06-09-2002
أنا سيدة في الأربعين من العمر نشأت في أسرة مكونة من أب وأم وسبعة من الأبناء, وقد رحلت أمي عن الحياة وأنا في طفولتي, فلم يصبر والدي علي وحدته طويلا وسارع بالزواج من أخري, وانفرد معها بإحدي غرفتي الشقة الصغيرة التي نقيم فيها وتكدسنا نحن الأبناء السبعة في الغرفة الثانية, ولم تلبث الحياة أن كشرت لنا عن أنيابها وبدأ الصراع بيننا وبين زوجة الأب ووالدنا الذي انصرف عنا وعن كل شئ إلي زوجته, مما أدي إلي فشل معظم اخوتي في الدراسة, أما أنا فلقد استمت في الاستمساك بفرصتي في التعليم ودبرت أمري بحيث أواصل الدراسة مهما تكن الظروف قاسية حتي التحقت بكلية التجارة, وبدأت أري زميلاتي يرتدين أحدث الملابس.. وأدخل بيوتهن فأري التليفزيون الملون والمياه الساخنة وأشكالا جديدة للحياة لا أعرفها, وتوثقت العلاقة بيني وبين زميلة لي يعمل والدها بأحد البنوك, فكنت أتردد عليها كثيرا وأقضي معها معظم اليوم ولا أذهب إلي البيت إلا في المساء لكي أنام, وتخرجت في الكلية فألحت علي صديقتي هذه أن ترجو والدها في أن يتيح لي فرصة التدريب في البنك معها.. وتم ذلك بالفعل وتدربت بالبنك خلال عام الخدمة العامة وانتظرت أول الشهر بفارغ الصبر
لكي أقبض أول مكافأة أكسبها في حياتي وكانت خمسين جنيها, وبعد عامين عينت في نفس البنك بمساعدة والدة صديقتي وتم توزيعي علي أحد الأقسام فوجدت رئيسه شابا يكبرني بنحو عشر سنوات ووسيما وأنيقا وخدوما ويحسن معاملة الآخرين... ووجدت معظم فتيات القسم معجبات به ويتمنينه لأنفسهن, فأدركت أنه حلم صعب المنال بالنسبة لي, لكني لم أتوقف عن الأمل فيه إلي أن جاء يوم سمعته فيه يتحدث إلي صديق له في التليفون ويضرب له موعدا للقاء في الثالثة من بعد ظهر اليوم التالي, أمام البوابة الرئيسية لمعرض القاهرة الدولي, وعلي الفور حزمت أمري وقررت أن أذهب للمعرض في نفس هذا الموعد وألتقي به, كما لو كان لقاء بالمصادفة.. وذهبت إلي هناك بالفعل ورأيته وعبرت الطريق أمامه كأنني لا أراه وناداني محييا فاصطنعت الدهشة لهذه المصادفة السعيدة وقلت له إنني كنت علي موعد مع صديقة لزيارة المعرض لكنها لم تحضر, فتعجب للمصادفة لأنه كذلك كان علي موعد مع صديق لنفس الغرض وتخلف أيضا عن الحضور, وسألني عما إذا كنت أحب مشاهدة المعرض معه فرحبت بذلك, ودخلنا معا وأمضينا عدة ساعات معا, وتواعدنا علي اللقاء في الموعد نفسه غدا لاستكمال الفرجة. وقام بتوصيلي إلي مسكني بسيارته.. وفي اليوم التالي أمضيت معه يوما سعيدا آخر ووجدته انسانا كريما وودودا, وفي نهاية اليوم سألني وهو يوصلني إلي منزلي عما إذا كنت أقبل به زوجا لي.. فغلبتني دموعي وراح هو يحنو علي.. ويخفف عني. وفاتحت أبي برغبة رئيسي في التقدم إلي فرحب بذلك لكي يخلو له المسكن مع زوجته, وجاء رئيسي مع أخته وأخيه والتقوا بوالدي, وصارحه أبي بأننا لانملك شيئا وأنه إذا أراد أن يتزوجني فعليه أن يتكفل بكل شيء دون أي مساعدة منه, وقبل ذلك, ولم تمض أسابيع حتي كان قد عقد القران, وبعد شهور قليلة تم الزواج وانتقلت إلي شقة زوجي الجميلة المؤثثة بكل الكماليات.. وأجهزة التكييف والأجهزة الكهربائية الحديثة, وتحقق الحلم الجميل الذي لم أتصور إمكان تحقيقه, وأصبحنا نذهب إلي العمل ونرجع منه معا.. وافتتحت لنفسي بعد الزواج دفتر توفير في البنك أصبحت أضع فيه مرتبي أو معظمه كل شهر لأن زوجي الكريم أبي علي أن أنفق منه شيئا علي حياتنا, وحملت وأنجبت طفلة جميلة وبعد انتهاء إجازة الوضع وجدت أنني أحتاج للتفرغ لبيتي وأسرتي فحصلت علي أجازة بدون مرتب وحملت مرة أخري ثم ثالثة وأصبح لدينا ولدان وبنت, ومضت الأيام جميلة وبهيجة, فحتي الخلافات البسيطة التي تحدث بين الزوجين كانت سرعان ما تزول, وتقدم زوجي في عمله واطرد نجاحه وازداد دخله.. ووجدت أنني لن أستطيع العودة للعمل فتقدمت باستقالتي إلي البنك لكي أتفرغ لأسرتي, وحصلت علي مبلغ لا بأس به كمكافأة أودعته دفتر التوفير بناءعلي نصيحة زوجي, وواصلت الحياة طريقها وزوجي يضعنا في بؤرة اهتمامه.. ولا يعكر علينا صفو الحياة شئ سوي أنني قد أصبحت مع الأيام وأعباء الأبناء والبيت عصبية مع زوجي لأقصي الحدود, وأثور عليه لأتفه الأسباب, وهو يهدئ روعي ويستحلفني ألا تحدث أية مشادة بيننا أمام الأبناء لكيلا تتأثر نفسياتهم, وفي هذه الفترة كان زوجي قد دخل في بعض المشروعات التجارية مع بعض أصدقائه وبدأت مشروعاته في النمو, وأصبحت تدر علينا دخلا كبيرا.. وحاول زوجي أن يحصل علي إجازة بدون مرتب لكي يخصص وقتا أكبر لأعماله التجارية فلم يوفق في ذلك, ولم يجد مفرا من الاستقالة من البنك والتفرغ لأعماله الخاصة.
ثم اضطربت فجأة حياة زوجي العملية حين استولي أحد شركائه علي قيمة أحد الشيكات وفر بها. فتأثرت الأعمال التجارية.. واضطربت الأحوال ووصل الأمر إلي ساحة القضاء, لكن زوجي لم ييأس والتحق بالعمل بأكثر من شركة تجارية, فلم يكن العمل يطول في كل منها أكثر من5 أو7 أشهر, ثم يعود إلي البيت..
وفي هذه الأثناء زادت عصبيتي معه بشكل رهيب.. وأصبحت أشتبك معه في مناقشات عنيفة تستغرق الليل بأكمله وتستمر حتي الصباح, وهو يرجوني أن أخفض صوتي لكيلا يسمع الأبناء بلا طائل, وحتي أنه كان في بعض الليالي يترك البيت ويركب سيارته ويظل يطوف بها في الشوارع حتي يطلع النهار ويذهب الأولاد للمدرسة فيرجع مهدودا لينام, وما أن أشعر بوجوده حتي أنهض من نومي لأستأنف معه النقاش! وغضبت من زوجي وهجرته إلي بيت أبي وشكوت إليه حالي فقال لي إنه لادخل له بحياة زوجي ومن حقه أن يدبر أموره كيف يشاء مادام لايقصر في شيء مع أبنائه, ورحل أبي فجأة عن الحياة وأنا مقيمة لديه, وبعد وفاته أبلغتنا زوجته أنه قد كتب لها الشقة منذ ثلاث سنوات, وحضرت إلينا في نفس اليوم سيدة أخري معها طفل قالت لنا إنها هي الأخري زوجته وهذا الطفل ابنه!
وهكذا وجدت الدنيا تنهار من حولي ولم يعد لي مكان في بيت الأسرة فرجعت إلي منزلي ومعي الأبناء وانقطعت صلتي بالمكان الذي نشأت فيه, وبعد وفاة أبي بدأ أخي الأكبر الذي لم يكن يزورني كثيرا من قبل في زيارتي والاهتمام بأمري, خاصة أنه كان قد استقرت حياته وافتتح لنفسه مشروعا صناعيا بإحدي المدن الجديدة.. وبدأت أنا أعتمد عليه كأخ أكبر وأحكي له كل كبيرة وصغيرة في حياتي.. وأصبحت أستجيب لكل ما ينصحني به حتي أنني هجرت غرفة نومي وأصبحت أنام في حجرة الأبناء بناء علي نصيحته, لكي أستحث زوجي علي أن يجد حلا لمشكلاته.
وذات مساء جاءني زوجي بعد نوم الأبناء.. وقال لي إن معه شيكا يستحق الصرف بعد20 يوما, وطلب مني أن أعطيه أي مبلغ لكي ينفق منه علي البيت إلي أن يحل موعد الشيك فيعيده إلي, فنهرته وانطلقت أجرحه بشكل غير طبيعي وهو صامت لاينطق حتي استيقظ الأبناء من نومهم علي صوتي واندفعوا يبكون فأدخلتهم حجرتهم.. وأنا أشعر بسعادة شديدة لأن الأبناء قد تصوروا أن أباهم يعتدي علي بالضرب ومضت الأيام بحلوها ومرها وزوجي يحاول جاهدا الاصلاح ونصائح أخي لي تنسف جهوده أولا بأول.. وكلما شعرت أن مع زوجي مبلغا من المال أخبرته أنني مريضة وفي حاجة إلي استشارة طبيب وإجراء تحاليل, فلا يملك إلا القبول لأنه يعرف أن المرض معناه أن تحدث مشادة عنيفة بيننا أمام الأبناءوهو لا يريد ذلك, وباختصار ياسيدي فقد أحلت حياته إلي جحيم وأعترف لك بذلك واعتاد الجيران سماع صوتي العالي وهو يسب بأفزع كلمات السباب, وهو يتحمل صابراويستحلفني بالله أن أدعه يعيش في أمان لكي يستطيع تدبير رزقه ورزق أولاده, وأنا أشعر كأنني قد ركبت قطارا انطلق بأقصي سرعته.. ولم أعد أستطيع إيقافه.
وفي الصيف الماضي وجدته ذات يوم يعد حقيبة سفر صغيرة وسألته عما يفعل فأجابني بأنه سيسافر إلي بورسعيد لقضاء بعض الأعمال التجارية وسافر, وفي اليوم التالي تلقيت منه ورقة الطلاق, وجاء معها المحامي الذي يتعامل معه زوجي ورجال من قسم الشرطة لكي أتسلم منقولاتي ومؤخر الصداق, وأسرعت أتصل بأخي فحضر ليشاركني هذا الموقف العصيب, وبعد مداولات انتهينا إلي أن آخذ معي الأولاد بناء علي طلبي بالرغم من إنتهاء حضانتي لهم ومقابل أن أتكفل أنا بنفقاتهم وألا أطالب مطلقي بشئ.. وتم إنزال الآثاث إلي الشارع وجاءت سيارة نقل فحملته مع الأبناء, والجيران ينظرون إلينا من الشرفات في صمت, وذهبت إلي مسكن أخي, لكن إقامتي لديه لم تطل كثيرا لأنني أحسست أنني لو بقيت معه فترة أطول فسوف يخسر زوجته, وبمساعدته عثرت علي شقة سطح صغيرة من غرفة وصالة, وانتقلنا إليها في حين تكوم معظم الأثاث في مخزن يمكله صديق أخي.. ودخلنا الشقة الجديدة والأبناء يتلفتون حولهم في ذهول وأنا مثلهم, ومضت الأيام وأنا أتحمل مسئولية الإنفاق علي الأبناء من مدخراتي, وبعد بضعة أشهر خرجت ابنتي الكبري في الصباح الباكر دون أن تصارحني بوجهتها, وانقضي النهار بغير أن تعود, وعند الغروب استدعاني الجيران لأرد علي مكالمة تليفونية فوجدتها منها ووجدتها تبلغني بإنها لدي والدها وستقضي الليلة معه وعلينا أن نقابلهما أمام حديقة الحيوان في صباح اليوم التالي.. وذهبنا كلنا في الموعد.. وبعد قليل حضر زوجي السابق بسيارته ومعه ابنتي وإندفع إليه الولدان في شوق وفرح ورأيته يحتضنهما ويقبلهما والدموع تملأ عينيه, ثم أعطي كل ولد مظروفا به ألف وخمسمائة جنيه ولابنتي مظروفا مماثلا, وودع الأبناء وانصرف مسرعا بسيارته وأنا واقفة فوق الرصيف لا أتحرك ولم يصافحني ووجدت ابنتي تحمل حقيبة كبيرة عرفت إنها تحوي ملابس جديدة لها اشتراها أبوها لها ولأخويها وملابس للمدارس, ومنذ هذا اليوم حدث تحول غريب للأبناء تجاه والدهم وبدأوا يهاجمونني ويتهمونني بأنني السبب في حرمانهم من أبيهم, وخاصة ابنتي الكبري التي أصبحت تذهب إلي والدها كثيرا وتبقي عنده بالأيام, كما أن ابني الصغير الذي يحب أباه بجنون ذهب إليه وقضي معه شهرا كاملا لم أره خلاله.. وأنا الآن في موقف غريب.. إعرف إنني أخطأت في حق زوجي السابق كثيرا وأهنته كثيرا وحطمت بيتا كان من الممكن أن يكون من أسعد البيوت, وأعرف أيضا أنه يقرأ لك بانتظام, ف
هل يمكن أن توجه إليه كلمة لكي يعيد اجتماع الشمل مرة أخري, وأنا علي استعداد لأن أقبل الأرض التي يسير عليها من أجل الأبناء الذين أصبحت حياتهم صعبة خاصة وأنني أشعر أنهم سوف يذهبون إلي أبيهم الواحد بعد الآخر ذات يوم وأبقي أنا وحيدة؟
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
قد تكون رسالتك هذه فرصة لا بأس بها لفهم سر إقدام أحد شريكي الحياة علي اتخاذ خطوة مصيرية غير متوقعة علي خلاف ماكان يبدو عليه من استسلام ظاهري لظروفه.. وقبول للشرب علي القذي علي مدي سنوات طويلة, حتي ظن به الطرف الآخر أنه لايجرؤ علي الاعتراض, ناهيك عن التغيير!
إن النفس البشرية كالكأس التي تفيض فجأة إذا تلقت قطرة زائدة واحدة علي قدرتها النهائية علي الاستيعاب.
وبعض شركاء الحياة يتغافلون عن إدراك أن كأس الشريك قد امتلأت ولم يعد بها متسع للمزيد, وبدلا من أن يحاولوا إفراغها من مخزونها القديم من المرارات أولا بأول, بالاعتذار ومحو الاساءة.. وحسن العشرة والحب والعطاء وإثبات حسن النية.. يواصلون إضافة المزيد والمزيد إلي أن تجئ اللحظة الحاسمة وتفيض الكأس بما فيها ويتعذر الاصلاح, ويفاجأ أحد الطرفين بالآخر وقد انتفض كالمارد بغير سابق إنذار وسد كل أبواب التفاهم.. وأصر علي الانفصال مهما تكن التبعات.
والحق أن أكثر ما يعين علي إفراع هذه الكأس قبل أن تفيض بما فيها... هو أن يكون الخطأ عابرا وليس متعمدا, أو أن يعتذر عنه مرتكبه ويسترضي الشريك نفسه حتي تخلو من الموجدة أوأن يحرص علي مودة صاحبه حتي لينسيه بعد قليل الاساءة السابقة, أو أن يقف إلي جواره في المحن والشدائد فتجب فضائله الأساسية عثراته الهينة.. أو أن تكثر محاسنه فتمحو تلقائيا سيئاته علي نحو ما عبر عنه المتنبي بقوله:
فإن يكن الفعل الذي ساء واحدا .................... فأفعاله اللائي سررن ألوف
وقبل ذلك كله ألا يسبب الخطأ المرتكب في حق الشريك جرحا غائرا لكرامته الانسانية.. وألا يشعره بالهوان علي صاحبه.. ولابالجحود ونكران الجميل, فإذا كان من ذلك النوع احتاج من مرتكبه إلي ما هو أكثر من الاعتذار والاسترضاء البسيط, وتطلب التفكير وصدق الندم.. والوعد المقنع بعدم العودة إليه مرة واحدة, وفي ظني أنك قد تغافلت عن حقائق عديدة في علاقتك بزوجك السابق.. ولم تحترزي في تعاملك معه في السنوات الأخيرة.. فاعتمدت اعتمادا خاطئا علي روح المسالمة التي يتعامل بها مع إساءاتك إليه.. وخوفه الدائم من إطلاع الأبناء علي خلافاتكما.. فتماديت برعونة في الإساءة إليه والاستهانة بأمره, وحولت حياته كما تقولين إلي جحيم, ومحاكم تفتيش تتواصل طوال الليل حتي ليفر منها ويهيم علي وجهه في الشارع إلي أن يطلع الصباح حتي يذهب الأبناء إلي المدرسة ويطمئن إلي أنهم لن يشهدوا هوانه ومذلته مع زوجته.
ومن أسف إنك لم تفعلي ذلك لأنه كان يسئ عشرتك أو يخون عهد الوفاء معك أو ينصرف عنك وعن أبنائه إلي زوجة أخري أو يطلق العنان لأهوائه وينغمس في اللهو والعبث والفجور بما يؤثر علي سمعة الأسرة والأبناء.. وإنما استبحت كرامته وكبرياءه لسبب لايشرف أي زوجة حريصة علي حياتها الزوجية وأمان أبنائها.. وهو تغير أحواله المادية لأسباب لا حيلة له فيها.. وتعثر خطواته وضعفه أمامك, بعد أن كان الحلم صعب المنال الذي تتنافس فتيات البنك علي الفوز به.. وتخططين أنت لاقتناصه لكي ينتشلك من ظروفك القاسية قبل الزواج. وبدلا من أن تواسيه بمالك حين تغيرت أحواله وتعينيه علي أمره حتي يستعيد ما فقده ويقف علي قدميه من جديد تحولت إلي زوجة عدوانية معه وتوحشت في إساءة معاملته, بالرغم من اجتهاده لارضائك وتلبية متطلبات حياة الأسرة بقدر الإمكان, وبالرغم من إقرار والدك كذلك بأنه لايقصر بالرغم من ظروفه في تلبية مطالب الأبناء.
ولا تفسير لذلك لدي سوي أنك لم تعرفي الحب الحقيقي لهذا الرجل في أي مرحلة من مراحل علاقتك به, وأن سعيك للفوز به دون الأخريات لم يكن استجابة لنداء القلب المتطلع للسعادة بقدر ماكان أملا عمليا في التخلص من ظروفك القاسية والفوز بالحياة الكريمة والأمان المادي.. أي أنه كان تطلعا إلي حياة أفضل وإنسلاخا من واقع اجتماعي مؤلم.. وليس في ذلك خطأ في حد ذاته لأنه حلم مشروع لكل انسان, لكن الخطأ قد بدأ حين اعتبرت تغير أحواله المادية وكأنه إخلال من جانبه بشروط المشروع المادي الذي شغلت به عند التطلع للارتباط بهذا الرجل, وتعاملت معه وكأنه جان ارتكب في حقك خطيئة عظمي لابد من عقابه عليها لتعسره المادي وضياع ماله!
وليس هكذا تفعل الزوجة المحبة التي ترتبط مع زوجها بوحدة المصير في السراء والضراء وفي الصحة والمرض وفي الفقر والغني..
ولاعجب إذن في أن ينتهي بك السعي إلي حيث بدأت خطواتك للارتفاء الاجتماعي, فترجعين إلي مايشبه المسكن القديم الذي كان يتكدس في إحدي غرفه سبعة من الإخوة, لأن الشكر هو الحافظ للنعم.. وليس التمرد والجحود والانقلاب علي الشريك حين تتغير أحواله المادية ولأنه كما ينبئنا الحديث الشريف:
التحدث بالنعمة شكر وتركها كفر ومن لايشكر القليل لايشكر الكثير ومن لايشكر الناس لايشكر الله, والجماعة بركة والفرقة عذاب صدق رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.
ولم يكن من شكر النعم أن تقلبي لزوجك ظهر المجن لمجرد أنه فقد ماله.. أو اضطربت أحواله التجارية.
والآن فإنك تقولين إنك تعرفين إنك قد أخطأت في حق زوجك كثيرا وأهنته كثيرا, وتأملين في إعادة جمع الشمل معه.. وهذا أمل مشروع لك لاشك في ذلك.. لكنك لاتبررينه بأنك قد أدركت هول أخطائك وندمت عليها ندما شديدا وأدركت كم كنت متحجرة المشاعر.. صخرية القلب حين كفرت بعشرة زوجك الذي يتحمل منك الأذي صابرا ولا يرد عليك الاساءة إلا بالرجاء المتوسل إليك بخفض صوتك لكيلا يسمعك الأبناء, وصح عزمك علي أن تعوضي زوجك عن كل ماعاناه معك.. وتغيرت بالفعل أفكارك وشخصيتك إلي الأفضل, وترغبين في استعادة أبنائك لحياتهم ا لعا ئلية المستقرة وإنما تبررين رغبتك في العودة بمبرر يعد استطرادا للتفكير المنحضر في الذات.. وهو أن الأبناء قد بدأوا يتجهون إلي أبيهم ويعرفون له فضله ويتعاطفون معه.. ويتهمونك بالمسئولية عن حرمانهم من حياتهم العائلية ولن يمضي وقت طويل حتي يتسربوا واحدا بعد الآخر عائدين إلي أحضان أبيهم وتاركين إياك للوحدة وسوء المصير!
ولست أحسب أن هذا المنطق الذاتي سوف يفيد شيئا في إقناع زوجك السابق بأنك قد أدركت بالفعل حقيقة ما ارتكبت من أخطاء جسيمة في حقه وحق أبنائك, بل وحق نفسك, ولن يغريه بالأمل في أن يتعامل مع متغيرات إيجابية في شخصيتك في حالة العودة إليك, وإنما يفيد حقا ألا نكتفي بمجرد الإقرار, وإنما نضيف إليه صدق الندم وإبراء الذمة من حقوق من أخطأنا في حقهم.. والاعتذار الكافي لهم, وأن نواصل الجهد المخلص الدءوب للتفكير عن خطايانا في حقهم واسترضائهم إلي أن يعفوا ويصفحوا ويقتنعوا بأننا قد تغيرنا بالفعل إلي الأفضل.
ومن أقوال السيد المسيح عليه السلام: من يهلك نفسه من أجلي يجدني.
وكذلك الحال أيضا مع أهدافنا في السعادة والأمان, فإننا لا نحققها بمجرد التمني أو الرغبة فيها, وإنما نحققها بالجهد والعرق والصبر علي المكاره.. لكي نجدها في نهاية المشوار.
فابذلي كل ذلك في سعيك لاستعادة السعادة والأمان في حياتك, وحاولي إقناع زوجك السابق إنك لاتسعين للعودة إليه لأن ظروفه المالية قد بدأت في التحسن كما هو واضح من نهوضه لتحمل مسئوليته المادية عن أبنائه بالرغم من اتفاقه معك علي استمرار حضانتك لهم مقابل الانفاق عليهم, وإنما لأنك قد أدركت ما كان قد فات عليك من حقائق الحياة وعرفت له بالفعل فضله وقدره وحسن عشرته لك.
وحبذا لو قدمتي له أي دليل مادي لاثبات ذلك حتي ولو كان رمزيا لإشعاره بتغيرك وتغير أفكارك المادية السابقة!
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
الثلاثاء، ١ فبراير ٢٠٠٠
القطرة الزائدة!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق