26-07-2002
أكتب إليك رسالتي هذه وأرجو ألا تتسرع في الحكم علي قبل أن تصل إلي ختام رسالتي, فأنا سيدة في أواخر الثلاثينيات من العمر, عشت حياة طبيعية وأنهيت دراستي والتحقت بالعمل وتزوجت رجلا محترما وأنجبت منه أبناء, وكأي زوجين آخرين كانت بيني وبين زوجي خلافات عابرة نتجاوزها بالتسامح والرغبة المشتركة في استمرار الحياة.. غير أنه في إحدي المرات تعرفت علي زميل لي انتهز فرصة خلافي مع زوجي وتقرب إلي بكلامه الناعم واقتربت منه, والأمل يراودني في أن أجد لديه الحب الذي أفتقده في حياتي, ولفت نظري اختلاف الطباع والعادات بينه وبين زوجي.. فكأنما أرادت الأقدار أن أجد لدي زميلي كل ما أشكو من افتقاده لدي زوجي.. فزوجي لايعبرعن عواطفه.. وحديثه خال من كلمات الحب والعاطفة.. وزميلي لايتحدث إلا بالحب, وزوجي ضيق الصدر سريع الغضب والآخر طويل البال وصبور وناعم, وزوجي لايهتم بالخروج معي واصطحابي إلي الأماكن الجميلة ولا باللفتات الشاعرية, وزميلي مستعد لأن يخرج معي في أي وقت وإلي أي مكان.. وهكذا وجدت فيه ضالتي وازددت اقترابا منه وخرجت معه إلي المتنزهات والدعوات المختلفة وكلها في أماكن وانبهرت بمعاملته الرقيقة لي حتي سحرني.. وأصبح يتدخل في حياتي وفي عملي ويفتعل الأسباب لكي يكثر من الخروج معي ويؤخرني عن العودة إلي بيتي.. وبعد فترة توثقت خلالها علاقتنا, طلب مني الانفصال عن زوجي وأولادي وبيتي لأصبح له خالصة, واستجبت له وافتعلت العديد من المشاكل مع زوجي وطلبت منه الطلاق إلي أن استجاب لي في النهاية وطلقني, بالرغم من معارضة أمي الشديدة للطلاق وغضبها العارم مني, وما أن تم الطلاق حتي شعرت بأنني قد أصبحت كالطائر الطليق وأن حلمي السعيد يقترب من التحقيق خاصة وأن زميلي ليس متزوجا وليست هناك عقبات تحول دون زواجنا, وبسبب غضب أمي الشديد مني رفضت بإصرار أن أعود للاقامة معها فانتقلت للاقامة مع أختي الأرملة التي تقبلتني كحل مؤقت لمشكلتي, ورحت أعد الأيام علي انقضاء فترة العدة إلي أن انتهت, وذهبت إلي زميلي وأنا في قمة السعادة لابلغه بانتهاء العدة وأطلب منه أن نتزوج علي الفور, ففوجئت به يقول لي ضاحكا أنه لم يعدني بالزواج.. ولم يفكر فيه, وإذا كان قد طلب مني بالفعل الانفصال من زوجي وأولادي.. فلكي أكون خالصة له تحت أمره في أي وقت يريدني فيه.. بعيدا عن قيود الزواج ورقابة الزوج.. واحتمال وقوع المشاكل من جانبه, وهذا لايعني أنه يريد أن يتزوجني وصعقت حين سمعت منه ذلك.. وظننته يمزح لكنه أكد لي أنه جاد في كل ما قاله..
وشعرت بغصة شديدة في حلقي وحاولت التماسك والتظاهر بأنني لن أنهار أمامه وسألته ولماذا لايفكر في الزواج مني لكي نعيش معا تحت سقف واحد وننهل من نبع الحب كما نشاء.. فإذا به يصدمني صدمة أشد بذكر أسباب جارحة جعلتني أتمني لو كانت الأرض قد ابتلعتني قبل أن أعرفه أو أرتبط به, فلقد قال لي بكل استهانة أنه لايثق في زوجة خانت زوجها وتركت أبناءها لمجرد أن التقت برجل سكب في أذنيها بعض الكلمات العاطفية, وإذ لايأمن أن تفعل معه نفس الشئ بعد أن يتزوجها إذا التقت برجل مثله.. كما أنه لايثق في قدرة سيدة مثلي علي أن تحفظ اسمه وبيته وأولاده!
فتركته وأنا لا أري ما أمامي.. وقطعت علاقتي به.. ولم أعد أطيق مجرد النظر إليه.. وأدهشني أنه أيضا قد استراح لذلك, ولم يبذل أي جهد لتخفيف وطأة كلامه الجارح لي أو الاعتذار عنه.
ووجدت نفسي وقد خسرت كل شئ.. وخاصة احترامي لنفسي, بعد أن كسرت قلب أولادي وخنت زوجي وأغضبت أمي وفقدت عطفها ومساندتها لي.. وفقدت أيضا الحلم الكاذب الذي تصورت فيه سعادتي, إنني أكتب هذه الرسالة لأحذر كل زوجة تراودها فكرة ترك بيتها وأولادها من أجل نزوة عاطفية أو كلمة حلوة مؤقتة من رجل ناعم.. وأناشدها أن تتقبل أقدارهاوترضي بما اختارته لها الظروف, وتحاول حل مشاكلها مع زوجها بغير أن تسمح لأي ذئب بأن ينتهز فرصة خلافها مع زوجها ويسحرها بكلمات مزيفة كاذبة لاتغني ولا تسمن من جوع.
فالندم يقتلني علي ترك أولادي وزوجي وبيتي من أجل هذه الكلمات المسمومة, ولقد سألت أحد الشيوخ عن تفسيره لما حدث لي فأجابني بأن الشيطان قد تسلل إلي من نقطة ضعفي واستسلمت له فغلبني لضعف ايماني, وهذا صحيح, ولهذا فإني أناشد كل زوجة أن تتقبل أقدارها مرة أخري لأنني لوكنت قدتقبلتها لما جري لي ماجري.. وأسأل في النهاية هل يعاقبني الله سبحانه وتعالي علي ما فعلت من ترك زوجي وابنائي.. وهل يتقبل توبتي, وهل يقبل زوجي عودتي إليه نادمة وتائبة ومعتذرة.. وهل تكتب لي كلمة تقول له فيها أنني قد تعلمت الدرس القاسي؟
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
في أعماق الجحيم نتعلم الحكمة وإنما بعد فوات الأوان, ولأن الحديث عن الجانب الديني والأخلاقي فيما فعلت لايحتاج إلي استفاضة.. فلسوف أتجاوزه إلي محاولة تحليل مايمكن أن نسميه بمنطق الأوغاد في هذه القصة والقصص المماثلة, لعلنا نستطيع بذلك فهم طريقة تفكيرهم وتجنب بعض شرورهم.. فالرجل الذي يغوي امرأة متزوجة ويغريها بهجر زوجها وأبنائها وأسرتها وحياتها السابقة برمتها, لكي تكون خالص له علي حد تعبير شريكك في هذه القصة المؤسفة, تتنازعه دائما تجاه شريكته في القصة فكرتان متناقضتان.. الأولي هي الرغبة في الاستئثار بشريكته ومواصلة الرحلة معها إلي ما لا نهاية..والثانية هي الشك في نفس الوقت في جدارتها به وبأن تكون زوجة له تحمل اسمه وتحفظ شرفه وتخلص الود له دون غيره من الرجال.. ولأن كلا من الفكرتين فكرة قهرية ملحة ولايسهل التخلص منها فإنه يتراوج دائما بين الاقتراب منها بدافع الرغبة أو العاطفة وبين النفور منها بدافع الشك في جدارتها وأخلاقياتها, ويتوقف مصير شريكته معه علي قدرة إحدي هاتين الفكرتين علي التغلب عليه وازاحة الأخري, ومن عجب أن الرجل يبني فكرة الشك في جدارة شريكته به في مثل هذه القصة الشائنة علي تناقض عجيب من تناقضات النفس البشرية وهو مدي استجابتها لاغوائه هو نفسه لها! بمعني أنه يبذل كل ما في وسعه من مهارة وحيلة لاغرائها وتشجيعها علي التخلي عن وفائها لزوجها والتزامها الأخلاقي والديني به, فإذا نجح في مسعاه حاكمها في أعماقه بنتائج سعيه هذا وأدانها بها واعتبرها غير أهل للثقة فيها والاطمئنان إلي قيمها ومبادئها وأخلاقياتها, مع أنه لو لم يركز كل سهامه وأسلحته وخداعه عليها لما خطت غالبا علي الطريق المنحدر معه.
ومبرر الأوغاد في ذلك هو نفسه منطق عطيل في قتل زوجته وحبيبته ديدمونة في رائعة شكسبير المعروفة, فلقد صور شاعر الانجليزية الأشهر موقف قتل عطيل لها بعد أن صدق فرية خيانتها له بأنه دخل عليها وهي نائمة في فراشها فقبلها للمرة الأخيرة قبلة حانية ثم بكي بدموع قاسية وكتم أنفاسها حتي ماتت مبررا ذلك لنفسه بأنها لو عاشت فسوف تخون رجالا آخرين كما خانته.. ثم لم يلبث بعد قليل أن تبينت له براءتها فألقي بنفسه فوق سيفه ورقد بجوار جثمان حبيبته المظلومة ومات!
وهذا المنطق يكشف أن أساس فكرة الشك هو أن من خانت زوجها مرة قد تسمح لها أخلاقياتها بأن تخون غيره! وهي نفس الفكرة القهرية التي تراود أحيانا الرجل الذي يغوي امرأة رجل غيره بدعوي الحب والكلمات المسمومة.. غير أن الأعجب حقا هو أن هذا المنطق السائد لدي الكثير من الأوغاد في تعاملهم مع شريكات القصص المماثلة لايقابله علي جانب الزوجات منطق مماثل تفرضه عليهن الحقائق في تعاملهن مع أمثال هؤلاء الرجال وهو منطق التشكك في أخلاقيات الرجل الذي يسعي لاغراء زوجة محصنة بخيانة زوجها معه, واعتبار هذا السعي في حد ذاته مؤشرا كافيا إلي مستوي قيمه الأخلاقية والدينية مما يفرض الحذرمعه والشك فيه وعدم الثقة في وفائه والتزامه الأخلاقي بما يعد به.
ولهذا تشعر بعض الغافلات بالصدمة حين يتكشف القناع عن الوجه الحقيقي لشركائهن في مثل هذه القصص المؤسفة.. مع أن كل شئ في أجوائها كان يوحي منذ البداية بنوعية القيم الحاكمة لأطرافها, إنها قصة قديمة تتكرر منذ الأزل ولا يتعلم أحد درسها القاسي إلا بالثمن الغالي من الكرامة والأمان والأسر المتهدمة والأطفال الحائرين.
فاذا كنت قد خدعت بالكلام الرقيق واللفتات الشاعرية والطباع المخالفة لطباع زوحك السابق, فلم يكن ذلك لأن زميلك كان أفضل من زوجك أو أرق طبعا أو أكثر عاطفية, وإنما فقط لأن العشق ــ كما يقول لنا الأديب الفرنسي أونوريه دي بلزاك ــ أسهل دائما من الزواج.. لأنه في العشق يحتاج الرجل لأن يكون لطيفا بعض الوقت, أما في الزواج فإنه يحتاج لأن يكون لطيفا كل الوقت وهذا أمر مستحيل.
فكيف خدعت إذن بهذه الفرية الساذجة وهي لطف العاشق في مقابل جمود الزوج أو احتكاكات الحياة اليومية العادية معه؟
وماذا فعلت لكي تكفري عن جريمتك في حق أبنائك وزوجك السابق وأسرتك ووالدتك الغضبي منك.. إن صدق الندم هو بداية الطريق إلي الغفران.. لكن الطريق طويل.. ويتطلب منك الكثير والكثير من الالتزام الديني والأخلاقي والعائلي.. كما يتطلب منك أيضا العرق والدم والدموع لكي تجدي الطريق إلي ابنائك وتعويضهم عن هجرك لهم.. وانقيادك وراء الأهواء..
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
الثلاثاء، ١ فبراير ٢٠٠٠
الأسباب الجارحة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق