20-09-2002
أنا فتاة في السادسة والعشرين من عمري, نشأت في أسرة متوسطة لأب موظف, شعرت منذ صغري بعدم تفاهمه مع أمي وبالخلافات الكثيرة التي تقع بينهما, وكانت أمي تحاول دائما ألا تظهر هذه الخلافات أمام أحد وأن تظهر أمام الناس دائما كأسرة سعيدة, في حين ان أبي طيب القلب لكنه لا يظهر مشاعره لأحد, وقليل الكلام ولا يحاول أن يقترب منا أو أن يعرف مشاكلنا, وكنت أنا أكثر إخوتي تأثرا بهذا الوضع.. فكانت كل مشاكلي داخل نفسي لا أبوح بها لأبي ولا لأمي, ولهذا السبب لم أحاول أن أستعين برأيهما فيما أستشيرك فيه الآن, فلقد تخرجت في كليتي وعملت سريعا في أحد الأماكن الخاصة, وكان معي في نفس المكان أحد زملائي بالكلية.. وبدأت أشعر بالاعجاب تجاهه, كما كان معنا أيضا بعض الزميلات من نفس الدفعة, ولم يتقدم هو أية خطوة ناحيتي, فقررت احتواء هذا الإعجاب والاكتفاء بالزمالة والصداقة, إلي أن جاء يوم وشعر فيه هذا الزميل ببعض الآلام, فقام باجراء التحاليل اللازمة ثم أجري بعض الأشعات.. فإذا بها تكشف عن إصابته بمرض خطير في الأمعاء.. وأصابنا الذهول جميعا.. فالانسان يظن نفسه بعيدا عن المرض إلي أن يصيبه أو يصيب شخصا قريبا منه فيعرف أنه قريب منا جمعا.. وحين عرفنا ذلك قضينا يوما حزينا وبكينا كلنا إشفاقا علي هذا الزميل, وتوالت الأحداث بعد ذلك سريعا وأجريت له عملية جراحية ووقفنا جميعا إلي جانبه, واعترفت لنفسي بأنني أحبه وكنت دائمة السؤال عنه وهو يقضي فترة النقاهة في منزله, وبدأت أشعر كذلك باهتمامه بي بغير أن يصرح لي بشئ ربما لظروفه الصحية, ثم بدأ مرحلة العلاج التالية للجراحة وساءت حالته النفسية بعض الشئ.. وبدأ يحصل علي اجازات قصيرة خلال العلاج ثم يرجع للعمل إلي أن جاء يوم وصرح لي فيه بحبه وكنت سعيدة بذلك بالرغم من الظروف الصعبة المحيطة به, واتفقنا علي أنه بعد انتهاء مرحلة العلاج سيبحث عن عمل أفضل لكي نستطيع أن نرتبط رسميا.. وكنت أعرف أن الأمل ضعيف في هذا الارتباط نظرا لظروفه الصحية, لكني استمسكت بهذا الأمل وبايماني بأن المرض لايختار أحدا بذاته وإنما يمكن أن يحل بأي إنسان, ومضت فترة العلاج الصعبة.. وكان يضعف في بعض الأحيان وتسوء حالته النفسية لكنه كان يستعين بايمانه بربه وبوجودي في حياته علي الاحتمال, وكانت هذه الفترة شديدة الصعوبة أيضا بالنسبة لي إذ كنت كلما سمعت عن إنسان هزمه نفس هذا المرض
تنتابني حالات من البكاء الشديد والحزن, ولم أكن أعرف ماذا أفعل, هل أبتعد عنه وأتخلص من هذه الضغوط. لكن كيف أقدر علي ذلك وأنا أحبه.. وماذا سيحدث له إأن تخليت عنه في هذه الظروف القاسية؟!.. لقد حسمت أمري وقررت ألا أتخلي عنه, وفي هذه الفترة علمت أمي بطريق المصادفة بقصة ارتباطي به ورفضته.. وكذلك رفضه أبي بسبب ظروفه الصحية وكدت أكتب لك في هذه الفترة من حياتي لأناشدك أن تكتب كلمة تقول لهما فيها إنني من الممكن أن ارتبط بانسان سليم ثم يمرض بعد الزواج.. ومن الممكن أيضا أن أرتبط بانسان وأنا في كامل صحتي.. ثم يصيبني المرض فهل سأسعد إذا تخلي عني..؟!
إن الصحة والمرض بيد الله سبحانه وتعالي, وقد ينتقم الله سبحانه وتعالي مني ويصيبني بنفس المرض إذا أنا تخليت عنه لهذا السبب, ولقد اقتنع أهلي في النهاية وتمت قراءة الفاتحة.. وتحسنت ظروف خطيبي الصحية والعملية, فانتقل للعمل في شركة كبري بالرغم من صعوبة الكشف الطبي اللازم للتعيين فيها, واستمرت الخطبة عامين ولم تعد حالته الصحية تثير قلقي وهواجسي, وكان يجري فحوصه الدورية بانتظام وتجئ النتائج جيدة, كما كان حنونا معي وعوضني عن الكثير من الحنان الذي كنت أفتقده لدي أبي.. ثم أراد خطيبي أن يجري لنفسه تحليلا للتأكد من قدرته علي الانجاب لأن العلاج الذي تلقاه قد يؤثر عليه, وكت أشك في ذلك أنا أيضا, لكني طلبت منه أن يؤجل هذا التحليل لما بعد الزواج لكي لانفتح علي أنفسنا أبوابا جديدة للحيرة والقلق بعد أن دام ارتباطنا عامين, فلم يقتنع خطيبي بذلك وأجري التحليل فإذا به يؤكد عدم قدرته علي الانجاب, ومع انه كان يتوقع ذلك وكنت أتوقعه أيضا إلا أن التوقع شئ وحدوثه بالفعل شئ آخر.. واتصل بي خطيبي وقال لي إنني الآن في موقف القوة ويجب أن أقرر إذا كنت سأستمر معه أم لا؟!.
واعترف لك أنني كنت أتوقع منه أن يبادرني هو بقرار الافتراق ويصر عليه فأكون أنا من ترفضه وتستمسك به للنهاية.
لهذا فلقد تضايقت قليلا ووقعت في بحر من الحيرة.. وترددت هل إستمر معه وألا يحتمل أن أندم بعد عدة أعوام علي استمراري معه.
غير أنني كتمت كل هذا الحوار داخلي كما كتمت هذه المشكلة عن أبي وأمي, وانتهيت إلي اتخاذ قراري بالاستمرار معه لأنني لو كنت مكانه وتخلي هو عني كنت سأصدم صدمة قاسية, ولأنني أعرف أيضا أن هذا شئ ليس بيد أحد, كما أنني أيضا أثق في قدرة الله التي تعلو علي كلام الأطباء وعلي كل شئ, وبدأ خطيبي محاولة العلاج.. وهو يتطلب وقتا طويلا وصبرا, وتم تحديد موعد الزفاف القريب, وبالرغم من أنني قد اتخذت قراري إلا أنه تنتابني أحيانا حالات من القلق والحيرة وأسأل نفسي هل أنا علي صواب فيما فعلت.. أم تري أنني انسانة خيالية في عالم شديد الواقعية.. وماذا لو لم يأت العلاج بنتائجه المأمولة؟ هل سأستطيع مواصلة المشوار معه بدون أطفال؟
إن بعض الناس لم يرزقهم الله أطفالا وعاشوا في منتهي السعادة, فهل سأكون مثلهم؟
إنني أحيانا أشعر بالسعادة لاقتراب الزفاف.. وأحيانا أقع فريسة للحيرة ولا أعرف ماذا أفعل ولهذا قررت أن أكتب إليك وأن أستشيرك: هل أنا علي الصواب فيما فعلت؟..
إنني بحاجة لمن يقول لي إنني علي صواب لأعرف أن هذا ليس رأيي وحدي وإن كنت علي خطأ وظلمت نفسي فسأحاول أن أؤجل الزفاف إلي أن يقضي الله أمرا.. وشكرا لك..
و لكاتبة هذه الرسالة أقول:
الانسان يحتاج دائما إلي ما يؤكد له صحة اختياراته خاصة حين تكون مصيرية أو مثيرة للجدل والحيرة, غير أنني قد لاحظت شيئا غريبا في قصتك يستحق التوقف أمامه والتفكر فيه طويلا. فأنت يا آنستي لم تستسلمي للتردد كثيرا حين علمت بمرض فتاك الخطير.. ولم تنكصي عن الاستمساك به والوقوف إلي جانبه وهو يواجه محنته الصحية, وإنما حسمت التردد الوقتي داخلك بالتسليم بأن الصحة والمرض بيد الله سبحانه وتعالي وحده, وبأن المرض قد يصيب إنسانا في أي مرحلة من العمر.. ولهذا فلا مجال للتردد أمام الارتباط بشاب امتحنته أقداره بمحنة المرض. لكنك علي الجانب الآخر قد غلبتك الحيرة حتي بالرغم من قرارك بالاستمرار في ارتباطك بفتاك حين علمت بأن العلاج قد أثر علي قدرته علي الانجاب, وإنك قد لا تستطيعين الانجاب منه بعد الزواج.. فهل يعني ذلك أن غريزة الأمومة أقوي لديك من كل الاحتياجات الانسانية الأخري؟
لقد اخترت ألا تتخلي عن فتاك بالرغم من حرج حالته الصحية وخطورة مرضه ولم تتوقفي لتتساءلي هل أنت علي خطأ أم علي صواب في هذا القرار وأقنعت والديك بفتاك حتي قبلاه..
لكنك احتجت لمن يدعم لديك اختيارك للاستمرار في الارتباط به حين علمت باحتمال ألا تنجبي منه أطفالا بعد الزواج؟ وتساءلت هل ستندمين علي هذا الاختيار أم سيعوضك الحب والسعادة والوفاق عما تفتقدين في حياتك المستقبلية, ولا معني لذلك سوي أن اقتناعك بهذا الاختيار قد اهتز بعنف أمام احتمال الحرمان من الأمومة والانجاب, بأكثر مما تأثرت بحرج الحالة الصحية لمن اخترت الارتباط به.
ولا معني له أيضا سوي أن تصميمك علي الارتباط بمن أحببت ووقفت إلي جواره في أصعب الظروف التي واجهته لم يعد بنفس القوة التي كان عليها من قبل.
ويتطلب ذلك منك أن تكوني صادقة مع نفسك قبل أي انسان آخر وأن تتخذي قرارك وفقا لاقتناعك أنت وإيمانك بما تفعلين بحياتك, وليس تحرجا من أحد ولا كراهة للظهور بمظهر من تتخلي عن شريكها في شدته.
فأنت تواجهين اختيارا مصيريا في حياتك.. ولابد من أن يكون إيمانك بهذا الاختيار طاغيا وغير قابل للتردد أمامه أو المراجعة..
ذلك أن قوة الايمان بصواب هذا الاختيار هي التي ستحميه من عوادي التردد والحيرة والندم.
وعلماء النفس يقولون لنا إن الحياة مزيج من مجالات واحتياجات انسانية متعددة منها العاطفة والعقل والعلاقات الأسرية والعمل والعلاقات الاجتماعية. إلخ.
.. وأن الانسان قد يطغي عليه في بعض فترات حياته احتياج أو مجال من هذه المجالات فيستغرق فيه علي حساب تجاهل المجالات الأخري, لكن ذلك لايدوم إلي الأبد وإنما كثيرا ما تهدأ فورة الشعور بهذا الاحتياج, وتبرز الاحتياجات الأخري إلي السطح وتفرض نفسها عليه بعد أن يكون قد أشبع احتياجا انسانيا واحدا لديه لفترة مؤقتة علي حساب احتياجات قد تكون أكثر أهمية منه علي المدي البعيد, فاحسمي أمرك وقلبي الأمر علي كل وجوهه.. وادرسي كل الاحتمالات, وتذكري كذلك أن السعادة هبة غالية لاتتاح للانسان في كل وقت.. وأن الانسان الذي يتخذ قراراته بملء إرادته وبعد أن يتبصر جيدا قراره ويدرس كل جوانبه ويقبل بتبعاته, هو فقط الانسان الذي لا يحرقه الندم علي اختيار ارتآه حتي ولو بدا في عيون الآخرين غير مصيب!
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
الثلاثاء، ١ فبراير ٢٠٠٠
الاختيار الصعب
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق