الثلاثاء، ١ فبراير ٢٠٠٠

الحلم الوردي‏!‏

23-08-2002
أرجو أن تقرأ رسالتي هذه بصدر رحب وأن تهتم بها عسي أن أجد لديك الخير وراحة البال‏,‏ فأنا سيدة جميلة في العشرينيات من العمر تقدم لي أكثر من شاب‏..‏ في سن مبكرة ثم شاء لي قدري أن يتقدم لي شاب رآه الجميع ملائما فتزوجته‏,‏ وبعد فترة عمل أمضاها زوجي في الخارج رجع إلي بلده‏..‏ وبدأت أتطلع للانجاب بعد استقرار أحوالنا‏,‏ وبعد عدة أسابيع جاءتني البشري السعيدة بحملي ففرحت بها كثيرا وبدأت شهور الحمل فإذا بي أشعر معها بتعب شديد‏,‏ وأعراض غريبة‏,‏ ولجأت إلي الطبيب فلم يجد في شيئا غير عادي‏,‏ لكن التعب اشتد بعد ذلك وتورم جسمي كله تورما شديدا‏..‏ وأعياني الارهاق فبدأ زوجي يتبرم بظروفي الصحية‏..‏ ولا يصبر علي‏..‏ ولا يتورع عن أن يجرحني بالكلمات القاسية والاهانة بالرغم من أنني أبذل كل ما في وسعي لارضائه‏,‏ حيث كنت قد أحببته ــ ورغبت في صدق في أن أحافظ علي حياتي معه‏..‏ فصبرت علي الاهانة وعلي متاعب الحمل الشديدة‏..‏ وتعلق أملي بأن يجئ المولود السعيد فيغير أحوال زوجي ويعيد السعادة إلي عشنا‏..‏ ثم جاءت لحظة الولادة فكانت عصيبة للغاية‏..‏ وأنجبت طفلة جميلة وساءت بعدها حالتي الصحية بشدة‏..‏ وتشكك الطبيب في حالتي فأجري لي فحوصا شاملة‏,‏ و‏نتهي إلي أنني مريضة بمرض مزمن هو المسئول عن هذه الأعراض الغريبة التي صاحبتني خلال الحمل والولادة‏..‏ واستسلمت لأقداري وبدأت رحلة العلاج المنهكة‏..‏ وبدلا من أن يقف زوجي إلي جواري في محنتي المرضية ويخفف عني أسفر عن وجهه بلا مواربة وتبرم بمرضي وراح يوجه لي كلاما جارحا يؤذي به مشاعري‏..‏ ويوما بعد يوم بدأت أشعر تجاهه بغضب شديد الي أن وجدتني بعد عدة شهور أكرهه كرها شديدا‏,‏ وأطلب منه الطلاق‏,‏ ورحب هو علي الفور بهذه الرغبة وتلقفها بسعادة كأنما كان ينتظرها بشوق‏,‏ وطلب مني ابراءه من حقوقي فلم أتردد في التنازل له عن كل شيء لكي أتخلص منه‏,‏ مع أن أملي الوحيد في الحياة كان أن تكون لي أسرة صغيرة سعيدة كغيري من الفتيات‏.‏ ورجعت إلي بيت أبي أحمل طفلتي الوليدة معي‏..‏ وتقبلت أقداري وصبرت علي مرضي المزمن الذي لا شفاء منه‏..‏ وانتظمت في العلاج الذي يقتضي مني الذهاب إلي المستشفي مرتين أسبوعيا‏,‏ وتحملت مضاعفاته المؤلمة في صبر وتسليم‏..‏ وخلال فترات العلاج الطويلة هذه كنت استسلم لأحلام اليقظة الوردية فأحلم بأنني قد التقيت بمن أحبني وأحببته

وتزوجنا بالرغم من كل شيء وأصبحت لي تلك الأسرة الصغيرة التي أحلم بها‏.‏ وكنت في أحلام يقظتي هذه أعد من سوف أتزوجه في خيالي بأنه سيكون أسعد انسان في الوجود‏,‏ وبأن أبذل غاية جهدي لاسعاده وحبه‏.‏

وما بين العلاج والعمليات الجراحية المتعددة وأحلام اليقظة مضت أيامي‏,‏ إلي أن ظهر في الفترة الأخيرة علاج جديد أستطيع أن أقوم به بنفسي في البيت كل يوم بدلا من الذهاب للمستشفي مرتين أسبوعيا‏..‏ بدأت أمارسه بنفسي ولا أذهب للمستشفي إلا للمتابعة كل أسبوعين أو ثلاثة‏,‏ وبعد عدة سنوات من العذاب والصبر‏..‏ لاحظت خلال ترددي علي المركز الطبي الذي أتعامل معه أن شابا ينظر إلي نظرات طويلة‏,‏ محيرة‏..‏ فقلت لنفسي إنه يعرف قصتي مع المرض ويري طفلتي معي حين أحضر للعلاج ولابد أنه يشعر ببعض الاشفاق علي‏..‏ ولم أعول علي هذه النظرات كثيرا‏..‏ إلي أن جاء يوم وتقدم مني هذا الشاب ليتحدث معي في أدب ويقول لي إنه يريد الزواج مني ويريد أن يتقدم إلي أهلي لطلب يدي‏,‏ فذهلت للمفاجأة وصحت به علي الفور‏:‏ ولماذا تظلم نفسك معي؟ فاستوعب انفعالي في هدوء وقال لي إن المرض لايعيب أحدا وإنني لست المسئولة عنه كما أنه راقبني لفترة طويلة فوجد في كل ما يريده في شريكة حياته من الأدب والاحترام والتدين‏..‏ إلخ‏.‏
ورجعت إلي البيت وأنا غارقة في التفكير‏..‏ لقد دعوت الله كثيرا وأنا مستسلمة للعلاج في فتراته الطويلة أن يهبني السعادة‏,‏ من عنده‏..‏ فتري هل استجاب الله سبحانه وتعالي لدعائي؟

إنه شاب متدين ومستقيم ولم يسبق له الزواج ولديه شقة وليس محتاجا لأحد‏,‏ فهل من المعقول بأن يضحي بشبابه ويتزوج شابة مريضة مثلي سبق لها الزواج ولديها طفلة صغيرة وأجريت لها عدة عمليات جراحية؟
ولم أستطع احتمال أفكاري وحدي فرويت لأهلي عن هذا الشاب وعرضه لي بالزواج ورأيت في عيونهم وهم يسمعون مني القصة نظرة الاشفاق علي وعدم التصديق‏,‏ ثم بدأوا يدلون بآرائهم فإذا بها كلها تدور حول الخوف من ألا تسمح لي ظروفي الصحية بأن أنهض بمسئولية الزواج‏..‏

ثم بعد مناقشات عديدة استمرت لفترات طويلة انتهي أهلي إلي رفض طلب هذا الشاب وأضافوا إلي الخوف من عدم قدرتي علي تحملي مسئولية الزواج‏,‏ الشك في احتمال أن يكون طامعا في للفارق المادي بيني وبينه‏,‏ ثم وهو الأهم عندهم وهو ماذا سيقول الناس عنهم إذا زوجوني وأنا مريضة في هذه الظروف؟
مع أن هذا الشاب كما قلت لك لايرغب في أية مساعدة من أي طرف ولديه شقة وكل ما يريده هو أن يتزوج من فتاة تعينه علي طاعة ربه‏,‏ حيث إنه شديد التدين‏,‏ ويرحب بشدة بطفلتي ويقول إنه سيتقرب إلي الله برعايتها‏,‏ لقد تألمت كثيرا لحالي بعد رفض أهلي طلب هذا الشاب وشعرت بأن الدنيا قد حكمت علي بالاعدام والحرمان من السعادة إلي ما لا نهاية‏.‏

وتساءلت‏:‏ ولماذا لا أجرب حظي معه‏..‏ فلربما يكون انسانا صالحا فأسعد معه ويعوضني به ربي عن اختباري بالمرض‏..‏ وإذا حدث العكس لا قدر الله فماذا عساي أن أخسره‏,‏ وأنا أستطيع الانفصال عنه‏..‏ والعودة لحياتي السابقة؟‏.‏ هكذا فكرت في أمري‏.‏ لكن الأهل يرفضون النقاش في هذا الموضوع ويرفضون أن يسمعوا لي وليس أمامي سوي الصمت والصبر علي المرض‏.‏
إنني أريدك أن تنصحني بكلمة تعينني بها علي الصبر علي آلامي‏,‏ وسوف أتقبل رأيك في صبر ولو كان برفض هذا الشاب نهائيا‏..‏

مع أنه لم يفقد الأمل في إجابته لطلبه ومازال صابرا ينتظر ويصبر طويلا‏..‏ وأرجو الرد علي سريعا حتي أستطيع أن أنسي هذا الموضوع وأتفرغ لمرضي ومضاعفاته‏..‏ وأنا علي استعداد لمقابلتك إذا رغبت في ذلك‏.‏

‏*‏ولكاتبة هذه الرسالة أقول
تذكرت وأنا أقرأ رسالتك ما قرأته أخيرا في رواية مزاج للروائي الفرنسي المولود في مصر روبير سوليه علي لسان إحدي شخصياته حين قال‏:‏

ــ جرحي حوادث الطرق علينا أن نتحدث إليهم لكي نشغلهم عن أوجاعهم‏,‏ أما جرحي الحياة‏.‏
فينبغي لنا أن نسمع لهم بلا مقاطعة لكي ينفسوا هم عما في صدورهم ويتخففوا من بعض أحزانهم وآلامهم‏..‏

ولهذا فإن من واجب أهلك أن يسمعوا لك جيدا وبصبرشديد واستعداد أعمق لتفهم إحتياجاتك الانسانية‏,‏ وأحلامك الوردية وغير الوردية يكتفوا بالرفض القاطع لمشروع الزواج المقترح عليك ويغلقوا باب المناقشة فيه بلا مناقشة ولا تبصر لوجهة نظرك وللظروف المؤلمة المحيطة بك‏..‏
والحق أنهم لايختلفون معك حول حقك في أن تسعدي بحياتك وفي أن تسكني إلي رفيق للحياة يحتويك ويعوضك عن أحزان المرض وتخلي الشريك السابق عنك‏,‏ وإنما هم يختلفون معك في تقويم فرصة السعادة المعروضة عليك الآن وهل ستحقق لك حلم السعادة المنشود‏,‏ أم أنها ستؤدي إلي مضاعفة الآلام والأحزان والخسائر النفسية‏,‏ فأنت ترين أنها تعدك بالسعادة والأمان وتخفيف الأحزان‏,‏ وترين أنك قادرة علي تحمل أعباء الزواج والوفاء بالتزاماته‏,‏ وتفضلين أن تخوضي التجربة وتتحملي تبعاتها فإن سعدت بها فلقد تحقق الغرض منها‏..‏ وإن شقيت بها لم يصعب عليك التخلص منها‏.‏

وهم من جانبهم وبدافع الحب لك يشفقون عليك من أن تحمل لك التجربة إيلاما جديدا وخسائر مضاعفة‏,‏ إذا اختبرت بمحك الواقع فكشفت لك عما يتشككون فيه أو يتخوفون عليك منه‏,‏ وتتكرر في حياتك محنة النبذ العاطفي لغير ذنب جنيته ومحنة تنكر الرفيق لك تبرما بظروفك الانسانية وتخليه عنك في الأوقات الصعبة بدلامن أن يكون عونا لك عليها‏.‏
كما أنهم مدفوعون أيضا بالحرص عليك يتخوفون من أن تكون ظروفك الانسانية مغرية لبعض ذوي النفوس الضعيفة بمحاولة ابتزازك عاطفيا وانسانيا‏..‏ فتتعرضين في المستقبل لبعض ما لايرضونه لك وما لا يملكون السكوت عليه‏..‏

لهذا فإن المشكلة الحقيقية ليست في تشكك الأهل في قدرتك علي تحمل مسئولية الزواج كما تتصورين وإنما هي في تشككهم في عدم جدارة هذا الشاب بك‏,‏ وظنهم به أنه قد لايكون خالص الرغبة فيك لشخصك أو غير صادق النية في قبوله بظروفك الانسانية وعدم تأثره بها في المستقبل‏,‏ فضلا عن مخاوفهم من أن تتعرض طفلتك الصغيرة لسوء المعاملة‏..‏ إن لم يكن هذا الشاب عند حسن الظن به‏,‏ غيرأنه ليس من المستحيل محاولة التحقق من كل ذلك‏..‏ بدراسة شخصية الشاب وظروفه وأخلاقياته وسمعته‏,‏ إلي جانب التعامل المباشر معه وإخضاعه للتجربة والاختبار في فترة التعارف العائلي قبل أي ارتباط رسمي به‏.‏
كما أن الأهل مطالبون إلي جانب حبهم لك وحرصهم عليك وهما ليسا موضع الشك‏,‏ بأن يضعوا في الاعتبار كذلك ظروفك الانسانية المؤلمة وقيمة مثل هذه الفرصة التي تعرض لك للسعادة بعد كل ما عانيت من أحزان وآلام‏,‏ وبألا يغلقوا الأبواب بلا ترو أمام مثل هذه الفرص وأشباهها حتي ولو تطلب الأمر منهم التغاضي عن بعض الاعتبارات الاجتماعية تقديرا لظروفك المؤلمة‏.‏ وتعويضا لك عن أقدارك التي لاذنب لك فيها‏,‏ وليس من حق أحد حينذاك أن يلومهم إذا فعلوا ذلك‏...‏ ومن واجبهم ألايتحسبوا لما قد يتقول به البعض إذا قدموا بعض التضحيات لاسعاد ابنتهم وتيسير الحياة عليها وإشعارها بحقها في الحياة والزواج كغيرها من الفتيات‏..‏ فهم إنما يسعون إلي سعادة ابنتهم بالطريق المشروع ويتهمون ظروفها الانسانية ويسعون للتخفيف عنها‏..‏ وكل ذلك مما يشرف به الأهل الرحماء ويشهد لهم بصدق الحب والرعاية للابنة الممتحنة بأقدارها وليس أبدا مما يصيبهم أو ينقص من أقدارهم‏.‏

والتجربة في النهاية هي محك الاختبار كما يقول أهل الحكمة وكثيرا ما أثبتت لنا تجربة الأيام خطأ ظنوننا فيمن تشككنا فيهم فكشفوا لنا عن جوهر أصيل فيهم وكثيرا ما كشفت لنا الأيام خطل تقديرنا لبعض توسمنا فيهم الخير والصلاح مصداقا لقول رب السيف والقلم محمود سامي البارودي‏:‏
تأتي الأمور بما ليس في خلد ويخطئ الظن في بعض الأحايين

فعسي أن تثبت تجربة الأيام للأهل المشفقين عليك خطأ ظنونهم في هذا الشاب الراغب فيك بإذن الله‏..‏ وعسي أن تهبك السماء بعض ما تستحقين من سعادة وأمان في قادم الأيام إن شاء الله‏..‏ وأما تحملك لأعباء الزواج فإن الطبيب المختص يستطيع أن يصدقك النصح في هذا الشأن‏..‏ وإن كنت أعرف عن تجربة‏,‏ أن مرضك المزمن شفاك الله منه والذي حذفت الإشارة إليه رعاية للمشاعر لايعوق زوجة شابة مثلك عن أداء معظم واجباتها الزوجية إن لم تكن كلها‏,‏ كما أعرف أيضا أن بعض من يكابدنه منذ‏20‏ أو‏25‏ عاما يمارسن حياتهن الزوجية ويرعين أبناءهن‏..‏ ويسعد به أزواجهن‏..‏ دون عناء كبير‏..‏ فاستجمعي إرادتك أيتها السيدة الشابة وتحدثي إلي أهلك بما يدور في أعماقك بلا حرج ولاتهيب‏..‏ وطالبيهم بأن يمنحوا هذا الشاب فرصته العادلة لاثبات صحة نيته وصدق رغبته فيك ثم فليحكموا عليه بعد ذلك وفقالما سوف يسفر عنه الاختبار والتفكير الرحيم في أمرك وأمره‏,‏ ولا بأس بأن تقترحي عليهم أن تكون العصمة في يدك لكي يزدادوا اطمئنانا عليك‏..‏ ويثقوا في قدرتك علي إنهاء التجربة إن هي كشفت لك ذات يوم لاقدر الله‏,‏ عما يشفقون عليك منه‏..‏ والسلام‏...‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق