15-03-2002
أكتب إليك هذه الرسالة استكمالا لموضوع سبق لي أن استشرتك فيه.. وسوف أذكرك به.. فأنا ياسيدي زائر الليل الذي زارك في مكتبك منذ بضع سنوات بعد منتصف الليل, وروي لك أنه نشأ في أسرة سعيدة لأبوين متحابين ومتعاطفين وبين أخ وأخت يصغرانني.. وكيف مضت بنا رحلة الحياة ونحن الأبناء حريصون علي رضا أبوينا.. وننفذ وصياهما لنا وأهمها هو أن نتحاب فيما بيننا ونتماسك ونحرص دائما علي علاقتنا الأخوية ببعضنا البعض, حتي تخرجت وعملت وتزوجت, وتخرجت أختي التي تليني في العمر وتزوجت.. وتخرج أخي الأصغر وأصر علي أن يتزوج بعد تخرجه علي الفور من زميلة له.. ولم يسمع نصيحة أبي وأمي ونصيحتي له أن يتروي قليلا ويصبر إلي أن يؤدي الخدمة العسكرية ويعمل عملا مستقرا.. فلم يقتنع بأي نصيحة.. وكانت حجته في ذلك أن زميلته هذه يلاحقها زميل آخر لها ويعرض عليها الزواج, ولو لم يبادر هو بالزواج منهاعلي الفور فقد تقتنع بالآخر وتتزوجه! وبالرغم من سذاجة السبب لأن من تريد إنسانا لاتعدل به أحدا إلا أنه أحال حياة الجميع إلي جحيم واتهم الجميع بعدم الاهتمام بسعادته.. حتي اضطر أبي راغما علي السير في خطوات الزواج, وهو غير مقتنع بأسبابه.. وقال وهو يفعل ذلك أنه يعرف ابنه جيدا ويعلم عنه أنه يعتقد أن احتياجاته ومطالبه لابد أن تكون فوق كل الاعتبارات.. وتم عقد القران.. ومن اليوم الأول له بدأت مشاكل خطيبته مع أسرتي التي تصورت أن معارضة أبي لزواجه منها تتعلق بشخصها هي وليس بصغر سنه وظروفه, فبادرت الجميع بالتحفظ والحساسية المرضية والتربص لأية كلمة أوإشارة تصدر عنهم.. وأصبح كل رأي يبديه أبي بشأن خطوات الزواج مرفوضا من جانبها دون تفكير.. حتي نفض أبي يده من الأمر كله وطلب من أخي أن يفعل بحياته ما يشاء دون الرجوع إليه.. وأيدته في ذلك حرصا علي العلاقات الأخوية والعائلية وأقنعت أمي وأختي بذلك لكيلا نتعرض جميعا للعداء من جانب خطيبة أخي ومن جانبه.. وتزوج أخي الأصغر بعد القران بشهور معتمدا في زواجه علي مرتب شهري من أبي وليس علي عمله كما فعلت أنا وبعد انتهاء خدمته العسكرية استقر في عمل مناسب وأنجب أول أطفاله, وبعد بضعة أعوام رحل أبي عن الحياة وترك لنا ميراثا بسيطا يعيننا إلي جانب أعمالنا علي الحياة الكريمة, وكان الميراث عبارة عن مساحتين صغيرتين من الأرض الزراعية في بلدة أبي بالوجه البحري, إحداهما في الجهة الشرقية منها.. والأخري في الجهة الغربية وعقارفي بلدتنا تمت تعليته بدورين إلي جانب معاشه لأمي, وبعد انتهاء العزاء بدأنا في إجراءات تقسيم الميراث وفوجئت بأخي الأصغر يخرج علينا بشيء يتعارض مع الشرع والقانون ويصر عليه إصرارا غريبا هو أن يأخذ نصيبه من الميراث كله في قطعة الأرض الشرقية. بحيث يستقل بها دوننا.. ونقتسم نحن بقية الميراث كما يحلو لنا, في حين يقضي العدل أن نتقاسم كلنا قطعة الأرض الشرقية وقطعة الأرض الغربية والعقار كل حسب نصيبه الشرعي, وحاولت معه بكل السبل والطرق أن يقبل بما شرعه لنا الله, وعرضت عليه أن نقسم الأرض حسب الشرع وأن أستبدل معه وحدي نصيبي في الأرض الغربية بنصيبه قي الأرض الشرقية, برغم علمي وعلم الجميع أن قيمة الأرض الشرقية أكبر لأنها أكثر خصوبة وسعرها أعلي, كما أنها ملاصقة لكردون البلدة ومرشحة لأن تدخل زمام المباني فيها ذات يوم علي عكس الأرض الغربية, وبالرغم من هذا عرضت عليه ذلك لكي أرضي نفسه وأحافظ علي صلة رحمه.. خاصة أن الفارق في قيمة الأرض ليس كبيرا إلي الحد الذي يجعلني أخسر أخي من أجله.. لكنه رفض حتي هذا العرض وطالبني بما لا أملكه وهو أن أقنع أختي وزوجها بأن يفعلا ما فعلت وإلا فنحن لانريد له ما يحقق مصلحته!
وعقدنا جلسات عائلة عديدة.. وحكمنا بيننا الأهل دون جدوي, ثم فوجئت ذات يوم بإنذار قضائي من محام مشبوه وسييء السمعة في بلدتنا يبلغني فيه بأن أخي سوف يطعن في قسمة الميراث أمام المحكمة ويتهمني بإخفاء مبلغ كبير من المال يزعم أن أبي تركه وراءه في البيت ولم ندخله نحن في الميراث لكي نحرمه من نصيبه فيه!
ولم أصدق عيني حين قرأت هذا الإنذار.. وبكيت حزنا علي أبي الذي كرس حياته لتربيتنا ورعايتنا وتعليمنا المبادئ الدينية والأخلاقية وكافح طوال حياته لكي يوفر لنا الحياة الكريمة, وجمعت أمي وأختي وزوجها وأبلغتهم بالخبر وقلت لهم إن أخانا قد باع صلة رحمه بطمع الدنيا, لكني لا أتصور أن أقف أمامه في المحكمة وأسيء إلي ذكري أبي الطيب في بلدتنا, واقترحت في النهاية أن نقبل بما يريد مع أنه لا حق له فيه, ووافقني الجميع علي أن أعمل علي رأب الصدع مع أخي بالرغم من تسليمنا جميعا بعدم أحقيته فيما يريد, وإدراكنا أن زوجته هي التي تحرضه علي هذا الموقف العدائي منا.
ولم ينته الأمر عند هذا الحد كما كنت أتصور, فلقد راح كل بضعة أسابيع يثير مشكلة جديدة ويطالبني بشئ ليس من حقه.. ويستعين بالمحامي المشبوه علي إرغامي علي الاستجابة له حتي أصبحت حياتنا سلسلة من الأزمات والتهديدات القضائية, وكلما رأبت صدعا بالتنازل عما يقضي به العدل.. ازداد طلبا وافتعالا للمشاكل, حتي انتهي به الأمر إلي مقاطعتي نهائيا ومقاطعة أختي وزوجها, ولم يبق علي صلة له بأسرتنا سوي بأمي التي يزورها من حين لآخر في غيابنا, وإذا فاتحته في قطيعته لأخوته ثار عليها وامتنع عن زيارتها حتي سلمت باليأس منه.
وفي هذه الفترة زرتك في مكتبك.. ورويت لك القصة كلها وقلت لك إن زوجتي وبالرغم من أنها سيدة فاضلة وطيبة ومتدينة ولم تعارضني في التنازل لأخي إذا لم يكن هناك حل آخر مع ما في ذلك من أضرار لمصلحتي ومصلحة أطفالي, إلا أنها تتهمني في نفس الوقت بالضعف معه وبالعجز عن الوقوف أمام جبروته واجترائه علي الحق.. وتقول إنه يعرف في هذا الضعف ويضغط علي به كلما أراد شيئا ليس من حقه أو خططت له زوجته شيئا آخر, كما تقول لي إنني فرطت في حقوق ابنائي ولسوف أندم علي ما فرطت فيه في المستقبل حين يرتع أبناء أخي في العز.. ويعاني أبناؤنا متاعب الحياة, وأذكر أنك سألتني عن تقديري للقيمة المادية لما تنازلت عنه من حقي لأخي فأجبتك أنها قد لاتتجاوز بضعة آلاف من الجنيهات ومثلها من أمي وأخي لأن الميراث كله صغير في النهاية, لكن المشكلة أن تنازلي وتنازل أمي وأختي لم يحقق الغرض منه وهو الحفاظ علي صلة الرحم مع هذا الأخ, ولست حزينا علي ما تنازلت عنه وإنما علي الأسلوب العدائي الذي ينتهجه أخي منا.. واضطراري لتفادي النزاع إلي القبول مرغما بشيء فيه ظلم لي ولأختي وأمي.. وهذا هو ما تعتبره زوجتي ضعفا من جانبي, فقلت لي إن الرجل الضعيف هو من لايقدر علي نفسه ولا علي كبح جماح شهواته وأطماعه.. وأن القوة الحقيقية هي في الصبر علي احتمال المكاره.. وفي الترفع عن الصغائر, وبهذا المفهوم فإن الرجل الضعيف في هذه القصة كلها هو أخي وأنا القوي الذي تغلب علي شهوة الاستئثار وشهوات الغضب والانتقام وترفعت عن أن أنازع شقيقي أمام القضاء حول عرض زائل من أعراض الدنيا.. صدوعا بأمر ربي بالحرص علي صلة الرحم.. فإذا كانت تضحيتي لم تحقق غرضها.. فإن المسئول عن ذلك هو من باع رحمه وتعاليم دينه وربه بمتاع قليل ولست أنا, وطلبت مني أيضا ألا أخشي من أن تؤثر تضحيتي علي مستقبل أبنائي, لأن خير ما أورثه لهم هو مال مطهر من كل شبهة حرام فيبارك الله سبحانه وتعالي فيه ويضاعفه لهم أضعافا مضاعفة, ورويت لي قصة العادل عمر بن عبدالعزيز مع أبنائه الذين تركهم فقراء من بعده فحفظهم ربهم وأجزل لهم العطاء, وخرجت من عندك مطمئن النفس ورويت لزوجتي كل ما قلت لي وبشرتها بما بشرتني به, وتعاهدنا علي ألا نرجع للحديث في هذا الأمر بعد ذلك أبدا, وواصلت حياتي راضيا بما أتيح لي من أسباب الرزق من عملي ومن إيراد ميراثي القليل, ولم أكف عن محاولة استعادة صلة رحمي بأخي برغم جفائه وتحفظه.. وعدم تجاوبه معي.. وسافر أخي للعمل في إحدي الدول العربية مع زوجته وأبنائه, وترك توكيلا لصهره وللمحامي المشبوه لإدارة أرضه.. ولم يفكر في أن يأتمنني عليها ولم أغضب لذلك.. لكني تعجبت فقط....
ومضت سنوات وهو لا يزورني ولا يتصل بي ولا بأخته ويكتفي بالسؤال عن والدته تليفونيا كل شهرين أو ثلاثة.. وأصبحت ألتقط أخباره منها, فعرفت أنه قد شارك بحصيلة الغربة شخصا جاء به إليه المحامي المشبوه في مشروع لإنشاء مصنع لتعليب وتعبئة وتصدير الخضر والفاكهة في الأرض التي يملكها.. وأن المحامي خاض معارك طويلة للحصول علي ترخيص بالبناء في الأرض الزراعية.. وبعد7 سنوات في الغربة رجع واستقر في مصر.. ثم فوجئت به ذات يوم يتصل بي من بلدتنا بعد فترة طويلة من الانقطاع.. ويصرخ ويبكي ويقول لي إن محاميه قد تواطأ مع شريكه علي سرقته وأنهما نهبا معا المبلغ الكبيرالذي شارك به في رأس مال المشروع إلي جانب الأرض, ويطلب مني السفر إليه في بلدتنا للوقوف إلي جانبه في هذه الكارثة لأنني أخوه وهو يحتاج إلي.. مع ضرورة إحضار المحامي الذي أتعامل معه من القاهرة معي!
وسمعت زوجتي القصة كلها وتساءلت: ولماذا لم يتذكر أنك أخوة سوي الآن.. ولماذا لم يلجأ إلي صهره الذي ائتمنه من قبل علي أرضه دونك!
وطالبتني بالاعتذار عن عدم السفر.. والاكتفاء بترشيح المحامي لصهر أخي لكي يتفاهم هو معه.. لكني لم أستطع أن أفعل ذلك برغم تسليمي بصحة كل ماقالت ورجوت المحامي أن يصطحبني في زيارة للبلدة للإطلاع علي الموقف وسافرنا معا.. وعقدنا اجتماعات وجلسات مع شريك أخي ومحاميه.. وتكشفت الحقيقة واضحة وهي أن الشريك قد استولي علي ثلاثة أرباع المبلغ الذي دفعه أخي في رأس المال وبرعم أنه قد انفقه كله في إنشاءات المصنع الذي لم يكتمل وهو يرفض الآن استكماله إلا إذا دفع أخي مبلغا جسيما آخر فإن لم يرض بذلك فإنه ينسحب من المشروع ويتركه لأخي ولكن بعد أن يحصل علي مايزعم أنه قد أنفقه من ماله علي الإنشاءات.. وإن لم يقبل بهذا ولا ذاك فأمامه المحاكم.. وليت الأمر اقتصر علي ذلك بل إن هناك أيضا ديونا للمشروع وشيكات موقعة من أخي ولابد من الوفاء بها وإلا كان السجن مصيره! وقد أعد المحامي المشبوه للشريك اللص كل شيء ودعم كل مزاعمه بالفواتير والمستندات وليست هناك ثغرة واحدة يمكن استخلاص الحق منها!
وبعد مداولات ومحاولات للتوسط بين الطرفين استمرت بضعة شهور نصح صديقي المحامي وهو إنسان مستقيم أخي بألا يستمر في النزاع لأنه سيخسره وسيضاعف من خسائره وان يقبل العرض المقدم من شريكه ومحاميه بأن يشتريا نصيبه في المشروع والأرض المقام عليها مقابل مايزعمان أنهما قد تحملاه من تكاليفه وديونه! بمعني أن يوقع علي بيع نصيبه بالمشروع والأرض المقام عليها مقابل الحصول علي مخالصة بالديون والأعباء والشيكات الموقعة فقط لاغير.
ولم يقبل أخي النصيحة بالرغم من إلحاحنا جميعا عليه بالقبول.. وراح كالمجنون يهذي ويصرخ ويبكي في هستريا ويتحدث عن اغتصاب الحقوق ويتهمني بالعجز عن مساعدته في استرداد ماله.. وآثر أن يخوض معركة القضاء فخسر أولي جولاتها.. والثانية.. واستسلم في النهاية وقبل بالعرض الأول بعد أن أنهكه المحامون واقترض مني بضعة آلاف من الجنيهات لم يردها حتي الآن.
وأعتلت صحته ومرض بارتفاع ضغط الدم والاكتئاب وانزوي في بيته لا يكاد يكلم أحدا.. وكل بضعة أسابيع يهجر زوجته ويقيم في شقة أمي غاضبا منها.. ونسعي نحن بالصلح بينهما رغم كل شيء.
وخلال إحدي فترات إقامته هذه في بيت أمي, خرج علي بطلب جديد هو أن أبادله بقطعة من الأرض الغربية التي آلت لي بالميراث بما تبقي له من أرض في الحد الشرقي للبلدة لأنه كما يقول قد مرض بالاكتئاب.. ويزداد اكتئابه كلما ذهب لمباشرة أرضه هناك ورأي أرضه المغتصبة منه ومشروعه المنهوب وماله الضائع يتمتع به اللصوص الذين استولوا عليه ظلما وعدوانا.., وحدثتني أمي في نفس الموضوع استجابة لضغطه الشديد عليها.. وقالت لي إنها لا تريد أن ترغمني علي ما لا أريده.. لكنها دعدته بالحديث معي ولم أعطها جوابا بالقبول أو الرفض, لكن زوجتي ما ان علمت بذلك حتي ثارت ثورة طاغية لم أشهدها منها من قبل.. وهددتني ولأول مرة في حياتنا الزوجية التي دامت حتي الآن19 عاما بأن تهجرني وتطلب الطلاق إذا استجبت لهذا المطلب, وضعفت مرة أخري مع أخي وفرطت في حقوق أبنائي وأكدت لي أنه هذا المطلب لا يمكن أن يكون لوجه الله.. ولا للأسباب التي يزعمها أخي.. وإنما هناك بالضرورة سر في الموضوع لا أعرفه.
وبالرغم من غضبي منها لتهديدها لي بطلب الطلاق إلا أنني تفهمت أسبابها ووعدتها بعدم إتخاذ أي إجراء في هذا الأمر بغير مشورتها كما وعدتها أيضا بتحري حقيقة الموضوع.
وفاتحت المحامي الصديق في الأمر فوعدني ببذل جهده لمعرفة الحقيقة وزرت بلدتي وتقابلت مع مستأجري الأرض وزرت المجلس الأعلي المحلي.. وذهبت إلي عاصمة الإقليم.. فإذا بي أعرف أن خريطة التوسع العمراني في بلدتي قد حددت إمكانية التوسع العمراني في البلدة بالاتجاه غربا وليس الي الشرق كما كان الشائع من قبل وذلك لخصوبة الأرض الزراعية في الشرق من ناحية ولتعذر نقل مقابر البلدة التي تعترض التوسع شرقا من ناحية أخري.. بل أكثر من ذلك فلقد علمت ان أخي قد عرف بهذا الأمر قبل أسابيع عن طريق المحامي الذي غدر به وخانه واغتصب ماله, وان هذا المحامي قد اتصل بي وأوهمه أنه يريد تعويضه عما خسره في مشروعه بمساعدته علي شراء أرض في الناحية الأخري من البلدة, تحسبا لارتفاع قيمتها خلال فترة قصيرة وأن شقيقي قد حاول بالفعل أن يبيع أرضه ويشتري غيرها في الحد الغربي, لكنه لم يجد من يشتري أرضه.. ولا من يقبل أن يبيعه أرضا مرشحة لأن تدخل كردون المدينة خلال عام أو عامين! فكتم الأمر كله عني.. وخرج علي بقصة الاكتئاب النفسي وأنه لا يطيق رؤية ماله المنهوب ليستدرجني استبدال أرضة دون أن أعرف أنها مرشحة لأن تكون أمتدادا عمرانيا للبلدة!
هل تصدق ذلك ياسيدي ؟
إنني لا أنكر عليه حتي رغبته في أن يستغل ضعفي معه أو مع ذوي الرحم, لكي يشاركني قطعة الأرض التي نبذها عند تقسيم التركة واصر علي أن يستأثر بالأرض الأفضل منها.. لكني أنكر عليه ان يستخدم في ذلك أيضا الخداع معي ويوهمني بأن مايطلبه هو لأسباب صحية تساعده علي العلاج من الاكتئاب.. وليس لأسباب مادية حقيرة وأنا الذي تنازلت له عن الكثير وتجاوزت عن جفائه لي ولأختي وابتعاده عنا سنوات بعد سنوات.
لقد دمعت عيناي حزنا وأسفا حين اكتشفت الحقيقة المرة.. وصارحت زوجتي بها فشعرت بالانتصار لتحقق ظنها في أخي, وحذرتني من الانخذاع بدموعه وتوسلاته واكتئابه المزعوم لأنه لا يستهدف إلا مصلحته وحده.
والحق أنني أؤيدها في كل ماقالت.. وأعرف أنه الحق.. لكني حائر بين توسلات هذا الأخ ودموعه.. واتصالاته المكثفة بي.. والضغط علي بذكريات طفولتنا وصبانا ووالدنا الراحل, وضعف أمي معه.. وأمنيتها الصامتة ان استجيب له برغم علمها بأنني سأتعرض للظلم مرة أخري لو فعلت, وبين إصرار زوجتي علي إلا استجيب لمطلبه وتذكيرها لي بمصالح ابنائي وحاجتهم في المستقبل لما يؤمن حياتهم.. واستنكارها لضعفي مع أخي وهو نفس موقف أختي وزوجها أيضا.. فبماذا تشير علي.. وبماذا تنصحني أن أفعل ؟
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
هناك فارق كبير بين أن تتنازل لأخيك عن بعض حقك إرضاء له وحرصا علي صلة رحمه إذا لم يكن هناك من سبيل آخر لتجنب النزاع القانوني معه سوي ذلك, وبين أن تخضع لابتزازه العاطفي لك فتواصل الاستجابة لرغباته التي لا سند لها من العدل والحق الي ما لا نهاية ومع مافي ذلك من ضرر مؤكد بك وبأبنائك.. والحق انك غير ملوم في إحساسك بالحزن لما تدهورت إليه قيمه الأخلاقية حتي إنه ليسعي جاهدا الي استدراجك لمبادلته بقطعة من أرضك الواعدة.. قطعة أقل قيمة منها.. مخفيا عنك دوافعه الحقيقية لهذا الخداع المؤسف.. ومستغلا فيك مشاعرك الأخوية نحوه بالرغم من سجله الشائن معكم لكي يكرر جريمته السابقة معكم ويحصل منكم علي ما لا حق له فيه.. وكأنما لم يتعلم شيئا مما تعرض له خلال الفترة الماضية حين اغتصب هو بعض حق أخوته بالإكراه المعنوي, فسلطت عليه السماء من اغتصبوا منه أضعاف ما اغتصب هو من أخوته وأمه, وشعر أمامهم بالعجز وقلة الحيلة.. بأضعاف ماشعر به أخوته أمامه وهم يقبلون راغبين أن يميزوه عنهم في ميراث أبيهم بلا سند من شرع أو قانون.. وبلا مبرر سوي ضعفه الأخلاقي المعيب أمام شر نفسه واستهانته بالروابط العائلية وإعلائه للقيم المادية علي كل ماعداها من اعتبارات.
إنه إنسان شديد الأثرة والذاتية ياصديقي, ولا يري سوي نفسه ورغائبه وتطلعاته ولا يتورع في سبيل تحقيق أهدافه عن استخدام كل الوسائل.. ويقبل بالحرام ولو كان مغتصبا من أخوته وذوي رحمه مادام يزيده مالا.. ولابد ان يسلم أن ما ناله منكم من قبل لم يكن سوي مال حرام, أخذه منكم بسيف الإكراه الأدبي وعلي غير طيب نفس من أحدكم, ولهذا فانه لم يغنه شيئا.. ولم يجعل منه أكثر الاخوة ثراء كما أراد لنفسه.. وإنما تبدد في الفضاء.. آخذا معه حصيلة سنوات الغربة خلال زمن قصير.. فنحن نعرف من هدي رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه..ان ماأخذ بسيف الحياء فهو حرام, وان مايأخذه المرء من آخر وهو يعلم جيدا أنه لم يكن ليعطيه له لولا استحياؤه منه.. إنما هو من قبيل الحرام سواء بسواء كالمال المسروق أو المغتصب بالحيلة والخداع.. فكيف يكون المال إذن بما حصل عليه هو من قبل بسيف الإكراه المعنوي والابتزاز العاطفي والتهديد بقطع الرحم ومنازعة الأم والأخوة في المحاكم والإساءة لذكري الأب الراحل.. ولسمعة الأسرة بأكملها.. هل يمكن أن يكون من الحلال البواح ؟
لقد استمرأ شقيقك أنانيته وذاتيته وإيثاره لنفسه وسعيه وراء مصالحه علي حساب حقوق أخوته ووالدته.. وبدلا من أن يعيده ماتعرض له من عدوان علي ماله علي طريقة قد ينتقم الله من ظالم بظالم ثم ينتقم من كليهما كما قال الإمام مالك بن أنس ـ إلي جادة الحق فيدرك وقد ذاق لسعة القهر وانتزاع الحق حقيقة ماذا فعل بإخوته ويعترف بظلمه السابق لهم.. ويستبريء ذمته منهم فإنه لم يتورع علي العكس من ذلك عن التخلي عن آخر القيم الأخلاقية ولم يتعفف عن محاولة الاحتيال علي شقيقه الذي تجاوز عن إساءته السابقة له وأعانه علي أمره في محنته ليفوز بشيء مما أضاعه هو من قبل علي نفسه بتطلعه الي مافي أيدي غيره ولو ارتكب في سبيل ذلك أحقر الجرائم الإنسانية وهي خداع الأخ وابتزازه عاطفيا بدعوي المرض النفسي, ومثل هذا الشقيق لا تعنيه الاستجابة لمطالبه غير العادلة علي نفسه.. ولا تساهم في إصلاحه وإعادته إلي النهج القويم في الحياة.. لأنه إنسان ضعيف بكل معني الكلمة.. أمام تطلعاته وأهوائه.., ولا عائد لمواصلة التنازل عن الحق له إلا أن يزداد جشعا وتطلعا للمزيد من حقوق أخوته وأهله, لهذا فلابد من وضعه أمام الحقيقة ومطالبته بمواجهتها بجلاء وبلا زيف.. وأنصحك بأن تواجهه بأنك قد عرفت ماينتظر أرضك من مستقبل واعد وباستمساكك بعدم التفريط فيها لمصلحة أبنائك, فإذا كانت قصة الاكتئاب هذه صحيحة ويشكو بالفعل من عجزه عن الإشراف علي أرضه للأسباب التي يدعيها فإنه يستطيع بيعها وشراء أرض بديلة لها في أي مكان آخر من الخريطة.., وإذا لم تكن صحيحة وهو الأرجح.. فلا شأن له بأرضك ولا بأرض أخته وأمه التي سيرث جزءا منها بعد عمر طويل..
أما أنت فلست مطالبا بتعويضه عما ذهبت به رياح الجشع وسوء التقدير من ماله.. وإذا كنت من ذوي النفوس العظيمة الذين يعملون بوصية عمر بن الخطاب حين سئل لمن يكون الإحسان.. فأجاب: لمن أساء إلينا فإنك تستيطع مبادلته بأرضه كما يريد, ولكن بالقيمة الحقيقية لها وبالمقارنة بالقيمة المستقبلية لأرضك وفقا لأحكام السوق وقواعد العرض والطلب, دون تفريط أو مغالاة.. وبهذا المعيار فقد تكون المساحة العادلة من أرضك التي تساوي القيمة الفعلية لأرضه كلها تعادل نصف مساحتها أو أكثر أو أقل وفقا لأسعار السوق وتوقعات المستقبل, فإذا قبل بذلك فإنك تكون قد أرضيت طبيعتك المضحية.. التي تعلي الاعتبارات العائلية والدينية علي بقية الاعتبارات وإن لم يقبل به وأغلب الظن أنه لن يقبل.. فليفعل هو بأرضه وحياته مايشاء ولا لوم عليك في شيء, ذلك لأن الابتزاز العاطفي لا يمكن ان يحقق أهدافه الي ما لا نهاية.. كما أن ذكريات الطفولة والصبا وغيرها لا تعطي لشقيقك رخصة أبدية بأن يتطلع دائما الي نيل ما لا حق له فيه من مال أخوته وذويه. وليس مما يشرفه ألا يحفل بالروابط الأخوية والعائلية والذكريات المشتركة إلا حين يحتاج إلي الأهل والاخوة فيكون بذلك كما يقول المثل الأوروبي القديم كالنواتية الذين لا يعرفون الله إلا ساعة الغرق!
مدونة بريد الجمعة مدونة إجتماعية ترصد أحوال الشارع المصرى والوطن العربى مدونة تتناول قصص, ومشكلات حقيقية للوطن العربى مثل: (ظاهرة العنوسة, الخيانة الزوجية, الخلافات الزوجية, التفكك الأسرى, الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء, الحب من طرف واحد, مرض التوحد, الإبتلاءات من فقر ومرض وكيفية مواجهة الإنسان لها) ثم يعرض الموقع فى أخر كل موضوع رأى المحرر فى التغلب على هذه المحن
الثلاثاء، ١ فبراير ٢٠٠٠
الرجل الضعيف!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق