13-12-2002
أكتب إليك وكلي أمل في الله سبحانه وتعالي أن تجد مشكلتي حلا لها علي يديك, فأنا سيدة في الثامنة والثلاثين من عمري نشأت في أسرة متوسطة بين أب يعمل بالتعليم, وأم ربة بيت وشقيق وشقيقة يكبرانني. ولقد ربانا أبي تربية صارمة.. واعتاد منذ صغرنا علي تطبيق مبدأ الثواب والعقاب في التعامل معنا.. فكان يطالبنا دائما بالتفوق في الدراسة.. وبالالتزام الصارم بالآداب والتقاليد.. وإذا أخطأ أحدنا حاسبه علي الخطأ حسابا مريرا, ويعقد مجلس العائلة علي هيئة محاكمة له ثم يصدر حكمه عليه بالعقاب المناسب.. وكان يتراوح بين الضرب القاسي بالمسطرة والحبس يوم الإجازة في البيت في غرفة الأبناء من الصباح حتي اليوم التالي, والحرمان من اللعب والخروج أو الحرمان من المصروف والحلوي للفترة التي يحددها.. والويل بعد ذلك لمن يتعاطف مع المذنب أو يساعده علي التهرب من تنفيذ العقاب..
فنشأنا جميعا ونحن نتحسب لغضب أبي تحسبا شديدا ونحرص علي الالتزام بكل ما يطلبه منا.. وكانت لنا بالرغم من ذلك أوقاتنا السعيدة.. وإن كنا قد افتقدنا أن يكون لنا أصدقاء من نفس أعمارنا, لأن أبي كان يحذرنا دائما من أصدقاء السوء, ويتشكك في صداقات أبنائه, ومضت بنا الأيام علي هذا الحال حتي تخرجنا جميعا وتزوجت أختي ورحل أبي عن الحياة.. وحمل أخي الأكبر الراية من بعده في التشدد وإدارة شئون حياتنا بصرامة وبتشجيع من أمي.. وأنهيت أنا سنوات دراستي الجامعية دون أن أحيد عن الطريق الذي حدده لنا أبي ومن بعده أخي, ولم أستجب لمحاولات أحد من الزملاء للاقتراب مني.. حتي أشاعوا عني أنني مضطربة نفسيا ومعقدة من كل الشباب, وعملت بإحدي الجهات بعد تخرجي.. وكان أخي قد تزوج وأنجب وخفت قبضته قليلا عني.. وفي هذه الأثناء رجع إلي العمل زميل كان في إجازة سنوية بسبب وفاة أمه وتقدمت الزميلات والزملاء لتعزيته, ولم أدر أنا ماذا أفعل لأنني كنت أرتبك إذا تحدثت لأي شاب في غير أمور العمل.. فلم أتقدم إليه بالعزاء.. ولاحظت ذلك زميلة لي فحثتني علي القيام بهذا الواجب لأن الإنسان يكون في هذه الظروف في حالة ضعف ويجرحه أن يتجاهل القر
يبون منه مواساته.. فاستجمعت شجاعتي, وقلت له بصوت لا يكاد يسمع: البقية في حياتك.. ورجعت إلي البيت ووجهه الحزين يحتل تفكيري ومخيلتي. ويوما بعد يوم أصبح هذا الزميل محور تفكيري ليلا ونهارا وعرفت من الزميلات أنه شاب مستقيم ومسالم وعلاقته بزملائه طيبة.. إلي أن لفتت زميلة لي انتباهي إلي أنه يطيل النظر إلي ويهتم بأمري, وسعدت بذلك كثيرا ثم فوجئت به يقترب مني ويسألني بأدب: هل أنت مخطوبة يا آنسة؟.. فوجدتني أجيبه بالإيجاب مع أني لم أكن مخطوبة ولا مرتبطة بأحد, وفي الليل كدت أنفجر من الضيق والندم علي ما فعلت بنفسي.. وعقدت العزم علي أن أصارحه بالحقيقة في اليوم التالي.. فمضي النهار دون أن أجرؤ علي الاقتراب منه أو النظر تجاهه, وقبيل انصرافنا من العمل فوجئت به يقترب مني ويسألني: لماذا لا أرتدي أية دبلة إذا كنت حقا مخطوبة.. فوجدتني أقول له إنني لست مخطوبة لأحد ولا مرتبطة, لكني اعتدت أن أجيب علي هذا السؤال بالإيجاب لكي أرد عني العابثين.. فابتسم عاتبا وقال لي إنه ليس عابثا وإنما هو مهتم بأمري ويريد أن يتقدم لي إذا قبلت به.
وهكذا بدأت علاقتي بأول إنسان من الجنس الآخر يتفتح له قلبي.. وخلال أسابيع كنت قد عرفت عنه كل شيء.. وصارحني بأنه أراد أن يتقدم إلي قبل شهور, لكنه تراجع خشية رفضه لأن أحواله المادية سيئة, ولا يمتلك إلا مرتبه الصغير وقد انقطع معاش أبيه برحيل أمه عن الحياة وبلوغه السادسة والعشرين من العمر.. ولن يستطيع أن يوفر لي إمكانات الزواج اللائقة, فأكدت له أنني سأسانده بكل ما أملك وجاء يطلبني من أخي, وبعد مداولات قصيرة بين أخي وأمي وأختي انتهوا إلي رفضه لأنه لا يملك شيئا.
وحاولت مع أمي وأختي كثيرا أن تتفهما عمق محبتي لهذا الشاب واحتياجي إليه.. فلم تتزحزحا عن موقفهما قيد أنملة, فتولتني ثورة عارمة لأول مرة في حياتي وهددت أمي بأنني سأتزوجه في كل الأحوال.. فأسرعت تستدعي أخي وجاء مضطربا ليحاول أن يعرف مني لماذا الإصرار علي هذا الشاب وهل أخطأت معه أم لا؟ فطمأنته إلي أنني نفس الفتاة الملتزمة التي نشأت علي مبدأ الثواب والعقاب وترعي حدود ربها.. ولا يمكن أن تفرط في نفسها لأحد إلا بشرع الله سبحانه وتعالي, فحاول إقناعي بأن هذا الشاب لا يناسبني لأنه معدم.. وأهله وإن كانوا طيبين إلا أنهم جميعا بسطاء ومسكنه الذي ورثه عن أمه شقة متواضعة بالإيجار في حي شعبي مزدحم, وأنني إذا تزوجته فلسوف أبدد ميراثي عن أبي كله في تأثيث مسكن الزوجية وسأعجز عن مواجهة الحياة بمرتبه ومرتبي.. فلم أزدد إلا استمساكا بمن اختاره قلبي.. وعشت شهورا عصيبة وأمي تقاطعني وأختي تخاصمني وأخي لا يتحدث معي إلا مهددا ومنذرا.. فإذا تجرأت علي مخالفته في الرأي انهال علي ضربا وكأنني مازلت الطفلة الصغيرة التي تحاكمها الأسرة وتوقع عليها العقاب, واستمر الحال علي هذا النحو عامين.. وفتاي يتعجلني ويشكو إلي من وحدته بعد وفاة أمه ويحرم نفسه من القوت الضروري لكي يوفر كل قرش للزواج.. وبعد مشاجرة عنيفة بيني وبين أخي أدماني خلالها ضربا وإيذاء بسبب رفضي خطيبا أحضرته لي أختي, أعلن يأسه مني, وترك لي حرية الزواج بمن أريد, ولكن بدون أية مساعدة منه أو من أمي ودون حصولي علي نصيبي من ميراث أبي, وبشرط أن يحوله إلي شهادات استثمار يحتفظ هو بها لديه لكيلا يستفيد بها زوجي. وإلي أن يطمئن إلي أمانته معي ووافقت علي ذلك.. فأضاف شرطا آخر هو أن يوقع خطيبي شيكا بمبلغ عشرين ألف جنيه كضمان له مقابل المهر الذي سيعجز عن دفعه والشبكة التي لن يشتري منها إلا شيئا رمزيا.. ورفضت أنا هذا الشرط الجائر.. وقبل به فتاي رغما عني.. وتمت الخطبة والزفاف في أضيق الحدود وانتقلت إلي سكن زوجي في الحي الشعبي.. وتحملت شظف العيش وجفاء أمي وأخي وأختي معي.. وحرصت علي زيارتهم جميعا وخطب مودتهم في كل حين, وحملت وأنجبت طفلي الأول. وبعد عامين أنجبت طفلي الثاني.. وازدادت أعباء الحياة علي.. فطلبت من أخي أن يعطيني فوائد الشهادات الخاصة بي لألبي بها مطالب الأبناء بدلا من أن يشتري بها شهادات جديدة باسمي كما كان يفعل منذ زواجي, وبعد رجاء وتوسلات است
مرت شهورا وافق علي أن يعطيني ربعها ويشتري بالباقي شهادات.. وحمدت الله علي ذلك, لكني أنجبت طفلة أخري وازدادت مطالب الأبناء فرجوت أخي أن يفرج عن فوائد الشهادات فقط لأشعر بالحياة وأعيش كما يعيش هو وأمي وأختي, فثارت مشكلة جديدة لم تحل إلا بعد أن قبلت قدم أخي في بيته وأمام زوجته وأبنائه الذين بكوا من أجلي وغضبوا منه واشتركوا في الإلحاح عليه بأن يلبي طلبي.
وبعد ست سنوات من زواجي تحملت فيها ظروف الشقة القديمة غير الصحية, راودني الأمل في أن أغير مسكني وأحصل علي شقة تدخلها الشمس والهواء وينمو فيها أطفالي في جو صحي.. وتوصل زوجي إلي اتفاق مع صاحب البيت الذي نقيم فيه علي إخلاء الشقة مقابل20 ألف جنيه.. ووافق أخوته علي إقراضه مبلغا آخر.. فطلبت من أخي أن يسلمني الشهادات لأبيعها وأكمل بقيمتها ثمن شقة ملائمة عثر عليها زوجي.. فهاج وماج أخي.. واتهم زوجي بالاستغلال واتهمني بالضعف.. وأقسم ليدخلن زوجي السجن بالشيك الذي يمسكه عليه.
ولجأت إلي أمي فلم تساندني وإلي أختي فخذلتني وإلي كل من أعرفهم فلم يقدر عليه أحد, وفي لحظة جنون ذهبت إلي أخي في العمل. وطالبته بتسليمي الشهادات والشيك وهددته إن لم يستجب لي أن أشكوه إلي رؤسائه وزملائه في العمل.. بل وإلي الشرطة كذلك إذا تطلب الأمر ذلك.. فكانت هذه هي خطيئتي الكبري التي لاتغتفر ونظر إلي أخي مذهولا ثم سحبني من يدي وعاد بي إلي البيت وروي لأمي ما حدث فانفجرت براكينها ضدي, وانهالت علي صفعا وركلا وسبتني وبصقت علي وجاءت أختي مهرولة بعد أن استدعاها أخي وانهالت هي الأخري علي سبا وشتما حتي صرخت من القهر والظلم وأخي ينظر إلي متشفيا, ثم نهض في النهاية فأحضر الشهادات والشيك وسلمها لي ودفعني دفعا خارج البيت وهو يبلغني بقراره الذي لا رجعة فيه وهو أنني لم أعد أختا له أو لشقيقتي ولا ابنة لأمي, وحذرني من العودة إلي هذا البيت أو الاتصال بأحد من أسرتي وخرجت وقهر الدنيا كله في قلبي..
ورويت لزوجي ما حدث. فتألم من أجلي وأصر علي إرجاع الشهادات والشيك إلي أخي.. وأخذها وتوجه إلي بيت أخي وطرق الباب فخرج إليه شقيقي ورفض دعوته إلي الدخول, ورفض تسلم الشهادات والشيك منه وطلب منه الانصراف ونسيان كل شيء هو وزوجته عن أهلها..
وانقطعت منذ تلك اللحظة كل صلة لي بأهلي وذوي رحمي.. وانتقلت بأسرتي إلي الشقة الجديدة فلم أشعر بالفرحة التي حلمت بها لإحساسي باليتم والقهر والنبذ من أقرب الناس إلي, وأملت أن تذيب الأيام المرارات وأن أرجع إلي حضن أمي وأختي وأخي.. وصبرت عدة شهور ثم بدأت محاولاتي لطلب العفو والمغفرة وبدأت بأمي فوجدت قلبها كالحجر الأصم.. وحاولت مع أختي فلم أجد منها إلا القسوة والصرامة.. وحاولت مع أخي فقال لي إنه ليس له سوي أخت واحدة وأنه لا يعرفني.
ورجعت حزينة ومريضة.. فرقدت في فراشي أسبوعا وانتظرت علي مضض عدة شهور أخري وكررت المحاولات, فإذا بالقلوب مازالت كالحجر أو أشد قسوة, ومرضت من جديد ولازمت الفراش عشرة أيام, وبعد أن تمالكت قواي بعض الشيء عدت للعمل.. فإذا بي أشعر بألم شديد في صدري فذهبت إلي طبيب العمل.. وفحصني ثم أحالني إلي المستشفي وهناك فوجئت بالطبيب يحتجزني ويطلب مني الاتصال بزوجي علي وجه السرعة, وجاء زوجي منزعجا.. فصارحه الطبيب بأنني مريضة بالمرض اللعين وفي مرحلة متأخرة, ولابد من جراحة عاجلة لاستئصال الثدي اليمني قبل فوات الأوان..
وطفر الدمع من عيني زوجي وتمالكت أنا نفسي فلم أبك بل رحت أخفف عنه وأرفع من روحه المعنوية..
ودخلت غرفة العمليات بعد يومين وتمت الجراحة بسلام.. ووجد زوجي من واجبه أن يبلغ أخي بوجودي في المستشفي فذهب إليه في العمل وأبلغه فلم يجبه بكلمة واحدة..
وجاء زملائي و زميلاتي جميعا وسعاة المكتب لزيارتي والاطمئنان علي ورفع معنوياتي, وجاء كل أهل زوجي الذين أخذوا أطفالي لديهم, وأحاطوا جميعا بفراشي ورفعوا أيديهم بالدعاء من أجلي.. وكلما انفتح الباب توقعت أن أري أمي وأختي وأخي.
فانقضي أسبوعان وأنا في المستشفي دون أن يحضر أحد منهم لزيارتي أو للسؤال عني.
وجاءني زوجي يبشرني بالخروج من المستشفي.. وراح يجمع حاجياتي ويساعدني علي ارتداء ملابسي, ثم حمل عني حقيبتي وأمسك بذراعي ليعينني علي المشي, فما أن تحركت في اتجاه الباب حتي انهارت مقاومتي فجأة وانفجرت في بكاء مرير وعويل كعويل الثكالي, ولأول مرة منذ علمت بمرضي أري زوجي يبكي لبكائي ويحتضنني ويقبل رأسي ويدي ويقول لي إنه أخي وأمي وأبي وأختي ولم أبك يا سيدي للمرض وإنما لهواني علي أهلي وقسوتهم علي ورفضهم لي.. وحرماني من عطفهم وأنا في أشد الحاجة إليه.. وعدت إلي بيتي وحياتي وأولادي.. وامتثلت لأقداري وبدأت العلاج بالكوبالت.. وتساقط شعري.. ومضت الشهور ومازلت تحت العلاج.. والطبيب يقول لي إن نتائج العلاج جيدة, لكن روحي المعنوية منخفضة وأن هذا يؤثر علي استقرار الحالة ويهدد بالخطر..
وأنا لا أريد من أمي وأختي وأخي شيئا.. ولقد أقررت بذنبي وخطئي في حق أخي حين هددته باللسان فقط ومن وراء القلب والله علي ما أقول شهيد, ولم أكن لأفعل شيئا مما قلت أو أجرؤ عليه وحياتي مع زوجي مستقرة وهو يعاملني أفضل معاملة ووقف إلي جواري في شدتي ووقف أهله بجانبي وقدموا لي كل الرعاية والخدمة.. لكني منبوذة من أهلي.. وقلوبهم مغلقة في وجهي.. ولم ترق لي حتي في مرضي وضعفي.. وقد أعيتني الحيل في استرضائهم.. وطلب عفوهم عن حماقتي التي لم تتكرر.. وأبنائي يسألونني عن أهلي ولماذا لا يزورون أهل أمهم. ولا يعرفونهم ولا أدري بماذا أجيبهم, فهل تكتب لأمي وأختي وأخي الذين يتابعون هذا الباب بانتظام وتطالبهم بالعفو عما جري.. وفتح أبوابهم المغلقة في وجهي.. لقد عفوت أنا عن عدم سؤالهم عني في مرضي وشدتي.. فلماذا لا يعفون هم كذلك عن فعل واحد اضطررت إليه وندمت عليه, والله يغفر الذنوب جميعا إلا الشرك به؟ وإلي متي سوف يستمر عقابهم القاسي لي؟
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
أيعلم شقيقك وأمك وأختك أنه قد أجريت لك جراحة خطيرة وأنك ترقدين بالمستشفي في طور النقاهة من المرض الخطير, فلا تفارقهم قسوة قلوبهم حتي في هذه اللحظات العصيبة ولا يهرعون إليك باكين خائفين لرعايتك والاطمئنان عليك وشد أزرك في محنتك؟
يا إلهي.. إنها ساعة تنسي فيها العداوات وتذوب الأحقاد.. ولا تبقي إلا عاطفة ذوي الأرحام تجاه أرحامهم.. فكيف تحجرت قلوب الأهل تجاهك إلي هذا الحد يا سيدتي؟ وماذا جنيت حتي استحققت منهم هذا النبذ المؤلم والطرد القاسي من جنتهم ورحمتهم؟
إن كل ما فعلت هو أنك قد اخترت حياتك ولم تشقي عصا الطاعة علي الأهل ولم تتزوجي في غيابهم وإنما صبرت حتي قبلوا بمن اختاره قلبك كارهين وقبلت بشروطهم القاسية لإتمام زواجك.. ووافقت علي الزواج منه بلا أية امكانات مادية لكي يطمئنوا إلي أنه لم يستفد بمالك الموروث, ورضيت بالحرمان وشظف العيش سنين عددا لتبرئي زوجك لديهم من كل شبهة استغلال لك, وحين اشتدت عليك وطأة مطالب الحياة تطلعت إلي استرداد حقك المحتجز لدي أخيك لترفعي به مستوي حياتك وتؤمني لأطفالك مسكنا صحيا, فما هي الجريمة في ذلك وكل إنسان رشيد في النهاية أحق بماله.. ومن حقه أن يتصرف فيه كيف يشاء, وليس لأهله عليه في هذا الصدد سوي حق النصيحة والإرشاد وله أن يعمل بمشورتهم في ماله.. أو يري الخير في غيرها فيشكرهم علي حرصهم علي أمره.. ويعتذر لهم عن قبول النصيحة لأسباب يراها مادام كامل الأهلية وليس مطعونا في قدرته علي حسن التصرف في ماله, فإذا كنت قد اضطررت لأن تتظاهري بتهديد أخيك لكي يسلم إليك مالك بعد أن أعيتك كل الحيل والطرق الودية لإقناعه بذلك فإن الخطأ الأكبر هو خطأ من احتجز مالك لديه رغما عن إرادتك وغل يدك عن التصرف فيه بما ترينه خيرا لك ولأسرتك.. ورفض كل حيلة لإقناعه بتسليمه لك حتي ولو كان قد فعل ذلك بدافع الحرص علي هذا المال من الضياع.. بل حتي ولو كانت نيته صادقة في الحفاظ عليه من أجلك.. لأنه أمانة لديه ترد لصاحبها عند الطلب وليس من حقه أن يمتنع عن ردها بأي مبرر يراه هو في صالح صاحبها, وإلا كان محتجزا لهذا الحق علي غير رغبة مالكه الشرعي, ومغتصبا له منه, والناس لا يساقون إلي الجنة بالعصا, كما قال ذات يوم الزعيم السوفيتي الأسبق خروشوف, فإذا كنت قد أخطأت بتهديده بفضحه لدي رؤسائه أو شكواه إلي الشرطة.. فلقد حرضك هو علي ارتكاب هذا الخطأ العابر في حقه, بارتكابه هو خطأه الأفدح معك ورفضه تسليمك ما لك لديه بمجرد الطلب منه وبغير الحاجة إلي الإلحاح والرجاء والاستجداء.
وهو علي أية حال خطأ هين ولا يعبر أبدا عن حقيقة مشاعرك الأخوية, وكان يكفي الاعتذار عنه لكي يمحوه وترجع علاقتك به إلي طبيعتها بعد حين.. لكن شقيقك فيما يبدو قد ورث عن أبيكم نظريته في العقاب المدرسي.. ولم يرث عنه علي الأرجح حكمته في تقدير العقاب الملائم للخطأ.. ولو كان قد ورثها عنه حقا لاكتفي لحظة ذهابك إليه في العمل بمعاتبتك علي تهديدك له وقبل اعتذارك عنه ثم رد عليك مالك بلا ضغينة وحافظ علي صلته الأخوية بك.. وراقب عن قرب تصرفك في مالك ليتدخل في الوقت المناسب ويشير عليك بما يراه في صالحك, أو يردك عما يراه ضارا بك, إذ هكذا يفعل الآباء الرحماء مع أبنائهم حتي ولو تورطوا في خطأ عابر في حقهم واعتذروا عنه.. مادام شقيقك قد أراد أن يقوم بدور الأب في حياتك وحياة الأسرة, فالأبوة هي في الرعاية والعطف والعطاء والتسامح والحكمة والفهم.. وليس فقط في الرياسة والسيطرة والتحكم في مقادير الأبناء كما يراها شقيقك من وجهة نظره القاصرة.
ومع ذلك فلعلي أستطيع أن أفهم بعض أسباب غضبه الأعمي منك وإحساسه بالإهانة حين قمت بتهديده وهو الذي اعتاد ألا ترد له كلمة في أسرته بعد وفاة أبيه, حتي ولو أنكرت عليه هذا الغضب الضاري.. لكن ما لا أستطيع فهمه حقا هو كيف تحجر قلب والدتك تجاهك علي هذا النحو.. وكيف استطاعت أن تباعدك وتقاطعك حتي وبعد أن علمت أنك تصارعين المرض القاسي وفي أشد الحاجة إلي عطف الأمهات وحنانهن في مثل هذه الظروف العصيبة.. وماذا جري لبعض القلوب حتي صارت كالحجر أو أشد قسوة.. وأين عطف الأم والشقيقة وذوي الأرحام في الشدائد؟!
وهل كان من الضروري أن تشقي بحياتك الزوجية لكي تثبت والدتك وشقيقك وأختك بعد نظرهم فيفتحوا لك مغاليق قلوبهم القاسية؟
وماذا ينكرون علي زوجك سوي ضعف امكانياته, وقد كان ومازال نعم الزوج المحب العطوف لك.. في حين جفت ينابيع الرحمة في قلوبهم هم, فلم يترفقوا بك حتي وأنت في محنة المرض؟
إن الناس لا يسعدون بحياتهم والأهل الأقربون يباعدونهم وينكرونهم وينبذونهم وكأنهم قد ارتكبوا أبشع الجرائم.
ولقد كان الشاعر الفرنسي بول ايلوار يقول: إن وحدة الإنسان بغير أهله جريمة.. وإننا نحتاج إلي رفقة في الحياة لكي نري الحياة ونتذوقها.. ونشعر بكل أحاسيسها.
وأيا كانت سعادة المرء أو تعاسته الزوجية فإنه في حاجة كإنسان إلي الأهل الأقربين الذين أشار إليهم التنزيل الحكيم بقوله: وأولو الأرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله.( الانفال75)
فكيف يتفق ذلك مع هذه القلوب الصخرية التي تباعدك وتقطع رحمك ولا ترق لك حتي وأنت في محنة المرض, وألا يوجد في أسرتكم شخص رشيد يرد هؤلاء الجبابرة إلي صوابهم أو يذكرهم بعقاب رب السماوات والأرض لقاطعي الأرحام وغلاظ القلوب ومعذبي البشر بغير ذنب جنوه؟!
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
الثلاثاء، ١ فبراير ٢٠٠٠
القلوب المغلقة!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق