبدأت معاملته لي تسوء, وبدأ يتعامل معي بطريقة غريبة فيرضي عني في بعض الأحيان ويرجوني باكيا أن أبقي إلي جواره وألا أتخلي عنه.. ويبتعد عني في أحيان أخري الأسابيع ويعاملني معاملة تتسم بالإهانة.. وما حدث مع زوجي الثاني حدث معه هو الآخر فلقد أستعاد علاقته بمطلقته وعمل معها. فكانت النهاية التي لابد أنك قد توقعتها ورجعت إلي بيت أبي مطلقة للمرة الثالثة.
إنني لا أعرف أين الخطأ في كل ذلك هل هو في شخصي أنا أم في الرجال الثلاثة الذين تزوجتهم؟ أم في الظروف السيئة التي جعلتني أبدأ سلسلة من القصص الفاشلة؟
.. وهل بقي في الحياة رجل جيد أم تري هل أنتهي زمن الرجال؟
وكيف أتجنب نظرات الناس التي تقتلني وشكوكهم المستمرة في, حيث لابد أنهم يعتقدون أن هناك خطأ في بدليل طلاقي ثلاث مرات وأنا في التاسعة والعشرين من عمري.
لقد يئست من الأمل في النجاة ومن أن أجد في هذه الدنيا الاستقرار والأمان, ولولا ابني الذي ظلمته منذ ولد لتخلصت من حياتي.. فماذا تقول لي وما سر هذا الحظ السييء الذي يلازمني في الزواج والرجال دائما؟
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
سر الفشل في هذه القصص الثلاث في عبارة موجزة هو قلة الصبر وااحتمال وهشاشتك النفسية وسرعة تسليمك بالفشل وتفضيلك الهروب من ميدان المعركة علي خوض غمارها, وتحمل لهبها وعنائها إلي أن يتحقق الهدف.. أو تنالي علي الأقل شرف المحاولة وإبراء الذمة من عار القفز من السفينة وتركها لمصيرها المحتوم عند أول عاصفة.
هذا هو الخطأ الذي تتساءلين عنه يا سيدتي.. وتسألين هل يكمن فيك أم في الرجال أم في الحظ العاثر الذي يلازمك؟
فالحقيقة التي لابد من الإقرار بها دون خداع للنفس أو تبرير للأخطاء هو أن كل هذه الزيجات الثلاث خاصة الأولي منها كان من الممكن أنقاذها كلها من الفشل والانهيار حتي ولو كنت قد أسأت الاختيار في بعضها أو صادفك الحظ العاثر في بعضها الآخر, وذلك لو كنت قد تحليت بالحكمة الكافية والصبر علي المكاره.. وصدق النية في الكفاح وتحمل العناء طلبا للسعادة والاستقرار. فلقد انكرت علي زوجك الأول سلبيته وأعتماده علي مرتبك وأبيك وعدم تحمله للمسئولية وكل ذلك مما يعيب الرجل بالفعل وينتقص من اعتباره لكن الزوجة الرشيدة خاصة إذا كانت قد أنجبت منه طفلا وليدا لا تدمر حياتها الزوجية وتقضي علي طفلها الرضيع بالحيرة الأبدية بينها وبين أبيه لمثل هذه الأسباب وحدها وبعد عام فقط من الزواج.. وإنما تبذل كل ما في وسعها لتقويم زوجها وإصلاح حاله وعلاج مثالية أو علي الأقل تحجيم أضرارها علي الأسرة, وتصبر عليه حتي يكتسب تدريجيا الجدية والقدرة النفسية علي تحمل المسئولية والوفاء بالواجبات العائلية وقد تنهض هي إذا باءت كل محاولاتها بالفشل لتعويض نقصه, وسد ذرائعه وتتجاوز عن سلبياته وترضي عن ايجابياته الأخري وتقبل بحياتها علي هذا النحو.. وتشرب علي القذي كما يقول الشاعر إذا لم تصف مواردها تجنبا لمرارة الفشل وانهيار الأسرة وتمزيق الأطفال بين أبويهم, ولقد تعزي نفسها عما تتجاوز عنه بالتسليم بمقولة الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه حين قال ومن ذا الذي لا يكون فيه شيء؟ أي من ذا الذي يكون مبرأ من كل عيب بشري.
ولا تكف بالرغم من ذلك عن الأمل في الإصلاح, فإن تفاقمت العيوب حتي تعدت كل قدرة علي الاحتمال.. فلقد تكون السنون قد نسجت بينها وبين زوجها ما يشفع له عندها في القبول بنواقصه.. أو قد تسلم بالفشل في نهاية المطاف ولكن بعد أن تكون استنفدت علي مدي السنوات الطوال كل الحيل معه.
فهل فعلت شيئا من ذلك يا سيدتي؟
لقد ضقت ذرعا بوضع قد تصبر عليه زوجات كثيرات إعلاء لمصلحة أطفالهن بعد عام واحد من الزواج وسارعت بطلب الطلاق.
وبدلا من أن تكسبك مرارة الفشل في بداية حياتك الزوجية قدرة أكبر علي الصبر والكفاح لحماية الأسرة من الأنهيار المبكر, سارعت علي عكس المتوقع بالتسليم بالفشل وطلبت الطلاق من زوجك الثاني بعد ستة أشهر فقط من الزواج وأسرعت بالفرار من ميدان المعركة بغير أن تبذلي قطرة عرق واحدة في محاولة أجتذاب زوجك الثاني إليك واستعادته من مطلقته والصبر علي الوضع الخاطيء إلي حين إصلاحه.. أو التسليم بعد استنفاد كل الوسائل باليأس منه فإن عجبت لشيء في هذه القصة فلسلبية أبويك وأخوتك معك في هذا الشأن وتقاعسهم عن نصحك بالصبر والتريث والصمود أمام اختبارات الحياة.. ومعارضتك في المبادرة بطلب الطلاق عند أول اختبار يعترض حياتك الزوجية, ومع أنك لم تشيري في رسالتك إلي أنك أنت التي قد طلبت من زوجك الثالث الطلاق لنفس المبرر الذي قد يكون موهوما ولا إلي الفترة التي استغرقها أرتباطك به, فإني أتصور اتساقا مع همتك الخائرة وقلة جلدك وصلابتك أنك أنت أيضا التي طلبت الطلاق في المرة الثالثة وبعد فترة قد لا تتجاوز عاما من الزواج, إن لم تقل عنه. وليس هكذا يفعل من يبحث حقا عن الأمان والأستقرار في حياته, فالحياة الزوجية ليست دائما نزهة شاعرية في ض
وء القمر ووسط شدو البلابل وأريج الورود وإنما هي رحلة في بحر يصفو في بعض الأحيان فنستمتع بالنسيم المشبع برذاذ الماء وزرقة السماء ويضطرب في أحيان أخري فنتجلد.. ونتشبث بشراعها ولنحميه من التمزق فتظل السفينة طافية فوق الموج العاصف.. إلي أن تنقشع العواصف. ولولا الصبر والاحتمال في الأوقات العصيبة والتذرع بالحكمة, وبعد النظر وإعلاء مصلحة ركاب السفينة من الصغار فوق كل الاعتبارات.. لما نجت سفينة من الغرق مع كل عاصفة تهب عليها.
والرؤية الصائبة تقودنا دائما يا سيدتي إلي الفعل الصائب كما يقول لنا أبو الفلاسفة سقراط.
والمؤمن لا تراه إلا لائما نفسه كما يقول لنا القطب الزاهد الحسن البصري, لهذا فلابد من أن تراجعي موقفك وأفكارك طويلا.. وأن تكفي عن التماس الأعذار لنفسك علي طول الخط.. والأكتفاء بلوم الحظ العاثر أو اتهام الدنيا بخلوها من الرجال, وأن تعترفي بأن أهم الأسباب التي حرمتك من حقك العادل في الاستقرار هو قلة صبرك وضعف همتك علي الكفاح وتحمل العناء حفاظا علي السعادة.. ولسوف يعينك الإقرار بهذه الحقيقة علي أن تتعلمي من دروس الفشل وتعاهدي نفسك علي التشبث بفرص السعادة حين تتاح لك من جديد وعلي الصمود في ميدان الحياة..
والدفاع عن الأمان والاستقرار حتي الرمق الأخير بإذن الله.
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
الثلاثاء، ١ فبراير ٢٠٠٠
السفينة الغارقة!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق